الفصل السادس

مشروعية العلاقة بين المنطق والنحو عند نحاة القرن الرابع الهجري

تقديم

اتبَع نُحاة القرن الرابع الهجري نهجًا جديدًا في دراساتهم ومصنفاتهم النحوية، يقوم على الانتخاب من آراء المدرستَين البصرية والكوفية جميعًا،١ وكان من أهم ما هيأ لهذا الاتجاه الجديد أن أوائل هؤلاء النحاة، وهو «الكسائي»، رحل إليها ليُذيع فيها علمه وآراءه، فقرَّبه الخليفة العباسي الخامس «محمد المهدي» (ت١٦٩ﻫ) إليه، وجعله في حاشية ابنه «هارون الرشيد» (ت١٤٩ﻫ)، وحين آلت الخلافة إلى الرشيد ندبه لتأديب ولدَيه الأمين (ت١٩٨ﻫ)، والمأمون (ت٢١٨ﻫ)، ولما مرض الكِسائي وتقدمت به السن، طلب الرشيد منه أن يختار مَن يخلُفُه في تأديب أولاده، فاختار من أصحابه «علي بن المبارك الأحمر» (ت١٩٤ﻫ)، وهكذا استطاع الكِسائي أن يُمكن للمذهب الكوفي في بغداد، وحظوته عند الرشيد هي التي رفعت مقامه عند وزرائه، وهي التي فصلت في المناظرات التي عُقدت في مجالسهم بينه وبين سِيبَوَيه (إمام أهل البصرة في النحو)، وبينه وبين غيره، كالأَصمَعي (ت٢١٦ﻫ)، وأبي محمد اليَزيدي (ت٣١٠ﻫ)، وتدخلت في اغتصاب الفوز له في أكثر المسائل التي طُرحت على بساط البحث بينه وبين مناظريه.٢
وتذكُر المصادر أيضًا أن من أئمة المذهب الكوفي الذين اتصلوا بقصر الخلافة «الفرَّاء»؛ فقد ذكرنا عنه في الفصل السابق أنه عَهِد إليه الخليفة المأمون بتأديب ولدَيه، وكان له عندهما منزلة عظيمة، وقد بالغا في احترامه وإظهار الحفاوة له، يدل على ذلك ما قيل من أن الخليفة أطلَّ عليه ذات يوم فرآه عندما انتهى درسه مع ولديه تسابقا في إحضار نعليه، فناداه وسأله عمن هو أعزُّ الناس؟ فقال الفرَّاء: أعز الناس هو أمير المؤمنين، فقال له المأمون: بل أعزهم هو من إذا نهض تقاتل على تقديم نعليه وَلِيَّا عهد المسلمين، حتى يرضى كل واحد منهما أن يقدم له فردًا.٣
وكان لسيطرة الكوفيين على مجالس الدرس النحوي في بغداد أول نشأتها أسبابٌ كثيرة دعت إلى أن يُؤثِر الخلفاء العباسيون ثقافة الكوفة على ثقافة البصرة، حتى صار «أبو العباس أحمد بن يحيى ثعلب الشيباني» (٢٠٠–٢٩١ﻫ)، وهو كوفي المذهب وإمام النحاة فيها لعصره، يعمل جاهدًا على دعم المذهب الكوفي، ويستعين على ذلك بأنصاره، وفي مقدمتهم «أبو بكر بن الأنباري»، و«أبو بكر بن السَّرَّاج» و«أبو إسحاق الزَّجَّاج»، وكان من أهم هذه الأسباب التي مكَّنت للنحو الكوفي الانتشار في العراق أن انتقال الخلافة العباسية إلى بغداد كان من الكوفة، ومن الهاشمية بالذات القريبة منها، فتبِع علماء الكوفة انتقال الخلافة وواكبوها. علاوة على أن الكوفة كانت أقرب مسافةً من البصرة إلى بغداد، فهي في منتصف الطريق بين البصرة وبغداد، وربما كانت المسافة أقل من ذلك، مما جعل استقدام العلماء منها أسهل وأسرع،٤ وهنا يقول أبو الطيب اللغوي: «فلم يزل أهل المِصرَين على هذا حتى انتقل العِلم إلى بغداد قريبًا، وغلب أهل الكوفة على بغداد، وحدثوا الملوك فقدَّموهم، ورغبوا الناس في الروايات الشاذَّة وتفاخروا بالنوادر، وتباهَوا بالترخيصات، وتركوا الأصول واعتمدوا على الفروع.»٥
وقد كان لهذا أثرُه، كما ذكرنا من قبل، في أن أخذ الخلفاء العباسيون يقربون الكوفيين، ويتخذون من علمائهم معلمين لأولادهم، فيكون «المفضَّل الضَّبِّي» (ت١٦٨ﻫ) معلمًا للمهدي، ويكون الكِسائي معلمًا للرشيد، ثم جليسًا ملازمًا له، ومعلمًا لولدَيه الأمين والمأمون، ويكون الفرَّاء صديقًا للمأمون ومعلمًا لأولاده، ويكون ابن السِّكِّيت (ت٢٤٤ﻫ) معلمًا لأولاد المتوكل، وقد يرتقي المقام بواحد من علماء البصرة، فينافس زميله الكوفي في خدمة الخليفة، أو في تعليم أبنائه كما نافس المبرِّدُ ثعلبًا في تعليم عبد الله بن المعتز (ت٢٩٦ﻫ).٦
على أنه لما كانت أكثر هذه الخلافات شخصية، لم يُقصَد بها وجه العلم، فإنه من الملاحظ أن انتصار الكوفة في بغداد لم يكن انتصارًا لمذهبها النحوي على مذهب البصرة، وإنما كان نصرًا سياسيًّا، أو شخصيًّا فحسب؛ أي كان نصرًا لعلماء الكوفة لا لعِلمها.٧
بيد أن الأقدار قد شاءت أن يجيء إلى بغداد «أبو العباس المبرِّد» عائدًا من سامَرَّاء بعد مقتل «أبي الفضل جعفر المتوكِّل» (٢٠٥–٢٤٧ﻫ)، الذي استدعاه ولازمه بقية حياته، فاستخدم نباهته وذكاءه ولباقته وسَعة علمه، وتطوُّر منهجه في البحث النحوي، واستخدامه وسائل الاحتجاج، والاستدلال، والتعليل، والنقض، والإعادة في تدريسه ومحاضراته، فاستطاع أن يشُق له طريقًا وسط هذا الزحام الكوفي المتسلِّط على مجالس الدرس، وأوجَد له مكانًا بين المحاضرين في مسجد بغداد، واستقطب إلى درسه عددًا كبيرًا من الدارسين، من بينهم الكثير من أصحاب «ثعلب»، وكان من أشهرهم «أبو إسحاق الزَّجَّاجي» الذي كان أول من ناظره وأُعجِب بطريقته في الاحتجاج، والتعليل، والشرح، والنقاش، فلازمه مُطَّرحًا ما كان معه من كتب المذهب الكوفي قاطعًا صلَتَه بشيخه الأول ثعلب.٨
وفعل مثل ذلك «أبو علي الدِّينَوَري» (ت٣٣١ﻫ) ختن «ثعلب»، وكثر حوله الدارسون، منهم من لازمه، ومنهم من بقي ينتقل بين حلقته وحلقة ثعلب، ليطَّلع على نحو المذهبَين، ومنهج المدرستَين، وليوازن بين علم الشيخين وأسلوب الدرس عندهما، فنشأت حركة علمية نحوية تقوم على التنافس بين الشيخين، وبين أصحابهما المتعصبِين لهما، وقويت هذه المنافسة واشتدت وزاد عدد المتعصبين للمبرِّد، وبتعبير أدق المنحازين إليه، ووجد النحو البصري على أيديهم من بعده من العناية والاهتمام ما كان يحلم به شيوخه الراحلون مثل سِيبَوَيه، والمازني، والأخفش … وغيرهم، ونال كتاب سيبويه حظوةً عظيمة، فقد كان عليه اعتماد الدارسين في مجالس درسهم، أقرأهم المبرِّد إياه، وشرحه لهم وجسَّرهم على الخوض فيه، ومن ثم التعمق في فهمه، ونقده، والاختيار منه.٩
واختفت كتب النحو الكوفي إلى حدٍّ ما؛ ولا سيما كتب «الفرَّاء»، بعد أن انزاح أثره واطُّرِح لاطِّلاعهم على ما هو أوسع، وأشمل، وأثبت، وأصحُّ، وهو النحو البصري ممَثلًا بكتاب سيبويه، وهكذا خَبَت سيطرة النحو الكوفي على مجالس الدرس النحوي في بغداد، بعد أن استمرت حوالي قرن ونصف، وتوهجت شعلة النحو البصري بآرائه، وكتابه وشيوخه من البغداديين الذين اقتفوا أثر أستاذهم المبرد في العناية بهذا النحو الأصيل.١٠
ونحن لا نعني بظهور هذه الطائفة الجديدة من النحويين في بغداد زوال المذهبين السابقين: البصري والكوفة، ولا نعني اندماجهما في مذهب جديد، وإنما نعني بقاء المذهبين البصري والكوفي في بغداد جنبًا إلى جنب بقاءً لا أثر فيه للتنافس الشخصي، أو التناحُر على النفوذ والسلطان. فلقد كانت هناك كثرة من علماء بغداد أخذت بالمذهب البصري أخذَ بحثٍ واقتناع، لا أخذ هوًى وتعصب.١١

وكانت هناك قِلة منهم أخذت بمذهب الكوفة وناصرته، وكان ممن قال بآراء البصريين، من نحاة القرن الرابع الهجري في بغداد: أبو إسحاق إبراهيم الزَّجَّاج، وأبو سعيد السِّيرافي، وأبو علي الفارسي، وأبو الحسن علي بن عيسى الرُّمَّاني، وأبو علي الصفَّار (ت٣١٤ﻫ)، وأبو محمد عبد الله بن دُرُستوَيه (ت٣٤٧ﻫ) … وغيرهم، وكان ممن أخذ بمذهب الكوفيين «أبو موسي محمد بن أبي سليمان الحامض» (ت٣٠٥ﻫ)، و«أبو بكر أحمد بن شُقير» (ت٣١٧ﻫ)، و«أبو بكر محمد بن الأنباري» (ت٣٢٧ﻫ)، والخليل بن أحمد السِّجْزي (ت٣٧٨ﻫ) القائل:

وأجعَلُ في النَّحوِ الكِسَائيَّ عُمدَتي
ومِن بَعدِه الفَرَّاءَ ما عِشتُ سَرمَدًا١٢
وكان إلى جانب هؤلاء النحويين — الذين نعُدهم امتدادًا لمدرستي البصرة والكوفة في بغداد — نحاةٌ آخرون خلطوا بين المذهبين، مثل أبي محمد عبد الله بن قُتَيبة الدِّينَوَري (ت٢٧٦ﻫ)، وأبي علي بن سليمان الأخفَش (ت٣١٥ﻫ)، وأبي بكر محمد بن الخيَّاط (ت٣٢٠ﻫ).١٣
وهكذا تمثلت تلك النزعات في نُحاة هذا الجيل؛ إذ كانوا يتمسكون بالرأي الذي يستريحون له، يغلب على ظنهم صحته، سواء أكان موافقًا لرأي البصريين أم الكوفيين؛ فلا تعصب لأحد الفريقين على الآخر، وأحيانًا نرى لهم آراءً جديدة وصلوا إليها باجتهادهم، وهذه هي سمات المذهب البغدادي، وقد ظهرت بشكل أوضح في القرن الرابع الهجري، فما كاد فجر هذا القرن يبزغ حتى تهيأت الأسباب لتثبيت هذا المذهب، وتوطيد دعائمه، فكانت حرية البحث مكفولة لدى العلماء؛ لأن بغداد قد استقرت الحياة العِلمية فيها، وقد ازدهرت تلك الحياة بصورة واضحة بعد هجرة علماء البصرة والكوفة إليها، بسبب فِتَن الزنوج والقرامطة التي اشتد خطرها على هذين المصرَين في تلك الحقبة، فهجرها العلماء وأخذوا يفِدون على بغداد، وتضافر الجميع على النهوض بالعلم مُتَناسِين الأحقاد، وساعد على ذلك انقراض المجتهدين من المذهبَين: البصري والكوفي، فكان «المبرِّد»، وهو من أئمة البصريين، كما كان «ثعلب»، هو آخر أئمة الكوفيين، ومن ثم خلا الجو للعلماء يختارون ما يرجح دليله، ويقوى برهانه، دون تحيز أو مجاملة، كما نرى ذلك واضحًا عند علماء المذهب البغدادي الذين ظهروا في هذه الفترة، ويُعَدون بحق أئمة هذا المذهب مثل: «أبي سعيد السِّيرافي»، و«أبي علي الفارسي»، و«أبي الحسن الرُّمَّاني»، و«أبي الفتح عثمان بن جِنِّي» (ت٣٩٢ﻫ)، و«أبي القاسم الدَّقَّاق» (ت٤١٥ﻫ)، و«أبي الفرج علي بن عيسى الربعي» (ت٤٢٠ﻫ).١٤

ولست هنا متحدثًا عن قيام مدرسة بغداد، فقد ثبت ذلك وكتب عنها كثيرون في القديم والحديث، وألف كلٌّ منهم بحثًا مستقلًا، ويكفينا ما كتبه من المحدَثين الدكتور «محمد حسيني محمود» في كتابه «المدرسة البغدادية في تاريخ النحو العربي»، فقد تكفَّل سيادته ما يمكن أن أقوله في هذا المقام.

