نحن مورات كورناز
هذه اللحية، وهذا الشعر، وخصلة الشعر هذه التي تتدلى على جبينه ولسبب ما تبدو دهنية أو مبللة بالعرق، ربما بسبب تسريحته الصحراوية. ولكن الملفت أكثر هذه اللحية، هذه اللحية الغريبة، أطول وأشعث من لحية … من لحية … الآن ظهر الارتباط وإن كانت لحيته مختلفة تمامًا وبالمقارنة بها تبدو لحيته مهذبة: إنها أطول وأشعث من لحية ابن لادن. لا، إن مظهره لم يكن ليجلب له الكثير من التعاطف في وطنه الألماني. وها هو ذا هذا الشاب ذو اللحية والشعر الأشعث تخبرنا قصته بما يعنيه لنا نظامنا القيمي في حقيقة الأمر. نحن مورات كورناز.
لا تقدم دول القانون ضمانًا بأن كل شيء فيها يسير تبعًا للحق والقانون. ولكن عليها أن تضمن إجراء التحقيق في أي خروج على القانون وأن تتحقق العدالة للضحايا. أمام قانونها، وفقط أمام قانونها، يكون كل الناس سواسية، الرئيس الاتحادي والمتهم بالتطرف. ليس مورات كورناز في حاجة لأن يكتسب تعاطف أحد. يجب ألا يكون للتعاطف دور على الإطلاق. إن له حقوقًا، حقوق إنسان، لا تقبل الفصال، وهي لا تتعلق بشكله أو بدينه أو بخط سير رحلته. من غير المعقول أن نتصور أن يبقى ألماني العرق؛ شخص أشقر ومسيحي، في معتقل يتعرض فيه للتعذيب، بموافقة فعلية من السلطات الألمانية على الرغم من أنه بريء. أما في حالة هذا الشاب من مدينة بريمن الذي يحمل جواز سفر تركيًّا فقد بدا ذلك معقولًا.
اعتُقِل في شهر نوفمبر من عام ٢٠٠١ الشاب كورناز البالغ من العمر وقتها تسعة عشر عامًا، إذ اعتقلته قوات أمن باكستانية في أثناء عملية تفتيش روتينية وسلمته إلى قوات الأمن الأمريكية في أفغانستان نظير مبلغ من المال. صنَّفه الأمريكيون في البداية على أنه «مقاتل غير شرعي» ثم نقلوه في يناير من عام ٢٠٠٢ إلى معتقل جوانتانامو في كوبا. وعلى الرغم من إسقاط التهم عنه بسرعة وإعلان محكمة أمريكية أن حبسه غير قانوني، فقد بقي في جوانتانامو حتى أغسطس ٢٠٠٦ لأن السلطات الألمانية رفضت دخوله البلاد. حسب ما قاله المفوض الأمريكي الخاص والمسئول عن جوانتانامو بيير ريتشارد بروسبر، فإن الحكومة الألمانية كانت منذ عام ٢٠٠٢ على علم بأن مورات كورناز بريء. على عكس ما قاله فرانك-فالتر شتاينماير الذي كان يشغل وقتها منصب وزير ديوان المستشار الألماني، فإن الحكومة الألمانية لم تساند إطلاق سراحه. عام ٢٠٠٤، أعلن توماس روفيكامب وزير داخلية ولاية بريمن على الملأ أن كورناز غير مسموح له بالدخول إلى ألمانيا، لأن تصريح إقامته أصبح غير سارٍ نظرًا لإقامته في الخارج. وقال إن كورناز قد تخطى المهلة المسموح بها لتقديم طلب لمد فترة تصريح الدخول إلى البلاد. في نوفمبر ٢٠٠٥ قررت محكمة القضاء الإداري في بريمن أن تصريح الإقامة لا يزال ساريًا؛ لأن كورناز لم تتح له فرصة تمديده. على الرغم من أن الدولة، وعلى رأسها رئيس ديوان المستشار الاتحادي في ذلك الوقت، تصرفت بطريقة تثير التساؤلات إلى أبعد حد سواء من الناحية الأخلاقية أو القانونية، فإن هذا لا يكفي وحده ليكون سببًا في أن نضع قدرة دولة القانون على العمل موضع التساؤل. إذ إن الأمر يتعلق بتبعات ذلك التصرف على الأشخاص الذين أسهموا — وهم يتصرفون باسم ألمانيا — في حرمان إنسان مدة خمس سنين من حقوقه الأساسية. في حالة مورات كورناز يجب أن نوضح أنه لم تكن هناك أي تبعات لهم على الرغم مما قاموا به.
