مغامرة في أعماق المحيط
قفز «خالد» في رشاقة لاعبي السيرك، وتعلَّق بسُلَّم الطائرة. كانت الرياح عنيفة تمامًا، وكان المطَر لا يزال يسقط بغزارة، شعر «خالد» أن يدَيه قد تجمَّدتا من شدة البرد، لكنه لم يترك سُلَّم الطائرة التي كانت مندفعةً في الفضاء. تحامَلَ على ذراعه، وشدَّ نفسه بقوة، في نفس اللحظة كان «فهد» قد فتَح باب الطائرة، فهبَّت موجةٌ من الرياح الباردة جعلَت الشياطين يرتجفون. واستطاع «خالد» أن يُكوِّر جسمه ثم رفع قدمَيه إلى أعلى حتى أصبح عند فتحة الباب. أسرع «فهد» و«مصباح» إليه فجذباه بقوة حتى أصبح داخل الطائرة. كان «خالد» يشعر بإجهادٍ شديد، فاستلقى على أرض الطائرة، وهو يتنفَّس بعمق … مع ذلك قال: لا تَنسَوا أنوار السيارة، يجب أن تنطفئ!
كان «أحمد» يدور بالطائرة في براعة. في نفس الوقت أخرج «قيس» مسدَّسه، قال «أحمد»: استَعِد!
حدَّد «أحمد» هدفه تمامًا وهو وسط الطائرة بين مصباحي السيارة. أحكم «قيس» التنشين وأطلق أول طلقة فأصاب الفانوس الأول. لكن الطائرة كانت قد تجاوزَتْها. قال «أحمد»: لا بأس سوف ندور دورة أخرى!
دار حول السيارة، ثم جعل فانوس السيارة المُضاءَ على يمين «قيس»، الذي أحكم التنشين مرةً أخرى وأطلَق رصاصةً أطفأَت الفانوس الآخر، وغَرقَت الجزيرة في الظلام. كان «خالد»، قد بدأ يهدأ … فقال ﻟ «قيس»: لقد أَجدتَ.
ابتسم «قيس» وقال: وأنت أيضا قد أجَدتَ.
حدَّدتِ البوصلة أمام أحمد اتجاه الطائرة حيث تقع جزيرة «آندمان» الكبرى، وحيث يُوجد مقر «شون كوماكي». كان المطر لا يزال يسقط بغزارة وكان الليل حادًّا؛ ولذلك فلم يكن أيٌّ من الشياطين يرى شيئًا.
قال «أحمد» يقطع الصمت: لولا رادار الطائرة لكان من الممكن أن نصطدم بأي شيء.
ردَّ «قيس»: إنَّ المنطقة ليس فيها ما يُخيفنا الآن؛ فنحن نطير فوق المحيط، وأظن أنه لا تُوجد جبالُ ثلجٍ في هذه المنطقة.
قال «أحمد»: لاحظ أننا نطير على ارتفاعٍ منخفض تمامًا، وحتى الآن فالرياح لا تعاكسنا، فإذا تغيَّر اتجاه الريح فإن مغامرتنا تكون صعبةً تمامًا.
عاد الصمت من جديد والظلام، لكن فجأةً، صاح «مصباح»: هذه أعظم مفاجأة!
التفت إليه الشياطين، وسأل «خالد»: أي مفاجأة؟
ردَّ «مصباح»: ملابس الضفادع البشرية.
ابتسم «أحمد» وهو يقول: يبدو أن عميل رقم «صفر» كان يتوقَّع خطرًا ما؛ فهو يعرف شتاء هذه المنطقة ورياحها، ويعرف أننا سوف نطير على ارتفاعٍ منخفض، وربما نُضطَر إلى النزول في الماء!
وأضاف «فهد»: الآن تبدو مغامرتُنا وكأنها تسير في طريقها الصحيح، حتى لو سقطنا في المحيط.
ضحك الشياطين … بينما أخذ «مصباح» ملابس الضفادع البشرية، ووضع لكلٍّ منهم بدلتَه بجواره، ثم قال: إذا حدث شيء، فإن الملابس بجواركم.
