الحجرة الخلفية
في خِضمِّ حَيرتها الشديدة في تلك اللحظة، كانت ماري بيوري متأكدةً من حقيقةٍ واحدة لم يكن لديها أيُّ حيرة أو شك فيها، وهي أنه لن يمرَّ وقتٌ طويل قبل أن تنتشر الشائعات التي تحدَّث عنها برايس والسيد فوليوت. وعلى الرغم من أنها عاشت في رايتشستر وقتًا قصيرًا نسبيًّا، فقد رأت فيها وتعلمَت ما يكفي لتعرف أن المكان كان مرتعًا للنميمة. فبمجرد أن تبدأ الشائعة هناك، تنتشر وتتَّسع في دائرةٍ تِلو الأخرى. وعلى الرغم من أن برايس ربما كان محقًّا عندما قال إن الشخص ذا الصِّلة بالشائعة بنحوٍ رئيسي هو عادةً آخرُ شخص يسمع ما كان يُشاع، فإنها كانت تعلم جيدًا أن هذا الحديث عن رانسفورد سيصلُ عاجلًا أم آجلًا إلى أذنَيْ رانسفورد. لكنها لم تكن تعلم أنَّ هذا سيحدث قريبًا للغاية، وعلى يد أخيها.
كان الغداء في منزل رانسفورد وجبةً غير رسمية. ففي الساعة الواحدة والربع من كلِّ يوم، كان يُوضع على الطاولة — وقد كان طعامًا باردًا يُحضِّره أفرادُ الأسرة الثلاثة بأنفسهم كما يحلو لهم، دون مساعدةٍ من الخدم. في بعض الأحيان كان يوجد الثلاثة في نفس الوقت؛ وفي أحيانٍ أخرى يتأخَّر رانسفورد نصفَ ساعة؛ كان العضو الوحيد الموجود دائمًا في الوقت المحدَّد هو ديك بيوري، الذي كان يُغذي نفسه بعنايةٍ بعد حصص المدرسة الصباحية. وفي هذا اليوم بالذات، التقى الثلاثةُ في غرفة الطعام في وقتٍ واحد، وجلسوا معًا. وقبل أن يأكل ديك بِضْع قضمات من فطيرة باردة كان قد أحضَرها بنفسه، مال في سرِّية عبر الطاولة باتجاه وصيِّه.
وقال مع نظرة جانبية نحوَ ماري: «هناك شيءٌ أعتقد أنه يجب إخبارك به يا سيدي.» وأردف: «شيءٌ سمعته هذا الصباحَ في المدرسة. فكما تعلم، لدينا الكثير من الزملاء — من أبناء المدينة — الذين يُثرثرون.»
أجاب رانسفورد بغِلظة: «يا إلهي!» وأضاف: «إنهم يُقلدون أمهاتِهم، بلا شك. حسنًا، ما الأمر؟»
وألقى، هو أيضًا، نظرةً خاطفة نحو ماري — وقد انهمكَت الفتاة فيما كانت تفعله لتبدوَ غيرَ منتبهة لما يقولان.
أجاب ديك خافضًا صوتَه على الرغم من حقيقةِ أن الثلاثة كانوا بمفردهم: «إن الأمر هو ما يلي.» وتابع: «إنهم يقولون في المدينة إنك تعرف شيئًا لن تذكرَه عن ذلك الحادث الذي وقع الأسبوع الماضي. هكذا يُثرثرون.»
ضحك رانسفورد — بسخريةٍ بعضَ الشيء.
وسأله: «هل أنت متأكد، يا ولدي، من أنهم لا يقولون إنني لن أجرؤَ على ذِكره؟» وأردف: «إذ إن عبارة «لن أجرؤ» هي العبارة التي استخدموها هم على الأرجح، حسَبما أظن.»
رد ديك: «حسنًا — قالوا مثلَ ذلك يا سيدي.» وأردف: «شيء من هذا القبيل، على أيِّ حال.»
سأله رانسفورد: «وما أدلَّتهم؟» وتابع: «لقد سمعتَها، أنا متأكد!»
أجاب ديك: «يقولون إن الرجل — برادن — قد جاء إلى هنا — هنا، إلى المنزل! — في ذلك الصباح، قبل وقتٍ قصير من العثور عليه ميتًا.» وأردف: «بالطبع، قلتُ إن هذا محضُ هُراء! — وقلتُ إنه لو كان قد جاء إلى هنا وقابلك، لكنتُ أنا قد علمتُ بذلك، بكل تأكيد.»
