مواجهة في الليل
من بعيد، كان صوت اندفاع مياه النهر يصل إليهم. قالت «إلهام»: لقد اقتربنا! لم يعلق أحد بشيء، وظلوا مستمرين في خطواتهم التي أخذت تهدأ الآن. كان ضوء النهار قد بدأ ينسحب تمامًا من الوجود، لتحل محله ظلمة رمادية. كان الوجود كأنه قصيدة شعر رقيقة. وأخذت أصوات مياه النهر تزداد أكثر فأكثر.
قال «أحمد»: ينبغي أن نأخذ حذرنا الآن؛ من الضروري أن يكونوا قريبين من النهر. ظهرت بعض النباتات الصحراوية الكثيفة مثل أعشاب «السافانا» العالية، وعلق «مصباح» قائلًا: إنها سوف تفيدنا كثيرًا!
اقتربوا تمامًا من «نهر كولجوا»، وكان النهر يهدر في اتجاه الجنوب، وحوله كانت ترتفع الأشجار التي لم تكن تزداد كثافتها كثيرًا.
قال «باسم»: لا يجب أن نقترب من النهر، فمن المؤكد أنهم إما عند شاطئه، وإما قريبون منه؛ يرصدون أي حركة.
هب النسيم، وبدأت تسمع أصوات الأشجار. كان الليل قد هبط تمامًا … ولم يكن أحد يرى أي شيء، فقالت «إلهام»: سوف نعتمد على آذاننا فقط.
بجوار شجرة مرتفعة، جلس الشياطين، وقال «أحمد»: إننا لم نقترب بعد من النقطة الهامة … نقطة مرور القطار فوق «نهر كولجوا»، فما زال صوت المياه في آذاننا، وصوت اندفاعها فقط، لكن الصوت سوف يتغير عندما ترتطم بأي شيء أمامها.
فهم الشياطين ما يعنيه «أحمد»؛ إن أعمدة الكوبري هي التي يمكن أن تصطدم بها المياه، ولهذا تحرك الشياطين. كانوا يتحركون بحذر، لكن بعد دقائق، رقد «رشيد» على الأرض، ثم لصق أذنه بها وأخذ يستمع، ثم قال: أعتقد أننا ما زلنا بعیدین.
استمروا في سيرهم. كانوا يلبسون أحذيةً من المطاط، لا تصدر أي صوت، وفجأةً قال «مصباح»: انتظروا!
توقف الشياطين ورقد «مصباح» على الأرض، ثم أخذ يستمع، وهمس قائلًا: هناك أصوات أقدام! فجلس الشياطين على الأرض، ثم أخذوا يستمعون.
قال «أحمد»: إنها تقترب! ثم ظلوا يستمعون، وكانت الأقدام تقترب أكثر.
قال «مصباح»: يجب أن نأخذ جانبًا ثم نلتزم الهدوء.
تحركوا بهدوء إلى الجانب الأيمن من الطريق، ثم جلسوا يتنصتون. كانت الأقدام تقترب أكثر وأكثر، وكان يبدو أن القادمين يلبسون أحذيةً ثقيلة.
قال «رشيد»: لا أظن أنهم ينتمون إليهم.
بدأت أصوات القادمين أنفسهم تتضح، وسمع الشياطين أحدهم يقول: إنها حراسة غريبة؛ فلم يسبق أن قمنا بهذه الحراسة من قبل!
قال آخر: أظن أنها حدثت قبل الآن، لكننا لم نكن فيها.
الأول: هل تعتقد أن أحدًا سیمر من هنا؟
الثاني: لا أظن؛ قد تكون حملةً سرية!
الأول: ماذا تعني؟
الثاني: ربما يكون قد تم العثور على ذهب، أو أي معدن نفیس آخر، فالمناجم هنا غنية!
مر الحارسان بجوار الشياطين، ولم يكن يظهر منهما شيء … فقط يسمع صوتيهما وهما يتحدثان، ثم أخذ الصوت يبتعد.
قال «أحمد»: إنهما حارسان؛ يبدو أن الحراسة شديدة الليلة، خصوصًا بجوار النهر!
