خطف «أماندوليون»!
نظر «أحمد» إلى الشياطين، وقال: وماذا بعد؟ ماذا سوف نفعل؟
ردَّ «باسم» بابتسامةٍ واثقة: هذه ليست قضيةً هامة. إننا نملك ما نفتح به أقوى الأبواب.
أخرج مسدَّسه من جيبه، إلا أنَّ «أحمد» شعر بحرارة جهاز الاستقبال، فهمس: هناك رسالة، ولعلها من «فهد». أخرج الجهاز الصغير، ثم أخذ يتلقى الرسالة: «١ – ٢٨ – ٢٢ – ٤». وقفة. «٢٩ – ٥». وقفة. «٢٩ – ١٧ – ٢٤ – ٢٠ – ٢٩ – ١٨». وقفة. «٢٤ – ٤ – ٧». وقفة. «٦ – ٢٠ – ٨ – ١٩». وقفة. «٢٩ – ٧ – ١٢ – ٦ – ٧ – ١ – ٢٩ – ٢٦». وقفة. «٢٨ – ١ – ٥ – ٣ – ٦». وقفة. «٢٠ – ٢٥ – ٢٩ – ٧». وقفة. «٦ – ٥». وقفة. «١٨ – ٢٩ – ٢٢ – ٣». وقفة. «٢٩ – ٧ – ١٢ – ٢٩ – ٧ – ٦». وقفة. «٢٩ – ١٨ – ٢٨ – ١ – ٨ – ٢٣». وقفة. «٢٩ – ٦ – ٢٩ – ٥ – ٢٢ – ٤ – ٧ – ١ – ٤ – ٥». وقفة. «٥ – ٢٧ – ١ – ٢٥ – ٣». وقفة. «٢٧ – ٧ – ١ – ١٠ – ٤ – ٥». وقفة. «٢٣ – ٢٩ – ٢٠ – ٢٥ – ١». وقفة. «٢٨ – ٢٢ – ٢٩». وقفة. «١ – ٧ – ٢٨ – ١٨». وقفة. «٦ – ٧ – ٢٩ – ٢٨ – ١٨ – ٣». وقفة. «٢٩ – ١٨ – ٢٧ – ١٢ – ٢٢ – ٢٩ – ٢٢ – ٢٩». وقفة. «٧ – ٧ – ٢٣ – ٢٠ – ٤ – ٢٥». وقفة. «٢٩ – ٦ – ٢٩ – ٦ – ١». وقفة. «٢٩ – ٧ – ٢٩ – ٥». وقفة. «١ – ٢٠ – ٢٨ – ١٤». وقفة. «٢٠ – ٢٨ – ٢٩ – ١٤». وقفة. «١٢ – ٥ – ٩ – ٣». انتهى.
ترجم «أحمد» الرسالة، فظَهرتِ الدهشة على وجهه، وقال بسرعة: ينبغي أن نكون في حجرة المراقبة الآن، يبدو أنَّ «أماندوليون» في خطر.
قال «رشيد»: إذن، إنَّهم ينفِّذون الفكرة التي طرحتُها، إنَّهم فعلًا يحاولون شغلنا في معركةٍ جانبية، بينما ينفِّذون خطف «أماندوليون» قبل لحظة الكسوف.
كان «باسم» في هذه اللحظة، قد أخرج مسدسه، وثبَّت عليه جهازًا دقيقًا، ثم ضغط زناد المسدَّس وهو يصوِّب فُوَّهَته إلى الباب، انطلق شعاعٌ غير مرئي من فوهة المسدس. وفي لحظةٍ كان الباب يُفتح، لكن فتح الباب لم يكن هو الطريق إلى الخروج؛ فقد كانت معركةً جديدة في انتظار الشياطين. فكَّر «أحمد» بسرعة: إنَّ الوقت سوف يضيع في هذه المعارك، في الوقت الذي تُنفِّذ فيه العصابة خطفها. إنَّ رسالة «فهد» تعني أنَّ «أماندوليون» سوف يخرج من حجرته. وفي هذه الحالة سوف يقع في أيديهم، ويمكن أن يختفي إلى الأبد …
في الوقت الذي فُتح فيه الباب، اندفع تيارٌ هوائي عنيف، فأزاح «باسم»، الذي كان خلف الباب مباشرة، فألقى به على الأرض. في نفس الوقت كان التيار الهوائي يملأ الحجرة، حتى أصاب الشياطين بالدُّوَار. همَس «أحمد»: إنَّ مصدر التيار لا بُد أن يكون مواجهًا تمامًا للباب.
