المدير العظيم للبيت أخأمون رو وغيره من المديرين العظام لبيت المتعبدة الإلهية في هذا العهد
عثر لهذا العظيم على سبعة تماثيل نُقِشَ على اثنين منها اسم «أمنردس» مع اسم «شبنوبت الثانية» التي كانت تحكم «طيبة» وقته، وبالإضافة لذلك نجد أن «أخأمون رو» قد ذكر على الأقل معه اسم ملك من الملوك الذين عاصرهم وهو «تانوتآمون»، يُضَافُ إلى ذلك بعض آثار لها علاقة به نخص بالذكر منها بعض قطع عُثِرَ عليها في الكرنك وقبره وتمثال أحد أجداده المُسَمَّى «باكنبتاح» وسنتحدث عنها بعد التحدث على تماثيله، هذا ونعرف من المديرين العظام لبيت المتعبدة الإلهية الذين عاصروا «نيتو كريس» ثلاثة وهم «إبا» و«پابس» و«بادي حورنسو» وقد أصبح «إبا» المدير العظيم في السنة السادسة والعشرين من حكم «بسمتيك» وفي هذا الوقت كانت «شبنوبت» قد ماتت، غير أننا لا نعرف إذا كان تنصيبه يتفق مع تولي «نيتو كريس» الحكم أم لا، ومن المحتمل أن «نيتو كريس» كانت في الحكم فعلًا منذ بضع سنين، وفي هذه الحالة يكون لها مدير عظيم آخر لبيتها.
وعلى أية حال نعرف مواقع خمس مقابر من ثمان المقابر الخاصة بالمديرين العظام لبيت المتعبدات الإلهيات والقبر لم يُكْشَفْ عنه بعد هو قبر «بادي-حور-نسو».
وتدل شواهد الأحوال على أن قبر «أخآمون رو» — وقد عُرِفَ حديثًا — مُخَرَّبٌ، غير أنا ما لدينا من تماثيل له محفوظة تحمل نقوشًا هامة تمكننا من أن نستعرض هنا حياته بشيء من التفصيل، والواقع أن نقوشه تقدم لنا معلومات غاية في الأهمية مما يضيف لنا معلومات كثيرة تنقصنا عن العهد الكوشي.
- (١) وجد «لآخأمون رو» تمثال في مدينة «هابو» في أثناء البعثة التي قام بها «هلشر»١٠ وهو يمثله قاعدًا القرفصاء في صورة لفة وهو مصنوع من الجرانيت الرمادي وارتفاعه ثلاثون سنتيمترًا وهشم جزء كبير من جسمه.
وعلى الرغم من ذلك نشاهد فيه الخصائص التي تميز التماثيل التي صُنِعَتْ في هيئة لفة (بقجة) في هذا العصر وما قبله بقليل وهي التي نشاهدها بوضوح على هيئة مكعب قد أُغْفِلَ فيه نحت كل جزء من أجزاء الجسم فنجد مثلًا أن الرقبة في التمثال لا وجود لها وتركز ذقنه مباشرة على جسمه المكعب وظهر التمثال وجانباه قد مُثِّلَتْ على صورة مربعات منحنية انحناءً بسيطًا جدًّا. وقد مثل جزء من اليد اليمنى يكفي للدلالة على أن اليدين قد مُثِّلَتَا بصورة حقيقية جدًّا في حين أن الذراعين لم يُمَثَّلَا قط.
- (٢) والتمثال الثاني محفوظ بمتحف «شيكاغو» بأمريكا الشمالية١١ وهذا التمثال كسابقه على هيئة لفة وهو صغير الحجم ويبلغ ارتفاعه ثمانية وعشرين سنتيمترًا وجسمه مهشم كالسابق وهو يشبهه في كثير من الوجوه وبخاصة في الشعر المستعار والأذنين، ونقش عليه كذلك طُغْرَاءُ «أمنردس» و«شبنوبت» كما في التمثال السابق أما الوجه فقد أُصْلِحَ بعد تهشيمه.
