مقتل عامل البناء المساعد
قبل وقتِ الظهيرة من اليوم التالي، اتخذَ برايس خطوةً إلى الأمام في مسألةِ حلِّ مشكلة ريتشارد جينكينز ومقبرتِه في بارادايس. إذ كان يُحاول منذ عودته من بارثورب أن يصل إلى المعنى الحقيقيِّ لهذا اللغز. وقد زار مكتبة الكاتدرائية عدةَ مرات لدرجة أن أمبروز كامباني سأله مازحًا عما إذا كان سيُغير مجال عمله إلى علم الآثار، فأجاب برايس بأنه ليس لديه ما يفعله في هذا الوقت؛ لذا لم يرَ أيَّ سبب يمنعُه من تحسين معرفته بآثار رايتشستر. لكنه كان حريصًا بشدة على عدم السماح لأمين المكتبة بمعرفة الهدف الحقيقي من فحصِه وتدقيقه في الكتب والوثائق القديمة. كان كامباني حسَبما يُدرك برايس جيدًا، موسوعةً تسير على قدمَين للمعلومات الخاصة بكاتدرائية رايتشستر؛ كان في الواقع، في ذلك الوقت، منخرطًا في إكمال كتابِ تأريخٍ عنها. ومن خلال عملية كتابة التاريخ تلك حصل برايس بالصدفة على معلوماته الثمينة. إذ في اليوم التالي للمقابلة مع ماري بيوري ورانسفورد، أرشد كامباني برايس أثناءَ وجوده في المكتبة لفحص بعض الرسومات التي رسمها أمينُ المكتبة لتكونَ رسوماتٍ توضيحيةً لعمله، التي معظمها، عن الألواح التذكارية النُّحاسية، وشعارات النبالة، وما شابه — وعند الجزء السفليِّ من واحدةٍ من هذه، وهو رسمٌ لدرع نبالة نُحت عليه ثلاثةُ غِربان، رأى برايس اسمَ ريتشارد جينكينز، حامل الدرع. كان كلُّ ما أمكنه فعلهُ هو أن يكبح ردَّ فعله ويُحسن انتقاءَ كلماته. لكن كامباني، الذي لا يعرف شيئًا عن نواياه، سرعان ما قدم له المعلومات التي يُريدها.
حيث قال: «كل هذه الرسومات هي لأشياءَ قديمةٍ داخل الكاتدرائية وحولها. بعضها مثل هذا، على سبيل المثال، درع نبالة جينكينز هذا، عبارة عن زخارف على مقابرَ عتيقةٍ للغاية لدرجة أن نقوشَها اختفَت تمامًا — مقابر في منطقة الأديرة، وفي بارادايس. لا يمكن التعرُّف على بعضِ تلك القبور إلا من خلال هذه المنحوتات والزخارف.»
سأل برايس، وقد شعر أنه من المناسبِ الآن أن يستفسرَ دون أن ينكشف مقصدُه الحقيقي: «كيف تعرف، على سبيل المثال، أن أيَّ مقبرة أو نُصب تذكاري محدَّد، يخص، لِنَقل مثلًا، جينكينز؟» ثم أضاف: «من المؤكد أن يُصبح الأمر موضعَ شك إذا لم يتبقَّ عليه نقش، أليس كذلك؟»
أجاب كامباني: «كلا!» ثم أردف: «ليس هناك شكٌّ على الإطلاق. بخصوص هذه المقبرة تحديدًا، ليس هناك شكٌّ في أن المَقبرة الموجودة في زاوية بارادايس، بالقرب من الجدار الشرقي للرِّواق الجنوبي، هي مقبرة ريتشارد جينكينز؛ لأنها تحمل شعار النبالة الخاص به، الذي، مثلما ترى، يتضمَّن هذه الطيورَ — التي هي عبارة عن غربان صغيرة أو ضخمة. لقد مُحيت النقوش من على تلك المقبرة؛ ولهذا السبب لم تُذكر في مخطَّطِ مدافنِ بارادايس — لم يكن الرجل الذي أعدَّ ذلك المخطط يعرف كيف يتتبَّع الأشياء كما نفعل في الوقت الحاضر. كان ريتشارد جينكينز، كما قد تُخمِّن، من سكان ويلز، واستقرَّ هنا في رايتشستر في القرن السابعَ عشر؛ لقد ترك بعض المال لكنيسة سانت هيدويج، لكنه دُفن هنا. هناك المزيد من الأمثلة — انظر إلى هذا؛ شعار النبالة هذا — إنه هو الوسيلة الوحيدة لتحديد مقبرةٍ أخرى في بارادايس والتي تخص جيرفيس تايرويت. هل ترى شعار النبالة الذي في هذا الرسم؟ والآن هذه …»
