عندما امتلأت الشبكة بالأسماك
ارتفع صوت «داش» يقول: لم يعد هناك مجال للاختيار؛ لقد انتهى الوقت.
سمع «أحمد» أصوات أقدامهم تسرع بالابتعاد … فأرسل رسالةً إلى الشياطين: «أين أنتم؟» جاءه الرد بسرعة: «إننا نأخذ طريقنا إلى نقطة التمرکز.» أرسل رسالةً أخرى إلى «إلهام»: «نحن في الطريق إليك.» ثم تحرك هو و«رشيد» بسرعة في اتجاه «إلهام»، ثم فجأةً … ظهر من بعيد جسم مُعتِم يتحرك … كان يبدو وكأنه سيارة ضخمة … همس «أحمد»: ترى هل هناك مجموعة أخرى؟ لا بد أن هذه السيارة سوف تنقل الذهب … من الضروري أن يشتبك معها أحد.
قال «رشيد» وهو ينظر في اتجاه السيارة: هناك واحدة أخرى خلفها؟ …
أحمد: لقد اتضحت الخطة؛ أليس كذلك؟! …
فکر «رشيد» بسرعة، ثم قال: هذه حقيقة؛ لا بد أن يشتبك أحد مع السيارة الأولى …
أرسل «أحمد» رسالةً سريعةً إلى «باسم» و«مصباح»: «يمكنكما أن تتعاملا مع السيارة الأولى القادمة …»
في نفس الوقت، اتجه «أحمد» و«رشيد» إلى «إلهام»، وكانت في مكانها، وقالت عندما رأتهما: هل تریان؟ …
أحمد: نعم … سوف نشتبك نحن مع مجموعة «داش»، وأما «باسم» و«مصباح» فمع السيارة الأولى …
اقتربوا من شريط السكة الحديد فوق الكوبري، وضع «أحمد» أذنه على الشريط، يستمع لصوت عجلات القطار … همس بعد قليل: إن القطار قد أبطأ سرعته …
رشید: هل تظن أن شيئًا قد حدث؟ …
لم يرد «أحمد» بسرعة … كان يفكر في الاحتمالات … فما معنى أن يبطئ القطار سرعته … وهو لا يزال بعيدًا عن الكوبري؟! فجأةً ظهرت مجموعة من الرجال لم يستطع أحد من الشياطين أن يعرفها … فزحفوا هم بسرعة في اتجاه حشائش السافانا، التي لم تكن طويلةً في هذا المكان … اختبئوا خلفها، وأخذوا يرقبون تقدم الرجال … ارتفع الصوت الخشن يتحدث، فعرف «أحمد» أنهم مجموعة «داش» … قال الصوت الخشن: لقد اختفوا تمامًا … غير أنه من الضروري أن يكونوا في مكان قريب منا الآن. لم يرد أحد عليه، وكانوا يتقدمون في اتجاه الشياطين، وكان من الضروري أن يتم الاشتباك الآن … غير أن «أحمد» فكر بسرعة: إن الموقف غير متكافئ، ثم إن هناك رتلًا من السيارات … نظر «أحمد» إلى «رشيد»، ثم همس: من الضروري أن نتخلص منهم هنا … وقبل أن يقترب القطار.
اقتربت مجموعة «داش» أكثر، وكانت المجموعة تسير في طابور يتقدمه صاحب الصوت الخشن الذي قال: لو أنهم ظهروا، لاستطعنا أن نتفاهم … وصمت قليلًا، ثم أكمل: أو نصفي حسابنا!
مرت المجموعة بجوار الشياطين، فانتظروا حتى مرَّ خمسة رجال، ثم قفز «أحمد» فجأةً فوق الأخير منهم، وکمم فمه … ثم عاجله بخنجر، فسقط الرجل دون صوت …
زحف «رشید» … حتى اقترب من الأخير في الطابور … ثم فعل نفس الشيء؛ إلا أن «داش» كان قد التفت في نفس اللحظة، فشاهد ما حدث … أطلق طلقةً سريعةً، إلا أنها أصابت زميله … واستلقى الآخرون على الأرض … في نفس اللحظة التي كان فيها «أحمد» و«إلهام» و«رشيد» قد انبطحوا … ثم زحفوا مبتعدين في نصف دائرة حول المجموعة …
أطلق أحد أفراد العصابة مجموعة طلقات في النقطة التي غادرها الشياطين. وانتظر قليلًا، ثم أطلق مجموعة طلقات أخری … ساد الصمت المكان … فقال «داش»: إنهم كالشياطين! …
كان الشياطين قد أصبحوا خلفهم، فزحفوا في اتجاههم، وكانت ظهور المجموعة إلى ناحية الشياطين، فنظر «أحمد» إلى «رشيد»، و«إلهام»، ثم تفاهم بلغة الإشارة … رفع يده … ثم أشار، فطار الثلاثة في الهواء … كان «أحمد» قد قفز بين اثنين من رجال العصابة … وضرب بقدميه المسدسين من أيديهما … في نفس اللحظة، كان «باسم» قد ضرب مسدس الثالث … وضربت «إلهام» مسدس الرابع … وقبل أن يفيقوا من الحركة المفاجئة، كان الشياطين قد طاروا مرةً أخرى في الهواء … وبدأت لعبة «الكاراتيه» … ضرب «أحمد» اثنين … فانحنيا من أثر الضربة، وقبل أن يعتدلا كان قد أمسك برأسيهما ثم جذبهما بقوة … فاندفع كل منهما في اتجاه الآخر … في نفس اللحظة كانت «إلهام» قد أمسكت بذراع أحدهما، ودارت به دورةً كاملةً … ثم ضربته في قصبة رجله أثناء دورانه، فترنح، ثم سقط على الأرض … بينما كان «رشید» قد ضرب الرابع ضربةً خطافية أسفل ذقنه … جعلته يتراجع بسرعة، فتلقاه «أحمد» بين ذراعيه، ثم ضربه ضربةً جعلته يئن من الألم.
