مدينة السندباد
١
جوعان في القبر بلا غذاءْ
عريان في الثلج بلا رداءْ
صرخت في الشتاء
أقض يا مطر
مضاجع العظام والثلوج والهباءْ
مضاجع الحجر
وأنبت البذور، ولتفتح الزهر
وأحرق البيادر العقيم بالبروقْ
وفجر العروق
وأثقل الشجر
وجئت يا مطر
تفجرتْ تنثك السماء والغيومْ
وشقق الصخر
وفاض من هباتك الفراتُ واعتكر
وهبت القبور، هُزَّ موتها وقام
وصاحت العظام
تبارك الإله، واهب الدم المطر
فآه يا مطرْ!
نود لو ننام من جديدْ
نود لو نموت من جديدْ
فنومنا براعم انتباهْ
وموتنا يخبئ الحياهْ
نود لو أعادنا الإلهْ
إلى ضمير غيبه الملبَّد العميق
نَوَدُّ لو سعى بنا الطريق
إلى الوراء، حيث بدؤه البعيد
من أيقظ «العازر» من رقاده الطويل؟
ليعرف الصباح والأصيل
والصيف والشتاء
لكي يجوع أو يحس جمرة الصدى
ويحذر الردى
ويحسب الدقائق الثقال والسِّراع
ويمدح الرعاع
ويسفك الدماء!
من الذي أعادنا، أعاد ما نخاف؟
من الإله في ربوعنا؟
تعيش ناره على شموعنا
يعيش حقده على دموعنا
٢
أهذا أدونيس، هذا الحواء؟
وهذا الشحوب، وهذا الجفاف؟
أهذا أدونيس، أين الضياء؟
وأين القطاف؟
مناجل لا تحصد
أزاهر لا تعقد
مزارع سوداء من غير ماء!
أهذا انتظار السنين الطويلهْ؟
أهذا صراخ الرجولهْ؟
أهذا أنين النساء؟
أدونيس! يا لاندحار البطولهْ
لقد حطم الموت فيك الرجاء
وأقبلت بالنظرة الزائغهْ
وبالقبضة الفارغهْ
بقبضةٍ تهدد
ومنجل، لا يحصد
سوى العظام والدم
اليوم؟ والغد؟
متى سيولد؟
متى سنولد؟
٣
الموت في الشوارع
والعقم في المزارع
وكل ما نحبه يموت
الماء قيدوه في البيوت
وألهث الجداول الجفافْ
هُمُ التتار أقبلوا، ففي المدى رعافْ
وشمسنا دمٌ، وزادنا دمٌ على الصحافْ
محمد اليتيم أحرقوه فالمساءْ
يضيء من حريقه، وفارت الدماء
من قدميه، من يديه، من عيونهْ
وأحرق الإله في جفونهْ
محمد النبي في «حراء» قيدوهْ
فسُمِّرَ النهار حيث سمروهْ
غدًا سيصلب المسيح في العراقْ
ستأكل الكلاب من دم البراقْ١
٤
يا أيها الربيع
يا أيها الربيع ما الذي دهاك؟
جئت بلا مطر
جئت بلا زَهَر
جئت بلا ثَمَر
وكان منتهاك مثل مبتداكْ
يلفه النجيع …
وأقبل الصيف علينا أسود الغيوم
نهاره هموم
وليله نسهر فيه نحسب النجوم
حتى إذا السنابل
نضجن للحصادْ
وغنت المناجل
وغطت البيادر الوهادْ
خُيِّلَ للجياع أن ربة الزهرْ
عشتار، قد أعادت الأسير للبشرْ
وكللت جبينه الغضير بالثمرْ
خيل للجياع أن كاهل المسيح
أزاح عن مدفنه الحجر
فسار يبعث الحياة في الضريحْ
ويبرئ الأبرص أو يجدد البصر؟
من الذي أطلق من عقالها الذئاب؟
من الذي سقى من السراب؟
وخبأ الوباء في المطر؟
الموت في البيوت يولد
يولد قابيلُ لكي ينتزع الحياهْ
من رحم الأرض ومن منابع المياهْ
فيظلم الغد
وتجهض النساء في المجازر
ويرقص اللهيب في البيادر
ويهلك المسيح قبل العازر
دعوه يرقد
دعوه فالمسيح ما دعاه!
ما تبتغون! لحمه المقدد
يباع في مدينة الخطاهْ
مدينة الحبال والدماء والخمور
مدينة الرصاص والصخور!
أمس أزيح من مداها فارس النحاس
أمس أزيح فارس الحجر
فران في سمائها النعاس
ورنق الضجر
وجال في الدروب فارسٌ من البشر
يقتل النساء
ويصبغ المهود بالدماء
ويلعن القضاء والقدر!
٥
كأن بابل القديمة المسورهْ
تعود من جديدْ
قبابها الطوال من حديدْ
يدق فيها جرسٌ كأن مقبرهْ
تئن فيه، والسماء ساح مجزرهْ
جنانها المعلقات زرعها الرءوس
تجزها قواطع الفئوس
وتنقر الغربان من عيونها
وتغرب الشموس
وراء شعرها الخصيب في غصونها
أهذه مدينتي؟ أهذه الطلول
خُطَّ عليها: «عاشت الحياهْ»
من دم قتلاها، فلا إله
فيها، ولا ماء، ولا حقول؟
أهذه مدينتي؟ خناجر التتر
تُغمد فوق بابها، وتلهث الفلاهْ
حول دروبها، ولا تزورها القمر؟
أهذه مدينتي أهذه الحُفَر
وهذه العظامْ؟
يطل من بيوتها الظلام
وتُصبغ الدماء بالقتام
لكي تضيع، لا يراها قاطع الأثر؟
أهذه مدينتي؟ جريحة القباب
فيها يهوذا أحمر الثياب
يسلِّط الكلاب
على مهود إخوتي الصغار … والبيوت
تأكل من لحومهم وفي القرى تموت
عشتار عطشى، ليس في جبينها زهر
وفي يديها سلة ثمارها حجر
ترجم كل زوجة به وللنخيل
في شطها عويل.
١
الجواد الذي أسرى عليه النبي محمد من المسجد الحرام إلى المسجد الأقصى
ليلة معراجه.