النهر والموت
١
بُوَيْب
بُوَيْب
أجراس برجٍ ضاع في قرارة البحر
الماء في الجرار، والغروب في الشجر
وتنضح الجرار أجراسًا من المطر
بلورها يذوب في أنين
«بويب يا بويب!»
فيدلهم في دمي حنينْ
إليك يا بويب
يا نهريَ الحزين كالمطر
أَوَدُّ لو عدوت في الظلام
أشد قبضتي تحملان شوق عام
في كل إصبعٍ، كأني أحمل النذور
إليك، من قمحٍ ومن زهور
أود لو أُطِلُّ من أَسِرَّةِ التلال
لألمح القمر
يخوض بين ضفتيك، يزرع الظلال
ويملأ السلال
بالماء والأسماك والزهر
أَوَدُّ لو أخوض فيك، أتبع القمر
وأسمع الحصى يصل منك في القرار
صليل آلاف العصافير على الشجر
أغابة من الدموع أنت أم نهر؟
والسمك الساهر هل ينام في السحر؟
وهذه النجوم، هل تظل في انتظارْ
تطعم بالحرير آلافًا من الإبر؟
وأنت يا بويب
أود لو غرقت فيك، ألقط المحار
أشيد منه دار
يضيء فيها خضرة المياه والشجر
ما تنضح النجوم والقمر
وأغتدي فيك مع الجَزْرِ إلى البحر!
فالموت عالمٌ غريبٌ يفتن الصغار
وبابه الخفي كان فيك، يا بويب
٢
بويب يا بويب
عشرون قد مضين، كالدهور كل عام
واليوم، حين يطبق الظلام
وأستقر في السرير دون أن أنام
وأرهف الضمير: دوحةً إلى السحرْ
مرهفة الغصون والطيور والثمرْ
أُحِسُّ بالدماء والدموع كالمطرْ
ينضحهن العالم الحزينْ
أجراس موتى في عروقي ترعش الرنينْ
فيدلهم في دمي حنين
إلى رصاصةٍ يشق ثلجها الزؤامْ
أعماق صدري كالجحيم يشعل العظام
أود لو عدوت أعضد المكافحينْ
أشد قبضتي ثم أصفعُ القدرْ
أود لو غرقت في دمي إلى القرار
لأحمل العبء مع البشر
وأبعث الحياة. إن موتى انتصار!