الفصل التاسع

طغيان النزعة المنطقية عند متأخري النحاة

تقديم

رأينا خلال مسيرتنا في هذا الكتاب أن سيبويه لم يعتنِ بالحدود النحوية، إذ رتب موضوعات المادة النحوية في كتابه على أساس ذكر المادة كاملة دون مصطلح واضح محدد، ثم الدخول إلى الموضوع دون ذكر حد منطقي، وفي أكثر الأحيان يحدد الباب النحوي بالمثال أو ببيان التقسيمات مباشرة، وهذا يؤكد نفي تهمة تأثر كتاب سيبويه بمنطق أرسطو.

وجاء بعد سيبويه نحاة البصرة والكوفة، من أمثال المبرد، والفراء، وتأثروا بالمنهج المنطقي إلى حدِّ ما في حدودهم النحوية، ثم جاء نحاة القرن الرابع الهجري، وتفاوتوا في هذا التأثُّر، فمنهم مَن انغمس انغماسًا شديدًا في المنطق وأساليبه، كأبي عيسى الرماني مثلًا، ومنهم مَن توسَّط في تأثُّره دون إفراط، مثل ابن السراج، الذي استمر في تعريف مصطلحات النحو بالحدود التمثيلية الوصفية، مثلما نجد في حده للاسم بقوله: «الاسم ما دل على معنًى مفرد، وذلك المعنى يكون شخصًا، وغير شخص، فالشخص نحو رجل، وفرس، وحجر، وبلد، وعمر، وبكر.»١ في حين ينكر الزَّجَّاجي ما يتكلفه النحاة من الحدود المنطقية؛ حيث يرى أنَّ ما يستقيم مع مقاييس المنطقيين ومذاهبهم قد لا يصح على أوضاع النحويين؛ لأنَّ غرض النحويين الأساسي هو ضبط اللغة من اللحن، وتقريب ذلك للمتعلمين بأسهل طريق لا العناية بصورة الفكر دون مادته ومعناه.٢
ومع مطلع القرن الخامس الهجري اشتد اهتمام النحويين بالحدود، والعلل، والعوامل، وأفردوا كتبًا خاصةً بها، وعاب بعضُهم بعضًا، بأن حدَّه ناقص، أو فيه دور، وعلى هذا أخضعت الحدود النحوية للمقاييس المنطقية، ولذلك كثرت الحدود النحوية، وتعددت للمصطلح الواحد، وخرجت بعض الحدود عن إطارها النحوي إلى نطاق الفلسفة، وغدت بعض الحدود ألغازًا فلسفية يصعب فكها، وسبب ذلك أنَّ الوصولَ إلى حدٍّ جامعٍ مانعٍ كما يتطلب علم المنطق أمرٌ عسير، حتى صارت الحدود النحوية في عهد سيبويه أسهل منالًا وأبسط في توضيح المراد؛ لأنَّ الدرس النحوي يستغني بالمثال فقط، وليس في حاجة لمعايير المنطق الدقيقة، ولو اكتفى النحاة بحدِّ المصطلح النحوي بحدٍّ عقلي جامعٍ فقط لكان أدعى للوضوح، غير أنَّ النحويين توهموا ضرورة الدقة الشديدة بالجمع والمنع في تحديد المصطلحات النحوية فازدادت الحدود غموضًا، وابتعدت عن دلالاتها النحوية.٣
وفي القرون التي أعقبت القرن السادس الهجري حتى وقتنا الحالي، أضحت مصطلحات المنطق تدخُل بشكل سافرٍ في الحدود، والتعريفات، والعلل، والعوامل، والأقيِسة، والأساليب، ولا نكاد نجد كتابًا نحويًّا، إلا وهو مليء بعلم المنطق، وكثرت المصنفات في الحدود النحوية وجمعها من أمهات الكتب النحوية، ولم شعثها بعبارات موجزة جامعة دقيقة يستطيع الدارس استيعابها بأقصر طريق، ليُمكِن تعلمُ القواعد وتيسير حفظها، واستذكارها، واستيعابها، فوجود متن يتميز بالاختصار والاقتصار على الأسس العامة يكون معينًا على حفظ أصول العلم وقواعده، وتقريب الحقائق إلى أذهان المتعلمين بشتى مستوياتهم، ولضبط أصول العلم بدقة، ومن هذه المصنفات: «رسالة في الحدود النحوية» المنسوبة لأبي الفضل القاسم التلمساني (٨٥٤ﻫ)، وكان صاحب الرسالة يحد كل مصطلح بثلاثة حدود، وبعضها قد يزيد عن الثلاثة، وقليل منها بحدَّين اثنَين فقط، وهذا يُعَد توسُّعًا في مجال التعريفات، وأغلب حدوده منقولة بدقة من حدود «الرماني» وكتب «الفارسي» وجمل «الزَّجَّاجي»، ومن كتب الحدود في هذه المرحلة كتاب «حدود النحو» لشهاب الدين الأبذي (٨٦٠ﻫ)، وهو كتاب موجز مختصر؛ لأنه ألفه للمبتدئين من طلبة العلم، وأكثر الحدود في كتاب الأبذي يعبر فيها عن الجنس بقوله: «ما» إشارة إلى الجنس البعيد دون تحديد نوع هذا الجنس «وهو تعريف دلالي».٤
ومن ثَم وجدنا النحاة المتأخرين يصوغون النحو العربي على حسب الحدود، والمقاييس، والمصطلحات، والأساليب المنطقية، والتي وضع فيها الكثير مِن الألفاظ الفلسفية، والصيغ المنطقية الأرسطية، مثل القضايا الصغرى، والقضايا الكبرى، والعموم، والخصوص الوجهي، والمعروض والعرض، والماصدق والمفهوم، والمادة والصورة، والاجتماع والانفراد، ومنع الجمع، ومنع الخلو، والماهية الذهنية، والتشخيص الخارجي، والتقييد والإطلاق، والموضوع والمحمول، واللازم والملزوم، والموجود والمعدوم، والقوة والفعل، والجنس، والفصل، والخاصة، والعهد، والاستعراض، والمطلق والمقيد، والذوات، والمعاني، والمتعلق، مثل: لزيادة الثقل زيادة أثر، وليس بعد الجواز إلا اللزوم، وزين متدرج تحت الجنس، والمعهود ذهني، وأفراد هذا الجنس، وبينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في كذا وينفرد الأعم بكذا، أو بينهما عموم وخصوص مطلق يجتمعان في كذا وينفرد كل منهما في كذا، والقضية، وموضوعها، ومحمولها، والبرهان المكون من صغرى، وكبرى، ونتيجة … وهلم جرًّا.٥
ومما يُستغرَب أن أحد المشتغلين بالنحو من المتأخرين وهو «جلال الدين السيوطي»؛ حينما تحدث عن العلوم التي نبغ فيها، والتي لم يصل فيها إلى درجة النبوغ، وقسمها إلى درجات لم يسرد فيها علم المنطق ولا أدري ما الدرجة التي وضع فيها علم المنطق بالنسبة إلى معرفته بها.٦
ويبدو أن السيوطي غضَّ البصر عن ذكر هذا العلم بين العلوم؛ لأنه آثر أن يتحدث عنه منفردًا لأمر يذكره، وعلة يبينها، فقال بعدما ذكر حديثه عن آلات الاجتهاد التي كملت عنده متحدثًا عن علم المنطق، ما نصه: «وقد كنت في مبادئ الطلب قرأت شيئًا من علم المنطق، ثم ألقى الله كراهته في قلبي، وسمعت أن ابن الصلاح أفتى بتحريمه، فتركته لذلك فعوضني الله تعالى عنه علم الحديث الذي هو أشرف العلوم.»٧
ومعنى هذا النص كما تُوحي دلالته أن السيوطي ليس جاهلًا في المنطق، وليس ضعيفًا، إنما تركه لشعوره بكراهيته في قلبه، وبخاصة بعدما أفتى ابن الصلاح بتحريمه، ولا أدل على ذلك من أن السيوطي ألف في المنطق كتابًا سماه: «صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام» جمع فيه أقوال العلماء في إبطال المنطق الأرسطي وانتقاده، وأفاد بميله إليهم، ولكنه نهج في الوقت نفسه نهج النحاة المناطقة في تآليفه النحوية، وسلك مسلكهم في ترك مسائل النحو كما نقلها ممتزجة بمفاهيم المنطق ومصطلحاته، وفي حشد الكثير من الألفاظ، والحدود المنطقية التي رددها النحاة من قبله، ونقلها عنهم دون أن يظهر التذمر منها على الأقل، ونجد في مصنفاته المتعددة الكثير ما يفيد ذلك فمثلًا يقول في تعريفة للجملة «… وتنقسم أيضًا إلى الكبرى والصغرى؛ فالكبرى هي الاسمية التي خبرها جملة نحو زيد قائم أبوه، وزيد أبوه قائم، والصغرى هي المبنية على المبتدأ كالجملة المُخبَر بها في المثالين، وقد تكون الجملة كبرى وصغرى باعتبارَين نحو زيد أبوه غلامه منطلق فمجموع هذا الكلام جملة كبرى لا غير، وغلامه منطلق صغرى لا غير وأبوه غلامه منطلق كبرى باعتبار غلامه منطلق صغرى باعتبار جملة الكلام.»٨ وفي تعريفه للفاعل يقول «ما أسند عامل إليه عامل مفرغ على جهة وقوعه منه أو قيامه به.»٩ وفي أقسام الكلام يقول أيضًا: «والكلام مركب من ثلاثة خبر وطلب وإنشاء، وإن لم يغد هو اسم جنس لكلمة لا جمع كثرة ولا قلة ولا شرط تعدد الأنواع خلافًا لزاعميها.»١٠ وغير ذلك من الأمثلة الدالة على التأثر بالمنطق.
ومن مظاهر النزعة المنطقية عند النحاة المتأخرين، ما نجده لدى «خالد الأزهري (المُتَوفَّى ٩٠٥ﻫ)»؛ حيث كانت له معرفة بالمنطق، ففي شروحه نجده يستعين بمؤلفات المناطقة، لتوضيح بعض القواعد النحوية. فمثلًا في كتابه «التصريح» في باب النسب ذكر في نسبة «ذات» ما قاله الكافي في شرح إيساغوجي في المنطق فقال: «لا يقال ذاتي منسوب إلى الذات، فلا يجوز أن نقول الماهية ذاتية والالزام انتساب الشيء إلى نفسه، وهو ممنوع؛ لأنا نقول هذه النسبة ليست بلغوية حتى يلزم ذلك، بل إنما هي اصطلاحات فلا يرد ذلك.»١١
علق الشيخ «خالد» على قول الكافي السابق بما يدل على موافقة له فقال: «والدليل أنها اصطلاحية، أن استعمال ذات مراد بها الحقيقة لا أصل له في اللغة.» وكذا نجد ثقافته المنطقية ممزوجة بشرحه، فمثلًا يستخدم لفظ الماهية، وأيضًا في تنافي الجمع بين أجزاء الكلمة عبر عن ذلك بعبارة منطقية قال فيها: «والعناد حقيقي يمنع الجمع والخلو.» وفي تعليل الإحاطة بتعريف كل قسم من الكلمة قال: «وقد علم بذلك حد كل واحد منها للإحاطة بالمشترك وهو الجنس، وما به يمتاز كل واحد عن الآخر هو الفصل.»١٢
أما نحاة العصر العثماني، فقد تلقفوا النحو المنطق، وأقاموا أنفسهم حراسًا عليه، بل أمعنوا في ذلك إمعانًا، وزادوا فيه زيادة كبيرة بفعل ما جَدَّ من التوسُّع في علم المنطق نفسه، وفي درسه والاختصاص فيه على حساب تراجع اللغة نفسها، فوجدنا كتبهم مملوءة بالحدود والأساليب المنطقية، وهذا يبدو واضحًا من خلال ألفية ابن مالك (ت٦٧٢ﻫ)، والشروح التي قامت على توضيحها، مثل ابن هشام الذي ألف شرحًا لشواهد شرح ابن الناظم على الألفية، والذي عرف ﺑ «شرح شواهد ابن الناظم أو شرح الشواهد الكبرى»،١٣ كذلك حاشية الصبان المُتَوفَّى في سنة ١٢٠٦ﻫ مع شرح الأشموني لألفية ابن مالك، وكذلك في حاشية الخضري المُتَوفَّى سنة ١٢٨٧ﻫ، على شرح ابن عقيل لهذه الألفية.١٤

وفيما يلي نماذج وصور تُظهر ما وصل إليه الدرس النحوي عند المتأخرين (وأخص مدرسة مصر النحوية، سواءً الذين عاصروا دولة المماليك أو دولة العثمانيين)، من الانغماس الشديد في المنطق ونحوه وهو انغماس تجلى أكثر ما تجلى في التعريفات، والعوامل، والعلل، والأقيسة، والمصطلحات.

(١) التعريفات أو الحدود

تُعَد قضية التعريف أو الحد من أهم ما عُنِي به المنطق من القضايا منذ أيام اليونان الذين حدد فيلسوفهم أرسطو الهدف منه بأنه تحديد الشيء أو وصف جوهر المعرف بالعبارة الكلامية، وهذا ما يُسمَّى بالتعريف الشيء الذي يراد به معرفة طبيعة الشيء المعرف وماهيته والعناصر الجوهرية الباطنية الأساسية التي يتألف منها، ولا يهدف إلى مجرد فهم المعنى اللغوي للفظ المعرف، أو إلى البحث عن اللفظ المساوي للفظ المعرف في التعبير الكلامي؛١٥ يقول أرسطو: «التحديد هو القول الدال على ماهية الأمر.»١٦ فالتعريف إذن هو طلب ماهية الشيء المراد تحديده، ولا يأتي تعريف الشيء إلا بعد التحقق من وجوده: «وإذا علمنا أنه موجود نطلب ما هو، مثال ذلك … ما هو الإنسان؟»١٧
ويبين لنا أرسطو كيف يتم التوصل إلى ماهية المحدود فيقول: «فإنه يجب على من يحد أن يجعل الشيء في جنسه ويضيف إليه الفصول؛ وذلك أنه أولى بالدلالة على جوهر المحدود من كل ما في الحد.»١٨ فإيراد الجنس والفصل هو الطريق إلى جوهر المحدود وماهيته، وبذلك تصبح إضافة عناصر أخرى إلى التعريف فضلًا: «وذلك أن كل ما يزاد على الحد فهو فضل.»١٩

وعلى ضوء ما سبق، نذهب الآن إلى النظر في تعريفات النحاة العرب المتأخرين في كتبهم لنرى كيف يقيمونها، ويجرون في أكثرها مجرى أهل المنطق اليوناني في تعريفاتهم الشيئية، وفيما يلي نماذج لحدود النحاة المتأخرين التي امتلأت بها كتبهم ولبعض تعليقاتهم واستشكالاتهم عليها، والتي ظهرت فيها جميعًا إشارات المنطق، وعلاماته، وألفاظه، بوضوح.

