دبلوماسية
عاد برايس إلى رايتشستر مقتنعًا بشدةٍ أن مارك رانسفورد قد قتَل جون برادن. وقد قدَّر الأمور على طريقته الخاصة. من المؤكد أنه قد انقضَت بعضُ السنوات منذ إطلاق سراح برادن، أو على وجه الدقة بريك. وربما كان قد سمع، بعد إطلاق سراحِه، أن رانسفورد وزوجتَه، زوجة بريك، قد سافرا إلى الخارج — وفي هذه الحالة كان سيتتبَّع أثرَهما بالتأكيد. وربما فقد كلَّ أثر لهما؛ أو ربما فقد اهتمامَه الأصليَّ بمُخططاته الأولى للانتقام، أو ربما يكون قد بدأ حياةً جديدة لنفسه في أستراليا، التي عاد منها بلا شكٍّ إلى إنجلترا مؤخرًا. لكنه عاد، في نهاية المطاف، ومن الواضح أنه تعقَّب أثر رانسفورد ووجده يعيش في رايتشستر — إذ لماذا، بخلاف ذلك، قد أتى ليسأل عن رانسفورد في ذلك الصباحِ الحافل بالأحداث الذي شهد وفاته؟ لا شيء، في رأي برايس، يُمكن أن يكون أوضحَ من هذا التفسير للأحداث. لقد ظهر بريك على نحوٍ مفاجئ. والتقى هو ورانسفورد — غالبًا في محيط الكاتدرائية. وعلى الأرجح حثَّ رانسفورد، الذي كان يعرف كلَّ الزوايا الهادئة للمكان العتيق، بريك على الصعود إلى المقصورة معه، ولاحظ المدخلَ المفتوح، فألقى بريك من خلاله. وهكذا تُشير جميع الحقائق إلى هذا الاستنتاج — إنها نظرية، بحسَب تصوُّر برايس حتى الآن، مثالية. من المؤكد أنها كافيةٌ — ومثبتة — لوضع رانسفورد في قفص الاتهام. فكَّر برايس فيها في ذهنه مِرارًا وتَكرارًا وهو يُسارع عائدًا إلى رايتشستر — حيث تخيَّل الشرطةَ وهي تستمع باهتمامٍ بالغ إلى كلِّ ما يُمكن أن يخبرهم به إن أراد. كان هناك عاملٌ واحد فقط في مجموع القضية بدا ضدَّ نظريته — وهو الإعلان في صحيفة «ذا تايمز». إذا أراد بريك العثورَ على رانسفورد كي ينتقمَ منه، فلماذا نشر هذا الإعلان، كما لو كان يتوق إلى مقابلةِ صديقٍ عزيزٍ مرةً أخرى؟ لكن برايس بكل سرور تغلَّب على تلك العقبة — فنظرًا إلى أنه هو نفسه كان بارعًا في كافة أشكال المناورات والحِيَل، كان مستعدًّا دومًا لأن يُقدِّر ما يقوم به الآخرون من حِيَل، وقد اعتبر الإعلانَ حيلةً ذكية لجذب، ليس رانسفورد، ولكن أي شخص يُمكنه تقديم معلومات حول رانسفورد. ومهما كان المعنى الدقيقُ للإعلان، فإن وجوده لم يُحدِث فرقًا في رأي برايس الراسخ بأن مارك رانسفورد هو الذي ألقى جون بريك أسفل سلَّم سانت رايثا وقتلَه. لقد كان واثقًا من ذلك بقدْر ما كان متأكدًا من أن برادن هو بريك. وقرَّر ألا يُخبر الشرطة باكتشافاته — فهو ما كان سيُخبر أحدًا. إن الشيء الوحيد الذي كان يَشغله هو تحديد أفضل السبل للاستفادة مما توصَّل إليه بهدف التمكُّن من الزواج بربيبة مارك رانسفورد. فهو قد عقد العزمَ على فِعل ذلك منذ عامٍ مضى، وهو رجلٌ لا يمكن لشيء أن يَثْنيَه عن تحقيق هدفه. وعبر وسائل شريفة، أو غير شريفة — لقد تجاهل هو نفسُه الكلمةَ الأخيرة واستبدل بها كلمة بارعة — قرَّر أن يَحصل على ماري بيوري.