- (٣) التمثال الثالث: موجود «بمتحف اللوفر».١٢ وقد مُثِّلَ في صورة ولفة أو بقجة كذلك وصنع من الجرانيت الأسود المعرق ويبلغ ارتفاعه ٤٥ سنتيمترًا. عُثِرَ عليه في «طيبة» وأسلوب صناعته يختلف كثيرًا عن تمثال «شيكاغو» إذ نلحظ فيه الرأس مرفوعًا وبذلك أصبح كل من الرقبة والذقن ظاهرًا من الشكل المكعب الذي صُوِّرَ فيه الجسم. هذا وتبرز الذراعان والقدمان من الكعب أيضًا، هذا إلى تفاصيل في شكل الظهر والجانبين، والشعر المستعار مُخَطَّطٌ ومسبل خلف الأذنين والوجه عريض تبدو عليه السمنة.
- (٤) التمثال الرابع: موجود بمتحف «اللوفر»١٣ وقد مُثِّلَ واقفًا وهو مصنوع من الجرانيت الأسود وارتفاعه ستة وأربعون سنتيمترًا وشعره المستعار ناعم مرسل ويرتدي ثوبًا طويلًا ونقش على صدره العريان متن وكذلك على العمود الخلفي الذي يرتكز عليه التمثال وعلى ثلاثة من جوانبه نقوش.
- (٥) والتمثال الخامس:١٤ محفوظ بالمتحف المصري وهو مصنوع من الجرانيت الرمادي وارتفاعه خمسون سنتيمترًا عُثِرَ عليه في خبيئة «الكرنك» ويشبه وصفه تمثال «حاروا» الذي تحدثنا عنه فيما سبق١٥ وقد مُثِّلَ جالسًا القرفصاء في صورة غير منظمة حيث نجد الساق اليمني قد مُثِّلَتْ محاذية الأرض في حين أن الساق اليسري قد مُثِّلَتْ واقفة. ويُلْحَظُ أن «آخآمون رو» كان أصلع مثل «حاروا» ويلبس قميصًا قصيرًا يغطي ركبتيه ومغطى بالنقوش ودُوِّنَ على ذراعه اليسري طُغْرَاءُ المتعبدة الإلهية «شبنوبت» وعلى ذراعه اليسرى طُغْرَاءُ الملك «تانوتآمون».١٦
- (٦)
- (٧) التمثال السابع: محفوظ كذلك بالمتحف المصري١٩ وهو ممثل كذلك على هيئة لفة مكعبة ومصنوع من الجرانيت الرمادي وارتفاعه خمسون سنتيمترًا عُثِرَ عليه في خبيئة «الكرنك» ونُقِشَ على واجهته خمسة أسطر كما نُقِشَ على ظهره متنان.
ونجد فضلًا عن الروابط الفنية في أسلوب الصناعة التي نجدها بين تماثيل «حاروا» و«آخآمون رو» روابط أخرى من جهة استعارة المتون وتشابهها فنجد مثلًا في التمثال رقم واحد أن المتن الذي نُقِشَ على الجزء الأمامي منه هو صورة مطابقة تمامًا للنقوش التي دُوِّنَتْ على الجزء الأمامي من تمثال «برلين» رقم ٧، على أن هذا المتن هو الوحيد الذي وُجِدَ في نقوش كل من هذين المديرين العظيمين لبيت المتعبدة الإلهية، وكذلك نجد أن المتن الذي على الجانب الأيمن لتمثال «آخآمون رو» رقم واحد هو نفس النقش الذي على الجانب الأيسر لتمثال «حاروا» رقم ٧ وكذلك على التمثال رقم ٦.
وهاك ترجمة النقوش التي دُوِّنَتْ على تماثيل «آخآمون رو»:
(١) التمثال رقم (١)
(٢) التمثال الثاني
(٣) التمثال الثالث
(٤) التمثال الرابع
«قربان يقدمه الملك للإله «خنسو وتنحي» (لقب للإله «خنسو») لأجل أن يُمْنَحَ الخروج من القبر ورؤية الشمس عند الفجر للأمير الوراثي والحاكم والمدير العظيم لبيت المتعبدة الإلهية «أخآمون رو».
