مغامرة جديدة مفروضة
نظر «مصباح» إلى «أحمد»، وتفاهما بلغة الأعين. كان السؤال الذي يتردد بینهم: ماذا نفعل أمام سبعة رجال؟ فكر «أحمد» قليلًا، ثم قال: ﻟ «مصباح»، بلغة الشياطين: يجب إرسال رسالة إلى بقية الشياطين. فوضع «مصباح» يده على صدره، حيث يختبئ جهاز الإرسال، ثم بدأ يرسل رسالةً إلى الشياطين، وكانت الرسالة: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: اقتربوا منا، وارصدوا حركاتنا؛ إننا سوف نشتبك مع العصابة. إننا في النقطة «ك».»
جاء الرد، بسرعة: «نحن نرصد حركاتكما، ونحن في الطريق.»
نقل «مصباح» مضمون الرسالة إلى «أحمد»، بينما كان «جاك» ما زال جالسًا على الأرض. أرسل صفيرًا … فجاءه صفير آخر، وكان يبدو قريبًا أكثر. قال «جاك»: إنهم يقتربون!
صمت قليلًا، ثم أرسل صفيرًا متقطعًا، ونظر إلى «أحمد» مبتسمًا: هل أنتما هنا وحدكم؟
أحمد: نعم؛ لكننا على اتصال بالمركز الرئيسي!
تحدث «مصباح» إلى «أحمد» بلغة الشياطين، وقال: إن الموقف ليس في صالحنا؛ إن الصفير الأخير رسالة إلى العصابة! وإن المتقدمين ليسوا سبعةً؛ إنهم أربعة فقط.
نظر «أحمد» إلى «جاك»، وقال: لماذا لم يحضر كل الرجال؟
ظهرت الدهشة في صوت «جاك» وهو يقول: الرجال؟! إنهم قادمون جميعًا!
أحمد: إن القادمين أربعة فقط!
جاك: لا، لا؛ إنهم خمسة!
أحمد: يبدو أن «داش» قد تخلف!
لم يرد «جاك»، وظل صامتًا حتى جاء صوت من الظلام يقول: هل الزملاء الجدد معك؟
اقترب رجال العصابة، وهكذا شعر الشياطين أن الصراع سيكون داميًا، ثم قال صوت من الظلام: ألقوا مسدساتكم.
استمع «أحمد» للجملة، ثم أيقن أنهما قد وقعا في فخ … انطلقت مجموعة من الطلقات حول «مصباح» و«أحمد»، وتحدث الاثنان بلغة الشياطين، فأرسل «أحمد» رسالةً سريعةً إلى «ش. ك. س»: «اقتربوا أكثر.»
انتظر الرد، ولم يكن الرد سوى طلقة ضوئية ارتفعت في الفضاء، فأضاءت المكان … انبطح رجال العصابة بسرعة على الأرض، في نفس اللحظة التي أطلقوا فيها مجموعةً من الطلقات في اتجاه «أحمد» و«مصباح». كان الاثنان قد ألقيا نفسيهما على الأرض، وتدحرجا بعيدًا عن مرمى الطلقات … غير أن سحابةً من الدخان كانت تأخذ طريقها إلى المكان. عرف «أحمد» و«مصباح» أنه دخان للتمويه. انطلقت طلقات الرصاص في اتجاه السحابة، إلا أن سحابةً أخرى وصلت من اتجاه مختلف، وعرف «أحمد» أن الشياطين قد وزعوا أنفسهم في دائرة تحاصر المكان … كانت الطلقة الضوئية قد انتهت، واشتد سواد الليل، ولم يكن هناك صوت؛ كان الجميع صامتين، بلا أي حركة، ولا أي كلمة …
زحف «أحمد» إلى مكان مختلف، ثم أرسل رسالةً إلى «مصباح»: «غيِّر مكانك؛ اتجه إلى النقطة «ﻫ».» فأخذ «مصباح» يزحف، وأخرج «أحمد» مسدسه، ثم أطلق طلقةً ضوئيةً غطت المكان بضوء ساطع، لكن «أحمد» لم يرَ أحدًا … سوی «مصباح» الذي كان يبدو في الطرف المقابل له … أرسل رسالةً سريعةً إلى الشياطين: «أین أنتم؟» جاءه الرد: «نحن حولكم في نصف دائرة.» فأرسل رسالةً أخرى: «هل رأيتم أحدًا؟» وجاءه الرد: «لا أحد.»