هناك بالدرجة الأولى حجتان استخدمهما وقتها السياسيون والموظفون المسئولون في الدفاع عن أنفسهم: كورناز يمثل خطرًا أمنيًّا، وهو ليس ألمانيًّا. الحجة الأولى سليمة حتى عام ٢٠٠٢. كان للاشتباه في كورناز في البداية ما يبرره، حتى إن محاميه لم يشكك في ذلك. ولكن حتى باستخدام التعذيب لم يُعثَر على أي دليل على أن كورناز كانت له أي صلة بمسلحين إسلاماويين؛ أي أن مورات كورناز لم يعد منذ عام ٢٠٠٢ يمثل خطرًا أمنيًّا. كان احتجازه بداية في أفغانستان ثم في جوانتانامو ليس فقط غير قانوني ولكن أيضًا — بدءًا من عام ٢٠٠٢ — غير مبرر. ولو افترضنا أن كورناز كان ذلك المتطرف، وفقًا لما تصورته السلطات الألمانية في البداية، فإن جوهر دولة القانون يكمن في أنها تعامل أيضًا من يحاربها بالقانون، أليس كذلك؟ ولكن بدلًا من ذلك أبلغ بعض الموظفين الألمان في البداية عن كورناز ثم خضع للاستجواب عدة مرات، وحسب أقواله، التي اعتبرها معظم أعضاء لجنة التحقيق التي شكلها البرلمان الألماني صادقة، تعرض أيضًا للضرب والإهانة. هذا تصرف تكفي بشاعته للإطاحة بجميع المشاركين فيه من مناصبهم إلى الأبد. إن فضائح الأعوام الماضية التي أجبرت بعض السياسيين على اعتزال العمل السياسي تُعد شقاوة تلاميذ فقط إذا قورنت بما حدث.
أما الحجة الثانية التي أوردها الاشتراكيون المسيحيون للدفاع عن وزير خارجيتهم فقد كانت جنسية كورناز التركية. ربما كان لديهم من الناحية القانونية الحق في أن ألمانيا غير ملزمة بالسماح لكورناز بالدخول مجددًا إلى أراضيها، على الرغم من أنه مولود في بريمن (ولكن هل كان تصرفًا سليمًا أن يطلب الموظفون الألمان من زملائهم الأمريكيين جواز سفره ليمزقوا منه الصفحة المطبوع فيها تصريح إقامته، كما ورد في صفحة أخرى في ملف القضية يتمنى شتاينماير بكل تأكيد لو كان مزقها هي الأخرى؟) ولكن حتى لو كان كورناز صينيًّا يسكن في كينيا، فإنه سيكون من الواجب على السلطات الألمانية — وخصوصًا لأنه كان أمامهم الإمكانية متاحة وعُرض عليهم أكثر من عرض لإطلاق سراحه — أن تسعى لإنهاء احتجازه غير القانوني. هذا لا علاقة له بجواز سفره، وإنما هو واجب من واجبات حقوق الإنسان. بدلًا من ذلك فعلوا أشياء وصلت إلى الالتفاف على قانون الأجانب من أجل منع عودته إلى ألمانيا، مع علمهم بأن هذا سيتسبب في بقاء كورناز قيد الاعتقال الأمريكي غير القانوني. ولم تَثبت أي مقولة تدل على أن المسئولين عن هذا الأمر شعروا بعدم ارتياح بسببه.