سمح برايس لأمين المكتبة بالاستمرار في الحديث والشرح، وسمع كلَّ ما كان عليه أن يقوله دون أن يُعيره أدنى تركيزٍ أو اهتمام — إذ إن ما كان نشطًا حقًّا في عقله هو الفرَح بضربةِ الحظ غيرِ المتوقَّعة هذه؛ ربما كان هو نفسُه قد ظل يبحث عنه طَوال سنة دون أن يعثرَ على آخِر مثوًى لريتشارد جينكينز. وبعد أن دقَّت ساعةُ الكاتدرائية الكبيرةُ معلنةً حلول ساعة الظهيرة بمدَّة وجيزة، ترك كامباني وخرج من المكتبة، ثم سار إلى بارادايس وخاض بين أشجار السرو والصنوبر بداخلها، عازمًا على رؤية مقبرة جينكينز بنفسه. لا يمكن أن يشكَّ أحدٌ في أي شيء من مجرد رؤيته هناك، وكلُّ ما كان يُريده هو نظرةٌ واحدة على النُّصب القديم.
لكن لم يتمكَّن برايس من أن يُلقِيَ ولو نظرةً واحدة على قبر ريتشارد جينكينز في ذلك اليوم، ولا في اليوم التالي، ولا لعدة أيام — حيث قابلَه الموت في شكلٍ آخر قبل أن يسيرَ عدة خطوات في الفِناء الهادئ حيث يرقد الكثيرُ جدًّا من موتى رايتشستر.
من أعلى الفروع العُليا لأشجار الصنوبر العتيقة، سقط شعاعٌ كبير من ضوء الشمس في الظهيرة بالكامل على رُقعة من الجدران الرمادية للصَّحن ذي الأسقفِ العالية. وعند نهايتها، جلس رجل، وقد استند ظهرُه بشكلٍ مريح مقابلَ زاوية دعامةٍ بارزة، ومن الواضح أنه كان نائمًا بعمق في دفء تلك الأشعة القوية. وبينما انحنى رأسه إلى أسفل وإلى الأمام على صدرِه، وطُوِيت يداه على خَصرِه، وكان مظهره ككلٍّ هو مظهرَ رجل، بعد أن أكلَ وشرب في الهواء الطَّلْق، استغرق في النوم. لقد نام أثناء التدخين وهو ما يتَّضح من وجودِ غليونٍ فَخَّاري قصير مسودٍّ سقط من شفتَيه واستقرَّ على العُشب بجانبه. وبالقرب من الغليون، انتشرت على منديلٍ ملوَّن بقايا غَدائه — حيث لاحظَت عينُ برايس السريعةُ قِطع الخبز والجُبن والبصل. وبجواره كانت توجد واحدةٌ من القارورات المعدنية التي عادةً ما يَحمل فيها العمالُ مشروباتِهم، والتي كانت سِدَادتها، التي رُبِطت بقطعةٍ من الخيط في عنق القارورة، تتدلَّى على جانبها. وعلى بُعد ياردات قليلة، أظهرت كتلةٌ من الأنقاض المتساقطة ومجرفة وعربة يدٍ ما كان يفعله النائم عندما حانت ساعةُ غدائه وراحته.
شيء غير عادي، شيء ملحوظ بشكل غريب — ومع ذلك لم يستطِع تحديدَ ما هو بالضبط — جعل برايس يقتربُ من الرجل النائم. كان هناك ثباتٌ غريب لجسده — تصلَّب بدا أنه يُوحي بشيءٍ أكثرَ من النوم. وفجأةً، انحنى برايس للأمام مع دهشةٍ مكتومة، ورفع إحدى يدَي الرجل المطويَّتَين. فسقطت مثل كتلةِ وزنٍ رصاصيَّة عندما تركَها برايس، فدفع وجهَ الرجل إلى الخلف ونظر إليه بتمعُّن. وفي تلك اللحظة عرَف أنه للمرة الثانية في غضون أسبوعَين، قد وجد رجلًا ميتًا في رايتشستر بارادايس.
