أمرٌ غيرُ متوقَّع
كان التصرُّفُ الغريزي الأوَّلي لماري عند رؤية بيمبرتون برايس يقترب، وهو آخِر رجل كانت ترغب في رؤيته، هو التراجعَ إلى الجزء الخلفي من المنزل وإرسالَ الخادمة إلى الباب لتقول إن سيدتها غيرُ موجودة في المنزل. لكنها كانت قد أدركت مؤخرًا إصرارَ برايس الغريبَ على متابعة كلِّ ما يسعى إليه، وفكرَت أنه إذا طُلب منه الانصراف، فمن المؤكَّد أنه سيعود ويعود حتى يحصل على ما يريد أيًّا ما كان. وبعد التفكير لحظةً أخرى، خرَجَت من الباب الأمامي وواجهَته بثبات في الحديقة.
وقالت بفظاظةٍ غير ضرورية تقريبًا: «إن دكتور رانسفورد غيرُ موجود.» وتابعت: «ولن يعود حتى المساء.»
أجاب برايس بفظاظةٍ مماثلة: «أنا لا أريده هو.» وأردف: «لقد جئتُ لمقابلتك أنت.»
تردَّدَت ماري. وواصلَت النظر إلى برايس بثبات، ولم تُعجب برايس الطريقةُ التي كانت تنظر إليه بها. فسارع بالحديث قبل أن تتركه أو تطرده.
وقال بنبرةٍ تحذيرية: «من الأفضل أن تُعطيني بضعَ دقائق.» وأضاف: «أنا هنا من أجل صالحك — أو صالح رانسفورد. ويُمكنني أن أخبرك أيضًا، وبصراحة، أن رانسفورد في خطرٍ شديد ووشيك! هذه حقيقة.»
سألته في حدَّة: «خطر ماذا؟»
أجابها برايس: «الاعتقال — الاعتقال الفوري!» وتابع: «أنا أقول لكِ الحقيقة. من المحتمل أن يُلقى القبض عليه الليلة، عند عودته. لا يوجد تخيُّل في كلِّ هذا — أنا أتحدَّث عما أعرفه. فأنا على علمٍ — بما فيه الكفاية — بتفاصيلِ هذه الأمور، رغم أنني لم أسعَ لذلك، لكني أعرف ما وراء الكواليس. وإذا عُرف أنني أُفصح لك عن أسرار، فسأقعُ في مشكلة. لكني أريد أن أحذِّرك!»
وقفَت ماري أمامه على المسار، متردِّدة. فهي تعرف ما يكفي لِتُدرك أنَّ في كلام برايس بعضًا من الحقيقة، كان من الواضح أنه على علمٍ بتفاصيلِ الألغاز الأخيرة، وكانت هناك نبرةُ إقناع في صوته أثَّرَت فيها. وفجأةً راودتها رُؤَى اعتقال رانسفورد، واقتياده إلى السجن لمواجهةِ اتهامٍ قاسٍ، بالخزي والعار، فتردَّدت أكثر.
وقالت في النهاية: «لكن إذا كان الأمر كذلك، فما فائدةُ المجيء إليَّ؟ أنا لا أستطيع فعْل أي شيء!»
قال برايس: «أنا أستطيع!» وتابع: «أنا أعرف أكثر … أكثر بكثير … ممَّا تعرفه الشرطة … أكثر مما يعرفه أيُّ شخص. ويمكنني إنقاذُ رانسفورد. عليك أن تُدركي هذا!»
فسألته: «ماذا تريد الآن؟»
أجاب برايس: «أن أتحدَّث إليكِ — وأُخبرك كيف تسير الأمور.» وتابع: «ما الضررُ في ذلك؟ أريد أن أجعلك ترَين حقيقة الأمور، ثم أُوضح لك ما يُمكنني فعْله لتصحيحها.»
نظرت ماري إلى كوخٍ صيفي مفتوح يقع تحت أشجار الزان في جانبٍ بالحديقة. فتحركَت نحوه وجلست هناك، وتبِعها برايس وجلس.