ويمكننا أن نسوق ثلاثة نماذج لدور الحدود في الدرس النحوي هنا عند كل من ابن هشام، والصبان، وابن الناظم:

(١-١) ابن هشام

امتاز ابن هشام بأسلوبه التعليمي الذي عبر عنه في تقديمه كتابه «المعنى»، إذ قال: «وها أنا بائحٌ بما أسررته، مقيد لما قررته، مقرب فوائد للأفهام، واضع فرائده على طرف الثمام، لينالها الطلاب بأدنى إلمام.»٢٠ لهذا اختلفت أساليب التعريف عنده باختلاف مؤلفاته، فوجدته يتناول المصطلح بالشرح، والتحليل، والتفسير، سالكًا عدة أساليب، متخذًا من تعريفه المصطلح مفتاحًا لشرحه، وبيان أحكامه؛ كل ذلك حرصٌ منه على إيصال ما يريده إلى ذهن المتلقي، بل هو يضع الكتاب مجملًا، ثم يضع شرحًا عليه مفصلًا، كما في قطر الندى وشرحه، وشذور الذهب وشرحه.٢١
وهو حينما يضع مصنفاته يتدرج بها من السهل إلى الأصعب، أو من الجزء إلى الكل، ففي «قطر الندى» و«شذور الذهب»، يبدأ بتعريف الكلمة، لأنها أصغر وحدة تؤدي معنى مستقلًّا في ذاتها، ثم ينتقل إلى أقسامها واقفًا عند كل قسم مُعرفًا له بخصائصه التي يمتاز بها عن غيره كما هو الحال في تعريف الاسم والفعل.٢٢
ومع تعدد أساليبه في تعريف المصطلح النحوي غير أن أبرز أسلوبين من أساليب تعريفه: هما التعريف بالعامل، والتعريف بالمعنى، مدعمًا كلًّا منهما بالمثال أو الأمثلة تعزيزًا لهدفه التعليمي، وسأناقش مثالين من تعريفه المبتدأ، وثانيهما تعريفه ليت. عرف ابن هشام المبتدأ بأنه: «الاسم المجرد من العوامل اللفظية للإسناد.»٢٣
ويلحظ أن محور هذا التعريف يستند إلى العامل النحوي، فتجرد الاسم من العوامل اللفظية هو الميزة الكبرى للمبتدأ فالأسماء التي تشترك في الرفع هي المبتدأ، والخبر، والفاعل، ونائبه، واسم كان، وخبر إن، وخبر لا النافية للجنس، واسم الأدوات التي تعمل عمل ليس، وقد استطاع ابن هشام أن يخرج كل هذه المدخلات بقوله: «المجرد من العوامل اللفظية»؛ لأن هذه المرفوعات إلا المبتدأ رفعت بعامل لفظي ألا وهو الفعل في الفاعل ونائبه واسم كان، وعمل عمله في خبر إن، وما حُمل على ليس — في خبر «ما» و«إن» و«لا» و«لات» العاملة عملها — وقوله للإسناد محور جزئي ثان يراد به «الموقعية»؛ فالإسناد كون المبتدأ مسندًا كما هو في مثاله: «زيد قائم».٢٤ أو كون المبتدأ مسندًا إليه كما هو في مثاله الآخر: «أقائم الزيدان؟»٢٥ ولم يكن ابن هشام ليُلقِي التعريف، ثم ينتقل إلى أحكام المعرف دون شرحه التعريف، موضحًا كل عبارة فيه بالمثال؛ فعندما ذكر لفظ «المجرد» في تعريفه السابق — شرحه بقوله: «وخرج بالمجرد نحو «زيد» في «كان زيد عالمًا».»٢٦ فلسان حال هذا المثال يقول: الاسم المرفوع الواقع بعد كان ليس مبتدأ إنما هو اسم كان؛ لتقدم عامل لفظي عليه، ولم يخرج هذا المثال اسم كان فحسب إنما أخرج كل ما تقدمه عامل لفظي مما ذكرت آنفًا كالفاعل ونائبه. ثم يسوق مثالًا آخر مصوِّرًا فيه ما ليس فيه إسناد، وهي الأعداد المفردة: «واحد، واثنان، وثلاثة»، ثم يشرح ذلك بالكلمات: «فإنها وإن تجردت لكن لا إسناد فيها.»

والنموذج السابق عند ابن هشام يكاد ينسحب على تعريفه المصطلحات كلها كالمرفوعات، والمنصوبات، والمجرورات.

والمدقق في التعريف السابق عند ابن هشام يرى أن كل تركيب أو عبارة جاءت تخصيصًا للمعرف بحيث لا يقع التعريف إلا عليه. فبقدر ما يحدث انزياحًا في التعريف إلى اليسار بقدر ما تتضح صورة المعرف في الذهن أكثر بحيث لا يشترك معه غيره، وواضح أن المبتدأ انتهى تعريفه عند قوله: «للإسناد» أي بالعمل والموقع غير أن ما جاءت به من أمثلة زادت المعرف توضيحًا.

ونأخذ أنموذجًا آخر من التعريف عند ابن هشام هو تعريفه «ليت» إذ قال: «ليت حرف لمن يتعلق بالمستحيل غالبًا كقوله:

فيا ليت الشبابَ يعودُ يومًا
فأخبرُهُ بما فَعلَ المشيبُ»٢٧
وبالممكن قليلًا، وحكمه أن ينصب الاسم، ويرفع خبره، الاسم الذي انبنى عليه التعريف السابق هو «المعنى» إذ كشف لنا معنى «ليت»، وهو التمني فيما لا يتوقع حصوله في أكثر استعمالاتها أو فيما يتوقع حصوله مقيدًا المعنى الأول بالغلبة ومقيدًا المعنى الثاني بالقلة. لما كان المعنى الأول شائعًا في ليت دلل عليه بقول الشاعر: «فَيَا ليتَ … البيت.» فالشباب لا يعود قطعًا، فجاء المثال معبرًا عن المعنى الأول الذي تأتي عليه «ليت» تعبيرًا دقيقًا لا يتبادر إلى الذهن غيره. ثم يشمل التعريف محورًا آخر هو «الحكم» بقوله: «وحكمه أن ينصب الاسم يرفع الخبر»؛ وبالحكم تنكشف حقيقتان ﻟ «ليت»؛ الأولى: أنها تدخل على الجملة الاسمية، الثانية: كونها تنصب ما أصله المبتدأ ويُسمَّى اسمها، وترفع ما أصله الخبر ويُسمَّى خبرها، ويكثر هذا النمط من التعريف عند ابن هشام في تعامله مع الأدوات النحوية.٢٨

وقل أن يتخذ التعريف الواحد شكلًا واحدًا عند ابن هشام؛ فالتعريف بالمثال — مثلًا — يكاد يرد مع كل تعريف أيًّا كان أسلوبه متصلًا به، موضحًا له، بحيث يجعل المتعلم أكثر تصورًا لحقيقة المعرف، وهذا النوع من التعريف — أعني التعريف بالمثال — ينسجم مع المنهج التعليمي الذي اختطه ابن هشام لنفسه، وهو يقدم المادة التعليمية لتلاميذه.

وربما حدث انزياح في معاني الألفاظ المستعملة في شرحه التعريف — نحو المنطق مستعيرًا بعض هذا الألفاظ، التي أصبحت كأنها في النحو من أصله كالجنس، والفصل، والنوع، والقضايا الصغرى، والقضايا الكبرى، والعموم، والخصوص الوجهي، والمعروض والعرض، والماصدق والمفهوم، والمادة والصورة، والاجتماع والانفراد، ومنع الجمع ومنع الخلو، والماهية الذهنية، والتشخيص الخارجي، والتقييد والإطلاق، والموضوع والمحمول، واللازم والملزوم، والموجود والمعدوم، والقوة، والفعل — فينقطع التواصل بينه وبين المتعلم أو يكاد. مثال ذلك ما جاء في تعليقه على تعريف ابن مالك الحال،٢٩ قال: «وفي هذا الحد نظر؛ لأن النصب حُكم، والحكم فرع التصور، والتصور متوقف على الحد، فجاء الدور.»٣٠
وحين عرض ابن هشام لبعض الأدوات التي لها صلة بالقضايا المنطقية لم يغفل النظر في علاقة الأداة بالمعنى ناقدًا أحيانًا ما استقرَّ عليه الأمر عند المعربين؛ وذلك لأن النحاة قبل عصر ابن هشام ما كانوا أو ما كان أكثرهم يعنون بالعلاقة القائمة بين الأداة والمعنى العام الذي جاء به نص وردت فيه هذه الأداة، وإذا كان المنطق الأرسطي في جملة أمره يُعنَى ﺑ «الصورة» أو «الشكل» أكثر من المادة أو المضمون، فإنَّ معظم النحاة في تحليل بعض هذه الأدوات، ما كان ليهمهم غير الموقع الإعرابي، أو عملية الربط بين جملتين وهو ما يُسمَّى بالقضية الشرطية عند المناطقة.٣١
ونلاحظ أن ابن هشام قسم مكانًا لمستعمل هذه الأدوات من حيث حُكمه على صِحة المعنى أو فساده بناءً على ما استقر عليه عند سابقيه أو معاصريه، ومن ذلك حديثه عن عموم السلب وسلب العموم،٣٢ وهو كل جملة سُبِقت بنفي سُلط على فكرة، والقضية في جملة أمرها عامة، ولكنه حين تصدَّى لبعض الآيات التي وردت في القرآن الكريم، أحس بأن هذا الأصل لا يمكن أن يطبق عليها كما في قوله تعالى «إِنَّ اللهَ لَا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتَالٍ فَخُورٍ» فإنَّا لو طبقنا هذا الأصل، لكان المعنى غير صحيح أو دقيقٍ مع أن النص لا شبهة فيه.٣٣
كذلك يعني ابن هشام بالمنطق، ونلحظ ذلك بينًا في حديثه عن «إن» الشرطية إذا دخلت على زمن ماضٍ أو مستقبل، وإن الشرط دائمًا لما سيكون، فإذا قلنا مثلًا، «إن زارنا محمد أكرمناه» فإن الزيارة ستكون في المستقبل والذي حول هذا الماضي إلى المستقبل ليس «إن» وحدها، وإنما صيغة التعبير، وما يحدث في دنيا المستعملين للغة وليست «إن» هنا إلا دالة على ذلك.٣٤
وقد يظهر أثر المنطق في عرض الآراء التي ينسبها إلى نحاة ولغويين من مَذاهِبَ واتجاهات مختلفة، ثم في مناقشتها والرد عليها وتعليلها، وكذلك في الحدود والتعريفات التي يذكرها في تعريفه عن بعض الأدوات، يقول في «اﻟ» الجنسية:٣٥ وهي إما لاستغراق الأفراد، وهي التي تخلفها «كل» حقيقة، أو لاستغراق خصائص الأفراد، وهي التي تخلفها «كل» مجازًا أو لتعريف الماهية، وهي التي لا تخلفها «كل» لا حقيقة ولا مجازًا نحو «وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ»، وقولك: «والله لا أتزوج النساء» أو «لا ألبس الثياب» ولهذا يقع الحنث بالواحد منهما، وبعضهم يقول في هذه إنها لتعريف العهد، إلا إن الأجناس أمور معهودة في الأذهان متميز بعضها عن بعض ويقسم المعهود إلى شخص وجنس.٣٦

(١-٢) الصبان

في القرنين الحادي عشر والثاني عشر الهجريين جمدت إلى حدٍّ ما الدراسات النحوية، وأضحت المؤلفات النحوية اجترارًا لما كتبه السابقون، وتَمثَّل ذلك في الحواشي المختلفة التي جاءت شرحًا وتعليقًا على مؤلفات المتقدمين، وقد طال هذا الجمود شرح المصطلح النحوي وتعريفه؛ إذ أصبحت مناقشة التعريف تخضع للشروط المنطقية القاسية، ويُحكَم على جودة التعريف أو رداءته بقدر موافقته، أو مخالفته شروط الحد في علم المنطق.٣٧
ولعل محمد بن علي المعروف بالصبان (ت١٢٠٦–١٧١٩ﻫ)، من أبرز النحاة الذين يمثلون هذه المرحلة. فقد جاءت حاشيته على شرح الأشموني (ت٩٢٩–١٥٢٢ﻫ) التي طارت شهرتها في الآفاق حاويةً كمًّا هائلًا مما كتبه الشراح من تعليقات وشروح وتأويلات على شرح الأشموني.٣٨
ويحاكم الصبان تعريف المصطلح النحوي محاكمة منطقية؛ فالتعريف المثالي هو التعريف الذي يتمثل شروط الحد في علم المنطق، فلا يشذ عن شيء منها، فضلًا عما يورده مِن آراء النحاة السابقين المتعلقة بالتعريف الذي يناقشه، ولا سيما تعليقات شيخه «الحفني» المُتوفَّى ١١٨١ﻫ، وهو يحمل مادةً واسعةً من خلافات النحاة يُكمِل بها ما ذكره الأشموني في شرحه.٣٩
وسأسوق تعليقًا من تعليقاته على تعريف المصطلح عند الأشموني. قال الصبان معلقًا على كلمة «لفظ» الواردة في تعريف الأشموني «الكلام»: «وقوله: تحقيقًا تعميم في الصوت، فالمنصوب مفعول مطلق لمحذوف؛ أي محقَّق تحقيقًا، أو مقدَّر تقديرًا، ويعلم من هذا التعميم أن لماهية اللفظ أفرادًا مقدرة. قال الروداني: واستعماله في كل منهما حقيقة؛ لأنه في المقدرة مجاز ومن التحقيقي المحذوف على ما قاله البعض؛ لتيسير النطق به صراحة، وكذا كلامه تعالى اللفظي قبل التلفُّظ به لا كلامه القديم على قول جمهور أهل السنة: إنه ليس بحرف ولا صوت فالتحقيقي إما منطوق به بالفعل أو بالقوة، والتقديري ما لا يمكن النطق به، فإن الضمير المستتر كما قاله الرضي لم يوضع له لفظ حتى ينطق به، وإنما عبر عنه باستعارة لفظ المنفصل للتدريب … فأقيم مقام اللفظ في جعله جزء الكلام الملفوظ كجعله جزء الكلام المعقول، فهو ليس من مقولة معينة بل تارة يكون واجبًا، وتارة يكون ممكنًا جسمًا أو عرضًا.»٤٠
وهنا نلاحظ أن الصبان يمزج النحو بالمنطق حتى جاءت مناقشته وشرحه التعريف أشد تعقيدًا من التعريف نفسه. فإذا ما استثنينا قوله «فالمنصوب مفعول مطلق لمحذوف» فليس ثمة تعبير إلا وهو مستعار من المنطق، فاستعماله الماهية، والعَرَض، والجسم من ألفاظ المناطقة، فثقافة الصبان تبرز واضحة في تعليقاته على تعريف المصطلح النحوي عند الأشموني، لكنها ثقافة لا تزيد التعريف وضوحًا بقدر ما تزيده توعُّرًا وتعقيدًا.٤١
ولا يفوت الصبان في تعليقاته على تعريف المصطلح النحوي أن يعرض لآراء النحاة، ولا سيما معاصريه كعرضه لرأي أستاذه الحفني ولرأي «الروداني المُتوفَّى ١٠٩٤ﻫ»، وكذلك عرضه لرأي أحد المتقدمين، أعني «الرضي الإسترآباذي المُتوفَّى سنة ٦٨٦ﻫ».٤٢
ومما جاء في تعليقاته على شرح المصطلح النحوي قوله: «اعتراضه شيخنا السيد «أ» اعترض ما قاله الأشموني في تعريف الكلام من كون الحدود لا تتم بدلالة الالتزام بأن الظاهر أن التركيب والقصد داخلان في مفهوم «المفيد»، فدلالته عليهما تضمينية لا التزامية، والتضمنية غير مهجورة في الحدود، ولو سلم أنها التزامية فهجرها إنما هو في الحدود الحقيقية التي بالذاتيات، ومثل هذا التعريف ليس منها بل من الرسوم.» فواضح أن تعليقاته على شرح التعريف عند الأشموني إنما هي تعليقات مُستمدَّة مِن المنطق وشروط الحد فيه، ويجد الناظر في حاشية الصبان أن التعليق على التعريف ليس تعليقًا على تعريف نحوي بقدر ما يكون تعليقًا على تعريف منطقي، مما يشير إلى أن صنعة المنطق كادت تغلب صنعة النحو عند الصبان.٤٣

