هل تثق في كلمة الليل؟
التقط «أحمد» رسالةً تقول: «خذوا حذركم؛ هناك عصابة أخرى في نفس المكان. إذا كنتم لا تستطيعون مقاومتها، فحاولوا الاتفاق معها.» انتهت الرسالة، وانتظر «أحمد» قليلًا لعله يسمع شيئًا آخر … فقد يرد «داش»، لكن «داش» لم يرد. وفکر بسرعة؛ هل الأحسن أن يعقد اتفاقا مع العصابة، أو أن يشتبك معها؟
كان بقية الشياطين قد انضموا، وعقدوا اجتماعًا سریعًا، شرح فيه «أحمد» كل شيء … ثم انتظر ليسمع آراء بقية الشياطين. قال «رشید»: أعتقد أننا يمكن أن نعقد اتفاقًا، وفي هذه الحالة تضمن كل الظروف حولنا.
إلهام: إنني أوافق هذا الرأي.
مصباح: إننا إذا اشتبكنا، فإننا نعطي فرصةً للقطار؛ حتى يمر بسلام.
باسم: أعتقد أن هذا الرأي أصلح.
أحمد: المسألة فيها مخاطرة … المؤكد أن «داش» ومجموعته عندهم معلومات عن وقوع مجموعة النسف، وأن خطة النسف لن تنفذ، ثم إن «جاك» سوف ينضم إليهم، و«جاك» يعرفنا.
باسم: لا أظن أنه يعرفنا؛ لقد كان الظلام شديدًا، ولا يعطيه فرصةً للتعرف علينا.
أحمد: إن أصواتنا قد تكشفنا؛ لقد تحدثنا معه.
صمت الشياطين. كانت مجموعة «داش» لا تزال مشغولةً في إفاقة «هوب». قال «أحمد»: ينبغي أن نقترب من الكوبري؛ حتى نكون مستعدين.
رشيد: أعتقد أن عددهم قد أصبح أكثر من ثمانية، فإذا كانت لديهم معلومات عن فشل خطة النسف، فهذا يعني أنهم سيركزون عمليتهم على القطار وهو منطلق.
أحمد: هذا صحيح.
تقدم الشياطين بسرعة في اتجاه الكوبري، غير أن «أحمد» توقف فجأةً، وقال: يجب أن نرصد حركتهم.
تخلف «مصباح» و«باسم» في الطريق؛ ليتمكنا من رصد حركة مجموعة «داش»، بينما انطلقت مجموعة «أحمد» في اتجاه الكوبري. نظر «أحمد» في ساعته، وقال: إن الوقت يقترب. كان هدوء الليل يسمح لأي صوت أن يظهر، لكنه لم يكن ثمة صوت؛ اللهم إلا صوت عصفور يعلو بين فترة وأخرى، ثم يختفي. اقتربوا من الكشك، لكن فجأةً … ارتفع عواء الذئاب، فتوقف الشياطين … وتركزت أنظارهم عند الكشك. ظهر ذئب ضخم، وأخذ يتشمم المكان، ثم عوی عواء غريبًا، ثم فجأةً ظهرت أعداد متزايدة من الذئاب …
قالت «إلهام»: يبدو أن الذئاب قد عادت بمجموعة أخرى! قال «أحمد»: إذن؛ ينبغي أن نكون تحت الريح، لا فوقه … حتى لا تشم الذئاب رائحتنا.
تقدم الشياطين مبتعدين عن الكشك … كان تقدمهم بطيئًا هادئًا، لكنهم، في نفس الوقت، كانوا يرقبون حركة الذئاب، وظلوا يتقدمون حتى اقتربوا من الكوبري تمامًا.
سأل «رشيد»: الغريب أنه لا توجد حراسة على الطريق!
رد «أحمد»: قد يكون ذلك؛ حتى لا يلفتوا النظر.
توقف الشياطين عند مجموعة عالية من أعشاب السافانا، فأصبحت تخفيهم تمامًا … كان الهدوء يخيم على كل شيء، والقمر قد ارتفع أكثر، فأضاء الأشياء بإضاءة خافتة … لكنها كانت كافيةً للرؤية … مر الوقت بطيئًا، وشعر «أحمد» بدفء جهاز الاستقبال، فعرف أن هناك رسالةً، فأخرج الجهاز، وبدأ في تلقيها … كانت الرسالة من الشياطين: «تحرك القرش في اتجاه الممر؛ نحن خلفه.»
نظر «أحمد» إلى الشياطين، ثم قال: ينبغي أن نغير مكاننا … يجب أن نكون في الجانب الآخر من الكوبري.