لم تكن ماري بيوري نفسُها تُفكِّر في برايس مطلقًا عندما، في صباح اليوم التالي لعودة ذلك الشخص البارع إلى رايتشستر، ذهبت بمفردها إلى نادي رايتشستر للجولف. لقد كان من عادتها الذَّهابُ إلى هناك كلَّ يوم تقريبًا، وكان برايس على دراية جيدة بتحركاتها ويعرف بالضبط أين يترصَّد لها. وعلى الرغم من أنها لم تكن تُفكر في برايس مطلقًا، فإنها لم تتفاجأ عندما، في مكانٍ منعزل في الأرض المشاع رايتشستر كومن، خرج برايس من وراء إحدى الأيكات وقابلَها وجهًا لوجه.
كانت ماري ستمرُّ دون أن تُعيره أكثرَ من نظرة صامتة — حيث كانت قد قرَّرت ألا تتحدَّثَ مطلقًا مع مساعد وصيِّها المفصول. لكن كان عليها أن تمرَّ عبر بوابة صغيرة في ذلك المكان، بينما حجب برايس عنها الطريقَ بهدفٍ لا لبس فيه. كان من الواضح للفتاة أنه ينتظرُها. وقد عكَّر ذلك من صفوها، وفجأةً قررت التعبير عن ذلك بتوبيخ مهاجمها.
قالت بحدَّة، وقد احمرَّ وجهها بفعل الغضب: «هل تعتبر هذا تصرفًا يتَّسمُ بالرجولة، يا دكتور برايس؟» وأردفَت: «أن تترصَّد لي هنا، بينما تعلم أنني لا أريد أن أتعامل معك مطلقًا. اسمح لي بالمرور، من فضلك — وابتعد!»
لكن برايس أبقى إحدى يدَيه على البوابة الصغيرة، وعندما تحدَّث كان هناك شيءٌ في صوته جعل الفتاة تستمع رغمًا عنها.
إذ قال بسرعة: «أنا لستُ هنا في أمرٍ يخصُّني.» وأضاف: «أؤكد لكِ أني لن أقولَ شيئًا يُسيء إليكِ. صحيحٌ أنني انتظرتك هنا — فهذا هو المكان الوحيد الذي اعتقدتُ أنه يمكنني مقابلتكِ فيه، على انفراد. أنا أريد أن أتحدَّثَ معكِ. والأمر هو: هل تعرفين أن وصيَّك في خطر؟»
كان لدى برايس موهبةُ الإقناع — حيث يُمكنه إقناع الناس، ضدَّ غرائزهم، وحتى ضد إرادتهم، بأنه يقولُ الحقيقة. وقد صدقَته ماري، بعد نظرة خاطفة.
ومن ثَم سألته: «أيُّ خطر؟» وتابعت: «وإذا كان كذلك، وإذا كنتَ تعلم أنه كذلك، فلماذا لا تذهب إليه مباشرة؟»
رد برايس: «سيُصبح هذا أكثرَ شيء خاطئٍ في العالم يمكن فعلُه!» ثم أضاف: «أنت تعرفينه — يمكن أن يصبح عدائيًّا. هذا من شأنه أن يُصعِّد الأمور ويُحوِّلها إلى أزمة. ومن أجل مصلحته، يجب ألَّا يحدث هذا.»
قالت ماري: «أنا لا أفهمك.»
انحنى برايس بالقرب منها — عبر البوابة.
وقال بصوتٍ منخفض: «أنت تعرفين ما حدث الأسبوع الماضي.» وأردف: «الموتُ الغامض لذلك الرجل — برادن.»
سألت وعلى وجهها نظرةٌ مفاجئة تنمُّ عن عدم الارتياح: «حسنًا؟» ثم أضافت: «ماذا في ذلك؟»
أجاب برايس: «يُشاع في المدينة أن لدكتور رانسفورد علاقةً بهذه القضية.» ثم أردف: «هذا أمر غيرُ سارٍّ — ومؤسفٌ — لكنه حقيقة.»
صاحت ماري في تعجُّب وقد اكفهرَّ وجهها: «مستحيل!» ثم أردفت: «ماذا يمكن أن تكون صِلتُه بالأمر؟ وما السبب في ظهور مثل هذه الشائعات الحمقاء الشريرة؟»
قال برايس: «أنت تعلمين مثلما أعلمُ كيف يتحدَّث الناس، وكيف سيتحدَّثون.» وتابع: «لا يُمكنكِ منعُهم، في مكانٍ مثل رايتشستر، حيث الجميع يعرف بعضُهم البعض. هناك غموضٌ يحيط بوفاة برادن — لا فائدة من إنكاره. لا أحد يعرف مَن كان، ومن أين أتى، ولماذا أتى. وهناك تلميحٌ — أنا فقط أُخبرك بما جمعتُه من معلومات — بأن دكتور رانسفورد يعرف أكثرَ مما قاله. أخشى أن هناك أساسًا لما يقولونه.»
