الفصل الثاني

التأثير اليوناني والسُّرياني للنحو العربي بين الرفض والقبول

تقديم

تحدَّثنا في الفصل السابق عن إسهامات اليونانيين في مجال العلاقة بين المنطق واللغة، وأوضحنا كيف نشأ المنطق مرتبطًا بالجدَل الفكري، والنحوي الذي ساد عند فلاسفة اليونان؛ الأمر الذي جعل «ديونيسيوس ثراكس» Dionysius Thrax أن يبرز للوجود رائعته عن «فن النحو»، ثم بيَّنا كيف استطاع «ثراكس» أن يقدم وصفًا موجزًا لبنية اللغة اليونانية، ثم كيف تمكن من أن يحدد لنا وحدتين أساسيتين للوصف، أُولاهما: الكلمة، وهي أصغر جزء في تركيب الجملة، ثانيتهما: الجملة، وهي حد مُركب من الكلمات التي تعبر عن معنًى تام، ثم كيف توصل إلى الكشف عن أقسام الكلام إلى ثماني وحدات.

كما بيَّنا كيف قام «يوسف الأهوازي»، بترجمة كتاب «فن النحو» إلى اللغة السُّريانية؛ الأمر الذي أدى ببعض الباحثين إلى أن يقول عنه بأنه صاحب أقدم مؤلف سُرياني عُرف في النحو، ثم كشفنا النقاب عن الدور الذي قام به «يعقوب الرُّهاوي» صاحب كتاب «غراماطيقي»، هو أول مؤلف في النحو السرياني، وقد استعمله السُّريان كثيرًا في التدريس، وقد عدَّه السُّريان أول كتاب في النحو لديهم.

كذلك كشفنا أيضًا كيف كانت اللغة السُّريانية حتى أواخر القرن السابع للميلاد تُكتب دون تشكيل، ثم استعمل السُّريان حروف العِلَّة الثلاثة: الألف، والواو، والياء كحركات لضبط اللفظ، ولكن هذه الطريقة كثيرًا ما تُربك القارئ؛ حيث لا يميز فيما إذا كانت الحروف قد استُعملت في الكلمة كحركة أم حرف. أما التنقيط فقد استُعمل قبل القرن السابع كتشكيل للكلمات، وأخيرًا انتهينا في هذه القضية كيف كانت الثقافة العربية في علاقة تفاعل مع الثقافة المنطقية اليونانية، والسُّريانية منذ أمد بعيد، قبل هؤلاء النحاة وبين أيديهم، والدليل على ذلك هو أن تشابه اللغتين السُّريانية والعربية واضح في بناء الجُمل، وفي دلالة الألفاظ، وفي الضمائر، والأعداد وغيرها، ولم نكتفِ بذلك، بل أوضحنا كيف كان علم النحو عند السريان يحمل مرجعية تستند إلى المنطق الأرسطي، وبيَّنا كيف وصل هذا المنطق عبر السُّريان إلى العرب.

وفي هذا الفصل نحاول أن نكمل المسيرة؛ حيث نتكلم عن التأثير اليوناني والسُّرياني، للنحو العربي بين الرفض والقبول، والسؤال الذي يتردد بين المحققين من علماء اللغة، والذي يثير جدلًا بين طائفة المثقفين، والمهتمين بالشئون النحوية هو: هل العرب اقتبسوا نحوهم من اللغة اليونانية، أم السُّريانية، أم هو عربي الأصل والمنشأ؟

في الواقع احتار العلماء في هذا الموضع؛ إذ وقف بعضهم موقف الحائر المتردد، ووقف آخرون موقف الحذر المتشكِّك، ومر بعضهم في سرعة لا تَحتمل المناقشة، ووقف آخرون يبحثون ويناقشون، ولم تكن هذه الخلافات عند علماء العرب فحسب؛١ بل عند علماء أوروبا أيضًا، وخاصة الذين درسوا نحونا العربي وتاريخه، ويصور جزءًا من هذا الخلاف ما نقله الأستاذ «أحمد أمين» عن المستشرق «ليتمان» قائلًا: «اختلف العلماء الأوروبيون في أصل هذا العلم [ويعني النحو العربي]، فمنهم من قال إنه نُقل من اليونان إلى بلاد العرب، وقال آخرون ليس كذلك، وإنما نبت كما نبتت الشجرة في أرضها، وأنه أنقى العلوم العربية عروبة.»٢
ويراه آخرون أنه لا يمكن إثبات وجوه أخرى من التأثير الأجنبي بسبب غموض النشأة؛ وفي ذلك يقول المستشرق «كارل بروكلمان»: «إن أوائل علم اللغة العربية ستبقى دائمًا مَحوطة بالغموض والظلام؛ لأنه لا يكاد يُنتظر أن يُكشف النقاب بعد عن مصادر جديدة تعين على بحثها ومعرفتها، ومن ثم لا يمكن إصدار حكم قَطعي مبني على مصادر ثابتة للحسم برأيٍ في إمكان تأثر العلماء الأولين بنماذج أجنبية.»٣

أما أغلب الباحثين المعاصرين فيرى بوجود مصادر يونانية وسُريانية، وهنا في هذا الفصل نبحث هذه القضية؛ حيث نُمحِّص الآراء التي قيلت بصدد المصادر اليونانية والسريانية التي استمد منها النحو العربي مادته، وذلك على النحو التالي:

(١) المصدر اليوناني

يرى بعض الباحثين أن النحو العربي اقتبس أصوله عن النحو اليوناني، ثم توسعوا في بحثه، وأن هذا الاقتباس تم مباشرة من اليونان إلى العرب، ومن مظاهر آثار اليونان، التي ما تزال تُلمَس في الدرس اللغوي العربي بعض المفاهيم الاصطلاحية، ومنها، علاوة على أقسام الكلام:٤
  • (أ)
    «الإعراب»، ويقولون إنه ترجمة للمصطلح اليوناني Hellenismos.
  • (ب)
    «الصرف»، ويَعُدونه ترجمة للمصطلح اليوناني Klisis، ومعناه: الإمالة أو الصرف، أي: إن الكلمة يكون لها وضعٌ أصلي تكون عليه، وعن هذا الوضع الأصلي قد تنصرف، أي: تميل، لتأخذ وضعًا آخر، وذلك من خلال تغيُّراتٍ تطرأ على آخر الكلمة.
  • (جـ)
    «القياس»، ويقابل هذا المصطلح باليونانية Analogia وتعني «القياس».
  • (د)
    «الحركة»، ويقولون هي ترجمة للمصطلح اليوناني Kinesis.
ومن أوائل المستشرقين الذين نادَوا بهذا الرأي المستشرق الألماني «مِركس» Merx، في كتابه «تاريخ الصناعة النحوية عند السُّريان»؛ فقد استخدم مركس — بشكل رئيس — التماثلات الاصطلاحية، ولقد كانت أهم استدلالاته تتمثل فيما يلي: فكرة التصرف الإعرابي، ومصطلح «إعراب»، وتقسيم الكلام إلى ثلاثة أجزاء، والتمييز بين الجنسين، وتمييز الأزمنة الثلاثة، وفكرة الظرف (ظرف الزمان أو المكان)، وفكرة الحال.٥
فمثلًا يقول مركس إن كلمة الإعراب في العربية، وهي التي تعني أولًا: الإبانة والإفصاح عن الخواطر، ثانيًا: إزالة الفساد في الكلام، ثالثًا: تغير آخر الكلمة. وهذه الكلمة نُقلت من الكلمة اليونانية Hellenismos.٦ ويذكر مركس أن أصل كلمة Hellenismos في اللغة اليونانية اسم فِعل يوناني تعريبه: هَلَّنَ شيئًا تهلينًا، أي صيَّره هِلينيًّا، وقد تكلم عنها أرسطو في كتابه الخطابة: «إن أصل الكلام هو الوجه الهليني في التكلُّم.» أي الوجه الصحيح الذي يحصل عليه بمراعاة خمسة أشياء:٧
  • (أ)

    باستعمال الروابط، أي حروف العطف.

  • (ب)

    باستعمال الكلمات الخاصة.

  • (جـ)

    بعدم استعمال الكلمات الملُتبِسة.

  • (د)

    بتمييز الأجناس في الأسماء.

  • (هـ)

    بتمييز الأعداد فيها.