تحرك الشياطين، وفجأةً ارتفع عواء الذئاب؛ فقد كانت الريح تنقل لهم أصواتها، فقال «رشيد»: لا بد أن «داش» ومجموعته قد اتجهوا إلى هناك. ولم یكد «رشيد» ينهي جملته، حتى ارتفع صوت الأعيرة النارية، وارتفع معها صوت الذئاب … كان واضحًا أن هناك معركةً ما. فقالت «إلهام»: يمكن أن تكون الذئاب في صفنا!
أوشك «أحمد» أن يرد، لكنه توقف، فقد كانت هناك أصوات تقترب … استمع الشياطين إليها، بينما ظلت تقترب أكثر فأكثر. وبرغم أن أصوات الذئاب والرصاص كان يصل إلى الشياطين، إلا أن الأصوات المجهولة كانت مسموعةً أيضًا … ولفت سمع «رشيد» اسم «جاك»، فهمس ﻟ «أحمد»: واحد منهم يدعى «جاك» … فقال «أحمد»: إذن؛ لقد عادت المجموعة الهاربة.
اقتربت الأصوات أكثر، وقال واحد منها: يبدو أن «داش» قد اشتبك معهم. قال آخر: إنها معركة بالرصاص.
لم يتحرك أحد من الشياطين، بالرغم من أنهم كانوا يسمعون صوت الأقدام بجوارهم تمامًا. وجاءت رسالة إلى «أحمد»: «من «ش. ك. س» إلى «ش. ك. س»: هناك معركة رائعة بين الذئاب والقرش … إننا نراها بوضوح؛ إن الذئاب تعمل معنا.»
ابتسم «أحمد»، ورد: «استمتعوا بالمعركة، ولا تدخلوها.»
تباعدت أصوات مجموعة «جاك» … حتى اختفت، غير أن أقدامًا أخرى كانت تأتي مسرعةً، فتحفز الشياطين … كانت أصوات الأقدام تتجه إليهم مباشرةً، فهمس «أحمد»: لنتجه إلى اليمين.
وعلى الفور زحف الشياطين إلى اليمين، فمرت الأقدام بجوارهم، لكنهم ظلوا صامتين تمامًا؛ فقد توقفت الأقدام وأصبح مسموعًا لهم صوت الذين يتكلمون، وقال «داش»: إننا لا نعرف شيئًا حتى الآن … لقد اختفى أفراد العصابة!
مرت فترة صمت، قال بعدها «داش» بصوته الخشن: لا أدري! لقد اختفى «جاك» أيضًا؛ أخشى أن يكون قد وقع في أيديهم … وعاد الصمت مرةً أخرى، فأخرج «أحمد» جهاز الإرسال، وأرسل رسالةً إلى الشياطين: «أين أنتم الآن؛ بعد أن انسحب القرش؟» وجاءه الرد: «نحن عن النقطة «د»؛ لقد تحرك القرش في اتجاهكم … كما ظهرت مجموعة أخرى من السمك.» فعاد وأرسل رسالةً: «لا تتعاملوا معها … نحن ننتظر فرصةً أخرى.»
صمت كل شيء … أصبحت لحظات الترقب قاسيةً، فمَن الذي سوف يبدأ الاشتباك؟ فجأةً دوی طلق ناري، لمع فجأةً واختفى … همس «أحمد»: إن الطلقة عند النقطة «د»؛ لا بد أن شيئًا قد حدث.
أرسل رسالةً سريعةً إلى الشياطين: «ماذا حدث؟» … لم يصله الرد سريعًا، فقد بدأت الطلقات المتبادلة، وسمعوا صوت «داش» الخشن، يقول: هناك اشتباك مع العصابة المجهولة؛ لا بد أنها مجموعة «جاك».
تحركت الأقدام بجوارهم، في اتجاه طلقات الرصاص.
قال «أحمد»: «إلهام» تنتظر هنا، سوف أتقدم أنا و«رشید» في اتجاههم.
ثم تحرك الاثنان بسرعة.
كانت الطلقات قد ازدادت من جانب واحد، فأدرك «أحمد» أن مجموعة «داش» قد انضمت إلى مجموعة «جاك» ضد «باسم» و«مصباح»، فأرسل رسالةً سريعةً: «ما هو الموقف؟» جاءه الرد: «نحن مشتبکان.»
استمر الشياطين في تقدمهما في اتجاه «باسم» و«مصباح» عند النقطة «د»، وفجأةً ارتفع صوت «داش» يقول: أيها الزملاء، كفوا عن إطلاق الرصاص؛ يجب أن نتفاهم.