(١-٣) ابن الناظم

يُعَد شرح ابن الناظم على ألفية والده أهم كتاب نحوي أودعه عصارة جهوده الدراسية في عدد من العلوم التي ألم بها، وهذا الشرح امتاز بالطابع المنطقي، فقد وصفه المقري بأنه غاية في الإغلاق،٤٤ ويتسم شرح ابن الناظم بالتأثر الشديد بالمعارف المنطقية التي غلبت على شرحه، وكانت هي السمة الغالبة على علماء عصره، فانعكس على مؤلفاتهم النحوية واللغوية، بالإضافة إلى الأسلوب الفلسفي الذي صاغ به الشرح، ولهذا كثرت عليه الحواشي والشروح والتعليقات.٤٥
كان ابن الناظم أول من شرح ألفية أبيه، وبذلك مهَّد السبيل لشارحيها بعده، ولم يحظَ هذا الشرح بما حَظِي به شرحه على ألفية أبيه من مكانة عند الدارسين، وقد تعقب ابن الناظم أباه وربما حمله التعقب على الإتيان ببيت بدل بيت الناظم، إلا أن شراح الألفية بعده تصدوا للرد عليه بما جعل حملاته على والده الناظم طائشة، وقد وردت في شرحه بعض شواهد محرفة نقلها عنه مَن بعده، وربما شاق شعر المحدثين استدلالًا،٤٦ وقد كان شرحه مغلقًا لذلك كثرت الحواشي فيه.٤٧ وعلى الرغم من ذلك فإنه في عموم شرحه، كان سهل العبارة، قريب المأخذ، نال عنايةً فائقةً من العرب والمستشرقين فنشروه، وكتبوا عنه خاصة بروكلمان في كتابه.٤٨
كان الطابع المنطقي مِن أهم معالم دراسات ابن الناظم النحوية التي اكتسبت الصبغة المنطقية، وكان مِن مظاهرها ذكره لكثير مِن المصطلحات المنطقية، واستخدامه لكثير من أساليب المناطقة في الاستدلال على صحة ما يذهب إليه من التراكيب المنطقية التي شاعت في دراساته النحوية، لفظ بالقوة ولفظ بالفعل،٤٩ وبين الكلام والكلام عموم من جهة الخصوص.٥٠
ولذلك كانت حدوده النحوية ذات طابع منطقي، اتسمت بكونها جامعةً مانعة، وأنه كان كلفًا بها منذ مراحل دراساته النحوية الأولى، وهذه الظاهرة شاخصة في شرحه على الألفية: قال في حد الكلمة: «والمراد بالكلمة: لفظ بالقوة، أو لفظ بالفعل، مستقل، دال بجملة على معنى مفرد بالوضع، وبالقوة مدخل للضمير في نحو أفعل، وتفعل، «ولفظ بالفعل» مدخل لنحو زيد في قام زيد «ومستقل» مخرج للأبعاض الدالة على معنًى، كألف المفاعلة، وحروف المضارَعة و«دال» معمم لما دلالته ثابتة، كرجل، ولما دلالته زائلة، كأحد جزأي امرئ القيس؛ لأنه كلمة ولذلك أُعرِب بإعرابين كل على حدة، وبجملته مخرج للمركب، كغلام زيد فإنه دال بجزأيه على جزأي معناه، وبالوضع مخرج للمهمل، ولما دلالته عقلية، كدلالة اللفظ على حال اللافظ به.»٥١
وعرض مسألة أقسام الكلمة في اللغة العربية عرضًا منطقيًّا لا تجده إلا عند ابن الحاجب فقال: «الكلمة إما أن يصح أن تكون ركنًا للإسناد أو لا، الثاني الحرف، والأول: إما أن يصح أن يُسنَد إليه، أو لا، الثاني بالفعل؛ والأول الاسم، وقد ظهر من هذا انحصار الكلمة في ثلاثة أقسام».٥٢
أخذ ابن الناظم قوله في أقسام الكلمة من ابن الحاجب، فقال: «الكلمة لفظ وُضِع لمعنًى مُفرَد، وهي اسم وفعل وحرف؛ لأنها إما أن تدل على معنًى في نفسها أو لا، الثاني الحرف، والأول إما أن يقترن بأحد الأزمنة الثلاثة أو لا، الثاني: الاسم، والأول الفعل، وقد علم بذلك حد كل واحد منها.»٥٣ بهذا الأسلوب المنطقي عرض ابن الناظم كثيرًا من المسائل النحوية.

(٢) العلة أو التعليل

إن الإنسان بفطرته ميَّال نحو معرفة ما خلف الظواهر أو الأشياء، أي الأسباب التي تسببت في ظهور شيء ما، أو ظاهرة ما إذ «لما كان من طبيعة الإنسان منذ طفولته أن يسأل عن سبب لكل ما يراه، سبب وجوده، وسبب نشوء ما يحيط به من مظاهر الحياة، ويبحث عن علل لها تفسيرها، وتربط بعضها بالبعض الآخر، وتبين أحوالها، وفائدتها وتأثيرها، وجدناه يُطبِّق ذلك على كل ما يراه، ويمر به على مدى سني حياته، وتطور إدراكه، وعلى اختلاف العلوم التي تعلمها، يعلل الظواهر الطبيعية في الأحياء والجوامد، يعلل الظواهر العقيدية، وما يتبعها من أحكام، ونتائج، وعلل ما يبدو في اللغة التي يستعملها أداة في التفاهم محاولًا أن يجد علة لكل صورة مميزة من صور التعبير.»٥٤
ولقد نظر أرسطو إلى قانون العِلية، فعَدَّه مِن المقدمات الأولية التي لا يمكن القدح في بداهته.٥٥ والعلة ركن أساسي في القياس الأرسطي بحيث لا يتم البرهان إلا بظهور العلة، وفي هذا الصدد يقول أرسطو: «وذلك أنه إن كان الذي ليس عنده القول على «لِمَ الشيء» — والبرهان موجود — ليس هو عالمًا.»٥٦ ولقد فضَّل أرسطو الشكل الأول من أشكال القياس على أساس وضوح مبدأ العلة في هذا الشكل: «وذلك أن القياس على «لم الشيء» إنما يكون بهذا الشكل … والعلم ﺑ «لم الشيء» هو أكثر تحقيقًا.»٥٧ ويقسم أرسطو العلة إلى أربعة أنواع فيقول: «كانت العلل أربعًا: إحداها: ما معنى الوجود للشيء في نفسه؟ والأخرى عندما يكون، أيُّ الأشياء يلزم أن يكون هذا الشيء؟ والثالثة: العلة التي يُقال فيها: ما الأول الذي حرَّك؟ والرابعة: هي التي يقال فيها: نحو ماذا؟»٥٨ ولقد اصطلح العلماء على تسمية هذه العلل الأربع على النحو التالي: العلة المادية، والعلة الصورية، والعلة الفاعلة، والعلة الغائية؛ «فالعلة المادية هي التي يُجاب بها عن: ما الشيء؟ والصورية عن: كيف؟ والفاعلة عن: مَن فعل الشيء؟ والغائية عن: لِمَ؟»٥٩
ويمكن توضيح ذلك فنقول: أما العلة المادية فهي ما لا ينبغي بها وجود الشيء بالفعل بل بالقوة، كالخشب والحديد بالنسبة للسرير. أو بتعبير آخر ما لا بد من وجوده أو وجود الشيء، وأما العلة الصورية فهي ما يجب بها وجود الشيء بالفعل، كالهيئة التي يتم عليها شكل السرير. أما العلة الفاعلية فهي ما تكون مؤثرة في المعلول مُوجِدة له، كالنجَّار الذي يصنع السرير، وعرفها «أبو يعقوب الكندي» (ت٢٥٢ﻫ) بأنها «مبتدأ حركة الشيء التي هي علته.»٦٠ وعرفها الإمام الغزالي بأنها «ما مِنه بذاته الحركة، وهو السبب في وجود الشيء.»٦١ وأما العلة الغائية فهي ما لأجلها وجود الشيء، كالجلوس على السرير؛ إذ أنه الغاية أو الغرض الذي لأجله وجد السرير، وهي الباعثة على إيجاد الشيء، فتفيد إذن فاعلية الفاعل، والعلة الغائية متأخرة عن المعلول في الوجود في الخارج؛ فالجلوس على السرير يكون بعد وجود السرير في الخارج إلا أنه يتقدم عليه في العقل (التصور) إذ كان باعثًا للفاعل على صنعه، ولذلك عرفها الإمام الغزالي بأنها «الغاية الباعثة أولًا، المطلوب وجودها آخرًا.»٦٢ وهي بتأخرها عن المعلول في الوجود بالعكس من حال العلة الفاعلية من معلولها؛ إذ إن الأخيرة تتقدم المعلول في الوجود بالزمان.٦٣
والعلة بذكرها المطلق يراد بها العلة الفاعلية لا غيرها، وتسمى «سببًا» عند المحدثين، وهو ما يترتب عليه مسبب عقلًا، أو واقعًا، وقد تسمى بالمحرك، أو الفاعل، ويقال للعلة الغائية غاية، وغرض، أو العلة التمامية.٦٤ ومن خاصيتها «إن سائر العلل بها تصير علة، فإنه ما لم تتمثل صورة الكرسي المستعد للجلوس، والحاجة للجلوس في نفس النجار، ولا يصير هو فاعلًا، ولا يصير الخشب عنصر الكرسي، ولا تحمل فيه الصورة؛ فالغائية حيث وجدت في جملة العلل هي علة العلل.»٦٥ وهي تقع جوابًا للسؤال ﺑ «لماذا؟» أو «لم؟» أكثر من وقوع العلة الفاعلية، ويكون الجواب بها مناسبًا حين يتعلق الأمر بالإرادة الإنسانية فحسب.٦٦

وسنرى خلال هذا الفصل أن التعليل الذي نحن بصدد بحثه لا يشتمل إلا على العلتين الأخيرتين: الفاعلية (السبب عند المحدثين) والغائية (الغرض).

ومن الجدير بالذكر أن مِن النحاة مَن استعمل تسمية الفلاسفة للعلل، وأشار إلى تقسيماتهم على وفق ما تطلبه بحثه، فالرضي الإسترآباذي مثلًا في حديثه عن المفعول له قال: «فالمفعول له» قال: «فالمفعول له هو الحامل على الفعل؛ سواء تقدَّم وجوده على وجود الفعل كما في قعدت جبنًا، أو تأخر عنه كما في جئتك إصلاحًا لحالك؛ وذلك لأن الغرض المتأخر وجوده يكون علة غائية حاملة على الفعل، وهي إحدى العلل الأربع كما هو مذكور في مظانِّه، فهي متقدمة من حيث التصوُّر وإن كانت متأخرة من حيث الوجود.»٦٧ وجاء في حاشيته: «المفعول له سببٌ حامل للفاعل على الفعل، وينقسم إلى قسمين: أحدهما: علة غائية للفعل كالتأديب للضرب، والثاني ما ليس كذلك كالجبن للقعود».٦٨
ومن العناصر الأساسية في نظرية العلة الأرسطية ما يعرف بشرط «الدوران في العلة»؛٦٩ ومؤداه أن هناك ارتباطًا تلازميًّا بين العلة والمعلول؛ أي أنه متى وجدت العلة وجد المعلول، والعكس صحيح: يقول أرسطو «فالعلة … والشيء الذي العلة عليه يتكون عندما يتكون معًا، وموجود متى كانت موجودة».٧٠

وحين النظر في التراث اللغوي النحوي العربي لا نكاد نجد ظاهرةً نحويةً واحدة، أو لغوية لم يلتمس لها النحاة علة، أو سببًا، ولعلهم احتاجوا إلى ذلك حينما تحولت اللغة من منظومة الفطرة (السليقة) إلى منظومة (التعلم)؛ لأن ذلك استوجب أن يبسُط النحوي قاعدته مُردِفًا إياها بالعلة التي اقتضت الحكم حتى يتمكن من إيصالها إلى ذهن المتعلم، غير أن بعض المتعلِّمين بل «المعلِّمين» النحاة كانوا من الأعاجم الذين جبلت ألسنتهم على غير العربية، فلما صارت العربية لغة الدين والدولة التمسها أولئك بشَغف ونَهَم، ولما كانت أذهانهم لا تستجيب دون إظهار علل الأمور، وأسباب الظواهر، والوقوف على حقيقة الأحكام النحوية التي لم يعد الحصر مجديًا في تقصِّيها، لذلك عمد النحاة إلى استنباطها، وتقعيدها، وإلحاق عللها بها.

