الخاصة المنطقية المميزة للعلوم الطبيعية
وحينما يأتي الغد فأيًّا كانت الخبرة الحسية فسوف نتحقق منها، ولكن تكذيبها مستحيل، فنستطيع الحكم بأنها لا علمية، هكذا يمَكِّنُنا معيار القابلية للتكذيب من استبعاد تحصيلات الحاصل المتنَكِّرة في هيئة إخبارية، وهي واضحة متجَلِّية في الفروض الميتافيزيقية الموغِلة في غياهب العقل الخالص، وأيضًا في الفكر الثيولوجي، وهما نمطان من التفكير غير قابلَيْن للتكذيب. لا أصلًا ولا فروعًا، ولا مطلوب منهما هذا، فهما ليسا علمًا.
وبالطبع ثمة فارق بين القابلية للتكذيب وبين التكذيب، وليست تعني الخاصة المنطقية التثبت بالفعل مِنْ كَذِب كل عبارة علمية وتفنيدها، كلا بالطبع، فهذه كارثة محققة، وإلا فما هو عِلْمنا اليوم؟ إنه نسق العبارات القابلة للتكذيب من حيث المبدأ، من حيث القوة بمصطلحات أرسطو أن نتثبت من أن إمكانية التكذيب قائمة في النظرية، لا أن النظرية كاذبة بالفعل، إن القابلية للتكذيب مجرد معيار يحدد الخاصة المنطقية للنظرية العلمية، أما التكذيب فهو حُكْم عليها، تقييم نهائي لها، رفض، ومن ثَمَّ تجاوُزها، وإحراز خطوة تقدمية أبعد، قابلة بدورها للتكذيب، ويتم تكذيبها يومًا ما بفرضٍ أبْعد قابل للتكذيب … وهلم جرا في مسيرة العلم المطردة التقدم.
- التكذيب: نحكم به على النظرية إذا لم تكن نتيجةُ الاختبار في صالحها، أي إذا تناقَضَت النتائج المستنبَطة منها مع الوقائع التجريبية؛ لأن تكذيب النتائج تكذيب للنظرية ذاتها، فتُسْتَبْعد من نسق العلم، رغم أنها علمية، لكننا وضعنا الأصبع على مَوْطن خطأ أو كَذِب، فيمكن تلافيه فيما سيَحُلُّ مَحَلَّها، فيكون أكثر اقترابًا من الصدق، وأغزر في المحتوى المعرِفِيِّ، وفي القوة التفسيرية … لذلك فكل تكذيب ظفر علمي جديد، وليس خسارة كما يبدو للنظرة العابرة.
- التعزيز: وهو يتم إذا تجاوَزَت النظرية الاختبار، والتعزيز هو جواز مرور الفرض إلى النسق العلمي، المرور من اختبارات منهج العلم القاسية، وكلما كانت الاختبارات أقسى حازت النظرية التي تجتازها درجة تعزيز أعلى، وكانت أعظم؛ أي أغزر في المحتوى المعرفي، وأجرأ في القوى التفسيرية؛ لذلك يؤكد بوبر دائمًا على قوة الاختبارات حتى لا تستطيع النظرية أن تُعَزَّز وتَعْبُر إلى نسق العلم بسهولة.
إن التعزيز هو النتيجة الإيجابية لكل ممارَسة منهجية ناجحة، فالنجاح يعني التوصل إلى فَرْض جديد يحل المشكلة بكفاءة أعلى مِنْ سابِقِه، ويمكن التعبير عن هذا منطقيًّا كالآتي:
حيث إن (ف١) الفرض الموجود في الحصيلة المعرفية السابقة، و(ف٢) الفرض الجديد الذي يناقشه، و(ء) درجة تعزيز الفرض في ضوء (ش)؛ أي المناقَشة في الوقت الراهن (ت)، (<) أقل من، وهذه الصياغة تقنين منطقي لمسيرة العلم التقدمية من حيث إنها تبرير قبول (ف٢) فنسق العلم سيُحْذَف منه (ف١)، ويوضَع بدلًا منه (ف٢)؛ لأنه أكثر تعزيزًا … أكثر تقدمًا. مفهوم التعزيز يشير إلى قوة الفرض الإبستمولوجية، ولا علاقة له البتة «بالاحتمالية» بالمعنى «الموضوعي» المُسَلَّم به في العلم المعاصر الذي يعني احتمالية حدوث الحدث، وتكراره أنطولوجيًّا وهو بالطبع المعنى الذي يعمل بوبر به دائمًا.