لم يكن هناك أيُّ شك في أن الرجل قد مات. كان جسده ويداه لا تزال دافئتين — لكنه لم يكن يتنفَّس؛ لقد كان ميتًا مثلَ جميع الموتى الذين يرقدون حوله تحتَ شواهد القبور القديمة بستةِ أقدام. وقد علِم برايس من خلال لمسته وعينه الخبيرتَين أنه قد مات للتو — وأنه قد مات أثناء نومه. كل شيء هناك يشير بشكلٍ لا لبسَ فيه إلى ما حدث. لقد أكل الرجلُ غداءه الرَّخيص، وساعد على بَلعِه بالشرب من قارورته المَعدنية، وأشعل غليونه، ثم انحنى إلى الوراء في ضوء الشمس الدافئ، واستغرق في النوم — ومات بهدوءٍ مثل طفل نام بعد اللعب.
بعد نظرة فاحصة أخرى، استدار برايس وسار عبر الأشجار إلى المسار الذي يَعبُر فِناء المقابر العتيق. وهناك وجد ديك بيوري، الذي كان ذاهبًا إلى المنزل على مهلٍ لتناول الغداء، والذي أخذ ينظر إلى الطبيبِ الشابِّ بفضول.
ومن ثَم صاح مع تحرُّر الشباب تجاهَ مَن هم في سنٍّ لا يكبرهم بالكثير من السنين: «مرحبًا!» ثم أضاف: «أأنت هنا؟ كيف حالك؟»
ثم نظر بوضوحٍ أكثر، فرأى برايس شاحبًا ومنفعلًا. وضع برايس يدَه على ذراع الفتى.
وقال: «انظر هنا!» ثم أردف: «هناك مشكلةٌ — مرة أخرى! — هنا. أسرِع إلى مركز الشرطة — وأبلِغ ميتشينجتون — بهدوء، هل تفهم! — وأحضِرْه إلى هنا في الحال. إذا لم يكن هناك، فأحضِر شخصًا آخر — أيًّا من رجال الشرطة. لكن لا تقُل شيئًا لأيِّ شخص غيرهم.»
ألقى عليه ديك نظرةً سريعة أخرى، ثم استدار، وركَض. وعاد برايس إلى الرجل الميت — والتقط القارورةَ المعدنية، وسكب القليلَ ممَّا فيها في راحة يدِه اليسرى. فوجَدها تحتوي على الشاي البارد! — وبقدرِ ما يستطيع أن يُدرك، لا شيء غير ذلك. لقد وضع طرَفَ إصبَعِه الصغير في المشروب ذي المظهر الضعيف، وتذوَّق — فوجد طعمها يحتوي على قدْرٍ كبير من السُّكر.
وقف هناك، يُراقب القتيل حتى نبَّهه صوتُ خُطًى خلفه إلى عودة ديك بيوري، الذي، في دقيقة أخرى، سارع عبر الشجيرات، يتبعُه ميتشينجتون. حدَّق الفتى في صمتٍ إلى الجسد الذي يجلس بلا حَراك، لكن المفتش، بعد نظرة سريعة، استدار نحو برايس وقد علَت وجهَه علاماتُ الصدمة.
وقال بانفعالٍ: «يا إلهي!» ثم تابع: «إنه كوليشو!»
فَشِل برايس في تلك اللحظة في فَهمِ ذلك، وهز ميتشينجتون رأسه.
وهو يُكرر: «كوليشو!» ثم أردفَ: «كوليشو، ألا تذكُر؟! إنه الرجل الذي أخبرتُك عنه بعد ظهرِ أمس. الرجل الذي قال …»
توقَّف ميتشينجتون فجأةً عن الكلام، وهو يُلقي نظرةً على ديك بيوري.
فقال برايس: «إنني أتذكَّر الآن.» ثم أردف: «عامل البناء المُساعد! إذن — هذا هو الرجل، أليس كذلك؟ حسنًا، يا ميتشينجتون، لقد مات — لقد وجدتُه ميتًا، للتو. في رأيي إنه قد مات منذ خمس إلى عشْرِ دقائق — ليس أكثر. من الأفضل أن تحصل على المساعدة — وأودُّ أن يفحصه طبيبٌ آخر قبل نقله من هنا.»
نظر ميتشينجتون مرةً أخرى إلى ديك.
