بيت البئر العتيق
عندما جاء برايس مسرعًا إلى فوليوت، كان الأخيرُ يقف عند باب حديقته عاقدًا يدَيه خلفه تحت ذيل معطفه — في صورةٍ نمطية لرجلٍ نبيل لطيف لا عمل له، وليس لديه ما يفعله وهو مستعدٌّ لتخصيص وقته لأيِّ شخص. ومن ثَم ألقى نظرةً على برايس مثلما كان قد ألقى نظرةً على جلاسديل — من فوق حافة نظارته، ولم تحمل النظرةُ سوى استفسارٍ بسيط. ولكن لو كان برايس أقلَّ انفعالًا، لكان قد رأى أن فوليوت، بينما كان يصطحبه إلى داخل الحديقة، قد ألقى نظرةً حادة عبر كلوس وتأكَّد من عدم وجود أيِّ شخص على مقربة، وأن دخول برايس لم يلحظه أحد. إذ باستثناء طفلٍ أو طفلين، يلعبان تحت أشجار الدردار الطويلة بالقرب من إحدى البوابات، وقسٍّ يسير عبر مسار بعيد، فإن كلوس كانت خاليةً من الحياة. كما لم يكن هناك أحدٌ أيضًا في ذلك الجزء من حديقة فوليوت الكبيرة.
قال برايس بينما كان يُغلق فوليوت الباب وينتحي مسارًا جانبيًّا إلى منطقةٍ أكثرَ انعزالًا: «أريد أن أتحدَّث معك قليلًا.» وتابع: «حديث خاص. دعنا نذهب إلى بقعة هادئة.»
دون الردِّ بكلماتٍ على هذا الاقتراح، قاده فوليوت عبر أشجارِ وروده إلى ركنٍ بعيد من حديقته، حيث يقبع مبنًى عتيقٌ من الحجر الرمادي، مغطًّى باللبلاب، بين الأشجار العالية. ومن ثَم أدار مفتاح الباب وأشار لبرايس بالدخول.
وقال: «إن المكان هادئٌ بما فيه الكفاية هنا، يا دكتور.» وأردف: «أنت لم ترَ هذا المكان من قبلُ — إنه بقعتي المفضلة.»
نظر برايس، وهو مستغرقٌ في أفكاره الحاليَّة، بفضولٍ إلى المكان الذي قاده إليه فوليوت. كان مبنًى مربعَ الشكل من الحجر العتيق، جدرانه غيرُ مبطَّنة وغير مغطَّاة بالجبس، وأرضيَّته مرصوفةٌ ببلاطات متآكلة من الحجر الجيري، ومن الواضح أنها رُصفت منذ زمن طويل وهي الآن مصقولةٌ بحيث أصبحت لها نعومةٌ تُشبه نعومة الرخام. وفي وسطه، على نفس مستوى الأرضية، يوجد على ما يبدو بابٌ أفقي، مزوَّد بحَلْقة حديدية ثقيلة. وأشار فوليوت إلى هذا، بنظرةٍ ذات اهتمام كبير.
وقال: «توجد أعمق بئر في كل رايتشستر تحتَ هذا الباب.» وتابع: «لن تتصوَّرَ ذلك قط؛ إن عُمقها مائة قدم، وأكثر! وهي جافَّةٌ الآن — لقد نَفِد الماءُ منذ بضع سنوات. كان بعض الناس سيهدمون بيت البئر العتيق هذه — لكن ليس أنا! لقد استفدتُ منها بنحو أفضل — فقد حولتُها إلى مكان جيد.» ورفع يده وأشار إلى سقفٍ حديث بنحو واضح من خشب البلوط القوي. ثم تابع: «لقد وضعتُ هذا السقف، وحوَّلت الجزء العلوي من المبنى إلى مقر استرخاء صغير. تعالَ للأعلى!»
ومن ثم قاده عبر مجموعةٍ من الدرجات في أحدِ أركان الغرفة السفلية، وفتح بابًا في نهايتها، وأظهر لرفيقه غرفةً صغيرة مرتَّبة ومفروشة على نحوٍ يقترب من الفخامة. كانت الجدران مغطاةً بأقمشةٍ سميكة؛ وكان السجاد سميكًا بالقدْر نفسِه، وكانت هناك صورٌ وكتُب وتحف، وكان الكرسيَّان أو الثلاثةُ الكراسيُّ الموجودة هناك عميقةً وكبيرةً بما يكفي للاسترخاء، وكانت هناك نافذتان تُطلَّان على إطلالاتٍ رائعة لأبراج الكاتدرائية من جانب وكلوس من الجانب الآخر.