ويرى كواين أن هذا المنحنى النافي يجب أن يكون أساسَ التعامل مع العلم؛ لأنه كفءٌ لهذا، خصوصًا إذا أخذْنا في الاعتبار أنه لا يتعلق إلا بالعبارات الكلية، وهي صورة القانون العلمي. فبالطبع العبارات الجزئية (أ هي ب) لا يُجْدي التعامل معها بالمنهج النافي شيئًا، وإذا انتقلنا من هذا الوجه المنطقي إلى الوجه الميثودولوجي (المنهجي) وجدْنا أن مهمة التجربة هي تفنيد الفرضيات، لا تأييدها؛ لأن الفرضيات لا يمكن إثباتها، يمكن فقط عدم تفنيدها.
-
فئة كل العبارات الأساسية التي لا تتسق النظرية معها، أي التي تستبعدها وتمنعها، فإن حدثت أصبحت النظرية كاذبة، وهذه هي فئة المُكَذَّبات المحتمَلة Potential Falsifiers للنظرية.
-
فئة كل العبارات الأساسية التي تتسق النظرية معها ولا تناقضها، وهي العبارات التي تسمح بها النظرية.
الخطورة والتعويل في السمة العلمية على الفئة الأولى بحيث ننتهي إلى الآتي: تكون النظرية قابلة للتكذيب إذا كانت فئة مُكَذَّباتها المحتمَلة ليست فارغة، هكذا تتم عملية الكشف عن القابلية للتكذيب — أي التحقق من السمة العلمية — وتتم عملية التكذيب؛ أي التحقق من السمة العلمية، وتتم عملية التكذيب؛ أي إمكانية مواجهة القضايا بالواقع التجريبي، مواجهةً تَتِمُّ بِناءً على العبارات الأساسية.
بالنسبة للعبارات المفردة فإن إثبات كذبها — إذا كانت كاذبة — يمكن في التوِّ واللحظة، وعلى الرغم من أن هذه العبارات أساس عملية التكذيب، فإنها ليست موضوع مشكلة التمييز بين العلم واللاعلم، فهذه مشكلة القضايا الكلية، صورة القوانين والنظريات، والطبيعة الكلية العمومية لقوانين ونظريات العلم تعني استحالة مواجهتها بالواقع التجريبي؛ لأنها تتحدث عن أفق لا نهائيٍّ، يستحيل حَصْرُه في فئة عبارات أساسية معينة في زمان ومكان معيَّنَيْن، يُمْكِن إخضاع ما يَضُمَّانه لنطاق اختبار تجريبي، فكيف يمكن الكشف إذَنْ عن كونها قابلة للتكذيب أو غير قابلة له؟ يمكن هذا عن طريق استنباط عبارات مفردة من النظرية، يسهل أن نواجهها بالوقائع، فيكون الاستدلال التكذيبي استدلالًا استنباطًا صِرْفًا هابطًا من الكليات إلى جزئيات، لكن مجرد استنباط عبارات مفردة من النظرية لا يعني أن النظرية علمية؛ إذ لكي نستنبط عبارات مفردة من النظريات — التي هي كلية — سنحتاج حتمًا إلى عبارات مفردة أخرى تُمَثِّل الشروط المبدئية لما يجب أن تخضع له متغيرات النظرية، وفي اختبار التكذيب تكون النظرية إحدى مقدمات الاستنباط، وبقية المقدمات عبارات مفردة أخرى تخدم — كشروط أساسية — لحدوث ما تخبر به النظرية، والذي سيكون نتيجة الاستنباط التي نقابلها بالوقائع التجريبية.