فكَّر لحظة، ثم قال: قِفوا خلفي، واسندوني جيدًا، حتى لا أطير من شدة التيار.
تقدَّم في حذر، حتى أصبح في مواجهة فتحة الباب تمامًا، كان يمسك مسدسه. في اللحظة التي وقف فيها الشياطين خلفه، يسندون ظهره، كان التيار عنيفًا، حتى إنَّه كان يهز الشياطين، برغم قُوَّتهم. أطلق «أحمد» مجموعةً من الطلقات على عدة نقاطٍ حددها في ذهنه. فجأةً توقَّف التيار الهوائي، فسقط الشياطين على الأرض، لكنَّهم بسرعة كانوا يستعيدون توازُنهم، وقالت «زبيدة»: لقد أصبتَ الهدف.
ما إن انتهت من جُملتها، حتى كان سيل الطلقات ينهمر عليهم. ألقَوا أنفسهم على الأرض، وتدحرجوا بعيدًا عن مرمى الطلقات. أخرج «رشيد» مسدَّسه، إلا أنَّ «أحمد» قال: انتظر، لا ينبغي أن نشترك الآن … لقد وَضحَت خطَّتهم تمامًا. إنَّهم فعلًا يريدون تعطيلنا حتى ينفردوا ﺑ «أماندوليون».
سكت لحظة، ثم أضاف: المهم أن نطمئن الآن. أخرج جهاز إرساله، ثم أرسل رسالةً إلى «فهد». كانت الرسالة تقول: ما الموقف الآن؟
وبسرعة جاءه الردُّ: «أماندوليون» يتحدَّث في التليفون، وقد ارتدى ملابسه كاملة.
أرسل «أحمد» رسالةً أخرى: سجِّل المكالمة المتبادلة الآن، وارصُد مَصْدرها؛ فقد تُفيدنا فيما بعدُ.
أعاد الجهاز إلى جيبه، ثم قال: ينبغي أن نخرج الآن؛ فيبدو أنَّ الدقائق القادمة سوف تكون حاسمة.
تقدَّم من الباب، وتَبِعه الشياطين، لكن الطلقات انهمَرتْ مرةً أخرى. توارَوْا داخل الحجرة. فكَّر «أحمد»: إنَّ الِاشتباك معهم سوف يُضيع الوقت، والخروج الآن أمرٌ صعب. ومع ذلك لا بُد من الخروج.
نظر إلى الشياطين لحظة، كان يُركِّز ذهنه الآن تمامًا. فجأةً قال «رشيد»: إننا نستطيع أن نخرج عن طريقٍ آخر غير هذا الباب.
هتف «باسم» بعده مباشرة: هذا صحيح … إننا يمكن أن نكون بجوار «فهد» بعد دقائق.
فهم «أحمد» ماذا يقصدان. تحرَّك «باسم» بسرعة، ثم ثبَّت الجهاز الدقيق على فُوَّهة مسدَّسه، ووقف في جانب من الحجرة، ضغط الزناد، ثم رسم مربعًا يكفي لمرور إنسان، وعندما انتهى، ضغط المربع بيده فارتفع. وفي لحظة كانت عيناه تلتقيان بعينَي «فهد». هتف «فهد»: رائع!
وبسرعة كان الشياطين يصعدون الواحد بعد الآخر … فقد استطاع «باسم» أن يفتح فتحةً كافية في سقف الحجرة التي يقف فيها «فهد» مباشرة، إلا أنَّ «أحمد» كان لا يزال في مكانه. تقدَّم من الباب ثم أخرج مسدَّسه، وأطلق مجموعة من الطلقات فجاءه الرد سريعًا من الخارج بمجموعاتٍ متتالية من الطلقات. انتظر لحظة، ثم بدأ يطلق طلقاتٍ متفرقة، وهو ينتقل من مكان إلى مكان، حتى يوحي لهم بأنَّ مجموعةً كاملة تشترك في إطلاق الرصاص. وعندما كان أفراد العصابة يمطرون الحجرة بطلقاتهم، كان «أحمد» يغادرها من نفس الفتحة في هدوء، وقد ترك العصابة تظن أنَّهم ما زالوا محبوسين داخل الحجرة.