تحرك الشياطين من مكانهم، لكنهم فجأةً توقفوا.
قال «رشيد»: لقد سمعت صوتًا غريبًا.
أحمد: أعتقد أننا قريبون من مكان العصابة!
مصباح: يجب أن نكتشف ماذا حدث!
أحمد: سوف نتجه أنا و«مصباح» في اتجاه الحارسين؛ لنرى ماذا حدث، وعليكم أن تبقوا هنا.
أسرع «أحمد» و«مصباح» في نفس الاتجاه الذي سار إليه الحارسان. كان الصمت مطبقًا، فأخذا يتسمعان، وفجأةً جذب «مصباح» يد «أحمد»، فتوقف «أحمد»، وهمس «مصباح»: هناك صوت شيء وقع. تسمع «أحمد» قليلًا، ثم رقد على الأرض يستمع … ثم همس: هناك صوت أنين؛ لا بد أنهم بجوارنا تمامًا؛ هيا نزحف في اتجاه الأنين.
زحف الاثنان في اتجاه الأنين، لكن في هدوء … ثم أخذ صوت الأنين يبدو واضحًا أكثر. وفجأةً صدرت آهة قريبة من «أحمد»، فمد يده يتحسس الأرض، فاصطدمت بجسم إنسان. همس «أحمد»: من أنت؟ وفي صعوبة نطق الرجل: أنا … «فردريك»، حارس الليل …
سأل «أحمد»: بسرعة قل لي ماذا حدث؟ وانتظر «أحمد» الإجابة، إلا أن الرجل لم يجب، فهزه برفق؛ فقد تجمد في مكانه، وعرف أن الحارس قد فقد الحياة، فهمس: «مصباح»، أين أنت؟ أجاب «مصباح»: إنني في مغامرة جديدة مفروضة! بجوارك! هناك قتيل؛ يبدو أنه الشرطي!
عرف «أحمد» أن العصابة قد بدأت لعبتها، ولم يكن هناك ما يمكن عمله الآن؛ فقد كان الظلام كثيفًا، ولا شيء يمكن رؤيته، ولا أحد يدري في أي مكان يختبئ رجال العصابة الآن … وهمس «مصباح»: هل أستخدم البطارية؟
أجاب أحمد: أخشى أن نظهر؛ نحن لا نريد مواجهتهم الآن! فنحن لا ندري … كم عددهم، ولا أين يختبئون!
مصباح: أعتقد أننا يجب أن نواجههم منذ هذه اللحظة؛ حتى لا يخدعنا مرور الوقت.
صمت «أحمد» ولم يرد، غير أنه فجأةً شعر كأن جبلًا يسقط فوقه، وكان أحد أفراد العصابة. في نفس الوقت صرخ «مصباح»: احترس! لكن الرجل كان قد ضرب «أحمد»، إلا أن «أحمد» قفز قفزة الثعبان فأصبح بعيدًا عنه، ثم أخرج خنجره الماضي، فظهر الرجل أمامه، وكان يتحفز للوثوب. طار في الهواء، ثم ضربه بقدمه ضربةً طرحته أرضًا. صاح «مصباح»: إنني مشتبك! رد «أحمد»: وأنا أيضًا!
وقف رجل العصابة، وفي سرعة البرق كان قد أخرج مسدسه، إلا أن «أحمد» كان أسرعَ منه، فقد طار الخنجر في الهواء، ليستقر في فخذ الرجل … الذي صرخ. وفي نفس الوقت كان «أحمد» قد طار في الهواء، ثم ضرب المسدس من يده إلى أعلى … وقبل أن يُفيق الرجل من الحركة الأخيرة، كان «أحمد» قد تلقى المسدس في يده، ووقف الرجل لا یبدي حراكًا، فقد كان لا يزال يقبض على يد الخنجر المغروس في فخذه، والذي كان يعكس ضوءًا يكشفه تمامًا. حاول الرجل أن ينزع الخنجر، إلا انه لم يستطع. في نفس الوقت، اقترب «مصباح» وهو يقول: لقد انتهى الآخر! تقدم «مصباح» من الرجل، الذي نظر إليه في هدوء، فأبعد «مصباح» يد الرجل، ثم أمسك بمقبض الخنجر، وأداره نصف دورة، فصرخ الرجل من الألم، إلا أن «مصباح» كان قد نزع الخنجر، وفي نفس اللحظة ضربه الرجل ضربةً قوية في بطنه، جعلت «مصباح» ينحني … خطف الرجل الخنجر، ثم أمسك ﺑ «مصباح» بين ذراعيه مخاطبًا «أحمد»: إنك يمكن أن تتسبب في قتل زميلك!
