المسيح بعد الصلب
بعدما أنزلوني، سمعت الرياحْ
في نواحٍ طويل تسف النخيلْ
والخطى وهي تنأى إذن فالجراحْ
والصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيلْ
لم تُمِتْنِي. وأَنْصَتُّ كان العويلْ
يعبر السهل بيني وبين المدينهْ
مثل حبل يشد السفينهْ
وهي تهوي إلى القاع كان النواح
مثل خيط من النور بين الصباح
والدجى في سماء الشتاء الحزينهْ
ثم تغفو على ما تحس المدينهْ
•••
حينما يزهر التوت والبرتقالْ
حيت تمتد «جيكور» حتى حدود الخيالْ
حين تخضر عشبًا يغني شذاها
والشموس التي أرضعتها سناها
حين يَخْضَرُّ حتى دجاها
يلمس الدفء قلبي، فيجري دمي في ثراها
قلبي الشمس إذ تنبض الشمس نورَا
قلبي الأرض، تنبض قمحًا وزهرًا وماءً نميرَا
قلبي الماء، قلبي هو السنبل
موته البعث يحيا بمن يأكل
في العجين الذي يستدير
ويُدْحَى كنهدٍ صغير، كثدي الحياهْ
مت بالنار أحرقت ظلماء طيني، فظل الإلهْ
كنت بدءًا، وفي البدء كان الفقير
متُّ، كي يؤكل الخبز باسمي، لكي يزرعوني مع الموسم
كم حياة سأحيا ففي كل حفرهْ
صرتُ مستقبلًا، صرت بذرهْ
صرتُ جيلًا من الناس، في كل قلبٍ دمي
قطرةٌ منه أو بعض قطرهْ
•••
هكذا عدت، فاصفر لما رآني يهوذا
فقد كنت سِرَّهْ
كان ظلًّا، قد اسودَّ مني، وتمثال فكرهْ
جُمِّدت فيه واستُلَّتِ الروح منها
خاف أن تفضح الموت في ماء عينيه …
(عيناه صخرهْ
راح فيها يواري عن الناس قبرهْ)
خاف من دفئها، من محالٍ عليه، فخبَّر عنها:
«أنت؟ أم ذاك ظلي قد ابيضَّ وارفضَّ نورًا؟
أنت من عالم الموت تسعى؟ هو الموت مرهْ
هكذا قال آباؤنا، هكذا علمونا، فهل كان زورَا؟»
ذاك ما ظن لما رآني، وقالته نظرهْ
•••
قدمٌ تعدو، قدمٌ قدمُ
القبر يكاد بوقع خطاها ينهدم
أترى جاءوا؟ من غيرهم؟
قدمٌ … قدمٌ … قدم
ألقيت الصخر على صدري
أوما صلبوني أمس؟ … فها أنا في قبري
فليأتوا. إني في قبري
من يدري أني …؟ من يدري؟!
ورفاق يهوذا! من سيصدق ما زعموا؟
قدمٌ قدم
ها أنا الآن عريان في قبري المظلم
كنت بالأمس ألتف كالظن، كالبرعم
تحت أكفاني الثلج يخضل زهر الدم
كنت كالظل بين الدجى والنهارْ
ثم فجرت نفسي كنوزًا فعرَّيتها كالثمارْ
حين فصلت جيبي قماطًا وكُمِّي دثارْ
حين دفأت يومًا بلحمي عظام الصغار
حين عريت جرحي، وضمدت جرحًا سواه
حطم السور بيني وبين الإله
•••
فاجأ الجند حتى جراحي ودقات قلبي
فاجأوا كل ما ليس موتًا وإن كان في مقبره
فاجَئُوني كما فاجأ النخلة المثمرهْ
سرب جَوْعَى من الطير في قريةٍ مقفرهْ
•••
أعين البندقيات يأكلن دربي
شرعٌ تحلم النار فيها بصلبي
إن تكن من حديدٍ ونارٍ، فأحداق شعبي
من ضياء السماوات، من ذكرياتٍ وحب
تحمل العبء عني فيندى صليبي، فما أصغرهْ
ذلك الموت، موتي، وما أكبرهْ!
•••
بعد أن سمروني وألقيت عيني نحو المدينهْ
كدت لا أعرف السهل والسور والمقبرهْ
كان شيءٌ، مدى ما ترى العين
كالغابة المزهرهْ
كان في كل مرمى، صليبٌ وأمٌ حزينهْ
قُدِّسَ الرَّبُّ!
هذا مخاض المدينهْ.