ومن جهة أخرى يرى مركس أن: «تقسيم الكلمة في النحو العربي إلى ثلاثة أنواع يبدو للوهلة الأولى وكأنه صورة منسوخة عن التقسيم الأرسطي: اسم Onoma وفعل Rhema وأداة Sundesmos٨
وأما كلمة الصرف فيرى مركس أن هذه الكلمة نُقلت من الكلمة اليونانية Klisis، وأن كلمة التصريف نُقلت من الكلمة اليونانية Ptosis، ويناقش مركس ذلك فيقول: «إن النحاة اليونان كانوا يرون أن الاسم، بالنسبة إلى حالته الأصلية التي هي حالة التسمية Onomasticos، له ميل Klisis إلى حالات أخرى، كما أن الفعل بالنسبة إلى حالته الأصلية التي هي حالة الحاضر Enestos، له ميل إلى حالات أخرى؛ وكان النحاة اليونان يُسمُّون كل واحدة من هذه الحالات المتغيرة وقعة: Ptosis٩
ولقد ساير البعضُ من الباحثين العرب المعاصرين فيما ذهب إليه مركس، فوجدنا أستاذنا الدكتور «إبراهيم بيومي مدكور» — رحمه الله — في بحث له بعنوان «منطق أرسطو والنحو العربي» يبين لنا كيف تأثر نحاة العرب بمنطق أرسطو في بحوثهم وتأليفهم، ونحن هنا نقتبس بعض الفقرات مما جاء في هذا البحث القيم: «ولا شك في أن المنطق الأرسطي قد صادف في القرون الوسطى، المسيحية والإسلامية، نجاحًا لم يُصادفه أي جزء آخر من فلسفة المعلِّم الأول؛ فعرف أرسطو المنطقي قبل أن يعرف أرسطو الميتافيزيقي، وترجم الأورجانون قبل أن يترجم كتاب الطبيعة، أو كتاب الحيوان. وللأورجانون في العالم العربي منزلة خاصة، فكانت أجزاؤه الأولى أول ما تُرجم من الكتب الفلسفية إلى اللغة العربية، ثم أُلحقت الأجزاء الأخرى فتُرجمت، وشُرحت، واختُصرت، وتوالى البحث في المنطق لدى المدارس الإسلامية المختلفة عند الفلاسفة والمتكلمين، بل عند الفقهاء.»١٠
ثم يقول في المقال نفسه: «ولم يقف الأمر — فيما نعتقد — عند الفقه، والكلام، والفلسفة، بل امتد إلى دراسات أُخرى، من بينها النحو، وقد أثر فيه المنطق الأرسطي من جانبين: أحدهما موضوعي، والآخر منهجي. فتأثر النحو العربي عن قرب أو عن بُعد بما ورد على لسان أرسطو في كتبه المنطقية من قواعد نحوية، وأريد بالقياس النحوي أن يُحدد ويوضع على نحو ما حدده القياس المنطقي، ومما يَلفت النظر في كتب النحاة المتأخرين أنهم يسلكون في بحوثهم مسلك المَناطِقة، وكثيرًا ما نجد القوانين المنطقية، التي جاء بها أرسطو مسيطرة على عقولهم، كأنهم يتصورون القواعد النحوية تجري على نفس النمط الذي تجري عليه ظواهر الكون.»١١
وكذلك ذهب الأستاذ إبراهيم مصطفى، عندما تحدث عن نشأة النحو العربي: «وأبو الأسود الدؤلي قد أخذ القراءة وضبط كلمات المصحف عن الإمام «علي» — رضي الله عنه — وكان يحتج بذلك إذا ما خالفه قارئ آخر لهذا الضبط، وهذه النقط لا يزال لها أثر في بعض الصحف»، ثم يتابع قوله: «قالوا وقد اتخذ ذلك — يعني «أبا الأسود» — عن اليونانية وكان قد قرأها.»١٢
ولعل من أهم الباحثين عن التأثير اليوناني في النحو العربي وأخطرهم في هذا الصدد المستشرق الهولندي «كيس فرستيج» K. Versteegh، الذي أخذ في كتابه «عناصر يونانية في الفكر اللغوي العربي»،١٣ يُدافع عن نظرية التأثير اليوناني في النحو العربي، فيرى أن النُّحاة العرب القدامى قد اقتبسوا بضعةً من المفاهيم والمصطلحات من النحو اليوناني؛ وذلك بواسطة اتصالهم المباشر باستعمال النحو اليوناني الحي، كما يقول، في مراكز الثقافة اليونانية الموجودة في الشرق الأدنى بعد الفتح العربي؛ وفي هذا الصدد يقول «فرستيج»: «لم تكن الجامعات الهلنستية تعطي فقط دروسًا في الفلسفة اليونانية، بل أيضًا في اللغة اليونانية، التي كانت، بوصفها أداة ووسيطًا بالغ الأهمية في التعليم، مادةً إجبارية على كل دارس للفلسفة، ولقد ظلت اللغة اليونانية وقتًا طويلًا لغة التعليم إلى أن حلت اللغة السُّريانية محلها في الشرق.»١٤
ولم يكتفِ «فرستيج» بذلك، بل يقول: «ولقد مارسَت اللغة اليونانية تأثيرات متعددة على اللغة السُّريانية؛ في الكلمات الكثيرة المستعارة في نظام العلامات، بل في الأسلوب الأدبي، ومع ذلك فقد ظلت السريانية تستعمل لغة الطبقات الدنيا، ولكنها بعد الفتح العربي أصبحت أكثر أهمية بوصفها اللغة الوسيطة بين اليونانية والعربية؛ فالترجمات كانت تتم أولًا من اليونانية إلى السرُّيانية، ثم من السريانية إلى العربية، وهذا يؤكد أن دراسة اليونانية لم تختفِ، بل على العكس أصبحت أكثر أهمية من أي وقت مضى؛ إذ لا بد من اكتسابها لإعداد المترجمين المدرَّبين الذين يمكنهم أن يمدوا الدارسين بترجمات المؤلفات الفلسفية اليونانية.»١٥
وينتهي «فرستيج» من تحليلاته إلى أن بداية نشأة النحو العربي تأثرت بفكرٍ يوناني عن طريق ترجمة الكتب اليونانية إلى العربية، وأن عملية ترجمة الكتب من اللغة اليونانية إلى العربية، بدأت في القرن الثاني، أي في العهد العباسي رسميًّا، والعصر العباسي في تلك الأيام هو المركز الأساسي في نقل المعلومات عن علوم اليونان إلى العربية.١٦

وبعد هذا العرض في الشأن الخاص بالنحو اليوناني نجد أنفسنا أمام اتجاه يرى أن الاقتباس تم مباشرة عن طريق اليونان.

(٢) المصدر السُّرياني

انقسم الباحثون حيال التأثر بالسريانية أنهم قالوا بثلاثة آراء:

(٢-١) الرأي الأول

أن العربية قامت على نمط السُّريانية، ومن القائلين بهذا «جورجي زيدان» الذي ذهب إلى أن «العرب لما اضطروا إلى تدوين العلوم، وكانوا قد خالطوا السُّريان واطلعوا على آدابهم ومؤلفاتهم التي كان النحو في جملتها؛ نسجوا على منوالهم.»١٧ والأستاذ أحمد أمين، الذي يرى أن: «العرب قد اتصلوا بالآداب السُّريانية الموجودة في العراق قبل الإسلام، والتي كان لها قواعد نحوية، فكان من السهل أن توضع قواعد عربية على نمط القواعد السريانية.»١٨ ومنهم الأستاذ حسن الزيات، الذي كان يرى أن «النحو العربي سُرياني الأصل، وأن أبا الأسود الدؤلي لم يضع النحو والنقط من ذات نفسه، وإنما يرجع إلى أنه ألَمَّ بالسُّريانية، وقد وُضِع نحوها قبل نحو العربية.»١٩
إذن، يعتقد أصحاب هذا القول أن النحو العربي أخذ عن اللغة السريانية بحكم الاتصال الجغرافي القريب بين العرب والسريان «والذين كانوا يقطنون في حوض دجلة الأعلى، وفي الحِيرة وحولها، وكانت ديانتهم المسيحية، وقد تأثر عرب الحيرة وعرف كثير منهم اللسان السرياني.‏»٢٠ وكانت اللغة السُّريانية منتشرة في المدن الإسلامية، وإنها سهلة الحفظ والتعلم، وهذا ما نجده من حث الرسول على تعلم السريانية في حديث عن «زيد بن ثابت» عن النبي محمد أنه قال: «إني أكتب إلى ‏قوم، فأخاف أن يزيدوا عليَّ أو ينقُصوا، فتعلَّم السريانية.» فقال زيد: فتعلمتها في سبعة عشر يومًا.٢١
وعلى هذا فإن السريانية انتشرت في الدولة الإسلامية في حدود ضيقة؛ وخاصة في العراق وما جاورها من المدن القريبة منها. أما اللغة السريانية وقواعدها فقد ذكر الباحثون في هذا الصدد: «كان السُّريان يجيدون هذه اللغة ويُحكمونها تكلُّمًا وكتابة بحكم الفطرة والعادة.»٢٢ فلا يحتاجون إلى ضوابط تهديهم إلى الفصيح وقواعد تعصمهم من الخطأ، وبقوا على هذه الحالة فترة من الزمن، حتى تم الاتصال الوثيق باليونان، وبعد هذا الاتصال اقتبسوا من هذه اللغة أصول النحو. يُقال: «إنهم أسسوا علم النحو في لغتهم على غرار النحو اليوناني.»‏٢٣
يقول جورجي زيدان: «كان للسُّريان تمدُّن قديم، وإنما يهمنا في هذا المقام ما كان عندهم من علوم الفلسفة التي اشتغلوا بنقلها، وهم في ذلك تلامذة اليونان؛ لأنهم تعلموا فلسفتهم، وطبَّهم، وسائر علومهم، كما تعلمها الرومان قبلهم، واقتبسها الفرس معهم، وكما تعلمها المسلمون بعدهم. والسريان أهل ذكاء ونشاط، فكانوا كلما اطمأنت خواطرهم من مظالم الحكام وتشويش الفاتحين انصرفوا إلى الاشتغال بالعلم، فأنشئوا المدارس للَّاهوت، والفلسفة، واللغة، ونقلوا علوم اليونان إلى لسانهم، وشرحوا بعضها، ولخصوا بعضها، ومنهم من خرج أكثر الذين ترجموا العلم للعباسيين، وأكثرهم من النساطرة، ونقتصر هنا على ذكر اشتغالهم في العلم لأنفسهم.»٢٤
ويستطرد «زيدان» فيقول: «كان للسُّريان فيما بين النهرين نحو خمسين مدرسة تُعلَّم فيها العلوم بالسريانية واليونانية، وأشهرها مدرسة «الرُّها»، وفيها ابتدأ السريان يشتغلون بفلسفة أرسطو في القرن الخامس للميلاد، وبعد أن تعلموها أخذوا في نقلها إلى لسانهم، فنقلوا المنطق في أواسط القرن المذكور، ثم أتم دراسة المنطق «سرجيس الرأسعيني» الطبيب المشهور، وفي المتحف البريطاني بلندن نُسَخ خطيَّة من ترجمته الإيساغوجي إلى السريانية، وكذلك مقولات أرسطو. وفي أوائل القرن السابع للميلاد اشتهرت مدرسة قِنَّسرين على الفرات بتعليم فلسفة اليونان باللغة اليونانية، وتخرَّج فيها جماعة كبيرة من السُّريان، وفي جملتهم الأسقف «سويرس»، فقد انقطع فيها لدراسة الفلسفة، والرياضيات، واللاهوت، ولمَّا تمكن من تلك العلوم نقل بعضها إلى السُّريانية.»٢٥
ويختتم «زيدان» قوله، فيقول: «وفي نفس القرن السابع للميلاد قد استنبط [يعقوب الرُّهاوي] علامات الحركات، آخذًا بعضها عن اليونانية التي كان يجيدها؛ حيث إنه رأى أن جميع أصوات الصوائت السريانية، كما ينطقها الرهاوي، يمكن أن تمثلها حروف يونانية، وكطريقة للإشارة يمكن أن تكون أكثر وضوحًا للقارئ من مجموعة النقط الصغيرة، فأخذ من اليونانية حرف الألف وجعله للفتح، والهاء للكسر، والعين مع الواو للضم، والحاء للكسر المشبَع، والعين وحدها للضم المُمال إلى الفتح، وجعل صورة هذه الحروف اليونانية صغيرة، وكان أسلوبه في تشكيل الكلمات كتابة الحركات (الحروف الصوائت) مع الحروف الصوامت على السطر، ولم يُكتب لهذه الطريقة البقاء طويلًا، وتطورت بعدئذٍ فوُضعت الصوائت كعلامات صغيرة فوق الحروف أو تحتها، كما أن السريان الغربيين لم يتركوا طريقة التنقيط، بل سارت الطريقتان جنبًا إلى جنب أجيالًا عديدة، ثم فُضلت الحركات لوضوحها وسهولتها، فاستعاض السريان بها عن التنقيط.»٢٦

وكنا قد أشرنا في الفصل السابق كيف اعتُبِر «يعقوب الرُّهاوي» أول مؤلف للنحو عند السريان، الذي من خلاله وُضعت القواعد والضوابط للغة السريانية، وإليه تُنسب الحركات الخمس المعبَّر عنها بأحرف يونانية صغيرة، كما أنه حاول إدخال أحرف جديدة على اللغة السريانية.

