محاولة للقتل!
انتبه «أحمد» على الصرخات التي تعالت من الركاب الواقفين أمام حاجز الباخرة، وعلى الفور تنبَّهت حواسه وألقى بنظرة خاطفة إليهم.
لم تكن «إلهام» في مكانها، وشعر «أحمد» بإحساس شديد بالخطر، وبقفزة واحدة كان قد صار أمام حاجز السفينة، فلمح «إلهام» في وسط الماء وهي تصارع الموج، وقد اتجهت نحوها سمكة القرش الكبيرة المتوحشة.
لم يكن أمام «أحمد» أي وقت للتفكير فيما حدث، أو لمحاولة الحصول على السلاح لقتل سمكة القرش، وفي أقل من ثانية كان قد اتخذ قراره فقفز إلى الماء بلا تردُّد، واندفع يسبح نحو «إلهام» بكل قوته. كانت المسافة التي تفصلهما تصل إلى مائتَي متر وربما أكثر … وكانت سرعة سمكة القرش التي أصابها التوحُّش أكبر كثيرًا من سرعة «أحمد».
واندفعت سمكة القرش تهاجم «إلهام». استعادت «إلهام» تمالكها بعد قليل … وتأكَّدت أن اليد التي دفعتها إلى قلب الماء فعلت ذلك عمدًا.
كانت يد «جاك» السفاح بكل تأكيد … وقد سبقهما إلى العمل للتخلص منهما بطريقة لا تخطر على بالٍ …
وكان على «إلهام» أن تخوض معركتها ضد سمكة القرش المتوحِّشة، وهي حتى بلا أي سلاح … لم يعد يفصل سمكة القرش عن «إلهام» غير أمتار قليلة، والسمكة تندفع نحوها في سرعة محمومة … وكانت المواجهة تمثِّل خطورةً شديدة على «إلهام»؛ فلم تكن تملك ما تقاتل به، فغاصت إلى أسفل بسرعة مثل سمكة ماهرة … واندفعت السمكة خلف «إلهام» وقد فتحت فمها الرهيب عن آخره.
ومرةً أخرى ناورت «إلهام» واستطاعت أن تدور حول السمكة بسرعة كبيرة، ثم تعلَّقت بذيلها بكل قوتها.
وانتفضت السمكة بشدة محاولةً التخلُّص من «إلهام»، فضربت ذيلها في الماء بشدة وبقوة … ولكن «إلهام» تشبَّثت أكثر بذيل السمكة المتوحِّشة؛ فقد كانت تعرف أن مجرَّد تركها للذيل قد يعني موتها؛ فالسمكة لن تستطيع أن تصل إليها طالما ظلَّت متعلِّقةً بذيلها.
واندفعت السمكة تغوص لأسفل وأعلى وهي تهز ذيلها بكل قوة … وأحسَّت «إلهام» بنفَسها يضيق؛ كانت بحاجة إلى الهواء للتنفُّس … وكانت قواها قد بدأت تخور أيضًا، وتشعر بالضعف لِمَا بذلته من مجهود للتعلُّق بذَيل السمكة والتغلُّب على لطمها وحركاتها السريعة.
ولم تعد «إلهام» تتحمَّل المزيد … وأحسَّت أن قواها تخونها فأفلتت ذيل السمكة من ذراعها واستعدَّت لتواجه مصيرها.
واندفعت السمكة في توحُّش وغضب جنوني نحو «إلهام»، ولكن … في نفس اللحظة الأخيرة برز «أحمد» في منتصف المسافة بالضبط بين السمكة وفريستها … وفوجئت السمكة به … وعلى الفور غيَّرت وِجهة هجومها … كان «أحمد» مُسلَّحًا بسكينته الصغيرة التي كان يحتفظ بها في حزام ساقه، ولا يزيد طولها عن عشرين سنتيمترًا … وكان يعرف أنها سلاح غير مُجدٍ أو كافٍ أمام سمكة متوحِّشة … ولكن لم يكن أمامه غير أن يخوض معركته الانتحارية لإنقاذ «إلهام» … ولو كان الثمن حياته هو …
وسبح «أحمد» بسرعة مبتعدًا عن مكان «إلهام» … فاندفعت السمكة خلفه … وكان هذا ما يريده «أحمد»؛ بالضبط أن يبعد السمكة عن «إلهام».
