العرض المزدوج
ابتسم برايس، الذي كان يستمدُّ متعةً كبيرة وغريبة من مقابلته السرية مع المحقق العجوز، على ملاحظة هاركر الأخيرة.
وقال: «هذا أشبهُ بأمرٍ بديهي، أليس كذلك؟» وتابع: «بالطبع ستتكشَّف الأمور أكثرَ عندما نعرف أكثر!»
رد هاركر: «أنا أُولي اهتمامًا للبديهيات، يا سيدي.» وأضاف: «لا يُمكنك تَكْرار بديهيةٍ معروفة كثيرًا — فهي تحمل في طيَّاتها السِّمةَ المميزة للاستخدام الجيد. ولكن الآن، إلى أن نعرف المزيد — لا شك أنك كنتَ تُفكر كثيرًا في هذا الأمر، يا دكتور برايس — ألم يَلفِت انتباهَك أن هناك ملمحًا واحدًا له صلةٌ بزيارة بريك أو برادن إلى رايتشستر الذي لم يُعطِ أحدٌ أيَّ اهتمام خاص له حتى الآن — على حد علمنا، بأي حال من الأحوال؟»
سأل برايس: «ما هو؟»
أجاب هاركر: «الأمر هو ما يلي.» وتابع: «لماذا رغب في مقابلة الدوق ساكسونستيد؟ لقد أراد بالتأكيد مقابلتَه — وفي أسرع وقت ممكن. لعلك تتذكَّر أن سموه قد سُئل عن ذلك في جلسة التحقيق ولم يكن بإمكانه تقديمُ أي تفسير — لم يكن يعرف شيئًا عن بريك، ولم يستطِع اقتراح أي سبب يجعل بريك يرغب في مقابلته. لكنني أستطيع!»
صاح برايس: «أنت؟»
أجاب هاركر: «أجل أنا.» وأردف: «والسبب هو الآتي: لقد تحدَّثت للتوِّ عن ذلك الرجل جلاسديل. والآن أنت، بالطبع، ليس لديك أيُّ معرفة به، ولأنك لستَ على اطلاعٍ بعالم الإجرام، فأنت لا تعرف ما هي جريمته، أليس كذلك؟»
أجاب برايس: «أنت قلت التزوير؟»
قال هاركر موافقًا: «بالضبط؛ التزوير.» وأضاف: «وكان التوقيع الذي زوَّره هو توقيع الدوق ساكسونستيد! في الواقع، لقد كان وكيل الدوق العقاري في لندن. وقد أساء تقدير الأمور، بطريقةٍ ما، وزوَّر توقيع الدوق على شيك. والآن، بالنظر إلى مَن هو جلاسديل، وأنه بالتأكيد كان سجينًا مدانًا مع بريك، وأنني رأيته بنفسي هنا في رايتشستر في يوم وفاة بريك — فما هي النتيجة التي يمكن استخلاصها؟ أن بريك أراد أن يُقابل الدوق في شأنٍ خاصٍّ بجلاسديل! هذا لا شك فيه! وربما أراد هو وجلاسديل زيارة الدوق معًا.»
فكَّر برايس بصمتٍ في هذا الاقتراح برهةً.
ثم قال في النهاية: «لقد قلت، للتو، إنه يمكن تتبُّعُ جلاسديل، أليس كذلك؟»
أجاب هاركر: «يمكن تتبعه — بلى.» وأردف: «ما دام أنه داخل إنجلترا.»