(٥) التمثال الخامس٢٢
إن أهم ما يلفت النظر في متون هذا التمثال هو وضع اسم الزوجة الإلهية «شبنوبت» واسم الملك «تانوتآمون» جنبًا لجنب على الجزء الأعلى من ذراعي التمثال. والنقوش التي على قميص التمثال تعدد لنا ألقاب «أخآمون رو» وترجو من الأحياء أن يقرءوا صيغة القربان عند المرور على قبره وهذا الرجاء مُوَجَّهٌ لطبقات الكهنة المختلفين الذين يقومون بأحفال القربان في معبد «آمون». كما جاء على تمثال «حاروا» والتماثيل الأخرى «لأخآمون رو» نفسه. أما المتنان اللذان على عمود التمثال فتكررت ألقابه فيهما وقد أضيف للألقاب التي ذُكِرَتْ على مقدمة التمثال لقب السمير الحقيقي للملك، كما أضيف اسم والده «بانب إري» على مقدمة التمثال وظهره.
(٦) التمثال السادس٢٣
تحتوى متون هذا التمثال على اسم «آخآمون رو» وألقابه ومناقبه المعروفة وكذكل على اسم والده ووظيفته.
هاك النقوش التي عليه
(٧) التمثال السابع٢٤
نقش على مقدمة هذا التمثال صلوات «لآمون رع» ليمنح القربات التي تخرج على مائدة الإله في أيام الأعياد للمدير العظيم لبيت المتعبدة الإلهية والمدير لكل الوظائف المقدسة ورئيس خدام الجبانة للمتعبدة الإلهية المُسَمَّى «أخآمون رو» المبرأ. وقائمة الألقاب التي على ظهر التمثال تنتهي باسم والده وليس فيها من جديد.
هذا ولم نجد لقب «المدير لكل الوظائف المقدسة» الذي كان يحمله «أخآمون رو» على هذا التمثال في تماثيله الأخرى، وهذا اللقب كان يحمله كذلك «حاروا» سابقة على تمثاله رقم ٣.
وهاك ترجمة النقوش التي على هذا التمثال:
(٨) حوض من الجرانيت٢٥
كتب اسم «أخآمون رو» كذلك على حوض من الجرانيت الوردي محفوظ بمتحف القاهرة، عثر عليه في عام ١٨٩٧م. في مدينة «هابو». وقد زُيِّنَتْ إحدى واجهتيه الكبيرتين بطُغْرَاءَيْنِ كبيرتين تعلوهما علامة السماء، وكذلك زينت واجهتاه الضيقتان بمناظر ونقوش محفورة حفرًا غائرًا، هذا إلى أن الجزء الأعلى حَوَالَيْ هذا الحوض قد حُلِّيَ بالنقوش.
والطُّغْرَاءُ التي على اليمين باسم «أوزير» رب الحياة والذي يشرف على الغرب، والطُّغْرَاءُ التي على اليسار لأوز الذي يسكن في «بات چمى» (أي مدينة هابو). ويوجد أمام كل طُغْرَاءَ من الطُّغْرَاءَيْنِ مائدة قربان خفيفة وإناءين للطهور يندفع منهما ماء يتلقاه في كفيه شخص راكع.
وعلى الجهة اليسري من الوجه الكبير نقش مُهَشَّمٌ يشبه السابق، ثم يأتي بعد التهشيم: «المتعبدة الإلهية سيدة الأرضين «أمنردس» محبوبة «أوزير» الذي يشرف على الغرب سيد العرابة».
وحول الحوض نقش مُهَشَّمٌ جاء فيه ذكر المتوفى وألقابه ويدل النقش على أنه تقليد لمتون الأهرام ومتون توابيت الدولة الوسطى مما يشير إلى بداية عصر النهضة التي ازدهرت في خلال الأسرة السادسة والعشرين.