والغالب في ظن الكثير من الباحثين أن «أبا الأسود الدؤلي»، لم يضع النحو والتنقيط من ذات نفسه وإنشائه؛ وإنما يُظن أنه ألَمَّ بالسريانية أو اتصل بقساوستها وأحبارها، فساعده ذلك على وضع ما وضع؛ يقول جورجي زيدان: «ويغلب على ظننا أنهم نسجوا في تبويبه على منوال السُّريان؛ لأن السريان دونوا نحوهم وألفوا فيه الكتب في أواسط القرن الخامس الميلادي، وأول من باشر ذلك منهم الأسقف «يعقوب الرُّهاوي»، الملقَّب بمفسر الكتب. فالظاهر أن العرب لما خالطوا السريان في العراق اطلعوا على آدابهم، وفي جملتها النحو، … فأعجبهم فلما اضطروا إلى تدوين نحوهم نسجوا على منواله، لأن اللغتين شقيقتان، ويؤيد ذلك أن العرب بدءوا بوضع النحو وهم بالعراق وبين السريان والكلدان، وأقسام الكلام في العربية هي نفس أقسامه في السريانية.»٢٧ يقول الأستاذ «أحمد أمين»، عندما تحدث عن النحو: «كانت آداب السريانية في العراق قبل الإسلام، وكان لها قواعد نحوية، فكان من السهل أن تُوضع قواعد عربية على نمط القواعد السُّريانية، خصوصًا واللغتان من أصل ساميٍّ واحد.»٢٨
ونستخلص من هذه الآراء أن اللغة السريانية انتشرت في الدولة الإسلامية في حدود ضيقة، وخاصة في العراق وما جاورها من المدن القريبة منها، إما عن طريق المدارس التي بقيت مفتوحة بعد الفتح، وإما عن طريق السُّريانيين الذين دخلوا الإسلام، ويبقى لنا أن نعرف حقيقة مهمة تجلو لنا ما نريد، وهي معرفة اللغة السُّريانية، وخاصة قواعدها، وأحب أن أعترف بأنني لا علم لي باللغة السُّريانية ولا بقواعدها، وإنما اعتمدت في هذا البحث على ما ذكره المحدثون في هذا الشأن؛ إذ يقولون: «كان السريان يجيدون هذه اللغة ويحكونها تكلُّمًا وكتابًة بحكم الفطرة والعادة»؛ فلا يحتاجون إلى ضوابط تهديهم إلى الفصيح، وقواعد تعصمهم من الخطأ، وظلوا على هذا الحال زمنًا مديدًا حتى تم اتصالهم الوثيق باليونان ووقفوا على لغتهم؛ إذ اقتبسوا من هذه اللغة أصول النحو،٢٩ ويقال: «إنهم أسسوا علم النحو في لغتهم على غرار النحو اليوناني»، واتخذوا من الصوائت اليونانية حركات يستعملونها في كتاباتهم، ونستنتج من هذه الأقوال أن السُّريان كان لهم نحو، وحركات توضع فوق الحروف تساعدهم على القراءة الصحيحة.٣٠

(٢-٢) الرأي الثاني

أن العربية اقتبست نحوها من السُّريانية، وحصروا الاقتباس في ناحيتين: الأولى: التقسيم الكلامي في النحو، والثانية: النقاط العربية.

ولنقف قليلًا مع ما ذكره المحدثون في هذا الشأن، وقد حددنا، لفظ «المحدثون» لأن القدماء لم يشيروا إلى هذا الأخذ إطلاقًا.

إن من الثابت تاريخيًّا أن «أبا الأسود الدؤلي» تولى ضبط المصحف ضبطًا إعرابيًّا بوساطة النقط، وقد تساءل الأستاذ «عبد الحميد حسن»: «هل وضع — أبو الأسود — ذلك على غير مثال في عصره، أم أنه استعار ذلك من اللغات السامية الأخرى؟» ثم عقَّب على هذا التساؤل بقوله: «والمعروف في تاريخ اللغات السامية أن السُّريان هم الذين ابتدعوا علامات الحركات في لغتهم، وأخذها عنهم سائر الساميين، وكانت هذه العلامات نقطًا فوق الحرف أو تحته أو وسطه، وقد قصدوا بذلك الاحتفاظ بالأحرف الهجائية دون تغييرٍ فيها؛ فهل من صلة بين هذا وبين ما عمله «أبو الأسود الدؤلي» في اللغة العربية؟»٣١
ثم لا يجيب عن هذا السؤال إجابة صريحة، وكأنما يترك ذلك للدكتور «حسن عون» الذي يُقرر دون تردُّد أن «طريقة الشكل — هي اللبنة الأولى في بناء النحو العربي — قد استمدها أبو الأسود الدؤلي من النحاة السريانيين»، ثم يسرد ما يراه أدلةً كافية على تأثر النحو العربي في فترة نشأته الباكرة بالنحو السرياني: «ولدينا من الأدلة ما يُبين في وضوح أن أبا الأسود قد اتخذ بيئته العراق موطنًا، وكان بها واليًا إداريًّا، وفيها عالمًا لغويًّا، وزعيمًا دينيًّا؛ ونحن نعلم أن هذه البيئة كانت قبل الفتح العربي وبعده مغزوة باللغة السريانية؛ وبالمعارف السريانية. وكانت، إلى جانب ذلك، آهلة بالعلماء السريان، وميدانًا لدراساتهم ومناقشاتهم وجدلهم، لا من الناحية الدينية أو الفلسفية فقط، ولكن في مختلف العلوم الإنسانية، ومنها اللغة والنحو. ونعلم أيضًا أن اللغة العربية قد تعرضت — بعد اتساع الفتوح الإسلامية — إلى الأزمة نفسها التي تعرضت لها اللغة السريانية في خلال القرنين الرابع والخامس بعد الميلاد: ظهور لغات أخرى في ميدان الحديث والكتابة، وانتشار اللحن بين الناطقين، والخوف من أن يمتد هذا اللحن إلى نصوص الكتاب المقدس.»٣٢

هذه هي مظاهر الأزمة التي مرت بها اللغة السريانية في القرنين الرابع والخامس الميلاديين، واللغة العربية بعد اتساع الفتوح، ولقد كان من نتائج هذه الأزمة عند السريان أن فكروا في وضع ضوابط لشكل كتابهم المقدَّس؛ ولم تكن هذه الضوابط سوى طريقة النقط التي استعملها أبو الأسود الدؤلي في ضبط شكل آيات القرآن الكريم. من هذا نرى أن المقدمات متشابهة، وكلا العِلمَين قد حدث في بيئة واحدة؛ أليس من العناد إذن أن نقول إن أبا الأسود الدؤلي لم يستمد طريقة نقط الشكل من السُّريانيين الذين سبقوه بنفس العمل؟

بقي لنا أن نوضح كيف اتصل أبو الأسود باللغة السريانية وبعلمائها.

يرى الدكتور «عون» أن نقط المصحف، أو ما يُسمَّى نقط الإعراب، الذي يُعد لبنة أولى في بناء النحو العربي من حيث الجانب الوظيفي، قد اقتبسها أبو الأسود الدؤلي من السريان، واستدل على ذلك بأمور عدة؛ إذ قال: «أما طريقة الشكل، وهي اللبنة الأولى في بناء النحو العربي، فقد استمدها أبو الأسود الدؤلي من لدى النحاة السريانيين … ولدينا من الأدلة ما يُبيِّن في وضوح أن أبا الأسود قد استمد طريقة نقط الشكل من النحاة السريانيين، من هذه الأدلة: أن أبا الأسود قد اتخذ بيئة العراق موطنًا، وكان بها واليًا إداريًّا، وفيها عالمًا لغويًّا وزعيمًا دينيًّا، ونحن نعلم أن هذه البيئة، كانت قبل الفتح العربي وبعده مغزوة باللغة السريانية، وبالمعارف السريانية، وكانت إلى جانب ذلك آهلة بالعلماء السريان، وميدانًا لدراستهم ومناقشاتهم وجدلهم … في مختلف العلوم الإنسانية، ومنها اللغة والنحو، ونعلم أيضًا أن اللغة العربية قد تعرضت، بعد اتساع الفتوح الإسلامية، إلى الأزمة نفسها،٣٣ التي تعرضت لها اللغة السُّريانية في خلال القرنين الرابع والخامس بعد الميلاد: ظهور لغات أخرى في ميدان الحديث والكتابة، وانتشار اللحن بين الناطقين، والخوف من أن يمتد هذا اللحن إلى نصوص الكتاب المقدس.»٣٤
وينتهي الدكتور «عون» من تحليلاته لكيفية تمكُّن أبي الأسود الدؤلي من اللغة السريانية، فيقول: «والأمر في ذلك سهل؛ إذ إن صلته بالعلماء ليس من السهل أن يُشك فيها؛ فقد كانوا الطبقة المستنيرة المثقفة في بيئة العراق، وكانوا فوق ذلك يمارسون نشاطًا في هذه البيئة لا يجارى من ناحية الدرس والتفكير؛ ولا ينبغي مطلقًا لعالم ديني لغوي، وحاكم إداري كأبي الأسود أن يجهل وجود هذه الطبقة؛ فهو لا بد وأن يكون قد اتصل بها وخالطها وتحدث إليها، وتعرف على كثير مما تهتم به من المسائل العلمية، وإذا كان الأمر كذلك فليس هناك ما يستلزم أن يكون أبو الأسود قد تعلم اللغة السريانية لكي يأخذ شكل النصوص الدينية عن أصحابها، فمن الممكن جدًّا أن يأخذه عن طريق الترجمة، سواء من العرب الذين يعرفون السريانية، أم من السريانيين الذين يعرفون العربية، على أننا نظن، بل الأرجح، أن أبا الأسود كان يعرف اللغة السريانية معرفة تُمكِّنه من التفاهم بها وقراءة بعض نصوصها إلى حد ما؛ وذلك لإقامته الطويلة في بيئة العراق، واهتمامه الشديد بالبحوث اللغوية والدينية أثناء إقامته في تلك البيئة، وهي تكاد تكون سُريانية في أول عهد اتصال العرب بها.»٣٥
ويُضيفُ حسن عون أن «من الممكن جدًّا أنه قد اتخذ تلك الثقافات عن طريق الترجمة، إما عن العرب الذين يعرفون اللغة السريانية أو العكس، غير أنه يُرجَّح أن أبا الأسود الدؤليَّ كان يعرف اللغة السريانيَّة معرفة تمكنه من التفاهم بها …»٣٦