قال برايس: «لماذا لا نبدأ في ذلك؟»
قال هاركر: «ليس بعد.» وتابع: «هناك أشياءُ يجب القيام بها قبل ذلك. وأول شيء هو أن علينا كشْفَ غموض تلك القصاصة من الورق. أنت تقول إنك وجدتَ مقبرة ريتشارد جينكينز، أليس كذلك؟ جيد جدًّا — فالشيء الذي يجب فعله إذن هو اكتشافُ ما إذا كان هناك شيءٌ مخفي هناك. حاول فعل ذلك في ليلة الغد. ومن الأفضل أن تذهب وحدك — بعد حلول الظلام. فإذا وجدت أيَّ شيء، أبلِغْني. وبعد ذلك — يُمكننا اتخاذ قرار بشأن الخطوة التالية. لكن في أقرب وقت، ستكون هناك جلسةُ تحقيق حول أسباب وفاة هذا الرجل الذي يُدعى كوليشو. وبخصوص ذلك — دعني أهمس لك بكلمة في أذنك! قُل أقلَّ قدر ممكن من الكلام — ففي واقع الأمر، أنت لا تعرف شيئًا بخلاف ما رأيته. ويجب ألا نلتقي ونتحدَّث علنًا — بعد أن تقوم بهذا الجزء من الاستكشاف في بارادايس ليلةَ الغد، تعالَ إلى هنا وسنتباحث في الأمر.»
كان هناك القليلُ مما يمكن أن يقوله برايس أو يُطلَب منه قولُه في جلسة التحقيق حول حادث وفاة عامل البناء المساعد في صباح اليوم التالي. كان الاهتمام العامُّ والانفعال بخصوص الموت الغامض لكوليشو مشابِهَين لنظيرَيهما فيما يتعلق بموت برادن؛ لأنه قد انتشرَت بالفعل شائعات في جميع أنحاء المدينة تقول إنه لو لم يَمُت برادن عندما جاء إلى رايتشستر، لظل كوليشو على قيد الحياة. ومن ثَم امتلأت قاعةُ المحكمة مرةً أخرى، وساد جوُّ الغموضِ نفسُه مرةً أخرى. لكن الإجراءات كانت ذات طبيعة مختلفة تمامًا عن تلك التي جرَت خلال جلسة التحقيق الخاصة بقضية برادن. حيث أوضح رئيسُ العمال الذي كان كوليشو يعمل تحت إمرته تفاصيلَ عمل الرجل الميت صباحَ يوم وفاته. فقد طُلب منه إزالة تراكم الأنقاض المتجمِّع أسفل الجدار الجنوبي للصحن نتيجةً لبعض الإصلاحات الأخيرة في البناء — وكان أمامَه يومٌ كامل من العمل. حيث كان سيدخل إلى بارادايس ويخرج منها طوالَ اليوم مع عربة اليد، وينقل بها الأنقاضَ التي يجمعها بعيدًا. وقد فتَّش عنه رئيسُ العمال مرةً أو مرتين؛ حيث رآه قبل الظهر بقليل، وبدا أنه في حالته الصحية المعتادة — ولم يتقدَّم بأيِّ شكوى، على الإطلاق. وعندما سُئل عما إذا كان قد لاحظ المكان الذي وضع فيه كوليشو سلةَ غدائه وقارورته المعدنية أثناء عمله، أجاب بأنه قد لاحظ ذلك مصادفةً — وتذكَّر رؤيةَ كلٍّ من القارورة والسلة وسُترة الرجل موضوعة على إحدى المقابر المبنيَّة فوق الأرض تحت شجرة صنوبر معيَّنة، يمكن أن يُرشد إليها، إذا لزم الأمر.
لم يكن وصفُ برايس لعثوره على كوليشو أكثرَ من سردٍ للوقائع. ولم يُقضَ الكثير من الوقت في استجواب الطبيبَين اللذين أجرَيا تشريح الجثة. حيث أشارت شهادتهما، المقتضَبة والمحددة، فقط إلى سبب الوفاة. لقد سُمِّم الرجلُ بجرعةٍ من حمض الهيدروسيانيك، التي، في رأيهما، أُخِذت قبل دقائق قليلة فقط من عُثور دكتور برايس على جثته. وقد كانت على الأرجح جرعة من شأنها أن تُسبب الموت الفوري. لم تكن هناك آثارٌ للسُّم في بقايا غدائه، ولا في السائل الموجود في القارورة المعدنية، وهو الشاي القديم. لكن سبب موته المفاجئ هو بلا شكٍّ تأثير السم. وقد كان رانسفورد في القاعة منذ بداية الإجراءات، وبعد أن قُدمت الشهادة الطبية، استُدعي. وأدرك برايس، الذي كان يُراقبه عن كثب، أنه يُعاني انفعالًا مكبوتًا — وأن هذا الانفعال كان بسبب الغضب بقدرِ ما هو بسبب أيِّ شيء آخر. كان وجهه صارمًا ومتجهمًا، ونظر إلى قاضي التحقيق بتعبيرٍ يُنذر بشيء غير واضح تمامًا في تلك اللحظة. فقال برايس لنفسه، وهو يُحاول تحليله، إنه لا ينبغي أن يُفاجَأ إذا تبِع ذلك مشهدٌ ما — بدا رانسفورد وكأنه رجل يتلهَّف بشدةٍ لقول شيءٍ بطريقةٍ لا لَبْس فيها. لكنه في البداية أجاب عن الأسئلة المطروحة عليه بهدوءٍ وحزم.