كانت هناك مجموعة الأشجار التي نبتَتْ حول مجری النهر، وكان هذا الاتجاه هو النصف الباقي من الدائرة … فأرسل رسالةً للشياطين: «نجتمع عن النقطة «ض».»
اتجه الشياطين زحفًا إلى ضفة النهر، وجاءت رسالة إلى «أحمد»: «إنهم يعبرون النهر.»
أسرع الشياطين جريًا إلى النهر. كانت أصوات عبورهم المياه تصل إلى الشياطين، وعندما وقفوا على الضفة، كانت طلقات الرصاص كالمطر، فانبطحوا على الأرض، وظل الرصاص ينهمر، ولم يتحرك واحد منهم. فجأةً توقف الرصاص، وقال «أحمد»: من الضروري أن يعبر جزء منا خلفهم.
مصباح: إن «داش» يوجد في منطقتنا الآن … وإن كنا لا نعرف مكانه!
رشيد: المهم، إنهم يستطيعون من الضفة الأخرى أن يفعلوا شيئًا.
باسم: الأهم في هذا كله … أن المواجهة أصبحت معروفةً. وبالتأكيد إنهم سوف يدبرون شيئًا؛ هذه مسألة لا بد أن نفهمها جيدًا.
صمت الشياطين. كان الليل هادئًا الآن، إلا من أصوات مياه النهر وهي تتدفق … وصوت ارتطامها بأعمدة الكوبري. قال «أحمد» بعد قليل: ينبغي أن نتجه إلى الكوبري، فمن المؤكد أنهم سوف يلعبون لعبتهم هناك؛ إن القطار سوف يبطئ سرعته عند النهر، وهذه هي فرصتهم … وسكت قليلًا، ثم أكمل: وهي فرصتنا أيضًا.
بدأ الشياطين يتجهون إلى الكوبري. فجأةً لمع کشَّاف قوي، يضيء المكان، فيحيله إلى نهار … اختبأ الشياطين بين أعشاب السافانا العالية … لكن لم تمضِ دقيقة حتى رنت طلقة في الفضاء، ثم ساد الوجودَ ظلامٌ مخيف. همس «رشید»: يبدو أن الكشاف قد أصيب بالطلق الناري.
إلهام: هذا يعني أن الكشاف يتبع الحراسة، والطلقة تتبع العصابة.
أحمد: هذا استنتاج صحيح! وصمت قليلًا، ثم قال: إن هذا قد يزيد مهمتنا تعقيدًا.
ظل الشياطين في مكانهم، لا يتحركون، غير أن «أحمد» قال: سوف أتقدم ومعي «باسم» في اتجاه الكشاف؛ عليكم أن تتبعوا تحركاتنا.
تقدم «أحمد» و«باسم» في اتجاه الكشاف … كان صوت مياه النهر يعلو أكثر، وكان هذا يعني أنهم يقتربون من الكوبري. ظلا يتقدمان، حتى لمحا ضوءًا ضئيلًا يلمع في الظلام … عرفا أنه بطارية الحارس … فالعصابة لا يمكن أن تكشف نفسها … تقدما أكثر، حتى أصبحا قريبين تمامًا من مكان الحارس، وعندئذ شد «باسم» ذراع «أحمد» فتوقف عن السير.
