صراع في حجرةٍ مكهربة!
أسرع «أحمد» بالدخول إلى حجرة المراقبة، وهو يفكر: إنَّ الأجهزة يمكن أن تكشف كل شيء …
لكن عندما وقَف أمام الخريطة، عرف أن الفيلَّا من الداخل ليس بها أجهزةُ مراقبة. إنَّ الأجهزة خارج الفيلَّا فقط. ضغط رقم ٨ فظَهرتِ الصورة على الشاشة … كان الحُرَّاس يدورون حول الفيلَّا، دون أن يتقدم أحدٌ منهم … فكَّر: إذن، ما حدَث لا يزال محصورًا داخل الفيلا.
أسرع بالخروج، وقف لحظةً عند الباب، ولم يكن أحد أمامه. فكَّر: أين الشياطين الآن؟ وهل يتحرك للبحث عنهم؟
قال في نفسه: أُرسِل لهم رسالةً شفرية … أخرج الجهاز الخاص به، وكاد أن يدُق الرسالة بيده، لكنَّه تذكر أنَّ الشفرة قد تغيَّرتْ … تذكَّر لحظة، ثم بدأ يُرسِل الرسالة: «٣ – ٧». وقفة. «٢٧ – ٤ – ١٦ – ٧ – ٢٧ – ٦». وقفة. «٢٩ – ٧ – ١». وقفة. «١٧ – ١». وقفة. «٢٩ – ١ – ٥». وقفة. «٢٩ – ٥ – ٢٧ – ٦». انتهى.
انتظر لحظةً، وهو يُراقِب كل الاتجاهات. فجأة جاء الردُّ: «٢٩ – ٢٣ – ٢٧ – ١٠ – ٢٧». وقفة. «١٩ – ٢٨ – ١ – ٢٢ – ٣». وقفة. «٥ – ٢٤ – ٥». وقفة. «٦ – ٥ – ٢٧ – ١٧ – ٢٠ – ٤ – ٥». وقفة. «١٠ – ٢١». وقفة. «٢٩ – ٧ – ٥ – ٩ – ١٤». وقفة. «٢٨». وقفة. «٢٠». وقفة. «١٠». انتهى.
ترجم الرسالة، وفَهِم ما فيها، ثم بدأ يتحرك، لكنَّه في نفس الوقت كان يفكِّر: كيف اختفت «زبيدة» وأين؟
اتجه إلى النقطة الأولى التي حدَّدتْها الرسالة، كان «باسم» قد اختبأ وهو ينظر حوله. همس إليه، فقال «باسم»: من المرجَّح أنَّها اختفت أسفلَ الفيلَّا.
سأل «أحمد»: وهل بحثتُم عنها في بقية الغرف؟
قال «باسم»: نعم. ولم تظهر «زبيدة».
ثم أضاف بعد لحظة: يبدو أنَّ هناك بابًا سريًّا في الفيلَّا يؤدِّي إلى ما تحت الأرض.
تحرَّك الاثنان بسرعة، في اتجاه بقية الشياطين، والتقى الجميع عند النقطة «ف»، حيث يُوجد «فهد»، الذي قال: لقد كشَفوا أنفسهم مبكرًا. إنَّ هذا يعني أنَّ عصابة «سادة العالم» تعرف تحرُّكَنا.
قال «أحمد»: هذا صحيح. وهذا يعني أننا يجب أن نُسرِع؛ فإنَّ هذا الصدام المبكر مقصود به تعطيلنا عن مهمتنا الأساسية.
أضاف «رشيد»: يجب أن ينتهي هذا الموقف حالًا، ولكي نختصر الوقت لا بُد أن نُصوِّر الفيلا بالأشعة فوق الحمراء … حتى نستطيع أن نعرف طريق «زبيدة».
وافق الشياطين على فكرة «رشيد». وبسرعة تحرَّك «باسم» و«فهد». سأل «أحمد»: ما هي خطَّتكما؟
قال «فهد»: سوف نجلس في السيارة ونقوم بتصوير الفيلا من الخارج. إنَّ جهاز الأشعة موجود في السيارة، وهذا يُسهِّل لنا كل شيء.