قال قاضي التحقيق: «عندما فُتِّشَت ملابسُ هذا الرجل، عُثر على علبة دواء، يا دكتور رانسفورد، يظهر عليها خط يدك. هل كنت تُتابعه — صحيًّا؟»
أجاب رانسفورد: «أجل.» وأردف: «كوليشو وزوجته. أو على وجه الدقة، والتحديد، كنت أُعالج الزوجة، على مدار بضعة أسابيع. وقبل يومٍ أو يومَين من وفاته، اشتكى لي كوليشو من أنه يُعاني عسرَ الهضم، بعد تناوُل وجباتِه. فأعطيتُه بعض حبوب الهضم — الحبوب التي تتحدَّث عنها، بلا شك.»
سأله القاضي، وهو يُخرِج العلبة التي وجدها ميتشينجتون: «هذه؟»
قال رانسفورد موافقًا: «بالضبط!» وأردف: «هذه، على أي حال، هي العلبة، وأفترض أن هذه هي الحبوب.»
سأله القاضي: «هل حضَّرتها بنفسك؟»
«أجل — فأنا أحضِّر كلَّ الأدوية الخاصة بي.»
«هل من الممكن أن يُدخل السمُّ الذي تحدَّثنا عنه الآن، في إحدى تلك الحبوب — عن طريق الخطأ؟»
أجاب رانسفورد: «مستحيل تمامًا! — لا يمكن أن يحدث هذا خلال عملي، بأي حال من الأحوال.»
قال القاضي: «ومع ذلك، أفترض أنه من الممكن أن يُوضع في حبة دواء، أليس كذلك؟»
وافق رانسفورد على ذلك قائلًا: «من الممكن.» ثم أضاف، مع نظرةٍ فاحصة على الطبيبَين اللذَين قدَّما شهادتهما للتو: «لكن …» وتابع: «لم يُوضع السمُّ هكذا في هذه القضية، مثلما يعلم الشاهدان السابقان جيدًا!»
نظر القاضي حوله وانتظر لحظة.
ثم قال في النهاية: «لديك الحرية كي تشرحَ — تلك الملاحظة الأخيرة.» وأردف: «هذا إذا كنت ترغب في فعل ذلك.» أجاب رانسفورد بلطفٍ: «بالتأكيد!» وأضاف: «إن هذه الحبوب، كما ستُلاحظ، مغلَّفة، ويبتلعها المريض كاملة — مباشرة بعد طعامه. والآن، سوف يستغرقُ الأمر بعض الوقت حتى تذوب الحبة، وتتفكَّك، وتُهضم. وإذا كان كوليشو قد تناول إحدى حباتي بعد تناوله للغداء مباشرة، وفقًا للتعليمات، وإذا كان هناك سمٌّ في تلك الحبة، فما كان سيموت في الحال — مثلما حدث بالفعل. سيتأخر الموت بلا شكٍّ بعض الوقت حتى تذوب الحبة. ولكن، وفقًا للشهادتَين اللتين أُدليَتا للتو، فقد مات فجأةً أثناء تناول غدائه — أو بعده مباشرة. أنا لستُ ممثلًا بنحوٍ قانوني هنا — ولا أعتبر ذلك ضروريًّا على الإطلاق — لكنني أطلب منك استدعاءَ دكتور كوتس وطرح هذا السؤال عليه: هل وجد إحدى تلك الحبوب المهضمة في معدة هذا الرجل؟»
التفتَ القاضي، بترددٍ إلى حدٍّ ما، إلى الطبيبين اللذين أجرَيا عملية التشريح. لكن قبل أن يتمكَّن من الكلام، نهض رئيسُ الشرطة وبدأ في الهمس له، وبعد محادثةٍ بينهما، نظر حوله إلى هيئة المحلَّفين، التي من الواضح أن كلَّ عضو فيها قد اندهش كثيرًا من اقتراح رانسفورد.