قالت ماري بحدَّة: «أيُّ أساس؟» وبينما كان برايس يتحدَّث، بطريقته المعتادة البطيئة والحَذِرة، كانت هي تُفكر — وتتذكَّر اضطرابَ رانسفورد الواضحَ في وقت حادثة بارادايس، وارتياحه عندما انتهت جلسة التحقيق وإرساله لها بالزهور إلى قبر الرجل الميت، وبدأت تشعرُ بعدم الارتياح وحتى الخوف. ثم أضافت: «ما الأساس الذي يمكن أن يوجد بخصوصِ هذا الأمر؟» وأردفَت: «لم يكن دكتور رانسفورد يعرف ذلك الرجل — ولم يرَه قط!»
أجاب برايس: «هذا غيرُ مؤكد.» وتابع: «لقد قيل — وتذكَّري، أنني أكرِّر الأشياء فقط — لقد قيل إن دكتور رانسفورد، قبل اكتشاف الجثة مباشرة، قد شُوهد — شُوهد، ضَعِي في اعتبارك ذلك! — يُغادر الرواق الغربي للكاتدرائية، وبدا كأنه كان منزعجًا جدًّا. لقد رأى شخصان ذلك.»
سألَته ماري: «مَن هما؟»
قال برايس، الذي لم تكن لديه نيةٌ لإبلاغها أن أحدهما هو نفسُه والآخر شخصٌ متخيَّل: «غير مسموح لي أن أُخبرَكِ بهذا.» وأضاف: «لكن يُمكنني أن أؤكد لك أنني على ثقةٍ — ثقة تامة! — بأن روايتَهما صحيحة. والحقيقة هي أنني يمكن أن أؤكِّدها.»
صاحت متعجبةً: «أنت!»
رد برايس: «أنا!» ثم أضاف: «أنا سأخبرك بشيء لم أخبِر به أيَّ شخص — حتى الآن. لن أطلب منك احترامَ سرِّي — فأنا أثق بك بدرجةٍ كافية لأعلمَ أنك ستفعلين ذلك، دون أيِّ طلب من جانبي. اسمعي! في ذلك الصباح، خرج دكتور رانسفورد من العيادة باتجاهِ مقرِّ العميد، وتركني هناك بمفردي. وبعد بضعِ دقائق، سمعتُ طرقًا على الباب. ففتحته — ووجدتُ رجلًا يقف في الخارج!»
سألَت ماري بخوف: «هل كان ذلك الرجل؟»
أجاب برايس: «أجل، كان ذلك الرجل — برادن.» ثم أضاف: «لقد سأل عن دكتور رانسفورد. فقلت إنه خرجَ — وسألتُه عن اسمه حتى أُخبر الدكتور به عندما يعود. فقال لا داعيَ لذلك — وإنه قد جاء لزيارته لأنه كان يعرفُه قبل سنوات. وأضاف أنه سيعاود زيارتَه مرةً أخرى، ثم غادر العيادة — واتجه عبر كلوس نحو الكاتدرائية. ثم رأيته مرةً أخرى — بعد مدة ليست بالطويلة — ممدَّدًا في أحد أركان بارادايس — وقد فارق الحياة!»
عند سماع ذلك شحبَ وجهُ ماري بيوري وأخذت ترتجف — وواصل برايس النظرَ إليها بثبات. واختلست هي نظرةً خفيَّة نحوه.
وسألَت بصوت هامس: «لماذا لم تقُل كلَّ هذا في جلسة التحقيق؟»
أجاب برايس على الفور: «لأنني كنتُ أعرف أن ذلك سيكون وبالًا — على رانسفورد.» وتابع: «وسيُثير الشك. وكنتُ متأكدًا من أنه لا أحد سِواي يعرف أن برادن قد جاء إلى العيادة — لذلك، ظننتُ أنني إذا التزمتُ الصمت، فلن يعرف أحدٌ قط بزيارته. لكني بعد ذلك اكتشفتُ أنني مخطئ. حيث شُوهد برادن وهو يُغادر عيادة دكتور رانسفورد.»