عندما تحرَّك «أحمد» و«رشيد» إلى غرفة المراقبة، كان «فهد» و«باسم» قد أخذا طريقهما إلى خارج الفيلَّا، حيث توقَّفتْ سيارة الشياطين. في غرفة المراقبة، ضغط «أحمد» زِرَّ رقم ٨، فظَهرتْ صورة الفيلَّا من الخارج. كان الحراس يتحرَّكون في أماكنهم، ولم يكن هناك شيءٌ آخر. فجأةً ظهر «فهد» و«باسم» يتجهان إلى السيارة، ثم دخلاها. كان «أحمد» يفكِّر: هل تُغيِّر العصابة من خطَّتها وتخطف «أماندوليون» قبل كسوف الشمس؟
نقل سؤاله إلى «رشيد»، الذي أجاب: من الممكن أن يحدُث هذا ما داموا قد اكتشَفوا وجودنا.
مرَّت لحظة، قبل أن يضيف: كيف عرفَت العصابة أننا هنا؟
ردَّ «أحمد» بسرعة: هذه مسألةٌ ليست صعبة، في ظل هذا الحدث، وهذه الإجراءات والحراسات … فالعصابة لها عيون في كل مكان.
فجأةً جاءت رسالةٌ شفرية من «فهد» و«باسم». كانت الرسالة تقول: «١٩ – ٢٨ – ١ – ٢٢ – ٣». وقفة. «١٠ – ١». وقفة «٢٩ – ٧ – ٥ – ٩ – ١٤ – ٣». وقفة. «٢٧». وقفة. «٦ – ٦ – ٢٠». وقفة. «١٨ – ٢٠ – ١». وقفة. «٢٧ – ٢٤ – ٢٧». وقفة. «٢٩ – ٧ – ٢٩ – ٢٠ – ١٥». انتهى.
استقبل «أحمد» الرسالة، ثم نقلها إلى «رشيد»، الذي قال: يجب أن نتحرَّك فورًا.
بسرعة، أرسل «أحمد» الرد: «٢٩ – ٧ – ٧ – ٩ – ٢٩ – ٢٩». وقفة. «١٢ – ٥ – ٢٢». وقفة. «١ – ٧ – ٥ – ٩ – ١٤ – ٣». وقفة. «٦». انتهى.
عندما أرسل «أحمد» الرسالة، تحرَّك بسرعة عند النقطة «م»، التي اتفقوا عليها. وما إن وصل هو و«رشيد» حتى كان «فهد» و«باسم» هناك، كانوا يقفون في صالةٍ متسعة تمامًا، لكن لم يكن يبدو فيها أي منفذ، فقال «فهد»: إنَّ الصورة حدَّدتِ الباب السري بثلاث خطواتٍ من اليمين في اتجاه الجنوب الشرقي.
ذهب «باسم» إلى الجدار الأيمن، ثم خطا ثلاث خطوات في اتجاه الجنوب الشرقي، ثم توقَّف. كان هناك بروزٌ صغير، لا يكاد يظهر في جانب المكان … قدَّم رجله اليمنى، ثم ضغط على البروز، فانفتح بابٌ سري صغير، لا يتسع إلا لواحد فقط … نظر أسفل، فوجد عددًا من درجات السُّلَّم تهبط، تجمَّع الشياطين عند الباب السري، وقال «أحمد»: سوف أكون في المقدِّمة …
إلا أنَّ «باسم» كان قد نزل فعلًا وأصبح هو في مقدمة المجموعة، نزلوا خلفه. كانت الدرجات من الحديد تهبط في شكلٍ حلزوني، ولأنَّهم يلبسون أحذيةً خفيفة، فلم يكن يصدُر عنها أي صوت. لكن «أحمد» توقَّف فجأة، وهو ينظر «لفهد» و«رشيد» اللذَين كانا ينزلان خلفه، وقال: إنَّ حراسة «أماندوليون» الآن لا تقل أهمية عن البحث عن «زبيدة» إن لم تكن أكثر، وربما تكون هذه حيلة حتى ننسى مهمتنا …
توقَّف لحظة، ثم أضاف: إنَّ فهد ينبغي أن يعود فورًا إلى «حجرة العمليات» … إن رقم ٨ هو الذي ينقل صورة غرفة «أماندوليون»، عليك بمراقبته وحراسته.