وقالت: «حسنًا …»
أدرك برايس أنَّ لحظته قد حانت. فصمت، مُحاولًا تذكُّر الخطوات الدقيقة التي أعَدَّها لعرضِ قضيته. بطريقةٍ ما، لم يكن الأمر واضحًا تمامًا بخصوصِ أسلوب هجومه مثلما كان قبل عشرِ دقائق — فقد أدركَ أنه يتعيَّن عليه التعاملُ مع امرأةٍ شابة لم يكن من المحتمل السيطرةُ عليها أو خداعها بسهولة. وفجأةً خاض فيما شعر أنه يمثِّل أخطر الأمور.
وقال: «سواءٌ كنتِ أنت، أو رانسفورد — سواءٌ كِلاكما أو أحدكما، يعرف ذلك أو لا، فقد كانت الشرطة تسعى وراء رانسفورد منذ قضيةِ كوليشو! بطريقةٍ خفيَّة، كما تعلمين. إذ كان ميتشينجتون يُحقِّق في الأمور منذ ذلك الحين، وفي الآونة الأخيرة أصبح معه محققٌ من لندن ليساعده.»
استأنفَت ماري الآن أعمال الإبرة التي حملتها معها إلى الحديقة، وعندما بدأ برايس في الحديث، انحنت عليها وراحت تعمل بثبات.
وقالت: «حسنًا؟»
تابع برايس قائلًا: «انتبهي لما سأقوله!» ثم تابع: «ألم يسترعِ انتباهَكِ قط — ولا بد أنه استرعى بالفعل — أنَّ هناك غموضًا كبيرًا يُحيط برانسفورد؟ لكن سواءٌ أحَدَث ذلك أم لا، فهو موجود، وقد استرعى انتباهَ الشرطة بقوة. إن الغموض يُحيط به قبل أن يأتيَ إلى هنا — وقبله بوقتٍ طويل. وهو له علاقة، بطريقةٍ ما، بذلك الرجل برادن. ليس مؤخرًا — لكن منذ سنينَ مضَت. وبطبيعة الحال، حاولَت الشرطة كشْف ذلك الغموض.»
سألت ماري بهدوء: «فماذا اكتشفوا؟»
أجاب برايس: «غير مسموحٍ لي بقول ذلك.» وأردف: «لكن يُمكنني أن أقول لكِ الآتيَ: إنهما، ميتشينجتون ورجل لندن، يَعلمان أنه كانت هناك علاقاتٌ بين رانسفورد وبرادن منذ سنوات.»
قاطعته ماري: «منذ كم سنةً مضَت؟»
تردَّد برايس لحظة. إذ كان لديه شكٌّ في أن هذه الفتاة ذاتَ القدرة على التحكم في انفعالاتها التي تأخذ كلَّ شيء بهدوء أكثرَ مما كان يتوقَّع، ربما تعرِف أكثرَ مما يظن أنها تعرف. لقد كان يُراقب أصابعها منذ جلوسهما في الكوخ الصيفي، ورأت عيناه الحادَّتان أنها ثابتةٌ مثل برج الكاتدرائية فوق الأشجار — فأدرك من ذلك أنها ليست خائفةً ولا قلقة.
وأجاب: «أوه، حسنًا — منذ سبعة عشر إلى عشرين عامًا.» وتابع: «تلك المدة تقريبًا. لقد كانت هناك علاقات، بالقطع، وهي ذاتُ طبيعةٍ توحي بأن ظهور برادن مرةً أخرى في المرحلة الحاليَّة من حياة رانسفورد سيُصبح أمرًا غيرَ سارٍّ وغيرَ مرحَّب به للغاية من قِبل رانسفورد.»
تمتمَت ماري: «هذا أمر غامض!» وتابعت: «غامضٌ للغاية!»
ردَّ برايس بحدَّة: «لكنه كافٍ تمامًا، لمساعدة الشرطة في تحديد الدافع. أقول لك إن الشرطة تعرِف ما يكفي لتُدرك أن برادن كان، من بين جميع الرجال في العالم، آخِرَ رجلٍ يرغب رانسفورد في رؤيته مرةً أخرى. وفي ذلك الصباح الذي وقعَت فيه حادثةُ بارادايس، جاء برادن لرؤيته هنا. لذلك، ومن خلال طريقة الشرطة التقليدية في التفكير والنظر إلى الأشياء، هناك دافع.»