وبعد حدوث التأثر بعلوم الفلسفة والمنطق صار النحوي أبرَع مِن الفيلسوف في إظهار الأحكام والتماس عللها، ولعل التعريج على مراحل تطور العلة منذ نشوئها حتى القرن الثامن الهجري ذو فائدة في معرفة أهمية العلة ونضج الفكر النحوي عند النحاة المتأخرين، وكذلك الكشف عن بنية التعليل وأسلوب النحاة فيه، وبيان ما بناه النحاة مِن فِكر لغوي أغناه التعليل في كثيرٍ مِن جوانبه لكنه — أي التعليل — في جوانب أخرى ساقه إلى التعقيد والغموض والإسفاف، مما دعا كثيرًا من النحاة إلى الدعوة إلى إلغاء الكثير من مكونات النظام التعليلي على نحو ما دعا إليه ابن مضَّاء القرطبي وسواه من النحاة والدارسين.

وقد قسم الدارسون مراحل تطور العلة النحوية على ثلاث مراحل نجد من المهم تقصيها وتتبعها لمعرفة دور التعليل النحوي في البحث النحوي ومدى نضجه.

(٢-١) المرحلة الأولى

وهي مرحلة نشوء التعليل النحوي التي يُعَد أباها الشرعي عبدُ الله بن أبي إسحاق الحضرمي، وهي تنتهي بالخليل بن أحمد الفراهيدي إذ هو قمتها ونهايتها، وفي هذه المرحلة يمكن وصف التعليل النحوي بالبساطة، إذ لم يكن تجاوُز حدود معناه اللغوي، وقد كان شيئًا طبيعيًّا بعد أن رأى علماء المسلمين حث القرآن على معرفة أسباب الظواهر، واللغة هي إحدى تلك الظواهر الموجودة في الكون.

وقد وسم البعض التعليل النحوي في هذه المرحلة بأنه ليس إلا طرائق تمد النحاة بشيء من المتعة النفسية والذهنية معًا، وللباحث وقفة عند هذا الرأي الذي وسم التعليل بأنه فقط لإثارة المتعة النفسية والذهنية؛ لأنه كان إجراءً عمليًّا لوضع معايير التقعيد وبيانها وعدم تركها مبهمةً أمام متلقي العربية الذين كان جُلهم مِن الأعاجم، إذ لا بد مِن إظهار العلة التي قام عليها حكم لغوي ما؛ لأنَّ مَلكة اللغة عندهم مغايرة، فأي اختراق، أو تحوُّل عن ملكتهم اللغوية الأصلية بحاجة إلى صدمة (علة) لإحداث فجوة في وعيهم لإدخال ملكة اللغة الجديدة التي يرومون تعلمها، وقد اتسم التعليل في هذه المرحلة بما يأتي:

(أ) جزئية الموضوع والنظرة

إذ لم يتناول التعليل في هذه المرحلة إلا قضايا جزئية، ومسائل فرعية «والنحاة في تعليلاتهم لا يرتبطون بغير القضية التي يُعللونها، ولا ينظرون إلى غير الجزئية التي يسوغونها.»٧١ وللبحث وقفة عند هذه السمة التي امتاز بها التعليل النحوي في بواكيره، إذ إن الجزئية كانت استجابة لمعانٍ لغوية لم تصل بعد إلى مفهوم الدرس النحوي، وهي مرحلة أولى في تطور الصناعة النحوية، فلذلك ذهب إلى هذه السمة، وإقرارها.

(ب) التوافق مع القواعد

مما يؤشر على التعليل النحوي من سمات هو «الاتساق بين التعليل والقواعد النحوية التي توصل إليها نحاة هذه المرحلة، فليس ثَمةَ تناقض بين التعليل وبين ما توصلوا إليه مِن قواعد، بل أكثر من ذلك، فإن التعليل ليس إلا تبرير القواعد وإساغتها، ثم شرحًا لبواعثها من ناحية، ولأهدافها من ناحية أخرى.»٧٢

(ﺟ) الوقوف عند النصوص اللغوية

وتعني هذه السمة أن النحاة حينما كانوا يعللون لا يتقاطعون مع النصوص اللغوية أيًّا كان مصدرها، بل كانوا يجعلون التعليل في خدمتها.٧٣

ومن نافلة القول أن البحث يرى أن الوقوف عند تلك النصوص له ما يسوغه إذ إن النصوص الموقوف عندها كانت نصوصًا تُمثِّل الأنموذج الكلامي الذي لا يعتريه الضعف، أو يَعتَوِره التناقض هذا من حيث النص القرآني الذي هو المصدر الأول، أما المدونة الشعرية العربية فقد جهد العلماء من التثبُّت من صحتها، وكذلك النص الحديثي الذي أحيط بكثير من الملحوظات، والاحترازات لأجل التثبت من كل جزئية من جزئياته.

(٢-٢) المرحلة الثانية

تبدأ هذه المرحلة بتشكيل ملامحها بتلاميذ الخليل (١٧٥ﻫ) وتنتهي بابن السراج، وهي من حيث الامتداد الزمني تُشكِّل مدةَ قرن ونصف، وقد ذهب الأستاذ علي أبو المكارم إلى أن هذه المدة لم تشهد تعصُّبًا ضد العربية،٧٤ غير أن هذا الرأي لا يتصف بالدقة؛ لكثرة ما ظهر في هذه الحقبة من تيارات معادية ومضادة للعرب والعربية.
ويمكن القول: إن الدراسات اللغوية بعامة، والنحوية بخاصة جاءت ردًّا على تلك التيارات المضادة التي تتمثل في الحفاظ على سلامة اللغة العربية، إذ كانت بدايتها في واقع الأمر بدافع إقبال الأقوام الأعجمية الداخلة في دين الله أفواجًا على تعلم العربية وقراءة القرآن الكريم،٧٥ فمن الضرورة أن يفهم هذا العدد الغفير من الداخلين في الإسلام والناشئين في بيئات لا تتكلم العربية كلام الله فهمًا كاملًا.
ومن نافلة القول أن نشير هنا إلى أن هذه المرحلة قد اتسمت بميزتين أساسيتين هما:
  • (١)

    الجمع بين الجزئيات المتفرقة.

  • (٢)

    ضم الجزئيات المتفرقة في إطار كلي يشملها.

فمن حيث يعلل النحوي قضيةً جزئيةً فإنه يحاول الوصول من خلال ذلك إلى قضية كلية من خلال الربط بين القضيتين،٧٦ ويمكن الإشارة إلى عاملي التأثير في مجرى الفكر التعليلي في هذه المرحلة وهما: مبدأ الخفة، أو ما سماه النحاة ﺑ «التخفيف»، وقد استندوا في ذلك على قاعدة تقول: «إن المراد من اللفظ الدلالة على المعنى فإذا ظهر المعنى بقرينة حال، أو غيرها لم يحتج إلى اللفظ المطابق.»٧٧ مبدأ الفرق، ويراد به أن اللغة لحكمتها أرادت أن تفرق بين الظواهر المتفرقة فاصطنعت لذلك أساليب متعددة.٧٨

(٢-٣) المرحلة الثالثة

وهي المرحلة الأكثر نضجًا وتقدمًا في تاريخ التعليل النحوي إذ صار علمًا له معاييره، ومصطلحاته، وأصوله، وتبدأ هذه المرحلة بالزَّجَّاجي (٣١١ﻫ) صاحب كتاب «الجمل» الذي عُدَّ في تاريخ العربية فتحًا كبيرًا، فضلًا عن أنَّ الدرسَ النحوي شهد تطوُّرًا واضحًا بعد أن توطدت أركانه وتفرعت وتعددت مدارسه، ومن الناحية المنهجية نجد أن التأليف في التعليل النحوي صار مستقلًّا، وأُفرِدت له عنوانات خاصة، وكذلك مصنفات مستقلة، وهذا يُفضِي إلى الاستنتاج بأن التعليل النحوي بدءًا كان ممتزجًا بالنحو حتى هذه المرحلة التي استقل فيها عنه منهجًا وتأليفًا.

كذلك من الطبيعي جدًّا أن نُلفِي ظِلال المنطق الأرسطي الذي أثر في مجمل الفكر العربي الإسلامي حاضرةً في التعليل النحوي الذي تأثَّر بذلك المنطق بشكل مباشر، أو غير مباشر على مستوى التنظير والتطبيق.

وفي هذه المرحلة انصب اهتمام النحاة في تعليلاتهم على أمرين هما:
  • (١)

    الربط بين الأحكام والعلل.

  • (٢)

    التنسيق بين العلل النحوية.

وفي هذه المرحلة المتقدمة من تاريخ التعليل النحوي نشأت أنواع من العلل هي «العلل القياسية، والعلل الجدلية، والعلل التعليمية» وقد أحصيت الأخيرة حتى بلغت نحو (أربع وعشرين) علة.٧٩

(٢-٤) المرحلة الرابعة٨٠

إن سيادة مبدأ التعليل في البحوث التي تناولتها الدراسات اللغوية والنحوية عند متأخري النحاة يعد وجهًا بارزًا لتأثير الفلسفة والمنطق في تلك الدراسات؛ إذ كان لا بد للظاهرة اللغوية أو النحوية مِن علة يعتل بها.٨١ ولعل من وجوه تأثُّر العلة النحوية بالعلة الفلسفية اشتراط النحاة فيها أن تكون موجِبة للحكم في المقيس عليه، وهذا هو الشرط الوحيد الذي اتفق العلماء على ضرورة اتصاف العلة به، وعليه فإن للعلة في تصوُّر النحاة تأثيرًا؛ إذ تكون سابقة للقواعد ومؤثرة فيها معًا،٨٢ وهذا إنما يذكر بعلة الفلاسفة التي هي المؤثر في غيره.
ومن آثار المنطق في التعليل استعمال المقدمات الصورية؛ ففي استدلالات ابن الحاجب على أن الحرف لا يشكل مع الاسم وحده جملة مفيدة قال: «إذا علمنا أن الجملة هي التي تتركب من كلمتين أُسنِدت إحداهما إلى الأخرى، وعلمنا أن وضع الحرف لأن يسند ولا يسند إليه، علم بهاتين المقدمتين أن الحرف والاسم لا ينتظم منهما كلام.»٨٣
فابن الحاجب اتخذ من المنطق الصوري وسيلة امتناع في التعليل تشمل الجملة من اسم، وفعل، وحرف، وهذه الوسيلة لم تُضِف قاعدةً جديدة، ولكنها برهنت على صحتها صوريًّا؛ لأنَّ المقدمة الكبرى والمقدمة الصغرى والنتيجة معلومة قبل الشروع.٨٤
ونجد ابن الناظم (ت٦٨٦ﻫ) معللًا بناء الأفعال بقوله: «الأصل في الأفعال البناء لاستغنائها عن الإعراب، باختلاف صيغها، لاختلاف المعاني التي تعتورها.»٨٥ وهذه العلة التي ذكرها ابن الناظم من العلل المركبة (الجدلية) إذ عرفنا أن الأفعال مبنية، ثم علل بناءها لكونه أصلًا فيها، ثم علل تلك الأصلية لكون الأفعال مستغنية عن الإعراب، ثم علل ذلك الاستغناء باختلاف الصيغ، وقد تضمَّن النص علةً تعليمية، هي ما اصطلح النحاة عليه «علة استغناء»، ثم يعرج ابن الناظم على ذكر أصل علامات البناء الذي كان ينبغي أن يكون على السكون إلا أنه عدل عنه إلى علامات الإعراب، فقال: «الأصل في البناء أن يكون على السكون؛ لأنه أخف من الحركة باعتباره أقرب، فإن منع من البناء على السكون مانع ألجئ إلى البناء بالحركة، وهي فتح، وكسر، وضم.»٨٦
ومن آثار المنطق في التعليل ما نجده عند ابن هشام الأنصاري (٧٦١ﻫ) وذلك حين علل وجوب حذف الفعل مع المنادى بقوله: «وأوجبوا فيه حذف الفعل اكتفاءً بأمرين؛ أحدهما: دلالة قرينة الحال، والثاني: الاستغناء بما جعلوه كالنائب عنه، والقائم مقامه وهو «يا» وأخواتها.»٨٧ وهذا النص حمل علة مركبة أيضًا، إذ أوضح فيه ابن هشام العلة التي دعت إلى حذف الفعل وجوبًا في تركيب النداء، وكلتا العلتين هما من جنس العلل التعليمية إذ سميت الأولى «علة قرينة»، والثانية «علة استغناء».
ومما علل به ابن هشام (٧٦١ﻫ) قول النحاة إن «لو» تفيد امتناع الشرط خاصة، ولا دلالة لها على امتناع الجواب، ولا على ثبوته، ولكنه إن كان مساويًا للشرط في العموم لزم انتفاؤه فقال: «ولكن جوابها إن كان مساويًا للشرط في العموم كما في قولك: لو كانت الشمس طالعةً كان النهار موجودًا، لزم انتفاؤه لأنه يلزم من انتفاء السبب المساوي انتفاء مسببه.»٨٨ وهذه العلة لا يخفى ما فيها من الجدل والمنطق.
أيضًا من مظاهر النزعة المنطقية في التعليل اشتراط النحاة في الحال أن تكون مشتقة متنقلة غير ثابتة، قال سيبويه (١٨٠ﻫ): «هذا باب ما ينتصب من الأسماء التي ليست بصفة، ولا مصادر لأنه حال يقع فيه الأمر فينتصب لأنه مفعول به، وذلك قولك: كلمتُهُ فاهُ إلى فيَّ، وبايعته يدًا بيد كأنه قال: كلمته مشافهة، وبايعته نقدًا، كأنه قال: كلمته في هذه الحال …»٨٩ هذا ما ذهب إليه سيبويه في حمل الحال الجامدة على المشتقة.
وقد علل النحاة المتأخرين ذلك، فقال ابن هشام (٧٦١ﻫ): «وأقسام الحال إحداها: الجامدة غير المؤولة بمشتق نحو: هذا مالك ذهبًا، وهذه جبتك خزًّا، بخلاف نحو: بعته يدًا بيد، فإنه بمعنى: متقابضين، وهو وصف منتقل، وإنما لم يؤول في الأولى؛ لأنها مستعملة في معناها الوضعي، بخلافها في الثانية …»٩٠ وكأن ابن هشام يريد أن يشير إلى أن المجاز له أثر كبير في هذه المسألة، فالكلمة التي بقيت كما هي في أصل الوضع لا يصح تأويلها، وهذه علة يمكن أن نسميها «علة وضع»، وقد تضمن النص علة تعليمية أخرى هي «علة الحمل على المعنى»، وكذلك الكلمة التي يمكن أن تتحول من حقيقة وضعها بالمجاز إلى مشتق عندئذٍ يمكن أن تكون حالًا، حتى إن كان لفظها جامدًا غير مشتق.٩١
أيضًا من مظاهر النزعة المنطقية في التعليل فكرة نصب الاسم الواقع بعد «لكن» الساكنة؛ حيث عد النحاة «لكنَّ» من أخوات «إنَّ» وجعلوا معناها الاستدراك،٩٢ ولكنهم اختلفوا في «لكنْ» الساكنة بم انتصب الاسم الذي بعدها؟ وقد ذهب سيبويه إلى أنها إذا كانت بعد الواو استحالت حرف ابتداء.٩٣
وقد ورد انتصاب الاسم بعدها وهي ساكنة في قوله تعالى: وَلَكِنْ رَسُولَ اللهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ.٩٤ إذ قال ابن هشام الأنصاري (٧٦١ﻫ): «إن التقدير: ولكن كان رسول الله؛ لأنَّ ما بعد «لكن» ليس معطوفًا بها لدخول الواو عليها، ولا بالواو، لأنه مثبت وما قبلها منفي، ولا يعطف بالواو مفرد إلا وهو شريكه في النفي والإثبات، وإذا قدر ما بعد الواو جملة صح تخالفهما كما تقول: ما قام زيد، وقام عمرو.»٩٥
ويُفصِح النص عن أنماط تعليلية يمتزج فيها التعليمي بالجدلي لإظهار حقيقة هذا النمط التركيبي، إذ في النص علتان:
  • (١)

