اكتساب عدو
كان من عادة بيمبرتون برايس أنه حين كان يدخل إلى غرفةٍ كان يسير كما لو كان مَن بداخلها نائمًا ويخشى إيقاظَه. وكانت خطوته خفيفةً ورقيقة لكن ليست متخفِّية، وحركاته هادئة يمكن أن توصِلَه فجأةً إلى جانبِ أيِّ شخص قبل أن يلحظَ وجوده. ومن ثَم كان يقف بجانب مكتب رانسفورد قبل أن يُدرك رانسفورد أنه دخل إلى العيادة، وقد أثار إدراكُ رانسفورد المفاجئ لوجوده شعورًا معينًا من الانزعاج في ذهنه، لكنه سعى على الفور إلى كبحِه؛ فلم يكن من المفيد أن تتجادل مع رجلٍ أنت على وشك فصله من العمل، هكذا قال لنفسه. ولذا، بعد الردِّ على تحية مساعدِه — وهي تحيةٌ هادئة مثل دخوله — واصلَ قراءة رسائله، بينما اتجهَ برايس نحو ذلك الجزءِ من العيادة الذي يحتفظُ فيه بالعقاقير، وشغَل نفسه في تحضير بعض الوصفات الطبية. وهكذا مرَّت عشرُ دقائق في صمت، وبعدها دفع رانسفورد رسائله جانبًا، ووضع عليها ثُقلًا من الورق، وأدار كرسيَّه، ونظر إلى الرجل الذي كان سيقول له بعض الأشياء غيرِ السارة. في داخله كان يُفكر في سؤال؛ كيف سيتقبَّل برايس الأمر؟
لم يُحب رانسفورد قط مساعدَه هذا، على الرغم من أنه يعمل معه منذ عامين تقريبًا. كان هناك شيءٌ في شخصية بيمبرتون برايس لم يفهمه ولم يستطِع تفسيرَه. لقد جاء إليه بشهادات ممتازة وتوصياتٍ جيدة، وكان جيدًا في عمله، وناجحًا مع المرضى، ومتمكنًا للغاية كطبيبٍ ممارس عامٍّ — لم يكن هناك أيُّ خطأ يمكن العثور عليه في عمله لأي أسباب مهنية. لكن بالنسبة إلى رانسفورد كانت شخصيته هي محل الاعتراض؛ لماذا، هو لم يكن متأكدًا تمامًا. من حيث المظهرُ الخارجي، كان برايس أكثرَ من مقبول؛ فهو رجل طويل بهيُّ الطلَّة يبلغ من العمر ثمانيةً وعشرين أو ثلاثين عامًا، وبالقطع بعض الناس — وخاصة النساء — يعتبرونه وسيمًا؛ وكان من ذلك النوع من الشباب الذي يعرف قيمة الملابس الجيدة والمظهر الأنيق، كما أن أسلوبه المهنيَّ هو كلُّ ما يمكن أن يتمنَّاه أيُّ أحد. لكن رانسفورد لم يستطِع أن يفصل بين برايس الطبيب وبرايس الإنسان — وبرايس الإنسان هو الذي لم يُعجبه. فبعيدًا عن الجانب المِهني منه، بدا له برايس غامضًا وخبيثًا وماكرًا بلا شك — وهو يُعطي انطباعًا بأنه أحدُ هؤلاء الرجال الذين تسترِقُ آذانُهم السمعَ دائمًا، والذين يأخذون كلَّ شيء ويُعطون القليل. كانت هناك هالةٌ غريبة من الحذر والسرِّية حوله في الأمور الخاصة، التي كانت منفِّرةً بالنسبة إلى رانسفورد كما يصعب تفسيرها. على أي حال، في الأمور الخاصة، لم يُعجبه مساعدُه، وهو لا يعجبه الآن أكثرَ من أي وقتٍ مضى، بينما ينظر إليه في هذه اللحظة بالذات.
قال له باقتضاب: «أريد التحدُّثَ معك في أمر.» وتابع: «ومن الأفضلِ أن نُنهيَه الآن.»
