ملوك الأسرة الخامسة والعشرين
ومما يلفت النظر هنا أن الآثار التي ذُكِرَ عليها اسم «كشتا» بمفرده نادرة جدًّا، في غالب الأحيان نجده مذكورًا مع أولاده وبخاصة مع ابنته «أمنردس» في معبد «أوزير» بالكرنك وهي التي حفظت لنا اسمه، وتدل الأحوال حتى الآن على أن «كشتا» هذا لم يقم بدور هام في التاريخ المصري إلا تولية ابنته في منصب متعبدة إلهية بعد وفاة «شبنوبت» ابنة «أوسركون الثالث» كما سنرى بعد، أما من حيث الأعمال الحربية أو غيرها فلم نعثر له على شيء في «طيبة» ولا في غيرها قط.
وأهم الآثار التي وُجِدَ عليها اسمه هي:٩
ويقول «مسبرو» إنه لم يعثر على لقب «كشتا»: «مام رع» الذي نقش على هذه اللوحة في نقوش أخرى غيرها، ولكن يحتمل أن يكون هذا اللقب قد كُتِبَ بإهمال وأن المقصود هو «ماعت رع». هذا ولما لم يكن لدينا دليل على وجود ملك آخر يُدْعَى «كشتا» فإن هذا الملك الذي على لوحتنا هذه هو «كشتا» الذي محيت طُغْرَاءَاتُهُ كثيرًا على الآثار، وإذا استثنينا ما جاء على هذه اللوحة وما جاء على قطعة الخزف المطلي نجد أن اسمه لم يُذْكَرْ بمفرده بل مع أحد أولاده وبخاصة ابنته «أمنردس» الزوجة الإلهية أو المتعبدة الإلهية.
أسرة (كشتا)
وقد أنجب «كشتا» وزوجه ولدين هما «بيعنخي» و«شبكا» وقد صار كل منهما فيما بعد ملكًا على مصر والسودان.
أما بناته فهنَّ
- (١) «آبار»: وقد تزوجت من أخيها «بيعنخي» وأنجبت له «تهرقا».١٢
- (٢) «خنسا»: وقد دُفِنَتْ في «الكورو» بالمقبرة رقم ٤ وقد تزوجت من أخيها «بيعنخي» ودفنها «تهرقا» وعُثِرَ لهذه الملكة على مائدة قربان من الجرانيت في سلم قبرها وهي محفوظة الآن بمتحف «بوستون» وكذلك وُجِدَ لها مائدة قربان في حجرة الدفن كما وُجِدَ لها عدة أوانٍ من المرمر وكلها منقوش عليها طُغْرَاءَاتٌ مزدوجة وألقاب مختلفة، هذا بالإضافة إلى ثور من حجر ستياتيت محفوظ في «متحف بوستون» وطست من الفضة أيضًا.١٣
- (٣) الملكة «بكساتر»: تزوجت من أخيها الملك «بيعنخي» ولم يُحَقَّقْ موضع قبرها حتى الآن ويذهب «ريزنر» إلى أنه القبر رقم ٥٤ في الجبانة «الكورو» وقد تبنتها الملكة «بياتما».