وسأله: «هل يُمكنك أن تجلب دكتور رانسفورد، يا سيد ريتشارد؟» ثم أردف: «إنه الأقرب.»
فقال ديك: «إن دكتور رانسفورد ليس في المنزل.» ثم أضاف: «لقد ذهب إلى هايمينستر — من أجل شأنٍ خاصٍّ بمجلس المقاطعة أو ما شابهَ — في الساعة العاشرة من هذا الصباح، ولن يعود حتى الرابعة — لقد تصادف أن عرَفتُ ذلك. هل أذهب لاستدعاء دكتور كوتس؟»
قال ميتشينجتون: «إذا كنت لا تُمانع، ولأن مركز الشرطة قريبٌ من هنا، اذهب إلى هناك مرةً أخرى وأخبِر الرقيب أن يأتيَ إلى هنا مع رجلَيْ شرطة.» وتابعَ، بعد أن ابتعد الفتى مسرعًا: «يا إلهي! إن هذا أمرٌ غريب، يا دكتور برايس! ما رأيك؟»
أجاب برايس: «أعتقد ذلك.» ثم أضاف: «هذا الرجل — انظر إليه! — الذي هو رجل قوي، يتمتَّع بصحة جيدة، في مقتبل العمر قد لقيَ هذا الرجلُ حتفه بعملٍ إجرامي. أرجو أن تهتمَّ بشكل خاصٍّ ببقايا غدائه هذه — بكل قطعة صغيرة — وبالقارورة المعدنيَّة تلك. هذه، على وجه الخصوص. خذ كلَّ هذه الأشياء بنفسك، يا ميتشينجتون، وتحفَّظْ عليها — سيتطلب الأمرُ فحصها جميعًا.»
نظر ميتشينجتون نحو الأشياء البسيطة التي أشار إليها برايس. وفجأةً ألقى بنظرةٍ شبه مذعورة على رفيقه.
وسأله: «أنت لا تقصد أن تقول إنك … إنك تشكُّ في أنه قد تعرَّض للتسمُّم، أليس كذلك؟» ثم أردفَ: «يا إلهي، إذا كان الأمر كذلك …»
أجاب برايس: «لا أعتقد أنك ستجد أن هناك الكثير من الشك حول ذلك.» وتابع: «لكن هذه نقطةٌ ستُحسم قريبًا. من الأفضل أن تُخبر قاضيَ التحقيق في الحال، يا ميتشينجتون، وسيُصدر أمرًا رسميًّا للطبيب كوتس كي يُجرِيَ تشريحًا للجثة.» ثم أضاف بنحوٍ جدِّي: «وسأتفاجأُ إذا لم يكن سببُ الوفاة كما أقول — السُّم!»
قال ميتشينجتون، وهو يهزُّ رأسَه في غضب: «إذا كان الأمرُ كذلك، إذا كان كذلك حقًّا، فأنا أعرف كيف سأنظرُ للأمر! جريمة القتل هذه!» وتابع مشيرًا إلى الرجل الميت: «جريمة القتل هذه … تكملة للجريمة الأخرى. كان هناك شيءٌ فيما قاله الشابُّ المسكين — لقد كان يعرف شيئًا ضد شخصٍ ما، وعلِم ذلك الشخصُ بالأمر — فقام بإسكاته. لكن، يا إلهي، كيف يُمكن أن يحدث ذلك، يا دكتور؟»
قال برايس: «أستطيع أن أُفسِّر كيف يُمكن القيامُ بذلك، بسهولة للغاية.» وتابع: «من الواضح أن هذا الرجل كان يعمل هنا بمفرده طوال الصباح. وبالطبع قد أحضر غداءه معه. ولا شكَّ أنه وضع سلتَه وزجاجته في مكانٍ ما، قبل قيامه بعمله. ومن السهل أن يقتربَ شخصٌ ما من خلال هذه الأشجار والشجيرات من خلف ظهر الرجل، أو بينما هو مشغولٌ حول إحدى هذه الزوايا، ويضَع بعض السمِّ القاتل في تلك الزجاجة؟ إنه أمرٌ في غاية السهولة!»
قال ميتشينجتون: «حسنًا، إذا كان الأمر كذلك، فإنه يُثبت شيئًا آخر — في رأيي.»