(٩) قطع حجر مستعملة ثانية في أسس الردهة الأمامية لمعبد الكرنك
(١٠) مقبرة «آخآمون رو»
(١١) تمثال جد «آخآمون رو» الْمُسَمَّى «باكنبتاح»٢٨
وقد عُثِرَ عليه في خبيئة الكرنك وطوله ٠٫٣٦ مترًا وهو من الجرانيت الرمادي المبرقش ونقوشه مَمْحُوَّةٌ بعض الشيء.
وقد مُثِّلَ «باكنبتاح» جد «أخآمون رو» قاعدًا على كرسي ظهره منخفض جدًّا. وقد مُثِّلَ في الصورة الشعائرية التي يُمَثَّلُ بها «أوزير» وهي الهيئة التي مُثِّلَ بها كثير من تماثيل هذا العصر ونخص بالذكر منها تمثال «منتومحات» المحفوظ بمتحف برلين، وكل هذه التماثيل من طراز الدولة الوسطى كما أشار بذلك الأثري «أﭭري».
واللقب الرئيسي والمميز «لآخآمون رو» هو المدير العظيم للمتعبدة الإلهية أو زوج الإله. هذا ويدل لقبه «المدير العظيم للمتعبدة الإلهية لأملاك «آمون» على أن هذه الأميرة أي المتعبدة الإلهية كان لها ارتباط بإدارة أملاك هذا الإله. وهذه الوظيفة الهامة يظهر أنها كانت تشمل وظيفة «رئيس خدم المتعبدة الإلهية» وهي وظيفة كان يحملها كذلك «حاروا». أما لقب «تشريفاتي الزوجة الإلهية» وهو لقب على ما يظهر ثانوي بالنسبة له فلم يوجد إلا على تمثال واحد وربام كان قد صنعه في أول حياته، ومع ذلك فإننا نجده على غرار سلفه «حاروا» قد لُقِّبَ «رئيس التشريفاتية»».
وفضلًا عن ذلك نجد أن «أخآمون رو» حمل نعوتًا يظهر أنها شرح لألقاب لا ألقابًا بالمعنى الحقيقي، مثال ذلك أنه كان يُلَقَّبُ «مدير كل الوظائف الإلهية للمتعبدة الإلهية» وهذا اللقب كان يحمله سلفه «حاروا». وهذا اللقب يوجد أيضًا في مقابر بعض الشخصيات الطيبية مع بعض التغيير فكان مثلًا يحمله «منتو محات» و«أبا» وكذلك كان يلقب «أخآمون رو» مدير قصر المتعبدة الإلهية.
ولا بد أن نلفت النظر هنا إلى ما ذكره «أخآمون رو» من وصفه لنفسه من التقرب للآلهة، فقد كان مقربًا من آلهة طيبة وبخاصة آمون صاحب الكرنك ومن الإله «خنسو» في طيبة، وكذلك كان مُقَرَّبًا من الملك، وأخيرًا من يد الإله «أمنردس» المرحومة. وكان بوصفه وزيرًا للمتعبدة الإلهية «شبنوبت» يُظْهِرُ بطبيعة الحال ولاءه لذكرى أم سيدته وهي التي كانت، كما تدل شواهد الأحوال، مشتركة معها في الحكم سابقًا.
وكما تؤكد الوثائق السالفة نعرف أن «أخآمون رو» كان مرتبطًا ارتباطًا وثيقًا بالملك «تانوتآمون» كما نعرف أنه واحد من المعاصرين للجزء الثاني من عهد حكم المتعبدة الإلهية «شبنوبت» ابنة الملك «بيعنخي». هذا ونجد على بعض التماثيل أن «أمنردس» المتوفاة «شبنوبت» العائشة مذكورتان معا (٢ و٣) وإذا كنا نجد أن «أخآمون رو» قد اكتفى بذكر «شبنوبت» على بعض آثاره الأخرى (مثل التمثال رقم واحد والحوض) دون أن يحدد إذا كانت على قيد الحياة أو ميتة فإن ذلك يرجع إلى أننا وجدنا اسمه على المبنى الذي في الكرنك الشمالي، ويفهم من النقوش الذي وُجِدَ فيه أنه كان مصاحبًا «شبنوبت» التي كانت مشتركة معها وقتئذٍ «أمنردس» بنت الملك «تهرقا».