وما يهمنا هنا هو الكشف عن مشروعية العلاقة بين المنطق والنحو عند نحاة القرن الرابع الهجري؛ لا سيما وقد خضعت البحوث النحوية على أيدي هؤلاء النحاة في هذه المرحلة للمنطق في كُلياتها وجزئياتها؛ أي في مناهجها وأصولها ثم أحكامها، حقيقة لا يرفعها ما حدث في هذه المرحلة نفسها من هجوم بعض النحاة على المنطق نظرًا، ونقدهم للنحاة المسرفين فيه فعلًا، ولعل أبرز من أسهم في هذا المجال «أبو علي الفارسي» في نقده لاتجاه «علي بن عيسى الرُّمَّاني»، الذي يُراعي فيه الحقائق المنطقية ويحرص على الاهتداء بها؛ إذ يقول: «لو كان النحو ما يقوله الرُّمَّاني لم يكن معنا منه شيء.»١٥ ومن قبله أبو سعيد السِّيرافي الذي يرفض اعتبار المنطق مقياسًا صالحًا للاستخدام في كافة العلوم، وعلى رأسها النحو.١٦
وهذا الهجوم على المنطق نظرًا، وعلى المسرفين في تطبيقه في مجال البحث النحوي خاصة، لا يؤثر في تلك الحقيقة التي أشرنا إليها منذ قليل، وهي خضوع البحوث النحوية للقواعد والأساليب المنطقية، لسبب يسير جدًّا، وهو أن هؤلاء النحاة الذين هاجموا المنطق قد تأثروا به بالفعل في إنتاجهم النحوي، وتحليل إنتاج هؤلاء النحاة يكشف عن أن هذا التأثر بالبحوث المنطقية قد بلغ درجة الخضوع الكامل لاتجاهات المنطق اليوناني، والالتزام الدقيق بشروطه، ومقدماته، وأشكاله، وقضاياه. ونظرة واحدة إلى شرح كتاب سِيبَوَيه للسِّيرافي، ثم إلى المحفوظ من كتب «أبي علي الفارسي»، وبخاصة كتابه «الإيضاح»، كافية لتأييد هذه الحقيقة؛ ففي كافة مجالات الدرس النحوي التي يدرسها «السيرافي» في شرحه، ويتناولها «الفارسي» في إيضاحه، نجد أثر الثقافة المنطقية واضحًا في الحدود، والتقسيم، والتمثيل، والتعليل، أي في الأصول والفروع جميعًا.١٧
ومن ثم يأتي هذا الفصل ليقدم صورة للتفاعل الإيجابي المثمِر مع الثقافة المنطقية اليونانية، مما جسده الفكر النحوي في القرن الرابع الهجري لدى خمس شخصيات من أهم نحاة العربية الكبار: «ابن السَّرَّاج»، و«الزَّجَّاجي»، و«السِّيرافي»، و«أبي علي الفارسي»، و«الرُّمَّاني».١٨

(١) أبو بكر السَّرَّاج

يعد ابن السراج من أوائل نحاة القرن الرابع الذين أفادوا من الثقافات الجديدة، وأفسحوا لها السبيل لكي تؤثر في الدرس النحوي تأثيرًا واضحًا وفاعلًا؛١٩ فقد قال عنه ياقوت الحموي: «ما زال النحو مجنونًا حتى عقله ابن السَّرَّاج بأصوله»؛٢٠ حيث ظلت أبواب النحو ومسائله ردحًا من الزمن مضطربةً مغلقة، مثارَ جدل، وأخذ وردٍّ، يكتنفها الكثير من الغموض واللَّبس، إلى أن جاء ابن السراج فأنار دروبها المظلمة؛ فبوب وهذب وقارن وعقل كل مسألة بأصولها، فاختفى ذلك التداخل في الأبواب، وذلك الاستطراد الممل، وحل محلها حُسن الترتيب والتبويب، والنظرة القويمة المبنية على سلامة النطق والفكر.٢١
وعن كتاب الأصول قال ابن خلكان: «وهو من أجود الكتب المصنَّفة في هذا الشأن، وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه.»٢٢ وقد قال عنه بعض الباحثين إنه رائد الاتجاه المنطقي في النحو العربي؛ حيث كانت محاولته لتقنين أصول النحو بدايةً لهذا التحول الفكري في صياغة النحو العربي صياغة منطقية.٢٣
ومما يروى في هذا الصدد أن «أبا بكر السَّرَّاج» كان «يتلقَّى المنطق على يدي الفيلسوف «أبي نصر الفارابي» المتوفى سنة ٣٣٩ﻫ، كما كان الفارابي يتلقى عليه النحو، وأنهما اتفقا على ضرورة مزج النحو بالمنطق.»٢٤ قال ابن أبي أُصَيبِعة: «وفي التاريخ أن الفارابي كان يجتمع بأبي بكر بن السَّرَّاج، فيقرأ عليه صناعة النحو وابن السراج يقرأ عليه المنطق …»٢٥ ولكن ابن السراج لم يكن نحويًّا فحسب،٢٦ ولكن كان على اتصال بفكر المعتزلة أيضًا،٢٧ فقد ذكر أبو حيان التوحيدي٢٨ أن مراسلات جرت بين ابن السَّرَّاج وأبي الحارث الرازي تتعلق بفنون الكلام.
وقد ألف «ابن السَّرَّاج» فيما ألف كتابًا سماه «أصول النحو»، وقد وصفه المتقدمون بأنه «أحسن مؤلفاته وأكبرها، وإليه المرجع عند اضطراب النقل واختلافه، جمع فيه أصول علم العربية، وأخذ مسائل سيبَوَيه ورتبها أحسن ترتيب.»٢٩ كما وصفه «الزبيدي» بأنه «غاية في الشرف والفائدة.»٣٠
وقد قال «المرزباني» في صفة هذا الكتاب: «صنف كتابًا في النحو سماه «الأصول» انتزعه من أبواب كتاب سِيبَوَيه، وجعل أصنافه بالتقاسيم على لفظ المنطقيين، فأُعجب بهذا اللفظ الفلسفيون، وإنما أدخل فيه لفظ التقاسيم، فأما المعنى فهو كأنه من كتاب سيبويه على ما قسمه ورتبه، إلا أنه عوَّل فيه على مسائل الأخفش ومذاهب الكوفيين، وخالف أصول البصريين في أبواب كثيرة لتركه النظر في النحو وإقباله على الموسيقى.»٣١

وما قاله «المرزباني» يفيد أن ابن «السراج»، كان من الذين ملك المنطق عليهم نفوسهم، فأعجبوا به أشد الإعجاب، وانتصروا له أيما انتصار، لدرجة أنه كان يقحم المنطق في صميم المادة العلمية.

وهذا المعنى نستروِحُه في كتابه «الأصول»؛ «حيث نهج فعلًا في هذا الكتاب هذا المنطق المنهجي، سواء في التعريفات، أو في الاستدلالات؛ فعلى المستوى التصوُّري للمصطلحات النحوية، من حيث تعريفاتها وبيان حقائقها، يمكن تلمس أثر المنطق في المقدمة التي كتبها ابن السراج لكتابه «الأصول»؛ حيث يعمد إلى ترتيب الموضوعات ترتيبًا منطقيًّا صارمًا تُراعى فيه اعتبارات العموم، ثم التقسيم حسب الضرورة المنطقية، يقول «ابن السراج»: «فقد أعلنت في هذا الكتاب أسرار النحو، وجمعته جمعًا يحصره، وفصَّلته تفصيلًا يُظهره، ورتبت أنواعه وصنوفه في مراتبها.»٣٢
ومن الواضح أن «ابن السَّرَّاج» قد أفاد من المنطق، وبخاصة من الناحية الشكلية؛ حيث دأب في أغلب أبواب كتابه «الأصول» على استخدام أسلوب المناطقة في التقسيم، والترتيب، من ذلك قوله: «الحروف تنقسم إلى ثلاثة أقسام … الأسماء التي ترتفع خمسة أصناف … الأسماء المنصوبة تنقسم قِسمة أولى على ضربين … الضرب الأول ينقسم إلى قسمين: مفعول، ومشبه بمفعول، والمفعول ينقسم إلى خمسة أقسام …»٣٣
والملاحظ أيضًا أن هذا التأثر بالمنطق في الجانب التنظيمي، أدى بابن السراج إلى استخدام الكثير من مصطلحات وألفاظ المنطق، من ذلك استخدامه مقولة الجنس والنوع؛ ففي باب الاستثناء يقول: «الاستثناء الصحيح، إنما هو أن يقع جمع يُوهِم أن كل جنسه داخل فيه، ويكون واحد منه أو أكثر من ذلك لم يدخل فيما دخل فيه السائر بمستثنيه منه، ليعرف أنه لم يدخل فيهم، نحو «جاءني القوم إلا زيد».»٣٤
ويقول كذلك في باب التمييز: «فالتمييز إنما هو فيما يحتمل أن يكون أنواعًا.» كما قسم الاسم المفرد المتمكِّن في الإعراب على أربعة أضرُب، أحدها الجنس، قائلا: «الجنس: الاسم الدال على كل ما له ذلك الاسم، ويتساوى الجميع في المعنى، نحو الرجل، والإنسان، والمرأة، والجمل … وجميع ما أردت به العموم، مما يتفق في المعنى بأي لفظ كان فهو جنس، وإذا قلت: ما هذا؟ فقيل لك: إنسان. فإنه يُراد به الجنس، فإذا قال: الإنسان. فالألف واللام لعهد الجنس وليست لتعريف الإنسان بعينه.»٣٥
وإذا ما اتجهنا إلى التعاريف ذاتها، لنتأكد من هذا المعنى بدراسة بِنيتها، فأول ما نلاحظه أن «ابن السَّراج» يحرص في الغالب على أن يراعي مقولة المعرف؛ فيصدر التعريف بلفظ يناسب تلك المقولة ويدل عليها، ولنأخذ مثالًا لذلك: تعريفاته لأجزاء الكلام الثلاثة، يقول: «الاسم ما دل على معنًى مفرَد، وذلك المعنى يكون شخصًا وغير شخص. وإنما قلت: ما دل على معنًى مفرَد؛ لأفرق بينه وبين الفعل؛ إذا كان الفعل يدل على معنًى وزمان، وذلك الزمان إما ماضٍ، وإما حاضر، وإما مستقبل.»٣٦
ثم إننا كثيرًا ما نجد «ابن السراج»، يشير في التعريف إلى أنه من باب الحد قائلًا: «حده كذا»، يتضح ذلك حين عرَّف «المضاف إليه» فقال: «حد المضاف إليه هو أن يصير مع المضاف بمنزلة اسم واحد، هو قولك: عبد الملك، ولو أفردت عبدًا من الملك لم يدل على ما كان عليه عبد الملك.»٣٧
ولما كان تقسيم التعريف بالحد كثيرًا ما يكون بالجنس والفصل، فإن التزام «ابن السَّراج» به على تلك الدقة يُظهر مدى تأثره بالتعريف الأرسطي، يتضح ذلك من تعريفه لمقولة الصفة التي يرى أن لها وظيفة مثل الفصل في الحد الأرسطي؛ حيث يقول: «وكل موصوف فإنما ينفصل من غيره بصفة لازَمَته في وقته.»٣٨ وفي نص آخر يشرح «ابن السراج» هذه الفكرة بقوله: «ألا ترى أنك إذا قلت: جاءني زيد، فخفت أن يلتبس الزيدان على السامع، أو الزُّيود، قلت: الطويل وما أشبه؛ لتفصِل بينه وبين غيره ممن له مثل اسمه، وإذا قلتَ: جاءني هذا، فقد أومأت إلى واحد بحضرتك، وبحضرتك أشياء كثيرة، وإنما ينبغي لك أن تُبين له عن الجنس الذي أومأت إليه؛ لتفصل ذلك عن جميع ما بحضرتك من الأشياء، ألا ترى أنك لو قلت له: ما هذا الطويل؟ وبحضرتك إنسان ورمح وغيرهما، لم يدرِ إلى أي شيء تشير.»٣٩

يتبين من هذا أن «ابن السراج» على هذا المستوى التصوُّري، قد تأثر في تقريره لتصوراته للحقائق اللغوية، والنحوية بالمنطق الأرسطي، من حيث قد جرى على قواعده في تحرير الحدود، فهل كان كذلك على مستوى الاستدلالات ومعالجته لقضايا النحو؟

الحقيقة أننا نجد أن «ابن السراج» إذا قورن بالنحاة الذين سبقوه فإننا نجد لديه اهتمامًا واضحًا بطرق القياس المنطقي، خاصة في معالجته لقضايا النحو، ويمكن أن نسوق بعض النماذج على ذلك:
  • (١)
    يقول «ابن السراج» في تعليله لعدم الابتداء بالنكرة: «وإنما امتنع الابتداء بالنكرة المفردة المحضة؛ لأنه لا فائدة فيه، وما لا فائدة فيه، لا معنى للتكلم به.»٤٠

    ويمكن وضع هذا القول في صورة قياس من الشكل الأولي، وذلك على النحو التالي:

    كل ما لا فائدة فيه فلا معنى للتكلم به.