كم هو غريب التعلل بموضوع جواز السفر الألماني وكأن مورات كورناز كان سينتفع به لو كان يحمل واحدًا واشتُبِه في أنه متطرف إسلاماوي. خالد المصري، الذي اختطفه عملاء المخابرات الأمريكية عام ٢٠٠٣ إلى أفغانستان حيث أذاقوه أمر أنواع العذاب بناءً على تشابه في الأسماء — كان ألمانيًّا. الدعم الذي قدمته له ألمانيا جاء على ما يبدو في صورة لكمات في الوجه وجهها إليه موظف ألماني. ومحمد زمار الذي اختطفته المخابرات الأمريكية أيضًا واقتادته إلى سوريا في عام ٢٠٠١ كان ألمانيًّا. ولم نسمع أن السلطات الألمانية قامت بمساعٍ من أجل حمايته من التعذيب في سوريا، بل على العكس: وثائق السي آي إيه والإف بي آي تؤكد الشكوك في أن المعلومات التي كانت حاسمة في اختطاف العملاء الأمريكيين له جاءت من ألمانيا. على الرغم من أن زمار كانت له على ما يبدو صلات بجماعات إرهابية، فإن تورطه المفترض لا يبرر استجواب موظفين ألمان له في سوريا في ظروف لا تمت لدولة القانون بصلة. والمصري الآخر عبد الحليم خفاجي، الذي يبلغ الآن خمسة وسبعين عامًا، ويعيش في طمأنينة منذ سبع وعشرين سنة في بافاريا، وله عدة أطفال ألمان ويُعد — خلافًا لزمار — نموذجًا للاندماج الناجح — اختُطِف في سبتمبر ٢٠٠١ إلى سجن سري في توزلا البوسنية، حيث تعرض لمعاملة شديدة السوء حسب أقوال عملاء المخابرات الألمانية. تسلم عميل مخابرات ألماني من زميله الأمريكي في توزلا وثائق كان على بعضها آثار دم خفاجي. ومن ناحية أخرى رفضت السلطات الألمانية جميع الالتماسات التي تقدم بها محاموه الواحد تلو الآخر.
هناك حجة ثالثة استعان بها الاشتراكيون الديمقراطيون في دفاعهم: تحديدًا الأشخاص الذين رفعوا الدعوى ضد شتاينماير، كانوا قبل ذلك يعتبرون كل الإجراءات ممكنة في سبيل مكافحة الإرهاب. هذا الكلام سليم بنسبة خمسين في المائة. بعد مرور عام على ١١ سبتمبر كانت الحكومة الاتحادية ستتعرض بالتأكيد إلى هجوم من المعارضة المسيحية الديمقراطية إذا سمحت «لعضو طالبان القادم من بريمن» بالعودة مرة أخرى إلى الأراضي الألمانية. ولكن على أي حال فإن أنجيلا ميركل، المسيحية الديمقراطية، قد استطاعت في وقت قليل جدًّا أن تحقق ما كان مستحيلًا طيلة خمس سنوات ولم يجد من يحمل مسئوليته على عاتقه، ألا وهو عودة مورات كورناز. فضلًا على ذلك وجَّه بعض ممثلي الحزب الديمقراطي المسيحي — مثل السياسي المتخصص في الشئون الداخلية فولفجانج بوسباخ — نقدًا لاذعًا لوزير الخارجية. معظم السياسيين في الحزب المسيحي الديمقراطي لم يدلوا بدلوهم إما لاعتبارات تخص الائتلاف الحاكم أو لأنهم رأوا أن مورات كورناز ليس بالشخص الذي يستحق أن يسانده ديمقراطي مسيحي. لذلك فإن تهمة النفاق السياسي لم تنطبق إلا على عدد قليل من السياسيين، عدا ذلك يمكن أن يعتبر نقد الحزب المسيحي الديمقراطي نفاقًا إن وجد أصلًا. ومن رأى السياسي صاحب المواقف الصلبة، فولفجانج بوسباخ، وهو يصارع من أجل إيجاد كلمات مناسبة للموضوع لا تهدد سلام الائتلاف الحكومي، كان سيشعر أن أمامه شخصًا لا يراوغ في الكلام. لقد بدا من كلامه أنه غاضب غضبًا صادقًا لأن الدولة التي طالما وقف في مقدمة الجبهة للدفاع عنها قد خانت أشد مبادئها خصوصية بهذه الطريقة. أين يكمن إذن تفوق الغرب، الذي يتغنى به السياسيون المثقفون منذ سنوات في طول البلاد وعرضها، إن لم يكن في تلك الإنجازات التي حققها مثل كرامة الإنسان وسيادة القانون والمساواة بين جميع البشر؟