سأله برايس: «ما هو؟»
أجاب ميتشينجتون: «أيًّا كان مَن فعل ذلك فهو شخصٌ لديه معرفة بصُنع السُّم!» ثم أضاف: «وفي رأيي أنه لا يوجد الكثيرُ من الناس في رايتشستر ممَّن لديهم مثلُ هذه المعرفة سِوى أنتم كأطباء وكذلك الصيادلة. إنه عملٌ خطير!»
أومأ برايس برأسه في صمت. وانتظر حتى وصل الطبيبُ كوتس، وهو رجل مسنٌّ يُعَد الممارِسَ العامَّ الرئيسي في المدينة، وقدَّم له وصفًا دقيقًا لاكتشافه. وبعد أن نقلَت الشرطة الجثة، ورافق هو ميتشينجتون إلى مركز الشرطة ورأى القارورةَ المعدنية وبقايا غداءِ كوليشو متحفَّظًا عليها بأمانٍ، ذهب إلى المنزل لتناوُل الغداء، وهو يتساءل عن هذا التطور الغريب. كان المفتش محقًّا بلا شك في قوله إن شخصًا ما أراد إسكات كوليشو فقَتَله — ولكن مَن يُمكن أن يكون هذا الشخص؟ تحولَت أفكار برايس على الفور إلى حقيقةِ أن رانسفورد قد سمِع كلَّ ما قاله ميتشينجتون، في تلك الغرفة بالذات التي كان يجلس فيها، برايس نفسه، ليتناولَ الغداء — رانسفورد! هل من الممكن أن رانسفورد قد أدركَ وجود خطرٍ في معلومات كوليشو، ومِن ثَم أقدم على …؟
في تلك اللحظة قاطعَ تفكيرَه ميتشينجتون، الذي جاء على عجلٍ بوجه مذعور.
وهمس بمجرَّد أن أغلقَت مالكةُ منزل برايس البابَ عليهما قائلًا: «يا للعجب، يا للعجب!» ثم تابع: «هناك معلومة مهمة! لقد سمعت شيئًا … شيئًا لا أستطيع أن أُصدِّقه — لكنه حقيقي. لقد ذهبت لأُخبر عائلة كوليشو بما حدث. وأنا مصدومٌ من المعلومة — لكنها حقيقة — إنها كذلك!»
سأله برايس في حدَّة: «ما الذي كذلك؟» ثم أضاف: «ما هي المعلومة الحقيقية؟»
انحنى ميتشينجتون مقتربًا من الطاولة.
ثم قال: «لقد استُدعي دكتور رانسفورد إلى كوخ كوليشو في الساعة السادسة من صباح هذا اليوم!» ثم أردف: «يبدو أن زوجة كوليشو كانت في حالةٍ صحِّية سيئة مؤخرًا، وكان دكتور رانسفورد يُتابع حالتها من وقتٍ لآخر. وقد أُصيبت بنوعٍ من الأزمات المفاجئة هذا الصباحَ — في وقتٍ مبكر — فأرسَلوا لاستدعاء رانسفورد من أجلها. وقد ظلَّ هناك مدةً قصيرة — وقد سمعتُ بعض الأشياء الغريبة.»
سأله برايس في حدَّة: «أيُّ نوع من الأشياء الغريبة؟» ثم أردف: «لا تخَفْ من التحدُّث علانيةً، يا رجل! — ليس هناك مَن يُمكنه أن يسمعَك إلا أنا.»
تابع ميتشينجتون، الذي كان من الواضح أنه منزعجٌ للغاية: «حسنًا، الأشياء التي تبدو مثيرةً للرِّيبة، في ظاهرها.» ثم أردف: «كما ستُقرُّ عندما تسمعها. لقد حصلتُ على معلوماتي من الجارة في الكوخ المجاور، السيدة باتس. تقول السيدة باتس إنه عندما جاء رانسفورد — الذي استدعاه الابنُ الأكبر للسيدة باتس — إلى منزل كوليشو، كان كوليشو يُعِد غَداءه كي يأخذَه معه إلى عمله …»
قاطعه برايس: «عجبًا، ما الذي جعل السيدة باتس تُخبركَ بذلك؟»
أجاب ميتشينجتون: «أوه، حسنًا، في الحقيقة، لقد طرحتُ عليها بعض الأسئلة حول ما حدث عندما كان رانسفورد في المنزل.» وتابع: «إذ بمجردِ أن اكتشفتُ أنه كان هناك، كما تعلم، أردتُ بطبيعة الحال أن أعرفَ كلَّ ما يُمكنني معرفتُه من معلومات.»