أخيرًا وصل «أحمد» و«رشيد» عند «باسم» و«مصباح»، فقال «أحمد»: يجب أن نغطيهم بكمية نيران مضاعفة؛ حتى نخدعهم. وأشار إشارةً بيده، فانطلقت بعدها النيران كالمطر؛ لقد كانوا يستخدمون ثمانی مسدسات، وظلوا يطلقون النيران فترةً، فلم ترد العصابة … فأشار «أحمد»، فتوقف الرصاص.
وعندما أصبح الهدوء يغطي كل شيء … مرةً أخرى، ارتفع صوت «داش»: ماذا قلتم أيها الزملاء؟ إنها فرصتنا جميعًا، ويجب أن نستغلها … إن الوقت يمر، وقد يضيع كل شيء.
لم يرد أحد من الشياطين، ومرت فترة صمت؛ کان «أحمد» يريد أن يعرف منهم أكثر …
ارتفع صوت «داش» يقول: ينبغي أن نتفق … ماذا قلتم؟ لم يرد أحد … بعد دقيقة قال «أحمد»: لنا شروط. رد «داش»: هذا حسن … إننا يمكن أن نبدأ الحوار. ما هي شروطكم؟
أحمد: ألقوا مسدساتكم.
داش: كيف نلقيها، ومعكم مسدساتكم؟
أحمد: نلقي المسدسات جميعًا.
داش: نلقيها مؤقتًا … فسوف نحتاجها فيما بعد.
أحمد: موافقون؛ هيا ألقوها.
داش: ها هي.
سمع «أحمد» مسدسًا يرتطم بالأرض، ثم تلاه ثانٍ، وثالث، حتى أصبحوا ستةً … وارتفع صوت «داش» يقول: هيا … نفذوا الاتفاق.
أحمد: لا تزال هناك مسدسات لم تلقَ بعد.
داش: لم يعُد في أيدينا شيء … إننا ستة أشخاص فقط.
أحمد: إذن؛ هناك ستة مسدسات أخرى.
صمت «داش» قليلًا، ثم قال: لا يوجد لدينا شيء.
أحمد: إذن؛ فأنتم لم تنفذوا الاتفاق کاملًا.
داش: هذه كلمة شرف … لقد ألقينا كل المسدسات.
أحمد: کیف نلتقي؟
داش: كل منا يمشي خطوةً. لكن بعد أن تلقوا المسدسات.
مرت فترة صمت … همس بعدها «أحمد»: ألقوا أربعة مسدسات فقط.
ألقى كل من الشياطين مسدسًا واحدًا، ثم قال «أحمد»: ما رأيكم؟ لقد ألقينا المسدسات.
جاء صوت «داش»: هل أنتم أربعة أفراد فقط؟
رد «أحمد»: نعم!
داش: لا أظن … أنتم ثمانية على الأقل.
ابتسم «أحمد»، وقال: نحن أربعة فقط … لكننا نملك كمية نيران أكبر.
عاد الصمت من جديد، ثم قال «داش»: تقدموا إذن! خطوة، بخطوة.
تقدم «أحمد» خطوةً … ثم سمع صوت خطوة في الطرف الآخر. همس ﻟ «مصباح»: التف أنت و«باسم» حولهم، ودعني أقوم أنا بالمهمة.
زحف «باسم» و«مصباح» في هدوء. تقدم «رشيد» خطوةً، فتقدم واحد من هناك خطوةً، ثم توقفت الخطوات، ولم يتقدم أحد؛ فقد كانت كل مجموعة تأخذ حذرها من المجموعة الأخرى.
ارتفع صوت «داش» يقول: يبدو أنكم لا تثقون في اتفاقنا!
لم يرد «أحمد»؛ ظل صامتًا قليلًا … ثم قال: إننا ننفذ الاتفاق، وأنا لم أسمع خطوةً جديدةً من ناحيتكم.
فقال «داش»: إننا قد خطونا … دعني أسالك: هل تثق في كلمة الليل؟
لم يفهم «أحمد» ماذا يقصد «داش» … غير أنه قال: إنني أثق في كلمة الرجال!
لم يكد يتم جملته، حتى تناهى إلى أذنيه صوت جعله يفكر بطريقة أخرى. وعندما رفع ساعة يده، وألقى نظرةً سريعةً عليها … عرف أن الوقت لا يسمح بشيء؛ لقد كان صوت عجلات القطار يقترب …