جريمة جديدة!
همس «أحمد» ﻟ «إلهام»: هيا بنا نذهب إلى قمرتك؛ فأنت بحاجة إلى الراحة بعد ذلك الخطر الذي واجهته.
تأمَّلت «إلهام» «أحمد» بعينَيها الواسعتَين، وقالت في حنان: لا أدري كيف أشكرك؟ … لقد أنقذت حياتي.
فأجابها في رقة شديدة: لا أريد أن أسمع منك ذلك مرةً أخرى … فحياتك هي حياتي.
سار الاثنان في صمت وعيون الركاب تتابعهما في إشفاق وإعجاب … واتجه «أحمد» و«إلهام» إلى قُمرتَيهما عندما أوقفهما صوت من الخلف يقول: انتظرا.
توقَّف الاثنان … وكان القادم هو المطرب الإنجليزي «جون ساكس» الذي اقترب من «أحمد» و«إلهام» وحدَّق فيها للحظة قبل أن يقول: إنني أهنِّئكما على نجاتكما … فقد قاتلتما سمكة القرش بشجاعة منقطعة النظير. وبلهجة خاصة أضاف: وبطريقة دلَّت على أن قدراتكما أكبر بكثير من قدرات اثنَين من الصحفيين.
تأمَّل «أحمد» المطرب الإنجليزي، وضاقت عيناه، وهتف به في خشونة: ماذا تريد؟!
أجاب المطرب: ربما يمكنني مساعدتك.
– في ماذا؟ سألته «إلهام».
المطرب: في الشيء الذي تبحثان عنه.
قالها المطرب في هدوء وثقة … وتقابلت عيون الثلاثة في نظرة واحدة … وأكمل المطرب حديثه قائلًا: لقد جئتما تبحثان عن شخص مُعيَّن … شخص خَطِر بلا شك استطاع أن يتخفَّى في شخصية أخرى، ولا شك أن الجنرال القتيل كان يبحث عن نفس الشيء … لولا أنه قُتِل.
المطرب: أعتقد ذلك … فهو وإن استطاع أن يخدع الآخرين فهو لن يستطيع أن يخدعني أنا.
وبدون أن ينتظرَ ردًّا أضاف: سأنتظرك في حجرتي في منتصف الليل حتى أخبرك عن كل ما أعرفه …
ولا داعي أن أخبرك أن يظل سرًّا بيننا؛ فأنا لا أريد أن أنتهي كما انتهى الكولونيل.
ورفع المطرب يده بالتحية، وابتعد في خطوات واسعة دون أن ينتظر ردًّا … وتبادلت «إلهام» و«أحمد» النظرات المندهشة، واتجها إلى قُمرة «إلهام»، وما إن أغلقت بابها حتى هتفت في تعجُّب شديد: هل يمكن أن يكون هذا المطرب قد عرف شخصية «جاك» السفاح؟!
أحمد: ولمَ لا؟ … لعله شاهده وهو يدفع بك من فوق حاجز السفينة.
إلهام: ولكنه قال بأن ذلك الشخص لو استطاع أن يخدع الجميع فلن يتمكن من خداعه هو … فماذا كان يقصد؟
أحمد: لا أدري.
ظهر القلق على وجه «إلهام»، وقالت في شك: إنني أخشى أن تكون تلك خدعة أخرى من خُدَع «جاك» السفاح.
تساءل «أحمد» بدهشة: وما علاقة «جاك» بهذا المطرب؟
إلهام: لماذا لا يكونان شخصًا واحدًا؟
أحمد: ماذا؟
قالت «إلهام» في هدوء: لعل المعلومات التي وصلت رقم «صفر» بأن «جاك» السفاح سيسافر بجواز سفر أمريكي معلومات خاطئة … وأن «جاك» لم يجد أفضل من شخصية مطرب مشهور ليسافر باسمه بعد أن أجرى جراحة تجميل ليبدو شبيهًا له … وبذلك فلن يشك أحد فيه … وبعد أن حاول قتلنا بإلقائي في الماء، وشاهد أننا نجونا من أسماك القرش المتوحِّشة، أراد أن يخدعنا مرةً أخرى بالتظاهر بأنه يعرف شخصية «جاك» السفاح، وطلب منك أن تذهب إلى حجرته في منتصف الليل ليتخلَّص منك أنت أيضًا بدون أن يشعر به أحد … وبعد ذلك يفعل نفس الشيء معي؛ ولهذا طلب منك أن تكون زيارتك له سرًّا.
قال «أحمد» في دهشة: ولكن!
قالت «إلهام» في إصرار: أؤكِّد لك أن هذه هي الحقيقة … وإلا فكيف عرف هذا الرجل بأمر الكولونيل وحقيقة مهمته، إن لم يكن هو نفسه «جاك» السفاح؟
ضاقت عينا «أحمد» وقال: إنها نظرية معقولة.
إلهام: لقد أعدَّ هذا المجرم لنا كمينًا للتخلُّص منا واحدًا بعد الآخر … فإن حيله لا تنتهي أبدًا.
أحمد: ولكن الوقت لن يتَّسع له لمزيد من الحيل … فقد جاء الدور علينا لنقوم نحن بخدعة صغيرة ستكشف كل شيء …
إلهام: ماذا تقصد يا «أحمد»؟
أحمد: سوف أذهب إلى قُمرة هذا الرجل فورًا، وسأفاجئه قبل أن يفاجئنا.
هتفت «إلهام» في قلق: ولكن …
أحمد: لا تخشَي شيئًا … فلا شك أنه لم يتوقَّع أن نكون قد كشفناه بمثل هذه السرعة.