وهكذا نجد أنه في حين كان «حاروا» المدير العظيم للبيت لأمنردس الأولى ابنة «كشتا» و«شبنوبت» ابنة الملك «بيعنخي» فإن «أخآمون رو» كان بدوره المدير العظيم للأخيرة التي كانت تشاركها «أمنردس الثانية» ابنة «تهرقا»؛ ونحن نعلم من جهة أخرى أن «حاروا» قد عاش بعد وفاة «أمنردس الأولى» وذلك لأنه كان كاهنًا لأمنردس الْمُتَوَفَّاةِ في بيت روحها ورئيس كهنة الروح، وبهذه الصفة اعتنى بالمقصورة الجنازية الخاصة بهذه الأميرة في مدينة هابو، وذلك بعد أن سهر على تجهيز دفنها بوصفه الكاهن المحنِّط لأنوبيس للزوجة الإلهية.
ونفهم على أية حال أن الوظائف التي كان يحملها «أخآمون رو» قد وصل إليها بعد «أمنردس الأولى».
والواقع أن مجموع هذه الدلائل توحي إلينا بأن نضع زمن ذروة مجد «أخآمون رو» حوالي عام ٦٦٣ق.م. وفي هذا العهد كان مشتركًا في بناء السياسة الثقافية والجنازية للمتعبدات الإلهيات في كل من الكرنك ومدينة هابو، ومن ثَمَّ نراه قائمًا بوظائفه كما نشاهد ذلك على جدران مقصورة «أوزير بادد عنخ» وهو على ما يظهر كان ضمن كهنتها كما كانت الحالة مع سلفه «حاروا»، وذلك مع الفارق أن «أخآمون رو» في الحالة الراهنة بالنسبة للوثائق التي في متناولنا على الأقل لم يكن يتمتع بأي لقب جنازي. وكل ما نعلمه أنه كان يُعْرَفُ بأنه المقرب من «أمنردس الأولى». وإذا كان الحوض الذي يُنْسَبُ إليه يبرهن على نشاطه الجنازي في مدينة «هابو» فإنه على الرغم من ذلك يجوز لنا أن نظن أنه لم يكن لديه الميزة بأن يبقى في وظيفته حتى موت «شبنوبت».
على أن قبره الذي أُهْمِلَ أو بعبارة أصح الذي لم يكن قد تم عند وفاته يمكن — بما فيه من دلائل نقص — أن يضيء لنا السبيل عن نهاية مجال حياته. فقد يجوز أنه في آخر حياته قد غضب عليه!! ولا يمكننا بما لدينا من معلومات حتى الآن أن نحدد بالضبط التاريخ أو الأحوال التي تسلم فيها خلفه وظيفته، هذا إذا فرضنا أنه كان هناك فرد بعينه قد خلعه وهو لا يزال على قيد الحياة. ويجب ألا يغرب عن بالنا أنه في وقت الانتقال الذي يقع بين غزوة الأشوريين التي قاموا بها على «تانوتآمون» الكوشي حوالي عام ٦٦٣ق.م. وبين استيلاء «بسمتيك» الساوي على إمارة طيبة حوالي عام ٦٥٦ق.م. كانت السلطة في صعيد مصر لا تزال باقية في يد «منتومحات» الكاهن الرابع لآمون وأمير المدينة. وقد يكون من الممكن أنه في عام ٦٥٦ق.م. قد تراجع «أخآمون رو» مع «تانوتآمون» بوصفه أحد موظفيه إلى بلاد كوش. أو لم يكن قد سار بحماس كافٍ في ركاب «منتومحات» الذي انضم إلى الأسرة الجديدة وصار من مناصريها.