قال فوليوت: «إنه مكان صغيرٌ لطيف لأجلس فيه بمفردي، أليس كذلك؟» وتابع: «وهو باردٌ في الصيف ودافئٌ في الشتاء، وبه حاملةُ وَقودٍ حديثةٌ، كما تلاحظ. وأنا أصعد إلى هنا عندما أريد القيامَ ببعض التفكير الهادئ، ما رأيك؟»
قال برايس موافقًا: «مكان جيدٌ ملائم لذلك — بالتأكيد.»
دعا فوليوت زائره إلى الجلوس على أحد الكراسيِّ الكبيرة، والتفت إلى خِزانةٍ وأحضر بعضَ الكئوس وسيفونَ ماء الصودا ودورقًا بلوريًّا سميكًا. وأشار برأسه إلى صندوقٍ من السيجار كان مفتوحًا على طاولةٍ عند مرفق برايس عندما بدأ في خلط بعض المشروبات.
وقال: «تفضَّل سيجارًا.» وتابع: «إنه من نوعية جيدة.»
لم يستفسر فوليوت عن السبب وراء زيارة برايس إلا بعد أن قدَّم له شرابًا، وحمل كأسه وجلس على كرسيٍّ مريح آخَر. ولكن بمجرد أن استقرَّ على كرسيِّه، نظر إليه على نحوٍ يُشير أنه يُخمن ما كان يريده برايس.
وسأله: «لماذا أردت مقابلتي؟»
نظر برايس عبر دخان سيجاره الذي أشعله إلى الوجه الهادئ المقابل له.
وقال بهدوء: «لقد استقبلت جلاسديل للتو هنا.» وأضاف: «لقد رأيته وهو يُغادر.»
أومأ فوليوت برأسه — دون أيِّ تغييرٍ في تعبير وجهه.
وقال: «أجل، يا دكتور.» وأردف: «وماذا تعرف عن جلاسديل؟»
رفع برايس، الذي كان سيختلطُ بمرحٍ مع رجلٍ هو على وشك توصيله إلى المشنقة، كأسَه وشرب.
ثم أجاب وهو يضع الكأس: «الكثير.» وتابع: «الحقيقة هي أنني جئت إلى هنا لأُخبرك بذلك — فأنا أعرف الكثير عن كل شيء.»
قال فوليوت ملاحظًا: «هذا مصطلحٌ واسع!» وأضاف: «لا بد أنَّ لديك بعضَ التحديد له، على ما أظن. ماذا تقصد بكل شيء؟»
أجاب برايس: «أعني الأمورَ الأخيرة.» وأردف: «لقد شغَلتُ نفسي بها — لأسبابٍ خاصة بي. منذ أن عُثر على برادن عند سفحِ تلك السلالم في بارادايس، وأُحضرتُ لفحصه، وأنا أَشغل نفسي بالتحقيق في الأمر. ولقد اكتشفتُ الكثير — أكثر، أكثر بكثيرٍ مما يعرفه أيُّ شخص.»
وضع فوليوت إحدى رِجلَيه فوق الأخرى وبدأ في هزِّ قدمه.
ثم قال بعد مدةٍ من الصمت: «أوه!» وأضاف: «يا إلهي! وما الذي قد تعرفه، الآن، يا دكتور؟ وهل يُمكنك إخباري به؟»
أجاب برايس: «الكثير!» وتابع: «وقد جئتُ لأُخبرك به — عندما رأيت أن جلاسديل كان معك. لأنني قابلت جلاسديل هذا الصباح.»
لم يردَّ فوليوت. لكن برايس رأى أن أسلوبه اللطيف وغيرَ المبالي تقريبًا كان يتغيَّر — لقد بدأ، داخليًّا، في الشعور بالقلق.
فتابع برايس قائلًا: «عندما تركتُ جلاسديل، عند الظهيرة، لم يكن لديَّ أيُّ فكرة — وأعتقد أنه لم يكن لديه — أنه سيأتي لمقابلتك. لكنني أعرف ما الذي وضَع الفكرة في رأسه. فقد أعطيتُه نسخةً من منشورَي المكافأة هذَين. لا شك أنه كان يعتقد أنه ربما سيكسِب بعض المال؛ لذا جاء إلى المدينة، وإليك.»
سأل فوليوت: «ماذا إذن؟»
قال برايس، بتأمُّل، وكما لو كان يتحدَّث إلى نفسِه: «لا ينبغي أن أتساءل.» وتابع: «لا ينبغي أن أتساءل على الإطلاق عمَّا إذا كان جلاسديل من النوع الذي يمكن شراؤه. إنه، بلا شك، له ثمن. لكنَّ كلَّ ما يعرفه جلاسديل ليس شيئًا — بالمقارنة بما أعرفه أنا.»
دخَّن فوليوت كلَّ سيجاره. فألقى به بعيدًا، وأخذ واحدًا جديدًا من الصندوق، وببطءٍ ضربَ عود ثقاب وأشعله.