وقال: «في هذه المرحلة، سيُصبح من الضروريِّ تأجيلُ الجلسة. وسأقوم بتأجيلها لمدةِ أسبوع، أيها السادة. أنتم سوف …» فقدَ رانسفورد، الذي كان لا يزال واقفًا في منصة الشهود، السيطرةَ على نفسه فجأةً. وأطلق صيحةَ تعجبٍ حادةً وضرب الحافةَ أمامه بقوة بيده المفرودة.
وقال بصرامة: «أنا أحتجُّ على ذلك!» وأضاف: «بالتأكيد، أنا أحتج! لقد تحدَّثتَ في البداية عن أمرٍ يُثير الشبهات ضدي — ثم عندما طالبت بطرح سؤالٍ له أهمية كبيرة لدرءِ تلك الشبهات، رُفعت الجلسة — حتى لو كان ذلك في الوقت الحاليِّ فقط. هذا تصرفٌ غير منصِف وغير عادل للغاية!»
قال القاضي: «أنت مخطئ.» وأردف: «في جلسة التحقيق القادمة، يمكن استدعاءُ الطبيبَين، وستُتاح لك الفرصة — أو لمحاميك — لطرح أيِّ أسئلة تريدها في الوقت الحاضر …»
قاطعه رانسفورد بحدَّة: «في الوقت الحاضر أنت أثَرت الشبهات ضدي!» وتابع: «أنت تعرف ذلك — أقول هذا مع الاحترام الواجب لمنصبك — مثلما أعرفه أنا كذلك. إن الشك منتشرٌ ضدي في المدينة. كما تنتشر الشائعاتُ — سرًّا — وهناك شكوكٌ ضدي، أنا متأكد من ذلك — من جانب الشرطة، التي من المفترض أنها تعرف الأمورَ بشكلٍ أفضل. وأنا لن أصمتَ يا سيادة القاضي وسأغتنم هذه الفرصة العلَنية، وأنا تحت القسَم، لأقول إنني لا أعرف شيئًا على الإطلاق عن أسباب وفاة كوليشو أو برادن!»
قال المُحقق بهدوء: «تقرَّر تأجيل جلسة التحقيق إلى مثل هذا اليوم من الأسبوع القادم.»
تنحَّى رانسفورد فجأةً من منصة الشهود ودون أن ينبس ببنتِ شَفة أو يُلقيَ نظرةً على أي شخص هناك، سار بوجه صارم ونظرة حازمة إلى خارج القاعة، وتجمَّع الحضور المتحمِّسون في مجموعات، وبدَءوا على الفور في مناقشةِ غضبِه الشديد والانحياز إلى جانبه أو ضده.
وقد غادر برايس، الذي قرَّر أنه من المستحسن الابتعادُ عن ميتشينجتون في هذا الوقت، ولأسبابٍ مماثلة، عن هاركر أيضًا، المبنى المزدحِم بمفرده — لينضمَّ إليه في الشارع خارج المبنى ساكفيل بونهام، الذي رآه في المحكمة، بصحبة زوج والدته، السيد فوليوت.
لاحظ برايس أن فوليوت قد توقَّف في الخلف، وتبادل بعض الكلمات مع القاضي. وجاء ساكفيل إلى برايس وصافحه على نحوٍ واثق. لقد كان واحدًا من هؤلاء الشباب الذين اعتادوا الإيحاء بأن معرفتهم كبيرةٌ وفريدة، وانتظر برايس ما سيقوله.
