مرثية الآلهة
بلينا وما تبلى النجوم الطوالع١
ويبقى اليتامى بعدنا والمصانع
ويبقى «كربُّ»٢ الجالب الكرب كالصدى
يغصُّ المنادي بالردى، وهو راجع
كأن الأميبى٣ توأمٌ وهو توأمٌ
لها، فهو في منجى من الموت قابع
ولكنه الفرد الذي يزحف الورى
إلى حيث ترمي مقلتيه المطامع
أعنقاء من صحراء نجدٍ تقحَّمت
بها مغرب الشمس البعيد الزعازع
أم انسَلَّ من أهرام فرعون هاجعٌ
وَقَتْهُ انتقاص الدود منه، المباضع؟
ومن ليس يحيا لن يرى وهو هالكٌ
فلو كان يحيا ما عدته الفواجع
وما كان إلا اسمًا «كربُّ» ابن مثله
به يُدمغ اثنان الورى والبضائع
ولكنه اسم بالأساميِّ يغتذي
تهجَّاه زفَّار اللظى والمدافع
تمنَّيت أني آلةٌ لا يصيبها
كلالٌ ولا وقتٌ بها مر ضائع
لها من دماء الناس قوتٌ وخلفها
من المال عن أن ينفذ القوت مانع
وما تخطئ الآلات في الجمع تارةً
وفي الطرح، إن يخطئْ من الناس جامع
ولا عاقبتها عصبةٌ من ورائها
علينا عقابٌ بُرِّئُوا منه، واقع
ألا كم رفعنا من إلهٍ وكم هوى
إلهٌ وأضحى ثالث وهو رابع
فما جاوزتنا صورةٌ منه خطها
على غفلةٍ منا مُجِيعٌ وجائع
وما كان معبودًا سوى ما نخافه
ونرجوه أو ما خيَّلته الطبائع
فتموز مثل اللات، والرعد ما رمى
بغير الذي تُطوى عليه الأضالع
وكم ألَّهَ التمرَ التهامي معشرٌ
لما ليس يحيا دونه الناس راكع
فلمَّا شكا بُعد الأثافيِّ قِدرها
وضنت على الشِّدق الحفي المراضع
كفى كل ثغرٍ كان يدعوه جوعه
إلهٌ أحاطته المُدى والأصابع
دمي هذه الخمر التي تشربونها
ولحمي هو الخبز الذي نال جائع
ولما تشظَّى قلب نرسيس وانثنى
يلمُّ الشظايا منه شارٍ وبائع
وغذَّى بها القلب الذي حين ذاقها
نما فيه نابَا كوْسَجٍ فهو قاطع
هوى كل عالٍ من إله وسافلٍ
إلى حيث ما من راحلٍ ثَمَّ راجع
وأفضى إلى العرش السديميِّ معدنٌ
بما امتاح من أحداق «ميدوز»٤ لامع
هو الشمس إلا أن في زمهريره
من الموت ظلًّا حجَّبته البراقع
جزى أمَّه الأرض التي من عروقها
رَبَا واغتذى في جوفها وهو هاجع
بِشَرِّ الذي يُجزى به شر من غذا
وأروى، ويُجزاه العدوُّ المنازع
فأدمي بنيها وارتعي من بناتها
حقولًا ترجَّى، فهي شوهٌ بلاقع
كقابيل يعتال الأشقاء، راكلٌ
كأوديب، للخبز الإلهي صافع
وهذا الإله الأملس الفَظُّ ما جلا
لنرسيس يجثو عنده وهو خاشع
سوى وجه نرسيس الرخامي، شابه
شحوبٌ يهوذي التلاوين ناقع
وأوفى من الأرباب جيل يئمُّه
على قمة الأولمب ربٌّ مخادع
ترى «فحم» إذ يلقاه يلقاه راجفًا
و«فولاذ» من تلماح عينيه مائع٥
ويا عهد كنا كابن حلاج واحدًا
مع الله إن ضاع الورى فهو ضائع
أكل الرجال الجوف أن يملَئُوا به
خواء الحشا هذا الإله المضارع
فعاد الفقير الروح من ليس كاسيًا
به ظاهرًا مِنَّا فحل التنازع.
١
لم توضع الأبيات المضمنة بين أقواس، وإنما اكْتُفِيَ بالإشارة
إليها.
٢
كرب Krupp صاحب معامل الأسلحة
الألمانية الشهيرة.
٣
الأميبى: حيوان ذو حجيرة واحدة، وهو خالدٌ لا يموت لانعدام
شخصيته.
٤
ميدوز: هولة في أساطير الإغريق تحيل من تلتقي عينه بعينها إلى
صخر.
٥
جرَّدت من الفحم والفولاذ شخصين لإلهين من الأرباب الجدد، أتباع زيوس
الجديد — الذهب — وعاملتهما كاسمَيْ علم، ومنعتهما من الصرف.