    منع، من أن تكون «لكن» عاطفة ثم تناسل عن هذه العلة علة منع أخرى هي «منع» اجتماع حرفي عطف معًا.

  • (٢)
    مخالفة، في كون عدم صحة العطف بالواو، لمخالفة الكلام الذي قبل «لكن» للذي بعدها من حيث الإثبات والنفي.٩٦
ومن مظاهر النزعة المنطقية في التعليل أيضًا فكرة لزوم النصب للظرف غير؛ حيث قسم نحاة العربية الظروف على نوعين، منها ما كان للزمان، ومنها ما كان للمكان، ثم قسموا تلك الظروف إلى متصرفة، وغير متصرفة، وعندهم أن الظرف المتصرف هو ما استعمل ظرفًا وغير ظرف كيوم ومكان،٩٧ وغير المتصرف هو ما لا يستعمل إلا ظرفًا أو لا، ولا يفارق ظرفيته إلا إلى الجر ﺑ «من»،٩٨ قال سيبويه (١٨٠ﻫ): «ومثل هذا صيد عليك صباحًا ومساء، وعشية، وعشاء إذا أردت عشاء يومك، ومساء ليلتك، لأنهم لم يستعملوه على هذا المعنى إلا ظرفًا، وكذلك سير عليه ليلًا، ونهارًا إذا أردت ليل ليلتك، ونهار نهارك.»٩٩
وقد علل ابن مالك (٦٧٢ﻫ).١٠٠ فقال: «فإن لم يتصرف، أي: الظرف، لزم نصبه.»١٠١ والعلة هنا هي علة عدم تصرف لا تعدو أيضًا كونها علة تعليمية بحتة، قال ابن مالك: «ومما لا يحسن فيه إلا النصب قولهم سير عليه سحر، ولا يكون فيه إلا أن يكون ظرفًا.»١٠٢ وهذه العلة هي من جنس العلل التعليمية التي اصطلح النحاة على تسميتها «علة استحسان».١٠٣
ومن مظاهر النزعة المنطقية في التعليل كذلك فكرة العامل في المبتدأ والخبر؛ حيث وقف النحاة عند علة رفع المبتدأ والخبر، وذهبوا مذاهب شتى في ذلك، ومنهم نحاة القرنين السابع والثامن الهجريين، فقال أبو حيان الأندلسي (٧٤٥ﻫ): «اختلفوا في الرافع للمبتدأ، فمذهب سيبويه،١٠٤ وجمهور البصريين أن الابتداء يرفع المبتدأ، والمبتدأ يرفع الخبر.»١٠٥ وقد خلص أبو حيان إلى أن الذي يختاره هو تعليلهم بأنهما أي: المبتدأ والخبر «يرفع كل منها الآخر.»١٠٦ وهذه العلة التي ذكرها أبو حيان الأندلسي (٧٤٥ﻫ) هي من جنس العلل القياسية التي تبحث في علة العلة.
ونجد ابن هشام الأنصاري (٧٦١ﻫ) يعلل رفع المبتدأ بتعليل مغاير فيقول: «وارتفاع المبتدأ بالابتداء هو التجرد للإسناد، وارتفاع الخبر بالمبتدأ لا بالابتداء، ولا بهما، وعن الكوفيين أنهما ترافعا.»١٠٧ ووجه المغايرة بين ما ذهب إليه أبو حيان الأندلسي (٧٤٥ﻫ)، وابن هشام (٧٦١ﻫ) هو أن أبا حيان اختار مذهب الكوفيين في هذه المسألة في حين اختار ابن هشام مذهب أهل البصرة بكون الابتداء رافعًا للمبتدأ، والمبتدأ رافع للخبر، وهذه العلة تنضوي كذلك تحت العلل الجدلية.
أما ابن الناظم (٦٨٦ﻫ) فقد قال في تعليل رفع المبتدأ إنه «قيل: رافع الجزأين هو الابتداء؛ لأنه اقتضاهما فعمل فيهما، وهو ضعيف؛ لأن أقوى العوامل وهو الفعل لا يعمل رفعين دون إتباع، فما ليس أقوى أولى أن لا يفعل ذلك.»١٠٨
ويفصح نص ابن الناظم عن علة من جنس العلل التعليمية المركبة من علتين، الأولى: هي ما اصطلح النحاة عليها «علة اقتضاء»؛ إذ إن علة كون الابتداء عاملًا في الجزأين هي علة اقتضاء، أي أن الابتداء اقتضى المبتدأ، والمبتدأ اقتضى الخبر، أما الثانية: فهي «علة ضعف» أي: أن هذا التوجيه في رفع المبتدأ والخبر ضعيف، ثم علل ذلك الضعف بحمله على نظيره العامل اللفظي الذي هو الفعل من خلال إجراء مقايسة بين العاملين المعنوي (الابتداء)، واللفظي (الفعل).١٠٩
ومما علل النحاة المتأخرون به قولهم: أقائم أبواه زيد، وقد جيء بالاستفهام هنا لتسويغ الابتداء بالنكرة، وعند بعض النحاة يسد الفاعل مسد الخبر، غير أن أبا حيان الأندلسي ذهب إلى غير ذلك فقال: «فالفاعل فيه غير مُغنٍ عن الخبر، فزيد مبتدأ، وقائم خبر مقدم، وأبواه مرفوع به، وأجاز ابن مالك،١١٠ أن يكون قائم مبتدأ، و«أبواه» مرفوع به، و«زيد» خبر قائم، وهذا المرفوع بالوصف كما ذكرنا مُغنٍ عن الخبر، وذهب بعض النحويين إلى أن خبر هذا الوصف محذوف، ولما قام هذا الوصف مقام الفعل لم يجز تصغيره، ولا وصفه، ولا تعريفه، فلا تقول: القائم أخوك، ولا يجوز تثنيته، ولا جمعه، إلا على لغة؛
أُلفِيَتَا عَينَاكَ عند القفا
أولَى فَأولى لك ذا وَاقِيه

و:

يَلومُونَنِي في اشتراء النخيـ
ـلِ أهلي فكلهُمُ يَعذِلُ١١١
وهي لغة لبني الحارث.»١١٢

وهذا النص يفصح عن جملة من العلل منها «علة افتقار» أي: عدم استغناء الخبر بالفاعل، وهي من جنس العلل التعليمية، والعلة الأخرى هي علة «حمل على الأصل» إذ حمل «قائم» على أصله «قام» لذلك لم يجز فيه كل ما لم يجز في الفعل من جمع، وتصغير، وتثنية.

وفي هذه المسألة كلام للنحاة إذ جاء في شرح المفصل: «واعلم أن قولهم: أقائم الزيدان، إنما أفاد نظرًا إلى المعنى، إذ المعنى أيقوم الزيدان، فتم الكلام به؛ لأنه فعل وفاعل، و«قائم» هنا اسم من جهة اللفظ، وفعل من جهة المعنى، ولو قلت قام الزيدان من غير استفهام لم يجز عند الأكثر، وقد أجازه ابن السراج،١١٣ وهو مذهب سيبويه١١٤ لتضمنه معنى الفعل …».١١٥ غير أنهم أجازوا في نحو قولنا: أقائمان الزيدان … أن يكون «الزيدان» مبتدأ، و«قائمان» خبرًا؛ لأنه كما قالوا: مطابق في الوصف،١١٦ والعلة التي يقدمها الرضي (٦٨٦ﻫ) هنا هي «علة مطابقة» تُعَد من العلل التعليمية، وكذلك تضمَّن النص علة تعليمية أخرى هي «علة الحمل على المعنى».
وقد علل ابن الناظم (٦٨٦ﻫ) ذلك بالقول: «وإن طابقه أي: طابق الوصف ما بعده في غير الإفراد، وهو التثنية، والجمع تعينت خبريته نحو: أقائمان أخواك؟ وأقائمون إخوتك؟ فالوصف فيهن خبر مقدم، والمرفوع بعده مبتدأ مؤخر، ولا يجوز أن يكون الوصف فيهن مبتدأ، والمرفوع فاعلًا سد مسد الخبر؛ لأن الوصف إذا رفع ظاهرًا كان حكمه حكم الفعل في لزوم الإفراد على اللغة الفصحى … وإن طابقه، أي: الوصف ما بعده في الإفراد … احتملها أي: الابتدائية والخبرية على السماع نحو: أقائم أخوك؟ وأقائمة أختك؟»١١٧ والنص يفصح عن نمطين من العلل هما:
  • (١)

    علة مطابقة، وهي علة لفظية تعليمية (أولية) بالدرجة الأساس.

  • (٢)
    علة منع، في عدم تجويز أن يسد الفاعل مسد الخبر، ثم علل هذا التعليل بتعليل آخر هو كون الوصف إذا أخذ رفعًا ظاهرًا عومل معاملة، افعل وكأن المراد أن الوصف الاسميَّ يرد إلى أصليته الفعلية، وبذلك تخرج هذه العلة إلى نمط العلل الجدلية.١١٨