ومما لا جدال فيه أنه عندما حضر «سماتو تفنخت» مبعوث الملك «بسمتيك الأول» لينصب المتعبدة الإلهية الجديدة «نيتوكريس» متعبدة إلهية، وعندما قام «منتومحات» وزوده بالتبرعات لتعيين هذه الزوجة الإلهية الجديدة، لم تدل شواهد الأحوال على وجود مدير بيت عظيم في طيبة. وعلى أية حال فإن المصادر الحالية التي في متناولنا يظهر أنها تكشف عن أخلاف «لأخآمون رو» من بين الأشراف الطيبيين.
تعليق على محتويات نقوش هذه التماثيل وأشكالها:
إن أهمية نقوش تماثيل «أخآمون رو» لا تبرز قيمتها الحقيقية وأهميتها إلا عندما تُقْرَنُ بنقوش حياة كبار رجال هذا العصر الذين من هذا الصنف.
وننتظر بطبيعة الحال أن تكون نقوش تراجم رجال العصر المتأخر قد وُضِعَتْ على طراز مقرر من قبل، ولكن ما هي هذه الطرز السابقة؟ ولأجل أن نصل إلى ذلك يجب علينا أن نفحص الجمل الرئيسية التي جاءت في المتون التي ترجمناها هنا.
فأول ما يلاحظ هنا الجمل التي يوجهها الْمُتَوَفَّى سواء أكان «حاروا» أم «أخآمون رو» ملتجئًا إلى الأحياء لتقديم القربان والصلوات له ولروحه وبخاصة للكهنة خدام الإله والكهنة آباء الإله والكهنة المطهرين والكهنة المرتلين وكل الذين يذهبون إلى معبد «آمون» في الكرنك لتأدية الشعائر الصالحة ولتقديم قربان والقيام بأداء خدمة الكاهن الشهرية. وهذه الصورة من التضرع والالتجاء — أي مخاطبة موظفي المعبد — قد تطورت في عهد الدولة الحديثة عندما أصبح من المعتاد عند كبار الموظفين أن يضعوا تماثيلهم ولوحاتهم في المعابد حتى يمكن بذلك اشتراكهم في الأحفال.
وقبل ذلك العهد كان أمثال هذا التضرع يُنْقَشُ على جدران المقابر واللوحات التذكارية وكان في استطاعة المار بها رؤيتها وقراءتها وكان التضرع على الرغم من أنه كان موجهًا في غالب الأحيان لطبقات معينة من الناس مثل الكتبة والكهنة فإنه كان في الأصل موجهًا لكل الناس الذين يعيشون على الأرض عامة. ويلاحظ أنه في عهد الدولة الحديثة وعهد الدولة البوبسطية من بعدها كان المُتَوَفَّى يوجه خطابه بالتفصيل لطوائف الكهنة الذين يتألف منهم موظفو المعبد، وهذا النوع من التضرع هو الذي نجده في نقوش تماثيل كل من «حاروا» و«أخآمون رو». وعلى أية حال نلحظ أن التفصيل في توجيه الخطاب للكهنة وبخاصة الإشارة إلى واجباتهم المنوعة يظهر أنه كان من الأشياء المستجدة في هذا العصر المتأخر وبخاصة العبارة التالية: «لتأدية الشعائر الصالحة ولعمل القربان والإقامة خدمة الكاهن الشهرية»، وهذه الأمور يظهر أنها تجديد حدث في العصر المتأخر، وبالاختصار نجد أن التضرع للأحياء الذي كان يُنادي به كل من «حاروا» و«أخآمون رو» هو من طراز وضع أساسه في الدولة الحديثة ثم تطور بعدها.