سأله برايس: «حسنًا، وإلى ماذا توصَّلت؟»
تابع ميتشينجتون: «كان كوليشو، كما قلت، يُعِد غَداءه ليأخذَه معه إلى عمله.» ثم أضاف: «وكانت السيدة باتس مشغولةً بأمرٍ ما أو اثنَين في المنزل. وصعد رانسفورد إلى الطابق العلوي للكشف على زوجة كوليشو. وبعد مدةٍ نزل وقال إن عليه أن يبقى قليلًا. وصعد كوليشو للتحدُّث مع زوجته قبل أن يُغادر. وعندئذٍ طلب رانسفورد من السيدة باتس إحضار شيءٍ ما — نسيت ما هو — شيء صغير غير موجود لدى عائلة كوليشو، فذهبت إلى المنزل المجاور لجلبِه. ومن ثَم — هل تُدرك ما حدث؟ — لقد تُرك رانسفورد بمفرده مع زجاجة كوليشو المعدنية!»
نظر برايس، الذي كان يستمع باهتمام، إلى المفتش بثبات.
وقال: «أنت تشتبهُ في رانسفورد بالفعل!»
هز ميتشينجتون رأسه.
وأجاب، بنحو شبهِ متوسل: «كيف يبدو لك الأمر؟» ثم أردف: «لقد أوضحتُه لك الآن! — فكيف يبدو لك؟ ها هو هذا الرجل قد تسمَّم دون أدنى شكٍّ — وأنا متأكدٌ من ذلك. وكانت هناك تلك الشائعات؛ من العبث إنكارُ أنها تركزَت على رانسفورد. وهذا الصباح سنَحَت الفرصة لرانسفورد!»
قال برايس على نحوٍ شبهِ ساخر: «هذا يُشير إلى أن رانسفورد حملَ معه عن عمدٍ جرعةً من السُّم لوضعِها في زجاجة كوليشو المعدنية!» وأردف: «وهو احتمالٌ بعيد، كما تعلم، يا ميتشينجتون.»
بسَط ميتشينجتون يدَيه.
وقال: «حسنًا، هذا هو واقع الأمر!» ثم أردفَ: «مثلما أظن، لا يمكن إنكارُ المظهر المثير للشبهات فيه. وإذا كنت فقط متأكدًا من أن تلك الشائعات، حول ما ألمحَ إليه كوليشو من أنَّ لديه سرًّا يُخفيه بخصوص جريمة القتل، قد وصلت إلى أذنَيْ رانسفورد! — بالقطع، عندئذٍ …»
سأله برايس: «ما الذي وصَلتم إليه بخصوص عملية تشريح الجثة؟»
أجاب ميتشينجتون: «سيُجريها دكتور كوتس ودكتور إيفرست بعد ظُهر اليوم.» ثم أضاف: «لقد ذهب إليهما قاضي التحقيق في الوفَيَات على الفور، بمجرد أن أخبرته.»
قال برايس: «ربما سيتعيَّن عليهما استدعاءُ خبيرٍ من لندن.» ثم أردف: «ومع ذلك، لا يُمكنك فعلُ أيِّ شيء محدَّدٍ، كما تعلم، حتى تُعلَن النتيجة. لا تقل أيَّ شيء من هذا لأيِّ شخص. سآتي إلى مقرِّ عملك لاحقًا وأعرفُ منك ما إذا كان بإمكان كوتس بالفعل التوصلُ لأي شيء مؤكد.»
ومن ثَم انصرف ميتشينجتون، وقضى برايس بقيةَ وقتِ ما بعد الظهر في التساؤل، والتكهُّن، والتخطيط. إذا كان رانسفورد قد تخلَّص حقًّا من هذا الرجل الذي كان يعرف شيئًا — فبالقطع، إذن، كان رانسفورد هو مَن قتَلَ برادن.
وبعد ذلك ذهب إلى مركز الشرطة في الساعة الخامسة. فأخذه ميتشينجتون جانبًا.
وقال هامسًا: «كوتس يقول إنه ليس هناك شكٌّ في سبب الوفاة!» وتابع: «لقد تُوفِّي مسمومًا! باستخدام حمض الهيدروسيانيك!»