(٢-٣) الرأي الثالث

أن العرب اقتبسوا عن السرياني نِقاطه فقط، ويمثل هذا القول الأستاذ «فؤاد حنا ترزي»، الذي يرى أن أبا الأسود وضع النقط والحركات مقتبسًا إياهما من «يعقوب الرُّهاوي» الذي ألف كتابًا في النحو السُّرياني، كما يرى أيضًا أن دلالات الحركات لم تكن عند العرب، بل اخترع أصولها السُّريان، والأستاذ «فؤاد حنا ترزي» قد ذهب إلى أن النحو العربي أخذ الحركات التي كانت في السريانية.

ويوضح لنا ذلك الأستاذ «حنا ترزي» ذلك بالتفصيل، فيقول: «إن العرب أكثر اتصالًا بالسريان منهم من أية أُمَّة أخرى في العراق إبان نشأة النحو، وإن هؤلاء السريان كانوا قد دونوا نحوهم قبل أن يوضع النحو العربي، وتأثروا في ذلك بالنحو اليوناني من بعض الوجوه، كما تأثروا بالمنطق والفلسفة اليونانيين، ولا سيما فلسفة أرسطو ومنطقه، من وجوه كثيرة، ولا ريب أنهم استفادوا من ذلك في صوغ كثير من الأحكام والاصطلاحات النحوية، وأول من ساهم منهم في هذا الباب يوسف الأهوازي، ثم الأسقف «سويرس» المتوفى عام ٦٦٦م، والذي كان يتقن اليونانية، ونقل بعض كتبها في الفلسفة والمنطق، كما عُني بالصرف والنحو السريانيين، وشجع التعاون الثقافي بين المسلمين والسريان، ثم الأسقف «يعقوب الرُّهاوي»، وهو واضع الحركات في السريانية بالنقط، وأول من ألف في نحوها كتابًا يُرجع إليه ويُعوَّل عليه، ويعقوب هذا كان معاصرًا لأبي الأسود الدؤلي المتوفى عام ٦٦٨م أو ٦٨٩م، والمنسوب إليه تنقيط القرآن الكريم، ثم حنين بن إسحاق الطبيب والمترجم المعروف المتوفى عام ٨٧٣م، والذي كان له أثر كبير في نقل علوم اليونان إلى العربية.»٣٧
ويعطينا الأستاذ «حنا ترزي» بعض مظاهر التأثير السرياني على بعض نحاة العرب، فيقول: «إننا نعتقد بأن النحو العربي تأثر إبان نشأته — في الحقبة التي بين أبي الأسود وسِيبَويه — بالنحو السرياني، الذي كان قد تأثر بدوره بالنحو والمنطق اليونانيَّين، ولم يكن العلماء السريان الذين ذكرناهم هم السبيل الوحيد لهذا التأثير، بل اشترك معهم، وربما بَزَّهم، أولئك الموالي من السريان الذين استعربوا وساهموا في الدراسات النحوية العربية إسهامًا مباشرًا، لا نستثني منهم من كان عراقي الأصل أو فارسيًّا.»٣٨
ويستطرد الأستاذ «حنا ترزي» قائلًا: «ومن وجوه الشبه أيضًا تشابه كثير من المصطلحات في كلا النحوَين. لإظهار ذلك نسوق الأمثلة التالية:٣٩
  • (١)
    اسم الفاعل، ويُسمونه Shema dhe-Avda وترجمته اسم الفاعل.
  • (٢)
    اسم المفعول، ويُسمونه Hashusha ومعناه المنفعل، أو الذي يقع عليه الفعل، ويُسمونه أيضًا Shema dhe-Bidha ومعناه اسم المفعول.
  • (٣)
    اسم المرَّة، ويُسمونه Shema dhe-Zbanta، ومعناه اسم المرَّة الواحدة.
  • (٤)
    اسم النوع، واسمه عندهم Shema dhe-Zna، ومعناه اسم النوع.
  • (٥)
    اسم الزمان والمكان، ويُسمونه Shema dhe-Zavna we dhe-Athra وترجمته اسم الزمان والمكان.
  • (٦)
    اسم الإشارة، ويُسمونه Remzanaya، ومعناه الرمز أو الإشارة.
  • (٧)
    الإضافة، ويُسمونها Malluthutha، ومعناها الإلصاق والإلحاق والإضافة.
  • (٨)
    الحال، ويقابلها Aykannayutha، ومعناها الحال أو الهيئة والصورة.
  • (٩)
    الصفة ويسمونها Shummaha ومعناها الصفة.
  • (١٠)
    المبتدأ، واسمه عندهم Shurraya ومعناها الابتداء.
  • (١١)
    الخبر، ويُسمونه Tebba وتعني الخبر، أي ما يُخبَر به عن المبتدأ.
  • (١٢)
    العدد، ويُسمونه Menyana المشتقة من الجذر Mena الذي يعني عدَّ وأحصى.
  • (١٣)
    الضمير، وكانوا يُسمونه أصلًا Helaf Shema أي بدل الاسم، وهو ترجمة للفظة اليونانية Pronominal. غير أنهم أخذوا يُسمونه بعد ذلك Hushshavaya أي المُضمَر المقدَّر.
  • (١٤)
    ضمير المتكلِّم، المخاطَب، والغائب؛ وأطلقوا عليها Parsupa المأخوذة من اللفظة الإغريقية Prosopon (التي تعني Person أي شخص)، وأضافوا إليها لفظة Qadhmaya أي الأول في حالة المتكلم، ولفظة Terayyana أي الثاني في حالة المخاطَب، ولفظة Telithaya أي الثالث في حالة الغائب، وهذا يدل على مبلغ تأثرهم بالمصطلحات النحوية الإغريقية.
  • (١٥)
    التصغير، ويقابله عندهم Zuara من الجذر Zear التي تعني صغُر وقل.
  • (١٦)
    العَطف، واسمه عندهم Etufya؛ أي العطف.
  • (١٧)
    الفتح ويُقابله عندهم Petaha، ومعناها الفتح.»
ويعلق الأستاذ «حنا ترزي» على هذه المصطلحات فيقول: «ولعل أول ما يُلاحَظ هذا التوافق الغريب بين كثير من المصطلحات العربية والسُّريانية، ولما كان هذا التوافق لا يمكن أن يكون وليدَ الصدفة كان لا بد أن يكون أحد النحويين قد تأثر بالآخر تأثرًا كبيرًا، ولما كان من الثابت أن النحو السُّرياني أسبق إلى الوجود من نظيره العربي، كان من المؤكد أن يكون اللاحق منهما قد احتذى حذو السابق.»٤٠

(٣) الرأي العربي-الإسلامي ونقد التأثر الأجنبي للنحو العربي

في الوقت الذي يدافع فيه أنصار التأثير اليوناني والسرياني على النحو العربي بصحة دعواهم، نجد أن هناك فريقًا آخر يؤكد أن نشأة النحو جاءت مرتبطة بالدراسات القرآنية ارتباطًا وثيقًا، ففيها أُنزل، وبه حفظت واستمرت وتطوَّرت، وبينهما أثر وتأثير. ومن أجل القرآن الكريم قام النحو يُصحح ويضبط ويُقعِّد ويعلل؛ ليُفهَم نصًّا ويسلم لغة ويستقيم لسانًا؛ فلذلك كانت نشأة النحو العربي بأيدي أوائل القُرَّاء لا غيرهم، والنحو كان من أهم العلوم الأولى التي ظهرت ونضجت في القرنين الأول والثاني الهجريين، وهو أحد الأركان التي شكَّلت الحضارة العربية-الإسلامية.