هذا ونجد في نقوش «أخنآمون رو» صلوات للإله «آمون رع» رب «الكرنك» ولآلهة «طيبة» الآخرين ليمنحوا المُتَوَفَّى نصيبًا من قربات المعبد التي تقدم لهم والصيغة التي كانت موضوعة لذلك هي في الواقع صيغة قديمة تطورت في عهد الدولة الحديثة والقصد منها أنها تذكرنا بالغرض الذي من أجله وُضِعَ تمثال الكاهن أو الموظف العظيم في المعبد. هذا ونجد «لأخآمون رو» ملتمسات أخرى فيطلب مثلًا شم عبير المر، وكذلك يطلب أن يرى الشمس عند الفجر، وأن يخترق السماء في سلام، وهذه رغبات تقليدية قد سبقت عصر الدولة الحديثة، أما الصلاة للإله المحلي للمدينة فكان الغرض منها طلب حمايته للآهلين منذ الدولة الحديثة كما كانت منتشرة جدًّا في العصور المتأخرة.
ومن ثَمَّ نفهم أن صلوات «أخآمون رو» كانت تحتوى جزئيًّا على عناصر شائعة في كل العصور ومنها جزء صيغ في عهد الدولة الحديثة ثم استعمل بكثرة في العهد المتأخر.
العبارات التي يمدح بها الموظف نفسه ونعوته:
من الأمور التي امتاز بها الموظف المصري في كل عصور تاريخه تأليفه جملًا خاصة تنطوي كل ألفاظها على عقود مدح وثناء على نفسه وما قام به من أعمال عظيمة سواء أكانت أعمالًا مادية أم خلقية، فنجد هنا مثلًا أن «أخآمون رو» يقول «إني شريف (سعح) طيب مُحَلًّى بمدائحه ومراتب شرفه»، ويلفت النظر هنا أن الكلمة الدالة على لفظة «الشريف» لها معنى مزدوج فقد تعني أحد أشراف البلاط أو تعني «روحًا منعمة» وهذان المعنيان تجدهما في عهد الدولة الوسطى ولكنهما يوجدان أكثر في عهد الدولة الحديثة ثم تطورتا أكثر في العهد المتأخر.
وقد يشير هذا اللفظ للحياة الدنيا أو للحياة الآخرة. ولدينا كذلك التعبيرات: «الذي يدخل أولًا ويخرج آخرًا» و«الموظف الذي على رأس قومه»، و«العظيم في وظائفه» و«الكبير في مرتبته» فنجد كلًّا من هذه العبارات الثلاث في المتون والتراجم الخاصة بالدولة الوسطى وكلها قد استُعْمِلَتْ في الدولة الحديثة والعصر المتأخر.
ولدينا تعابير أخرى مثل «ملجأ اليائس» و«عوامة الغريق» و«سلم من في الهاوية». وهذه التعابير نجدها في نقوش كل من «حاروا» و«أخآمون رو» ويلحظ أنها استعارات غير عادية تسترعي الأنظار حتى إنها تكاد تكون خاصة بهذا العصر إذ لم يسبق لها مثيل في العصور السالفة غير أنها تنم عما كان عليه أهل هذا العهد من بؤس وشقاء.
وهذا قليل من كثير من الملحوظات التي يمكن الإدلاء بها عن محتويات هذه المتون والتماثيل التي نُقِشَتْ عليها، غير أن كل هذا لا يغير من النتيجة التي نستخلصها من درس الجمل الرئيسية التي وردت في هذه النقوش إذ الواقع أن متون «أخآمون رو» تحتوي على مادة تقليدية من التي كانت تُسْتَعْمَلُ في عهد الدولة الوسطى والدولة الحديثة ونجد كثيرًا منها قد أخذ شكله النهائي في عهد الدولة الحديثة؛ ومن ثَمَّ نفهم أن وظيفة الدولة الحديثة كانت مزدوجة فقد حملت للقرون التالية مادة أخذتها عن الدولة الوسطى وكذلك نقلت صيغًا من صنعها، وقد كان نشاط كتاب العصور المتأخرة ينحصر كثيرًا في الاختيار من هذه المواد واستعمالها بطريقة منظمة ملائمة. هذا مع إضافة بعض العبارات الجديدة أو صيغ مبتدعة أُلِّفَتْ من القديم والحديث معًا.