سألته ماري: «دافعٌ من أجل ماذا؟»
وصل برايس هنا إلى إحدى مراحله الحرجة، وتوقَّف لحظةً من أجل اختيار كلماته.
ثم قال في النهاية: «لا تأخذي أيَّ أفكار أو انطباعات خاطئة.» وتابع: «فأنا لا أتَّهم رانسفورد بأيِّ شيء. أنا فقط أخبرك بما تعتقده الشرطة وعلى وشك أن تتَّهِمَه به. دعيني أقُلْها بوضوح — إنها تتَّهمه بالقتل. إذ يقولون إن لديه دافعًا لقتل برادن — وبالنسبة إليهم فإن الدافع هو كلُّ شيء. إنه أول شيء يبدو أنهم يُفكرون فيه؛ إنه أول شيء يسألون أنفسَهم عنه. إنهم يسألون أنفسهم: «لماذا قتل هذا الرجلُ ذلك الرجلَ؟» — هل تفهمين؟! «ما الدافع الذي لديه؟» — هذه هي أهمُّ نقطة. وهم يعتقدون — هؤلاء الرجالُ من أمثال ميتشينجتون ورجلِ لندن — أن رانسفورد كان لديه بالتأكيد دافعٌ للتخلص من برادن عندما التقَيَا.»
سألت ماري: «ما هذا الدافع؟»
أجاب برايس: «لقد اكتشفوا شيئًا — وربما قدْرًا كبيرًا — حولَ ما حدث بين برادن ورانسفورد قبل سنوات.» ثم أضاف: «ونظريتهم هي — إذا كنتِ تريدين معرفة الحقيقة — أن رانسفورد هرَب مع زوجةِ برادن، وأن برادن كان يبحث عنه منذ ذلك الحين.»
كان برايس قد أبقى عينَيه على يدَي ماري، والآن رأى أخيرًا أصابعَ الفتاة ترتجف. لكن صوتها ظلَّ ثابتًا بالقدر الكافي عندما تحدَّثَت.
حيث سألته: «هل هذا مجرَّد تخمينٍ من جانبهم، أم إنه يستند إلى أي حقيقة؟»
أجاب برايس: «أنا لستُ على درايةٍ كاملة بجميع أسرارهم، لكنني سمعتُ ما يكفي لأعرف أنَّ هناك أساسًا لحقيقةٍ لا يمكن إنكارُها وهم يَبْنون نظريتهم عليه. فأنا أعلم على سبيل المثال، بما لا يدَعُ مجالًا للشك، أن برادن ورانسفورد كانا صديقَين مقرَّبَين، منذ سنوات، وأن برادن كان متزوجًا من فتاةٍ أراد رانسفورد أن يتزوجها، وأن زوجة برادن ترَكَته فجأة، وعلى نحوٍ غامض، بعد سنوات قليلة، وأن رانسفورد، في الوقت نفسِه، اختفى بالقدْرِ نفسِه من الغموض. إن الشرطة تعرِف كلَّ ذلك. فما هو الاستنتاج الذي يمكن استخلاصُه؟ ما الاستنتاج الذي قد يستخلصه أيُّ شخص — أنتِ نفسُكِ، على سبيل المثال؟»
أجابت ماري: «لا شيء، حتى أسمعَ ما سيقوله دكتور رانسفورد.»
لم يُعجب برايس هذا الردُّ الحادُّ الجاهز. وبدأ يشعر بأنه يُواجَه بقوةٍ أكبرَ من قوَّته.