ومن هذا المنطلَق ذهب الكثير من المؤرخين القُدماء إلى أن النحو عربي النشأة، أصيل الطابع، ظهر بدافع عربي أصيل، بعيد كل البعد عن التيارات العلمية التي وُجِدت في عصر النشأة، ولم يتأثر باليونانية ولا بالسُّريانية ولا غيرها من اللغات المجاورة، علاوة على أن تقعيد النحو بدأ في عهد علي بن أبي طالب — رضي الله عنه — فمثلًا:
  • (١)
    محمد بن سلام الجُمَحي (ت٢٣٢ﻫ) يتحدث عن عروبة النحو فيقول: «وكان من أول من أسَّس العربية، وفتح بابها وأنهج سبيلها، ووضع قياسها أبو الأسود الدؤلي.»٤١
  • (٢)
    وهذا أبو الطيب اللُّغوي (ت٣٦١ﻫ) يقول: «أول من رسم النحو أبو الأسود الدؤلي … وكان أبو الأسود قد أخذ ذلك عن أمير المؤمنين علي — عليه السلام — لأنه سمع لحنًا، فقال لأبي الأسود: اجعل للناس حروفًا — وأشار له إلى الرفع والنصب والجر — فكان أبو الأسود ضنينًا بما أخذه من ذلك عن أمير المؤمنين — عليه السلام.»٤٢
  • (٣)
    وتحدث «أبو سعيد السِّيرافي» عن تاريخ النحو، فقال: «اختلف الناس في أول من رسم النحو، فقال قائلون: أبو الأسود الدؤلي، وقال آخرون: نصر بن عاصم الدؤلي — ويقال: الليثي — وقال آخرون عبد الله بن هُرمُز، وأكثر الناس علي أبي الأسود الدؤلي … وروى يحيى بن آدم عن أبي بكر بن عياش، عن عاصم قال: «أول من وضع العربية أبو الأسود الدؤلي، جاء إلى زياد بالبصرة فقال: إني أرى العرب قد خالطت الأعاجم وتغيرت ألسنتهم، أفتأذن لي أن أضع للعرب كلامًا يعرفون — أو: يقيمون — به كلامهم؟ فقال: لا، قال: فجاء رجل إلى زياد فقال: أصلح الله الأمير، توفي أبانا وترك بنونًا؟! فقال: ادعُ لي أبا الأسود، فقال: ضع للناس الذي نهيتُكَ أن تضع لهم».»٤٣
  • (٤)
    وقال ابن الأنباري (ت٥٧٧ﻫ) عن نشأة النحو: «اعلم، أيَّدك الله بالتوفيق وأرشدك إلى سواء الطريق، أن أول من وضع علم العربية، وأسس قواعده، وحدَّ حدوده، أمير المؤمنين علي بن أبي طالب — رضي الله عنه — وأخذ عنه أبو الأسود الدؤلي.»٤٤
  • (٥)
    وتحدث القفطي (ت٦٤٩ﻫ) عن النحو ونشأته، فقال: «ومِن الرواة من يقول إن أبا الأسود هو أول من استنبط النحو، وأخرجه من العدم إلى الوجود، وإنه رأى بخطه ما استخرجه، ولم يعزُه إلى أحد قبله.»٤٥
كما ذكر كثير من الرواة، ورددوها في كتبهم التي لا حصر لها، وكلهم اتفقوا على شيء واحد، وهو أن النحو عربي الأصل، ولم يشيروا إلى أن النحو اقتُبِس عن السُّريانية أو اليونانية إطلاقًا؛٤٦ وإنما جاء التأثير من القرآن الكريم، الذي يمثل العامل الأساسي في نشأة علوم اللغة العربية، وذلك من خلال ضبط اللغة، وإحكام قواعدها؛ فاللغة والنحو إذن ركنان مرتبطان بالعلوم الدينية، وارتباط علماء النحو بالعلوم الدينية لم يكن ارتباطًا اختياريًّا يمكن الاستغناء عنه، بل هو ارتباط إلزامي لا بد منه؛ فالفقيه أو المحدث أو المفسر كان يَعتقد أن إتقان اللغة والنحو بصورة خاصة واجب من الواجبات الدينية الملزِمة؛٤٧ وفي هذا يقول ابن الأنباري: «إن أئمة الأمة من السلف والخلف أجمعوا قاطبة على أنه شرط في رُتبة الاجتهاد، وأن المجتهد لو جمع جميع العلوم لم يبلُغ رتبةً حتى يعلم من قواعد النحو ما يعرف به المعاني المتعلِّقة معرفتها به منه، ولو لم يكن ذلك علمًا معتبرًا في الشرع، وإلا لما كانت رتبة الاجتهاد متوقفةً عليه، ولا تتم إلا به، ثم لم تزل الأمة قاطبة منذ زمن الصدر الأول من الصحابة والتابعين والسلف الصالح ومن بعدهم، مع تكرُّر الأعصار في جميع الأمصار، يدعون إليه ويحثُّون عليه، وظاهر الأمر يقتضي الإيجاب، فإن لم يُحمل على الإيجاب فالأنسب أن يُحمل على الاستحباب.»٤٨
والقائلون بأصالة النحو العربي لم يكتفوا بذلك، بل يؤكدون بأن القواعد النحوية العربية لا علاقة لها بالفكر اليوناني أو السُّرياني، وأن عملية الترجمة في العصر العباسي، التي هي مفتاح أساس في تحوُّل المعلومات الخارجية بغير العربية إلى العربية، وإذا كان تقعيد النحو العربي قد بدأ في عهد علي ابن أبي طالب — رضي الله عنه —؛ فذلك لأن العرب أنفسهم نطقوا على السجيَّة والطبيعة، كما في بعض الأشعار القديمة التي تتضمن القواعد النحوية المرتجلة، فقد «عاش العرب في الجاهلية حياة بسيطة، كانت معارفهم فيها فطرية مقصورة على شئون حياتهم اليسيرة في بيئتهم البدَوية، ولم تكن لهم آنذاك علوم مكتوبة أو آثار مسطورة، فضلًا عن أنه لم تكن لهم علاقة علمية بفلسفة أو منطق … ولما جاء الإسلام استجابوا لدعوته إلى تفهم القرآن وفهم السنة، فخطَوا بذلك خطوة محددة إلى ميدان الحياة العلمية المنظمة، ظهر فيما بعد أن أبرز سماتها في المرحلة الأولي كان السرد، والتسجيل العادي الذي لم يتأثر بأي منهج فلسفي أو طابع منطقي.»٤٩

ولقد أيد هذا الرأي كثيرٌ من المستشرقين، من أمثال كارتر، ودي بور، وبروكلمان، وليتمان، وجوتولد فايل، وذلك على النحو التالي:

فأما «مايكل كارتر» M. Carter، فقد كان من أبرز المستشرقين المهتمين بالدارسات النحوية العربية، وكانت رسالته للدكتوراه في جامعة أُكسفورد بداية مهمة في التحليل الموضوعي للتراث العربي النحوي، فقد كانت بعنوان «دراسة لمبادئ سِيبَوَيه في التحليل الموضوعي A Study of Sibawayhi’s Principles of Grammatical Analysis»، ونوقشت هذه الرسالة في سنة ١٩٦٨م، وقد كتب عددًا من البحوث المهمة عن التراث العربي النحوي، ومن أهمها مقالة له بعنوان «في أصول النحو العربي»؛ حيث أعلن فيها عن خلو النحو العربي في نشأته من أي تأثير أجنبي، وجاء نقده مُنصَبًّا على أصحاب الفرضية اليونانية الزاعمة بأن النحو اليوناني كان النموذج الذي احتذاه النحاة العرب الأوائل في بناء نظريتهم النحوية، فلغة الحِجاج لديه، وتحليلاته مهمة، وبالتالي ينتهي كارتر من فرضيته إلى أن النحو العربي لم يتأثر بالنحو اليوناني، بل تأثر بالقياس الفِقهي النحوي، ولا شك أن القياس المقصود هنا ليس القياس الأرسطي الذي يسير من الكلمات إلى الجزئيات، وإنما كان قياسًا لُغويًّا فِطريًّا، أساسه كان قياسًا على نمط القياس الفقهي الذي كان شائعًا قبل ترجمة العلوم اليونانية إلى العربية.٥٠ كما بين كارتر أيضًا في ذات المقالة أن سِيبَويه يستعمل في الكتاب مجموعتين من المصطلحات: مجموعة قليلة العدد تتضمن مصطلحات لعلها يونانية الأصل، ومجموعة كثيرة العدد تتضمن المصطلحات العربية المنقولة من الفِقه إلى النحو.٥١
وبالنسبة للمستشرق الألماني «دي بور» فيقول: «… وبرغم هذا كله احتفظ علم النحو العربي بخصائص له، ليس هذا مجال الإفاضة فيها، وهو — على كل حال — أثر رائع من آثار العقل العربي بما له من دقة في الملاحظة، ومن نشاط في جمع ما تفرق، ويحقُّ للعرب أن يفخروا به، فلم يكن العرب يحبون أن تعكر عليهم الآراء الفلسفية العامة صفاء اللذة التي يجدونها في لغتهم، وكم نَفَر أساتذة اللغة المتشددون من صيغٍ لغوية أتى بها مترجمو الكتب الأجنبية.»٥٢
وأما «كارل بروكلمان»، فيقرر أن «أوائل علم اللغة العربية ستبقي دائمًا مَحُوطة بالغموض والظلام؛ لأنه لا يكاد يُنتظر أن يُكشف النقاب بعد عن مصادر جديدة تُعين على بحثها ومعرفتها، ومن ثم لا يمكن إصدار حكم قطعي مبني على مصادر ثابتة للحسم برأي في إمكان تأثر علماء الأوَّلين بنماذج أجنبية … والرأي الذي يتكرر دومًا عند علماء العرب، وهو أن علم النحو انبثق من العقلية العربية المحضة، بغض النظر عن الروابط بين اصطلاحات هذا العلم ومنطق أرسطو، وفيما عدا ذلك لا يمكن إثبات وجوه أخرى من التأثير الأجنبي، لا من القواعد اللاتينية ولا من الهندية.»٥٣
ويبقى لنا المستشرق «ليتمان» الذي يروي عنه الأستاذ أحمد أمين قوله: «ونحن نذهب في هذه المسألة مذهبًا وسطًا، وهو أنه أبدع العرب علم النحو في الابتداء، وأنه لا يوجد في كتاب سِيبَويه إلا ما اخترعه هو والذين تقدموه، ولكن لما تعلم العرب الفلسفة اليونانية من السُّريان في بلاد العراق تعلموا أيضًا شيئًا من النحو … وبرهان هذا أن تقسيم الكلمة مختلف، قال سيبَوَيه: فالكَلِم اسمٌ، وفعل، وحرفٌ جاء لمعنًى، وهذا تقسيم أصلي، أما الفلسفة فينقسم فيها الكلام إلى اسم وفعل ورباط، وهذه الكلمات تُرجِمت من اليونانية إلى السريانية ومنها إلى العربية، فسُميت هكذا في كتب الفلسفة لا في كتب النحو، أما كلمات اسم وفعل وحرف فإنها اصطلاحات عربية ما تُرجمت ولا نُقلت.»٥٤
وأما بالنسبة للمستشرق «جوتولد فايل»، فينقل عنه الدكتور عبد الرحمن السيد قوله: «حفظت لنا الرواية العربية في مجموعات مختلفة من كتب التراجم وصفًا لمُسلمي هذا العلم الذي هو أجدر العلوم أن يُعَد عربيًّا محضًا، وقد أخذ العلماء الأوروبيون بهذه الرواية، واعترف بها أيضًا فلوجل في تصويرهِ نشأة النحو العربي، على أنها رواية تاريخية دون إثارة من النقد تمامًا، على وجه التقريب، ومن ثم أخذت طريقها إلى كتب تاريخ الأدب الحديثة؛ فقد كان لزامًا أن تضع لنا هذه الرواية أيضًا، نقطة البدء في بحثنا هذا؛ فإن الرواية العربية تذكر قاضي البصرة أبا الأسود الدؤلي على أنه عالم بالنحو، وأن عليًّا هو الذي وجهه إلى هذه الدراسة، ثم بنى وأكمل تلاميذه وتلاميذهم خلال بضعة أجيال طريقته وتعليمه.»٥٥

هذه باختصار أهم الآراء التي وردت فيما يتعلق بنقد التأثير اليوناني والسُّرياني للنحو العربي.