(٣) العوامل

تُعَد فكرة العامل من مظاهر تأثر النحو بالمنطق والكلام وسائر العلوم الفلسفية، وأساس هذه الفكرة قائم على أنه لا بد من مُحدِث لكل حادث، ومؤثِّر لكل أثر، وبالتالي فإنه لا بد له من عامل لكل معمول في عمل، وأن العوامل جميعًا تجري مجري المؤثرات الحقيقية، وهكذا أصبح العامل خاضعًا لتفسيرات فلسفية امتزجت بالفهم اللغوي. لذا كان العامل الفلسفي متقدمًا على غيره من العوامل عند الدارسين؛ لأنه شاع وانتشر في كتب النحاة ومصنفاتهم قبل غيره؛ حيث يقول بعض الباحثين في العامل الفلسفي: «وهو العامل الذي اقتبسه النحاة من كلام المتكلمين في العلة، وقد بدأ البصريون كلامهم فيه؛ لأن منهج المتكلمين طغى على الدراسات المختلفة إذ ذاك فاقتبس منه الدارسون منهجهم.»١١٩
ومن هنا جرى جمهور النحاة على القول بالعامل ظاهرًا ومقدرًا وأجروا عليه بحوثهم، وأقاموا عليه آراءهم، وأكدوا أثره في اختلاف الحركات الإعرابية، واحتلت قضية العامل المنزلة الأولى في الدرس النحوي التقليدي حتى أوشك أن يُطلَق، ويراد به النحو كله، بل لقد أُلِّفت في عصور متعاقبة كتب لم تقتصر عليه بل شملت معه غيره من مسائل النحو وقضاياه، ولكنها سميت باسمه تغليبًا مثل كتاب العوامل «المائة» لأبي علي الفارسي، وكتاب «العوامل المائة في النحو» لعبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة ٤٧٤ﻫ، وكتاب «عوامل البيركلي» لمحمد بن بير علي الشهير ببيركلي المتوفى سنة ٩٨١ﻫ.١٢٠
ولقد أسرف النحاة في استعمال العامل، وفيما أحاطوه به من البحوث الكثيرة التي أداروها على ظهوره وتقديره، وعلى تعداد العوامل وأنواعها، وعلى ذكر ما قد يعرض لها من العلل أو يحدث لها من الخلل، وعلى الإعمال والإلغاء والتأويل، وتبادل العوامل والمعمول للعمل، وتعدوا في كل ذلك ونحوه قواعدهم، وقننوا قوانينهم فقالوا على سبيل المثال: «لا يجتمع عاملان على معمول واحد.» فأدى هذا القانون إلى وجود ما أسموه في النحو «باب التنازع»، وقالوا أيضًا: «للعامل الصدارة والتقدم إلا إذا كان قويًّا فإنه يعمل متقدمًا ومتأخرًا.» وقالوا كذلك: «قد يعمل العامل في المحل ولا أثر لعمله في اللفظ.» وقد ترتب على هاتين القاعدتين أحكام نحوية متشعبة في أكثر مسائل النحو.١٢١
وقد ارتبطت فكرة العامل في الأساس بقضية الإعراب على اعتبار أن الحركات الإعرابية آثار، وأن العوامل مؤثرات، ثم تشعبت البحوث الدائرة حول هذه وتلك، فذهب النحاة إلى القول بوجود عوامل لفظية هي تلك التي تحدث الرفع، وإنه قد يحدث الرفع بعوامل لفظية أيضًا، وأمعنوا في إقامة العامل في كل شيء، ولكل شيء حتى إنهم وضعوا لبحوثهم عناوين تؤكد مقولة العامل ودوره الأساسي في كل بحوثهم النحوية فقالوا مثلًا: باب كان وأخواتها، وباب نواصب الفعل المضارع، وغير ذلك، وظهر ذهابهم في الأمر بعيدًا فيما نراه في بحوثهم من الأقوال الكثيرة التي تتردد فيها ألفاظ الإضمار الجائز والإضمار الواجب والحذف والتقدير ونحو ذلك مما أبعد الشقة بينهم وبين الفطرة اللغوية الأولى التي ظهرت في كلام العرب الخُلَّص الذين يحتج بأقوالهم، والذين أخذ النحاة عنهم هذه الأقوال وأقاموا عليها قواعدهم وأصولهم، وهي أقوال سليقة لم يكن يعرف أصحابها شيئًا عن الرافع والناصب والجار والجازم، ولا عن العوامل اللفظية أو المعنوية التي تحدث الآثار الإعرابية على أواخر الكلمات على حد قول أهل الصناعة النحوية.١٢٢
بل لقد أفرط متأخرو النحاة في قضية العامل، كما أفرطوا في غيرها من القضايا المصطبغة بصبغة المنطق والفلسفة، وخرجوا بهذا الإفراط عن خط فريق كبير من أوائل النحاة ومقدميهم من الرواد الذين رأوا أن النحو بالدرجة الأولى وسيلة لحفظ الكلام العربي من الفساد باللحن، ولصيانة مبناه من الخلل، وليس معرضًا للمقولات العقلية المجردة ونحوها، فضلًا عن خروجهم عن السليقة العربية لأهل الفطرة الأولى ممن يحتج بأقوالهم على ما ذكرنا.١٢٣
وقد رأى بعض الباحثين أن إيغال النحاة ومبالغاتهم في الأخذ بالعامل الذي أفضى إلى احتكامهم له في أغلب أبواب النحو وتقسيماته؛ راجع إلى التأثر بالفلسفة التي كانت شائعة بين المتأخرين منهم.١٢٤
ولقد اعتمد النحاة المتأخرون، ولا سيما في عصور المماليك، بالكلية الأخذَ بالعوامل النحوية واعتبروها الموجدة لحركات الإعراب مع إلغاء دور المتكلم نفسه، وأدى بهم ذلك إلى تداول التخرج والتأويل والحذف والتقدير بكثرة بالغة، فاتسعت لذلك خلافاتهم وتزايدت، وعقدوا دراساتهم وأغربوا في مسائلهم وملئوها بالعوامل الظاهرة والمقدرة، والعوامل اللفظية والمعنوية، والعوامل الفعلية والعوامل الاسمية الجامدة والمشتقة وغير ذلك.١٢٥
ومن نماذج أخذ النحاة المتأخرين بفكرة العامل والتزامهم بها في فروعهم النحوية:
  • (١)
    اهتم ابن النحاس بفكرة العامل، وكانت له آراء مستقلة، عما أشار إليه النحاة السابقون عليه، ومن الأمور التي تفرد بها أنه سمى الأدوات العاملة «حروفًا» حروفًا كانت أم أفعالًا أم أسماء، ولذلك سمى «كان وأخواتها»: «باب الحروف التي ترفع الأسماء وتنصب الأخبار» وهي: كان، وصار، وظل، وبات، وأمسى، وأصبح، ولم يزل، ولا يزال، وما زال، وما دام، وما انفك «ففي هذه التسمية دليل على أنه يقصد ﺑ «الحروف» الأدوات العاملة، وهي هنا أفعال، وفي هذه الأبواب أداتان أدخلهما فيها وهما: «لم يزل ولا يزال» على عادته في عد الأداة الأصلية مسبوقة بتعليل أو نحوه ومتلوة بنفي أداة جديدة، وعد هنا مجيء «لم» و«لا» قبل «يزال» أداتين جديدتين، وكان التقسيم يقتضيه أن يدخل فيها «لن يزال» و«زال» في الدعاء، ولعله سها عنهما.١٢٦
  • (٢)
    ناقش ابن هشام قضية العامل في أمور كثيرة في شروحاته، ومن ذلك مثلًا حديثه عن المرفوعات: «بدأت من المرفوعات بالفاعل لأمرين، أحدهما أن عامله لفظي، وهو الفعل أو شبهه، بخلاف المبتدأ فإن عامله معنوي وهو الابتداء، والعامل اللفظي أقوى من العامل المعنوي، تقول في زيد قائم، كان زيد قائمًا، وإن زيدًا قائم، وظننت زيدًا قائمًا، ولما بينت أن عامل الفاعل أقوى كان الفاعل أقوى، والأقوى مقدم على الأضعف.»١٢٧
  • (٣)

    قول ابن مالك:

    بفعله المصدر ألحق في العمل
    مضافًا أو مجردًا أو مع أل١٢٨

    وقوله أيضًا:

    كفعله اسم فاعل في العمل
    إن كان عن مضيه بمعزل١٢٩
    ومثال آخر يتعلق بالعامل في «أيِّ»؛ حيث يرى ابن مالك أن الذي في «أي» من تضمُّن معنى حرف الاستفهام معارض يشبهها ﺑ «كل»، و«بعض» وبشبه «أي» الموصوف بها في نحو «مررت برجل أي رجل» ومعارض بالإضافة القياسية، وهي الإضافة إلى المفردات دون لزوم في اللفظ، فاستحقت بذلك التفضيل على أخواتها فأعربت، وعوملت في إضافتها معاملة «كل» و«بعض» لوقوعها موقعهما. مثال الإضافة لفظًا: «أي القوم لقيت؟» وتقديرًا:١٣٠ «بأي مررت؟» كما يقال: «مررت بكلهم وبكل»، و«ببعضهم وببعض» وهي ﮐ «بعض» عند الإضافة إلى معرفة وﮐ «كل» عند الإضافة إلى نكرة.١٣١
  • (٤)
    العامل مؤثر حقيقة، إنه سبب وعلة للعمل، وهذا مشهور وشائع في النحو عند المتأخرين، ويوضح هذا ما يقوله الصبان تعليقًا على ما نقله الأشموني عن شرح التسهيل من أن: «الإعراب ما جيء به لبيان مقتضى العامل «فالعامل» كجاء ورأى والباء «والمقتضى» الفاعلية والمفعولية والإضافة «والإعراب الذي يبين هذا المقتضى» الرفع والنصب والجر، فهذا التعريف يقتضي اطراد الثلاثة.»١٣٢
  • (٥)
    ذهب ابن الناظم إلى أن الخبر في نحو: ضربي العبد مسيئًا، محذوف مقدرًا ﺑ إذا كان، وفاقًا لجمهور البصريين وكان عنده تامة لا ناقصة وذهب أبوه إلى أن الخبر في المثال المذكور، محذوف مقدر بمصدر مضاف لا زمان مضاف لفعله وفاقًا للأخفش، إن كلًّا من ابن الناظم وأبيه انطلق في مبايعته المتقدمين من نظرية العامل؛ لأن الحال عندهم جميعًا فضلة لا يصلح أن يسند إليها المبتدأ وأن يخبر بها عنه، فلذلك قرروا ليتدرج المثال تحت أصولهم الفعلية، وأقول إذا كانت الحال فضلة فقد يمكن حذفها ولا يختل المعنى.١٣٣
  • (٦)
    بنى السيوطي معظم أبواب النحو في كتبه على نظرية العامل بحيث يرد ذكره في كل مسألة إلا ما شذ، ولكثرته لا يحتاج إلى تمثيل، ونكتفي بأمثلة قليلة منها قوله في تعليلهم قولهم: المبتدأ أصل المرفوعات «ووجهه أنه مبدوء في الكلام … وأنه عامل ومعمول، والفاعل معمول لا غير»، وقوله متحدثًا عن رافع المبتدأ والخبر: «في رافع المبتدأ والخبر أقوال فالجمهور وسيبويه على أن رافع المبتدأ هو الابتداء؛ لأنه بُني عليه، ورافع الخبر المبتدأ؛ لأنه مبني عليه، فارتفع به كما ارتفع هو بالابتداء … وقيل تجرده من العوامل اللفظية أي كونه معرى منها …»١٣٤
هذه هي بعض النماذج والأمثلة الدالة على استخدام النحاة المتأخرين لنظرية العامل، وهي إن دلت على شيء فإنما تدل على اندفاع هؤلاء النحاة إلى الاستفادة من الفلسفة والمنطق اليونانيين، فانتهت دراسة العامل إلى أن يُضفَى عليها صفة العلة الفلسفية، ذلك لأن العلة هي الدعامة التي يقوم عليها القياس النحوي والمنطق وما نظرية العامل النحوية إلا وليدة مبدأ العلية الفلسفي.١٣٥
ولا شك أن هذا الأمر أدى إلى فساد نظرية العامل وانحرافها عن مسارها الصحيح الذي رسمه الأوائل لها. فارتباط العامل بالعلامة الإعرابية أدى إلى تفريغه من أبعاده اللغوية الذي كان منطويًا عليها وبدل أن يهتم النحاة المتأخرون بدراسة التأثيرات التي ينتجها العامل داخل التركيب أصبحوا يهتمون بدراسته على أنه عنصر خلق وإحداث وكسب، وأنه يؤثر كما تؤثر المؤثرات التي تؤثر بنفسها، وقد قسمت العوامل وفق هذا الفهم على قسمين: منظورة وغير منظورة، فإذا ظهر العامل ظهر المعمول، وإذا لم يظهر العامل تحايل النحاة على إيجاده، أو تقديره حسب ما يقتضيه الكلام، فكان تقسيم آخر للعوامل، وهي اللفظية والمعنوية. فاللفظية ما ظهر لها وجود في الخط واللفظ، والمعنوية ما غابت وظهر أثرها دون أن تظهر خطًّا، ويبدو أن غياب العامل في ما كان معنويًّا قد شغل بالهم كثيرًا فراحوا يتلمسون الحجج لوجوده فكانت في أغلبها بعيدة عن روح اللغة قريبة من الفلاسفة.١٣٦

(٤) رابعًا: القياس

اهتم النحاة العرب بالقياس نتيجة تصورهم لفكرة الأصل والفرع في النحو، وجعلوه منهجًا يقابل السماع، وقد فتنوا به حتى قال الكسائي:

إنما النحو قياس يتبع
وبه في أمر ينتفع١٣٧
وهو في عرف علماء النحو عبارة عن تقدير الفرع بحكم الأصل، وعرفه ابن الأنباري قائلًا: «هو حمل غير المنقول على المنقول إذا كان في معناه،١٣٨ وحمل غير المنقول على المنقول معناه قياس الأمثلة على القاعدة، وذلك أن المنقول المطرد يعتمد قاعدة، ثم يقاس عليها غيرها.» وقيل: «حمل فرع على أصل، وإجراء حكم الأصل على الفرع.» وقيل: «هو إلحاق الفرع بالأصل بجامع، وقيل اعتبار الشيء بالشيء بجامع، وهذه الحدود كلها متقاربة، ولا بد لكل قياس من أربعة أركان: أصل، وفرع، وعلة، وحكم، أو مقيس عليه، ومقيس، وعلة، وحكم.»١٣٩
وهكذا انطلق جمهور النحاة مقتنعين بضرورة إجراء القياس على الكلام العربي ومذهبهم «ما قيس على كلام العرب فهو من كلام العرب»، وكان لابن أبي إسحاق الحضرمي (ت١١٧ﻫ)، مواقف مشهورة في تاريخ النحو العربي، اعترض فيها على شعر بعض الذين خرجوا عن القياس، ولذلك قال عنه بعض المؤرخين بأنَّه أوَّلُ «من بعَجَ النحو ومدَّ القياس»،١٤٠ وهو الذي قال ليونس بن حبيب (١٨٢ﻫ) «عليك ببابٍ من النحو يطَّردُ وينقاسُ»،١٤١ وقد قيل إن النحو كان قبل ابن أبي إسحاق يعتمد على السماع في مجمل قضاياه، وكان مستغلقًا فبعجه، وفتح فيه باب القياس، وهو البحث عن اطراد الظاهرة النحوية.

ومن هذا المنطلق فُتِن النحاة بالقياس، وتمسكوا به أشد التمسك، فيقول ابن جني: «مسألة واحدة من القياس أنبل وأنبه من كتاب لغة عند عيون الناس.» وقال أستاذه أبو علي الفارسي: «أُخطِئ في خمسين مسألة في اللغة، ولا أخطئ في واحدة من القياس» وكذلك اهتم المتأخرون من النحاة والأصوليون، ورأوا أن لا نحو من دون القياس، وفي هذا الصدد يقول ابن الأنباري: «اعلم أن إنكار القياس في النحو لا يتحقق؛ لأن النحو كله قياس.»