فقال: «هذا تصرفٌ جيد جدًّا.» وتابع: «وأنا لا أقول إنني لن أفعلَ الشيء نفسَه. لكنني فقط أشرح موقف الشرطة، وأُظهِر لك الخطرَ المحتمل أن ينشأ من ذلك. إن نظرية الشرطة هي كما يلي، بقدْرِ ما أستطيع أن أفهمَها: لقد أساء رانسفورد، منذ سنوات، إلى برادن، فأقسمَ برادن بالتأكيد على الانتقام منه عندما يتمكَّنُ من العثور عليه. وقد منَعت الظروف برادن من البحث عنه على نحوٍ حثيث لبعض الوقت؛ وفي النهاية التقيا هنا، عن طريق الصُّدفة. وعند هذه النقطة لم تصل الشرطة إلى رأيٍ حاسم. فهناك نظريةٌ تذهب إلى وقوعِ مشاجرة، تبادُل للضربات، صراع، لقي خِلالَها برادن حتفه؛ وهناك أخرى تُشير إلى أن رانسفورد اصطحب برادن عمدًا إلى المقصورة وألقاه عبر ذلك المدخل المفتوح …»
قالت ماري، بنبرةٍ شبهِ ساخرة: «ذلك يبدو محتملًا جدًّا لدرجة أنني أعتقد أنه لن يخطر أبدًا على بالِ أيِّ شخص سوى من نوعِ الأشخاص الذين تُخبرني عنهم! ولن يصدقها أيُّ رجل عاقل لدقيقة!»
ردَّ برايس بحدة: «بعض الناس الذين يتمتَّعون برجاحةِ عقل ظاهرةٍ يُصدقونها على الرغم من كل ذلك!» وتابع: «فهي ممكنة تمامًا. لكن كما قلت، أنا أُكرِّر كلامهم فقط. وبالطبع، فإن بقية النظرية مبنيَّةٌ على ذلك. إن نظرية الشرطة هي أن كوليشو شهد موتَ برادن على يدِ رانسفورد، وقد عرَف رانسفورد أن كوليشو هو الشاهدُ على جريمته، ومِن ثَم تخلَّص من كوليشو بهدوء. وهم يقومون بالتحقيق بناءً على هذه النظرية، وسيستمرُّون في ذلك. لا تسأليني إذا كنتُ أعتقد أنهم على صواب أو خطأ! أنا أُخبرك فقط بما أعرفه لِأُظهر لك مدى الخطر الذي يُواجهه رانسفورد.»
لم تُقدِّم ماري إجابةً فورية، وجلس برايس يُراقبها. بطريقةٍ ما — لم يتمكَّن من تفسير ذلك لنفسه — إذ لم تكن الأمورُ تسير كما كان يتوقَّع. كان يعتقد بثقةٍ أن الفتاة ستُصبح خائفةً، ومذعورة، ومنزعجة، ومستعدَّةً لفعل أي شيء يطلبه أو يقترحُه. لكن من الواضح أنها لم تكن خائفة. وعادت الأصابع التي انشغلَت بأعمال الإبرة إلى العمل بالثبات مرةً أخرى، وظل صوتُها ثابتًا طوال الوقت.
ثم سألت فجأةً، مع نبرةِ تهكُّمٍ قليلة في صوتها لاحظَها برايس بسرعة: «هل لك أن تُخبرني كيف أمكَنَك — وأنت لستَ شرطيًّا، ولا محققًا! — أن تعرف كل ذلك عن تلك القضية؟ منذ متى يُطلِعُك ميتشينجتون والشخص الغامض من لندن على أسرارهما؟»
أجاب برايس وهو متجهِّم تقريبًا: «أنت تَعلمين مثلما أعلم أنني قد أُقحِمتُ في هذه القضية رغمًا عني.» وأردف: «لقد أحضروني للكشف على برادن — ورأيتُه يموت. وكنتُ أنا مَن عثَر على جثة كوليشو. بالطبع، لقد كنتُ مرتبكًا، سواءٌ كنت سأفعل ذلك أو لا، وقد كان عليَّ متابعةُ قدْرٍ كبيرٍ من تحقيقات الشرطة، وبطبيعة الحال علمتُ أشياء.»
التفتَت ماري إليه فجأةً مع نظرةٍ ربما حذَّرت برايس من أنه قد فشل بشكلٍ ملحوظ في الخطوة الرئيسية لمغامرته.