قال رانسفورد: «هذا ليس صحيحًا تمامًا، يا ديك؛ لأنني أنا نفسي لا أعرفُ شيئًا عن قدومه إلى هنا.» وأردف: «ولكن مَن الذي يقول إنه قد جاء إلى هنا؟»
أجاب ديك على الفور: «السيدة ديرامور.» وتابع: «إنها تقول إنها رأته يبتعدُ عن المنزل ويسير عبر كلوس، قبل الساعة العاشرة بقليل. هكذا يقول جيم ديرامور، على أي حال — ويقول إن والدته تستطيع الرؤية بعينَيها على نحوٍ جيد تمامًا.»
قال رانسفورد موافقًا: «بلا شك!» ثم نظر نحو ماري مرةً أخرى، ورأى أنها كانت تُثبِّت نظرها على طبقها. فتابع: «حسنًا، إذا كان ذلك سوف يُرضيك بأيِّ نحو، يا ديك، فيُمكنك أن تُخبر أولئك النمَّامين أن دكتور رانسفورد لم يُقابل أيَّ رجل في منزله، سواءٌ برادن أو أي شخص آخر، ذلك الصباح، وأنه لم يتبادل قط ولو كلمةً واحدة مع برادن. هذا هو كل ما يُمكنني قوله عن هذا الأمر!» ثم أضاف: «لكن أنت لستَ في حاجةٍ إلى أن تتوقَّع منهم أن يُصدقوك. فأنا أعرف هؤلاء الناس — إذا كانت لديهم فكرةٌ في رءوسهم فسيتمسَّكون بها حتى الموت. ومع ذلك، فإن ما أقوله هو الحقيقة.»
بعد ذلك انصرف ديك، ونظر رانسفورد مرةً أخرى إلى ماري. وهذه المرة، كان على ماري أن تُواجه نظرة وصيِّها المستفسرة.
سألها: «هل سمعتِ أيَّ شيء عن هذا الأمر؟»
أجابت دون تردُّد: «تلك الشائعة؟ — أجل.» وأردفت: «لكن ليس الآن، بل هذا الصباح.»
سألها رانسفورد: «مَن أخبركِ عنها؟»
ترددت ماري. ثم تذكَّرَت أن السيد فوليوت، على أي حال، لم يُلزمها بالسرية.
فأجابت: «السيد فوليوت.» وأردفَت: «لقد دعاني إلى حديقته، لإعطائي تلك الزهورَ، وذكر أن السيدة ديرامور قد قالت هذه الأشياء للسيدة فوليوت، ونظرًا إلى أنه كان يظنُّ أنه من المحتمل جدًّا أن تنشرَها السيدة فوليوت، أخبرني بالأمر لأنه لم يكن يُريدك أن تعتقد أن الشائعةَ قد انطلقت من منزله.»
قال رانسفورد بغِلظة: «هذا أمرٌ جيد للغاية منه.» وأضاف: «إنهم جميعًا يرغبون في إبعادِ اللَّوم عن أنفسِهم وإلقائه على الآخرين!» وأضاف وهو ينظر إليها بتمعُّن: «لكن أنت لا تعرفين أيَّ شيء عن مسألة مجيءِ برادن إلى هنا، أليس كذلك؟»
أدركَ في الحال أنها كانت تعرف، ورأت ماري لمحةً خفيفة من القلق تُخيم على وجهه.
فأجابت: «نعم، أعرف!» وأردفَت: «في ذلك الصباح. لكن قيلَت لي المعلومة، اليومَ فقط، وطُلب مني اعتبارها سرًّا يجب كتمانه.»
كرَّر قائلًا: «سرًّا يجب كتمانه!» ثم أردف: «هل لي أن أعرف مَن أخبرك بها؟»
أجابت: «دكتور برايس.» وتابعَت: «لقد التقيتُ به هذا الصباحَ. وأعتقد أنك يجب أن تعرف بما قاله. لكنه طلب مني اعتباره سرًّا وبالتالي كتمانه.» توقفَت لحظةً عن الكلام، ونظرت إليه، فاضطرب وجهُها. وتابعت: «أكرهُ أن أقترح ذلك، لكن هلا تأتي معي لمقابلته، وسأطلب منه — ما دامت الأمور على ما هي عليه الآن — أن يُخبرك بما قاله لي؟ فأنا لا أستطيع قولَ أي شيء — دون إذنه.»