نظر إليه برايس، الذي كان يسكب ببطءٍ أحدَ السوائل من زجاجة إلى أخرى، بهدوءٍ عبر الغرفة ولم يُقاطع عملَه. عرَف رانسفورد أنه قد أدرك معنًى معينًا في الكلمات الموجَّهة إليه للتو — لكنه لم يُظهر أيَّ إشارة خارجيةٍ على ذلك، واستمر السائل في التدفُّق من الزجاجة إلى الزجاجة الأخرى بنفس الثبات.
قال برايس مستفسرًا: «ما الأمر؟» ثم أردف: «لحظةً واحدة.»
أنهى مهمته بهدوء، ووضع الغِطاء على الزجاجتَين، ووضع ملصقًا على إحداهما، وأعاد الأخرى إلى الرف، واستدار. إنه رجل ليس من السهل أن يُصاب بالفزع، كما أنه ليس من السهل أن يُحوِّل انتباهَه عن هدفه، هذا ما اعتقده رانسفورد وهو يُلقي نظرةً خاطفة على عينَي برايس، اللتَين كانت لهما عادةُ التركيز على الناس بإصرارٍ غريب ومربك.
بدأ رانسفورد حديثَه قائلًا: «يُؤسفني أن أقول ما يجب عليَّ أن أقولَه.» وتابع: «لكنك جلَبتَه على نفسك. لقد لمَّحتُ لك في وقتٍ سابق بأن اهتمامك بالآنسة بيوري غيرُ مرحَّب به.»
لم يَصدر عن برايس أيُّ ردٍّ فوري. وبدلًا من ذلك، كان يميل بلا مبالاةٍ ودون اهتمام على الطاولة التي كان يعمل عليها باستخدام العقاقير والزجاجات، ثم أخذ مِبردًا صغيرًا من جيب الصدرية الخاصة به، وبدأ في تشذيب أظفارِه المقصوصة بعناية.
وقال بعد فترة صمت: «ماذا؟» وتابع: «ماذا إذن؟»
تابع رانسفورد: «على الرغم من ذلك، فقد خاطبتَها مرةً أخرى في هذا الأمر — ليس مرةً واحدة فقط، بل مرتين.»
وضع برايس مِبْردَه بعيدًا، ودفع يدَيه في جيبَيه، وعقَد قدمَيه وهو يميل إلى الخلف على الطاولة، وكان تصرُّفه كلُّه يوحي، سواءٌ كان ذلك عن قصد أو لا، أنه مطمئنٌّ وواثق للغاية.
وقال: «هناك الكثير مما يُمكن قوله حول نقطةٍ مثل هذه.» ثم أردف: «إذا رغب رجلٌ في أن تُصبح فتاةٌ معينة زوجتَه، فهل من حق أيِّ رجل آخر — أو الفتاة نفسها — في هذا الصدد أن يقول إنه لا يجب أن يُعبِّر لها عن رغبته؟»
قال رانسفورد: «لا ليس من حقه، شريطةَ أن يفعل ذلك مرةً واحدة فقط — ويأخذ الرد الذي حصل عليه على أنه نهائي.»
رد برايس بحدَّة: «أنا أختلف معك تمامًا.» وتابع: «في الجزء الأخير، على أيِّ حال. فالرجل الذي يَعتبر أيَّ كلمة للمرأة نهائيةً أحمقُ. إن ما تعتقد امرأةٌ أنها متأكدة منه تمامًا في يوم الإثنين ستعتقد العكسَ في يوم الثلاثاء. إن التاريخ الكامل للعلاقات الإنسانية يدعمني في هذا الأمر. إنه ليس رأيًا — إنه حقيقة.»
حدَّق رانسفورد مشدوهًا عند ذِكر هذه الملاحظة الصريحة، بينما تابع برايس، بهدوءٍ وتروٍّ كما لو كان يُناقش مشكلةً طبية.
وقال: «الرجل الذي يأخذ ردَّ المرأة الأولَ على أنه نهائي، هو، أُكرِّر، أحمق. إذ إن هناك العديدَ من الأسباب التي تجعل المرأة لا تستطيع تحديد رأيها بدقَّة في أول مرة تسألها إن كانت تريد أن تتزوَّجك. قد تكون متفاجئةً للغاية. وقد تكون غيرَ مستقرة على رأيٍ بعد. وقد تقول شيئًا بينما هي تَعني بالفعل شيئًا آخر. إن هذا يحدُثُ في العديد من الحالات. وهي لن تُصبحَ مستعدَّة بنحوٍ أفضل عند سؤالها في المرةِ الثانية. وهناك نساء — شابَّات — غيرُ واثقات من رأيهن في المرة الثالثة. كل هذه من الأمور المعروفة.»