    والابتداء بالنكرة المحضة لا فائدة فيه.

    ─────────────────────

    إذن فالابتداء بالنكرة المحضة لا معنى للتكلم به.

  • (٢)

    ومن الاستدلالات المنطقية الواضحة عند «ابن السراج» استدلاله على «لام المعرفة» في الاسم مع اختصاصها به دون الفعل، فإنه يفترض وجود تشكيك يقوم على الصورة الاستدلالية:

    الحروف المختصَّة بالدخول على أسماء تعمل فيها.

    لام المعرفة حرف مختص بالدخول على الأسماء.

    ─────────────────────

    إذن لام المعرفة تعمل في الأسماء.

وهذا قياس من الشكل الأول يقوم على ما يُسمى في المنطق الأرسطي بأُغلوطة الجَوهر، معناها أن «نطبق حكمًا عامًّا على حالة فردية، لا تتوفر فيها شروط الحكم العام»، ووضح ذلك في المثال المذكور، أن لام المعرفة تفارق سائر الحروف الداخلة على الأسماء في أنها من نفس الاسم، فيدل بها على غير ما كان يدل عليه قبل دخولها.٤١
كما التزم ابن السراج منهج التعليل اللغوي في اختياراته لكثير من الآراء النحوية؛ إذ لم يسلم بالاختيار المنقول من غيره جزافًا، بل كان يدعم هذا الاختيار بسبب مستنبَط من أحكام قانون اللغة ومقاييسها، وهي في جوهرها أحكام تفسر الواقع اللغوي المسموع، كي لا يجعل من هذا الاختيار مناقضًا لنظام اللغة ومقاييسها، وكأنه يعلل الظاهرة اللغوية مستندًا في ذلك إلى نظام العلاقات التركيبية بين الصيغ والمفردات وعناصر الجملة الواحدة، مما يُنبئ بالتأثر بالمنطق في البحث اللغوي، وقد تنوعت العلة عنده بين القياس، والسماع، والحمل على النظير، وأمن اللَّبس، والشبه، والاستثقال، ولَبس المعنى، والحمل على المعنى … وغيرها، وفيما يلي بعض الآراء التي عللها ابن السراج في كتابه الأصول على سبيل المثال لا الحصر:
  • (أ)
    علَّل ابن السراج عدم إجازته ترخيم رجل اسمه «عرقوة» على: يا «عرقو»، قياسًا على ترخيم «حارث»، عندما تقول: يا حار؛ إذ قال: «فإن كان قبل الطرف حرف يعتل في أواخر الأسماء، وينقلب إلى ياء، نحو: رجل سميته «عرقوة» إن رخمت فيمن قال: يا حار، قلت: يا عرقي أقبل، ولم يجُز أن تقول: يا عرقو؛ لأن الاسم لا يكون آخره واوًا قبلها حرف متحرك … ومن قال: يا حارُ، فإنما يجعل الراء حرف الإعراب، ويقدره تقدير ما لا فاء فيه، فيجب عليه أن لا يفعل ذاك إلا بما مثله في الأسماء.»٤٢
    فتُقلب الواو ياء، والضمةُ قبلها إلى كسرة؛ لأنه ليس في الكلام اسم في آخره «واو» قبلها ضمة.٤٣
  • (ب)
    علل ابن السراج عدم إجازته الإضمار والإلغاء في الأفعال المؤثرة — وهي الأفعال التي تتعدى إلى ثلاثة مفعولات — فذكر أن من قال: ظننته زيدٌ قائمٌ، فجعل الهاء كناية عن الخبر والأمر، وهو الذي يسميه الكوفيون المجهول، لم يجُز له أن يقول في «أعلمتُ زيدًا عَمرًا خيرَ الناس»: أعلمته «زيد عمرو خير الناس»؛ لأنه يبقى زيد بلا خبر، وإنما يجوز ذلك في الفعل الداخل على المبتدأ والخبر. كما لا يجوز الإلغاء؛ لأنك تحتاج إلى أن تذكر بعد الهاء خبرًا تامًّا يكون هو بجملته تلك الهاء، والأفعال المؤثرة لا يجوز أن يضمر فيها المجهول، وإنما تذكر المجهول مع الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر، نحو: كان، وظننت، وأن … وما أشبه ذلك.٤٤

    فهو لا يجيز قياس الأفعال التي تتعدى إلى ثلاثة مفاعيل على الأشياء التي تدخل على المبتدأ والخبر ﮐ «كان»، و«ظن»، و«أن» … وما أشبهها؛ لأن ما يدخل على المبتدأ والخبر يجوز فيه الإلغاء والإضمار، وما تعدى لثلاثة مفاعيل لا يجوز فيه الإضمار والإلغاء.

  • (جـ)
    لا يجيز ابن السَّراج تقديم الحال على العامل، سواء أكان العامل فعلًا لا يصل إلا بحرف، أو إذا كان العامل غير فعل، ولكنْ شيء في معناه، وعلل عدم إجازته بقوله: «تقول: مررت بزيد راكبًا؛ فإن كان الفعل لا يصل إلا بحرف جر، لم يجز أن تقدم الحال على المجرور، إذا كانت له، فتقول: مررت راكبًا بزيد، إذا كان «راكبًا» حالًا لك، وإن كان لزيد لم يجُز؛ لأن العامل في زيد الباء، فلما كان الفعل لا يصل إلى «زيد» إلا بحرف جر، لم يجز أن يعمل في حاله قبل ذكر الحرف.»٤٥ وإن كان العامل غير فعل، ولكنْ شيء في معناه لم تقدم الحال على العامل؛ لأن هذا لا يعمل مثله في المفعول، وذلك قولك: زيد في الدار قائمًا، لا تقول: زيد قائمًا في الدار، ولا يجوز: جالسًا مررت بزيد؛ لأن العامل الباء، ومحال أن يكون «جالس» حالًا من التاء؛ لأن المرور يناقض الجلوس.٤٦
فقد جعل ابن السَّراج عدم إجازة تقديم الحال على العامل إذا كان فعلًا لا يصل إلا بحرف قياسًا على عدم إجازة تقديم الحال على عامله المعنوي، وهو ما تضمن معنى الفعل دون حروفه كأسماء الإشارة، وحروف التمني، والتشبيه، والظرف، والجار والمجرور.٤٧
ومن جهة أخرى يعتمد ابن السَّراج قياس «المعادلة» علةً من علل النحو المنطقية في الرد على النحاة، كالمعادلة بين الصفة وموصوفها، فلا تأتي الصفة أخص من موصوفها، وقد رد على من وصف الخاص بالعام؛ لأن ذلك يُخرج الموصوف إلى العموم، وإنما يجيز ذلك إذا اكتفى القول بذكر الصفة من دون موصوفها، وبذلك عد ابن السراج الصفة وموصوفها كالشيء الواحد.٤٨

ومن خلال هذه الأمثلة يتبين لنا أن ابن السَّراج اعتمد مبدأ التعليل في عرض المسائل الخلافية بينه وبين الآخرين، وهي سمة ظهرت في أغلب الآثار العلمية التي طالعتنا في القرن الرابع الهجري بتأثير المعارف والعلوم الفلسفية الأخرى، وتداخل مناهجها مع منهج البحث النحوي، وقد تعددت عنده هذه العلة المعروفة بالعلل الأوائل، وهو أول من قال بالعلة الثانية.

وإذا ما انتقلنا إلى تلاميذ ابن السراج الذين سعوا إلى مزج النحو بالمنطق، فندكر منهم على سبيل المثال لا الحصر:
  • (١)
    أبا القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزَّجَّاجي؛ فقد ذكر الزجَّاج أنه أخذ عن ابن السراج.٤٩
  • (٢)
    أبا سعيد السِّيرافي؛ فقد قرأ على أبي بكر بن السراج وأبي بكر بن مبرمان النحو.٥٠ وفي شرح كتاب سيبَوَيه،٥١ نجد الكثير من آراء ابن السراج النحوية والصرفية الممزوجة بالمنطق.
  • (٣)
    أبا علي الفارسي … الحسن بن أحمد بن عبد الغفار بن أبان الفارسي الفَسَوي، الإمام العلامة، فقد قرأ النحو على أبي إسحاق وعلى أبي بكر بن السراج،٥٢ وكذلك اطَّلع على المسائل المشروحة من كتاب سيبويه للمبرِّد، وقرأها على ابن السراج، كما روى كتاب التصريف عن ابن السراج عن المبرِّد.٥٣
  • (٤)
    الرُّمَّاني: أبا الحسن علي بن عيسى الرماني، أخذ النحو عن أبي بكر بن السراج وابن دُرَيد والزَّجَّاج، وهم الشيوخ الذين حملوا علم البصرة في بغداد، وقد شرح الرُّمَّاني كتاب الموجَز لابن السراج.٥٤

وقد تميز كل منهم بطابع في عملية مزج النحو بالمنطق، وسبيلنا الآن هو عرض أفكارهم في ذلك المزج، وذلك على النحو التالي:

(٢) أبو القاسم الزَّجَّاجي

لقد كانت ثقافة الزَّجَّاجي ثقافة عالِم عاش في أواخر القرن الثالث الهجري، وأدرك أربعين سنة من القرن الرابع، هذا القرن الذي حفل بنتاج خصب للعقلية الإسلامية في أوج نضجها ورقيها، فعاصر الأخفش علي بن سليمان، وابن السَّراج، وابن الأنباري، والسِّيرافي … وغيرهم، وكان واحدًا منهم، بل من أكثرهم نشاطًا في العلم والتأليف.٥٥
وتظهر لنا سعة ثقافته في مؤلفاته الكثيرة، وما تتصف به من عمق وتنوع، وكأنه جمع في نفسه ما تفرق عند شيوخه من فنون العلم؛ فقد كان منهم من اتسع أفقه في النحو، كالأخفش علي بن سليمان وابن الخياط، وابن كَيسان؛ فكان الزَّجَّاجي مثلهم في سعة العلم بالنحو، وما يتصل به من اختلاف المذاهب وتشعُّب الآراء.٥٦
ولم تكن ثقافة «الزَّجَّاجي» عربية فحسب؛ إذ كان عارفًا لبعض اللغات الأخرى، وقد ذكر ذلك دون أن يصرح بهذه اللغات أو يُعيِّنها، فقال في معرض حديثه عن أقسام الكلام، وكونها لا تخرج عن اسم، وفعل، وحرف: «وقد اعتبرنا ذلك في عدة لغات عرفناها سوى العربية فوجدناه كذلك.»٥٧
وقد وصفه البعض بأن الزَّجَّاجي كان ذا أسلوب رصين، ومنطق محكَم متين، نفس طويل، بلغ ميادين الجدل؛ بل يفتح على نفسه أبوابه، ويختلق لخصومه الحجج، ويتعلل لهم ليعود على الحجج بالنقض، وعلى العلل بالإبطال، صنيع علماء المنطق في إيراد أدلة خصومهم لهدم وبناء آرائهم على أنقاضها،٥٨ وله منهج يختلف عن منهج «ابن السراج»، في تناول مسائل المنطق؛ فابن السراج يمزجها مزجًا بالنحو، فهو إذا يقايس، أو يعلل، أو يبرهن، أو يذكر القضايا يجعل ذلك وغيره من مسائل المنطق في ثنايا نحوه وتضاعيفه، يورده ويتحدث عنه، حتى يصير المنطق مع نحوه وحدة لا تتجزأ، وكيانًا متضامنًا لا ينفصل.
يقول الزَّجَّاجي في كتابه «الإيضاح في علل النحو»، بعد أن يسوق جملة من تعريفات الفلسفة: «وإنما ذكرنا هذه الألفاظ في تحديد الفلسفة ها هنا، وليس من أوضاع النحو؛ لأن هذه المسألة يجيب عنها من يتعاطى المنطق وينظر فيه، فلم نجد بدًّا من مخاطبتهم من حيث يعقلون، وتفهيمهم من حيث يفهمون.»٥٩ ولعل هذه العبارة كافية للدلالة على منهج الزَّجَّاجي، من حيث الأخذ بمقولات المناطقة، حين يكون الأمر أمر اضطرار.
وقد ذكر الزَّجَّاجي نفسه مرارًا أنه نحوي، ولا يرغب في الحديث عن اللغة بالتصانيف نفسها كما يفعل علماء المنطق، فمثلًا عند مناقشة تعريف الاسم، يقول إن هناك تعريفًا واحدًا؛ حيث إن الاسم على وفق ذلك التعريف: «صوت موضوع، دال باتفاق على معنًى غير مقرون بزمان.»٦٠
ومن الواضح أن الزَّجَّاجي قد استوعب قضية الحد المنطقي استيعابًا طيبًا تكشف عنه تلك الصفحات التي عقدها حول اختلاف النحويين في تحديد الاسم والفعل والحرف، فهو يروي على لسان المناطقة أن الحد هو قول وجيز «يدل على طبيعة الشيء الموضوع له.»٦١ وهذا الحد هو نفسه تعريف أرسطو للحد، وهو نفسه أيضًا التعريف الذي فضله الفارابي في مقدمته لإيساغوجي.٦٢ وهذا بالطبع نوع من تعريف أرسطو للاسم، ويقدم الزَّجَّاجي هذا التعريف بقوله: «لأن المنطقيين وبعض النحويين قد حدوه حدًّا خارجًا عن أوضاع النحو.» كما يضيف قائلًا: «وهو على أوضاع المنطقيين ومذهبهم؛ لأن غرضهم غير غرضنا، ومغزاهم غير مغزانا.»٦٣
وهو نفسه يحبذ تعريفًا آخر للاسم: «الاسم في كلام العرب ما كان فاعلًا أو مفعولًا، أو واقعًا في حيز الفاعل والمفعول به.»٦٤ ومن الجدير ذكره هنا أن ثمة دليلًا ما أن هذا التعريف الأخير ينم كذلك عن بعض ملامح التأثير الإغريقي؛ حيث تُعرف الأجسام أو المواد في الفلسفة الرواقية، كونها أشياء إما أن تَفعل أو يُفعل بها، وربما كان ذلك أصل استخدام الزَّجَّاجي لمعيارَي الفاعلية، أو المفعولية في تعريف الاسم.٦٥
إن الحقيقة الماثلة وحدها — وهي أنه يكرس فصلًا كاملًا للمشاكل المرتبطة بإرساء التعريف الصحيح مفصلًا، وفصلًا آخر للمناقشة المستفيضة لجميع التعاريف الموجودة لأقسام الكلام — تبين أنه كان الطريقة «الصحيحة» في كتابة المقدمات العلمية لرسالة ما في اللغة. كما أن كتاباته مليئة بالإحالات إلى التعاليم المنطقية، التي أصبحت في زمانه جزءًا لا يتجزأ من إطار العمل الفكري للعلماء في جميع العلوم تقريبًا.٦٦
ويمكن أن نلحظ تأثير المنهج المنطقي في دراسة اللغة بوضوح أكثر في اختيار المواضيع في «كتاب الإيضاح»، ولنأخذ على سبيل المثال تعريفه للنكِرة؛ حيث يقول: «فأما النكرة، فهي كل شائع في جنسه لا يخص واحدًا دون آخر.»٦٧ ومن الواضح أن هذا التعريف يتصل بفكرة الأجناس، والأنواع في الحد المنطقي. فمقولة «النكرة» في النحو توازي تمامًا مقولة الجنس في المنطق، على الرغم من أن النظر اللغوي الخالص يمكنه — اعتمادًا على مبدأ الموقف اللغوي Linguistic Situation — أن يعطي تعريفًا يختلف عن هذا التعريف، وكذلك يعرف الزَّجَّاجي «الجملة الفعلية» بقوله: «والفعل والفاعل جملة يُستغنى بها وتقع بها الفائدة.»٦٨ ومصطلح «الفائدة» هنا يقابل تمامًا مصطلح «كلام قائم بنفسه» عند الزَّجَّاجي أيضًا.٦٩
ومن المواضع التي أخذ بها «الزَّجَّاجي» بالمنطق «العلل»؛ حيث يقسم علل النحو إلى ثلاثة أضرُب: علل تعليمية، وعلل قياسية، وعلل جدلية نظرية. فأما «التعليمية فهي التي يتوصل بها إلى تعلم كلام العرب؛ لأنا لم نسمع نحن ولا غيرنا كل كلامها منها لفظًا، وإنما سمعنا بعضًا فقسمنا عليه نظيره، مثال ذلك أنَّا لما سمعنا: قام زيد فهو قائم، وركب فهو راكب، عرفنا اسم الفاعل، فقلنا: ذهب فهو ذاهب، وأكل فهو آكل … وما أشبه ذلك، وهذا كثير جدًّا … وأما العلة القياسية فأن يُقال لمن قال نصبت زيدًا بإن — في قوله: إن زيدًا قائمٌ — ولمَ وجب أن تنصب «إن» الاسم؟ فالجواب في ذلك أن يقول: لأنها وأخواتها ضارعت الفعل المتعدي إلى مفعول، فحُملت عليه، فأُعملت إعماله لمَّا ضارعته، فالمنصوب بها مشبه بالمفعول لفظًا، والمرفوع بها مشبه بالفاعل لفظًا، فهي تشبه من الأفعال ما قُدم مفعوله على فاعله، نحو ضرب أخاك — وما أشبه ذلك — محمدٌ.»٧٠
ومفهوم «العلة» في هذين النصين يعادل تمامًا مفهوم «القياس» في النحو العربي، ومفهوم «التمثيل» في المنطق الأرسطي: ومؤدى هذين المصطلحين أن ظواهر الوجود والطبيعة يُحمل بعضها على البعض بناء على مبدأ «قياس الغائب على الشاهد» تارة، أو قياس الشبه تارة أخرى.٧١
أما النوع الثالث من أنواع العلل فهو الإضافة الحقيقية لنحاة القرن الرابع، وذلك «هو العلة الجدلية النظرية»، وهي لا تعدو كونها تطبيقًا لنظرية العلة الغائية في فلسفة أرسطو، ويُعرِّفها الزَّجَّاجي على النحو التالي: «وأما العلة الجدلية، فكل ما يُعتَل به في باب «إن» تعد هذا مثل أن يقال: فمن أي جهة شابهت هذه الحروف الأفعال؟ وبأي الأفعال شبهتموها، أبالماضية، أم المستقبلة، أم الحادثة في الحال، أم المترادفة، أم المنقضية بلا مهلة؟ وحين شبهتموها بالأفعال لأي شيء عدلتم بها إلى ما قُدم مفعوله على فاعله؟ … وكل شيء اعتل به المسئول عن هذه المسائل فهو داخل في الجدل والنظر.»٧٢
ولنأخذ نموذجًا يوضح منهج الزَّجَّاجي في التعليل الجدلي وهو «علة امتناع الأفعال من الخفض».٧٣ يبدأ الزَّجَّاجي آخذًا بتعليل سيبويه: «وليس في الأفعال المضارعة جرٌّ، كما أنه ليس في الأسماء جزم؛ لأن المجرور داخل في المضاف إليه، معاقِب للتنوين، وليس ذلك في هذه الأفعال.» ثم يعلق الزَّجَّاجي: «هذا الذي يعتمد عليه الناس في امتناع الأفعال من الخفض، وكل علة تذكر بعد هذا في امتناع الأفعال من الخفض، فإنما هي شرح هذه العلة وإيضاحها، أو مولَّدة عنها.» ولكن الرغبة في الوضوح والتوضيح مما خلقته النزعة التحليلية في المنطق تجعل الزَّجَّاجي يُسهب القول في شرح تعليل سيبويه، فيبدأ في تعريف الأفعال المضارعة لغة واصطلاحًا ثم يقول: «وإنما قال: وليس في الأفعال المضارعة جر. فقصَدَها دون سائر الأفعال؛ لأن كل فعل سوى المضارع عنده مبني غير مُعرَب، وإنما كان في ذكر الجر، والجر إعراب، ولما كان إعرابًا، وكانت الأفعال سوى المضارِعة مبنية غير مستحِقة للإعراب … سقط السؤال عنها … وبقي السؤال عن الفعل المضارع الذي هو معرب.»٧٤
ويلاحظ الدكتور محيي الدين محسب هنا هذه الطريقة الاستدلالية التي تأخذ صورة القياس المنطقي:

الجر إعراب.

وكل فعل سوى المضارع مبني غير مُعرَب.

─────────────────────────
إذن سقط السؤال عن دخول الجر في غير الفعل المضارع.٧٥

يتضح لنا مما سبق أن مزج الزَّجَّاجي النحو بالمنطق لم يكن بالغًا ولا حادًّا، ولم يصل فيه إلى حد الإفراط، فقد كان ميله الكامن إلى السماع والرواية، وتقديمه لهما يكبح جماحه، ويحول دون تزيده في المنطق ومبالغته في الفلسفة.

ومن هنا رأينا المنطق الأرسطي ظاهرًا في بعض كتبه ظهورًا بينًا ورأيناهما في بعض كتبه الأخرى يبدوان برفق على ما يشبه الاستحياء، ومن الأولى كتابه المشهود «الإيضاح في علل النحو» الذي يسرد الدكتور «عبد الفتاح شلبي» أطرافًا من محتوياته فيقول: «يلقاك المنطق وتطالعك الفلسفة في أول الكتاب، فإذا ما وصلت إلى الصلب منه رأيت حِجاجًا وتعليلًا وقياسًا وتدليلًا وإذاعة لاصطلاحات المناطقة، في الحد والمحدود والحكم والبرهان والدليل القاطع والحجة ووضوح الدلائل وإقامة البراهين والدلائل العقلية … إلى آخره.٧٦
ومن الثانية كتابه المشهور أيضًا «الجُمَل» الذي يذكر الباحث نفسه أن أسلوبه فيه كان سهلًا سَمحًا؛ لا تعقيد ولا التواء ولا أثر للعلل النحوية أو التدليل المنطقي فيه … يعطيك القاعدة العامة في جُمَل بعيدة عن تأويلات المؤوِّلين، وفي أسلوب سهل، لا ترى فيه عوجًا ولا أمتًا من تعقيدات المعقدين وتفريعات النحاة والتجويزات المشهورة عنهم في المسألة الواحدة، وحتى لتختفي الضوابط وتتشعب المسالك،٧٧ وأنه قد «أخلاه» من المنطق ومسائله، وأقيسته، وقضاياه، وبراهينه، وتعليله، وتدليله خُلُوًّا يكاد يكون تامًّا.»٧٨

ويمكن أن نذكر السبب في ذلك؛ حيث من الملاحظ أن الزَّجَّاجي حين كان يكثر من مزج المنطق بالنحو في كتابه «الإيضاح»، كان يخاطب في ذلك النخبة من النحاة والمثقفين، أما في كتابه الجُمل، والذي وضعه تيسيرًا لطلاب العلم، فقد كان يقلل، بل أحيانًا يبتعد عن مزج النحو بالمنطق، حتى لا يصعب على المبتدئين في دراسة علم النحو.

(٣) أبو سعيد السِّيرافي

وصف الكثير من المؤرخين السِّيرافي بأنه شيخ الدَّهر، وقريع العصر، وعديم المثل، ومفقود الشكل، وبعيد القرين، وعين الزمان، والصدر.٧٩ ولم تصدر هذه النعوت دون أساس، بل وجدناه العالم المقدَّم الذي استوعب ثقافات عصره استيعابًا مكَّنه من تدريسها إلى معاصريه من العلماء والطلبة، وفي هذا قال رئيس الرؤساء:٨٠ إن أبا سعيد كان يدرس القرآن، والقراءات، وعلوم القرآن، والنحو، واللغة، والفقه، والفرائض، والكلام، والشعر، والعَروض والقوافي، والحساب.٨١ أما في النحو فهو المقدَّم والأعلى في زمانه، ولو لم يكن له غير شرح كتاب سيبويه لكفاه فضلًا، كما قال أبو البركات الأنباري،٨٢ وقد أُعجب القفطي صاحب إنباه الرواة به، فأفرد له مصنفًا سماه «المفيد في أخبار أبي سعيد»،٨٣ ووصفه ابن الأثير بقوله: «كان فاضلًا، ومهندسًا، ومنطقيًّا.»٨٤ وإذا كان ابن الأثير قد وصفه بالمهندس، وبالمنطقي، فإنا وجدنا الزبيدي (ت٣٧٩ﻫ) قال: «إنه كان» ينتحل العلم بالمجسطي وإقليدس والمنطق، ويتفقه بأبي حنيفة، وهو معتزلي من أصحاب الجُبَّائي.»٨٥
وقد غلب المنهج الكلامي على علم أبي سعيد في النحو وسائر علوم العربية، وقد كان هذا المنهج طابع الدرس في القرن الرابع، ولم يكن الإفلات منه مُيَسرًا للدارسين أمثال أبي سعيد، وليس أدل على هذا من المناظرة التي جرت بينه وبين متَّى بن يونس القِنائي الفيلسوف في مجلس «الفضل بن جعفر بن الفرات»، وزير الخليفة المقتدِر سنة ٣٢٠ﻫ٨٦ (وسوف نتحدث عنها بالتفصيل خلال الفصل السابع)، وكذلك المناظرة التي جرت بينه وبين أبي الحسن العامري الفيلسوف النيسابوري (ت٣٨١ﻫ)، في مجلس «أبي الفتح بن العميد».٨٧
ويرى البعض أن هذه المناظرة قد طغى عليها عنصر التكوين الاعتزالي في فكر السيرافي، وعلى الرغم من التفسير المقنع الذي يُورده «علي أبو المكارم» لهذا الهجوم من قِبل السيرافي على المنطق، فإنه يسوق نصوصًا من مصادر لا تعترف اعترافًا صريحًا باعتزالية السيرافي.٨٨ أما تفسيره لهجوم السيرافي على المنطق الأرسطي، فهو أنه كان متأثرًا بالعداء الشديد بين علماء الكلام والمنطق اليوناني، إذن، فما الأبعاد المنطقية في المقولات النحوية عند السيرافي؟
إن العناصر البارزة في ثقافة «السيرافي» هي القدرة على التحليل، وبالتالي فقد اتسمت تعريفاته للمقولات النحوية بهذا الطابع المفرِط في تقصي كل أجزاء التعريف بالشرح والتوضيح. من الأشياء التي أخذها السيرافي على سيبويه أنه لم يضع حدود المقولات النحوية بشكل جامع مانع، فيقول: «أما الاسم، فإن سيبويه لم يحدَّه بحد ينفصل به عن غيره، فإن سأل سائل عن حد الاسم فإن الجواب في ذلك أن يقال: كل شيء دال لفظه على معنًى غير مقترِن بزمان محصل من مُضِي أو غيره فهو اسم، فهذا الحد الذي لا يخرج منه اسم البتة، ولا يدخل فيه غير اسم.»٨٩

وعلى الرغم من أن السيرافي هنا يرى أن وظيفة الحد هي «الفصل والتمييز»، وهي وظيفته لدى علماء الأصول، فإن الحد الذي يسوقه يؤدي إلى تحصيل ماهية المعرَّف، وهي وظيفته في المنطق الأرسطي، بل إن الحد نفسه يكاد يكون نقلًا مباشرًا لتعريف أرسطو للاسم، فهو يضيف — ربما أول مرة في النحو العربي — فكرة الزمان المحصل، وهي فكرة قد وردت عند أرسطو، وعند الفارابي أستاذ ابن السراج، الذي لم يوردها في تعريفه للاسم في «الأصول» أو «الموجَز».