قال ساكفيل بثقة: «تصرفٌ غريب، كل ذلك، يا برايس!» وأضاف: «بالطبع، إن رانسفورد مغفلٌ للغاية!»
قال برايس، مع تغيُّر في الصوت يشير إلى أن رأي ساكفيل في أي شيء كان ذا قيمة مثل رأي المدَّعي العام: «هل تعتقد ذلك؟» وأردف: «أهكذا ترى الأمر؟»
أجاب ساكفيل بتعالٍ وغطرسة: «من المستحيل أن يراه أحدٌ بأي طريقة أخرى، بالتأكيد.» وتابع: «كان ينبغي على رانسفورد أن يتخذَ خطواتٍ فوريةً ليُبرئ نفسه من أي شبهات. إنه لأمرٌ سخيف — بالنظر إلى مسئوليته كوصيٍّ على الآنسة بيوري — أن يسمح لمثل هذه الشائعات بالانتشار. أقسم بالله، يا سيدي، إنني لو كنت مكانه، لكنت قد أوقفتها — قبل أن تستفحلَ وتنتشر هكذا!»
قال برايس: «آه؟» وأردف: «ولكن كيف ذلك؟»
أجاب ساكفيل مع التأكيد: «أصنع عبرةً من شخصٍ ما.» وتابع: «أعتقد أن هناك قانونًا في هذا البلد، أليس كذلك؟ — قانونًا ضد القذف والتشهير، وهذا النوع من التجاوزات، أليس كذلك؟ أجل، بالتأكيد!»
قال برايس: «لم يكن هناك الكثيرُ من الوقت لذلك — حتى الآن.»
رد ساكفيل بسرعة، وهو يُؤرجح عصاه بقوة: «بل كان هناك الكثيرُ من الوقت.» وأضاف: «كلا، يا سيدي، رانسفورد مغفَّل! ومع ذلك، إذا لم يفعل الإنسان أمورَه بنفسه، حسنًا، فيجب على أصدقائه أن يفعَلوا شيئًا من أجله. إن رانسفورد، بالطبع، يجب أن يُسحب — يُشَد! — من هذه الحفرة الجهنمية. بالطبع هو مشتبَهٌ به! لكن زوج أمي سيُقدم له يدَ العون. وزوج أمي، يا برايس، لاعبٌ عجوز ماكر في مثل هذا النوع من الألعاب!»
قال برايس: «لا أحد يشكُّ في قدرات السيد فوليوت، أنا متأكد من ذلك.» وتابع: «لكن — أنت لا تُمانع في أن تقول — كيف سيقدِّم له يدَ العون، أليس كذلك؟»
رد ساكفيل على الفور: «يُحرِّك الأمور نحو كشف الغموض.» وأضاف: «يجعل الأمر برُمَّته يُفحص — يُتحرى فيه بالكامل. هناك أمورٌ لم يُتطرَّق إليها بعد. سترى، يا بني!»
قال برايس: «أنا سعيدٌ لسماع ذلك.» وتابع: «لكن لماذا يهتمُّ السيد فوليوت هكذا بشأن تبرئة ساحة رانسفورد؟»
أرجح ساكفيل عصاه، ورفع ياقته، ورفع أنفه قليلًا.
وقال: «أوه، حسنًا.» وتابع: «بالطبع، إنه … إنه أمرٌ واضح للغاية، ألا تعلم ما بيني وبين الآنسة بيوري — وأنه بالطبع، لا يمكن أن يكون لدينا أيُّ شبهات تمسُّ وصيَّها؟ إنها مصلحة العائلة — زوجة قيصر، وكل هذا النوع من الأشياء — ألا تعي ذلك؟»
أجاب برايس بهدوء: «فهمت … نوعٌ من الترتيب العائلي. سيتم هذا بموافقة ومعرفة رانسفورد، بالطبع، أليس كذلك؟»
قال ساكفيل بتعالٍ: «لن يُؤخَذ حتى رأي رانسفورد.» ثم أضاف: «إن زوج أمي — إنه رجلٌ ثاقب الفكر، كما تعرف، يا برايس — سيفعل الأشياءَ بطريقته الخاصة. لذا ترقَّبِ اكتشافاتٍ مفاجئةً!»