وفجأةً صاح رانسفورد، بعد أن ظلَّ صامتًا للحظة في ظل هذا التدفُّق الفلسفي: «سأخبرك أنا بالقول الفصل!» وتابع: «أنا لن أناقش النظرياتِ والأفكار. أنا أعرفُ امرأةً شابةً واثقة من قرارها، على أيِّ حال. فالآنسة بيوري لا تشعر بأيِّ ميل تجاهَك — الآن، ولن تفعل في المستقبل! لقد أخبرَتك بذلك ثلاثَ مرات. ويجب أن تتقبل ردَّها وتتصرفَ وَفقًا له!»
ألقى برايس على صاحب عمله نظرةً فاحصة.
ثم سأله: «كيف تعرف الآنسة بيوري أنها قد لا تميل إليَّ — في المستقبل؟» ثم أضاف: «فقد تُغيِّر رأيها وتستحسنُ الارتباط بي.»
قال رانسفورد بحسم: «كلا، هي لن تفعل!» وتابع: «مِن الأفضل أن تسمع الحقيقة، وتنتهيَ من هذا الأمر. إنها لا تُحبك — ولا تريد ذلك أيضًا. لماذا لا تتقبَّل رفضها لك كرجل؟»
سأله برايس: «ما مفهومك عن الرجل؟»
صاح رانسفورد متعجبًا: «هذا هو مفهومي! وهو مفهومٌ جيد.»
قال برايس: «قد يُرضيك هذا المفهوم، لكنه لا يُرضيني أنا.» ثم أردف: «إن المفهوم الخاصَّ بي مختلف. إن مفهومي عن الرجل أنه كائن لديه بعضُ المثابرة. إذ يُمكنك الحصولُ على أي شيءٍ في هذا العالم — أي شيء! — بمواصلة السعي نحوَه.»
قال رانسفورد فجأةً: «لن تحصلَ على ربيبتي.» وتابع: «إن الأمر واضح! إنها لا تُريدك، وقد قالت ذلك ثلاثَ مرات حتى الآن. وأنا أُؤيدها في ذلك.»
سأله برايس بهدوء: «ماذا لديك ضدِّي؟» ثم أضاف: «إذا كنت، كما تقول، تُؤيدها في قرارها بعدم الاستجابة لمحاولاتي الزواجَ منها، فيجب أن يكون لديك شيءٌ ضدي. إذن ما هو؟»
أجاب رانسفورد: «هذا سؤالٌ لا يحق لك طرحُه؛ لأنه غير ضروري على الإطلاق. لذلك لن أُجيب عنه. ليس لديَّ أيُّ شيء ضدك فيما له صلةٌ بعملك — لا شيء! أنا على استعداد أن أُقدِّم شهادةَ خبرة ممتازةً عن عملك.»
قال برايس بهدوء: «أوه!» ثم أردف: «هل هذا يعني أنك تُريدني أن أترك وظيفتي؟»
قال رانسفورد: «أعتقد بالتأكيد أن هذا سيكون أفضل.»
تابع برايس، ببرودٍ أكثر من أيِّ وقتٍ مضى: «في هذه الحالة، أريد بالتأكيد معرفةَ ما لديك ضدي — أو ما لدى الآنسة بيوري ضدي. لماذا رُفضتُ كخاطب؟ أنت، على أي حال، تعرف مَن أنا — أنت تعلم أن والدي يعمل بمهنتنا، وأنه رجل يتمتع بسمعة طيبة ومكانة عالية، وأنني عملت في عيادتك بناءً على تزكيةٍ عالية. من وجهة نظري، أنا شابٌّ مناسب تمامًا. وهناك نقطة أنت تنساها وهي أنه ليس هناك أيُّ غموض حولي.»
استدار رانسفورد بحدةٍ في كرسيِّه عندما لاحظَ التركيز الذي وضعه برايس على كلمته الأخيرة.
وسأله: «ماذا تقصدُ بذلك؟»
أجاب برايس: «ما قلته للتو.» ثم أضاف: «ليس هناك أيُّ غموضٍ حولي. يمكن الردُّ على أي سؤال عني. لكنك لا يمكنك قولُ ذلك بخصوص ربيبتك. هذه حقيقة، يا دكتور رانسفورد.»