وترتبط تعريفات السيرافي بمنهج التحليل المنطقي الذي يستهدف التوضيح بأقصى غاياته، ومن ثم فقد يخرج بعض هذه التحليلات إلى دقائق عميقة، فهو بعد أن ساق انقسام الفعل بانقسام الزمان إلى ثلاثة أقسام: ماضٍ ومستقبل وكائن في وقت النطق، وهو الزمان الذي يقال عليه الآن «الفاصل بين ماضٍ ويمضي»، وبعد أن وضع تعريف كل قسم منها، يتعرض لتحليل ماهية هذا الزمان الكائن: «أوَقَع وكان فيكون موجودًا في حيز ما مضى، فيقال عليه كان؟ أم لم يوجد بعد فيكون في حيز ما يقال عليه لم يكن، فهو مستقبل؟ … ولا سبيل إلى ثالث.»٩٠
ويرُد السيرافي هذا الطعن: «إن الماضي هو الذي أتى عليه زمانان؛ أحدهما: الزمان الذي وجد فيه، وزمان ثانٍ يُخبَر عنه أنه قد وُجد، وحدث، وكان … ونحو ذلك. فالزمان الذي يقال وُجد الفعل فيه، وحدث غير زمان وجوده، فكل فعل صح الإخبار عن حدوثه في زمان بعد زمان حدوثه فهو فعل ماضٍ، والفعل المستقبل هو الذي يحدث عن وجوده في زمان لم يكن فيه ولا قبله. فقد تحصل لنا الماضي والمستقبل، وبقي قسم ثالث وهو الفعل الذي يكون زمان الإخبار عن وجوده، هو زمان وجوده …»٩١ ولا شك أن ذلك يُذكرنا بما ورد في النحو اليوناني من قول «ثراكس»، عن الفعل الحاضر، إنه «يربط بين وجود الشيء وزمن الإخبار عنه.»٩٢
ومن النصوص التي تكشف عن تغلغل نظرية الحد المنطقي في الفكر النحوي عند السيرافي، ما يكون في قضية الإضافة، التي أصبحت عنده — كما هو الحد عند أرسطو — نوعًا من التعريف وإزالة الإبهام، أو هي الحالة التي تُظهر ترتيب نوع الجنس من العموم إلى الخصوص، يقول السيرافي: «فإذا كانت الإضافة إنما ينبغي لها زيادة معرفة المضاف، ولا سبيل إلى أن يعرف المضاف إليه حتى يكون مقصودًا إليه معروفًا، فيعرف المضاف بذلك.»٩٣ ثم يوضح ذلك بقوله: «إن المضاف إليه يتعرف به المضاف، أو يخرج به من إبهامٍ إلى تخصيص على مقدار خصوصه في نفسه، كقولك: هذا غلام زيد، فيُعرف الغلام بزيد، وتقول: «هذا غلام رجل صديق لك» فيخرج الغلام عن حد الإبهام الذي في قولك: «هذا غلام» حتى ينحصر ملكه على صديق له دون سائر الناس، و«صديق له» أخص من واحد من الناس منهم.»٩٤
كذلك نلمس أثرًا آخر من آثار المنطق في تحديد السِّيرافي للخبر النحوي. يُعرِّف السيرافي الخبر بقوله: «والخبر ما صح فيه الصدق والكذب.»٩٥ وقد عرَّف ابن السراج الخبر — من قبل — بقوله: «وبالخبر يقع التصديق والتكذيب.»٩٦ ولذلك فإن ابن فارس يقول: «أما أهل اللغة فلا يقولون في الخبر أكثر من أنه إعلام … وأهل النظر يقولون: الخبر ما جاز تصديق قائله أو تكذيبه، وهو إفادة المخاطَب أمرًا في ماضٍ من زمانه أو مستقبل أو دائم.»٩٧
ومن الواضح أن مصدر هذا التعريف هو فكرة الصدق والكذب في القضية المنطقية عند أرسطو، كما تحدث عنها في كتاب العبارة، عندما قال إنه ليس كل قول يصح أن يكون قضية منطقية، بل القول الذي يحتمل الصدق والكذب؛ فالدعاء مثلًا ليس فيه صدق أو كذب، وكذلك فإن الراوقيين قد عرَّفوا اﻟ Axioma بالتعريف نفسه.٩٨ ومعنى هذا المصطلح الرواقي هو: «الجملة الأولى التي تُخبرنا بالصدق أو الكذب».٩٩ ولقد شرح الفارابي هذا المفهوم في أكثر من موضع من كتابه العبارة.١٠٠
ولما كانت هناك بعض التركيبات اللغوية التي تتعارض مع هذا التعريف مثل «زيدٌ قُم إليه»، فإن السيرافي — حفاظًا منه على الصورة المنطقية الثابتة للخبر — وجد أن «قُم إليه» هي من نفس النمط الخاص بكلمة قائم في «زيد قائم»؛ ولذلك فهو يقول: «إن قولك: زيدٌ قُم إليه. ليس بخبر في الحقيقة عن زيد، وإنما هو واقع موقع خبره، ومُغنٍ عنه وليس بخبر حقيقي.»١٠١ وينطبق هذا أيضًا على مقولة «فاعل سدَّ مَسدَّ الخبر» في «أقائمٌ الزيدان»؛ لأن المهم هو أن تطَّرد الصورة المنطقية الثابتة للعبارة اللغوية، أو على الأصح للقاعدة النحوية.
وننتقل إلى معالجة السيرافي لمبحث العلة حيث يتضح البُعد المنطقي من معالجته له، ومن التعليلات التي يبدو فيها أثر الاستعانة بالمفاهيم المنطقية — وبخاصة مفهوم «الجنس» في الحد المنطقي — تعليل السيرافي لوقوع «كم» موقع «رُبَّ»، وهما نقيضان، يقول السيرافي: «فإن قال قائل: ولمَ جعلتم «كم» محل «رب» واقعة موقعها، وقد زعمتم أنهما نقيضان؟ فالجواب في ذلك أن كل جنس فيه قليل وكثير، لا يخلو جنس من ذلك، فالجنس يشمل القليل والكثير، ويحيط بهما، ويقعان تحته، فليس يخرج أحدهما كثرته من جنس الآخر؛ لأنهما معًا يقعان تحت كل جنس؛ ولأن الكثير مُركَّب من القليل، والقليل بعض الكثير.»١٠٢ فبعد أن كان سِيبَوَيه يكتفي في تعليل مثل هذه الظواهر بقوله: «العرب تُجري الشيء مجرى نقيضه.» نجد السيرافي يحلل هذه الفكرة على ضوء معرفته المنطقية؛ فالنقيضان يجمعهما الجنس الأعم، وإن تناقضا من حيث هما «فصلان» تحت هذا الجنس.
كذلك من التعليلات التي تبدو فيها الأفكار المنطقية تعليلُه لعدم وقوع ظروف الزمان أخبارًا للجُثث (أسماء الذوات)، يقول السيرافي: «واعلم أن ظروف الزمان تكون أخبارًا للمصادر، ولا تكون أخبارًا للجُثث، وظروف المكان تكون أخبارًا للمصادر والجُثث، وإنما كانت ظروف المكان أخبارًا لهما لأن الجثة الموجودة قد تكون في بعضها (أي في بعض الأماكن) دون بعضٍ مع وجودها (أي الأماكن) كلها، ألا ترى أنك إذا قلت: «زيد خلفك»، فقد علم أنه ليس قدامه، ولا تحته، ولا فوقه، ولا يمينه، ولا يَسرته، مع وجود هذه الأماكن؟ ففي إفراد الجثة بمكانٍ فائدة معقولة. فأما ظروف الزمان فإنما يوجد منها شيء بعد شيء، ووقت بعد وقت، وما وُجد منها فليس شيء من الموجودات أولى به من شيء، ولو قلنا «زيدٌ الساعة» أو «زيدٌ يوم الجمعة» لكُنا قد جعلنا لزيد في يوم الجمعة حالًا ليست لعمرو، وليس الأمر كذلك؛ لأن زيدًا وعَمرًا وسائر الموجودات متساويات في الوصف بالوجود في يوم الجمعة.»١٠٣

وهنا تكشف لنا تعليلات السيرافي التي ذكرناها، حتى الآن، تكشف عن تأثر العلة عنده بطرق الاستدلال المنطقي تارة، وبعناصر نظرية الحد المنطقي تارة أخرى، وبالطبيعيات الأرسطية والرواقية تارة ثالثة.

وثمة نقطة أخرى جديرة بالإشارة، وهي اهتمام السيرافي بمنهج الجدل؛ حيث استطاع السيرافي من خلال هذا المنهج أن يُقيم شكلًا من الاستدلال النحوي، يستقصي كل الفروض الممكنة حول المسألة التي يتناولها. لقد انعكست في هذا الاستدلال بوضوح تلك الحركة الذاتية الخالصة للعقل إلى الحد الذي وصل بها، لا إلى بحث لغة الاستعمال العربي، بل إلى بحث لغة واضعي قواعد هذا الاستعمال أيضًا، ولعل فكرة «الشرح» نفسها — أي شرح لغة سيبويه — خير دليل على ذلك.

ولقد كان من الطبيعي — في إطار هذا الاستدلال — أن تتعدَّد البراهين بكل ما يمكن أن يثمره الجهد التحليلي لأي مسألة يَعرض لها السيرافي: «فإن سأل سائل فقال: ما الدليل على أن الأفعال مأخوذة من المصادر؟ قيل له: في ذلك ثلاثة أوجه …»١٠٤ و«إن سأل فقال: لمَ لمْ يكن في الأفعال المضارِعة جَرٌّ؟ فإن في ذلك أجوبة منها …»١٠٥ وتصل هذه الأجوبة إلى خمسة وجوه، و«إن قال قائل: فلِمَ دخلت النون في تثنية ذا؟ فإن في ذلك جوابين» …١٠٦ وهكذا.
لقد كان السيرافي يعتقد أن المعرفة النحوية يمكن أن تنتقل من ذهن المعلم إلى ذهن التلميذ عن طريق هذا المنهج الاستدلالي الجدلي. فالجدل — كما قال المناطقة — هو «الارتياض والتخرج في وجود قياس كل واحد من المتناقضين.»١٠٧ وإذا كنا قد رأينا السيرافي يأتي بخمسة عشر وجهًا لجُملة سيبَوَيه «هذا باب عِلم ما الكلِم من العربية.» فإننا نقابل ذلك — على الفور — بما يُروى عن يحيى بن عَدِي المنطقي من أنه «استخرج من قول القائل»: «القائم غير القاعد» وجوهًا تزيد عن عشرين ألفًا بالآلاف، ورسالته في ذلك حاضرة».١٠٨ ومهما يكن من أمر الحقيقة في هذا القول، فإننا نأخذ منه دلالته العامة، وهي أن هذا القرن قد شهد صورة من التحليل اللغوي غايةً في الإسراف.
وتحتل صورة القياس الشرطي مكانًا واضحًا في هذا المنهج الاستدلالي عند السيرافي، ولنوضح ذلك من خلال النموذج التالي: يقول السيرافي: «فإن سأل سائل فقال: ما الدليل على أن الأفعال مأخوذة من المصادر؟ قيل له: في ذلك ثلاثة أوجُه، أولها: أن الفعل دالٌّ على مصدر وزمان، والمصدر يدل على نفسه فقط، وقد علمنا أن المصدر أحد الشيئين اللذَين دل عليهما الفعل، وقد صح في الترتيب أن الواحد قبل الاثنين، فقد صح أن المصدر قبل الفعل؛ لأنه أحد الشيئين اللذَين دل عليهما الفعل.»١٠٩ وليس من العَسير وضع هذه العبارة في صورة قياس شرطي متصل على النحو التالي:

إذا كان الفعل دالًّا على مصدر وزمان.

فإن المصدر يدل على نفسه فقط، وقد صح في الترتيب أن الواحد قبل الاثنين.