ويبدو أن القياس النحوي يتسع لمفهومين: (١) حمل غير المنقول على المنقول، (٢) تقدير الفرع بحكم الأصل. فالأول إجراء المستحدث مجرى ما سمع من كلام العرب، فهو ضرب من التطوُّر والتعميم، والثاني في البحث عن مجالات التعليل بين الأصول والفروع، وهما متقاربان إلى حدٍّ ما، ولكنهما يختلفان بحسب الحالات التي يستعملان فيها، ويمكن أن يبوبا كالآتي: قياس يفضي إلى التعميم، وقياس يفضي إلى التعليل. فأما قياس التعميم، فيقوم على مبدأ المقارنة بالتبويب على أساس الجمع بين المتشابهات، ولهذا النوع من القياس ثلاث مراحل: المقارنة، والتبويب، والتعميم، والتعميم أهم مرحلة من مراحله، لأنه ثمرة منهج القياس ونتيجته، وهذا الضرب من القياس ضروري لجميع الظواهر اللغوية، من أصوات، وصيغ، وتراكيب، ولعل أشدها ضرورة ما يتعلق بالمسائل النحوية التركيبية لأنها أكثر دقة وتشعبًا.١٤٢
يقوم اللغوي باستقراء النصوص المحدودة فيصنفها، ويبوبها، ويستنتج منها قوانين اللغة في الأصوات والأوزان والصيغ والتراكيب، ومظاهر التقديم والتأخير، والحذف والزيادة، وبذلك نتمكن من معرفة ما هو واجب فيها، وما هو جائز، وما هو ممتنع. فهذه هي القواعد الكلية التي تنظم الكلام، وهذا الضرب من القياس كان له شأن عظيم عند العرب، فليس هو في الحقيقة سوى مظهر منهجي يستخدم في علوم الملاحظة التي تقوم على الاستقراء والاستنتاج، إذ لا يمكن حصر جميع المعطيات في قواعد محدودة.١٤٣
إن قياس التعميم أداة وصف، وفي الوقت ذاته أداة تعميم، فهو وصف لمادة لغوية محدودة، وتعميم للمبادئ التي تقوم عليها. إنه وسيلة خلق وتوليد، ولم يحصر العرب القياس في هذا المجال اللغوي البحت، بل وسعوا نظامه وأخضعوه لشروط متعددة وصارمة جعلته يتجه اتجاهات غير لغوية، وذلك نتيجة للتأثر بالمنطق ابتداء من القرن الثالث للهجرة عندما أصبح النحو ميدان تنافس، ومجال مناظرات، ومحل مماحكات، فصارت تلك المناظرات العلمية رياضة ذهنية يتبارى فيها العلماء بقوة الجدل وشدة البناء المنطقي، وليس بقوة الحجة، وشدة البناء اللغوي، ومن هنا صارت الغلبة في كثير من المواقف لغير الدليل اللغوي بل للجدل المنطقي.١٤٤
أخذ النحاة من المنطق أدواته، وصار منهجهم المنطقي غاية عندهم، وكان مما ساعد على انتشار المبادئ المنطقية بين اللغويين ذلك النزوع العلمي الذي نشأ بين نحاة البصرة ونحاة الكوفة؛ حيث تغلغل القياس في فكرهم، فانبرى كل فريق يبحث عن الوسيلة المثلى للتغلب على الفريق الآخر بأية حجة، ولو كانت غير لغوية، فيحاول ما استطاع البرهنة على ضعف موقف خصومه، ويجِدُّ في البحث على أدنى دليل، ولو كان مصنوعًا، ليدحض به حجة الطرف الآخر، وفي غمرة هذه المنافسة والملاحظة يلجأ كِلا الفريقين إلى استعمال النوع الأول من القياس، ويعممه على كل النصوص، ولكنه يصبح غير كافٍ إذا اشتد النقاش، واحتدم الحوار، وتعارضت الأدلة، فيكون من الضروري اللجوء إلى النوع الثاني، وهو قياس التعليل.١٤٥
وهذا القياس الأخير يبحث عن علة الظواهر اللغوية، بخلاف الأول الذي يرمي إلى التعميم للظواهر اللغوية، وللفرق بين القياسين نسوق المثال التالي: «دخول اللام في خبر «لكن»، فقد ذهب الكوفيون إلى أنه يجوز دخول اللام في خبر «لكن»، كما جاز في خبر «إن» نحو ما قام زيد لكن عمرًا لقائم، وذهب البصريون إلى أنه لا يجوز دخول اللام في خبر «لكن».»١٤٦ واحتج الكوفيون لمذهبهم بالنقل والقياس. أما النقل فقد جاء عن العرب إدخال اللام على خبرها في قول الشاعر (مجهول):
يلُومُونني في حُب ليلي عواذلي
ولكنَّني من حُبها لعميدُ
وأما القياس فلأن الأصل في «لكن»: «لا + ﮐ + إن» فصارت جميعها حرفًا واحدًا، ورُد البيت للجهل بقائله ولشذوذه فلا يؤخذ بمثله. إن هذا البيت لا يكاد يُعرف له نظير في كلام العرب، ولو كان قياسًا مطردًا لكان ينبغي أن يكثر في كلامهم وأشعارهم كما جاء في خبر «إن»، ولكن للاستدراك، واللام للتوكيد – والتوكيد في البيت غير مراد، والأصل ألا يزاد شيء إلا لمعنى.١٤٧
وهذا القياس الذي قام به الكوفيون، وأجروه بين «لكن وإن» هو افتراض وليس فيه استعمال، وإنما هو صورة ذهنية ترضي المنطق، ولا ترضي اللغة، وهذا من قياس التعليل.١٤٨ وهذا الضرب من القياس شابه شيئًا من استعمال المنطق، ومن أمثلته في النحو «لا» النافية للجنس:
  • المقدمة الكبرى: كل اسم مركب تركيب مزج يبنى على فتح جزأيه.
  • المقدمة الصغرى: لا واسمها مركبان تركيب مزج.
  • النتيجة: لا واسمها مبنيان على فتح الجزأين.

ولقد استمرت مسيرة القياس المنطقي في الدرس النحوي تتصاعد، وتتفاعل، وتنمو، وتشتد، حتى امتلأت كتب النحو بألوان الأقيسة وأنواعها، وكان لكل نحوي منها نصيب، وأجرى كثيرون من النحاة أقيستهم الخاصة بهم التي خالفوا بها أقيسة الآخرين، وفيما يلي نماذج لبعض أقيسة النحويين المتأخرين التي جرت بها أقلامهم، وحوتها كتبهم وتصانيفهم ليُصَار من خلالها إلى تصور ما كانت عليه أوائل الأقيسة، ثم معرفة المدى الذي وصلت إليه هذه الأقيسة فيما بعد من التأثر بالمنطق ومصطلحاته وبالفلسفة ومناهجها:

  • (١)
    قرر النحاة أن وزن «فَعْل» يكون قياس مصدر الفعل الثلاثي المتعدي كرد ردًّا، وذهب سيبويه والأخفش إلى أن المراد بالقياس هنا أنه إذا ورد شيء من هذه الأفعال الثلاثية المتعدية ولم يعلم كيف تكلم العرب بمصدره، فإنك تقيسه على هذا، لا أنك تقيس مع وجود السماع، أما الفراء، فقد ذهب إلى أنه يجوز القياس عليه وإن سمع غيره، وحكى السيوطي في الهمع عن بعضهم أنه قال: لا تدرك مصادر الأفعال الثلاثية إلا بالسماع فلا يقاس على فعل ولو عدم السماع.١٤٩
  • (٢)
    ذهب ابن مالك إلى أن ارتفاع الظاهر بأفعل التفضيل لم يُسمَع من العرب إلا بعد نفي، وأنه لا بأس باستعماله بعد نهي أو استفهام فيه معنى النفي، كقولك: لا يكن غيرك أحب إليه الخير منه إليك، وهل في الناس رجل أحق به الحمد منه بمحسن لا يمن.١٥٠
  • (٣)
    أجاز ابن مالك تأكيد الضمير المنفصل مطلقًا مرفوعًا كان، أو منصوبًا، أو مجرورًا بضمير الرفع المنفصل نحو: قمت أنا، ورأيتك أنت، ومررت بك أنت، وزيد جاء هو، ورأيتني أنا، أما إذا اتبع المتصل المنصوب بمنفصل منصوب نحو رأيتك إياك، فمذهب البصريين أنه بدل، ومذهب الكوفيين أنه توكيد، وقد رجح ابن مالك رأى الكوفيين، بناء على أن نسبة المنصوب المنفصل من المنصوب المتصل، كنسبة المرفوع المنفصل من المرفوع المتصل في نحو: فعلت أنت، والمرفوع تأكيد بإجماع.١٥١ ومن الواضح أن ابن مالك بنى الحكم على القياس وحده دون سماع.
  • (٤)
    ومما بُنِي فيه الحكم على القياس وحده ترخيم المركب المزجي، فالمنقول أن العرب لم ترخمه، وإنما أجاز ذلك النحويون قياسًا على ما فيه تاء التأنيث الذي سمع عن العرب ترخيمه، والعلة في القياس أن الجزء الثاني يشبه تاء التأنيث من وجوه: فتح ما قبله غالبًا، واحترز بغالبًا عن نحو معديكرب، وحذفه في النسب، وتصغير صدره، كما أن تاء التأنيث كذلك.١٥٢
  • (٥)
    مما حاد عن القياس في باب التصغير لمخالفته السماع قولهم في المغرب مغيربان، وفي العشاء عشيان، وفي عشية عشيشية، وفي إنسان أنيسيان، وفي بنون أبينون، وفي ليلة لييلية، وفي رجل رويجل، وفي صِبْية بكسر الصاد وسكون الموحدة جمع صبي أصيبية، وفي غِلمة بكسر الغين المعجمة وسكون اللام جمع غلام أغيلمة، فهذه الألفاظ مما استُغنِي فيها بتصغير مهمل عن تصغير مستعمل، أي فمغيربان وما بعده كأنه تصغير مغربان، وعشان، وعشَّاه بتشديد الشين، وأنسيان، وليلاة، وراجل، وأصبية، وأغلمة، وأبنون، ومما حاد عن القياس في باب التكسير لمخالفته السماع فجاء على غير لفظ واحد قولهم رهط وأراهط، وباطيل وأباطيل، وقطيع وأقاطيع، فهذه جموع لواحد مهمل استغني به عن جمع المستعمل، وهكذا رأى النحاة أن ما خالف المسموع في بابي التصغير والتكسير كان حائدًا عن القياس خارجًا عن سنته، أي شاذًّا يحفظ ولا يقاس عليه، والقياس في تصغير المغرب مغيرب، وفي العشاء عشية، وفي عَشِية عُشَيَّة يحذف إحدى الياءين من عشية لتوالي الأمثال، وإدغام ياء التصغير في الأخرى والأصل عشيية بثلاث ياءات، وفي إنسان أنيسين إن اعتبر جمعه على أناسين وأنيسان إن لم يعتبر، وفي بنون بنيون، وفي ليلة لييلة، وفي رجل رجيل، وفي صِبْيَة صُبَيَّة، وفي غِلمة غُلَيمَة، والقياس في تكسير رهط رُهُوط، وفي باطل بواطل، وفي حديث أحدِثَة وحُدُث وأحاديث، وكذا كُرَّاع بضم الكاف وهو مستدق الساق، وقطيع بفتح القاف، وفي عَروض بفتح العين عرائض.١٥٣
من كل ما سبق يتضح لنا كيف آل القياس النحوي على أيدي متأخري النحاة في عصور المماليك، وخلال العصور العثمانية إلى الجمود، واكتفوا بتداول ما ورثوه فيه عن السابقين، وتوقفوا عن الاجتهاد فيه والإضافة إليه، لما كان عليه حال جمهورهم من ضعف الاجتهاد، وكثرة التقليد، ولانعدام السليقة اللغوية عند أكثرهم، وفقدان الروح الفطرية في جل مؤلفاتهم، وما كان مبتكرًا من أقيستهم، وهو قليل كانت مقاييسه قائمة على المنطق اليوناني الصوري ومناهجه متأثرة بالمنهج الأرسطي.١٥٤

وقد تسلم النحاة المعاصرون هذا الإرث على هذا الشكل، فبدءوا يعالجون قضايا النحو المنطقي، وفي مقدمتها قضية القياس في النحو معالجات تفاوتت في القوة والضعف، وفي الكمال والنقص، وفي التأثير وعدمه، واندرجت هذه المعالجات تحت ما سمي بدعوات تجديد النحو أو تيسيره.