دفع «مصباح» أمامه، ثم بدأ يبتعد عن «أحمد» الذي لم يستطع ضرب الرجل من أجل «مصباح». وفجأةً كان الرجل يطير في الهواء؛ ففي حركة سريعة، أمسك «مصباح» بيد الرجل، التي كانت بجوار يده تمامًا، ثم في حركة دائرية، رقد على الأرض، فطار الرجل في الهواء، وعندما استقر على الأرض … كان «أحمد» يقف أمامه. لم يستطع الرجل أي حركة، ونظر إلى «أحمد» في هدوء، ثم ابتسم ابتسامةً خبيثةً، وقال: ينبغي أن نتفاهم.
فکر «أحمد» بسرعة، ثم قال: دعنا نفعل ذلك.
تحرك الرجل ليقوم وهو يقول: إني أُدعَى «جاك»، وأنت؟
نظر إليه «أحمد» في هدوء، وقال: اسمي «نظيم».
كان الرجل قد وقف، وعينه في اتجاه «مصباح» الذي كان يرقب الحوار بين الاثنين، ثم قال: من أي جناح أنت؟
ابتسم «أحمد» ابتسامةً عريضةً، وقال: جناح النسور!
ظهرت الدهشة على وجه «جاك»، وقال: إذن؛ أنت قريب جدًّا من الرجل الكبير!
أحمد: نعم؛ لقد جئت أراقب الموقف!
زادت دهشة «جاك»، فقال: لكن جناحكم مسئول عن عمليات أفريقيا!
أحمد: إنني أفهم في عمليات النقل جيدًا؛ ولهذا جئت!
جلس «جاك» على الأرض وهو يقول: إنني في حاجة إلى الراحة. وعندما جلس قال: ليسترح الزميل؛ أليس معك؟
نظر «أحمد» إلى «مصباح»، وقال: «زین»، تقدم.
مد «جاك» يده محييًا، فمد «مصباح» يده وحياه.
قال «جاك»: تدعى «زین»؟ إنه اسم سوادني على ما أظن!
مصباح: نعم.
قال «أحمد»: أين بقية الزملاء؟
نظر إليه «جاك» قليلًا، ثم قال: إنهم يختبئون في مكان ما!
مصباح: ومستر «داس»؟
بدت الدهشة على وجه «جاك»، وقال: إذن؛ فأنتما تعرفان كل شيء!
ابتسم «أحمد» وهو يقول: نعم! نعم! لكنكما أخطأتما عندما قتلتما الحارسين. تذکر «أحمد» الرجل الآخر، فقال: إنني آسف أن فقدنا زميلًا؛ كان يجب أن نتفاهم أسرع وأكثر.
قال الرجل: آه؛ تقصد «ترافل»؟ وهز رأسه، ثم قال: إنه يستحق ذلك! ما دام لم يستطع التغلب على «زین»!
صمت لحظةً، ثم أكمل: لا بأس؛ إن العدد الموجود يكفي.
ابتسم أحمد، وقال: نعم، تسعة رجال.
ظل «جاك» ينظر إلى «أحمد» لفترة، ثم قال: هل تعرف عددنا أيضًا؟
أحمد: ونوع السلاح والسيارة!
وظهرت الدهشة على وجه «جاك»، غير أنه قال بعد لحظة: إذن؛ يجب أن أدعو بقية الزملاء!
وأرسل صفيرًا معينًا … ثم انتظر … فجاءه صفير آخر من عمق الليل. ولاح في ذهن «أحمد» سؤال: ماذا يمكن أن يفعله الآن هو و«مصباح»؟