مضت نصف ساعة منذ بدأ الطيران من الجزيرة الأولى. كان كل شيءٍ يبدو كأنه يسير في طريقه الصحيح. ولم تكن كلمات الشياطين المتناثرة إلا نوعًا من التمنِّيات حول نجاح المغامرة لكن فجأةً، طرح «فهد» مخاوفه، ثم قال: إنَّ ما أفكِّر فيه، هو كيف سنتعامل مع «الروبوت»، أو الحارس الإلكتروني. إن هذه تبدو مسألةً شائكة؛ فهذه أول مرة نتعامل فيها مع هذا النوع من الحراسة.
رد «أحمد» وهو يجلس في كرسي القيادة: إن الرموز المبرمَج عليها «الروبوت» نملك حلَّها، ونستطيع أن نُغيِّر برنامجه.
سأل «خالد»: هل تظن أن البرنامج سوف يظل كما هو، أو أن الشفرة ذاتها سوف تظل كما هي؟ إن «شون كوماكي»، كما أظن، يُغيِّر شفرته كثيرًا، فإذا حدث هذا فإننا سوف نكون في موقفٍ صعب.
ردَّ «أحمد»: هذه حقيقة. ونرجو ألا يحدث هذا.
فجأةً، ارتجت الطائرة بشدة، فقال «أحمد»: نحن نمر بمنطقة مطباتٍ هوائية، ونرجو ألا تستمر.
ازداد ارتجاج الطائرة حتى ظن الشياطين أنها يمكن أن تسقط. قال «مصباح»: ينبغي أن نلبس ملابس الضفادع، حتى لا نُفاجَأ بالخطر.
وبسرعةٍ بدأ كلٌّ منهم يلبس ملابسه، وعندما انتهَوا أخذ «خالد» مكان «أحمد» الذي أسرع يرتدي الملابس هو الآخر، ثم عاد إلى القيادة من جديد. كانت منطقة المطبَّات لا تزال مستمرَّةً.
فكَّر «أحمد»: يجب أن نَصعَد بعيدًا عن هذه المنطقة المنخفضة؛ فربما نستطيع أن نهرب من المطبَّات.
في نفس اللحظة كان «فهد» يقول: لماذا لا نبتعد عن هذه المنطقة؟
ابتسم «أحمد» وهو يرتفع بالطائرة. أخذ ارتجاج الطائرة يخف، لكن فجأةً، وكأنها تكاد تسقط بالفعل، تشبث الشياطين في الأحزمة التي تتدلَّى من سقف الطائرة. وتساءل «قيس»: ماذا حدث؟
ردَّ «أحمد» وهو يتشبَّث بعصا القيادة: إننا دخلنا منطقة تياراتٍ هوائية.
قال «خالد» بسرعة: إذن، يجب أن نهبط مرةً أخرى قريبًا من سطح المحيط!
من جديدٍ أخذ «أحمد» يهبط. في نفس الوقت ضغط زرًّا في تابلوه الطائرة، فخرج شعاعٌ غير مرئي إلى سطح الماء، ثم ارتد إلى الطائرة في أقلَّ من ثانية. وقال «أحمد»: إننا نطير فوق سطح الماء مباشرة، وأخشى لو ارتفع الموج أن يصل إلينا، أو أن نصطدم بموجةٍ عالية، تجعلنا في أعماق المحيط!
وكأن «أحمد» كان يقرأ المجهول؛ ففجأةً كانت الطائرة تدخل في موجةٍ عالية، وصل ارتفاعها إلى خمسة أمتار، فلم تتحرك من مكانها. وفي لمح البصر كان الشياطين يغادرون الطائرة التي تمزقَت تمامًا بسبب قوة الموجة. وكان من حسن الحظ أنهم يلبَسُون ملابس الضفادع البشرية.
صرخ «أحمد» ينادي: أين أنتم؟
جاء صوت «خالد»: إنني قريبٌ منك.
صرخ «أحمد» مرةً أخرى: وأين الباقون؟
ولم يصل رد. فكَّر بسرعة: هل غاص الباقون في أعماق المحيط، أو أن شيئًا آخر قد حدث؟
صرخ: مصباح!
ولم يَرُد. صرخ مرةً أخرى: قيس. لكن أحدًا لم يَرُد. كان ارتفاع الموج يرفع «أحمد» ثم يهبط به. صرخ: فهد!