سألت ماري: «مَن الذي شاهده؟»
أجاب برايس: «السيدة ديرامور — في المنزل المجاور.» وأضاف: «تصادف أنها كانت تنظر من إحدى النوافذِ العُلوية. ورأته يُغادر ويسير عبر كلوس.»
قالت ماري بحدَّة؛ إذ كانت تعرف عن السيدة ديرامور حُبَّها للنميمة: «هل أخبرَتك بذلك؟»
قال برايس: «لا، لم تفعل!» وأردف: «لكنها أخبرت السيدة فوليوت — والسيدة فوليوت أخبرتني.»
صاحت ماري في تعجُّب: «إذن، لقد كان الأمر مادةً للنميمة!»
قال برايس موافقًا: «لقد قلتُ ذلك.» وأردف: «أنتِ تعرفين لسان السيدة فوليوت.»
قالت ماري: «إذن سيصلُ الأمر إلى مسامعِ دكتور رانسفورد.»
رد برايس مؤكدًا: «سيُصبح آخِرَ مَن يصل الأمرُ إلى مسامعه.» ثم أضاف: «إن الحديث عن هذه الأشياء يدور في الخفاء، وقتًا طويلًا قبل أن يصل إلى آذان الشخص الذي تخصُّه بشكل رئيسي.»
ترددَت ماري لحظةً قبل أن تسأل سؤالها التالي.
لكنها في النهاية سألته: «لماذا أخبرتَني بكل هذا؟»
أجاب برايس: «لأنني لم أُرِد أن تتفاجَئي.» وتابع: «هذا الأمر — أيًّا كانت حقيقته — قد ينتهي بنهايةٍ مفاجئة — من نوعٍ غير سارٍّ. لقد انتشرَت هذه الشائعات ولا تزال الشرطةُ تسعى حثيثًا لاكتشافِ أيِّ أمورٍ ذاتِ صلةٍ بهذا الرجل الميت. فإذا نما إلى علْمهم أن دكتور رانسفورد كان يعرفه …»
وضعَت ماري يدها على البوابة فيما بينهما — ففتحها برايس، الذي فعَل كلَّ ما أراد أن يفعله في ذلك الوقت، على الفور، ومرَّت من جانبه.
ثم قالت: «أنا ممتنَّة لك كثيرًا.» وأردفَت: «لا أعرف ما الذي يعنيه كلُّ هذا — ولكن هذا شأن دكتور رانسفورد — إذا كان هناك أيُّ شأن له بالقضية، وهو ما أشك فيه. هل تسمح لي بالذَّهاب الآن، من فضلك؟»
وقف برايس جانبًا ورفع قبَّعته، وسارت ماري، بدون أكثرَ من إيماءة، نحو نادي الجولف عبر رايتشستر كومن، بينما استدار برايس عائدًا إلى المدينة، مبتهجًا للغاية بما فعله هذا الصباح. إذ زرَع بذور القلق والشكِّ — وهو يعرف، أنَّ بعضها سينمو.