ظلا يتسمعان … كانت هناك أصوات لأقدام تقترب، فكتما أنفاسهما؛ حتى لا يصدر أي صوت؛ فربما كان أحد أفراد العصابة أقرب مما يفكرون؛ فالليل يخفي كل شيء …
سمع «أحمد» زحفًا على الأرض، فضغط على يد «باسم»، ثم سكن الصوت، وسمع «أحمد» صوتًا يقول: «دافيد»، هل رأیت «جاك»؟ عرف الشياطين أنه أحد أفراد العصابة، فاستغل «باسم» قدرته على تقليد الأصوات، وأصدر صوت عصفور برِّي، فرد الصوت ضاحكًا في هدوء: ظننتك «دافيد»! … ثم بنبرة ساخرة: هل تشترك معنا أيها العصفور الليلي في المهمة؟
كان صوت زحف الرجل يقترب أكثر. أخرج «أحمد» قنبلةً زمنيةً، ثم نزع مسمار الأمان منها، ووضعها في طريق الرجل، ثم جذب «باسم» من ذراعه، وأسرعا بالابتعاد … لم تمضِ سوى دقيقة حتى دوَّى انفجار قوي، تتبعه صرخة ألم، فقال «باسم»: لقد انتهی. ثم تقدم الاثنان في اتجاه الانفجار … كان هناك صوت یئن. قال «أحمد»: يبدو أنه أصيب فقط.
ظلا يتقدمان في اتجاه الأنين … حتى وصلا إلى الرجل. كان يردد: «دافيد»، «دافيد»، أين أنت؟ إنني أموت. أین «جاك»، و«داش»؟ هل هو هناك في الحفرة؟ «دافيد» … «دافيد»!
أسرع «أحمد» إليه؛ كانت الدماء تنفجر من ساقيه، وبسرعة أخرج عدة ضمادات، وبدأ يضمد جروحه، وتألم الرجل أكثر.
سأله «أحمد»: من أنت؟ ومن بين الألم، قال الرجل: إنني … إنني «داوسون». هل رأيت يا «جاك»؟ من الذي فعل ذلك؟ … ازداد الألم، وارتفع صوت «داوسون». قال «باسم»: ما رأيك في إبرة مخدرة؟
قال «أحمد»: فكرة! … أخرج «باسم» مسدسه، ثم أطلق على ذراع «داوسون» إبرةً مخدرةً؛ لم تكد تنغرس في ذراعه، حتى هدأ تمامًا، واستغرق في النوم. قال «باسم»: علينا أن نخفيه في أي مكان؛ حتى لا يكشفنا.
جره الاثنان، حتى وجدا مجموعةً عاليةً من أعشاب السافانا، فأخفياه في داخلها، ثم جلسا بجواره قليلًا، ونظر «أحمد» في ساعته المضيئة، ثم قال: لايزال الوقت أمامنا طويلًا. إن القطار لن يمر قبل الرابعة صباحًا، والساعة تكاد تقترب من منتصف الليل فقط.
قال «باسم» بعد لحظة: ربما يغيرون من موعد مرور القطار؛ تأکیدًا لإجراءات الأمن.
قال «أحمد»: هذا صحيح؛ من الممكن أن يحدث هذا.
ظلا صامتين؛ كان كل منهما يفكر، لكن الغريب أنهما كانا يفكران في مسألة واحدة، حتى إن «باسم» عندما بدأ الكلام، كان «أحمد» يبدأ في نفس الكلام …
قال «باسم»: لا بد أنهم لم يعبروا النهر جميعًا. لقد تخلف أكثر من واحد؛ بينهم «جاك» و«دافيد»!
أكمل «أحمد»: ومن الضروري أن يكونا قريبين منا الآن!
فكر لحظةً، ثم قرر التقدم في اتجاه کشك الحراسة، حيث رأى ذلك الضوء الضئيل. كانا يمران بين الأعشاب، وكان ذلك يحدث صوتًا. أصدر «باسم» صوت العصفور الليلي؛ إن ذلك يمكن أن يغطي تقدمهما. اقتربا من الكشك، وظلا يتأملانه من بعيد، قبل أن يقررا الدخول.
قال «باسم»: إنها مغامرة غير مأمونة، لو أننا دخلنا!
أحمد: نعم؛ إنني أيضًا أفكر في ذلك!
وبعد قليل دخلا الكشك …
لم يكن هناك أحد. كانت البطارية ملقاةً على الأرض، ولا تزال ترسل ضوءها الضعيف، فقال «أحمد»: إنها يمكن أن تكون مصيدةً جيدةً.
ظلا في مكانهما … ينظران حولهما، لكنهما فجأةً تجمدا في مكانهما.