───────────────────────────────

إذن فالمصدر قبل الفعل.

(٤) أبو علي الفارسي

كان أبو علي الفارسي من المهتمين بالمنطق، حيث كان المنطق في كتاب الحُجة في علل القراءات السبع أكثر ظهورًا منه في أي كتاب آخر، وذلك أن الغرض من الحجة التدليل والتعليل، ثم كان لا بد له أن يقيس أوجه القراءات المختلفة، ويُخرِّجها على ما يشبهها من الأصول المقروءة، أو المسموع من كلام العرب، ومكَّن لأبي علي في المنطق أنه حنفي، ثم هو معتزلي، والمعتزلي جدلي، ولعله اقتفى أثر شيخه أبي بكر بن السراج الذي درس المنطق، إلا أن البيئة العامة كانت بيئة جدلية فلسفية يُستَعان فيها بالمنطق ومسائله على مقارعة الحُجة، وتكثر الألفاظ المنطقية في كتاب الحجة؛ كالاستدلال، والنظر، والأدلة، والدلالة، والوجه، والحد، والحجة، والقسمة، والغلط، والقياس، والعلة، ومعنى الجنس، وخلاف الخصوص، وأشبه الوجوه … كما تتجلى المنطقية — أيضًا — في القسمة العقلية، فتراه يورد الأوجه المحتملة، ثم يصححها جميعًا، أو يبطلها إلا واحدة يتعلق بها الحكم، فيصححها.١١٠
ومن مظاهر النزعة المنطقية للفارسي، في كتابه الحجة تَعمُّقه في القياس المنطقي، ومحاولة تطبيقه على الدرس النحوي، فهو يقايس حتى لا يكاد يخلو احتجاج لآية من قياس، ويسلك في قياسه سبيل المناطقة في التدليل والتعليل، واكتفى بمظاهر ثلاثة تشرح سلوكه في تعمق القياس:
  • (١)
    قضايا من الشكل الأول: فتراه أحيانًا يصوغ الدليل في صورة قضية منطقية ذات مقدمات ونتيجة، واقرأ معي ذلك الكلام تجده يسير فيه سيرًا منطقيًّا يؤلف قضية من الشكل الأول؛ قال: «وأما قولنا في وصف القديم — سبحانه — فإنه يحتمل تأويلَين، وبعد أن ذكر أحدهما قال: والآخر أن يكون معناه المصدِّق، أي المصدق الموحدين له على توحيدهم إياه، يدل على ذلك قوله: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ألا ترى أن الشاهد مصدقٌ لما يشهد، كما أنه مصدقٌ مَن يشهد له، فإذا شهد — سبحانه — بالتوحيد فقد صدَّق الموحدين.»١١١
    ويؤلف هذا الكلام قياسًا من الشكل الأول، ويمكن وضعه على الصورة الآتية: صغرى، وكبرى، ونتيجة. الصغرى: الله شاهد بالتوحيد في قوله — تعالى: شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ. الكبرى: وكل شاهد مصدق لما يشهده به (أي التوحيد). الصغرى: كما أنه مصدق من يشهد (أي الموحدين). النتيجة: فالله مصدق للتوحيد، والموحدين. واقرأ تدليله على المشابهة المعتبَرة بين الهاء والياء، مشابهتهما الألف، تجده كذلك قياسًا من الشكل الأول.١١٢
  • (٢)
    القياس الاستثنائي الانفصالي: وأبو علي الفارسي مُغرَم بذلك القياس، يقدمه للتدليل على كثير من المسائل، فمثلًا العامل في «حيث» من قوله — تعالى: اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسَالَتَهُ لا يخلو من أن يكون «أعلم» هذه المذكورة أو غيرها، وأن عمل «أعلم» فلا يخلو من أن يكون ظرفًا أو غير ظرف، فلا يجوز أن يكون العامل فيه «أعلم» هذه، ودلل، ثم انتهى من ذلك إلى أن العامل في «حيث» فِعل يدل عليه «أعلم».١١٣
  • (٣)
    وهناك ما يشبه القياس الاقتراني المضمَر الحَملي؛ وذلك قوله: وقول موسى — عليه السلام: أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الجَاهِلِينَ في جواب أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا يدل على أن الهازي جاهل، وقوله — تعالى: وَعَلَى أَبْصَارِهِمْ غِشَاوَةٌ في المعنى مثل صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ، وكذلك قوله — تعالى: صُمٌّ وَبُكْمٌ فِي الظُّلُمَاتِ؛ لأن وصف البَصَر بالكون في الظلمات بمنزلة الوصف بالعَمَى، وكذلك وصفه بكون الغشاوة عليه؛ لأنه في هذه الأحوال كلها لا يصح له إبصار.١١٤
أما في الكتابات الأخرى لأبي علي الفارسي فنجده يُهاجم الحدود المنطقية والآخذين بها من النحاة.١١٥ ومن أجل ذلك كله حاول الفارسي أن يقيم الحدود النحوية على أساس بعيد عن فكرة الحد الجامع المانع الذي يبدأ من الأعم فالأخص. كما أنه حاول أن يستعين — كما استعان المعتزلة — بالنظريات المنطقية الأخرى، وبخاصة نظرية «الرسم» الرواقية.
كان أبو علي الفارسي يُدرِك الفارق بين ما هو من أوضاع النحو وما ليس منها، فهو يجيب عن سؤال: لمَ صار الظرف المخصوص بالزمان أكثر من الظرف المخصوص بالمكان؟ فيقول: «ليس هذا من أوضاع النحو. النحو في هذا أن تعرف أن الظرف ظرفان: ظرف زمان وظرف مكان، وتحصي أسماء هذا، وتميزها من أسماء هذا، وتقف على هذه المواضع المخصوصة بهما، والإعراب اللازم لهما وبهما.»١١٦

والنص واضح الدلالة على منهج الفارسي في حدوده النحوية، فهو يدرك أن السؤال سيرمي به إلى طريق آخر، هو طريق التعريفات المنطقية والفلسفية، ومن ثم فهو يرى أن وظيفة النحوي — هنا — هي تمييز أسماء ظروف الزمان من ظروف المكان، وحصر مواضع كلٍّ منها وعلاماتها.

ولنشرع الآن في بيان تعريفات الفارسي لأنواع الكلِم الثلاثة: الاسم، والفعل، والحرف.

يُعرِّف الفارسي «الاسم» على النحو التالي: «فما جاز الإخبار عنه من هذه الكلِم فهو اسم … والاسم الدال على معنًى غير عينٍ، نحو «العلم» و«الجهل» — في هذا الاعتبار — كالاسم الدال على عين.»١١٧
ويُعرف الفارسي الفعل بقوله: «وأما الفعل فما كان مُسنَدًا إلى شيء، ولم يَستند إليه شيء.»١١٨ ولقد ذكرت — عند الحديث عن التعريف عند الزَّجَّاجي — أن مقولتَي: المسنَد، والمسنَد إليه، هما أنفسهما مقولتا: الخبر والمخبَر عنه، ومعنى ذلك أن تعريف الفعل عند الفارسي مؤدَّاه أنه «ما جاز أن يكون خبرًا، ولا يكون مُخبَرًا عنه»، ومن ثم فهو يفرق بين الاسم، والفعل على أساس «الخاصية المميزة» لكل منهما، فيقول: «فالاسم في باب الإسناد إليه، والحديث عنه أعم من الفعل؛ لأن الاسم كما يجوز أن يكون مخبرًا عنه، فقد يجوز أن يكون خبرًا … والفعل في باب الإخبار أخص من الاسم؛ لأنه إنما يكون أبدًا مسندًا إلى غيره، ولا يُسنَد غيره إليه.»١١٩
ثم يُقسم الفارسي الفعل بانقسام الزمان، ولا يشير إلى فكرة الدلالة على الزمان بالبنية اللفظية للفعل في هذا الموضع، وإنما يكتفي بذكر الأمثلة، ولكنه سيشير إلى هذه الفكرة فيما بعد عند حديثه عن المفعول فيه؛ حيث يقول «ألا ترى أنه إذا قال: ضرب أو يضرب، عُلم الزمان من صيغة الفعل ولفظه.»١٢٠
وفي تعريفه للحرف يقول الفارسي: «والحرف ما جاء لمعنًى ليس باسم ولا فعل.»١٢١ وإذا كان من قواعد التعريف المنطقي القديم أنه «لا يجوز أن يكون التعريف في ألفاظ معدولة (أي سالبة)»،١٢٢ فإن من الواضح أن هذا التعريف ﻟ «الحرف» يمثل خروجًا على هذه القاعدة ارتضاه الفارسي — هنا — كما ارتضاه في تعريفه «البناء» بقوله: «البناء خلاف الإعراب.»١٢٣ وفي تعريفه للاستثناء المنقطع بقوله: «الاستثناء المنقطع ألَّا يكون المستثنى من جنس المستثنى منه.»١٢٤ ولعل ذلك يمثل جانبًا آخر من جوانب خروج الفارسي على نظرية الحد المنطقية الأرسطية.
ومن كل ما سبق نستطيع القول إن مقاومة الفارسي للمنطق الأرسطي بدت واضحة في مبحث الحد النحوي، ولكنها تراجعت تمامًا في مبحث العلة النحوية، ونستطيع أن نجد لدى الفارسي صور العلة الثلاث كما وضعها الزَّجَّاجي: التعليمية، والقياسية، والجدلية. وكما ذكرنا — من قبل — فإن العلة الأولى والثانية تعتمدان على مبدأ التمثيل الفقهي، أو قياس الظواهر لعِلة الشبه، وهذا ما يؤكده قول الفارسي: «ألا ترى أن الشيء إذا أشبه في كلامهم شيئًا من وجهين، فقد تُجرى عليه أيضًا أشياء من أحكامه.»١٢٥
وأهم ما يُلاحَظ في التعليلات القياسية عند الفارسي، هو أنه قد اتجه بها اتجاهًا صوريًّا واضحًا؛ بحيث أجاز قياس ما لم تتكلم به العرب على ما تكلمت به، اعتمادًا على الاتفاق الشكلي بين المقِيس والمقِيس عليه، وما يرويه تلميذه ابن جِنِّي عنه يوضح ذلك: «قال أبو علي الفارسي: لو شاء شاعر، أو ساجع، أو متسكع، أن يبني بإلحاق اللام اسمًا، وفعلًا، وصفة لجاز له، ولكان ذلك من كلام العرب؛ وذلك نحو «خرججُ أكرم من دخللٍ»، و«ضربَبَ زيدٌ عمرًا»، و«مررت برجل ضرببٍ وكرممٍ» ونحو ذلك. قلت له: أترتجل اللغة ارتجالًا؟ قال: ليس بارتجال، لكنه مَقِيس على كلامهم، فهو إذن من كلامهم … ألا ترى أنك تقول: «طاب الخشكنانُ» فتجعله من كلام العرب، وإن لم تكن العرب تكلمت به، فبرفعِك إياه كرفعها، صار لذلك محمولًا على كلامها ومنسوبًا إلى لغتها.»١٢٦
وإذا كان الفارسي قد ابتعد عن الحدود المنطقية الجامعة المانعة، فإنه توسع في استغلال مُعطيات الاستدلال المنطقي توسعًا ظاهرًا، بل لاقت نظرية الاستدلال عنده فَهمًا وتقديرًا واضحَين، ويتضح ذلك في تفريقه بين العلم واليقين — وهو الذي آمن بالفروق اللغوية — عندما قال: «فكل يقينٍ علم، وليس كل علمٍ يقينًا، وذلك أن اليقين كأنه علم يحصل بعد استدلال ونظر، لغموض المعلوم المنظور فيه، أو لإشكال ذلك على الناظر … ولذلك لم يجُز أن يوصَف القدير — سبحانه وتعالى — به، فليس كل علمٍ يقينًا؛ لأن من المعلومات ما يُعلم من غير أن يعترض فيه توقف أو موضع نظر، نحو ما يعلم ببَدائه العقول والحواس.»١٢٧
وهذه التفرقة بين العِلم اليقيني القائم على الاستدلال والنظر والبرهان، والعلم الفِطري الذي يعتمد على قوانين الفكر الأساسية، وعلى معرفة الحواس، أقول: هذه التفرقة ترجع — في جوهرها — إلى أرسطو.١٢٨ ولكن ما يُهمنا هنا هو إدراك الفارسي لأهمية العلم الأول؛ ولذلك فهو يقول: «وعند التباس الأمر وإشكاله يُفزَع إلى النظر ويُرجَع إلى الدليل.»١٢٩ كما أنه يرى أن الاستدلال هو «الفاصل بين الحق والباطل.»١٣٠ وكل ذلك يُذكرنا بما كان يراه المناطِقة من أهمية الاستدلال، واعتباره الطريق الموصل إلى اليقين.١٣١