كان رانسفورد، منذ سنواتٍ مضت، قد درَّب نفسه على فنِّ التحكم في انفعاله — الذي هو بطبيعة الحال سريعٌ نوعًا ما. وقد بذل جهدًا جهيدًا في هذا الاتجاه الآن، بعد أن أدركَ أن هناك شيئًا ما وراءَ ملاحظةِ مساعدِه الأخيرة، وأن برايس كان يَعنيه هو بكلامه.
ومِن ثم أجاب: «سأُكرر ما قلته للتو.» وتابع: «ماذا تقصد بذلك؟»
قال برايس: «أنا أسمع أشياءَ.» وأردف: «الناس يتحدَّثون — حتى الطبيب لا يُمكنه رفض سماع ما يقوله المرضى الثرثارون والنمَّامون. فمنذ أن أتت إليك من المدرسة، قبل عام، والناسُ في رايتشستر مهتمُّون جدًّا بالآنسة بيوري، وشقيقها أيضًا. وهناك العديد من سكان كلوس — وأنت تعرف طرُقَهم اللطيفة والفضولية! الذين يُريدون أن يعرفوا حقيقة هذين الأخَوَين وما علاقتك بهما!»
زمجر رانسفورد قائلًا: «تبًّا لوقاحتهم!»
رد برايس موافقًا: «بكل تأكيد.» وتابع: «وأنا لا يُهِمني أمرهم؛ دعهم يُلعَنون. ولكنك إذا تخيَّلت أن صفوةَ مدينة الكاتدرائية، التي تتكوَّن أساسًا من أرامل العمداء والكهنة والقساوسة المتوفَّين، وما شابههم، ومن العمات العازبات، والعانسات العجائز، ومنسقات حفلات الشاي، لا يُمارسن النميمة، فبالقطع، أنت شخص ساذَجٌ على نحوٍ كبير!»
قال رانسفورد: «من الأفضل ألَّا يَشرَعن في النميمة حول شئوني الخاصة.» وتابع: «وإلا …»
قاطعه برايس مبتهجًا: «لا يُمكنك منعُهن من النميمة حول شئونك.» وأضاف: «بالطبع هن يَنْممنَ حول شئونك؛ وسبق أن نمَمْن حولها؛ وسوف يستمرِرْنَ في النميمة حولها. إنها طبيعةُ البشر!»
سأله رانسفورد، الذي كان منزعجًا للغاية لدرجةِ أنه لم يستطِع كبحَ فضوله: «هل سمعتَهن؟» وأردف: «أنت بنفسك؟»
أجاب برايس: «كما تعلم، كثيرًا ما أُدعى لتناول الشاي وإلى الحفلات التي تُقام في حدائق المنازل وحفلاتِ التنس والمناسبات المميَّزة والفاخرة التي يَرْعاها المنسِّقات، وتُقدَّم خلالها الفطائرُ الصغيرة. لقد سمعتهنَّ — بأذنَيَّ هاتين. ويُمكنني حتى أن أُكرِّر الكلام نفسَه الذي سمعتُه. «بخصوص الآنسة بيوري العزيزة الرقيقة — يا لها من فتاةٍ ساحرة! وهذا الفتى حسن المظهر؛ شقيقها — يا له من شخص رائع جدًّا! إني أتساءل مَن هما حقًّا؟ إنهما ربيبا الدكتور رانسفورد، بالطبع! حقًّا، يا له من أمرٍ لطيف للغاية! — وغير معتاد بعض الشيء! — أن يكون لدى مثلِ هذا الرجل، الذي ما زال شابًّا نسبيًّا، فتاةٌ ساحرة حقًّا كربيبةٍ له! لا يمكن أن يكون هو نفسُه قد تعدَّى الخمسة والأربعين عامًا، وهي في العشرين — كم هو أمر لطيف جدًّا جدًّا! حقًّا، قد يظن المرءُ أنه يجب أن تكون هناك قيِّمةٌ عليها!»»
قال رانسفورد بصوتٍ خافت: «اللعنة!»
