العودة لجيكور
١
على جواد الحُلُم الأشهب
أسريت عبر التلال
أهرب منها، من ذراها الطوال
من سوقها المكتظ بالبائعين
من صبحها المتعب
من لينها النابح والعابرين
من نورها الغيهب
من ربها المغسول بالخمر
من عارها المخبوء بالزهر
من موتها الساري على النهر١
يمشي على أمواجه الغافيهْ
أواه لو يستيقظ الماء فيهْ
لو كانت العذراء من وارديهْ
لو أن شمس المغرب الداميهْ
تبتل في شطيه أو تشرق
لو أن أغصان الدجى تورق
أو يوصد الماخور عن داخليه
٢
على جواد الحُلُم الأشهب
وتحت شمس المشرق الأخضر
في صيف جيكور السخي الثري
أسريت أطوي دربيَ النائي
بين الندى والزهر والماء
أبحث في الآفاق عن كوكب٢
عن مولدٍ للروح تحت السماء
عن منبعٍ يُروِّي لهيب الظماء
عن منزل للسائح المتعب
٣
جيكور، جيكور أين الخبز والماء؟
الليل وافى وقد نام الأَدِلَّاء؟
والركب سهران من جوعٍ ومن عطش
والريح صَرٌّ، وكل الأفق أصداء
بيداء ما في مداها ما يبين به
دربٌ لنا، وسماء الليل عمياء
جيكور مُدِّي لنا بابًا فندخله
أو سامرينا بنجمٍ فيه أضواء!
٤
من الذي يسمع أشعاري؟
فإن صمت الموت في داري
والليل في ناري
من الذي يحمل عبء الصليبْ
في ذلك الليل الطويل الرهيبْ؟
من الذي يبكي ومن يستجيب
للجائع العاري؟
من يُنزل المصلوب عن لوحه؟
من يطرد العقبان عن جُرحه؟
من يرفع الظلماء عن صبحه؟
ويبدل الأشواك بالغار؟٣
أواه يا جيكور لو تسمعينْ!
أواه يا جيكور … لو توجدينْ!
لو تنجبين الروح، لو تُجهضين
كي يبصر الساري
نجمًا يضيء الليل للتائهين
٥
نزعٌ ولا موت
نطقٌ ولا صوت
طلقٌ ولا ميلاد
من يصلب الشاعر في بغداد؟
من يشتري كفيه أو مقلتيه؟
من يجعل الإكليل شوكًا عليه؟
جيكور يا جيكور
شدت خيوط النور
أرجوحة الصبح
فأولمي للطيور
والنمل من جرحي
•••
هذا طعامي أيها الجائعون
هذي دموعي أيها البائسون
هذا دعائي أيها العابدون
أن يقذف البركان نيرانَهُ
أن يرسل الفرات طوفانَهُ
كي نشرق الظلمهْ
كي نعرف الرحمهْ
جيكور يا جيكور
شدت خيوط النور
أرجوحة الصبح
فأولمي للطيور
والنمل من جُرحي!
٦
هذا حرائي٤ حاكت العنكبوتْ
خيطًا إلى بابه
يهدي إليَّ الناس إني أموت
والنور في غابهْ
يلقي دنانير الزمان البخيلْ
من شرفةٍ في سعفات النخيلْ
جيكور، يا جيكور: خلٌّ وماء
ينساب من قلبي
من جُرْحِيَ الواري
من كل أغواري
أواه يا شعبي
جيكور، يا جيكور هل تسمعينْ؟
فلتفتحي الأبواب للفاتحين
ولْتَجْمَعِي أطفالك اللاعبين
في ساحة القرية هذا العشاء
هذا حصاد السنين
الماء خمرٌ، والخوابي غذاء٥
هذا ربيع الوباء
٧
أقوى من الأسوار هذا الجواد:
«أقوى جواد الحلم الأشهب»
لأن الحديد المغتذي بالحداد
وانخذل الموكب
جيكور، ماضيك عاد
هذا صياح الديك ذاب الرقاد
وعدت من معراجي الأكبر
الشمس أم السنبل الأخضر
خلف المباني، رغيفْ
لكنها في الرصيفْ
أغلى من الجوهر
والحب «هل تسمعين
هذا الهتاف العنيف؟
ماذا علينا؟ إن عبد اللطيف٦
يدري بأنَّا … ما الذي تحذرين؟»
وانخطفت روحي، وصاح القطارْ
ورقرقت في مقلتي الدموعْ
سحابةً تحملني، ثم سار
يا شمس أيامي، أما من رجوع؟
•••
جيكور، نامي في ظلام السنين.
١
كان المسيح، في عهده، هو الذي مشى على الماء.
٢
… وبزغ كوكب عرف منه المجوس أن المخلص قد وُلد.
٣
وألبسوا المسيح تاجًا من الشوك … سخريةً به.
٤
حراء، الغار الذي هبط فيه الوحي على النبي محمد، حين هاجر النبي إلى
المدينة اختبأ — والمشركون جادُّون في أثره — في غار حاكت العنكبوت بيتها
على بابه فبدا مهجورًا، ولم يهتد المشركون إلى مخبأ محمد.
٥
… وأحال المسيح الماء إلى خمرٍ فشرب الحاضرون.
٦
اقرأ مذكراتي «كنت شيوعيًّا» المنشورة في جريدة الحرية العراقية.