لم تلعب ماري بيوري الجولفَ في ذلك الصباح. في الواقع، ذهبت فقط إلى النادي لتُخلِّص نفسها من برايس، ثم رحلَت على الفور باتجاه المنزل، وهي تُفكر. وبالفعل، قالت لنفسها إنه كان لديها الكثيرُ لتُفكر فيه. ونظرًا إلى أنها ذاتُ طبيعة صريحة وصادقة، لم تشكَّ في نية برايس في ذلك الوقت؛ وبقدرِ ما كان لا يُعجبها في معظم النواحي، كانت تعرف أن لديه بعضَ الصفات الجديرة بالثناء، وكانت تميل إلى تصديقه عندما قال إنه قد التزمَ الصمت لدرءِ العواقب التي ربما تكون غيرَ سارة بالنسبة إليها بشكلٍ غير مباشر. لكنها لم تُفكر كثيرًا فيه وفي أخباره — ما شغَل عقلها هو الصلةُ المحتملة بين الغريب الذي ظهر فجأةً واختفى فجأة — وإلى الأبد! — وبين مارك رانسفورد. هل كان من الممكن — حقًّا — أنهما قد تقابَلا في أو حول محيطِ الكاتدرائية في ذلك الصباح؟ لقد عرَفَت، بعد لحظةٍ من التفكير، أنه أمرٌ ممكن للغاية — لِمَ لا؟ ومن هذا المنطلق اتبعَت أفكارُها اتجاهًا طبيعيًّا — هل يرتبط الغموض المحيط بهذا الرجل بأي شكلٍ من الأشكال بالغموض الذي يحيط بها وبشقيقها؟ — ذلك الغموض الذي (كما بدا لها) كان رانسفورد يخجلُ بشدةٍ من التحدُّث عنه. ومرة أخرى — وللمرة المائة — سألَت نفسها لماذا كان متحفظًا للغاية، ومن الواضح أنه مملوءٌ بالكراهية للموضوع، ولماذا لم يستطِع إخبارَها هي وديك بكلِّ ما يمكن قولُه عنه، على نحوٍ واضح؟
كان عليها المرورُ من أمام منزل عائلة فوليوت في الزاوية البعيدة من كلوس في طريقها إلى المنزل — وهو قصر عتيق رائع يقع وسط حديقة حسنة التنسيق، ومحاط بجدار مرتفع من الطوب الأحمر القديم. كان يوجد في هذا الجدار بابٌ مفتوح، وبالداخل كان يقف السيد فوليوت، وقد أخذ يتحدَّث إلى بستانيٍّ ممن يعملون لديه — كانت المناظر خلفه مبهجةً مليئة بالورود، وغنيةً بالزهور التي قضى عمره كلَّه في زراعتها. رأى ماري وهي تمرُّ أمام الباب المفتوح، فنادى عليها كي تعود.
وقال: «ادخلي وألقي نظرةً على بعض الزهور الجديدة التي حصلتُ عليها.» ثم أضاف: «إنها جميلة! سأُعطيك حَفنةً منها لتأخذيها معكِ إلى المنزل.»
كانت ماري تُحب السيد فوليوت كثيرًا. وقد كان هو رجلًا ضخمًا، عيناه شِبه مغمَضتَين، قليل الكلام ولا يتحدَّث عن شيء تقريبًا غير هوايته. إذ كان محبًّا بشدةٍ للزهور والنباتات، ولديه ولَعٌ حقيقي بزراعة الزهور، ويُسعده بشدة دائمًا أخذُ عشاق الزهور في جولةٍ حول حديقته. ومن ثم عادت على الفور ودخلت إلى الحديقة، وقادها فوليوت داخلَ ممراتها ذاتِ الرائحة الجميلة.
وقال، بينما يقودُها نحوَ مجموعةٍ من الأزهارِ ذاتِ لونٍ وحجم لم ترَهما من قبل: «إنها تَجرِبة كنتُ أعمل عليها.» وأردف: «ما رأيك في النتائج؟»
صاحت ماري: «رائعة!» وأضافت: «لم أرَ أجمل منها قط!»
قال فوليوت موافقًا، مع ضحكةٍ هادئة: «بالطبع!» وتابع: «هذا رأيُ الجميع — لأنه لا توجد مثلُ هذه الزهرة في إنجلترا. يجب أن أذهب إلى بعضِ هؤلاء القساوسة المتعلِّمين في كلوس كي يبتكِروا لها اسمًا لاتينيًّا — إنها نتيجةُ تجارِبَ دقيقةٍ في التطعيم — وقد استغرقَت مني ثلاثَ سنوات للحصول عليها. انظري كيف تزدهر العشرات على شجيرة واحدة.»
ثم أخرج سكِّينًا وبدأ في اختيار حَفنةٍ من أفضل الأزهار، وأعطاها لماري.
وقال بعد أن شكَرَته ثم أخذا يُواصلان السيرَ عبر الممر باتجاه باب الخروج: «بالمناسبة، كنتُ أريد أن أتحدَّث معك في أمرٍ، أو مع رانسفورد.» وأضاف: «هل تعلَمين — وهل يعلم هو — أن تلك المرأة السخيفةَ الملعونة التي تعيش بالقرب من منزلكم، السيدة ديرامور، كانت تقول بعضَ الأشياء — أو شيئًا ما — الذي بصراحةٍ قد يُسبِّب له بعضَ الانزعاج؟»
تمالكَت ماري نفسها، وأعطَته إجابةً صادقة بالقدر الكافي، على حدِّ علمها.