قال برايس موافقًا: «هكذا بالفعل.» وتابع: «لكن هذا هو نوعُ الكلام الذي يَنممنَ به. هل تريد المزيد؟ يُمكنني سردُ قدرٍ غير محدود منه إذا أردت. لكن كله من نفس العينة.»
قال رانسفورد ملاحظًا: «إذن — بالإضافة إلى صفاتِك الأخرى — هل أنت نمَّام؟»
ابتسم برايس ببطءٍ وهز رأسه.
ثم أجاب: «كلا.» وأردف: «أنا مستمع. ومستمعٌ جيد أيضًا. لكن هل أدركتَ وجهة نظري؟ أنا أقول إنه ليس هناك غموضٌ يُحيط بي. وإذا شرَّفَتني الآنسة بيوري بقَبول زواجي منها، فستحصل على رجلٍ لا تشوب سمعةَ أسلافه أيُّ شائبة.»
سأله رانسفورد بحدة: «هل تُلمِّح إلى أن أسلافها تشوبُ سمعتَهم شائبةٌ؟»
قال برايس: «أنا لا أُلمح إلى أي شيء.» وتابع: «أنا أتحدَّث من أجل نفسي، وعن نفسي. أو بالأحرى أُحاول إقناعك، بصفتك الوصيَّ. يجب أن تدعم أحقيَّتي في ذلك، يا دكتور رانسفورد.»
كرَّر رانسفورد كلامه: «أحقيتك، يا رجل!» وتابع: «ليس لديك أيُّ أحقية! ما الذي تتحدَّث عنه؟ أحقيتك!»
أجاب برايس: «مَسْعاي، إذن.» وأردف: «إذا كان هناك غموضٌ — مثلما يقول الناسُ في رايتشستر — حول الآنسة بيوري، فإن سرَّها سيُصبح آمنًا معي. وأيًّا كان ما تظنُّه عني، فأنا رجلٌ يمكن الاعتمادُ عليه تمامًا — عندما يكون ذلك في مصلحتي.»
سأله رانسفورد: «وعندما لا يكون كذلك؟» وأردف: «ماذا ستُصبح إذن؟ — بما أنك صريحٌ للغاية.»
أجاب برايس: «يمكن أن أصبح عدوًّا سيئًا للغاية.»
سادت لحظةُ صمت، نظر خلالها الرجلان باهتمامٍ كلٌّ منهما إلى الآخر.
قال رانسفورد في النهاية: «لقد أخبرتُك بالحقيقة.» وتابع: «إن الآنسة بيوري ترفض رفضًا قاطعًا تقبُّلَ أيِّ فكرة عن الزواج منك. إنها تأمُل بكل جديةٍ ألا تذكر هذه الإمكانية أمامها مرةً أخرى. فهلا تَعِدني باحترامِ رغبتها؟»
أجابه برايس: «كلا!» وأردف: «لن أفعل!»
سأله رانسفورد، مع إظهار بعضِ الغضب: «لِم لا؟» وأضاف: «إنها رغبتها!»
قال برايس: «لأنني أظنُّ أنها قد تُغير رأيها.» وأردف: «هذا هو السبب.»
قال رانسفورد: «لن ترى أبدًا أيَّ تغيير في رأيها.» وأضاف: «هذا مؤكد. هل هذا هو قرارُك النهائي؟»
أجاب برايس: «إنه كذلك.» وتابع: «أنا لستُ من نوع الرجال الذي يمكن رفضُه بسهولة.»
قال رانسفورد: «إذن، في هذه الحالة، يجب أن أُنهي توظيفَك عندي.» ومن ثَم نهض من على مكتبه، وتوجَّه إلى خزنةٍ موجودة في الزاوية، وفتَحها وأخذ بعض الأوراق من درجٍ داخلي بها. وفحص إحداها ثم التفتَ إلى برايس وتابع حديثه معه: «هل تتذكَّر اتفاقنا؟» وأضاف: «يحق لأيٍّ من طرَفَي العقد إنهاؤه بعد إخطار الطرفِ الآخر قبل الإنهاء بثلاثة أشهر، أو، في أي وقت، إذا أردتَ، بدفع راتبِ ثلاثة أشهر، أليس كذلك؟»
رد برايس موافقًا: «هذا صحيحٌ تمامًا.» وأضاف: «إني أذكر ذلك، بالطبع.»