ثم سأل بعد مدةِ صمتٍ أخرى: «ماذا تعرف؟»
أجاب برايس بجُرأة: «إن لديَّ بعضَ المهارة في اكتشاف الأشياء.» وأضاف: «ولقد عملتُ على تطويرها. ومن ثَم أردت أن أعرف كلَّ شيء عن برادن — وعمَّن قتله — ولماذا. هناك طريقة واحدة فقط للقيام بهذا الأمر، كما تَعلم. عليك أن تعود للوراء — للوراء كثيرًا — إلى البدايات الأولى. وقد عُدتُ إلى الوقت الذي كان فيه برادن متزوجًا. ليس باسم برادن، بالطبع، ولكن باسمه الحقيقي — جون بريك. كان ذلك في مكانٍ يُسمى برادن ميدوورث، بالقرب من بارثورب، في ليسترشير.»
ثم توقَّف عند هذه النقطة، وأخذ يُراقب فوليوت. لكن فوليوت لم يُظهِر أكثرَ من اهتمامٍ شديد، فتابع برايس كلامه.
وقال: «ليس هناك الكثيرُ في ذلك — مقارنة بالجزء المهم حقًّا من القصة.» وأردف: «لكن بريك كانت لديه ارتباطاتٌ أخرى مع بارثورب — بعد ذلك بقليل. لقد تعرَّف على رجلٍ من بارثورب وصار على اتصالٍ وثيق به، كان قد غادر بارثورب واستقرَّ في لندن، في وقتٍ قريب من وقت زواج بريك. وأصبح لدى بريك وهذا الرجلِ بعضُ التعاملات السرِّية معًا. كان هناك رجلٌ آخر معهما أيضًا — رجل كان على نحوٍ ما شريكًا لرجلِ بارثورب. من الواضح أن بريك كان يؤمن بهذَين الرجلَين، ووثق بهما — ولسوء الحظ، كان يُقرِضهما أحيانًا من أموال البنك. وأنا أعرف ما حدث — فقد اعتاد السماحَ لهما بالحصول على أموالٍ من أجل بعض المعاملات المالية القصيرة — بحيث تُرَد في غضونِ مدةٍ وجيزة جدًّا. وقد غامر باللعب بالنار كثيرًا، فأحرقَ أصابعه في النهاية. لقد خدعه الرجلان — أحدُهما على وجه الخصوص — وهرَبا. وكان عليه أن يدفع الثمَن. لقد تحمَّل نتيجةَ ذلك، وسُجن لمدة عشر سنوات مع الأشغال الشاقة. وبطبيعة الحال، عندما قضى مدة عقوبته، أراد العثور على هذين الرجلَين — وبدأ بحثًا طويلًا عنهما. هل ترغب في معرفة اسمَي الرجلين، يا سيد فوليوت؟»
أجاب فوليوت: «اذكرهما — إذا كنتَ تعرفهما.»
أجاب برايس على الفور: «اسم الشخص الأساسي هو راي — فولكينر راي.» وأردف: «واسم الآخر — الرجل الأقلُّ أهميةً — فلود.»
نظر الرجلان أحدهما إلى الآخر بهدوءٍ لمدة دقيقة في صمت. وكان برايس هو أوَّل مَن تحدَّث مع نبرةٍ من الثقة في صوته أظهرت أنه يتحكَّم في زِمام الأمور.
وسأل: «هل أُخبرك شيئًا عن فولكينر راي؟» وتابع: «سأفعل؛ إنه أمرٌ ممتعٌ للغاية. لقد هرب السيد فولكينر راي، بعد غشِّ وخداعِ بريك، وتركه ليُواجه عقوبةَ الثقة الزائدة في الآخرين، خارج إنجلترا وحمل معه مواهبه في جني الأموال إلى دولٍ أجنبية. ونجح في القيام بعملٍ جيد — لقد كان سيفعل! — وفي النهاية عاد وتزوَّج من أرملةٍ غنيَّة واستقر في مدينةٍ إنجليزية نائية؛ كي يزرع الورود. أنت فولكينر راي، كما تعلم، يا سيد فوليوت!»
ضحِك برايس وهو يُوجِّه هذا الاتهامَ المباشر، وأشار، وهو يدفع جسدَه للأمام بينما يجلس على كرسيِّه، أولًا إلى وجه فوليوت ثم إلى يده اليسرى.