ما إن انتهى من كلامه، حتى واصل نزوله. في نفس الوقت الذي تَبِعه فيه «رشيد»، بينما عاد «فهد» مسرعًا، حيث مهمته مراقبة حجرة «أماندوليون» … كان «باسم» قد سبقهما قليلًا، كان يمشي في حذر، لكنَّه فجأةً دخل حجرةً مواربة الباب. فجأة سمع «أحمد» و«فهد» اللذان كانا يقتربان أصواتًا سريعة. تقدَّما بسرعة حتى أصبحا عند باب الحجرة. فجأةً خرج أحد الرجال مندفعًا بشدة، فهم «أحمد» أنَّ اندفاعه كان نتيجةً للكمةٍ قوية، فتلقَّاه بضربة جعلَتْه يسقط على الأرض بلا حَراك. إلا أنَّ «رشيد» كان قد قفَز إلى داخل الحجرة فوجد «باسم» بين يدَي اثنَين، يتناوبان ضربه. في لحظة، كان قد طار في الهواء، ثم ضرب الاثنَين ضربةً مزدوجة جعلتهما يصطدمان معًا … أصبح «باسم» في وضع لا يسمح بالاشتباك، إلا أنَّه لم يكن هناك من يشتبك معه. كان الرجلان يشعران بالدوار نتيجة اصطدامهما، إلا أنَّ «أحمد»، الذي كان قد دخل الحجرة في هذه اللحظة أجهَز عليهما، فسقَطا بلا حَراك. كان أمام الشياطين بابٌ آخر، بسرعة كان «باسم» قد أخرج آلةً صغيرة، أدخلها في ثقب الباب، ثم عالجه فانفتح، ولم يكن انفتاحه إلا بداية معركةٍ جديدة؛ فقد طار أحد الرجال الستة الموجودين داخل الحجرة، وضرب «أحمد» و«رشيد» معًا، إلا أنَّ الِاثنَين كانا على حذر؛ فقد طار كلٌّ منهما إلى اتجاه، وطاشت ضربة الرجل. بينما كان «باسم» قد اشتبَك مع أحدهم، وكان قد ضَربَه ضربةً قوية. وقبل أن يسقط كان قد أسرع إليه يحمله فوق كتفه، ثم دار به دورةً سريعة، وألقى به فوق بقية الرجال الذين كانوا قد فوجئوا بما حدث.
في نفس اللحظة، كان «أحمد» و«رشيد» قد اشتبكا فعلًا مع اثنين، فأجهزا عليهما. وبينما المعركة تدور، شعر «أحمد» بحرارة جهاز الاستقبال، فعرف أنَّ هناك رسالةً عاجلة. لكن كيف يستقبل الرسالة الآن، والمعركة قائمة؟ فكَّر، بينما كان يُسدِّد ضربة لأحد الرجال: ينبغي أن أختفي بسرعة، لاستقبال الرسالة؛ فربما كان «أماندوليون» في خطر.
عندما سقط الرجل على الأرض، كان «رشيد» و«باسم» يُنهِيان المعركة. أسرع «أحمد» إلى جانبٍ من الحجرة، وتلقَّى الرسالة، وعندما ترجمها، كانت ابتسامةٌ سريعة تمر على وجهه. كانت الرسالة تقول: «٢٩ – ٥ – ٥ – ١». وقفة. «١٠ – ١». وقفة. «٢٩ – ٧ – ٥ – ٩ – ١٤ – ٣». وقفة. «١٢». وقفة. «٢٩ – ٧ – ٥ – ٩ – ١٤ – ٣». وقفة. «١٢». وقفة. «٢٩ – ٧ – ٢٩ – ٦ – ٤ – ٢٠». وقفة. «١٦ – ١٢ – ٢٨ – ٣». انتهى.
نظر إلى «باسم» و«رشيد»، كانا يقفان، وقد تصبَّب العرق منهما. همَس: لقد ظَهرتْ «زبيدة».
ظَهرتِ الدهشة على وجهَيْهما، فسأل «رشيد» بسرعة: أين؟
ردَّ «أحمد»: في النقطة «ع».
لم تكن النقطة «ع» تبعُد كثيرًا عنهم؛ فهي خلف الباب الذي يلي الحجرة الداخلية الأخرى. تحرَّك الشياطين بسرعة، فتحوا الباب الموجود في الحجرة، فلم يجدوا أحدًا، كانت الحجرة خالية تمامًا. لكنَّهم مع ذلك لم يتقدَّموا؛ فقد همَس «رشيد»: من الممكن أن تكون هذه الحجرة مصيدةً جديدة لنا.