قال رانسفورد، وهو يجلس مرةً أخرى على مكتبه: «إذن سأعطيك الآن شيكًا براتب ثلاثة أشهر.» وأضاف: «هذا من شأنه أن يحسم الأمورَ على نحوٍ واضح، وآمُل أن يكون على نحوٍ مقبول.»
لم يردَّ برايس. وظل متكئًا على الطاولة، يشاهد رانسفورد وهو يكتب الشيك. وعندما وضع رانسفورد الشيك على حافة المكتب، لم يتحرَّكْ تجاهه.
قال رانسفورد، بنحوٍ يحمل شِبهَ اعتذار: «يجب أن تعيَ أن هذا هو الشيءُ الوحيد الذي يمكنني فعلُه. لا يمكنني أن أوظِّف أيَّ رجل غير … غير مرحَّب به لدى ربيبتي، دعني أقُلْها بوضوح، ويُسبب إزعاجًا لها. أُكرر، يا برايس، يجب أن تعيَ ذلك!»
أجاب برايس: «لا علاقةَ لي بما تعتقدُه.» وأردف: «إنَّ آراءك ليست آرائي، والعكس صحيح. أنت في واقع الأمر تفصلُني — كما لو كنت رئيسَ عمالٍ غيرَ أمين! — لأنه في رأيي سيُصبح أمرًا رائعًا للغاية بالنسبة إلى الآنسة بيوري ولي إذا وافقَت على الزواج مني. هذه هي الحقيقة الواضحة.»
نظر رانسفورد نظرةً طويلة وثابتة نحوَ برايس. لقد قُضي الأمر الآن، ويبدو أن مساعده المفصولَ بدأ يتقبَّل الأمر بهدوء مما أثار فضولَ رانسفورد.
فصاح متعجبًا: «أنا لا أستطيع سَبْرَ أغوارِك!» وتابع: «فلا أعرف ما إذا كنتَ أكثر شابٍّ أنانيٍّ قابلتُه، أو ما إذا كنتَ الأكثرَ غباءً …»
قاطعه برايس قائلًا: «ليست الأخيرةَ، على أيِّ حال.» وأردف: «أؤكد لك ذلك!»
قال رانسفورد: «ألا يُمكنك، إذن، أن تُدرك بنفسك يا رجل، أنَّ الفتاة لا تُريدك؟!» وتابع: «اللعنة! — وعلى عكس ما تظنُّه أنت، ربما يكون — أو كان — لديها أفكار أخرى!»
ضحك برايس، الذي كان يُحدق من نافذةٍ جانبية خلال الدقيقة أو الدقيقتين الأخيرتَين، فجأةً، ورفع يده وأشار إلى الحديقة. فاستدار رانسفورد ورأى ماري بيوري تسير هناك مع فتًى طويل، ميَّز أنه ساكفيل بونهام، ابن زوجة السيد فوليوت، وهو أحد سكان كلوس الأثرياء. لقد كان الشابان يَضحكان ويتحدَّثان معًا بودٍّ كبير وواضح.
قال برايس بهدوءٍ: «ربما أفكارها تسير في هذا الاتجاه، أليس كذلك؟» وتابع: «وفي هذه الحالة، يا دكتور رانسفورد، ستُواجه أنت مشكلة. إذ إن السيدة فوليوت، والدة ذلك الشاب الغِرِّ الواقفِ هناك بعيدًا، الذي هو قُرة عينها، هي واحدةٌ من السيدات الفضوليات اللواتي أخبرتُك عنهن للتو، وإذا تقرَّب ابنُها من أيِّ شخص، فستريد أن تعرف بالضبط أصلَ ذلك الشخص. لذا كان من الأفضل أن تدعمني كخاطب! ومع ذلك أعتقد أنه ليس هناك المزيدُ مما يمكن قولُه.»
أجاب رانسفورد: «لا شيء!» وأضاف: «ما عدا أن أودِّعك — وداعًا. أنت لا تحتاج إلى البقاء؛ فسأعتني بكلِّ شيء. وأنا سأخرج الآن. أعتقد أنه من الأفضل لك عدمُ تبادل كلمات الوداع مع أي شخص.»
أومأ برايس برأسه بصمت، بينما التقط رانسفورد قبعته وقفازه، وغادر العيادةَ من الباب الجانبي. وبعد لحظة، رآه برايس يمر عبر كلوس.