أصبح الأربعة مطروحين على الأرض، فأخرج «أحمد» مسدسه، ثم أطلق على كل منهم طلقةً مخدرةً، فسكتوا تمامًا. قال «أحمد»: علينا أن نلحق بالسيارة، ثم أرسل رسالةً سريعةً إلى «باسم» و«مصباح»: «نحن في الطريق؛ لماذا لم تشتبكوا حتى الآن؟» جاءه الرد: «لقد توقفت السيارة؛ نحن في انتظار حركتها.»
أسرع الشياطين في اتجاه السيارة. كان صوت القطار قد بدأ يقترب، وأخذ يعلو. رأی «أحمد» حركة السيارة الأولى؛ كانت تقترب في هدوء. أرسل رسالةً سريعةً إلى «باسم» و«مصباح»: «لا تشتبكوا مع السيارة؛ دعوها تتقدم إلينا. اللقاء عند النقطة «ي».»
أسرع الشياطين في اتجاه السيارة، وكانت النقطة «ي» عند تل رملي. وصل الشياطين إلى التل، فوجدوا «باسم» و«مصباح» هناك … اختفوا خلف التل، وظلوا يرقبون تقدم السيارة. كانت سيارةً ضخمةً تمامًا، وكانت حركتها بطيئةً، وكأنها كانت قد جُهِّزت لتصل قبل القطار بلحظات. ظلت السيارة تتقدم بنفس حركتها البطيئة، وكان الشياطين قد جهزوا أنفسهم للاشتباك معها.
مرت دقائق، ثم أصبحت السيارة في مواجهتهم تمامًا. قال «أحمد» هامسًا: طلقة واحدة فقط. فأخرج «رشيد» مسدسه، ثم أطلق طلقةً في الإطار الأمامي للسيارة، فارتفع دوي الفرقعة … وتوقفت السيارة …
مرت لحظات صامتة، ثم بدأ بعض الرجال يظهرون حولها. فجأةً ظهرت السيارة الثانية، وتقدمتها، غير أن «باسم» كان أسرع حركةً منها … فقد أطلق رصاصةً استقرت في إطارها الأمامي … فتوقفت هي الأخرى. تردد صفيرًا طويلًا ثم متقطعًا، ثم صمت كل شيء.
قال «باسم»: أستطيع أن أتحدث معهم. رد «أحمد»: لا بأس. فأطلق «باسم» صفيرًا متقطعًا، ثم طويلًا، وصمت. وجاءه الرد … وظلت الرسائل تتردد بين الجانبين …
قال «باسم»: أستطيع أن أتحدث معهم. رد من يعمل ضدهم. قال «أحمد»: أخبرهم أن يصلحوا الإطارات بسرعة؛ فليس هناك وقت، والقطار يقترب. أطلق «باسم» صفيرًا يحمل نفس المعنى الذي ذكره «أحمد»، فجاءه الرد أنهم يفعلون ذلك فعلًا. قال «أحمد» ﻟ «باسم»: اطلب منهم أن تتقدم مجموعة من الرجال، حتى يمكن أن يصلوا إلى القطار، حتى لو ظلت السيارة معطلةً.
أرسل «باسم» الرسالة، ولم تمر لحظات، حتى كان أربعة من الرجال يتقدمون. قالت «إلهام»: فرصة طيبة.
تقدم الرجال بسرعة، حتى أصبحوا بجوار التل الرملي فجأةً؛ كان الشياطين يطيرون في الهواء، ويسقطون فوقهم … مع استعمال الخناجر، وتعالت الصيحات، فقال «أحمد» بسرعة: راقبوا السيارة. كانت السيارة الصغيرة تتحرك في المقدمة … ثم تحركت خلفها السيارة الضخمة. أخرج «أحمد» مسدسه، ثم أطلق رصاصةً استقرت في الإطار الخلفي للسيارة الضخمة … بينما كانت السيارة الصغيرة تتقدم في اتجاههم. قال «أحمد»: يجب أن نأسرها.