هزَّ رانسفورد رأسه وتجهَّم.
وقال: «أنا لا يُعجبني ذلك!» وأضاف: «إن هذا … إن هذا يجعلنا نضع أنفسنا تحت سيطرته؛ إن جاز التعبير. لكنني يجب أن أعلم بالأمر. ارتدي قبَّعتك.»
استأجر برايس، منذ مجيئه إلى رايتشستر، شقةً في منزلٍ قديم في فرايري لين، في الجزء الخلفي من كلوس. وكان يُقيم فيها بنحوٍ مُريح. في الطابق السفلي كانت لديه غرفةُ جلوس مزدوجة تمتدُّ من الجزء الأمامي إلى الجزء الخلفي من المنزل، وتُطل نافذتُه الأمامية على حديقة، ونافذته الخلفية على أخرى. وكان قد انتهى لتوِّه من تناول الغَداء في الجزء الأمامي من غرفته، وينظر من نافذته، متسائلًا عما سيفعلُ بعد ظُهر ذلك اليوم، عندما رأى رانسفورد وماري بيوري يقتربان. فخمَّن سببَ زيارتهما في الحال، وتوجَّه مباشرة إلى الباب الأمامي لمقابلتهما، ودون أن ينبس ببِنت شفةٍ دعاهما كي يتبَعاه إلى الدخول إلى شقته. بادر، كما كانت عادتُه، بالكلام — قبل أن يتمكن أيٌّ من زائريه من الكلام.
فقال، وهو يُغلق الباب وينظر إلى ماري: «أنا أعرف لماذا أتيتِ.» وأردف: «إما أنكِ تُريدين إذني كي تُخبري دكتور رانسفورد بما قلتُه لكِ هذا الصباحَ، وإما تُريدينني أن أُخبره به بنفسي. هل أنا على حق؟»
أجابت ماري: «أنا أُفضِّل أن تُخبره بنفسك.» وأردفَت: «إن الشائعة التي تحدَّثتَ عنها قد وصلَت إليه — ويجب أن يعرف ما لديك من معلومات. أما أنا فقد حافظتُ على سرك، حتى الآن.»
نظر الرجلان كلٌّ منهما إلى الآخَر. وهذه المرةَ كان رانسفورد أولَ مَن تحدَّث.
فقال: «يبدو لي أنه لا يوجد سببٌ وجيهٌ للسرية. وإذا كانت الشائعاتُ تتناثر في رايتشستر، فلا توجد سرِّية. لقد أخبرني ديك أنهم يقولون في المدرسة إنه يُشاع أن برادن قد زارني في منزلي قبل وقتٍ قصير من العثور عليه ميتًا. وأنا لا علمَ لي مطلقًا بتلك الزيارة! لكن لقد تركتُك بمفردك في العيادة في ذلك الصباح. فهل تعرف ما إذا كان قد جاء إلى هناك؟»
أجاب برايس: «أجل!» وتابع: «لقد جاء. بعد مدَّة وجيزة من مغادرتك لها.»
سأله رانسفورد بحدَّة: «لماذا أبقيتَ الأمر طيَّ الكتمان؟» ثم أردف: «كان من الممكن أن تُخبر الشرطة — أو قاضيَ التحقيق — أو تخبرني أنا. لماذا لم تفعل؟»
قبل أن يتمكَّن برايس من الإجابة، سمع الثلاثةُ نقرةً حادة على بوابة الحديقة الأمامية، فاستداروا، ورأَوْا ميتشينجتون يقترب عبر الممشى.
قال برايس بهدوء: «ها هو أحدُ رجال الشرطة قد أتى الآن.» ثم أضاف: «ربما جاء للحصول على بعض المعلومات. وأنا أُفضِّل كثيرًا ألا يراك هنا — لكني أودُّ أيضًا أن تسمع ما سأقوله له.» وتابع بينما كان يسحب الستائر التي كانت تحجبُ الحجرة الخلفية: «ادخلا إلى هناك.» وأردف:
«لا تهتمَّ بالتفاهات! فأنت لا تعرف كيف ستسيرُ الأمور.»
