الملك «مرنبتاح سبتاح» والملكة «تاوسرت»
يوجد
١ على الآثار ملكان باسم «سبتاح» أحدهما يُدعى «مرنبتاح سبتاح»، والثاني
يُدعى «رعمسيس سبتاح». والأوَّل يُلقب «أخن رع ستبن رع»، والثاني يُلقب «سخعن رع ستبن
رع»، وقد كان الأخير إلى زمن قريب يعتبر أنه «رعمسيس التاسع» أحد ملوك
الأسرة العشرين، إلى أن برهن الأثري «دارسي» على أنه
أحد ملوك الأسرة التاسعة عشرة؛ ولذلك اقترح تسميته «رعمسيس الثالث»، وبذلك يجعل الملوك
الذين يحملون هذا الاسم اثني عشر فرعونًا لا أحد عشر. غير أن الأثري «جوتييه»
٢ على العكس تبع رأي «ماسبرو» القائل بأن طغراء «رعمسيس التاسع» هي في الواقع
الطغراء التي استعملها «مرنبتاح سبتاح» في السنة الأولى من حكمه، ويُحتمل في السنة
الثانية أيضًا. ويقول «جاردنر»: إن هذا الرأي ليس مقطوعًا
٣ به.
ولما كان التاريخ يحدثنا أن بعض الملوك قد غيروا
ألقابهم التي سُموا بها في بادئ الأمر، فمن المحتمل أن رأي «جوتييه» على جانب من الصحة،
وبخاصة أننا لا نعرف لهذا الملك المسمى «رعمسيس سبتاح» أي أثر بعينه، كما أننا لا نعرف
له قبرًا ولا معبدًا جنازيًّا، ولذلك سنغض الطرف عنه — سواء أكان ملكًا حقيقيًّا أم
اسمًا آخر للفرعون «مرنبتاح سبتاح».
والظاهر أن «مرنبتاح سبتاح» قد تولى عرش الملك بعد أخيه «أمنمس» وتزوَّج من «تاوسرت»
التي أقصاها — على ما يظهر — حزب «أمنمس» عن العرش.
وقد كان حامل خاتم الملك «باي» قد اشترك في قلب عرش الملك؛ لأنه كان من أنصار «تاوسرت»،
يدل على ذلك ما جاء في أحد نقوشه: «حامل الخاتم الأعظم لكل البلاد حتى حدودها، مثبتًا
الملك على عرش والده»
٤ وقد وُضع اسمه على قطعة من الحجر، وعلى ألواح من الذهب وخواتم في قطع ودائع
الأساس كلها التي وُجدت للملك «سبتاح» كالتي وضعها الملك لنفسه، وذلك يدل على أنه قد
استمر في إدارة شئون البلاد بصورة بارزة تدل على قوة عظيمة بعد أن ثبت سيده على
العرش.
ويُعد «باي» الموظف الوحيد الذي كان له امتياز في أن يُدفن مع الملوك في واديهم.
وقد
قام «سبتاح» بدوره بعد أن استتب له الأمر في محو آثار الملك «أمنمس» البغيض، ونقش اسمه
واسم زوجه «تاوسرت» بدلًا من اسم «أمنمس». ولدينا جُعَل نُقش عليه اسمه واسم الملكة
«تاوسرت» معًا.
٥
وليس لدينا متون كثيرة عن حكمه وما حدث فيه. وأهم ما عندنا نقش عن بعثة أرسلها —
إلى
بلاد «كوش» لجلب الجزية — «سيتي» نائب «كوش» في عهده، من رجالها «بياي» الذي كان يحمل
الألقاب التالية: «حامل المروحة على يمين الفرعون، وكاتب الملك، ورئيس المالية، والكاتب
الملكي لإدارة الخطابات الفرعونية، ومدير القصر في «برآمون: بياي».» وقد أتى ليتسلم
جزية بلاد «كوش».
٦ و«بياي» هذا هو ابن «سيتي» سالف الذكر. وجاء معه «حورا» رسول الفرعون عن كل البلاد.
٧
وفي السنة السادسة أُرسلت بعثة ثانية، وقد كان «حورا» هذا وقتئذ قد رُقي إلى وظيفة
حاكم «كوش» وحل مكانه ابنه «وبختا» في وظيفة «رسول الفرعون». ولا نرى — غير ما ذكرنا
—
لهذا الفرعون على الآثار تواريخ قط حتى الآن.