عندما اقتربت السيارة من التل الرملي، قفز الشياطين عليها. كانت سيارة مرسيدس متوسطةً، تحمل ثلاثةً منهم. كان الشياطين فوق السيارة التي انطلقت بسرعة خارقة، ثم توقفت فجأةً، وكان الشياطين يحسبون حسابهم لنفس الحركة، فقفزوا في الهواء في نفس لحظة الفرملة، فلم يتأثروا بها. في نفس الوقت كان الرجال قد قفزوا من السيارة.
طار «أحمد» في الهواء، ثم بضربة مزدوجة ضرب اثنين منهم بقدميه، فطارا في الهواء. في نفس الوقت الذي عاجل فيه «باسم» الرجل الثالث بلكمة دائرية، جعلته يدور حول نفسه، ثم يسقط على الأرض، ودار «رشيد» حول نفسه، ثم ضرب واحدًا من الاثنين اللذين ضربهما «أحمد» ضربةً مزدوجةً جعلته يترنح.
لم تمر عشر دقائق، حتى كان الرجال الثلاثة قد انطرحوا على الأرض، بلا حراك. وفي لمح البصر، كان الشياطين قد أوثقوهم بالحبال، ثم حملوهم إلى حقيبة السيارة. قال «أحمد»: «باسم» و«إلهام» ينطلقون إلى أقرب نقطة شرطة، ونحن سوف نتعامل مع الباقين.
قفز «باسم» و«إلهام» في السيارة، وانطلقا إلى مدينة «بورك»، بينما كان صوت القطار قد اقترب تمامًا، في نفس اللحظة التي بدأت فيها طلقات الرصاص من رجال السيارة الضخمة، في اتجاه الشياطين.
ظل تراشق النيران بين الجانبين بعض الوقت … ثم همس «أحمد»: «رشيد»، اتجه إلى السيارة، و«مصباح» إلى اليمين … واترکاني في المنتصف … يجب أن نغطيهم بكمية عالية من النيران، حتى يمر القطار …
زحف «رشيد» في الاتجاه الذي حدده «أحمد»، وزحف «مصباح» إلى الاتجاه الآخر … ثم فتح الثلاثة نيرانهم على السيارة … وظل «أحمد» يرقب كمية النيران التي ازدادت … كان واضحًا أن هناك مجموعةً كبيرةً من الرجال داخل السيارة.
توقف «أحمد» عن إطلاق الرصاص … وأرسل رسالةً واحدةً إلى «مصباح» و«رشید»: «استمروا في إطلاق النيران بكمية أعلى؛ سوف أنهي الموقف.»
ارتفعت كمية النيران أكثر … وزحف «أحمد» حتى استطاع أن يحدد مكان خزان البنزين. اقترب صوت القطار، ثم بدأ يظهر بكتلته السوداء، متقدمًا على شريط السكة الحديد. كان يتقدم ببطء، حتى يعبر الكوبري، وعندما بدأ صوت العجلات يرتفع أكثر، عرف «أحمد» أنه يعبر الكوبري الآن، وأن صوت العجلات يتردد في فضاء الكوبري، وهذا ما يجعل الصوت عاليًا.
أحكم «أحمد» النيران، ثم أطلق طلقةً أصابت خزان البنزين. ولم تمر لحظة، حتى ارتفعت النيران، بعد دوي هائل فجر السيارة. كان القطار قد قطع الكوبري تمامًا … ثم بدأت سرعته تزداد … ثم بدأت تتلاشى في ظلام الليل.
توقف الشياطين عن إطلاق الرصاص، فقد شاهدوا تحت ضوء النيران، مجموعةً من الرجال تفر إلى داخل الصحراء، في نفس الوقت الذي ارتفعت فيه أصوات سيارات الشرطة. اجتمع الشياطين الثلاثة يرقبون سيارات الشرطة المتقدمة، والتي كان يتقدمها جميعًا سيارة «باسم» و«إلهام».
نزل ضباط الشرطة، ودار حوار سريع، ثم بدأت مطاردة رجال العصابة في جوف الصحراء … بينما أخذ الشياطين طريقهم للعودة.
وعندما اقتربت سيارتهم من مدينة «بورك»، كانت أضواء الفجر تزحف على الوجود … ليبدو كل شيء نقيًّا هادئًا. والتقت نظرات الشياطين، ثم ارتفعت أصابعهم ترسم علامة النصر، بينما كان «أحمد» يرسل رسالةً إلى رقم «صفر» يقول فيها: «امتلأت الشبكة بالأسماك …»
وجاءه الرد: «إفطارًا شهيًا؛ أهنئكم.»
عندما وصلوا إلى الفندق، ألقى كل منهم نفسه في سريره … فقد كانوا يشعرون بالرغبة الشديدة في النوم.