ومن ثَم أجبرهما تقريبًا على الدخول، وسَحَبَ الستائر مرةً أخرى، وهُرِع إلى الباب الأمامي، وعاد على الفور تقريبًا مع ميتشينجتون.
قال المفتش، بينما كان يُدخله برايس ويُغلق الباب مرةً أخرى: «أتمنى ألا أكونَ قد أزعجتك يا دكتور.» وأردف: «كلا؟ حسنًا، إذن، لقد جئتُ لأطرحَ عليك سؤالًا. هناك شائعة غريبة تنتشر في المدينة، حول تلك الحادثة التي وقعَت الأسبوع الماضيَ. يبدو أن مصدرها هو بعضُ النسوة العجائز في كلوس.»
قال برايس: «بالتأكيد!» وكان يخلط الويسكي والصودا لزائرِه، واختلطَت ضحكته بصوتِ سيفون الصودا. ثم أردف: «بالتأكيد! لقد سمعتُ ذلك.»
قال ميتشينجتون: «هل سمعتَه؟» ثم أردف: «إم! في صحتك، يا سيدي! لقد سمعتَ، بالطبع، أن …»
قال برايس: «أن برادن زار دكتور رانسفورد قبل وقتٍ قصير من وقوع الحادث، أو جريمة القتل، أو أيًّا كان ما حدث.» ثم أضاف: «هذه هي الشائعة، أليس كذلك؟»
قال ميتشينجتون موافقًا: «شيءٌ من هذا القبيل.» ثم أردف: «يُقال، على أيِّ حال، إن برادن ذهب إلى منزل رانسفورد، ومن المفترض أنه قابله، وبِناءً على ذلك، إن رانسفورد يعرف شيئًا عنه لم يُخبر به أحدًا. والآن ماذا تعرف عن هذا الأمر؟ هل تعرف ما إذا كان رانسفورد وبرادن قد التقيا في ذلك الصباح؟»
أجاب برايس على الفور: «ليس في منزل رانسفورد، على أيِّ حال.» ثم أضاف: «يُمكنني إثباتُ ذلك. لكن بما أن هذه الشائعةَ قد انتشرت، فسأُخبرك بما أعرفه، وما هي الحقيقة. لم يأتِ برادن إلى منزل رانسفورد، ولكن إلى عيادة رانسفورد. وهو لم يُقابل رانسفورد — حيث كان رانسفورد قد غادر العيادةَ، وذهب عبر كلوس. أما مَن قابل برادن، فهو أنا!»
قال ميتشينجتون: «يا إلهي! لم أكن أعرفُ ذلك.» ثم أضاف: «أنت لم تذكر ذلك قط.»
قال برايس وهو يضحك قليلًا: «لن تتعجَّبَ من أنني لم أذكر ذلك، عندما أُخبرك بما كان الرجل يُريده.»
سأل ميتشينجتون: «ماذا كان يريد، إذن؟»
أجاب برايس: «كان فقط يسأل عن مكان مكتبة الكاتدرائية.»
رأى رانسفورد، وهو يُراقب ماري بيوري، أن وجهَها قد احمرَّ، وعرَف أن برايس كان يكذب في مرَح. لكن مِن الواضح أن ميتشينجتون لم يكن لديه أيُّ شك.
حيث سأل: «هل هذا كلُّ ما في الأمر؟» ثم أردف: «مجرد سؤال؟»
أجاب برايس: «مجرد سؤال — هذا السؤال.» وتابع: «فأشرتُ له إلى المكتبة — وغادر. ولم أرَه قط مرةً أخرى حتى جُلِبتُ لرؤيته وهو ميت. ولم أفكِّر كثيرًا في الأمر — في الواقع، لم يخطر ببالي مطلقًا أن أذكره.»
سأل المفتش: «إذن — رغم أنه جاء إلى العيادة — هو لم يُقابل رانسفورد قط، أليس كذلك؟»
أجاب برايس: «أقول لك إن رانسفورد كان قد غادرَ بالفعل.» وتابع: «وهو لم يُقابل أحدًا سِواي. وحينما ارتكبَت السيدة ديرامور خطأَها — تصادف أني عرَفتُ، يا ميتشينجتون، أنها مصدرُ هذه الشائعة — كانت تُحاول تحميل الأمر أكثرَ مما يحتمل. لقد رأت هذا الرجلَ يسير عبر كلوس، كما لو كان قد خرجَ من منزل رانسفورد وتخيلَت في الحال أنه قد قابل رانسفورد وتحدَّث معه.»