(٤) تفنيد فكرة المعجزة اللغوية عند العرب

في مجال الفكر الإنساني عبر عصوره المتلاحقة ثمة ظاهرة ضمن ظواهر عديدة تسترعي النظر وتجذب الانتباه، ألا وهي ظاهرة التأثير والتأثر بين الأجيال المتعاقبة، بحيث يؤثر الجيل السابق في الجيل اللاحق، ويتأثر هذا بذلك تأثرًا تتعدد أبعاده أحيانًا وتختلف مجالاته وتتفاوت درجاته بين طرفي الظاهرة، أعني بين المؤثر والمتأثر، فتارة يكون التأثير من جانب السابق في اللاحق تأثيرًا قويًّا عميقًا، وعلى درجة من الشمول، تكاد تذهب باستقلالية المتأثر وهُويته العلمية، ومن ثم تظهر العلاقة بين الطرفين في صورة علاقة تابع بمتبوع ومُقلِّد بمبدع، وتارة يكون التأثير ضعيفًا في درجته محدودًا في مجاله؛ بحيث يظل كلٌّ من الطرفين المؤثر والمتأثر محتفظًا بفردانيته، واستقلال نظرته وفكره، ومن ثم تتوارى معدلات التأثير، فلا تكاد تظهر.

وإن كان الأمر كذلك، فإن لهذه الظاهرة في نظرنا دلالات تسمح بالقول بأنها ظاهرة إيجابية مفيدة ومثمرة بدرجة تجعلنا نعُدها عاملًا فاعلًا في تحقيق ما أنجزه الفكر الإنساني من تطور وازدهار على أصعدته كلها؛ وخاصة على الصعيدين الثقافي والحضاري للشعوب والأمم التي سجل لها التاريخ ضربًا أو أكثر من ضروب التقدم والازدهار.٥٦
ولعل من أهم الدلالات التي تحملها هذه الظاهرة في طيَّاتها تأكيد فعاليات العقل الإنساني، وطاقاته المتجددة، ومبادراته الخلَّاقة، وهو ما يُخوِّل لنا القول، بأن العقل قد أوتي من القوة ما يُمكِّنه من أن يأتي أفعالًا على درجة من التباين تكشف عن تعدد طاقاته وتنوعها، فهو في مجالنا هذا يتأثر ويؤثر، وينفعل عن عقول، ويفعل في غيرها، ويأخذ ويعطي ويستقبل ويرسل، ويستوعب الماضي ويتمثله بوعي واقتدار دون أن يفقد وعيه بالواقع إلى حيث هو جزء منه، ثم يتجاوز ذلك إلى حيث المستقبل ورؤاه المستقبلية التي تؤثر بدرجة أو بأخرى في ذلك المستقبل.٥٧
ومن هذا المنطلق نقول بأن المنطق والتاريخ يؤكدان اتصال النُّحاة في أي عصر ببعضهم البعض، واتصال اللغات في أية حضارة وتأثيرها بعضها ببعض؛ فمن الممكن «أنه قد تلتقي المدارس اللغوية عرضًا في وصفها للغات مختلفة، لأن هذه اللغات مهما اختلفت، فلا بد أن تجمع بينها صفات مشتركة، بوصفها صادرة عن نشاط ذهني بشري له خصائص مشتركة في أصل جِبِلَّته وتكوينه. واشتراك المدارس اللغوية في ملامح متشابهة لا يعني بالضرورة أن إحدى هذه المدارس قد أخذت عن الأخرى، فقد يكون هذا ناجمًا عن تشابه في لغتين، وتشابه اللغات ظاهرة يُقرها علم النفس الحديث، ويسعى للكشف عن قوانينها العامة، بل كثيرًا ما أثرت لغة في أخرى تأثيرًا متبادلًا بحكم الاتصال التاريخي والجغرافي بين اللغات، مما وثق وجه الشبه في تطورها، فليس غريبًا بعدئذٍ أن يتشابه اللغويون في وصف اللغات؛ وبخاصة إذا كانت ملامح الشبه بينها لا تخفى كما هي الحال بين اللغات السامية، ولا يعني ذلك — بطبيعة الحال — التقليل من شأن الفروق الواسعة بين لغة وأخرى على صعيد الأسرة اللغوية الواحدة، فضلًا عن لغات الأُسَر اللغوية المتباينة.»٥٨
كما أننا نعارض كثيرًا من حجج من نادَوا بالتأثيرات الخارجية في نشأة النحو العربي؛ ولا سيما الذين ذهبوا يلتمسون أوجه الشبه بين مدلولات المصطلحات اليونانية أو السريانية، فرأوا — مثلًا — أن «اليونان استخدموا مفهوم القياس، وهو مفهوم وارد لدى لُغويي العرب القدامى فاستنتجوا من هذا، وأشباهه أن العرب قد أخذوا عن اليونان، متجاهلين أن القياس منهج يستلزم التفكير العلمي في أية لغة، وفي غير اللغة من العلوم الأخرى.»٥٩

لذلك فإننا ضد فكرة أن النحو العربي خَلقٌ عبقري أصيل جاء على غير منوال، فالانبثاق المفاجئ للنحو العربي، يُعَد في واقع الأمر ليس تفسيرًا لأي شيء؛ بل إنه تعبير غير مباشر عن العجز عن التفسير، فحين نقول إن النحو العربي كان جزءًا من المعجزة العربية يكون المعنى الحقيقي لقولنا هذا هو أننا لا نعرف كيف نفسر ظهور نشأة النحو العربي.

ومن ناحية أخرى، نود أن نشير بأن المكان الذي ظهرت فيه البدايات الأولى للنحو العربي على يد أبي الأسود الدؤلي، وعلي بن أبي طالب — رضي الله عنه — هو ذاته دليل على الاتصال الوثيق بين العرب ومن سبقهم من النحو اليوناني والنحو السُّرياني، فلم تظهر البدايات الأولى للنحو العربي في أرض العرب ذاتها، كالجزيرة العربية، وإنما ظهرت في بلاد العراق؛ أي في أقرب أرض ناطقة بالسريانية واليونانية والفارسية، ذوات اللغات الأقدم عهدًا، وهذا أمر طبيعي لأنه من المحال أن تكون هذه المجموعة من الشعوب الشرقية قريبة من العرب إلى هذا الحد، وأن تتبادل معها التجارة على نطاق واسع، وتدخل معها أحيانًا أخرى في حروب طويلة دون أن يحدث تفاعل بين الطرفين. كما أنه من المستحيل تجاهل شهادات المؤرخين العرب القدماء من أمثال عبد الرحمن بن خلدون (٧٨٤–٨٠٨ﻫ)، وأبو الريحان البيروني (٣٦٣–٤٤٠ﻫ)، أو المعاصرين من أمثال جورجي زيدان (١٨٦١–١٩١٤م)، وأحمد أمين (١٨٨٦–١٩٥٤م)، وفؤاد حنا ترزي، وحسن عون، وغيرهم من الباحثين الأفاضل الذين أكدوا تأثر معظم نحاة العرب بالنحو والمنطق اليوناني والسُّرياني.

لذلك فإنني أعتقد أنه لم تكن نشأة النحو العربي نشأة عربية خالصة، ولم يبدأ العرب في اكتشاف ميادين اللغة والنحو من فراغ كامل؛ بل إن الأرض كانت ممهَّدة لهم في بلاد العراق التي عاصرت النحو اليوناني والمنطق اليوناني والنحو السرياني، وبالتالي يتضح لنا أن الاعتقاد بضرورة أصل واحد للمعرفة العلمية وتصور واحد يرجع إليها الفضل في نشأة النحو العربي، ربما كان ذلك عادة سيئة ينبغي التخلص منها، فإصرارنا على تأكيد الدور الذي أسهمت به اللغات السابقة في نشأة اللغة العربية والنحو العربي، لا يعنى أبدًا أننا من الذين ينكرون على العرب أصالتهم اللغوية، ولا نشك لحظة في أنهم يمثلون مرحلة علمية ناضجة ومتميزة في اللغة والنحو، ولكننا لا نوافق على ادعاء أن تلك الأصالة وهذا التمايز قد أتيا من فراغ كامل؛ فلقد كانت عظمة العرب أنهم استطاعوا أن ينقلوا بشغف كل ما وقعت عليه أعينهم وعقولهم من التراث اللغوي السابق عليهم، وأن يهضموه هضمًا يتلاءم مع بيئتهم الخاصة، وأن يحولوا هذه المؤثرات إلى شيء شبيه بتراثهم، وأن ينتقدوا هذا وذاك شيئًا فشيئًا، حتى استطاعوا في النهاية أن يتجاوزوا المرحلة السابقة في اللغة، وأن يبدءوا مرحلة جديدة متميزة.

وعلى ذلك فنحن ننكر ما يُسمَّى ﺑ «المعجزة اللغوية العربية»، فالنحاة العرب في أول عهدهم قد استلهموا التراث اللغوي اليوناني والسرياني السابق عليهم، واستحوذوا عليه برُوحهم الفتِيَّة، وحاولوا تجاوزه حينما صبغوه بصبغته النظرية النقدية، وقد فعل ذلك نحاة العرب والمسلمين؛ أمثال «أبو الأسود الدؤلي» و«الخليل بن أحمد» ومن بعدهما أنصار مدرستي البصرة والكوفة، من أمثال «الفرَّاء»، و«المبرِّد»، وكذلك نحاة القرن الرابع الهجري وما بعده، حينما نقلوا التراث اللغوي اليوناني-السرياني وحاولوا تطويعه، مع مبادئ دينهم الحنيف في شتَّى الميادين، ثم تجاوزوه بما قدموا من أفكار نحوية جديدة في مختلف قضايا اللغة العربية.