أجاب برايس: «سأفعل.» وأضاف: «إلى اللقاء!»
ومن ثم عاد إلى شقتِه، متسائلًا عن مقدار الحقيقة في ملاحظات ساكفيل السخيفة. فهل ما زال هناك بعض الأمور الغامضة التي لم يُفكر فيها هو وهاركر؟ قد تكون هناك — كان لا يزال تحت تأثير تأكيدِ رانسفورد الساخط والدراميِّ لبراءته. هل كان رانسفورد سيسمح لنفسه بانفعالٍ من هذا النوع لو لم يكن، كما قال، جاهلًا تمامًا بالسبب المباشر لوفاة برادن؟ إن برايس، طوال الوقت، كان يبني نظريته، لأغراضه الخاصة، على مشاركة رانسفورد، الكاملة أو الجزئية، في تلك الوفاة — فإذا كان رانسفورد لا يعرف شيئًا عن ذلك حقًّا، فإلى أين ستؤدي نظرية برايس هذه — وماذا ستكون نتيجةُ مخطَّطاته الحاليَّة؟ وبالإضافة إلى ذلك، إذا كان تأكيد رانسفورد صحيحًا، وإذا كانت قصة فارنر عن اليد، التي شُوهدت للحظةٍ في المدخل، صحيحة أيضًا — وكان فارنر مُصرًّا عليها — إذن، مَن هو الرجل الذي دفع برادن لِيَلقى حتفه في ذلك الصباح؟ لقد أدرك أنَّ الأمور، بدلًا من أن تتكشَّف له، أصبحَت أكثرَ تعقيدًا.
لكنه أدرك شيئًا آخر. ظاهريًّا، كانت هناك حالةُ اشتباهٍ قويةٌ في رانسفورد. ولقد أعلن عنها هذا الصباحَ أمام قاضي التحقيق وهيئة المحلَّفين الخاصة به؛ وسوف تتزايد، وقد تعمَّق الشعور بالرِّيبة والاشتباه تجاه رانسفورد بالفعل لدى الشرطة. ألن يدفع ذلك برايس لتشجيع تلك الحالة، وتنميَتِها؟ لقد كان يحمل ضغينةً ضدَّ رانسفورد، كما كانت لديه مُخططاتُه بخصوص ماري بيوري. على أي حال، هو لن يُشارك في أي محاولات لتبرئة ساحة الرجل الذي طرَده من منزله بوقاحة — سوف ينتظر المزيد من التطورات. وفي غضون ذلك، كانت هناك أشياءُ أخرى يجب القيام بها — أحدها في هذه الليلة تحديدًا.
ولكن قبل أن ينخرطَ برايس في مهمته السرية المتمثِّلة في حفر جزء صغير من بارادايس خلف مقبرة ريتشارد جينكينز، حدث تطورٌ غريب آخر. إذ عندما حلَّ الظلام على المدينة العتيقة في تلك الليلة وبينما هو يُفكر في الانطلاق للقيام بمهمته، جاء إليه ميتشينجتون، وهو يحمل ورقتَين في يده، من الواضح أن حبر طباعتهما لم يجفَّ بعد. ونظر إلى برايس بتعبيرٍ يدل على الدهشة.
وقال: «هذا أمرٌ غريب!» وتابع: «ولا يُمكنني تفسيره على الإطلاق! انظر إلى هذَين المنشورين الكبيرين — لكن ربما تكون قد رأيتهما بالفعل، أليس كذلك؟ إنهما يُوزَّعان باليد في جميع أنحاء المدينة — لقد أُدخلت مجموعةٌ منهما إلى مكتبنا.»