وفي اعتقادي أن الملكة «توسرت» التي يقول عنها «مانيتون» إنها حكمت أكثر من سبع سنين
قد استمرَّت في حكم البلاد بعد زوجها «سبتاح» الذي على ما يظهر حتى الآن قد مات بعد
السنة السادسة من حكمه، ولدينا فضلًا عن هذا آثار تدل
على أن «توسرت» قد ظلت في الحكم حتى السنة الثامنة
كما سنذكر ذلك (وقد اشترك معها في الملك «سيتي الثالث» كما يقول «إمري».) وقد أقام
«سبتاح» لنفسه معبدًا جنازيًّا ومقبرة على غرار الملوك الآخرين.
(١) المعبد الجنازي
أقام «مرنبتاح» لنفسه معبدًا جنازيًّا يقع شمالي معبد «أمنحتب الثالث»، وقد قام
الأستاذ «بتري» بحفائر لتنظيف بقايا هذا المعبد عام ١٨٩٦ (راجع
Petrie, Six Temples at Thebes pp. 16-17). وقد
وجد كل أبنيته مخرَّبة وتبلغ مساحته ثلث معبد الملكة «توسرت» تقريبًا. ولم يتبقَّ
منه إلا الخنادق التي كانت قد قُطعت في الصخر ووُجدت مملوءة بالرمل. وليس لدينا علم
بما تم من بنائه في عهد صاحبه. وقد عُثر في أساسه على ثماني ودائع أساس انتثرت منها
في أنحاء العالم، وتوجد منها قطعة في متحف «مرسليا»، (راجع Rec.
Trav. XIII, p. 112)، وهذه الودائع في الأصل كانت تحتوي على
حوالي مائة وخمسين لوحة صغيرة مطلية، وجعارين أيضًا، وحوالي مائتين وثلاثين خاتمًا،
ومائة لوحة صغيرة مصفحة بالفضة والذهب، وكلها باسم الفرعون «سبتاح»، هذا إلى حوالي
مائة لوحة من هذه الأشياء باسم حامل الخاتم الملكي «باي»، وأكثر من مائتين وألف من
النماذج المطلية والخواتم، وحوالي مائة وخمسين من نماذج آلات. تُضاف إلى ذلك
الأواني الملونة المصنوعة من الفخار والأحجار وغيرها. وقد وُجد في مكان كل وديعة
قطعة من الحجر الرملي عليها طغراء هذا الفرعون وأخرى مشابهة باسم «باي»
وألقابه.
وليس لدينا للفرعون «سبتاح» صور إلا التي في قبره. ويقول «بتري»: إنها رءوس للملك
«سيتي الثاني» أو رءوس للفرعون «ستنخت» على أن هذا الموضوع يحتاج إلى بحث دقيق
(راجع Petrie, Hist III, p. 132).
(٢) مقبرة سبتاح
كشف عن هذا القبر الأثريان «ديفز» و«أيرتون»
(The Tomb of Siptah,
Davies and Ayrton). ويقع على الممر الشمالي المؤدي إلى مقبرتي
«توسرت» و«سيتي الثاني»، وتُرى صور هذا الفرعون
بجانب الملكة على جدران الدهاليز الأولى للمقبرة، وقد دخل أنصار الملك الذي كان
يناهض «سبتاح» بعد دفنه بمدة وجيزة المقبرة ومحوا اسمه أينما وجدوه، وقد حمل الكهنة
موميته إلى مقبرة «أمنحتب الثاني» ودفنوها هناك، وقد ظلت فيها إلى أن كشف الأستاذ
«لوريه» عن مقبرة «أمنحتب الثاني» هذا. والظاهر أن الكهنة الذين وضعوه في مقبرة
«أمنحتب» قد أعادوا كتابة طغراء «سبتاح»، والحجرات الداخلية من قبره قد تداعت على
مرِّ الزمن، ولا يمكن الزائر الآن إلا مشاهدة الدهاليز الأولى وهي محلاة بالمناظر
الدينية الجميلة، فيُرى على اليمين والشمال عند المدخل صورة آلهة العدل المجنحة،
وعلى اليسار صورة جميلة للفرعون «سبتاح» يخاطب «حور مأخت» إله الشمس، وبعد ذلك
يُشاهد صور الشمس العادية وهي تمر بين الأفقين، وبقرب قعر الجزء الذي يمكن الوصول
إليه من القبر يُرى على اليسار منظر فيه مومية الملك أو «أوزير» تحرسها الإلهتان
«إزيس» و«نفتيس» والإله «أنوب»، وفوق ذلك وأسفل منه صور لابن «آوى» حامي الجبانة
يجلس عند أبواب العالم السفلي
(Weigall, Guide p. 226
ff). ويلفت النظر في هذا القبر كذلك رسوم السقف على الرغم مما
أصابها من تهشيم (راجع
Capart Thebes p. 310 fig.