خلاصة القول إن لغتنا العربية ليست بِدعًا بين نحو اللغات الأخرى، فلم يكن أصحابها معزولين عن الاختلاط بالأقوام المجاورة لهم، ولا كانت هي بريئة من التأثير في اللغات أو نقية من التأثر به، لقد أخذت من اليونان بقدر ما أعطت اللاتين فيما بعد، وأخذت من الأنباط والسُّريان ثم أعطتهم حتى اضمحلت لغتهم أمامها تدريجيًّا، وأخذت من الفُرس قبل زمن الأكاسرة، وقبل أن تكون «الحيرة» — مملكة المَناذِرة — حلقة الاتصال بين العرب والعجم، ووصلها اليمن القديم السعيد بلغات الأحباش، والهنود، والصينيين، بفضل الموقع الجغرافي التجاري الذي كان صلة الوصل بين العرب والأمم القديمة، وبين الشرق والغرب في ميادين السياسة والحرب والاقتصاد، والاحتكاك الاجتماعي، ولقد أثبت البحث العلمي الحديث أن العربية أعطت هذه الأمم — وخاصة بعد الإسلام — أكثر مما أخذت منهم بكثير، بل إن بعضها قد اتخذ من الحروف العربية رموزًا للكتابة في لغته، وما زال يستخدمها إلى اليوم، فضلًا عما أخذ من العربية.٦٠
وما من لُغة ذات شأن ومكانة في تاريخ الحضارة الإنسانية، إلا كانت عُرضةً لمثل هذا التبادل اللغوي، فالإنجليزية على قِدَمها وعراقتها وشيوعها قد استوردت الآلاف المؤلَّفة من الكلمات كما يقول واحد من علمائها،٦١ واقتبست الحديثة منها ما بين ٥٥٪ و٧٥٪ من مجموع مفرداتها من اللغتين الفرنسية واللاتينية وغيرهما من اللغات الرومانية، كما اقتبست الكورية ما يقرب من «٧٥٪» من مفرداتها من اللغة الصينية،٦٢ حتى ليُمكن القول إن عملية التبادل اللغوي أصبحت من الحقائق المألوفة الآخذة في الاتساع والازدياد بفعل انتقال الأفكار والنُّظُم والعلوم، يواكبها الميل المتنامي إلى البحث العلمي الرصين في هذه الظاهرة، التي أصبحت حقيقة لا يمكن إغفالها أو تفاديها؛ إذ من يمنع المصطلحات العلمية المتصلة بعالَم الفضاء وعلومه الحديثة اليوم من الانتشار والذيوع بالألفاظ ذاتها من اللغة الأولى إلى لغات العالم كلها؟!
إن اختلاط الأمم والتبادل اللغوي الآن يفوق ما كان عليه في الماضي، ومشاكل الترجمة أو اقتباس الأجنبي مشاكل عصرية سائدة في معظم المجتمعات، والحلول الكثيرة المقترحة لمعالجتها لا تُلقى ارتجالًا، ولا تُبنى من فراغ، بل لا معدى لها عن النظر إلى الأعراض الأولى والظروف المختلفة التي رافقت أصول هذه الظاهرة في ماضي اللغات والشعوب.٦٣

وبعد هذه الإطلالة، يمكننا القول بأن المنطق اليوناني قد أثَّر بلا شك في النحو العربي، وأما بالنسبة لتحديد الفترة الزمنية لدخول المنطق اليوناني في النحو العربي، فيمكننا القول بأنها تجسدت من خلال المراحل الارتقائية لنشأة وتطور النحو العربي، والتي تجسدت في اعتقادنا من خلال ثلاث مراحل حتى اكتملت:

(٤-١) المرحلة الوصفية

وهذه المرحلة قد استغرقت نحو قرن، أو بالأحرى أكثر من نصف قرن، من عهد أبي الأسود الدؤلي حتى عهد سِيبَوبه، ولعل أهمية هذه المرحلة في النحو تعود إلى أنها شهدت بدء محاولات استكشاف الظواهر اللغوية بعد أن فرغ أبي الأسود الدؤلي من ضبط المصحف بواسطة طريقة التنقيط التي استعارها من يعقوب الرُّهاوي بعد تقنينها وتعديلها حسب مستجدَّات وأبعاد اللغة العربية، كما أنه تم فيها أيضًا المحاولات الأولى لصياغة ما استكشف من الظواهر اللغوية في قواعد، ثم تصوير هذه القواعد في شكل بعض المصنفات الصغيرة التي أتاحت الفرصة لمناقشة الظواهر والقواعد معًا، مما فتح الباب أمام أجيال هذه الفترة لوضع الأُسُس المنهجية التي كان لها تأثيرها فيما بعد؛٦٤ كما شهدت هذه المرحلة أن النحاة العرب الأوائل قد استعاروا بعض مضامين النحو اليوناني الذي دوَّن منظومته «ديونيسيوس ثراكس»، وذلك بطريق غير مباشر عن طريق السُّريان، وتجسد ذلك من خلال عصر أبي الأسود الدؤلي، وعلي بن أبي طالب — رضي الله عنه — وبالتالي، فالمرحلة الأولى من النحو العربي شهدت تأثرًا بالنحو اليوناني بواسطة السُّريان؛ خاصة بعد أن امتلك العرب سوريا والعراق ومصر وبلاد فارس بين سنتي ١٤-٢١ﻫ/٦٣٥-٦٤١م فاتصل العرب باليونان عن طريق السُّريان اتصالًا غير مباشر لقرب البصرة والكوفة من مراكز الثقافة، ووجود كثير من الناس يتكلمون بلغتين، ووجود أوجه شبه لافتة بين النحو العربي والنحو اليوناني، مما يثبت أن النحاة العرب الأوائل قد استعاروا بعض العناصر من النحو اليوناني حتى يبنوا نظامهم النحوي عن طريق السُّريان.

(٤-٢) المرحلة التجريبية

وهذه المرحلة قد استمرت قرابة قرن أو يزيد، وتبدو هذه المرحلة التجريبية للنحو العربي أوضح ما تبدو في كتاب سِيبَوَيه، وسبب اختيارنا لسيبويه هو أنه من الناحية التاريخية يعرف الجميع أنه بعد أن أنهى كتابة مؤلَّفه «الكتاب»، الذي يُعَد مرحلة متطورة وناضجة من مراحل التفكير النحوي العربي، كان يعتمد في منهجه النحوي على المنهج التمثيلي، والسبب طريقة سيبويه اعتمدت العمل الاستقرائي المرتبط بالواقع الاستعمالي للغة محاولًا تصنيفها، وتحديد علاقاتها على أساس التماثل الشكلي والوظيفي، وصولًا إلى وضع الأحكام والقوانين العامة.٦٥

ومن هذا المنطلق سنكشف لماذا لم يَعتنِ سِيبَويه بالحدود النحوية؛ خاصة بعد أن رتب موضوعات المادة النحوية في كتابه على أساس ذكر المادة كاملةً دون مصطلح واضح محدَّد، ثم الدخول إلى الموضوع دون ذكر حدٍّ منطقي، وفي أكثر الأحيان يحدد الباب النحوي بالمثال أو ببيان التقسيمات مباشرة، وهذا يؤكد نفي تهمة تأثر كتاب سيبويه بمنطق أرسطو.

(٤-٣) المرحلة الاستنباطية

وهي المرحلة التي أفضى فيها التراكم المعرفي الذي حققه تطور النحو العربي في المرحلتين الوصفية والتجريبية، وقد أدى هذا التراكم الكمي إلى تغير كيفي على ثلاثة مستويات محددة: مستوى الوسائل العقلية المنهجية من جانب، ومستوى مفاهيم العلم ومبادئه من جانب آخر، أما المستوى الثالث فهو مستوى نظرية العلم، التي تُحدد البِنية أو الشكل الذي سيجيء عليه العِلم في هذه المرحلة، وفي المرحلة الاستنباطية يتم صياغة الحد الأدنى من قواعد العلم ومبادئه التي تمكن المختصِّين من الانتقال من مبدأ أو أكثر داخل العلم إلى مبدأ جديد، كما هو الحال في المنطق والرياضيات، أو تمكنهم من التنبؤ بما سيحدث مستقبلًا — بحسب مبدأ عام مستقر — كما هو الحال في العلوم الطبيعية، أو تؤهلهم أخيرًا لاستنباط أحكام معينة من قواعد عامة لحل مشكلات اجتماعية جزئية معينة، وهذا هو مثلًا شأن علم القانون.٦٦

وهذه المرحلة حين نطبقها على النحو العربي، نجد أنها تبدأ من أبي بكر بن السَّرَّاج حتى الحقبة الحديثة، وهذه المرحلة قد ظهر فيها تأثير المنطق في الدرس النحوي بصورة واضحة في استعمال النحويين للتعريفات، أو الحدود، والعوامل، والأقيِسة، والعلل، وبعض المصطلحات المنطقية كالجنس، والفصل، والخاصة، والماهية، والماصدق، والعهد، والاستغراق، والعموم، والخصوص المطلق، والعموم، والخصوص الوجهي، والموضوع، والمحمول، واللازم، والملزوم … إلى آخر هذه المباحث المنطقية.