١  السراج: الأصول، ج١، ص٣٦.
٢  الزَّجَّاجي: الإيضاح في علل النحو، ص٤٨.
٣  جنان التميمي: الحدود النحوية في التراث (كتاب التعريفات للجرجاني أنموذجًا)، ص١٠٣.
٤  نفس المرجع، ص٨٩-٩٠.
٥  د. عبد الكريم الأسعد: بين النحو والمنطق وعلوم الشريعة، ص٢١٥.
٦  د. عبد العال سالم مكرم: جلال الدين السيوطي وأثره في الدراسات اللغوية، مؤسسة الرسالة، بيروت، ١٩٨٩م، ص١٣٥.
٧  جلال الدين السيوطي: صون المنطق والكلام عن فني المنطق والكلام، الجزء الأول، ص١٦.
٨  جلال الدين السيوطي: كتاب همع الهوامع في شرح جميع الجوامع في علم العربية، ج١، ص١٣.
٩  نفس المصدر، ج١، ص١٥٩.
١٠  نفس المصدر، ج١، ص١٢.
١١  أماني عبد الرحيم عبد الله حلواني: الشيخ خالد الأزهري وجهوده النحوية، رسالة ماجستير غير منشورة بكلية التربية بمكة المكرمة، السعودية، ١٤٠٤ﻫ، ص٢٥.
١٢  نفس المرجع، ص٢٦.
١٣  محمود نجيب: شروح الألفية مناهجها والخلاف فيها، رسالة دكتوراه غير منشورة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، جامعة حلب، ١٩٩٩م، ص أ-ب.
١٤  د. عبد الكريم الأسعد: بين النحو والمنطق وعلوم الشريعة، ص١١٤.
١٥  نفس المرجع، ص٩٧.
١٦  منطق أرسطو، ٣ / ٦٨٠.
١٧  نفس المصدر، ٢٠ / ٤٠٨.
١٨  نفس المصدر، ٢ / ٦٢٤.
١٩  نفس المصدر، ٢ / ٦٢٥.
٢٠  ابن هشام (عبد الله بن يوسف): مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ج١، المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، ١٩٩٢م، ص١٤؛ وينظر: ماجد شتوي دخيل الله القريات: أساليب تعريف المصطلح النحوي، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة آل البيت، العراق، ص٢٩.
٢١  على فودة نيل: نفس المرجع، ص٣٨٢-٣٨٣؛ وينظر: نفس المرجع، ص٣٠.
٢٢  ابن هشام: مغني اللبيب عن كتب الأعاريب، ج١، ص١١-١٢.
٢٣  ابن هشام: نفس المصدر، ج١، ص١١٦.
٢٤  ابن هشام: نفس المصدر، ج١، ص١١٧، وينظر: ماجد شتوي دخيل الله القريات: نفس المرجع، ص٣٠.
٢٥  ابن هشام: نفسه، ج١، ص٣١٤؛ وينظر أيضًا: ماجد شتوي دخيل الله القريات: نفس المرجع، ص٣٠.
٢٦  ابن هشام: نفسه، ج١، ص١١٧؛ وينظر أيضًا: ماجد شتوي دخيل الله القريات: نفس المرجع، ص٣١.
٢٧  ابن هشام: نفسه، ج١، ص١١٧؛ وينظر أيضًا: ماجد شتوي دخيل الله القريات: نفس المرجع، ص٣١.
٢٨  ابن هشام: نفسه، ج١، ص٢٨٤–٣٠٠؛ وينظر أيضًا: ماجد شتوي دخيل الله القريات: نفس المرجع، ص٣١.
٢٩  ابن هشام: أوضح المسالك على ألفية ابن مالك، تحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، ط٦، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ١٩٦٦م، ص٧٨؛ وينظر أيضًا: ماجد شتوي دخيل الله القريات: نفس المرجع، ص٣١.
٣٠  ابن هشام: نفس المصدر، ج٢، ص٧٩؛ وينظر أيضًا: ماجد شتوي دخيل الله القريات: نفس المرجع، ص٣١.
٣١  د. سامي عوض: ابن هشام النحوي بيئته وفكره ومؤلفاته ومنهجه ومكانته في النحو، طلاس للدراسات والترجمة والنشر، ط١، سوريا، ١٩٨٧م، ص١٠٨-١٠٩.
٣٢  ابن هشام: مغني اللبيب، ج١، ص٢٢٠-٢٢١؛ وينظر أيضًا: د. سامي عوض: ابن هشام النحوي بيئته وفكره ومؤلفاته ومنهجه ومكانته في النحو، طلاس للدراسات والترجمة والنشر، ط١، سوريا، ١٩٨٧م، ص١٠٨-١٠٩.
٣٣  د. سامي عوض: نفس المرجع، ص١٠٨-١٠٩.
٣٤  ابن هشام: مغني اللبيب، ج١، ص٢٢٠-٢٢١؛ وينظر أيضًا: د. سامي عوض: نفس المرجع، ص١٠٨-١٠٩.
٣٥  ابن هشام: مغني اللبيب، ج١، ص٥٢؛ وينظر أيضًا: د. سامي عوض: نفس المرجع، ص١٠٨-١٠٩.
٣٦  ابن هشام: مغني اللبيب، ج١، ص٢٢٠-٢٢١؛ د. سامي عوض: نفس المرجع، ص١٠٨-١٠٩.
٣٧  ماجد شتوي دخيل الله القريات: أساليب تعريف المصطلح النحوي، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، جامعة آل البيت، العراق، ص٣٢.
٣٨  نفس المرجع، ص٣٢.
٣٩  نفس المرجع، ص٣٣.
٤٠  نفس المرجع، ص٣٢.
٤١  نفس المرجع، ص٣٢.
٤٢  نفس المرجع، ص٣٢.
٤٣  الصبان: حاشية الصبان، ج٢، دار إحياء الكتب العربية، مصر، بدون تاريخ، ص٢٢؛ وينظر أيضًا: ماجد شتوي دخيل الله القريات: نفسه، ص٣٢.
٤٤  المقري (أحمد بن محمد التلمساني): نفح الطيب من غصن الأندلس الرطيب، تحقيق محيي الدين عبد الحميد، دار الكتاب العربي، بيروت، بدون تاريخ، ج٢، ص٤٣٣.
٤٥  نجاة محمد إبراهيم: منهج ابن الناظم ومذهبه النحوي من خلال شرحه على ألفية ابن مالك، رسالة ماجستير غير منشورة بكلية التربية، جامعة أم درمان، ٢٠٠٥م، ص٢٣.
٤٦  د. عبد الكريم الأسعد: الوسيط في تاريخ النحو، ط١، دار الشروق للنشر والتوزيع، السعودية، ١٩٩٢م.
٤٧  يُعَد شرح ابن الناظم للألفية من أعقد شروحها لامتزاجه بالفلسفة والمنطق.
٤٨  كارل بروكلمان: تاريخ الأدب العربي، ج٥، ص٢٧٨.
٤٩  ابن الناظم: شرح ألفية ابن مالك، تحقيق عبد الحميد السيد محمد عبد الحميد، دار الجيل، بيروت، ١٩٩٨م، ص٢١.
٥٠  نفس المصدر، ص٢١.
٥١  نفس المصدر، ص٢١.
٥٢  نفس المصدر، ص٢١.
٥٣  ابن الحاجب (عثمان بن عمر): الكافية (ضمن مجموعة مهمات المتون)، ط٣، مصطفى البابي الحلبي وأولاده، مصر، ١٣٥٣ﻫ/١٩٣٤م، ص٣٨١.
٥٤  مثنى يوسف حمادة أمين: العلة النحوية في القرنين السابع والثامن الهجريين، رسالة دكتوراه غير منشورة، الجامعة المستنصرية - كلية الآداب، ص: ح.
٥٥  د. على سامي النشار: مناهج البحث عند مفكري الإسلام، ص١٥٦.
٥٦  منطق أرسطو ٢ / ٣٢٩.
٥٧  نفس المصدر، ٢ / ٣٥٣-٣٥٤.
٥٨  منطق أرسطو ٢ / ٤٣٠-٤٣١، وللمزيد من التفصيل ينظر: المصدر السابق، ص٥٣٣.
٥٩  يوسف كرم: الفلسفة اليونانية، ص٤٣٨.
٦٠  رسائل الكندي الفلسفية «في حدود الأشياء»: ١ / ١٦٩، معجم المصطلحات الفلسفية: ١٩٤.
٦١  معيار العلم: ٢٥٨.
٦٢  المصدر نفسه.
٦٣  ينظر: شرح البرهان لأرسطو: ١٣٦.
٦٤  ينظر: كشاف اصطلاحات الفنون ٤ / ١٠٤١، المعجم الفلسفي؛ المجمع: ١٢٣، السببية: ١٠-١١، ٨٠.
٦٥  مقاصد الفلاسفة: ق ٢ / ٤٤.
٦٦  برتراند رسل: أثر العلم في المجتمع، ترجمة سمير عبده، دار التكوين للطباعة والنشر والتوزيع، دمشق، سوريا، ٢٠٠٥م، ص١١.
٦٧  ينظر: شرح الرضي على الكافية: ٢ / ١٩٢.
٦٨  المصدر نفسه (الحاشية)؛ وينظر كذلك: أحمد خضير عباس: أسلوب التعليل في اللغة العربية، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية الآداب، الجامعة المستنصرية، بغداد، ص٢-٣.
٦٩  ينظر: مناهج البحث. ص١٢٠؛ وينظر كذلك: أحمد خضير عباس: نفس المرجع، ص٢-٣.
٧٠  ينظر: منطق أرسطو ٢ / ٤٣٥؛ وينظر كذلك: أحمد خضير عباس: نفس المرجع، ص٤-٥.
٧١  ينظر: أصول التفكير النحوي: ١٦٧.
٧٢  المصدر نفسه: ١٦٨.
٧٣  ينظر: المصدر نفسه: ١٦٩.
٧٤  ينظر: أصول التفكير النحوي: ١٧٢.
٧٥  ينظر: أثر القراءات القرآنية في تطور الدرس النحوي: ٤٥.
٧٦  ينظر: كتاب سيبويه، ج١، ص٢٧٩-٢٨٠.
٧٧  الصاحبي في فقه اللغة، ص١٥.
٧٨  ينظر: أصول التفكير النحوي، ص١٧٨.
٧٩  ينظر: الاقتراح، ص٨٣.
٨٠  ينظر: العلة النحوية (الدرويش)، ص١٩.
٨١  ينظر في أصول اللغة والنحو، ص١٣١.
٨٢  ينظر: الاقتراح: ٨٩، أصول التفكير النحوي: ١٩١.
٨٣  ابن الحاجب: الإيضاح في شرح المفصل، ص٢٥٠.
٨٤  حسن خميس سعيد الملخ: نظرية التعليل في النحو العربي بين القدماء والمحدثين، دار الشروق للنشر والتوزيع، عمان، الأردن، الطبعة الأولى، ٢٠٠٠م، ص١٧٥.
٨٥  ينظر: شرح ابن الناظم على ألفية ابن مالك، ص٣١.
٨٦  المصدر نفسه، ص٣٣.
٨٧  ينظر: شرح شذور الذهب، ص٢٤٣.
٨٨  مغني اللبيب، ج١، ص٣٤٠.
٨٩  ينظر: كتاب سيبويه، ج١، ص٣٧٥-٣٧٦.
٩٠  كتاب سيبويه: ج١، ص٣٩١.
٩١  مغني اللبيب، ج٢، ص١٤٩.
٩٢  ينظر: نظرية العلة في القرنين السادس والسابع الهجريين، ص٧٩.
٩٣  ينظر: كتاب سيبويه: ج١، ص٤٣٤-٤٣٥.
٩٤  من سورة الأحزاب، الآية: ٤٠.
٩٥  ينظر: المصدر نفسه: ج١، ص٤٤٠.
٩٦  مغني اللبيب: ج٢، ص٣٦٣.
٩٧  ينظر: نظرية العلة في القرنين السادس والسابع الهجريين، ص٦٧-٦٨.
٩٨  ينظر: شرح الأشموني: ج٢، ص١٣٣-١٣٤.
٩٩  ينظر: كتاب سيبويه: ج١، ص٢٢٥.
١٠٠  كتاب سيبويه: ج١، ص٢٢٤.
١٠١  المصدر نفسه: ج١، ص٢٢٥.
١٠٢  تسهيل الفوائد: ٤٩.
١٠٣  مثنى يوسف حمادة أمين: نظرية العلة في القرنين السادس والسابع الهجريين، ص٨٣.
١٠٤  ينظر: كتاب سيبويه: ج١، ص٩٥.
١٠٥  ارتشاف الضرب: ج٢، ص٢٨.
١٠٦  المصدر نفسه: ج٢، ص٢٩.
١٠٧  أوضح المسالك إلى ألفية ابن مالك: ٣٩.
١٠٨  شرح ابن الناظم: ١٠٨.
١٠٩  ينظر: نظرية العلة في القرنين السادس والسابع الهجريين، ص٥٨-٥٩.
١١٠  تسهيل الفوائد: ٦٩.
١١١  يقصد بها لغة أكلوني البراغيث التي تجمع في الجملة بين فاعلين إذ إنها تعد الضمير مجرد أداة تثنية، أو جمع.
١١٢  ينظر: ارتشاف الضرب: ج٢، ص٢٦.
١١٣  ينظر: الأصول: ج٢، ص٢٥.
١١٤  ينظر: كتاب سيبويه: ج١، ص٩٧.
١١٥  شرح المفصل، لابن يعيش: ج١، ص٩٦.
١١٦  ينظر: شرح الكافية، للرضي: ج١، ص٩٢.
١١٧  شرح ابن الناظم: ٤٤.
١١٨  ينظر: نظرية العلة في القرنين السادس والسابع الهجريين، ص٦٧-٦٨.
١١٩  د. مهدي المخزومي: مدرسة الكوفة، ص٢٦٠.
١٢٠  د. عبد الكريم الأسعد: بين النحو والمنطق وعلوم الشريعة، ص١٢٢-١٢٣.
١٢١  نفس المرجع، ص١٢٣.
١٢٢  د. عبد الكريم الأسعد: بين النحو والمنطق وعلوم الشريعة، ص١٢٢-١٢٣.
١٢٣  نفس المرجع، ص١٢٢-١٢٣.
١٢٤  د. أحمد مختار عمر: البحث اللغوي عند العرب، ص١٤٧.
١٢٥  عبد الكريم الأسعد: بين النحو والمنطق وعلوم الشريعة، ص١٣٣.
١٢٦  ابن النحاس: التفاحة في النحو، تحقيق كوركيس عودا، مطبعة الغاني، بغداد، ١٩٦٥م، ص١٨-١٩.»
١٢٧  ينظر: ابن هشام: شذور الذهب، ص١٥٨.
١٢٨  ينظر: ألفية ابن مالك، باب إعمال المصدر.
١٢٩  ينظر: ألفية ابن مالك، باب إعمال اسم الفاعل.
١٣٠  «التقدير»: يقول عبد القاهر: «وإذا حذفت المضاف إليه من اللفظ كان مقدرًا في المعنى كقولك: «أي جاءك؟» ولو قلت:«أي رأيته؟» وأنت تقصد الاستفهام عن واحد غير مصاحب لغيره لم يجز» المقتصد في شرح الإيضاح ١ / ٣٢١.
١٣١  ينظر: شرح عمدة الحفاظ ٢٨٢-٢٨٣.
١٣٢  ينظر: حاشية الصبان على الأشموني، ج١، ص٤٧.
١٣٣  ينظر: ابن الناظم، المصدر السابق، ص٥٦٧؛ نجاة محمد إبراهيم: منهج ابن الناظم ومذهبه النحوي من خلال شرحه على ألفية ابن مالك، ص٤٩.
١٣٤  ينظر: السيوطي: المطالع السعيدة في شرح الفريدة، تحقيق د. نبهان ياسين حسين، بغداد، ١٩٧٧م، ج١، ص٢٥٢، ٢٦٥؛ وينظر كذلك: د. خديجة الحديثي: المدارس النحوية، ص٣٠١.
١٣٥  ينظر: حماسة عبد اللطيف (د. محمد): العلامة الإعرابية في الجملة بين القديم والحديث، دار غريب للطباعة والنشر، القاهرة، ٢٠٠١م، ص١٦٧.
١٣٦  ينظر: د. سعاد كريدي كنداوي: العامل النحوي دراسة إبستمولوجية، مجلة كلية التربية، العدد التاسع، جامعة القادسية، ص١٤-١٥.
١٣٧  ينظر: د. محمد خان: أصول النحو العربي، ص٦٩.
١٣٨  نفس المرجع، ص٦٩.
١٣٩  ينظر: طبقات فحول الشعراء: ١ / ١٤.
١٤٠  نفس المصدر: ١ / ١٤.
١٤١  ينظر: طبقات النحويين واللغويين: ٣٢.
١٤٢  ينظر: د. محمد خان: أصول النحو العربي، ص٧٠.
١٤٣  نفس المرجع، ص٧٠.
١٤٤  نفس المرجع، ص٧١.
١٤٥  نفس المرجع، ص٧١.
١٤٦  نفس المرجع، ص٧١.
١٤٧  نفس المرجع، ص٧٢.
١٤٨  نفس المرجع، ص٧٢.
١٤٩  ينظر: شرح الأشموني، ج٢، ص٣٠٤؛ وينظر كذلك: عبد الكريم الأسعد: بين النحو والمنطق وعلوم الشريعة، ص١٩٨.
١٥٠  ينظر: شرح الأشموني، ج٣، ص٥٥؛ وينظر كذلك: عبد الكريم الأسعد: نفس المرجع، ص١٩٩.
١٥١  ينظر: شرح الأشموني، ج٣، ص٨٤؛ وينظر كذلك: عبد الكريم الأسعد: نفس المرجع، ص١٩٩.
١٥٢  ينظر: شرح الأشموني، ج٣، ص١٧٩؛ وينظر كذلك: عبد الكريم الأسعد: نفس المرجع، ص٢٠٠.
١٥٣  ينظر: شرح الأشموني، ج٤، ص١٥٩؛ وينظر كذلك: عبد الكريم الأسعد: نفس المرجع، ص٢٠٠-٢٠١.
١٥٤  نفس المرجع، ص١٩٣.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