لقد وضع «مانيتون» الملكة «توسرت» في آخر قائمة ملوك الأسرة التاسعة عشرة، وقال عنها
إنها حكمت سبع سنين. وتدل الآثار التي لدينا على أن لها تواريخ حتى السنة الثامنة من
حكمها، غير أن الرسوم التي تركتها لنا مبهمة، لغموض العصر الذي عاشت فيه، وللتطاحن على
عرش الملك في تلك الفترة. وأظن أن أكبر عقبة وقفت في سبيلها إلى اعتلاء العرش منفردة
طوال المدة التي عاشت فيها أنها كانت امرأة على الرغم من أنها — على ما يظهر — كان لها
من الألقاب الشرعية ما يؤهلها لتولي العرش. وإذا أخذنا بنظرية «إمري» في أنها تزوجت من
فرد آخر يُدعى «سيتي» بعد وفاة «سبتاح» فإنه يكون «سيتي» الذي كان حاكمًا لبلاد النوبة،
وبخاصة إذا علمنا أنه لم يُذكر على الآثار بعد السنة السادسة نائبًا للنوبة. وعلى ذلك
يعد «سيتي» هذا «سيتي الثالث» بين ملوك مصر كما ذكرنا من قبل. غير أن العقبة الوحيدة
التي تقوم في وجه هذا الحل هو أننا وجدناها تؤرخ لنفسها وحدها بالسنة الثامنة كما جاء
على استراكون نشرها «دارسي»
١ وهي محفوظة الآن «بالمتحف المصري» على الرغم من اشتراك «سبتاح» معها. وهذا
هو نفس ما فعلته «حتشبسوت» التي ادعت أنها وارثة «تحتمس الأول» في حياته واشتركت معه
في
الملك، وكما ادعى «تحتمس الثالث» أنه فرعون البلاد منذ زمن والده «تحتمس الثاني»
متجاهلًا حكم «حتشبسوت» على مصر، ويُخيل إلي أنه بعد موت «سبتاح» قوي حزب «توسرت» وظلت
على العرش حتى ماتت أو خلعت، على أن ذلك لا يمنع أنها تزوَّجت من «سيتي الثالث»
المزعوم.
معبد «توسرت» الجنازي
وقد بدأت في إقامة معبد جنازي في الشمال من معبد «مرنبتاح»، وهو الآن مخرب
تمامًا، ومُغطًّى بالأتربة، ويقع في داخل مساحة مُهدت في الصخر، وقد قام بالكشف عن
بقاياه الأستاذ «بتري» عام ١٨٩٦م.
٢
وقد كان هذا المعبد في حجمه يقرب من معبد «مرنبتاح»، وقد عُثر فيه على تسع ودائع
أساس في خنادق كانت مملوءة بالرمل. وهذه الودائع تشمل كل منها لوحة من الحجر نُقش
عليها طغراء الملكة، وعلى فخار وجعارين مطلية عددها ٢٤٦، وصور بط مطلية، ورءوس
ثيران وعجول، وأفخاذ بقر وسمك، وأزهار بشنين وغير ذلك، ويبلغ عددها ١٢١٤، وعلى
خواتم عددها ٤٣، ونماذج آلات من النحاس عددها
٣ ٧١ الخ.
ولكن مما يؤسف له أنه لم يبقَ من المعبد أي أثر من الأحجار المنقوشة. والمظنون أن
هذا المعبد لم يسرِ العمل فيه، وإلا بقيت لنا منه بعض البقايا التي تخلفت من أحجاره
عند نقلها إلى مكان آخر إذا فُرض أنه قد خرب فيما بعد. ومن المحتمل إذن أنه لم تنجز
فيه مبانٍ كثيرة فعلًا، ولا بد أنه كان قد بدئ فيه قبل البدء في بناء معبد «سبتاح»
بزمنٍ قليل. كما يقول «بتري»
٤ لأن طراز كل الأشياء التي وُجدت فيه تختلف عن طراز ما وُجد في معبد
«توسرت»، ومع ذلك فقد وُجد في مجموعة الجعارين ما يدل على أنه لم يمضِ طويل زمن بين
إقامة كل منهما.
ويُلاحَظ أنها قد نظمت نقش طغرائها بمهارة ليشبه طغراء جدها العظيم «رعمسيس
الثاني» «وسرماعت رع». وقد كُتب طغراؤها الثاني بأربعة أشكال، غير أنها كلها بقراءة
واحدة: «ست رع» «محبوب آمون»، وهذه الملكة قد ظهرت في تاريخ «مانيتون» باسم «توريس»
وحكمت سبع سنوات. وهذا يتفق مع الاستراكون التي وُجدت باسمها المؤرخة بالسنة
الثامنة كما ذكرنا على وجه التقريب.
ومن الطريف ما يُقال من أن سقوط «طروادة» كان في عهدها، وهذا دليل — إن صح — له
قيمته عن مقدار ما لتواريخ «مانيتون» من الصحة.
ولم تحدِّثنا الآثار عن كيفية انتهاء حكم هذه الملكة، غير أننا نعلم من نقوش
«رعمسيس الثالث» أن البلاد قد وقعت في فوضى وانحلال وسوء نظام أدت إلى تسلط رجل
آسيوي من دم غير ملكي على البلاد وهو «إرسو»، إلى أن جاء والد «رعمسيس» العظيم
«ستنخت» وأنقذها مما حل بها من مصائب وويلات، ودرج بها نحو العلا مرة أخرى بفضل
خلفه العظيم «رعمسيس الثالث» الذي أحيا مجد البلاد، وناضل عن استقلالها في فترة من
أحرج الفترات في تاريخ أرض الكنانة.
وقبرها في «جبانة وادي الملوك»، وهو الذي اغتصبه «ستنخت» لنفسه، وسنتحدث عنه فيما
بعد.