١  د. فتحي عبد الفتاح الدجني: أبو الأسود الدُّؤلي ونشأة النحو العربي، وكالة المطبوعات، الكويت، ١٩٧٤م، ص٥٨.
٢  أحمد أمين: ضُحى الإسلام، مكتبة الأسرة، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٩٨م، الجزء الثاني، القاهرة، ١٩٦١م، ص٢٩٢.
٣  كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، نقله إلى العربية: عبد الحليم النجار، ط٢، دار المعارف، الجزء الثاني، القاهرة، ١٩٦٨م، ص١٢٣.
٤  د. إسماعيل أحمد عمايرة: المستشرقون ونظرياتهم في نشأة الدراسات اللغوية، دار حنين، عمان، ١٩٩٢م، ص٤١–٤٤.
٥  كيس فرستيج: الفكر اللغوي بين اليونان والعرب، ص١٧.
٦  Merx: Historia Artis Grammaticae Apud Syos, Leipzig, 1889, pp. 12.
٧  Ibid, 12.
٨  Ibid, 12.
٩  Ibid, 13.
١٠  د. إبراهيم بيومي مدكور: منطق أرسطو والنحو العربي، ضمن كتابه في اللغة والأدب، سلسلة اقرأ، عدد ٣٣٧، دار المعارف، ١٩٧٠م، ص٤٢-٤٣.
١١  نفس المرجع، ص٤٤ وما بعدها.
١٢  د. إبراهيم مصطفى: أول من وضع النحو، مقال منشور بمجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، المجلد العاشر، ج٢، ص٤-٥.
١٣  وهذا الكتاب كان في الأصل رسالتَه في الدكتوراه، وقد تُرجم إلى العربية ترجمة كاملة من خلال الدكتور محمود كناكري في الأردن، وترجم الدكتور محيي الدين محسب في مصر ستة فصول من فصول الكتاب العشرة مستثنيًا الفصول: الخامس، والسادس، والسابع، والثامن. وربما يرجع ذلك إلى أن هذه الفصول في نظره أقل أهمية من سائر الفصول؛ حيث تحدَّثت عن المعتزِلة والمنطق، وذلك على الرغم من أن الفصل الخامس خصصه المؤلف للتشكيك في وجود المدارس النحوية، والقول بأن النحو العربي يعود إلى مدرسة البصرة، وذلك لإثبات دعواه بأن الأصل المشترك لها جميعًا هو أصل يوناني.
١٤  كيس فرستيج: المرجع السابق، ص١٢-١٣.
١٥  نفس المرجع، ص١٣.
١٦  نفس المرجع، ص١٤.
١٧  جورجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، مؤسسة دار الهلال، القاهرة، ١٩١١م، ج١، ص٢٠٩–٢١١.
١٨  أحمد أمين: فجر الإسلام، دار الكتاب العربي، الطبعة العاشرة، بيروت، لبنان، ١٩٦٩م، ص١٧١، ص١٣١ وما بعدها.
١٩  أحمد حسن الزيات: تاريخ الأدب العربي، دار نهضة مصر للطبع والنشر، القاهرة، ١٩١٦م، ص٢٠٦.
٢٠  إسرائيل ولفنسون: تاريخ اللغات السامية، مطبعة الاعتماد، الطبعة الأولى، القاهرة، ١٩٢٩م، ص‏١٤٥.
٢١  أحمد أمين: فجر الإسلام، ص‏١٤٢.
٢٢  أفرايم برصوم: اللؤلؤ المنثور في تاريخ العلوم والآداب السريانية، دار ومكتبة بيبلون، سوريا، ١٩٩٦م، ص‏٣١.
٢٣  د. مراد كامل، د. محمد حمدي البكري: تاريخ الأدب السرياني من نشأته إلى العصر الحاضر، القاهرة، ١٩٤٧م، ص‏٥١.
٢٤  جورجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، ج٢، ص٢٧.
٢٥  نفس المرجع، ج٢، ص٢٨.
٢٦  نينا بيغولفيسكايا: ثقافة السُّريان في القرون الوسطى، ترجمة: الدكتور خلف الجرَّاد، سوريا، ١٩٩٠م، ص١٦٢.
٢٧  جورجي زيدان: تاريخ آداب اللغة العربية، ج١، ص٢٥١.
٢٨  أحمد أمين: فجر الإسلام، ص١٨٢.
٢٩  د. فتحي عبد الفتاح الدجني: أبو الأسود الدؤلي ونشأة النحو العربي، ص٥٨.
٣٠  أحمد أمين: فجر الإسلام، ص١٣٢.
٣١  د. عبد الحميد حسن: القواعد النحوية؛ مادتها وطريقتها، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، ١٩٥٣م، ص٧٩.
٣٢  د. حسن عون: اللغة والنحو «دراسة تاريخية وتحليلية ومقارنة»، مطبعة رويال، القاهرة، ١٩٥٢م، ص٢٤٩-٢٥٠.
٣٣  الوجه الأشهر: الأزمة نفسها.
٣٤  د. حسن عون: المرجع السابق، ص٢٤٨، ٢٤٩، ٢٥٠.
٣٥  نفس المرجع، ص٢٥١.
٣٦  نفس المرجع، ص٢٥١.
٣٧  فؤاد حنا ترزي: في أصول اللغة والنحو، دار الكتب، بيروت، بدون تاريخ، ص١٠٩–١١١.
٣٨  نفس المرجع، ص١١١–١١٢.
٣٩  نفس المرجع، ص١١٢–١١٥.
٤٠  نفس المرجع، ص١١٦.
٤١  محمد بن سلام الجُمَحي: طبقات فحول الشعراء، قرأه وشرحه: محمود محمد شاكر، دار المدني للنشر والتوزيع، جدة، د.ت.، ٢٠٠١م، المجلد الأول، ص٢٩.
٤٢  أبو الطيب عبد الواحد بن علي اللغوي الحلبي: مراتب النحويين، حققه وعلق عليه: محمد أبو الفضل إبراهيم، مكتبة نهضة مصر القاهرة، بدون تاريخ، ص٦.
٤٣  أبو سعيد الحسن بن عبد الله السِّيرافي: أخبار النحويين البصريين ومراتبهم وأخذ بعضهم عن بعض، تحقيق د. محمد إبراهيم البنا، دار الاعتصام، القاهرة، ١٩٨٥م، ص٣٤–٣٦.
٤٤  أبو البركات بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الأنباري: نزهة الألبَّاء في طبقات الأدباء، مكتبة المنار، الأردن، ١٩٨٥م، ص١٧.
٤٥  جمال الدين أبو الحسن علي بن يوسف القفطي: إنباه الرواة على أنباه النحاة، الجزء الأول، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ١٩٨٦م، ص٤٢.
٤٦  ينظر: الفهرست، لابن النَّديم، ص٥٦؛ وينظر كذلك: د. فتحي عبد الفتاح الدجني: أبو الأسود الدؤلي ونشأة النحو العربي، ص٦٨.
٤٧  رباح اليمني مفتاح: النحو العربي بين التأثير والتأثر، مجلة جامعة الأزهر بغزة، سلسلة العلوم الإنسانية، ٢٠٠٩م، المجلد ١١، العدد ٢، ص١٣٣-١٣٤.
٤٨  أبو البركات بن عبد الرحمن بن أبي سعيد الأنباري: لُمَع الأدلة في أصول النحو، ضمن كتاب الإغراب في جدَل الإعراب، تحقيق: سعيد الأفغاني، ط١، مطبعة الجامعة السورية، دمشق، ١٩٥١م، ص٩٥–٩٧.
٤٩  د. عبد الكريم محمد الأسعد: بين النحو والمنطق وعلوم الشريعة، دار العلوم للطباعة والنشر، الرياض، السعودية، ١٩٨٣م، ص١٥-١٦.
٥٠  د. عبد المنعم سيد جدامي: فرضية المستشرق مايكل كارتر في أصالة النحو العربي، مجلة كلية الآداب، جامعة القاهرة، مجلد ٦٤، عدد ١، يناير ٢٠٠٤م، ص٦٣ وما بعدها؛ عباس حسن، اللغة والنحو بين القديم والحديث، دار المعارف، ط٢، القاهرة، ١٩٧١م، ص٢٢.
٥١  د. عبد المنعم سيد جدامي: نفس المرجع، ص٦٩؛ د. خديجة الحديثي: المدارس النحوية، دار الأمل، أربد، الأردن، ٢٠٠١م، ص٣١.
٥٢  ينظر: ت. ج. دي بور: تاريخ الفلسفة في الإسلام، ترجمة: محمد عبد الهادي أبو ريدة، الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، ٢٠١٠م، ص٦٤-٦٥.
٥٣  كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، ج٢، ص١٢٣.
٥٤  ينظر: أحمد أمين: ضُحى الإسلام، ج٢، ص٢٩٢-٢٩٣.
٥٥  ينظر: عبد الرحمن السيد: مدرسة البصرة النحوية؛ نشأتها وتطورها، دار المعارف، القاهرة، ١٩٦٨م، ص١٠٤.
٥٦  أبو سعد (د. محمد حسيني): الآثار السينوية في مذهب الغزالي في النفس الإنسانية، دار أبو حريبة للطباعة، ط١، القاهرة، ١٩٩١م، ص٩-١٠.
٥٧  نفس المرجع، ص١١.
٥٨  د. إسماعيل أحمد عمايرة: المستشرقون ونظرياتهم في نشأة الدراسات اللغوية، دار حنين، عمان، ١٩٩٢م، ص٤٨-٤٩.
٥٩  نفس المرجع، ص٤٨-٤٩.
٦٠  مسعود بوبو: أثر الدخيل على العربية الفصحي في عصر الاحتجاج، منشورات وزارة الثقافة والإرشاد، دمشق، سوريا، ١٩٨٢م، ص٥-٦.
٦١  ستيف أولمان: دور الكلمة في اللغة، ترجمة: د. كمال بشر، مكتبة الشباب، بيروت، ١٩٦٢م، ص١٤٣.
٦٢  أ. كندراتوف: الأصوات والإشارات، ترجمة: شوقي جلال، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ١٩٧٢م، ص٩٢.
٦٣  مسعود بوبو: نفس المرجع، ص٧-٨.
٦٤  د. علي أبو المكارم: مدخل إلى تاريخ النحو العربي، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، ٢٠٠٨م، ص١٦٧.
٦٥  ينظر: د. تمام حسان: الكتاب بين المعيارية والوصفية، عالم الكتب القاهرة، ٢٠٠١م، ص١٢٩-١٣٠؛ وينظر كذلك: د. نوزاد حسن أحمد: المنهج الوصفي في كتاب سيبويه، دار دجلة، ٢٠٠٧م، ص٣٠٤.
٦٦  د. حسن عبد الحميد: التفسير الأبستمولوجي لنشأة العلم، بحث منشور ضمن دراسات في الأبستمولوجيا، المطبعة الفنية الحديثة، القاهرة، ١٩٨٦م، ص٢٠٧.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