قال برايس: «لم أخرج منذ وقت الغداء.» وأضاف: «ما هاتان الورقتان؟»
فرد ميتشينجتون الورقتين على الطاولة، وأخذ يُشير من واحدة إلى أخرى.
وقال: «هل ترى؟» وأردف: «مكافأة خَمسمائة جنيه! مكافأة ألف جنيه! وكلتاهما معلَنٌ عنهما في الوقت نفسِه، لكن من مصدرَين مختلفين!»
سأله برايس، وهو ينظر إلى المنشورَين: «ما هما المصدران؟» وأضاف: «آه — لقد فهمت. أحدها موقع من فيبس وماينارد، والآخر من بيتشكروفت. إنه أمر غريب، بالتأكيد!»
صاح ميتشينجتون متعجبًا: «أمر غريب؟» وأردف: «ينبغي أن أظن ذلك! لكن انظر معي يا دكتور في البداية إلى هذا المنشور المكتوب به إنَّ هناك مكافأةً قدرها خَمسُمائة جنيه مقدَّمة للحصول على معلوماتٍ من أيِّ نوع ذات صلةٍ بوفاة جون برادن وجيمس كوليشو، سواءٌ أحدهما أو كلاهما. سيدفع فيبس وماينارد هذا المبلغ للحصول على معلوماتٍ مُرضية. وفيبس وماينارد هما محاميا برانسفورد! إن هذا المنشور، يا سيدي، صادرٌ عنه! لننتقل الآنَ إلى المنشور الآخَر، ذي المكافأة التي قدْرها ألف جنيه، التي ستُقدَّم لأي شخص يمكنه تقديمُ معلومات محدَّدة عن ملابسات وفاة جون برادن — والتي سيدفعها السيد بيتشكروفت. وهو محامي السيد فوليوت! إذن، هذا صادرٌ عن السيد فوليوت. ما علاقته بالأمر؟ وهل هذان الشخصان شريكان في الأمر، أم إن هذَين المنشورَين منفصلان تمامًا كلٌّ منهما عن الآخر؟ أنا غير قادر على فهم ذلك!»
قرأ برايس وأعاد قراءة محتويات المنشورَين. ثم فكَّر بعضَ الوقت قبل أن يتكلم.
ثم قال في النهاية: «حسنًا، هذا هو السبب بلا شك؛ إن عائلة فوليوت أناسٌ أثرياءُ جدًّا. والسيدة فوليوت، وهي شخصية معروفة للغاية، تريد أن يتزوجَ ابنُها الآنسةَ بيوري — ربيبة الطبيب رانسفورد. وهي لا ترغب على الأرجح في أن يشوبَ العائلةَ أيُّ شائبة. هذا كلُّ ما يُمكنني اقتراحه. وفي الحالة الأخرى، يريد رانسفورد تبرئةَ نفسِه. لا تنسَ، يا ميتشينجتون أنه في مكانٍ ما، قد يعرف شخصٌ ما شيئًا ما! فقط شيئًا ما. لكن هذا الشيء قد يُبرئ سُمعة رانسفورد من الشبهات التي تحوم حوله بلا شك. إذا كنتَ تُفكر في الحصول على حُجة قوية ضد رانسفورد، فلديك مجموعةُ عملِك. لقد وجَّه لنظريتك ضربةً قوية هذا الصباحَ بكلماته القليلة حول تلك الحبَّة. هل عثر كوتس وإيفرست على إحدى هذه الحبات في معدة القتيل؟»
أجاب ميتشينجتون: «ليس لديَّ أوامرُ للتصريح بذلك، يا سيدي.» وأضاف: «في الوقت الحاضر، على أيِّ حال. إم! أنا لا أحب مثل هذه العروضِ الخاصة بالمكافآت — فهذا يعني أن أولئك الذين يُقدمونها سيحصلون على المعلومات التي ستُحجب عنا، كما ترى! إنها غيرُ ملائمة.»
ثم غادر، أما برايس، الذي انتظر قليلًا، حتى حلَّ الليل، فقد تسلَّل خارج المنزل بهدوء وانطلق إلى فِناء بارادايس المظلم.