وصاحت: «وما الذي علمتَه ويجعلُك تأتي إلى هنا وتُخبرني بكل هذا؟» ثم أضافت: «هل تعتقد أنني ساذَجة، يا دكتور برايس؟ لقد بدأتَ بالقول إن دكتور رانسفورد في خطرٍ من الشرطة، وأنك تعرف أكثر — أكثرَ بكثير من الشرطة! ماذا يعني ذلك؟ هل أُخبِرك أنا؟ هذا يعني أنك — أنك! — تعلم أن الشرطة مخطئة، وأنك، إذا أردتَ، يُمكنك أن تُثبت لهم أنهم مخطئون! الآن، إذن أليس هذا صحيحًا؟»
ردَّ برايس: «إن لديَّ حقائقَ محدَّدة.» وأردف: «أنا …»
أوقفته ماري بنظرةٍ إليه.
وقالت: «إنه دوري الآن!» وتابعت: «إن لديك حقائقَ محدَّدة. أليست الحقيقة أن الحقائقَ التي لديك هي دليلٌ كافٍ لك على أن دكتور رانسفورد بريءٌ مثلما أنا بريئة تمامًا؟ لا فائدة من محاولتك لخداعي! أليس الأمر كذلك؟»
اعترف برايس، الذي كان شعوره بعدم الارتياح يتزايد: «يمكنني بالتأكيد إبعادُ الشرطة عن طريقه.» وأضاف: «يمكنني تحويل …»
نظرت إليه ماري نظرةً أخرى وتركت أعمال الإبرة واستمرَّت في مراقبته بثبات.
وسألت بهدوء: «هل تعتبر نفسك رجلًا نبيلًا؟» وتابعت: «أو دعنا نستبعدْ هذا المصطلحَ تمامًا. هل تعتبر نفسك حتى أمينًا على نحوٍ مقبول؟ إذ، لو أنك اعتبرتَ نفسك ذلك، فمن أين أتيتَ بكل هذه العجرفة — بل أكثر من ذلك، الوقاحة! — الشديدةِ كي تأتيَ إلى هنا وتُخبرني بكل هذا بينما تعلم أن الشرطة مخطئة، وأنه يُمكنك — ولنستخدِم مصطلحك الخاصَّ، الذي هو طريقتك في صياغة العبارة — إبعادُهم عن الطريق الخطأ؟ أيُّ نوع من الرجال أنت؟ هل تريد أن تعرف رأيي فيك بكلماتٍ واضحة؟»
رد برايس بسرعة: «يبدو أنكِ حريصة للغاية على قوله، على أيِّ حال.»
أجابت ماري: «سأقوله لك، وربما سيضعُ حدًّا لهذا الموقف.» وأضافت: «إذا كان لديك أيُّ دليل من شأنه أن يُثبت براءة دكتور رانسفورد وكتمتَه عن عمد، فأنت شخصٌ سيئ، وشرير، ووضيع، وقاسٍ، ولا يليق بك العيشُ في مجتمعٍ به أناسٌ محترمون!» ثم أضافت، وهي تلتقطُ أعمال الإبرة الخاصة بها وتنهض: «ولن تستحقَّ المزيد من كلماتي!»
قال برايس: «لحظة!» لقد أدرك أنه بطريقةٍ ما لعب كل أوراقه بشكلٍّ سيئ، وأراد فرصة أخرى. ثم أضاف: «إنك تُسيئين فهمي تمامًا! أنا لم أقل قط — لم ألمِّح قط إلى — أنني لن أُنقذ رانسفورد.»
صاحَت بحدة: «إذن، إذا كانت هناك حاجة، وأنا لا أراها، فأنت تُقر بأنك يُمكن أن تُنقذه، أليس كذلك؟» وتابعت: «تمامًا مثلما أعتقد. إذن، إذا كنتَ رجلًا أمينًا، رجلًا يدَّعي الشرف، فلماذا لا تفعل ذلك على الفور؟! إن أيَّ رجل لديه مثلُ هذه المشاعر التي ذكرتَها للتو لن يتردَّد ثانيةً واحدة. لكنك تأتي إلى هنا وتتحدَّث عن الأمر! كما لو كان لُعبة! يا دكتور برايس، أنت تجعلني أشعر بالاشمئزاز، عقليًّا، وأخلاقيًّا.»
