محاولةٌ غير مأمونة
خرج الشياطينُ «أحمد» و«مصباح» و«فهد» و«قيس» و«خالد»، في الجزء الأول من المغامرة، للوصول إلى جزيرة «آندمان» حيثُ يعيش «شون كوماكي» تاجر المخدِّرات الذي يُسيطِر على معظم هذه التجارة القاتلة في العالم، وكانت أوَّل محطة لهم في ميناء «رانجون» في «بورما»، كانوا يحاولون أن يجدوا عملًا على السفينة «آرو» التي سوف تنقل شحنة المخدِّرات الكبيرة في طريقها إلى الشرق الأوسط. ورغم أن «خالد» استطاع أن يَعقِد صداقةً مع «جراند» رجل العصابة، والذي يُشرِف على السفينة آرو، إلا أنَّ أوامر رقم «صفر» غيَّرت خطَّة الشياطين؛ فقد تغيَّرت السفينة في آخر لحظة، وأصبحَت الخطَّة الجديدة هي الوصول إلى جزيرة «آندمان» مباشرة، لكنَّ الجزيرة محاطة بحراسةٍ شديدة، فحَوْل الجزيرة تُوجد مجموعة من الرادارات تكشف أيَّ جسمٍ معدني يصل إليها؛ ولذلك فكَّر الشياطين في استخدام الطيران الشراعي الذي لا يستطيع الرادار رصده، في نفس الوقت هناك حراسةٌ إلكترونية حول قصر «شون كوماكي»؛ فهناك مجموعة من «الروبوت» مبرمجة بطريقةٍ خاصَّة، هي التي تحرس القصر في الليل، أما في النهار فهناك العدسات التي تكشف أيَّ أحدٍ؛ ولهذا فكَّر الشياطين في تقسيم الرحلة إلى مرحلتَين؛ الأولى تكون هي جزيرة الحراسة، والمخبأ الذي يستخدمه «شون كوماكي» لإخفاء المخدِّرات، والثانية هي جزيرة «آندمان» نفسها، التي يعيش فيها رجل المخدِّرات الخطير.
غادر الشياطين ميناء «رانجون» بالطائرة الشراعية التي أعدَّها لهم عميلُ رقمِ «صفر» واستطاعوا أن يصلوا إلى الجزيرة الأُولى حيثُ تتكوَّن جزر «آندمان» من خمس جُزر، أكبرها الجزيرة التي يقيم فيها «شون كوماكي» وهناك اصطدموا برجال الحراسة في الجزيرة، وتغلَّبوا عليهم، وكان أكبر انتصار حقَّقوه هو عثورهم على سر الحارس الإلكتروني … وهو نفسه الاسم الذي أطلَقوه على مغامرتهم السابقة، وبسرعةٍ أرسلوا الشفرة التي عثَروا عليها إلى مركز البحوث في المقر السري، وقبل أن ينتهوا من مهمتهم فوق الجزيرة الصغيرة، جاءهم حلُّ الرموز الشفرية، كان من بينها الشفرة التي يتحدَّث بها «شون كوماكي» إلى رجاله، أيضًا البرنامج الذي تعمل به «الروبوت» في حراستها الليلية. وبعد أن انتهَوا من مغامرتهم الأولى وهي «سر الحارس الإلكتروني» كان عليهم أن يبدءوا مغامرتهم الجديدة «الحارس الإلكتروني»؛ فسوف تكون مهمَّتهُم الصعبة هي التعامل مع هؤلاء الحُرَّاس الذين لا يتحرَّكون إلا بأوامر «شون كوماكي»، ولا يفهمون إلا تنفيذ البرنامج الموجود فيهم.
كان الليل قد بدأ فوق الجزيرة، وكان الشياطين قد جلسوا في دائرة حول أكواب الشاي الساخنة؛ فقد كانت هذه الفترةُ فترةَ شتاء.
قال «قيس»: الآن … علينا أن نأخذ إحدى السيارات لجرِّ الطائرة، حتى نستطيع الإقلاع بها …
ابتسم «فهد» وقال: هذه ليست المشكلة … المشكلة هي كيف يصل مَن يقود السيارة إلى الطائرة.
كان على أحدهم أن يقود السيارة ليجُرَّ بها الطائرة؛ لأنها تطير باندفاع الرياح وليس بالبنزين، وعندما تطير الطائرة سوف يظل أحد الشياطين على الجزيرة؛ لأنه كان يقود السيارة.
قال «خالد»: أعتقد أنها ليست مشكلةً صعبة، فنستطيع أن نُدْلي بحبل من الطائرة، يتعلَّق به … صمت لحظة ثم أضاف: وسوف تكون هذه مهمَّتي، سوف أقود السيارة وأجرُّ الطائرة وأنتظر!
ابتسم «أحمد» وقال: إن هذه مسألة تحتاج إلى براعةٍ فائقة؛ فالطائرة سريعة!
قال «خالد»: لا بأس، سوف أستطيع ذلك!