- (٤) المتعبدة الإلهية «أمنردس»: وتُسَمَّى في التاريخ «أمنردس الأولى» ابنة «كشتا» واسمها مصري صريح ويمكن البرهنة على ذلك من مصادر مختلفة بصفة قاطعة. والمتون التي تثبت ذلك قد جمعها «جوتييه» في كتاب الملوك.١٤ وعند استيلاء «كشتا» على عرش ملك مصر أجبر المتعبدة الإلهية «شبنوبت» ابنة «أوسركون الثالث» على أن تتبنى ابنته «أمنردس» لتخلفها بعد موتها في هذا المنصب العظيم الذي كان يعادل منصب الكاهن الأكبر الذي اختفى مؤقتًا منذ أن تولت «شبنوبت» هذا المنصب في عهد والدها «أوسركون الثالث» والبراهين الدالة على أن «شبنوبت» قد تَبَنَّتْهَا هي و«شبنوبت الثانية» وكذلك البراهين الدالة على التبنيات التي أتت بعد ذلك هي التي نشرها «لجران» ومحصها «أرمان».١٥ ويعد الأستاذ «أرمان» أول من برهن على أن كل الصلات الزوجية المزعومة بالنسبة لهؤلاء الأميرات اللاتي ذُكِرْنَ في لوحة التبني يجب أن تُلْغَى ولا يُلْتَفَتُ إليها قط لأنها خاطئة كما سنرى بعد. وعلى ذلك فإن «شبنوبت الأولى» ابنة «أوسركون الثالث» و«تنتسا» على الرغم من أنها ذكرت بأنها أم «أمنردس» فإنها في الواقع لم تكن أمها الحقيقية ولم تكن قط يومًا من الأيام زوج الملك «كشتا» كما ادَّعى ذلك «جوتييه»١٦ وقد قرر ذلك من قبل الأثري «لجران» عندما نشر لوحة التبني. وقد بقي هذا الزعم الخاطئ قائمًا يُؤْخَذُ به حتى عهد قريب.١٧ ومما يدحض هذا الرأي بدهيًّا أنه لا «شبنوبت الأولى» ولا أية واحدة من أخلافها اللائي تبنين كاهنات لآمون كُنَّ يحملن لقب الزوجة الملكية أو الأم الملكية، وذلك بدلًا من لقب زوج الإله أو الابنة الإلهية، كما كان يحدث أحيانًا، أو لقب المتعبدة الإلهية وهو اللقب الذي كانت تحمله دائمًا. غير أن ذلك لا ينطبق على المتعبدات الإلهيات اللائي سبقتهن، ولدينا استثناء ظاهر في المتعبدة الإلهية التي تُدْعَى «ماعت كارع مو تمحب» ابنة «بسوسنس» التي كان لها طفل فعلًا وقد كان مثلها كمثل المتعبدات الإلهيات لم تحمل لقب «زوج الملك»، والواقع أنها لم تتزوج ولكن «جوتييه» يذكر١٨ أنها كانت الزوجة الملكية للفرعون «بينوزم الأول» ويرجع السبب في هذا الخطأ إلى أن لقبها «دعية الملكة» قد تُرْجِمَ خطأ بلقب «الملكة العظيمة» والواقع أن الملكة زوج «بينوزم الأول» هي «حنت تاوى» التي كانت تحمل لقب الأم التي تَبَنَّتِ المتعبدة الإلهية «لآمون». ومما يلفت النظر هنا أنه على الرغم من أنها كانت تُلَقَّبُ المتعبدة الإلهية فإن أمها التي تبنتها لم تكن كذلك، وقد يرجع السبب في هذا إلى أن اللقب والفكرة كانا جديدين.
- (١) وجد اسمها مع اسم والدها «كشتا» على نقش دوِّن على صخرة في جهة الشلال الأول جنوبي «أسوان».٢١
- (٢) ووجد لها لوحة في مدينة «هابو» عليها اسمها واسم والدها «كشتا» واللوحة محفوظة بالمتحف المصري الآن٢٢ وهي مستديرة من أعلى ومصنوعة من الحجر الرملي وارتفاعها ٥١ سنتيمترًا وعرضها ٣٫٨٥ سنتيمترات ورُسِمَ على الجزء الأعلى منها قرص الشمس وفي أسفل اللوحة من الجهة اليمني كُتِبَ: «المتعبدة الإلهية «شبنوبت»»، وقد مُثِّلَتْ واقفة تحرك صناجتين أمام ثلاثة آلهة وتلبس ثوبًا فضفاضًا شفيفًا وترتدي شعرًا مستعارًا مُحَلًّى بِصِلٍّ ملكي وشريط مُتَدَلٍّ. وقد وُضِعَ على تاج بِصِلٍّ قرنان طويلان يحيطان بقرص الشمس الموضوع أمام ريشتين عاليتين. والآلهة هم «آمون رع» حارس «طيبة» ومُثِّلَ ماشيًا ومعه النقش التالي: «كلام معطي الحياة والفلاح». وكذلك نجد نفس النقش أمام الإلهة «موت عين رع» ثم الإله «خنسو»؛ وفي أسفل نجد النقش التالي: «آمون رع» صانع الحياة وحارس «طيبة» الذي يُعْطِي كل الحياة والفلاح للمتعبدة الإلهية «أمنردس» ابنة الملك «كشتا». أُهْدِيَتْ بوساطة مغنية حريم «آمون» (المسماة) «نب تهيت محيت» ابنة الرئيس العظيم للوبيين الْمُسَمَّى «عنخ حور» وأمه «تاتنحب».