قال ميتشينجتون: «يا لها من عجوزٍ حمقاء!» ثم أضاف: «بالطبع، هذه هي الطريقة التي تنتشرُ بها هذه القصص. ومع ذلك، ما زالت هناك أمورٌ أخرى مُثارة.»
نظر المستمِعان خلف الستائر كلٌّ منهما إلى الآخر. وأظهرَت نظرة رانسفورد أنه كان منزعجًا بالفعل من الوضع الذي كان فيه — لكنَّ نظرة ماري دلَّت فقط على الخوف. وفجأة، كما لو كانت تخشى أن يُلقي رانسفورد الستائرَ جانبًا ويدخل إلى الغرفة الأمامية، وضعت يدَها على ذراعه وأشارت إليه أن يتحلَّى بالصبر — والصمت.
قال برايس: «أوه؟» وأردَف: «أمورٌ أخرى مثارة؟ حول هذه القضية؟»
قال ميتشينجتون: «بالضبط.» ثم أردف: «بدايةً، إن ذلك الرجل، فارنر، عاملَ البناء، لم يتوقَّف عن الثرثرة قط. يقولون إنه دائمًا ما يتحدَّثُ عن القضية — ويقول إن حكم هيئة المحلَّفين في جلسة التحقيق كان خاطئًا تمامًا، وإن شهادته قد نُحِّيَت جانبًا. وهو يُصِر على أنه رأى ما أقسم أنه رآه.»
قال برايس بلا مبالاةٍ: «سوف يستمرُّ في ذلك حتى يوم موته.» ثم أضاف: «إذا كان هذا كلَّ ما في الأمر …»
قاطعَه المفتش: «ليس هذا كلَّ ما في الأمر.» ثم أردف: «على الإطلاق! لكن كلام فارنر هو تأكيدٌ مباشر — المسألة الأخرى هي نوع من التلميح القبيح. هناك رجلٌ يُدعى كوليشو، وهو أحد سكان المدينة، وقد وُظِّف عامِلَ بناءٍ مساعدًا في الكاتدرائية مؤخرًا. كوليشو هذا، على ما يبدو، كان يعمل في مكانٍ ما في المقصورات أو الممرَّات أو أيًّا كان ما يُسمُّون به تلك المناطقَ العُليا، في صباح يوم الحادث. وفي ليلةٍ سابقة، وهو تحت تأثير الشراب إلى حدٍّ ما، تحدَّث عن الأمر مع رفاقه في حانة، وأطلق بعضَ التلميحات الغامضة بأنه يمكن أن يقول شيئًا ما إذا أراد. بالطبع، ضغَطوا عليه لإخبارهم — لكنه لم يفعل. وعندئذٍ — كما أخبرني مخبري — شجَّعوه على الحديث، لكنه ظلَّ صامتًا بنحوٍ فظ. انتشر هذا، بالطبع، ووصل إلى أذنَيَّ. فقابلت كوليشو.»
سأل برايس: «ماذا حدث؟»
أجاب ميتشينجتون: «أعتقد أن الرجلَ يعرف شيئًا ما.» وأردف: «هذا هو الانطباع الذي خرَجتُ به، على أي حال. لكنه لن يتكلم. لقد اتهمتُه مباشرة بمعرفة شيءٍ ما وإخفائه — لكن ذلك لم يُجدِ نفعًا. فأخبرتُه بما سمعته. وكلُّ ما قاله هو أنه مهما كان ما صدر عنه وهو مخمور، فهو لن يقول أيَّ شيء الآن، لا لي ولا لأي شخص!»
قال برايس: «هكذا فقط!» ثم أضاف: «لكنه سيُصبح مخمورًا مرةً أخرى، يومًا ما، وعندئذٍ — عندئذٍ، ربما سيُضيف المزيد إلى ما قاله من قبل. وتأكد أنك ستسمع ذلك.»
أجاب ميتشينجتون: «أنا لستُ متأكدًا من ذلك.» وتابع: «لقد قمتُ ببعض التحريات ووجدتُ أن كوليشو عادةً ما يكون رصينًا جدًّا ومنطويًّا — لقد أُغري كي يشربَ عندما صرَّح بتلك الأقوال. بالإضافة إلى ذلك، سواءٌ كنت على صواب أو خطأ، خطرَت لي فكرة أنه قد تلقى رِشوة!»