بسرعةٍ أخرج جهازًا دقيقًا من جيبه، ثم ضغط زِرًّا فيه، ومدَّ ذراعه بالجهاز إلى داخل الحجرة. تحرَّك المؤشِّر أمامه، فابتسم قائلًا: كما توقَّعتُ، إنَّ الحجرة غارقة في تيارٍ كهربائي، يمكن أن يَصعَق جَملًا …
بسرعة كان الشياطين يضَعون في نعال أحذيتهم موادَّ خاصَّة عازلة للكهرباء. وفي دقائقَ كانوا يتقدَّمون إلى داخل الحجرة … مرةً أخرى، توقَّف «رشيد» أمام باب الحجرة الأخرى، وقدَّم الجهاز أمامه، فتحرَّك المؤشر، قال: إنَّها مكهربةٌ هي الأخرى.
أخرج قفَّازًا خاصًّا من جيبه، ثم لبسه وعالج أُكْرة الباب فانفتح. في نفس اللحظة اندفعَت طلقات الرصاص كالمطر … كان الشياطين يقفون على جانبَي الباب، فلم يُصَب أحدهم بشيء. بسرعة كان «باسم» يُخرِج كراتٍ صغيرة، ثم يُدحرِجها إلى داخل الحجرة. مرَّت لحظاتٌ بينما صوت الطلقات لا يتوقَّف، ثم فجأةً توقَّف تمامًا، وبدأ السُّعال يتردَّد داخل الحجرة. همس «باسم» قائلًا: إنَّ الغازات بدأَت مفعولها.
تقدَّم الثلاثة في حذر إلى الداخل. كان الرجال داخل الحجرة يَسعلُون بشدة، بينما كانت «زبيدة» مكمَّمة الفم، مغطَّاة العينَين، وقد رُبطَت إلى كرسي تجلس عليه. أسرع «أحمد» إليها، ففَك وَثَاقها، بينما كانت ابتسامةٌ ترتسم على وجهها. كان «باسم» و«رشيد» ينظُران إلى الرجال الذين كانوا يتلوَّون من الألم، وعلَّق «رشيد»: أظن أنَّه لا داعيَ لأَكثرَ من ذلك. إنَّ هذا يكفيهم تمامًا.
أسرع الشياطين بالخروج من الحجرة، غير أنَّ «أحمد» قال: إنَّ هذا المكان السري ينبغي أن نؤمِّنه جيدًا، حتى لا يستفيد منه أحد. إننا لم نَعُد نعرف بالضبط أين يمكن أن نجد عصابة «سادة العالم» … فهي يمكن أن تظهر في أي مكان.
ردَّ «رشيد» قائلًا: إذا كانوا قد كهربوا حجرةً واحدة، فنحن نستطيع أن نمغنط لهم المكان كله، فإذا تحرَّك أحدٌ داخله فسوف يقع في مِصْيدة المغناطيس، وساعتَها سوف يلتصق بالحائط، ولا يستطيع منه فكاكًا إلا إذا جئنا إليه!
قال «أحمد»: هذه فكرةٌ طيبة. عليك إذن بمغنطة المكان.
في لمحة، كان «رشيد» قد أمسك بجهازٍ دقيق، ثم ضغط زِرًّا فيه، فصدر عن الجهاز صوتٌ قوي، كأنَّه صوت مِرْوحة طائرة تطير بسرعةٍ عالية. دار حول نفسه، فصنع مجالًا مغناطيسيًّا في الحجرة. كان الشياطين يتقدَّمون، بينما «رشيد» يقوم بمغنطة الحجرات واحدةً واحدة، ثم الممرات التي يتركونها.
وعندما صَعِد الشياطين السُّلم الحلزوني إلى الخارج، كان «رشيد» يقوم أيضًا بصنع مجالٍ مغناطيسي في المكان كله. كان الشياطين يشعرون بالارتياح؛ فقد أنقذوا «زبيدة» وفي نفس الوقت ها هم يعودون إلى مهمَّتهم الرئيسية لحماية «أماندوليون». غير أنَّ شعورهم بالارتياح لم يستمر طويلًا؛ فعندما أرادوا فتح الباب السري علَت الدهشة وجوههم … إنَّ الباب قد أُغلق عليهم.