السفاح!
تأكَّد «أحمد» أن «جاك» السفاح لم يقتل «إلهام»، وإنما قبض عليها حيةً ليتمكَّن بواسطتها من مغادرة الباخرة … ولذلك احتفظ ﺑ «إلهام» أسيرةً ليغادر الباخرة في أمان بدون أن يتعرَّض له أحد … وكان معنى ذلك أن «جاك» السفاح يستعد لمغادرة الباخرة والهرب في الحال … وكان معناه أيضًا أن «جاك» يعتقد أن شخصيته الحقيقية قد اكتُشفت، وإلا ما أراد الهرب في الحال …
إن «جاك» يظن أن «أحمد» قد اكتشف شخصيته المزيفة التي يتنكَّر بواسطتها ويُخفي حقيقته.
ولكن «أحمد» لم يكن يعرفها … لم يكن يعرف هذه الشخصية التي قد تقمَّصها ذلك المجرم … وفجأةً أشرق الحل في ذهن «أحمد» … وهتف في ذهول: يا إلهي! … كيف غابت عني الحقيقة؟!
لم يكن «جاك» السفاح سوى الممثل الأمريكي «فورد هاجمان»؛ فلا شك أن «جاك» السفاح قد استطاع قبل السفر القبض على الممثِّل الأمريكي الحقيقي وقام بقتله، ثم أجرى جراحة التجميل، وسافر على الباخرة باعتباره «فورد هاجمان»، وبالطبع؛ فما كان أحد يشك فيه أبدًا … ولكن إن استطاع «جاك» السفاح أن يخدع كل من لا يعرفونه عن قرب، فلن يستطيع أن يخدع صديقًا حقيقيًّا ﻟ «فورد هاجمان».
ولهذا اكتشف المطرب الإنجليزي أن ذلك الشخص ليس هو «فورد هاجمان» حتى وإن كان يحمل نفس ملامحه … وهذا ما كان يريد المطرب الإنجليزي أن يخبر به «أحمد»، لولا أنْ أسرع السفاح بقتله حتى لا يُفشي سره.
وعندما توصَّل ذهن «أحمد» إلى تلك الحقيقة، اندفع إلى قُمرة «جاك» السفاح فوجد بابها مغلقًا، وحطَّم «أحمد» الباب بكتفه فوجد الحجرة خاليةً ولا أحد بها.
أسرع «أحمد» بالصعود إلى سطح الباخرة … وفي الظلام شاهد شبحًا يتحرَّك في ملابس سوداء … وهو يدفع شخصًا أمامه في عنف.
ولم يكن هناك شك في أن ذلك الشبح هو «جاك» السفاح نفسه، وأن الشخص الذي يدفعه أمامه هو «إلهام» نفسها، وقد قام السفاح بتقييد يدَيها وفمها … وظهر في يد السفاح قنبلة يدوية حارقة شديدة الانفجار … فوقف «أحمد» مذهولًا في مكانه لا يدري ما يفعله.
وفجأة … صرخت إحدى الراكبات من الخلف عندما شاهدت السفاح ممسكًا بالقنبلة، وعلى صُراخها تدفَّق بقية الركاب والعاملين فوق الباخرة وقبطانها … ووقف الجميع بعيدًا عن السفاح ينظرون إليه في هلعٍ خوفًا من إلقائه القنبلة على الباخرة ونسفها. وأمر السفاح القبطان بإيقاف الباخرة ففعل.
وصاح «جاك» السفاح في القبطان: فلتسرع بإنزال أحد زوارق الإنقاذ البخارية إلى الماء وإلا نسفت هذه الباخرة!
تردَّد القبطان لحظة، فوضع «جاك» السفاح نصل سيفه أمام «إلهام» وقال: هل تريدون أن … أعطيكم دليلًا على أنني جادٌّ فيما أقول؟
التفت «أحمد» إلى القبطان وقال له: عليكم بتنفيذ ما يقول هذا الرجل فهو يعني ما يقول.