•••
- المحتوى التجريبي: هو فئة المكذَّبات المحتمَلة للنظرية، أي العبارات الأساسية التي تُسْتَنبط من النظرية، وإن لم تَحْدُث كَذَّبْتَها، ولما كانت فئة المكذبات المحتملة — أي التي تجعل النظرية قابلة للتكذيب — هي ذاتها محتواها التجريبي، كان المعيار ببساطة يُحَتِّم — بل يعني — وجود محتوًى تجريبيٍّ للنظرية، وماذا نريد من معيار العلم أكثر من هذا؟
- المحتوى المنطقي: كل نظرية علمية لها أيضًا محتوًى منطقي، ومفهوم القابلية للاشتقاق Derivability هو الذي يحَدِّد المحتوى المنطقي؛ إذ إنه من فئة العبارات التي ليست تحصيل حاصل، والتي يمكن اشتقاقها من النظرية أو العبارة، أي فئة معقَّبَاتها Consequences أو لزوماتها المنطقية، ما يلزم عنها بالضرورة، على هذا تكون تحصيلات الحاصل فارغة بغير أيِّ محتوًى معرفيٍّ؛ لأن فئة مكذَّباتها المحتمَلة فارغة، وأيضًا فئة لزوماتها المنطقية فارغة، أي أن محتواها التجريبي، ومحتواها المنطقي كلاهما فارغ، في حين أن جميع العبارات الأخرى التي ليست بتحصيل حاصل، حتى الكاذبة منها، لها محتوًى منطقي غير فارغ، وحيثما ترتبط مقاييس المحتوى التجريبي لنظرية ومقاييس المحتوى التجريبي لنظرية أخرى، فلا بد وأن ترتبط أيضًا مقاييس محتواهما المنطقي، بالتعبير الرمزي عن هذا نفترض أن لدينا النظريتين: ن١ ون٢، ولنرمز للمحتوى التجريبي بالرمز (ت م) و(>) أكبر من، وكان لدينا الصياغة الآتية:
فلا بد أن تنطبق أيضًا على محتواهما المنطقي، فإذا رمزنا له بالرمز (م ط) نصل إلى الصياغة الآتية:
وطبعًا نفس المقاييس تنطبق على المحتوى المعرفي بصفة عامة.
وباقٍ أن نَضَعَ في الاعتبار التناسب العكسي بين درجة غزارة المحتوى المعرفي التي تعني اتساع فئة المكذَّبات المحتمَلة وبين درجة الاحتمالية، احتمالية الصدق، احتمالية تكرار الحدث، المعنى «الموضوعي» للاحتمالية المأخوذ به في العلم المعاصر، وليس البتة المعنى المناقض الذي ساد الفيزياء الكلاسيكية، أي «الاحتمالية الذاتية» التي تعني درجة جهل الذات العارفة في وضعها للنظرية القاصرة مؤقتًا لا بد من التخلي التام عن ذلك التفسير الذاتي البائد الاحتمال، لكي ندرك كيف تنطبق نفس مقاييس المحتوى أيضًا على الاحتمالية — احتمالية حدوث الحدث — لكن بصورة عكسية، فالمحتوى المعرفي للربط بين العبارتين: أ و ب أعلى من، أو على الأقل مُسَاوٍ لمحتوى أيٍّ منهما، فإذا كانت (أ) هي «ستمطر السماء يوم الجمعة» و(ب) هي «سيكون الجو لطيفًا يوم السبت» و(أ ب) هي «ستمطر السماء يوم الجمعة، ويكون الجو لطيفًا يوم السبت» لكان محتوى (أ ب) التجريبي أكبر من المحتوى (أ) ومن محتوى (ب)، ومن ثَمَّ تكون احتمالية صدق أو حدوث (أ ب) أقل من احتمالية (ب)، ومن ثم نصل إلى:
ولما كان هذا معاكسًا للقانون المناظر للاحتمالية، فإذا رمزنا للاحتمالية بالرمز (ح) نصل إلى:
-
فئة محتوى الصدق Truth Content وهي كل القضايا الصادقة التي يمكن اشتقاقها من العبارة، وجميع العبارات التي ليست تحصيل حاصل — حتى العبارات الكاذبة — لها محتوى صدق؛ إذ من الممكن استنباط عبارة صادقة من أي عبارة كاذبة، مثلًا عن طريق الدالة الانفصالية (ق أو ك) التي تتخذ الصورة المنطقية (إما ق أو ك)، فإذا كانت (ق) هي العبارة الكاذبة، يمكن أن نضيف إليها العبارة الصادقة (ك)، ونستنبط العبارة الصادقة (ق أو ك). ومثال آخر: إذا كان اليوم السبت، فإن العبارة «اليوم هو الأحد» عبارة كاذبة، ولكن يمكن أن نستنبط منها العبارة الصادقة «اليوم ليس الاثنين» و«اليوم ليس الثلاثاء» … ولعل هذه هي الصورة المنطقية الدقيقة الحاسمة لتلك الحقيقة الميثودولوجية العامة المبهمة «والتي تعد عجيبة وطريفة في الوقت ذاته، ألا وهي أن الفرض قد يكون مثمرًا جدًّا، دون أن يكون صحيحًا، وهذا أمْر لم يَغِبْ عن بال فرانسيس بيكون».١٣