وبدأت السمكة المتوحِّشة هجومها … وزاغ منها «أحمد» غائصًا لأسفل، ولكن أسنان السمكة أطبقت على قدمه فانتزعت حذاءه ومزَّقت بنطلونه، ولولا أنه جذب قدمه في اللحظة الأخيرة لالتهمتها السمكة المتوحِّشة … وعلى الفور استدار «أحمد» أسفل السمكة وطعنها في قلبها … وانتفضت السمكة في توحُّش بسبب الطعنة، ولطمت «أحمد» بذيلها فدفعته بعيدًا، وأثارتها رائحة الدماء التي نزفت منها فزادت توحُّشها … وشرعت تُواصل هجومها بجنون لا مثيل له.
كان «أحمد» يعرف أن إصابته للسمكة غير قاتلة بسبب صِغر حجم السكين، وكان عليه أن يختار أسلوبًا آخر للمواجهة والقتل غير المتكافئ … وانقضَّت السمكة على «أحمد»، وقبل أن تُطبق عليه بأسنانها الرهيبة أغمد سكينه في عين السمكة اليسرى، وبسرعة خارقة أخرج السكين. أغمدها في العين الأخرى، وانقضَّت السمكة في جنون وقد تفجَّرت من عينَيها الدماء، وراحت السمكة تتلوَّى حول نفسها من الألم بدون أن ترى شيئًا …
وأسرع «أحمد» يسبح مبتعدًا عن مكان السمكة المتوحِّشة التي أصابها الجنون وقد ملأت دماؤها المكان …
وكان «أحمد» يعرف ما يعنيه ذلك؛ فسوف تجذب رائحة الدماء عشرات من أسماك القرش الأخرى المتوحشة، وكان عليه أن يغادر ذلك المكان مع «إلهام» في أسرع وقت.
وسبح «أحمد» باتجاه «إلهام» التي كانت خائرة القوة … واندفعا يسبحان بكل سرعتهما، ومن الخلف بدأت الذيول المثلثة تشق قلب الماء متجهةً إلى رائحة الدماء … وشعر «أحمد» و«إلهام» بالحصار …
ولكن … ومن نفس الاتجاه جاء الإنقاذ … فقد توقَّفت الباخرة عن الإبحار بعد أن سقط اثنان من رُكابها … وأعطى القبطان أوامره بالعودة إلى مكانهما.
واندفعت الباخرة نحوهما … ومن الناحية الأخرى اندفعت أسماك القرش … ولم يكن هناك أي وقت لإرسال قارب إنقاذ من الباخرة، وألقى القبطان بحبل إلى «أحمد» و«إلهام» فتعلَّقا به في اللحظة الأخيرة، واندفعت بهما الباخرة تشق سطح الماء بسرعتها القصوى مبتعدةً عن مكان الأسماك المتوحِّشة.
وتوقَّفت الباخرة على مسافة … وألقت بسلم من الحبال، فصعد «أحمد» و«إلهام» عليه وهما يلهثان بشدة.
وبأعلى الباخرة استقبلهما الركاب بصيحات الفرح والتصفيق لنجاتهما … وأحاط الجميع بهما غير مصدقين نجاتهما بتلك الصورة …
وهُرع القبطان إلى «إلهام» وسألها: كيف سقطتِ من الباخرة؟ … هل دفعكِ أحد؟
تأمَّلت «إلهام» الوجوه المحيطة بها … كانت كلها تنطق بالبراءة … ولكن «إلهام» كانت متأكدةً أن خلف أحد هذه الوجوه البريئة يكمن وجه السفاح … الذي دفعها إلى الماء لكي يتخلَّص منها، وهو واثق أن زميلها سيسارع بإلقاء نفسه خلفها … لتأكلهما أسماك القرش معًا.
وفي بطء قالت «إلهام»: لم يدفعني أحد إلى الماء … فقد زلَّت قدمي أمام الحاجز، وفقدت توازني فسقطت في قلب المحيط …
وتقابلت عينا «إلهام» و«أحمد» … فقد صار واضحًا لديهما الآن أن عدوهما قد اكتشف حقيقتَيهما، وأنه قد سعى إلى التخلُّص منهما … قبل أن يبدآ في نصب الشباك لاصطياده.
وغمغم «أحمد» في صوت غاضب هامس: أقسم أن أنتقم من هذا المجرم … وسأجعله يدفع الثمن غاليًا.
ومن الخلف لمعت العينان اللتان كانتا تبدوان شديدتا البراءة … وإن كان قد اختفى خلفهما سفاح لا يرحم … وارتسمت على شفتَي السفاح ابتسامة ساخرة واثقة، واتخذ قراره بالتخلُّص من «إلهام» و«أحمد» في نفس الليلة.