أعطى القبطان إشارةً إلى رجاله … وعلى الفور اندفعت مجموعة منهم نحو أحد الزوارق البخارية السريعة، فأنزلوه إلى الماء …
وألقى العُمَّال بسُلم من الحبال يهبط من الباخرة إلى الزورق … وتقدَّم «جاك» من السُّلم وهو ممسك ﺑ «إلهام»، وقال مُحذِّرًا: إذا حاول أحدكم ادعاء البطولة والتدخُّل فسوف تدفعون جميعًا الثمن.
وأشار إلى «إلهام» أن تهبط لأسفل … فالتفتت «إلهام» إلى «أحمد» وتبادل الاثنان نظرةً طويلة عميقة، استطاع «أحمد» أن ينقل فيها رسالةً إلى «إلهام» … ينقل فيها طلبه بأن تتماسك وتقوى … وأنه لن يتركها أبدًا …
ودفع السفاح «إلهام» بغِلظة قائلًا: هيا!
بدأت «إلهام» هبوطها لأسفل … وهبط السفاح خلفها … واستقرَّ الاثنان بداخل الزورق السريع … وأدار السفاح مُحرِّك زورقه، واستعدَّ لأن ينطلق به في قلب المحيط المظلم، وعيون ركاب الباخرة تتابعه من أعلى حاجزها في رعب وهلع.
ومن أسفل راح السفاح يُقهقه بشدة في سخرية وهو يقول: إن أحدًا لا يمكنه القبض على «جاك» أبدًا … سوف أذهب إلى أقرب جزيرة، ومن هناك سأذهب إلى أي مكان في العالم بوجه جديد وشخصية جديدة، وأتمتَّع بالملايين … أمَّا أنتم أيها الأغبياء فلن تعيشوا طويلًا لترَوا ما شاهدتموه …
وأمسك بالقنبلة اليدوية الحارقة وألقاها لأعلى نحو قلب الباخرة بعد أن انتزع فتيلها … وكان هذا ما يتوقَّعه «أحمد» بالضبط … ولو لم يفعل «جاك» ذلك ما استحقَّ أن يُطلَق عليه لقب السفاح.
وقبل أن تسقط القنبلة على الباخرة التقطها «أحمد»، وبسرعة خارقة كان يُلقيها إلى قلب زورق السفاح …
وكانت الخطة التي تبادلها «أحمد» و«إلهام» بنظرات عينَيه تقول لها بأنه حيثما يلقي السفاح بقنبلته إلى الباخرة، فعليها أن تلقي بنفسها إلى قلب الماء وتغوص فيه … وفوجئ السفاح بقفز «إلهام» في الماء وهي مُقيَّدة اليدَين ومكممة الفم … وقبل أن يفيق «جاك» من دهشته شاهد قنبلته وهي تطير لأسفل عائدةً إليه.
وقبل أن يتمكَّن «جاك» من أن يفعل شيئًا، أو يهرب بزورقه، أو حتى يغادره، انفجرت القنبلة في قلب الزورق … وتصاعد الانفجار بدوي هائل، وتناثر الزورق براكبه إلى أشلاء وشظايا غطَّت بقعةً كبيرة فوق سطح المحيط …
وهتف «أحمد»: لقد نال هذا المجرم جزاءه من نفس جنس فعلته.
وقفز في الماء لإنقاذ «إلهام» … فحملها فوق ذراعَيه، وأزاح الكِمامة من فوق فمها، وحلَّ قيودها. وتلاقت نظرات «أحمد» و«إلهام»، كان … في عينَي «أحمد» فرحة بنجاة «إلهام» والتخلُّص من «جاك» السفاح …
أمَّا «إلهام»، فكان في عينَيها نظرة شكر عميقة واعتراف بالجميل ﻟ «أحمد»، وترقرقت الدموع في عينَيها.
وعندما همَّت بالحديث قاطعها «أحمد» قائلًا في حنان: لا تقولي شيئًا.
وصَعِد الاثنان لأعلى وسط تصفيق ركاب الباخرة وعمالها … وقد تشابكت أيديهما بقوة، ولمعت في عيونهما نظرة سعادة لا حدَّ لها …