صاح برايس متعجبًا: «رشوة!» وتابع: «عجبًا، إذا كانت تلك الحادثةُ جريمةَ قتل حقًّا، فسيُصبح عُرضةً لتوجيه الاتهام إليه باعتباره شريكًا في الجريمة!»
أجاب ميتشينجتون: «لقد حذَّرته من ذلك.» ثم أضاف: «أجل، لقد حذرته رسميًّا.»
سأل برايس: «وهل أسفر ذلك عن شيء؟»
قال ميتشينجتون: «إنه رجلٌ فظ.» وأردف: «من النوع الذي يلتزم الصمت. لم يُقدِّم أيَّ إجابة ولم يفعل شيئًا سوى الزمجرة.»
قال برايس: «هل تعتقد حقًّا أنه يعرف شيئًا ما؟» ثم أضاف: «حسنًا — إذا كان هناك أيُّ شيء، فسينكشف — في الوقت المناسب.»
قال ميتشينجتون موافقًا: «أوه، بالقطع سينكشف!» ثم أردف: «أنا لستُ راضيًا بأيِّ حالٍ من الأحوال عن هذا الحكم الصادر عن قاضي التحقيق. وأعتقد أنه كان هناك تلاعبٌ من نوعٍ ما. وما زلت أتابعُ الأمورَ بهدوء. وسأخبرك بشيءٍ — بيني وبينك — لقد توصلتُ إلى اكتشافٍ مهم. وهو كما يلي. في مساء يوم وصول برادن إلى فندق مايتر، خرج، إلى مكانٍ ما، مدةَ ساعتَين كاملتين — بمفرده.»
قال برايس: «أظن أننا عَلِمنا من السيدة بارتينجلي أنه والرجل الآخر، ديلينجهام، قد أمضَيَا المساء معًا؟»
أجاب ميتشينجتون: «أجل — لكن لم يكن الأمرُ كذلك بالضبط.» ثم أضاف: «لقد خرجَ برادن من فندق مايتر قبل الساعة التاسعة بقليل، ولم يَعُد إلا بعد الحاديةَ عشرة ببضع دقائق. إذن، أين ذهب؟»
سأل برايس، بعد مدةِ صمت، سمع خلالها المستمعان الزائرَ وهو ينهض ويتجهُ نحو الباب: «أعتقد أنك تُحاول اكتشاف ذلك؟»
أجاب ميتشينجتون، مع ضحكةٍ واثقة: «بالتأكيد!» وتابع: «وسأفعل! لا تَبُح بذلك لأحد، يا دكتور.»
بعد أن أوصل برايس المفتشَ إلى الخارج وعاد إلى غرفة جلوسه، خرجَ رانسفورد وماري من وراء الستائر. فنظر إليهما وهزَّ رأسه.
وقال: «لقد سمعتما الكثيرَ، كما تُلاحظان.»
قال رانسفورد بلهجةٍ آمرة: «انظر هنا!» ثم أضاف: «لقد ضلَّلتَ هذا الرجلَ بشأن الزيارة التي جرَت في عيادتي. أنت لم تقُل له الحقيقة.»
وافق برايس على ذلك بقوله: «هذا صحيحٌ تمامًا.» ثم أضاف: «لم أفعل. لماذا يجب عليَّ ذلك؟»
سأل رانسفورد بحدَّة: «عن أي شيء سألك برادن؟» وتابع: «أخبِرْني، الآن.»
أجاب برايس: «سألني فقط عما إذا كان دكتور رانسفورد موجودًا، مشيرًا إلى أنه كان يعرفه من قبل. كان هذا — حرفيًّا — كلَّ شيء. وأجبتُه بأنك لم تكن موجودًا في العيادة.»
وقف رانسفورد يُفكر في صمتٍ لحظةً أو اثنتَين. ثم تحرك نحو الباب.
وقال: «لا أرى أن أيَّ خير سيأتي عبر المزيد من الحديث عن هذا الأمر.» وأضاف: «نحن الثلاثة، على أيِّ حال، نعرف الآتي: إنني لم أُقابل برادن مطلقًا عندما جاء إلى منزلي.»
ثم أشار إلى ماري أن تتبعَه، وغادرا المنزل، فابتسم برايس لصورته في مِرآته — برضًا كامل، بعد أن راقبَهما وهما يغيبان عن نظره.