-
فئة محتوى الكذب Falsity Content: وهي فئة كل القضايا الكاذبة التي يمكن اشتقاقها من العبارة. والحكم بتكذيب العبارة فعلًا — وليس مجرد قابليتها للتكذيب — يعتمد على هذه الفئة، وإذا استطعنا أن نجعلها ليست فارغة فقد جعلنا النظرية مُكَذَّبة، وهي فئة محتوى ومضمون تبعًا للارتباط بين مقاييس المحتوى المنطقي ومقاييس المحتوى التجريبي الذي هو فئة المكذَّبات المحتمَلة للنظرية، من الناحية المنطقية صحيح أن العبارة الصادقة محتوى كَذِبها فارغ، ولكن العبارة الكاذبة محتوى صِدْقها ليس فارغًا تبعًا لإمكانية استنباط عبارات صادقة منها، وهذا برهان آخر على مدى ثقوب النظرة التي تقف على أن القابلية للتكذيب، وليس التحقق من الصدق هي المعيار، والخاصة المنطقية المميزة للعلوم.
-
المحتوى المنطقي المطلق للعبارة (أ = ١، م) أي في حالة التسليم فقط بالمنطق، والمنطق قوانين صورية، كلها تحصيلات حاصل، لا تزيد شيئًا، فئة فارغة؛ لذلك كان محتوى العبارة مطلقًا.
-
لكن ثمة المحتوى المنطقي النسبي، وهو محتوى العبارة في حالة التسليم بمحتوًى آخر، كمحتوى العبارة «أ» في حالة التسليم بمحتوى (ي) مثلًا أي بمساعدة (ي)، فيمكن أن نرمز إلى المحتوى المنطقي النسبي هكذا (أ = ا، ي)؛ أي هو فئة كل العبارات القابلة للاستنباط من (ا) فقط بالنسبة لحالة وجود (ي) أو بمساعدة (ي).
فالنظريات تتنافس في الاقتراب من الصدق، وكل إنجاز علمي هو تَوَصَّل إلى نظرية جديدة تلافت مواطن كذِب في سابقتها، فأصبحت أكثر منها اقترابًا من الصدق؛ ولهذا الاقتراب الأكثر قهرتها وتغلبت عليها، وأزاحتها من نسق العلم، وحَلَّت محلها، من هنا تكون القابلية للتكذيب هي عماد الاقتراب التقديري الأكثر أو الأفضل من الصدق، الذي هو تعبير عن التقدم العلمي المستمر، هذا الاقتراب التقديري الأكثر من الصدق هو ما يسميه بوبر «رجحان الصدق»، ولما كان يعني تلافي مواطن كذِب واقتراب من الصدق، كان — أي رجحان الصدق — يزيد بزيادة محتوى الصدق، ويتناقص بزيادة محتوى الكذب.
و«رجحان الصدق» مفهوم نسبي، يتعلق بالمناقشة العلمية المطروحة في الوقت المعين، والمنافسة بين الفروض وبعضها؛ لذلك فهو أساس للحكم بتفوق فرض على آخر، أو نظرية على أخرى، حين تتميز عليها برجحان صدقها، طبعًا رجحان صدق النظرية (ن٢) على النظرية (ن١) له شروط منطقية، وهي أن تكون (ن١) متضمنة في (ن٢) التي تفوقت عليها، وإلا ما أمكنت المقارنة بينهما، وأن تقول (ن٢) كل ما قالته (ن١)، ثم تتجاوزها فتفسر جميع الوقائع التي تفسرها (ن١)، ثم تستطيع أيضًا أن تفسر بعض الوقائع التي تفشل (ن١) في تفسيرها، ومن ثم ستكون أي معلومة تفند (ن١) تفند أيضًا (ن٢)، فيكون الحكم بتفضيل (ن٢) لا غبار عليه، وأخيرًا يجب أن تكون العبارات الصادقة التي يمكن اشتقاقها من (ن٢) أكثر من التي يمكن اشتقاقها من (ن١)، والعبارات الكاذبة أقل، وكل ذلك يعني أن (ن٢) أجرأ وأغزر في المحتوى المعرفي، أي أكثر قابلية للتكذيب، هكذا يتضح لنا أن النظرية الأكثر قابلية للتكذيب، هي الأقل كذبًا.