كان برايس قد نهض على قدَمَيه عندما نهضت ماري، ووقف الآن يُحدِّق بها. إذ منذ طفولته كان يضحك ويسخر من مجرَّد فكرة القِيَم الأخلاقية — إذ كان يعتقد أن لكلِّ رجلٍ ثَمنَه وأن الأمانة والشرف شيئان مفيدان كمُصطلحَين، ولكنهما ليس لهما وجود حقيقي. والآن هو يتساءل — يتساءل حقًّا — إذا كانت هذه الفتاة تعني الأشياءَ التي قالتها؛ إذا كانت تشعر حقًّا بالاشمئزاز العقليِّ من عقلٍ مثلِ عقله وأغراضٍ مثلِ أغراضه، أو أنها تتصنَّع ذلك فقط. وقبل أن يتمكَّن من الكلام، واجهَته مرةً أخرى بشدةٍ أكثرَ من ذي قبل.
وسألته: «هل أقول لك شيئًا آخرَ بصراحة؟» ثم أردفت: «من الواضح أنك تمتلكُ معرفةً صغيرة ومحدودة للغاية — إذا كانت لديك أيُّ معرفة على الإطلاق! — عن النساء، ومن الواضح أنك لا تُقيِّم صفاتِهن العقليةَ على أنها ذاتُ مستوًى عالٍ. دعني أخبرك أنني لستُ غبية تمامًا مثلما تظنني! أنت أتيتَ إلى هنا بعد ظهرِ هذا اليوم لِتَعقد معي صفقةً! فأنت تعرف كم أحترم وصيِّي وبماذا أَدينُ له مقابلَ رعايته لي ولأخي. لذا فكَّرتَ في استغلال ذلك! كنت تعتقد أنه يمكنك عقدُ صفقة معي؛ فمقابل أن تنقذ دكتور رانسفورد، تحصل عليَّ مكافأةً! أنت لا تجرؤ على إنكارِ هذا. إنني، يا دكتور برايس، أستطيع أن أقرأَ نواياك!»
رد برايس: «أنا لم أقُل ذلك قط، بأي حال من الأحوال.»
صاحت ماري: «مرةً أخرى، انتبه، أنا لستُ غبية!» وتابعت: «لقد كنتُ أعلم نواياك طوال الوقت. وها أنت ذا قد فشلت! وأنا لستُ خائفة مطلقًا ممَّا قلتَه. إذا ألقت الشرطةُ القبض على دكتور رانسفورد، فإنه يعرف كيف يُدافع عن نفسه. وأنت لا تخاف عليه! أنت تعلم أنك لستَ كذلك. ولن يُهمَّك مطلقًا إذا شُنق غدًا؛ لأنك تكرهُه. لكن انظر إلى نفسك! إن الرجال الذين يغشُّون، ويُخططون، ويتآمرون، ويحيكون الشِّراك مثلك ينتهي بهم الأمرُ إلى نهاياتٍ سيئة. فكِّر في نهايتك! فكِّر في عدم جدوى ما تفعله. والآن، إذا سمحت، اذهب ولا تقترب مني مرة أخرى!»
لم يردَّ برايس. كان قد أصغى، مع محاولةِ الابتسام، لكلِّ هذا السخط الناري، لكن بينما كانت ماري تنطقُ الكلمات الأخيرة، أدرك فجأة شيئًا لفتَ انتباهه بعيدًا عنها وعنهما. فمن خلال فتحةٍ في سياج حديقة رانسفورد تمكَّن من رؤية باب حديقة منزل فوليوت عبر كلوس. وفي تلك اللحظة خرجَ من خلاله فوليوت وهو يُحادث جلاسديل!
ودون أن ينبس برايس ببنتِ شَفة، انتزع قبَّعتَه من على طاولة الكوخ الصيفي، وغادر بسرعة — مع مخطَّط جديد، وفكرةٍ جديدة في ذهنه.