(٥) علي بن عيسى الرُّمَّاني

كان أبو الحسن علي بن عيسى الرُّمَّاني (ت٣٨٤ﻫ) مُتقنًا في علوم كثيرة، منها النحو، واللغة والعروض، والفقه، والمنطق، والنجوم، والكلام على مذهب المعتزلة.١٣٢ وقد ظهر أثر هذه الثقافات الواسعة في مؤلفاته التي تجاوزت المائة؛ حيث تناولت موضوعات: النحو، واللغة، والقرآن، والفلسفة، والكلام. ومن الكتب التي وضعها في الكلام والاعتزال: «مقالة المعتزلة»، و«الرد على الدَّهرية»، و«صَنعة الاستدلال»، و«أصول الجدل»، و«أدب الجدل»، و«الرسائل في الكلام»، و«جوامع العلم في التوحيد». وكان من عنايته بهذه العلوم الكثيرة، ووضعه فيها الكثير من الكتب، أن أصبح معروفًا ﺑ «الجامع» و«صاحب التصانيف المشهورة في كل فن».١٣٣
لقد كان من مزج الرماني لثقافات عصره وخلطه لها، أن تداخلت عنده ألوان العلوم التي بحث فيها، حتى غدت ممسوخة مشوَّهة، فأنكرها أصحاب الاختصاص فيها على أيامه، يقول أبو حَيَّان التوحيدي (ت٤١٤ﻫ) فيه: «… وأصحابنا يأبون طريقته، وكان «البديهي الشاعر» يحط عليه، ويقول فيما حكاه أبو حيان: ما رأيت على سِني وتجوالي وحسن إنصافي لمن صبغ يده بالأدب، أحدًا أعرى من الفضائل كلها، ولا أشد ادعاءً لها من صاحب «الحدود». راجعت العلماء في أمره، فقال المتكلمون: ليس فنه في الكلام فننا، وقال النحويون: ليس شأنه في النحو شأننا، وقال المنطقيون: ليس ما يزعم أنه منطق منطقًا عندنا، وقد خفي مع ذلك أمره على عامة من ترى.»١٣٤
ولم يكتفِ «أبو حيان التوحيدي» بذلك، بل سعى إلى وصفه بأنه «عالي الرتبة في النحو، واللغة، والكلام، والعروض، والمنطق، وعيب به.» وعقب على ذكر المنطق بأنه كان له مَنحًى خاص، غير منحى أصحاب هذا العلم المنقطِعين له، فقال: «وعيب به.» إلا أنه كذا، ولعل الصواب: «لأنه لم يسلك طريقَ واضع المنطق، بل أفرد صناعة وأظهر براعة.»١٣٥
وقد ظهر هذا واضحًا جدًّا في شروحه لكتاب سيبويه، ولمقتضب المبرِّد، ولأصول ابن السَّرَّاج، وهي الشروح التي كانت معرضًا لأساليب الجدل والاحتجاج، وصورةً ناطقة بغلَبة المنطق عليها، وبشدة تأثر مصنفها، مما حمل معاصرَه «أبا علي الفارسي» على انتقاده بقوله: «إن كان النحو ما يقوله الرُّمَّاني فليس معنا منه شيء، وإن كان ما نقوله نحن فليس معه منه شيء.»١٣٦
وقد علق أبو حيان التوحيدي نقلًا عن السيوطي على ذلك بقوله: «النحو ما يقوله أبو علي، ومتى عهد الناس أن النحو يُمزج بالمنطق، وهذه مؤلفات الخليل وسيبويه ومعاصرِيهما ومن بعدهما بدهر، لم يُعهد فيه شيء من ذلك.»١٣٧
ومن كل ما سبق يتضح لنا أن الرجل كان له مذاهب خاصة في جملة العلوم التي شارك فيها، وما يعنينا إنما هو آثار المنطق الأرسطي في منهجه النحوي، ويظهر أن أول ما استهواه من المنطق إنما هي فكرة الحدود، وقد وضع في هذا كتاب «الحدود في النحو» الذي يعرض فيه لمعاني الأسماء التي يحتاج إليها في النحو بالتعريف والتحديد، وتنقسم هذه الأسماء، أو هذه المصطلحات، التي يوردها الرماني في هذا الكتاب إلى: مصطلحات منهجية، مثل: القياس، والبرهان، والحكم، والعِلة، والغرض، والسبب، والعامل؛ ومصطلحات منطقية، مثل: الجنس، والنوع، والنقيض، والخاصة، والمادة، والصورة؛ ومصطلحات نحوية، مثل: الاسم، والفعل، والحرف، والبناء، والتغيير، والتصريف، والجملة؛ ومصطلحات بلاغية: مثل الحقيقة، والمجاز، والاستعارة.»١٣٨
وأول ما يلاحظ هنا أن الرُّمَّاني ينادي بأن النحو مُحتاج للمنطق، وبذلك تصبح المفاهيم المنطقية في رأيه أمرًا يحتاج إليه النحو، كما يلاحظ أن تعريفات الرماني لهذه المفاهيم تُعتمد مع الجوانب التي يمكن استغلالها في النحو، وليس كل عناصر هذه المفاهيم كما عُرفت في مصادرها المنطقية، ولعل ذلك يفسر لنا هذه الرواية التي ينفي فيها المناطقة أن يكون الرماني واحدًا منهم.١٣٩
إن من يقف على «شرح كتاب سيبويه» للرماني لا يسعه إلا أن ينكر أن يكون هذا الشرح مادة نحوية؛ إذ يجد نفسه أمام مادة ليست مشحونة بألفاظ المنطقيين وتراكيبهم وحدودهم فحسب، بل هي مؤسَّسة وقائمة على منهج البحث المنطقي، من حيث البناء، والتقسيم، والتعليل، والاستدلال، فمثلًا يُعرِّف الرماني «القياس» بقوله: «القياس جمع بين أول وثانٍ يقتضيه، في صحة الأول صحةُ الثاني، وفي فساد الثاني فساد الأول.»١٤٠ وهذا التعريف يحتمل تفسيرين، إما أنه يشير إلى نظرية القياس الأرسطي، فيكون الأول هنا هو المقدمات، والثاني هو النتائج، فإذا صحت المقدمات صحت النتائج، وإذا فسدت النتيجة دلت على فساد المقدمات، كما أنه يشير إلى نظرية القياس الفقهي، التي تشابه نظرية التمثيل الأرسطي؛ فيكون الأول هو المقِيس عليه والثاني هو المقِيس، ولكن التعريف في كلتا الحالتين لا ينتمي انتماءً خالصًا لإحدى النظريتين، فهو لا يُساير نظرية القياس الأرسطية في مجموعها؛ حيث قد تنتج هناك نتائج صحيحة عن مقدمات كاذبة، وكما أنه لا يساير نظرية القياس الفقهي؛ لأن فساد المقيس لا يؤدي إلى فساد المقِيس عليه، ولأنه لا يشير إلى فكرة الجامع بين المقيس والمقيس عليه، وهي فكرة أساسية في القياس الفقهي.١٤١
وإذا انتقلنا إلى المفاهيم النحوية، فإن أول ما نلاحِظه أن الرماني قد استطاع أن يصوغ هذه المفاهيم صياغة منطقية، يبدو هذا واضحًا من تعريفه لعلم النحو، حيث يقول «صناعة النحو مبنية على تمييز صواب الكلام من خطئه على مذاهب العرب بطريق القياس الصحيح.»١٤٢ وهو نفس الغرض من المنطق الذي بناه أرسطو، وأكده فلاسفة العرب.
ومن العناصر المرتبطة بمفهوم النحو عند الرماني تعريفاته للعامل، والإعراب، والبناء، والجملة، والمعنى، واللفظ، والكلام، من تجرد وحصر للمحدود. فالعامل هو «موجب لتغيير في الكلمة على طرق المعاقبة لإتلاف المعنى.»١٤٣ والإعراب هو «تغيير آخر الاسم بعامل.»١٤٤ والجملة هي المبنية على موضوع ومحمول للفائدة.١٤٥
وتكاد تعريفات الرماني لأجزاء الكلام تكون أرسطية في جوهرها فهو يُعرِّف الاسم يقول: «الاسم كلمة تدل على معنًى من غير اختصاص بزمان دلالة البيان.»١٤٦ وعرَّف الفعل بأنه «كلمة تدل على معنًى مختص بزمان دلالة الإفادة من معناه في غيرها.»١٤٧

أما إذا انتقلنا إلى الجانب التطبيقي من نحو الرماني، ونعني به شرحه لكتاب سيبويه، فإننا نجد مبدأ التعليل يكاد يشكل صلب المنهج الذي اصطنعه الرماني في إعادة صياغة النحو العربي.

ومن أمثلة التعليلات للأحكام النحوية فكرة وجوب اتِّباع الصفة للموصوف، يقول الرماني: «وإنما وجب في الصفة أن تتبع؛ لأنها بمنزلة المكمِّل لبيان الأول، ومع أن الثاني فيها هو الأول … وقلنا هي مكملة لبيان الأول؛ ليفرق بينها وبين الخبر الذي هو الأول، إلا أنه منفصل منه، وليس معه بمنزلة اسم واحد.»١٤٨
وكذلك تعليله لجواز أن يوصَف الموصوف الواحد بصفات كثيرة؛ لأنه يحتاج إلى تخصيص الموصوف بصفات كثيرة؛ إذ يكون بوصفين أخص منه بصفة واحدة، وثلاث صفات أخص منه بصفتين،١٤٩ وكأننا هنا أمام فكرة المفهوم، والماصدق في المنطق الأرسطي، بحيث كلما زاد الماصدق قل المفهوم والعكس صحيح، وهي الفكرة التي تقوم عليها نظرية الحد المنطقي.

هذه هي بعض النماذج التي تبين مزج النحو بالمنطق عند الرماني، وهي إن دلت على شيء فهي تدل على أن الرماني يُعَد بحق أكبر المناصِرِين لمزج النحو بالمنطق الأرسطي بعد ابن السَّرَّاج.