•••
هكذا يتضح أن فكرة القابلية للتكذيب كخاصية منطقية مميزة للنظرية العلمية، كانت ستبدو حمقاء، بل وبلهاء، لو أنها قدمت قبل ثورة النسبية والكوانتم في عصر التفسير الميكانيكي للكون، والذي ألقى نجاحه المبدئي في روع العلماء أن كل ما يحتاجون إليه هو بذل مجهود أكثر لتظهر الحقيقة النهائية في آخر المطاف سافرة على آلة كاملة.
إنهم سائرون صوب الحقيقة النهائية؛ لذلك فكُلُّ إنجاز علمي ناجح هو اكتشاف لحقيقة يقينية قاطعة، كيف إذن تُداني النظرية إمكانيةَ التكذيب كي تكونَ علمية؟ وطبعًا انهار كل هذا حين تَبَدَّى فشل التفسير الميكانيكي للكون، واتضح أن كل إنجاز علمي مجرد محاولة ناجحة، لكنها قابلة للتكذيب؛ لذلك تتلوها أخرى أكثر نجاحًا، أوَلَمْ نَنْتَهِ في الفصل الأول من الكتاب — الخاص بمنطق التقدم في العلوم الطبيعية — إلى أن خلاصة الدرس المستفاد من ثورتي الكوانتم والنسبية هي أن كل تقدم علمي فقط نسبي؛ أي أعلى من المرحلة السابقة، وهذا يعني أن المرحلة التالية بدورها تحمل إمكانية التقدم بدرجة أعلى، بهذا يتبدى جليًّا كيف أن منطق التكذيب من حيث استيعابه للإبستمولوجيا العلمية المعاصرة، إنما يتمثل آفاق التقدم العلمي المتوالي في تحديده للخاصة المنطقية للنظرية العلمية، أي العامل الثابت فيها من وراء كل تغير، إنه الثبات الخصب الوَلُود، أو الثبات الديناميكي إن جاز التعبير، وإنه لذلك استهْلَلْنا هذا البحث بتوضيح كيف أن منطق العلم منطق نظام ديناميكي، منطق للتقدم المستمر أو المتوالي.
وقبل أن ننتقل إلى الفصل التالي من الكتاب، لا يفوتنا التأكيد أن هذا التقدم المتوالي المستمر إمكانية قائمة في العلوم الطبيعية والإنسانية على السواء، ما دامت قادرة على التميز بهذه الخاصة المنطقية.
هوامش
Paul K. Feyerabend, Philosophical Papers, Vol, 1: Realism, Rationalism An Scientifc Method, Vol. 11: Problems Of Embiricism, Cambridge University Press, 1981.
وفيما بعد توالت أعمال فييرآبند، أعمال فييرآبند: «ضد المنهج» و«العلم في مجتمع حر» و«وداعًا للعقل» و«ثلاثة محاورات في المعرفة» … لتحمل ثورة كبرى على البوبرية وانفلاقة بائنة عن عقلانيته النقدية، لكن بوبر هو الأصل والمنطلق الأول.
Karl. R. Popper & John Eccles, The Self And Its Brain, Routledge & kegan Paul, London, 1977.
ولسوف نعتمد في هذا الفصل من البحث على الباب الثالث: «معيار القابلية للتكذيب» من كتابنا هذا: (ص٣٣٣ : ٥١٤). وهو أول دراسة عربية على وجْه الإطلاق لفلسفة هذا الفيلسوف الرائد.
ولمزيد من التفاصيل انظر فصل «درجات القابلية للتكذيب» من كتابنا المذكور «فلسفة كارل بوبر» ص٤٠١–٤٢٥. حيث نجد درجة القابلية للتكذيب تتفاوت على أساس: علاقات الفئة الفرعية، والقابلية للاشتقاق، وعلى أساس درجة تأليف النظرية وأبعادها، وأيضًا العلاقة بين درجة القابلية للتكذيب وبين بساطة النظرية. «والبساطة» مفهوم، بل معيار مهم في فلسفة العلوم الطبيعية.