غير أن ما تكشفت لنا عنه متون «أخآمون رو» يمكن معرفة أصولها عند قرنها بأية مجموعة من المجاميع التي يمكن قرنها بها من النقوش الهيروغليفية المتأخرة. والواقع أن هذه المتون في حقيقتها — إذا استثنينا بعض مقتبسات من متون الأهرام وبعض مصطلحات قديمة أخرى — لا تخرج عن كونها تقليدًا للغة الدولة الوسطى والدولة الحديثة وقد ظهر ذلك منذ الأسرة الحادية والعشرين حتى السادسة والعشرين وبعبارة أخرى نجد أنه عندما كانت تستعمل متون الأهرام في هذا العصر كانت تنقل حرفيًّا دون أي تغيير يذكر؛ ولكن نجد من جهة أخرى أن كلًّا من متون الدولتين الوسطى والحديثة كانت تقتبس مع بعض تعديل ثم تستعمل في كتابات القوم. ومما تجدر ملاحظته أن المصادر اللغوية من الدولة الحديثة هي في الواقع مأخوذة عن تعابير الدولة الوسطى بعد تحوير فيها وبخاصة في تراجم عظماء الرجال الذين نُقِشَتْ على تماثيلهم وفي مقابرهم في كل من العهد اللوبي والعهد الكوشي ثم في العهد الساوي. وقد كانت اللغة الفصحى مستعملة دائمًا ولم تشب باللغة المتأخرة، وذلك أنه بعد القرون التي سادها الاضطراب في عهد تمزق الدولة كانت المواضيع الإنشائية والأدبية سائرة سيرها الطبيعي كالعادة آخذة في النمو دون توقف ولم يكن ذلك قاصرًا على اللغة العامية التي كانت ذات نضارة وقوة لا توجد في النقوش الهيروغليفية التقليدية بل كذلك في اللغة الرسمية.
حقًّا إن هذه اللغة الرسمية كانت قد أصبحت مُصْطَنَعَةً إلى أقصى حد، إذ كان ينقصها التجديد والسهولة عند معالجتها للمواضيع كما كنا نجد ذلك عند معالجة الكتاب للغة الدولة الحديثة والاقتباس منها، فنجد أن التعابير قد زاد حصرها وتكرارها بل كذلك زاد الميل إلى نقلها حرفيًّا من المتون السابقة لعصرها. غير أن منشآت الكتاب على وجه عام كانت حكيمة ومناسبة فلم تكن مجرد نقل عبارات قديمة بل على العكس نلحظ فيها حسن الاختيار الذي كان يؤدي إلى غرض خاص.
ومن المفهوم أنه منذ زمن بعيد كانت المدنية الساوية أو عصر النهضة غير مقصود منه الرجوع إلى الدولة القديمة ومدنيتها، غير أن هذا الفهم غالبًا ما غطت عليه الميول البارزة الدالة على الرجوع للقديم في عهد الأسرة الخامسة والعشرين كما أشرنا إلى ذلك من قبل، ثم أصبح ذلك الميل أكثر وضوحًا وانتشارًا في عهد الأسرة السادسة والعشرين ولكن نريد أن نوضح هنا دون الدخول في مناقشة المقتبسات القديمة في العهد الساوي وهي ظاهرة يجب أن تُفْحَصَ تمامًا وتُعْطَى عناية أكثر مما أُعْطِيَتْ من قبل، ففي تراجم حياة رجال هذا العصر تكاد تكون العلاقات والتأثيرات التي يُقَالُ إنها صُبِغَتْ بها عن الدولة القديمة، لا تُذْكَرُ في حين نجد أن اعتماد كتاب العهد الساوي على أساليب مدنية عهدي الدولة الوسطى والحديثة كان عظيمًا، وأنه كان تيارًا لم ينقطع مَعِينُهُ دون الرجوع إلى الزمن العتيق وتقليده تقليدًا أعمى كما ظن البعض حتى زمن قريب جدًّا.
وسنتناول الكلام إن شاء الله عن فن النحت في عهد الأسرة الخامسة والعشرين وما بعدها في الجزء التالي من تاريخ العهد الكوشي الذي يبتدئ بالملك «بيعنخي».