حيث قالت: «أنا متأكدة من أنه لا يعلم شيئًا.» وتابعت: «ما الأمرُ يا سيد فوليوت؟»
تابع فوليوت، وهو ينظر إليها نظرةً فاحصة: «بالقطع، أنت تعلمين ما حدثَ الأسبوع الماضيَ.» وأضاف: «الحادث الذي وقعَ لذلك الغريب. تقول السيدة ديرامور، وهي سيدة عجوز ثَرْثارة، هنا وهناك، إنه شيءٌ غريب جدًّا ألا يعرف دكتور رانسفورد أيَّ شيء عن الرجل، وألا يُمكنه قولُ أي شيء؛ لأنها هي بنفسها، حسَبما تقول، رأت الرجلَ نفسَه يخرج من منزل دكتور رانسفورد قبل وقتٍ قصير من وقوع الحادث.»
قالت ماري: «أنا لا أعلم أنه قد زار منزلَ دكتور رانسفورد على الإطلاق.» وأضافت: «أنا لم أرَه قط — وقد كنت في الحديقة، في ذلك الوقت تحديدًا، مع ابن زوجتك، يا سيد فوليوت.»
قال فوليوت: «هذا ما أخبرَني به ساكفيل.» وأضاف: «لقد كان حاضرًا — وأنا كذلك — عندما كانت السيدة ديرامور تُثرثر بشأنِ هذا الأمر في منزلنا أمس. حيث قال، حينها، إنه لم يرَ الرجل يذهب إلى منزلِكم قط. لكن ألم تسمَعي أيًّا من خدمك يُدلي بأيِّ ملاحظة حول ذلك الأمر؟»
قالت ماري: «مطلقًا!»
تابع فوليوت: «لقد أخبرت السيدة ديرامور أنه من الأفضل أن تُمسِك لسانها.» وأردف: «هذا النوع من الثَّرثرة يُمكن أن يؤدي إلى مشاكل. وإذا دقَّقنا في الأمر، فسيتَّضح أن كلَّ ما رأته هو أن هذا الشخص الغريب كان يتجوَّل عبر كلوس وبدا لها كما لو كان قد غادرَ منزلكم للتو. لقد بدا لها ذلك، دائمًا ما يكون هذا هو الحال!» وأضاف، وهو يُمسك مرفقَ ماري برفق وينظر بخفيةٍ إليها أولًا ثم إلى منزله في الجانب الآخر من الحديقة: «لكني سأخبرك لماذا ذكرتُ ذلك لكِ. إن السيدات اللواتي يتقدمنَ قليلًا في السن، كما تعلمين مثل زوجتي، يعشقنَ النميمة، وبينك وبيني، أنا لن أندهشَ إذا كانت السيدة فوليوت قد كررَت ما قالته السيدة ديرامور — ألا تُوافقينني الرأي؟ وأنا لا أريد أن يظنَّ الدكتور — إذا سمع أيَّ شيء، كما تعلمين، وهو الأمر الذي قد يحدث أو ربما يكون قد حدث — أن مصدره هنا. لذا، إن حدث وذكر لك هذا الأمر، فيُمكنك القول إنه قد انبثق من جارته في المنزل المجاور. يا للسخف! — إنهن عجائزُ يعشقن النميمة، سيدات كلوس هؤلاء!»
قالت ماري: «شكرًا لك.» وأضافت: «لكن بافتراض أنَّ هذا الرجل ذهَب إلى منزلنا — ما الفرق الذي سيُحدثه ذلك؟ هناك عدةُ أسباب لذَهابه إلى هناك.»
نظر إليها فوليوت بعينَيه نصف المغمضتَين.
وقال: «سيرغب بعضُ الناس في معرفةِ سببِ عدم ذِكْر رانسفورد لذلك — أثناء جلسة التحقيق.» وأردَف: «هذا كلُّ ما في الأمر. عندما يكون هناك بعضُ الغموض، كما تعلمين — أليس كذلك؟»
أومأ برأسه — كما لو كان يُؤكد أمرًا — وذهب لينضمَّ مجددًا إلى البُستاني، بينما عادت ماري إلى المنزل مع زهورها، وهي غارقةٌ في التفكير أكثرَ من أيِّ وقتٍ مضى. غموض؟ — بعض الغموض؟ لقد كانت هناك سحابةٌ ضخمة وثقيلة من الغموض، وعرَفت أنها لن تستطيعَ أن تنعم بالراحة حتى تنكشف.