229). وصندوق هذا الملك في «متحف القاهرة».
٨
وتماثيله المجيبة في «متحف متروبوليتان» بنيويورك،
٩ ومجوهراته في «متحف القاهرة».
(٣) آثار «سنبتاح»
وليس لهذا الفرعون آثار منقولة تذكر غير ما ذكرناه إلا ما يأتي:
- (١)
محراب صغير فيه «آمون رع»، وهو «بالمتحف البريطاني».
١٠
- (٢)
قطعة من تمثال عليها اسمه محفوظة
الآن «بمتحف الفاتيكان».
١١
- (٣)
وجعارين هذا الفرعون قليلة، بل نادرة. وقد وجد اسمه مع اسم «توسرت»
على جعران.
١٢
(٤) آثاره في بلاد النوبة
وُجدت له نقوش عدة في بلاد النوبة سنذكرها عن التحدث عن رجال عصره.
(٥) الموظفون والحياة الاجتماعية في عهد «مرنبتاح سبتاح»
باي
لا نعرف من الآثار التي لدينا موظفًا يحمل لقب «وزير» في عهد هذا الفرعون،
ولكن الرجل الذي كان مسيطرًا على زمام الأمور في عهد كل من «سبتاح» و«توسرت» هو
حامل الخاتم «باي»، ويؤخذ — من اسمه — أنه من أهل الدلتا. ومعناه «الروحي» نسبة
إلى الكبش رب «منديس». وقد ترك لنا هذا العظيم لوحة منقوشة على الصخور الغربية
من «أسوان»
١٣ تدل على ما كان له من نفوذ وسلطان في طول البلاد وعرضها، وقد نوهنا
عن ذلك من قبل. فنشاهد على هذه اللوحة الملك «سبتاح» على عرشه، وخلفه حامل
الخاتم «باي»، وأمام الفرعون يقف «سيتي» متمدحًا. والنقش الذي فوق «باي» هو:
«حامل الخاتم الملكي، والسمير الوحيد، ومقصي الكذب، ومقدم الصدق، وممكن الملك
من عرش والده، ومدير مالية البلاد الأعظم «رعمسيس-خع-م-تروباي» (= رعمسيس
المضيء بين الآلهة) «باي».» وفوق «سيتي» كُتب المتن التالي:
المديح لك يا أيها الملك العظيم، من ابن الملك صاحب «كوش» وحاكم بلاد
الذهب ملك «آمون»، وحامل المروحة على يمين الفرعون، والمدير العظيم
لبيت الملك، وكاتب وثائق الملك (له الحياة والفلاح والصحة)
«سيتي».
ولدينا نقش آخر في «السلسلة» مماثل للسابق
يظهر فيه الملك «سبتاح» يقدم الأزهار «لآمون» ويظهر فيه «باي» خلف الفرعون،
وفوقهما معًا المتن التالي:
تقديم المديح «لآمون رع» وتأدية الطاعة لحضرته، ليته يحفظ ابنه رب
الأرضين «أخن رع ستبن رع» (سبتاح).
ونُقش فوق «باي»:
ليتهما (أي آمون وسبتاح) يمنحان — اعترافًا للعدل — ويكافئان من
يعمله (العدل) الحياة السعيدة، والقلب الرضي، وبهجة اللب، وتملك الصحة،
لروح رئيس المالية الأعظم للأرض كلها، من يثبت الملك على عرش والده،
ومن يحبه (الملك) «باي».
١٤
وكذلك نجد اسمه على صورة العجل «منفيس» التي عُثر عليها في «العرب» وهي
موجودة الآن «بالمتحف المصري».