بسرعة، أعاد «باسم» غطاء الفتحة إلى مكانه، وبواسطة الأشعة غير المرئية، ثبَّتَها جيدًا … في نفس الوقت، كان «أحمد» ومعه بقيةُ الشياطين يقفون أمام الشاشة يرقُبون «أماندوليون» وهو يضع سمَّاعة التليفون بعد هذه المكالمة الطويلة، ثم يجلس في مقعد.
همَسَت «زبيدة»: لا بد أنَّه ينتظر شيئًا، ربما تكون التعليمات قد صدَرتْ إليه.
قال «رشيد»: إنني أُفكِّر في شيء أطرحه عليكم.
نظروا له جميعًا، فقال: إنَّ الوقت لا يزال أمامنا … ووجود «أماندوليون» هكذا سوف يُكلِّفنا الكثير، ونحن في نفس الوقت لا نضمن حدوث أي شيء، ربما إذا فَشِلوا في خطفه … فكَّروا أن يتخلَّصوا منه، وذلك سوف يجعلنا نخسر الكثير … إنَّ «أماندوليون» كما تعرفون، مهم جدًّا بالنسبة للتجربة التي تتم الآن. قالت «زبيدة»: وماذا بعد؟ إنَّك لم تطرح فكرتك.
قال «رشيد»: إنني سوف أطرحُها عليكم الآن.
صمت لحظة، ثم قال: لماذا لا نقوم نحن بخطف «أماندوليون» فيكون بين أيدينا، ولا أحد يستطيع الاقتراب منه … وعندما تحين اللحظة المناسبة نعيده إلى مكانه، لتسجيل تلك اللحظة التاريخية التي سوف تحدث غدًا، عندما يحدُث كسوفٌ كلي للشمس.
سكت قليلًا، ثم أضاف: إنَّ خطة خطف «أماندوليون» ليست صعبة، بل إنَّها سوف تُوفِّر علينا الكثير من الوقت والجهد.
انتهت فكرة «رشيد». نظر الشياطين إلى بعضهم، كانوا مستغرقين في التفكير في هذه الفكرة الجديدة. في نفس الوقت، كانت أعينُهم تُتابع حركات «أماندوليون» على الشاشة؛ فقد كان يبدو قلقًا، فهو يقف بعض الأحيان، ثم يقوم ليمشي في الحجرة. قطع «فهد» هذا الصمت، قائلًا: لماذا لا نتحدث إليه؟
نظَر للشياطين، ليرى وَقْع كلماته عليهم، ثم أضاف: يمكن أن نُحذِّره، ويمكن أن نتفق معه.
لَمْ ينطق أحدٌ منهم. نظر «رشيد» و«فهد» إلى بعضهما، ثم اتجهوا نحو «أحمد»، الذي كان مستغرقًا في التفكير، قال «باسم»: إنَّ الوقت يمر بسرعة، ويمكن أن نفقد «أماندوليون» في أي لحظة، خصوصًا الآن، وهو يستعد للخروج.
نظر في ساعة يده، ثم قال: إنَّ الوقت متأخر، وهذا يعني أنَّ المكالمة التليفونية ليست عن طريق جماعة البحث أو السلطات في «المكسيك».
قال «أحمد» بسرعة، وهو ينظر إلى «فهد»: هل سجَّلتَ المكالمة التليفونية كما طلبتُ منك؟
قال «فهد»: نعم، إننا نستطيع أن نسمعها الآن.
ضغَط زِرًّا في تابلوه أمامه، فأضاءت لمبةٌ حمراء لحظة، ثم جاء صوت يتحدَّث: السيد «أماندوليون»، الجنرال «سانتينا» يتحدَّث إليك.
– أهلًا!
– إنَّ المؤتمر مصغَّر … إنَّه للعلماء المشتركين في رصد الظاهرة غدًا، وسوف يُعقد بعد منتصف الليل.
– لماذا؟
– هذه إجراءاتُ أمنٍ يا سيدي، وسوف أَمُر عليك شخصيًّا لمصاحبتك إلى مكان الاجتماع، فهل يمكن أن تكون مستعدًّا في خلال نصف ساعة؟
– وأين مكان الاجتماع؟
كان هذا صوت «أماندوليون» يسأل.