أضاف «مصباح»: لاحظوا أن أنوار السيارة سوف تكون مضاءةً؛ فالليل هنا حالك السواد، وبدون أنوار السيارة لن نرى «خالد»، ولن يرى «خالد» الحبل، وعندما يتعلق «خالد» بالحبل هل نترك أنوار السيارة مضاءةً؟ إن ذلك سوف يكشف وجودنا!
فجأةً دقَّ جهاز استقبال المعسكر، نظر الشياطين إلى بعضهم، وقال «مصباح»: لا بد أن «شون كوماكي» يرسل رسالةً ما إلى رجاله!
أخذ الجهاز يُسجِّل الرسالة، وكانت رسالةً شفرية، ولأن «أحمد» كان يملك فك رموزها، فقد أخذ يقرأ بسرعة والشياطين يستمعون، وعندما انتهت الرسالة قال «فهد»: لا بد أن نَرُد عليها، وإلا انكشفنا.
ابتسم «أحمد» وقال: لا بأس فسوف نردُّ؛ فنحن نملك سر الرموز الشفرية، بعد أن أرسلها إلينا مركز البحوث من المقر السري!
كانت رسالة «شون كوماكي» تقول: ستتغيَّر الخدمة في الجزيرة؛ فالسفينة «آرو» سوف تصل إليكم غدًا في الليل، ينضم «جراند» و«جيبسون» و«داري» الليلة إلى مركز القيادة، أرسل «أحمد» ردًّا سريعا بنفس الرموز الشفرية، يقول: عُلم، وسوف ننفذ، ونحن في الطريق!
ابتسم الشياطين؛ فقد كانت الرسالة جيدة فعلًا، قال «أحمد»: ينبغي أن نتحرك بسرعة، حتى لا تصدُر تعليماتٌ أخرى، ولن يبقى في الجزيرة أحدٌ بعد رحيلنا، وهذا يمكن أن يلفت النظر إلينا.
صمت لحظةً ثم أضاف: إن مغامرتنا يجب أن تتم الليلة، وإلا …
ولم يُكمِل جملته، وبسرعة كان الشياطين يتحرَّكون إلى إحدى السيارات، في طريقهم إلى حيث تقف الطائرة التي كانت مختفية تحت أكوامٍ من القش، فكانت تبدو في فضاء الجزيرة وكأنها أحد جبالها، كان الليل كثيفًا فوق الجزيرة الخالية، ولم يكن هناك ضوءٌ سوى ضوء السيارة التي كانت تتقدَّم بحذَر؛ فلم يكن أحد من الشياطين يعرف دروبها. كان «خالد» يجلس إلى عجلة القيادة ويُحاوِل أن يغوص بعينَيه في الظلام حتى لا يقع في منطقةٍ منخفضة، وظهَرتْ كَوْمة القش، لكن فجأةً بدأ رذاذ المطر في السقوط.
قال «خالد»: يبدو أن الرحلة سوف تكون قاسية.
ردَّ «فهد»: لا بأس، وسوف يكون طيراننا فوق مياه المحيط، حتى لا تداهمنا تقلُّبات الجو في مناطقه العليا!
ظلَّ المطر يزداد حتى أصبح فجأةً وكأنه السيول … وحتى إن «خالد» لم يستطع أن يرى طريقه جيدًا، بالرغم من أن مسَّاحات السيارة كانت تعمل.
تساءل «مصباح»: هل معنى هذا أن تؤجَّل رحلتنا؟
ردَّ «أحمد»: بالتأكيد لن نؤجلها؛ فتأجيلها يعني أننا قد انتهينا!
وصلت السيارة إلى جوار الطائرة، ثم توقفت. كان المطر لا يزال عنيفًا. قال «مصباح»: هل ننتظر توقُّف المطر؟
ردَّ «أحمد»: سوف ننتظر بعض الوقت فقط!
أخرج جهازًا دقيقًا من جيبه، ثم بدأ يُجري بعض الحسابات. وأخيرًا قال: إننا نحتاج إلى ساعة بالضبط، إذا كانت الرياح في صالحنا، لنصل إلى جزيرة «آندمان».
ردَّ «قيس»: هذا يعني أن عندنا بعض الوقت. ولا بأس من الانتظار!
أوقف «خالد» موتور السيارة ثم أطفأ الأنوار وهو يقول: حتى لا ينفَد البنزين، أو تضعُف بطارية السيارة!
لم يكن أحدُهم يرى الآخر لشدة الظلام. ولم يكن يسمع صوتًا غير صوتِ دقَّاتِ المطر فوق سقف السيارة.
ابتسم «قيس» وقال: إنها لحظةٌ نادرة؛ فبيننا وبين المقر السري آلاف الأميال، ونحن في جزيرة ليس عليها أحدٌ غيرنا الآن، وهذا الظلام الكثيف والصمت ودقَّات المطر.
ثم ضحك بصوتٍ مسموع وهو يضيف: إنها لحظةٌ مثيرة تصلح لأفلام «هيتشكوك»!