١  د. شوقي ضيف: المدارس النحوية، ص٢٤٥.
٢  ينظر د. مهدي المخزومي: مدرسة الكوفة، ص١٠١؛ وينظر كذلك: د. مصطفى عبد العزيز السنجرجي: المذاهب النحوية في ضوء الدراسات اللغوية الحديثة، ص٧١.
٣  ينظر: نزهة الألبَّاء، ص٨٣.
٤  ينظر: د. خديجة الحديثي: المدارس النحوية، ٢١٤-٢١٥.
٥  ينظر: مراتب النحويين، ص٩٠.
٦  ينظر: د. مازن المبارك: الرُّماني النحوي، مطبعة جامعة دمشق، سوريا، ١٩٦٣م، ص٣٢.
٧  ينظر: نفس المرجع، ص٣٢.
٨  ينظر: خديجة الحديثي: نفس المرجع، ص٢١٦.
٩  نفس المرجع، ٢١٦.
١٠  نفس المرجع، ٢١٦-٢١٧.
١١  ينظر: د. مازن المبارك: نفس المرجع، ص٣٥.
١٢  معجم الأدباء، ج٣، ص١٢٧٢-١٢٧٣.
١٣  ينظر: د. مصطفى عبد العزيز السنجرجي: المرجع السابق، ص٧٤.
١٤  نفس المرجع، ص٧٥.
١٥  ابن الأنباري: نزهة الألبَّاء، ص٢٣٤.
١٦  وهذا ما ورد في المناظرة التي قام بها في حضرة الوزير يحيى بن الفرات مع متَّى بن يونس المنطقي، والتي سجلها أبو حيان التوحيدي في الإمتاع والمؤانسة.
١٧  د. علي أبو المكارم: تقويم الفكر النحوي، ص١١١-١١٢.
١٨  وتقتضينا الأمانة العلمية إلى أن هناك بحوثًا ودراسات قد سبقتنا إلى دراسة هذا الجانب، من ذلك الدراسةُ الرائعة التي قدمها الدكتور محيي الدين محسب عن «الثقافة المنطقية في الفكر النحوي؛ نحاة القرن الرابع الهجري نموذجًا»، مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات الإسلامية، الرياض، السعودية، ٢٠٠٧م، وكان هذا البحث في الأصل رسالة ماجستير بعنوان: أثر المنطق الصوري في نحاة القرن الرابع الهجري، كلية الآداب، جامعة المنيا، ١٩٨٢م.
١٩  د. علي أبو المكارم: تقويم الفكر النحوي، ص٣٤١.
٢٠  ياقوت الحموي: معجم الأدباء، ج٦، ص٢٥٣٥.
٢١  ينظر: المصطلح النحوي عند ابن السَّرَّاج، ص٧٧.
٢٢  وفيات الأعيان، ج٤، ص٢٣٣.
٢٣  د. محيي الدين محسب: الثقافة المنطقية، ص٤٨.
٢٤  د. محسن مهدي: مقدمة كتاب الحروف للفارابي، دار المشرق، بيروت، ١٩٧٠م، ص٤٥.
٢٥  ينظر: عيون الأنباء في طبقات الأطباء، ج٢، ص١٣٦.
٢٦  ينظر: نزهة الألباء، ص٣١٤.
٢٧  د. علي أبو المكارم: نفس المرجع، ص٩٣.
٢٨  ينظر: أبو حيان التوحيدي: رسالة الصداقة والصديق، دار الفكر المعاصر، ٢٠١٢م، ص٨٥.
٢٩  أبو البركات الأنباري: نزهة الألبَّاء، ص١٧٠.
٣٠  الزبيدي: طبقات النحويين واللغويين، ص١٢٢.
٣١  القفطي: إنباه الرواة على أنباه النحاة، ج٣، ص١٤٩.
٣٢  أبو بكر السَّرَّاج: الأصول في النحو، تحقيق: د. عبد الحسين الفتلي، ط٣، مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٩٨٨م، ج١، ص٦٠.
٣٣  أبو بكر السَّرَّاج: الأصول، ج١، ص٥٧؛ وينظر أيضًا: مسعود غريب: نفس المرجع، ص٩٤.
٣٤  أبو بكر السَّراج: نفس المصدر، ج١، ص٢٩٠؛ وينظر أيضًا: مسعود غريب: نفس المرجع، ص٩٤.
٣٥  أبو بكر السَّراج: نفس المصدر، ج١، ص٥٧؛ وينظر أيضًا: مسعود غريب: نفس المرجع، ص٩٥.
٣٦  نفس المصدر، ج٢، ص١١١.
٣٧  نفس المصدر، ج١، ص٦٠.
٣٨  نفس المصدر، ج١، ص٣٦٢.
٣٩  نفس المصدر: ج١ ص٤٤٨؛ وينظر أيضًا: د. محيي الدين محسب: نفس المرجع، ص٩٤.
٤٠  أبو بكر السراج: نفس المصدر، ج١، ص٥٦.
٤١  انظر: د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص٢٢٣-٢٢٤.
٤٢  أبو بكر السراج: نفس المصدر، ج١، ص٣٦٣؛ وينظر كذلك: غالب علي حسين: ابن السراج وخلافه النحوي مع البصريين والكوفيين، رسالة ماجستير غير منشورة، الجامعة المستنصرية، كلية الآداب، قسم اللغة العربية، ص١٦٩.
٤٣  غالب علي حسين: نفس المرجع، ص١٦٩.
٤٤  أبو بكر السَّراج: نفس المصدر، ج١، ص١٨٩؛ وينظر كذلك: غالب علي حسين: نفس المرجع، ص١٦٩.
٤٥  أبو بكر السَّراج: المصدر نفسه: ج١، ص٢١٤–٢١٥؛ وينظر كذلك: غالب علي حسين: نفس المرجع، ص١٦٩.
٤٦  أبو بكر السَّراج: نفس المصدر، ج١، ص٢١٨–٢١٩؛ وينظر كذلك: غالب علي حسين: نفس المرجع، ص١٧٠-١٧١.
٤٧  غالب على حسين: نفس المرجع، ص١٧٠-١٧١.
٤٨  نفس المرجع، ص١٩٢-١٩٣.
٤٩  الإيضاح في علل النحو، ص٧٩؛ وينظر كذلك: إنباه الرواة، ج٣، ص١٤٩.
٥٠  بغية الوُعاة، ج٣، ص٢٢١.
٥١  شرح السِّيرافي، ج١، ص٥٧، ١٣٤، ١٦٧، ١٨٠؛ ج٥، ص١٧، ١٨، ٣٥، ٥٩.
٥٢  الفهرست، لابن النديم، ص٦٤؛ وينظر كذلك: طبقات النحويين، ص١٣٠؛ وينظر كذلك: نزهة الألبَّاء، ص٣٨٧.
٥٣  أبا الفتح عثمان بن جِنِّي النحوي (ت٣٩٢ﻫ): المنصف شرح كتاب التصريف لأبي عثمان المازني النحوي البصري، تحقيق: إبراهيم مصطفى، عبد الله أمين، مطبعة مصطفى البابي الحلبي، ١٣٧٣ﻫ/١٩٥٤م، ج١، ص٦.
٥٤  إنباه الرواة، ج٣، ص٢٩٥.
٥٥  مازن المبارك: الزَّجَّاجي؛ حياته وآثاره ومذهبه النحوي من خلال كتابه الإيضاح، دار الفكر، سوريا، ط٢، ١٩٨٤م، ص١٣.
٥٦  نفس المرجع، ص١٣.
٥٧  نفس المرجع، ص٦.
٥٨  نفس المرجع، ص٢١.
٥٩  الإيضاح في علل النحو ص٤٧؛ وينظر كذلك: د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص٢٢٤.
٦٠  الزجاجي (عبد الرحمن بن إسحاق): الإيضاح في علل النحو، تحقيق: د. مازن المبارك، دار النفائس، بيروت، ١٣٩٣ﻫ، ص٤٨.
٦١  نفس المصدر، ص٤٦.
٦٢  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص٢٢٥.
٦٣  الزجاجي: الإيضاح ص٤٦.
٦٤  نفس المصدر، ص٤٦.
٦٥  كيس فرستيج: أعلام الفكر اللغوي «التقليد اللغوي العربي»، ترجمة: د. أحمد شاكر الكلابي، دار الكتاب الجديد المتحدة، بيروت، لبنان، ٢٠٠٧م، ص١٠٧-١٠٨.
٦٦  نفس المرجع، ص١٠٨.
٦٧  الزَّجَّاجي: الجُمل، تحقيق: الشيخ ابن أبي شنب، مطبعة جول كرينول، الجزائر، ١٩٢٦م، ص٢٦؛ د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص١٧٠.
٦٨  الزَّجَّاجي: الإيضاح، ص١١٩؛ وينظر كذلك: د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص١٧٧.
٦٩  الزَّجَّاجي: الجُمل، ص٣٢؛ وينظر كذلك: د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص١٨٨.
٧٠  نفس المصدر، ص٦٤.
٧١  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص١٧٣.
٧٢  الزَّجَّاجي: الجمل، ص٦٥.
٧٣  الزَّجَّاجي: الإيضاح، ص١٠٧.
٧٤  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص١٨٣.
٧٥  المرجع السابق، ص١٨٩.
٧٦  د. عبد الفتاح شلبي: المرجع السابق، ص٦٢١.
٧٧  المرجع السابق، ص٦٢٩-٦٣٠.
٧٨  المرجع السابق، ص٦٣٥.
٧٩  أبو حيان التوحيدي: الإمتاع والمؤانسة، ج١، ص١٣٣.
٨٠  هو أبو القاسم علي بن الحسن، المعروف بابن المسلمة، وزير القائم بأمر الله، توفي سنة ٤٥٠ﻫ، وانظر ترجمته في: تاريخ بغداد، ج١١، ص٣٩١.
٨١  تاريخ بغداد، ج٧، ص٣٤١، ٩٥؛ وينظر كذلك: نزهة الألبَّاء، ص٢٢٨، ١٣٣.
٨٢  نزهة الألبَّاء، ٢٢٨.
٨٣  إنباه الرواة، ج١، ص٣١٤.
٨٤  محمد بن يزيد المبرِّد: الكامل في اللغة والأدب، تحقيق: محمد أبو الفضل إبراهيم، دار الفكر العربي، القاهرة، ١٩٩٧م، ج٤، ص٦٩٨.
٨٥  أن يُلقب بأبي هاشم النحوي. انظر في صلته بنحاة هذا القرن: فضل الاعتزال وطبقات المعتزلة، تحقيق: فؤاد سيد، ص٣٠٧.
٨٦  الإمتاع والمؤانسة، ج١، ص١٠٨–١٢٨.
٨٧  المقابسات، ص٨٠ وما بعدها.
٨٨  د. علي أبو المكارم: تقويم الفكر النحوي، ص٩٧-٩٨.
٨٩  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص٢١١.
٩٠  نفس المرجع، ص٢١١.
٩١  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص١٨٩.
٩٢  نفس المرجع، ص١٩٠.
٩٣  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص١٩١.
٩٤  نفس المرجع، ص١٩٧.
٩٥  نفس المرجع، ص١٩٧.
٩٦  نفس المرجع، ص١٩٧.
٩٧  نفس المرجع، ص١٩٧.
٩٨  نفس المرجع، ص١٩٧.
٩٩  نفس المرجع، ص١٩٧.
١٠٠  نفس المرجع، ص٦٧.
١٠١  نفس المرجع، ص٦٧.
١٠٢  نفس المرجع، ص١٩٧.
١٠٣  نفس المرجع، ص١٩٧.
١٠٤  نفس المرجع، ص١٩٧.
١٠٥  نفس المرجع، ص١٩٧.
١٠٦  نفس المرجع، ص١٩٧.
١٠٧  نفس المرجع، ص١٩٧.
١٠٨  التوحيدي: المقابسات، ص١٢٧.
١٠٩  نفس المرجع، ص١٩٧.
١١٠  د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي: أبو علي الفارسي؛ حياته ومكانته بين أئمة التفسير العربية وآثاره في القراءات والنحو، دار المطبوعات الحديثة، ط٣، جدة، المملكة العربية السعودية، ١٩٨٩م، ص٢١٧.
١١١  ينظر: الفارسي، أبو علي الحسن بن عبد الغفار: الحجة في علل القراءات السبع، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وآخرين، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠٠٧م، ج١، ص٢١٥؛ وينظر كذلك: د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي: نفس المرجع، ص٢٢٤.
١١٢  ينظر: الفارسي، أبو علي الحسن بن عبد الغفار: الحجة في علل القراءات السبع، ج١، ص١٢٢؛ وينظر كذلك: د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي: نفس المرجع، ١٩٨٩م، ص٢٢٥.
١١٣  ينظر: الفارسي، أبو علي الحسن بن عبد الغفار: الحجة في علل القراءات السبع، ج١، ص١٧؛ وينظر كذلك: د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي: نفس المرجع، ص٢٢٥.
١١٤  ينظر: الفارسي؛ أبو علي الحسن بن عبد الغفار: الحُجة في علل القراءات السبع، تحقيق: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود وآخرين، دار الكتب العلمية، بيروت، ٢٠٠٧م، ج١، ص٣٨٤؛ وينظر كذلك: د. عبد الفتاح إسماعيل شلبي، نفس المرجع، ص٢٢٥.
١١٥  لقد انتقد الفارسي مُعظَم نحاة عصره؛ كالرُّمَّاني والسِّيرافي والزَّجَّاجي. انظر تفصيل ذلك في: د. مازن المبارك: الرُّمَّاني النحوي، ص٧٣ وما بعدها.
١١٦  ورد ذلك النص في: التوحيدي: المقابسات، ص١٢٦.
١١٧  الإيضاح، ص٦.
١١٨  الفارسي: الإيضاح، ص٧.
١١٩  نفس المصدر، ص٧.
١٢٠  الفارسي: الإيضاح، ص١٧٧؛ وقارن ذلك بالخصائص، ج٣، ص٩٨.
١٢١  الفارسي: الإيضاح، ص٨.
١٢٢  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص١١١.
١٢٣  الفارسي: الإيضاح، ص١٥.
١٢٤  السابق، ص٢١١.
١٢٥  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص٦٧.
١٢٦  نفس المرجع، ص٦٧.
١٢٧  نفس المرجع، ص١١٤.
١٢٨  انظر: منطق أرسطو، ج٣، ص٦٩٢، ٦٩٧، وفي مواضع كثيرة متفرقة؛ وينظر كذلك: الفارابي: إحصاء العلوم، ص٥٣-٥٤.
١٢٩  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق.
١٣٠  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق.
١٣١  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق.
١٣٢  نزهة الألبَّاء، ص٢١٨؛ ومعجم الأدباء، ج١٤، ص٧٤.
١٣٣  مازن المبارك: الرُّمَّاني النحوي، ص٥٢؛ وينظر كذلك: د. قيس إسماعيل الكوفي: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين، ص٥٣.
١٣٤  البصائر والذخائر لأبي حيان التوحيدي، تحقيق: د. إبراهيم الكيلاني، مطبعة الإنشاء، ١٩٦٤م، ج١، ص١٧١؛ وينظر كذلك: الرماني النحوي، ص٢٤٣–٢٤٥؛ وينظر كذلك: د. قيس إسماعيل الكوفي: أساليب الطلب عند النحويين والبلاغيين، ص٥٣.
١٣٥  أبو حيان التوحيدي: كتاب الإمتاع والمؤانَسة، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ١٩٧٠م، ص٩٨.
١٣٦  جلال الدين السيوطي: بغية الوعاة، ج٢، ص٢١٨.
١٣٧  نفس المصدر، ج٢، ص١٨١.
١٣٨  د. مازن المبارك: الرماني النحوي، ص٢٣٤-٢٣٥.
١٣٩  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص١٣١.
١٤٠  الرماني: كتاب الحدود، ضمن رسائل في النحو واللغة (لابن فارس والرماني)، تحقيق: الدكتور مصطفى جواد ويوسف يعقوب مسكوتي، دار الجمهورية، بغداد، ١٩٦٩م، ص٣٨.
١٤١  د. محيي الدين محسب: نفس المرجع، ص١٣٢.
١٤٢  أبو الحسن علي بن عيسى الرماني (ت٣٨٤ﻫ): شرح كتاب سيبويه، تحقيق: متولي رمضان أحمد الدميري، مطبعة السعادة، القاهرة، ١٩٩٨م، مجلد ٢، باب المفعول به.
١٤٣  د. محيي الدين محسب: المرجع السابق، ص١٣٦.
١٤٤  نفس المرجع، ص١٣٦.
١٤٥  نفس المرجع، ص١٣٦.
١٤٦  نفس المرجع، ص١٣٦.
١٤٧  نفس المرجع، ص١٣٦.
١٤٨  نفس المرجع، ص٢٠٣.
١٤٩  نفس المرجع، ص٢٠٤.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