إذا كان في اللعبة نفاق، فإنه كان بالأحرى من نصيب وسائل الإعلام التي شاركت في خلق تلك الحالة التي جعلت السلطات تتخوف من عودة مورات كورناز، وذلك من خلال ما كانت تقدمه وقتها من تحذيرات من الإسلام إجمالًا ومن تقارير مثيرة عن عضو طالبان في بريمن. ولكن هكذا هي وسائل الإعلام: إما أن تؤجج الضغائن وإما أن تعرضها. هذا جزء من العمل يرونه عاديًّا، فالعمل بمبادئ عصر التنوير نادرًا ما يجعل صحفهم المعروضة في الأكشاك جذابة، والتحفظات تجاه المسلمين عادية أيضًا، وخصوصًا بالنظر إلى الخطر الواقعي المتمثل في الهجمات الإسلاماوية. مثل تلك التحفظات موجودة في أي مجتمع. الأمر الغريب يكون في رأي الأغلبية تهديدًا بينما تراه الأقلية إثراءً. لا يمكن أن نفرض على أحد أن يحب المسلمين. يمكن للمرء اعتبارهم بشعين، أو أن يكتب أنهم بشعون، أو أن يكتب ما فيه إهانة لنبيهم، فهذا أيضًا جزء من الحرية ينتمي إلى المميزات التي يستفيد منها المسلمون أنفسهم بوصفهم أقلية. ولكن — وهذا هو الفرق الحاسم بين رأي المجتمع وتصرفات الدولة — لا يصح أن تنزل الدولة إلى مستوى الكراهية، إذ يجب على الدولة أن تتمسك بمبدأ المساواة حتى إن كانت — بل خصوصًا عندما تكون — الروح السائدة في المجتمع مختلفة.
وجود قوائم أمنية للمسلمين في ألمانيا أو خضوعهم لإجراءات أمنية أكثر من غيرهم عند القدوم إلى ألمانيا، هذه أمور ليست بالجميلة، وتُعد خاطئة، ولكن هناك على الأقل غطاء قانونيًّا لها يمكن تفهمه، فخطر الهجمات الإرهابية يأتي من شباب مسلمين وليس من العجائز اليهوديات. ولمنع وقوع اعتداءات إرهابية تلجأ حتى الديمقراطيات إلى إجراءات تصل إلى أقصى حدود ما تسمح به دولة القانون، وفي حالة الشك توضح المحاكم تلك الحدود. أما حالات كورناز والمصري وزمار وخفاجي فكلها تقع خارج دائرة ما هو متفق مع روح القانون الأساسي (الدستور الألماني) أو نصه، لذلك فإنها تبقى حتى اليوم مقلقة أكثر من تلك المشاحنات حول المساجد، وأين يمكن أن تُبنى، فهذا أمر قد ينجح وقد لا ينجح، وهو شأن خاص بالمسلمين، ولكن الأمر يختلف هنا، فقد شاركت الدولة على أعلى مستوياتها في انتهاك حقوق أساسية من حقوق الإنسان. هذه مشكلة تواجه ألمانيا. إذا تحول ما حدث إلى مدرسة ومنهاج، فإنه سيزلزل نظام القيم الذي طالما تغنينا به أكثر مما يمكن أن يفعل به الإرهاب، وسيكون لذلك تبعات وخيمة على عملية اندماج المهاجرين في ألمانيا. فكيف يمكن تصور إقناع شاب ألماني من أصل عربي أو تركي في المستقبل بأنه ليس مواطنًا من الدرجة الثانية؟ ولأعرج في هذا السياق مرة أخرى على مفهوم النفاق: كان النقد الذي وُجِّه للقاضية في فرانكفورت في محله تمامًا، عندما استشهدت بالقرآن في قاعة المحكمة لكي ترفض طلاقًا مبكرًا. لكن الذين علت أصوات غضبهم بسبب تلك الفضيحة على أصوات الجميع، أصبحت أصواتهم خافتة، لا بل صمتوا تمامًا فيما يتعلق باعتقال وتعذيب مورات كورناز.