وابتسم الشياطين، لكنَّ أحدًا منهم لم يكن يرى ابتسامة الآخر. مرَّت نصف ساعة ولم يتغيَّر شيء … الصمت، والظلام والمطر.
فقال «أحمد»: يبدو أن المطر لن يتوقَّف، وعلينا أن نتخذ قرارًا!
نظر «فهد» في ساعته الإلكترونية. وقال: ينبغي أن نُحدِّد وقتًا، فإذا لم يتوقَّف المطر فإن علينا أن نبدأ مغامرتنا.
قال «خالد»: هذه حقيقة!
أضاف «فهد»: إن الساعة تشير إلى الثامنة والنصف، وما دُمنا لا نحتاج إلا لساعةٍ واحدة … فإننا سوف نُحدِّد التاسعة والنصف لبداية التحرك، فمن يدري؟ قد تُعاكِسُنا الرياح، ويُصبِح الموقف صعبًا!
لم يَردَّ أحدٌ من الشياطين. وكان هذا يعني أنهم موافقون على اقتراح «فهد». كان كلٌّ منهم يفكِّر في شيءٍ ما، وكانت أفكارهم تلتقي عند هذه اللحظة؛ فهذه أول مرةٍ يقابلون فيها هذا الموقف الغامض المثير. مرَّت الساعة دون أن يحدث شيءٌ جديد. المطر لا يزال يسقط بشدة والظلام بنفس كثافته.
قال «فهد»: لقد انقضَت الساعة ويجب أن نتحرك!
وفي لحظة كان الشياطين يغادرون السيارة. إلا «خالد» الذي ظلَّ خلف عجلة القيادة … أضاء لهم أنوارَ السيارة، فظهَرتْ كَوْمة القش المبتلَّة … أخذوا يُزيحُون القشَّ من فوق جسم الطائرة. حتى تظهر. كان العمل شاقًّا؛ فالقش أصبح ثقيلًا جدًّا بفعل الماء. أخذ «فهد» الحبل وثبَّته في مقدمة الطائرة. في نفس الوقت، كان «أحمد» يُثبِّت حبلًا آخر عند منتصفها، حتى يستطيع «خالد» أن يتعلُّق به.
أدار «خالد» موتور السيارة ثم تقدَّم، ظل يجذب الطائرة ويُسرِع قليلًا قليلًا، ثم انطلق بسرعة، وأخذت الطائرة طريقها إلى الفضاء. انتظر «خالد» قليلًا ثم غادر السيارة، وكانت أنوارها لا تزال تكشف المنطقة التي تقف فيها. فكَّر لحظةً ثم أوقف المحرِّك وانتظر. دارت الطائرة دورةً ثم عادت إلى حيث يقف «خالد» في المساحة التي يُغطِّيها نور السيارة. سمع صوتها الهادئ وهي تقترب. كان المطر غزيرًا، حتى إنه لم يكن يستطيع أن يرفع وجهه في اتجاهها. اقتربَت الطائرة، حتى مرَّت فوق رأسه، أسرع يُمسِك بالحبل لكن يده انزلَقتْ؛ فقد كان الحبل مبتلًّا تمامًا، واختفت الطائرة. شعر بألم في يده نتيجة الحبل، ثم انتظر مرةً أخرى. دارت الطائرة دورةً وعادت. تحفَّز، اقتربَت الطائرة ودخلَت منطقة الضوء. قفز قفزةً عالية، وتعلَّق بالحبل. لكنه مرةً أخرى انزلق، وسقط على الأرض. لم يكن سقوطه عنيفًا؛ فقد استعَد له لأنه كان يتوقع أن يفلت الحبل منه مرةً أخرى. فكَّر قليلًا، في نفس الوقت كان «أحمد» يفكر: هل يظل «خالد» في الجزيرة حتى يعودوا إليه؟ لا بد أن يُكرِّروا المحاولة. أخرج جهاز الارسال وتحدَّث إلى «خالد».
قال «خالد»: لن أستخدم الحبل لأنَّني حتى إذا استطعتُ أن أتعلَّق به، فقد أسقط من جديد، انتظر لحظةً ثم أضاف: سوف أتعلَّق بسلَّم الطائرة؛ لذا يجب أن تكون الطائرة على ارتفاعٍ يسمح بذلك.
ردَّ «أحمد»: هذه فكرةٌ طيبة، وسوف نحاول.
لكن «أحمد» كان يفكر في نفس الوقت. إنَّه يخشى أن يصطدم «خالد» بجسم الطائرة أو بسُلَّمها دون أن يتعلَّق به، وفي هذه الحالة سوف تكون كارثة. انتظر «خالد» في مساحة الضوء، واقتربَت الطائرة بعد أن دارت دورةً، ثم هبطَت حتى تصبح في مُتناوَل «خالد»، وتعلَّقتْ أنفاس الشياطين في انتظار نتيجة المحاولة.