١٥
وقبر هذا العظيم بين مقابر الملوك في جبانة «وادي الملوك»، ويقع في نهاية
الوادي الجنوبية على يمين الطريق المؤدية لمقبرة الملكة «توسرت»، ويحمل هذا
القبر رقم (١٣).
وأهمية هذا القبر تنحصر في أنه هو القبر الوحيد الذي أُقيم لغير ملك بحجم
المقابر الملكية، ولم يُنظف بعد في أيامنا، وهو مفعم الآن بالأتربة.
١٦
وفي معبد «أمدا» نجد في قاعة العمد على جانبي الباب المؤدي إلى الممر نقشين
هامين من عهد الملك «سبتاح». فعلى الجهة الجنوبية صورة «توسرت»، وعلى الجهة
الشمالية صورة حامل الخاتم «باي»، وبالقرب منه طغراءان «لسبتاح» بدون صورته.
١٧
سيتي
ابن الملك صاحب «كوش»، وهذا الحاكم هو الذي يقترح «إمري» في مقاله عن ترتيب
أواخر ملوك هذه الأسرة أنه «سيتي الثالث» الذي تزوج من «توسرت» بعد موت
«سبتاح»، وقد وُجدت له خمسة نقوش في بلاد النوبة ذكرنا منها ما اشترك فيها مع
«باي».
وله غير ذلك نقش في معبد «بوسمبل» نشره «برستد» ونصه:
١٨
حورا
سائق جلالته، ورسول الفرعون لكل أرض: وُجد لهذا الموظف نقش في «معبد بوهن»
٢٥ مؤرخ بالسنة الثالثة من حكم «سبتاح» جاء فيه:
سائق جلالته الأول، ورسول الفرعون لكل البلاد، لأجل أن يمكن الرؤساء
على كراسيهم وسار قلب جلالته «حورا» بن «كاما» المظفر، التابع للإصطبل
العظيم الفرعون الخاص بالبلاط،عمله (أي النقش) في السنة
الثالثة.
ووُجد له نقش آخر مؤرخ بالسنة السادسة في نفس المكان
٢٦ جاء فيه:
السنة السادسة من عهد ملك الوجه القبلي والوجه البحري «آخن رع ستبن
رع» بن «رع» القائم بعمل السائق الأول لجلالته، ورسول الملك لكل بلد
«وبخوش» (؟) ابن الملك صاحب «كوش» «حورا» (هكذا) (؟).
بياي
رئيس الرماة
كانت وظيفة رئيس الرماة من الوظائف الهامة في حكومة السودان التابعة لنائب
الفرعون مباشرة، وقد كان صاحب هذه الوظيفة على رأس القوات التي تُوضع تحت تصرف
ابن الملك صاحب «كوش» لحفظ النظام في بلاد النوبة. والظاهر أن الحملات
التأديبية الكبيرة كانت تحت إشراف الفرعون مباشرة، أو تحت إشراف ضباط عظام من
الجيش يرسلون بقوات خاصة، وقد كان يحمل وظيفة «رئيس الرماة» في عهد الملك
«سبتاح» الضابط «بياي»، فقد عُثر له على نقوش عدة في بلاد النوبة
وهي:
- (١)
نقش في «بوهن»
٢٧ ويحمل فيه الألقاب التالية: «حامل المروحة على يمين
الملك، وكاتب الفرعون، والمشرف على المالية، وكاتب ديوان الملك
لرسائل الفرعون، ومدير القصر في «بر آمون» بياي.» لقد أتى ليتسلم
جزية أرض «كوش». والنقش مؤرخ بالسنة الثالثة.
- (٢)
وله نقش مؤرخ بالسنة الثالثة أيضًا في نفس المكان، ويحمل فيه
الألقاب التالية: «حامل المروحة على يمين الفرعون، والمشرف على
خزانة رب الأرضين.»
٢٨
- (٣)
وكذلك له نقش آخر غير مؤرخ في نفس المكان
٢٩ ربما كان قبل النقش السابق في تاريخه ونقوشه مهشمة بعض
الشيء، وهي: «رسول الفرعون (لكل أرض)، والذي يمكن موظفي ابن الملك
من أماكنهم، وسائق جلالته الأول … «بياي» التابع للبلاط.»
- (٤)
وأخيرًا وُجد له نقش في «أمدا» نُقش عليه: «حامل المروحة على
يمين الملك، ورئيس الرماة.»
٣٠