ربما يختلف التقييم القانوني للحالات التي يكون فيها الضحية ألماني الجنسية. أمر الاعتقال الدولي الذي صدر في حق الذين قاموا باختطاف خالد المصري كان دليلًا قويًّا على المناعة القوية التي لا يزال القضاء الألماني يتمتع بها ضد الفيروس الذي أطلقته «الحرب على الإرهاب» كما تُسمَّى، والمتمثل في: الدفاع عن النظام الليبرالي عن طريق التخلي عنه. ولكن حتى الحكومة، بل خصوصًا الحكومة التي تكتب على راياتها في سياستها الخارجية مكافحة انتهاك حقوق الإنسان وفي سياستها الداخلية إدماج المهاجرين، تخضع أيضًا لتقييم سياسي وأخلاقي. كان هذا التقييم سيكون أقل حدة لو وُجدَت أي علامات يمكن استقراؤها من على شفاه المشاركين تشير إلى إحساسهم بالأسف لما حدث. كيف لم يسافر السيدان شتاينماير وشيلي إلى بريمن ليزورا مورات كورناز وأمه؟ كان بوسعهما أن يصفا لهما الأشهر المأساوية التي أعقبت الحادي عشر من سبتمبر، كان بوسعهما أن يقولا إنهما عندما ينظران إلى الأمر من منظور اليوم يريان أنهما قد أخطآ التصرف، ولكنهما تحت وطأة الظروف في ذلك الوقت تصرفا ربما بما اقتضته الظروف. خصوصًا فرانك-فالتر شتاينماير، فهو شخص لا يترك انطباعًا بالقسوة لدى المراقبين والأصدقاء، فقد كان تحديدًا وهو يشغل منصب وزير الخارجية يسعى بطريقة جيدة من أجل تحقيق التبادل السلمي بين الدول والثقافات، وبالأخص فيما يتعلق بالحوار مع العالم الإسلامي. لو كان شرح الموقف وجهًا لوجه، لما رفضت رابية ومورات كورناز إجراء الحديث أو أخذ الصورة التي تعبر عن التصالح من أجل أن تعرضها الصحف. إلا أن توقعاتهم لم تكن كبيرة بهذا الحجم. كان كلامهم ينم عن الحيرة والألم أكثر من الغضب والاتهام.
كلمة تعبر عن التعاطف معهم ما كانت لتعوضهم عما حدث، إلا أنها كانت ستجعل الأمر كله يبدو في صورة مختلفة. كان على المرء بدءًا من هذه اللحظة أن يفكر في المقومات السياسية والإعلامية التي جعلت حدوث حالة مثل مورات كورناز ممكنًا أكثر من التفكير في القرارات الفردية التي اتضح أنها كانت خاطئة. ولكن لم يحدث شيء. وصل وزير الداخلية السابق أوتو شيلي إلى قمة الوقاحة عندما قال إن على كورناز أن يعتذر هو. وأكد جميع المشاركين الباقين أيضًا أنهم تصرفوا بطريقة سليمة، وأنهم في نفس الظروف سيتصرفون بنفس الطريقة مجددًا. والأسوأ من ذلك أنهم قدموا حُجة رابعة لتخدم خط دفاعهم، وكانت أفظعها جميعًا: المحاولة المستمرة والمنظمة لإظهار مورات كورناز في صورة المجرم؛ واحد مثل هذا بالتأكيد صحيفته سوداء. وهذا الادعاء يعود بنا ثانية إلى اللحية: لاقى تطبيق الاستراتيجية التي اتبعها المسئولون واتبعتها جريدة «بيلد تسايتونج»، وهي إلباس الضحية عباءة الجاني، نجاحًا لدى بعض قطاعات الشعب. هذا النجاح يمكن أن تكون له علاقة وثيقة بمظهر كورناز.
يجب ألا يتحلى المرء بمخيلة واسعة كي يتصور كم حاول محاميه الشجاع وأمه الجزعة وربما أيضًا بعض محرري البرامج الحوارية القلقين إقناعه بحذر أو بشيء من الضغط أن يذهب إلى الحلاق قبل أن يطل على الملأ، إلا أن مورات كورناز امتنع. ربما لم يكن السبب في امتناعه العناد أو صلابة الرأس، ربما كان يتصرف بعقلانية أكثر مما كان يبدو. عندما انتهى كل شيء، وعندما لم يعد مورات كورناز منشغلًا بأي لجان تحقيق، وبعدما انتهى من جميع البرامج الحوارية حلق لحيته حتى يتمكن من السير في الطريق مجددًا دون إزعاج. ربما كان ذلك الشعر الهائج تمويهًا فقط، والآن عاد مورات كورناز ليبدو مثل؛ ليس مثل الألماني العادي، لكنه بوجنتيه الحليقتين الناعمتين وقصة شعره الحديثة صار يبدو واحدًا منا، إلا أننا لم نعد الآن نلاحظ وجوده في الطريق.