أجاب «سانتينا»: مكانه لا يعرفه سوى عدد من المسئولين، حرصًا على سلامة العلماء، وسيادتكم يعرف أنَّ العلماء المشتركين من كل بلاد الدنيا، وهذا يُمثِّل خطورةً شديدة، كما يُمثِّل عبئًا في الحراسة؛ ولذلك فالتحرُّكات كلها تتم في سريةٍ تامة.
جاء صوت «أماندوليون»: هل تتحدَّث مرةً أخرى؟
ردَّ «سانتينا»: نعم، سوف أتصل قبل وصولي مباشرة.
ثم انتهت المكالمة، قال «رشيد»: واضح إنَّها مكالمة تُخفي وراءها الكثير، فكيف يُعقد اجتماع بعد منتصف الليل، وكل شيء مُعَد وجاهز.
قالت «زبيدة»: أعتقد أيضًا أنَّ حكاية ساعةٍ من وقت المكالمة، أو اتصاله مرةً أخرى، مسألة خداع.
فجأة قال «أحمد»: ينبغي أن ننفِّذ فكرة «رشيد» فورًا. إنَّ خطف «أماندوليون» هو الطريقة الوحيدة للمحافظة عليه.
سألَت «زبيدة»: هل تعرفون مكانه؟
ردَّ «فهد»: هذه ليست مسألةً صعبة. إنَّ عميل رقم «صفر» يمكن أن يحقِّق لنا ذلك.
أضاف «باسم»: نحن نستطيع رصد المكان، وتقدير المسافة، وتحديد حجرته بالضبط.
وبسرعة كان «باسم» يحقِّق فكرته، ضغط عددًا من الأزرار أمامه في التابلوه الطويل، المزدحم بالأجهزة والشاشات، ثم قال: إنَّه ينزل في المبنى ١٥، في الغرفة السابقة، التي تقع عند درجة ٢٣ شمالًا.
قالت «زبيدة»: إذن علينا أن نتحرك فورًا.
قال «أحمد»: سوف أتقدَّم أنا و«رشيد» إلى «أماندوليون» في الوقت الذي تكونون فيه مراقبين لنا. تبقى «زبيدة» و«فهد» أمام أجهزة المراقبة، بينما «باسم» سوف ينتظر بالسيارة، وسوف أقوم و«رشيد» بالدخول إلى المبنى.
ثم نظر إلى «رشيد»، وقال مبتسمًا: علينا أن نتنكَّر، حتى لا نَلفِت نظر أحد. إنَّ الماكياج يمكن أن يفيد في هذه الحالة.
في الوقت الذي كان «أحمد» و«رشيد» يقومان بعمل الماكياج. كان «فهد» و«زبيدة» يرقبان حركة «أماندوليون»، التي بدَت قلقة. كان «أماندوليون» ينظر في ساعته، فنظر «فهد» إلى ساعته، وهمس «لزبيدة»: إنَّ الساعة قد انتهت، ويبدو أنَّه زمن خدعة.
كان «باسم» هو الآخر، قد أبدل ثيابه، وارتدى ثيابًا يبدو فيها وكأنَّه سائقٌ خاص، حتى إنَّ «فهد» نظر إليه مبتسمًا: لقد أجدتَ الدور.
صمت لحظة، ثم قال بابتسامة أعرض: شكلًا فقط حتى الآن.
انتهى «أحمد» و«رشيد» من عمل ماكياجهما، فبدا كلٌّ منهما وكأنَّه قد أوشك على الستين، الشعر الأبيض، والحواجب الكثيفة، والتجاعيد التي تملأ الوجه، والنظَّارات الطبية … ضحكت «زبيدة» قائلة: هذا جَدِّي قد جاء معنا ليشترك في المغامرة!
تحرَّك الثلاثة بسرعةٍ خارجين. ضغط «فهد» رقم ٨ فظهرت الفيلا من الخارج. دقائق ثم ظهر الثلاثة متجهين إلى السيارة. فتح «باسم» الباب لكلٍّ منهما، كانا يبدوان وكأنَّهما عجوزان فعلًا، وعندما استقرا في المقعد الخلفي انطلَق «باسم» بالسيارة في الطريق إلى خطف «أماندوليون».