ولم يأتِه صوت، فصرخ يتحدَّث إلى «خالد»: إن أحدًا لا يَرُد.
لكن فجأةً كانت يدٌ تُمسِك قدَمه، أسرع يجذبها وهو يقول لنفسه: لعلَّه أحدهم!
ووصلَت اليد إليه، ثم جاء صوت «قيس» يقول: لا تخف. إننا الثلاثة معًا. كلٌّ منا يُمسِك قدَم الآخر …
واجتمع الشياطين. قال «أحمد» بصوتٍ مرتفع حتى يسمعه الآخرون: يجب أن نمُد حبلًا بيننا حتى لا يتوه أحدنا.
وبسرعةٍ أخرج «فهد» حبلًا دقيقًا صلبًا، وأمسك كلٌّ من الشياطين في مكان. كانت المهمة الجديدة أن يصلوا الآن إلى الشاطئ، الذي كان بعيدًا في نفس الوقت.
لم تكن الظروف مواتيه؛ فالموج مرتفع، والظلام شديد. قال «خالد»: لماذا لا ننزل إلى قاع المحيط؟ إن ذلك يعطينا الفرصة لنتقدَّم أسرع.
واتفق الشياطين، وبدءوا يغوصون حتى وصلوا إلى القاع، واصطَدمَت أقدامهم بأرض المحيط. أخرج «أحمد» بطاريةَ ماء، ثم أضاءها. نفَّذ الشياطين المسألة، ولأول مرة منذ أول الليل، رأى الشياطين بعضهم. كان عمق المحيط هادئًا، وكان هذا يعطيهم الفرصة ليتقدَّموا بشكل أسرع.
سأل «فهد»: تُرى هل نَبعُد كثيرًا عن الشاطئ؟
أسرع «أحمد» إلى جهاز المسافات الذي حملَه. ضغط زرًّا فيه فانطلق الشعاع غير المرئي وارتَدَّ إليه ليقول: أمامنا عشرة أميال.
هتف «مصباح»: حظٌّ سيئ. إننا كنا على بعد دقائق بالطائرة. لكنه الحظ العاثر!
ابتسم «فهد» وهو يقول: إنها رحلةٌ طيبة على كل حال، ما دمنا نمشي على أقدامنا.
قال «أحمد» وهو يبتسم: ما رأيكم أن نُقيم مسابقةً في العوم؟ إن ذلك يُعطينا دفعة، ويجعلنا نقطع الأميال الباقية بسُرعة!
توقَّف الشياطين وانتظموا في خطٍّ واحد، رفع «أحمد» يده ثم خفَضها … فانطلق الشياطين يتسابقون؛ فقد كانت إشارة «أحمد» هي إشارة بدء السباق. كانوا يَسْبحون قريبًا من الأرض، وكان ذلك يجعلهم يتقدَّمون بسرعة؛ فكلٌّ منهم يريد أن يفوز بالسباق. في نفس الوقت كان الهدوء عند القاع يجعلهم يتقدَّمون بارتياح. كانوا يتقدَّمون متقاربين وإن كان «أحمد» يسبقهم بمسافة ذراع. ضرب «فهد» الماء بساعدَيه في قوة، وهو يقول لنفسه: لا بُد أن أفوز بالسباق.
ابتسم «مصباح» وهو يرى الأسماك الصغيرة وكأنها قد دخلَت السباق معهم. وكانت الأسماك الملوَّنة تجعل المنظر جميلًا؛ حيث كانت تلمع في ضوء البطاريات التي ثبَّتَها الشياطين في رءوسهم … تقدَّم «فهد» فعلًا، وتجاوز «أحمد» بقليل. ابتسم «أحمد» وهو يرفع إصبعَيه علامة النصر. في نفس الوقت كان بقية الشياطين يجدُّون في السباق. ظهَرتْ سمكةٌ كبيرة الحجم نوعًا، وأخذَت تعوم بجوار «قيس» الذي قال لنفسه: هذا سباقٌ آخر مع الأسماك.
كانت السمكة من نوع القرش، فهذا يعني أن قرشًا كبيرًا، إن لم تكن مجموعة قروش، في الطريق … وفجأةً تحقَّق ما فكَّر فيه. لقد ظهر قرشٌ ضخم يشُقُّ طريقه كالسهم في اتجاه الشياطين.