ويقول «لجران» إنه على الرغم من قصر هذا المتن فإنه يحتوي على بعض نقاط هامة يجب التنويه عنها:
تدل شواهد الأحوال على أنه كانت توجد قاعدة مُتَّبَعَةٌ في المراسيم المصرية لا استثناء فيها إلا النذر اليسير جدًّا وهي أن الملك الحاكم كان دائمًا يُرْسَمُ في المناظر أولًا أمام الإله في الأحفال الرسمية وتأتي خلفه عادة الملكة ثم الأتباع، وليس لدينا شواذ عن هذه القاعدة إذا استثنينا الملكة «حتشبسوت» في أن نجد الملكة زوج الملك تحتل هذه المكانة الأولى أمام الإله أو الآلهة بدلًا من الملك. وحتى عندما يكون الملك غائبًا كما هي الحال في اللوحة التي نتحدث عنها كان يجب أن تحتل الملكة هذه المكانة في الصورة بدلًا من «شبنوبت» كما تقتضيه المراسيم. والواقع أن الملك «كشتا» قد ذكر في هذا المتن، ومع ذلك لم نجده ممثلًا في اللوحة قيل «شبنوبت» ولا خلفها. هذا ونجد كذلك صورة الملك «أوسركون الثالث» بن «أزيس» في معبد «أوزير» حاكم الأبدية موضوعة خلف صورة ابنته «شبنوبت»، ونعلم كذلك من لوحة الأميرة «عنخنس نفرت اب رع» أن لقب المتعبدة الإلهية كان أعلى درجة من لقب الكاهن الأكبر «لآمون». وعلى أية حال فإن المثال الذي ذكرناه هنا الدال على تقدم المتعبدة الإلهية على الملك في مراسيم معبد «أوزير حاكم الأبدية» وكذلك المثال الذي نحن بصدده في لوحتنا يكفيان للبرهنة على أن هذه المتعبدة الإلهية أو على الأقل «شبنوبت» كانت تحتل مكانة أكبر من وظيفة الملك نفسه في «طيبة»، ومن الجائز أن يُعْتَرَضَ على ذلك بأن «كشتا» كان قد تُوُفِّيَ وأنها كانت وصية عندما كُتِبَتْ هذه اللوحة، ولكن هذا الاعتراض باطل لأنه كان له وارث وهو ابنه «بيعنخي» وكان يحمل لقب الملك، على أن ذلك لا يمنع من القول إنه في معبد «أوزير حاكم الأبدية» الموجود «بالكرنك» يشاهد «أوسركون الثالث» الحي واقفًا وراء ابنته «شبنوبت» التي كانت تحمل لقب الزوجة الملكية «لآمون» أي إنها كانت واقفة أمام شخصية تحمل ألقاب ملك مصر؛ ومن ثَمَّ نستنبط أن لقب الزوجة الإلهية «لآمون» وكذلك لقب المتعبدة الإلهية ولقب «يد الإله» كانت ألقابًا تجعل للمرأة التي تحملها الأفضلية على الفرعون نفسه.
وعلى أية حال فإن سلطان هؤلاء الزوجات الآلهيات «لآمون» كان روحيًّا أكثر من أي شيء وذلك لأننا نَرَاهُنَّ دائمًا مصحوبات بمدير بيت عظيم. وتدل النقوش على أنه كان في يد هذا المدير العظيم للبيت زمام الأمور في كل إقليم «طيبة» بمفرده باسم المتعبدة الإلهية وباسم الفرعون الذي كان يحكم في زمنه وهو الذي نشاهد غالبًا طُغْرَاءَهُ على المباني كما نشاهد طُغْرَاءَ الزوجة الإلهية الحاكمة كذلك معه.
ولا نشك في أن هذا القول لا يبعد عن الحقيقة على الأقل بعد الهجرة إلى بلاد كوش (أثيوبيا) وذلك أن الملكة أو بعبارة أدق زوج «آمون» الإلهية كانت تعترف بسلطان ملك كوش العظيم الذي منحها إقليمًا من الأرض، وعلى ذلك فهي بصورة ما تابعة له ومضيقته، ولكن لا نظن أنها كانت كذلك في «طيبة حيث نجد كما قلنا من قبل أن «شبنوبت» الزوجة الإلهية كان لها الأسبقية على الملك «أوسركون» الذي كان فيما سبق الكاهن الأول «لآمون» أي إنه كان أقل درجة من درجتها».