إلهام: سأذهب معك.
أحمد: لا يا إلهام … إنك متعبة بسبب ما حدث …
إلهام: وأنت أيضًا … لقد استنزفت كثيرًا من قوتك في مصارعة السمكة المتوحِّشة.
أحمد: لا تخشَي شيئًا علي.
واتجه «أحمد» خارجًا من القُمرة … وسار مبتعدًا باتجاه مخزن ملابس العاملين في الباخرة، وتسلَّل بداخله وحصل على ملابس أحد عُمال النظافة فارتداها، ثم اتجه عائدًا إلى قُمرات الركاب، وقد بدأ الليل يسقط في الخارج على المحيط، وأُضيئت ممرات القُمرات بضوء شاحب.
اتجه «أحمد» إلى قُمرة المطرب الإنجليزي، وطرق بابها وهو يقول بصوت مختلف عن صوته: نظافة الغرف … من فضلك نريد تغيير ملاءات السرير.
ولكن الباب لم ينفتح أو يصدر أي صوت من الداخل … كرَّر «أحمد» الطَّرْق وبنفس العبارة بلا جدوى، ومسَّت أصابعه أُكرة الباب فانفتح الباب وحده … وتحرَّك «أحمد» إلى داخل القُمرة في حذر، وقد استعدَّ لأية خدعة … وما كاد يخطو داخلًا حتى أصابه المشهد الذي رآه بذهول شديد … كان المُطرب الإنجليزي راقدًا فوق فراشه، وقد اخترقت جبهته أيضًا رصاصة قاتلة، فجحظت عيناه جحوظ الموتى.
وقف «أحمد» كالمشلول لحظة … واندفعت آلاف الأفكار إلى رأسه … وتأكَّد في تلك اللحظة فقط أن المطرب لم يكن هو «جاك» السفاح، بل إنه كان قد اكتشف حقيقة السفاح بالفعل، وإنه كان صادقًا في ذلك … ولا بد أن «جاك» السفاح قد شاهد أو سمع المطرب الإنجليزي وهو يتحدَّث مع «أحمد» و«إلهام»، فقرَّر التخلُّص منه فورًا … وبنفس الطريقة التي تخلَّص بها من الكولونيل الأمريكي …
وأحسَّ «أحمد» بالخطر الشديد على «إلهام» وقد تركها وحدها تحت رحمة السفاح، واندفع «أحمد» وهو يعدو بقوة شديدة باتجاه قُمرة «إلهام».
وفجأةً برز شبح ملثَّم في ملابس سوداء، وقد تسلَّح بسيف رهيب ليقطع عليه الطريق … تراجع «أحمد» خطوةً للخلف … فلم يكن معه أي سلاح يدافع به عن نفسه … وقهقه الشبح الملثَّم بصوت أجشَّ وهو يقول: لقد جاء الأوان عليك أنت أيضًا … فما من أحد يعرف حقيقتي أو يسعى خلفي ويعيش طويلًا!
أدرك «أحمد» أنه أمام «جاك» السفاح وجهًا لوجه … واندفع السفاح نحو «أحمد»، وهوى بسيفه على «أحمد»، وتحاشى «أحمد» الضربة القاتلة، فألقى بنفسه فوق أرضية الممر الضيقة، وفي نفس الحركة صوَّب بقدمه وهو على الأرض ضربةً إلى السفاح أصابته وجعلته يترنَّح إلى الخلف لشدة الضربة … وانتهز «أحمد» الفرصة، ونهض بسرعة قافزًا نحو السفاح وهو يضربه ضربةً هائلة ألقت بالسفاح إلى الخلف.
قفز «أحمد» نحو السفاح، ولكن «جاك» استعاد توازنه أمام هجوم «أحمد» المباغت، وطوَّح بسيفه نحو «أحمد»، فتفادى «أحمد» الضربة في اللحظة الأخيرة، ولو كان قد تأخَّر في مُفاداتها مقدار شعرة واحدة لأصابته، ولكن نَصل السيف الحاد مرَّ من فوق كتفه فمزَّق قميصه، وأسال خيطًا من الدماء فوق كتفه …
وأحسَّ «أحمد» بلهب حارق مكان الإصابة … وانتهز السفاح الفرصة واندفع يعدو مبتعدًا عن المكان نحو القُمرات، فأسرع «أحمد» خلفه … وانحرف في نفس الاتجاه الذي هرب فيه السفاح، ولكنه لم يعثر له على أي أثر …
وكانت كل أبواب القُمرات مغلقةً يسودها السكون … فوقف «أحمد» لحظةً وهو لا يدري في أي قُمرة قد اختفى بداخلها السفاح …
وتحرَّك «أحمد» مبتعدًا … فلم يكن هناك ما يستطيع أن يفعله؛ فلا بد أن السفاح قد تخلَّص من لِثامِه وملابسه السوداء وسيفه، وحتى لو قام «أحمد» بتفتيش الحجرات فلن يستطيع التعرُّف على السفاح في شخصيته الجديدة المجهولة …
وتذكَّر «أحمد» «إلهام» والخطر المحدق بها … فاندفع لاهثًا إلى قُمرتها.
وفتح «أحمد» باب القُمرة … وباغتته المفاجأة والصدمة … كانت حجرة «إلهام» خاليةً منها، وقد تناثرت أشياؤها في فوضى؛ ممَّا دلَّ على حدوث معركة فيها.
ولم يكن هناك شك في أن المعركة قد وقعت بين «جاك» السفاح و«إلهام» قبل أن يتمكَّن «جاك» من القبض على «إلهام» وأسرها حية! …