النحو العربي وعلاقته بالمنطق
«إن اختلاط الأمم والتبادل اللغوي الآن يفوق ما كان عليه في الماضي، ومشاكل الترجمة أو اقتباس الأجنبي مشاكل عصرية سائدة في معظم المجتمعات، والحلول الكثيرة المقترحة لمعالجتها لا تُلقى ارتجالًا، ولا تُبنى من فراغ، بل لا معدى لها عن النظر إلى الأعراض الأولى والظروف المختلفة التي رافقت أصول هذه الظاهرة في ماضي اللغات والشعوب.»
كتب الأستاذ الدكتور «محمود محمد علي» كتابه هذا ليدرس علاقة النحو العربي بالمنطق الأرسطي، ويَسبُر تأثُّر النحاة العرب بمقولاته وأجزائه في تأسيسهم لهذا الحقل، ليدفع بذلك ضد دعوات الاستقلال الكامل للنحو العربي وانفصاله عن أي تأثُّر بالمجال الثقافي السائد وقت نشأته؛ إذ يرى الكاتب أن العلاقة بين النحو والمنطق جاءت على وجهَين؛ مباشر وغير مباشر؛ فقد تأثَّر واضعو النحو العربي الأوائل تأثُّرًا غير مباشر بالمنطق الأرسطي عبر احتكاكهم بالنحاة السريانيين الذين وظَّفوا المنطق في تأسيسهم نحو لغتهم، وتأثُّرًا مباشرًا بعد ترجمة الأورجانون الأرسطي بكافة أجزائه أيامَ الأمويين والعصر العباسي الأول. وتبلوَر هذا التأثر في تطوُّر النحو على مراحلَ ثلاثٍ سمَّاها الكاتب وصفيةً وتجريبيةً واستنباطية، ليؤكد على أنه ما من لغة، مهما علا شأنها، إلا مرَّت بتبادُل لغوي ومنطقي مع محيطها.