الفصل الثالث
(١) فِي غابَةِ الزَّنْبَقِ
لَمْ تَدْخُلِ «الشَّقْراءُ» الْغابَةَ حَتَّى شُغِلَتْ بِقَطْفِ أَزْهارِ الزَّنْبَقِ، وَقَدْ جَمَعَتْ مِنْها الْكَثِيرَ. وَمَضَى عَلَى «الشَّقْراءِ» أَكْثَرُ مِنْ ساعَةٍ وَهِيَ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى ذَلِكَ؛ فَحَلَّ بِها التَّعَبُ؛ وَآلَمَتْها حَرارَةُ الشَّمْسِ، وَثَقُلَ عَلَيْها ما حَمَلَتْهُ مِنْ طاقاتِ الزَّنْبَقِ. وَرَأَتْ أَنَّها قَدْ تَأَخَّرَتْ عَنِ الْمَوْعِدِ الَّذِي أَلِفَتْ أَنْ تَعُودَ فِيهِ إِلَى الْقَصْرِ؛ فَنادَتْ «شَرْهانَ» — وَهِيَ تَحْسَبُهُ مِنْها قَرِيبًا — فَلَمْ يُجِبْها أَحَدٌ. فَقالَتْ لِنَفْسِها: «يُخَيَّلُ إِلَيَّ أَنَّنِي قَدْ أَوْغَلْتُ فِي الْغابَةِ، وَساقَتْنِي فِيها قَدَمايَ إِلَى أَبْعَدَ مِمَّا ظَنَنْتُ: فَلْأُبادِرْ بِالْعَوْدَةِ — بِرَغْمِ ما حَلَّ بِي مِنَ التَّعَبِ — حَتَّى لا يَطُولَ انْتِظارُ «شَرْهانَ» المِسْكِينِ.»
وَسارَتِ «الشَّقْراءُ» حَتَّى جَهَدَها السَّيْرُ، دُونَ أَنْ تُبْصِرَ نِهايَةَ الْغابَةِ.
(٢) حُزْنُ «الشَّقْراءِ»
فَراحَتْ تُنادِي «شَرْهانَ» نِداءً مُتَّصِلًا مُتَتابِعًا؛ فَلَمْ يُجِبْها أَحَدٌ. وَأَخِيرًا دَبَّ إِلَى قَلْبِها الْخَوْفُ، فَقالَتْ تُحَدِّثُ نَفْسَها: «تُرَى كَيْفَ يَكُونُ مَصِيرِي، بَعْدَ أَنْ تِهْتُ فِي هذِهِ الْغابَةِ، وَأَصْبَحْتُ وَحِيدَةً لا رائِدَ لِي وَلا مُعِينَ؟ تُرَى ماذا يَقُولُ أَبِي وَقَدْ حانَ مَوْعِدُ عَوْدَتِي فَلَمْ أَعُدْ؟ وَماذا يَصْنَعُ «شَرْهانُ»؟ وَكَيْفَ يَعُودُ الْمِسْكِينُ إِلَى الْقَصْرِ وَحِيدًا وَلَسْتُ مَعَهُ؟ لَطَفَ اللهُ بِكَ «يا شَرْهانُ». شَدَّ ما أَسَأْتُ إِلَيْكَ إِذْ عَرَّضْتُكَ لِتَعْنِيفِ أَبِي وَتَأْنِيبِهِ، وَلَوْمِهِ وَتَأْدِيبِهِ. وَأَخْشَى ما أَخْشاهُ أَنْ يَضْرِبَكَ عَلَى ذَنْبٍ لَمْ تَجْنِهِ، وَيُعاقِبَكَ عَلَى جُرْمٍ لا يَدَ لَكَ فِيهِ. أَلا لَيْتَهُ يَعْرِفُ أَنَنِي — أَنا وَحْدِيَ — الْمُذْنِبَةُ. وَما أَدْرِي كَيْفَ أَتَلافَى هَذا الْخَطَأَ؟ وَأَحْسَبُنِي سَأَمُوتُ اللَّيْلَةَ — فِي هَذهِ الْغابَةِ — عَطَشًا وَجُوعًا، إِذا نَجَوْتُ مِنْ ذِئابِها الضَّارِيَةِ وَضِباعِها، وَنُمُورِها الْمُفْتَرِسَةِ وَسِباعِها.»
•••
وَعَجَزَتِ الْأَمِيرَةُ عَنْ مُواصَلَةِ السَّيْرِ؛ فَجَلَسَتْ تَنْدُبُ حَظَّها، إِلَى أَنْ غَلَبَها الْإِعْياءُ والتَّعَبُ، فَأَسْنَدَتْ رَأْسَها إِلَى طاقاتِ الزَّنْبَقِ الَّتِي قَطَفَتْها.
وَلَمْ تَلْبَثْ أَنِ اسْتَسْلَمَتْ لِرُقادٍ طَوِيلٍ.