وقال: «لقد تعرَّض فولكينر راي لحادثِ إطلاق نار مؤسفٍ في شبابه تركَ علامةً على وجهه ويدِه مدى الحياة. حيث فقد الإصبع الوُسطى من يده اليسرى، وظهرت نَدبةٌ سيئة على فكِّه الأيسر. ها هما هاتان العلامتان! من حُسن حظك، يا سيد فوليوت، أن رجال الشرطة لا يعرفون كلَّ ما أعرفه؛ لأنهم لو عرَفوا ذلك، لكانت هاتان العلامتان قد أرشدَتهم إليك منذ أيام!» لمدة دقيقة أو دقيقتين، جلس فوليوت وهو يهزُّ ساقه — وهي إشارةٌ سيئة تدل على تعكُّرِ مِزاجه، لكن برايس لم يكن على علمٍ بذلك. وبينما ظل صامتًا، أخذ يُراقب برايس بدقَّة، وعندما تحدَّث، كان صوته هادئًا مثلما هو دائمًا.
وسأل، بلهجةٍ شبهِ ساخرة: «وما الفائدة التي تنوي أن تجنيَها من خلال معرفتك هذه، إذا جاز لأحدٍ أن يسأل؟» وأضاف: «لقد قلت الآن إنك لا تشكُّ في أنه يمكن شراءُ رجلٍ مثل جلاسديل، وأنا أميل إلى الاعتقاد بأنك أحد هؤلاء الرجال الذين يمكن شراؤهم أيضًا. فكم سعرك؟»
أجاب برايس: «نحن لم نصل إلى ذلك بعدُ.» وأضاف: «أنت مخطئٌ بعضَ الشيء. إذا كان لي سعر، فلن يُصبح على النحوِ نفسِه الذي يريده جلاسديل. لكن قبل أن نتحدَّثَ عن هذا النوع من الأشياء، أريد أن أضيف إلى مخزوني من المعلومات. انظر هنا! سنكون صريحَين. أنا لا يُهمني مطلقًا موتُ بريك، أو برادن، أو موت كوليشو، ولا إذا كان أحدهما قد كُسِرت رقبته وسُمِّم الآخر، لكنْ يدُ مَن كانت تلك التي رآها عاملُ البناء، فارنر، في ذلك الصباح، عندما أُلقي بريك من ذلك المدخل؟ هيا، أخبرني — يدُ مَن؟»
أجاب فوليوت، بثقة: «ليسَت يدي، يا ولدي!» وأردف: «هل هذه حقيقة؟»
تردَّد برايس، ونظر إلى فوليوت نظرةً فاحصة. فأومأ فوليوت برأسه بجدِّية. وكرَّر: «أنا أقول لك إنها ليسَت يدي!» وتابع: «لا علاقة لي بالأمر!»
سأل برايس في حدَّة: «إذن مَن فعلها؟» وأضاف: «هل كان الرجل الآخَر — فلود؟ وإذا كان الأمر كذلك، فمَن هو فلود؟»
نهض فوليوت من كرسيِّه، وسار، وسيجارُه بين شفتَيه، ويداه تحت ذيلِ معطفه القديم، في صمتٍ في الغرفة الهادئة لبعض الوقت. من الواضح أنه كان يُفكِّر بعمق، ولم يَقُم برايس بأيِّ محاولة لإزعاجه. ومرَّت بضع دقائق قبل أن يلتقطَ فوليوت السيجار من بين شفتَيه ويتكئَ على المدفأة وينظرَ بثبات إلى زائره.
وقال بجدِّية: «انظر هنا، يا ولدي!» وتابع: «أنت بلا شك، كما تقول، بارعٌ في اكتشاف الأشياء، ولا شك أنك قمتَ بعملٍ جيد في التحرِّي، وقد فعلتَ ذلك بشكلٍ جيد بما فيه الكفاية في رأيك الخاص. لكنْ هناك شيءٌ واحد لا يمكنك اكتشافه، ولا تستطيع الشرطةُ اكتشافه أيضًا، وهو الحقيقة الدقيقة حول وفاة برادن. فأنا لم يكن لي يدٌ في ذلك — لا يمكن أن أُتهَم بقتله، على أي حال.»
نظر برايس إليه وقاطعه بسؤالٍ قصير.
«وماذا عن كوليشو؟»
أجاب فوليوت، بسرعة: «ولا هذا، أيضًا.» وأردف: «ربما أعرف شيئًا عن كِلَيهما، لكن لا أنت ولا الشرطة ولا أي شخص يمكن أن يتهمني بقتلِ أيٍّ منهما! وبافتراضِ أن كلَّ ما تقوله صحيحٌ، أين الحقيقة المؤكَّدة؟»
سأل برايس: «ماذا عن الأدلة الظرفية؟»
رد فوليوت بحدَّة: «إن مهمتك أن تجدَها.» وتابع: «لنفترض أن كلَّ ما تقوله صحيح عن … عن أمورٍ وقعَت في الماضي. لكن لا شيء يمكن أن يُثبِت — لا شيء — أنني قابلتُ برادن في ذلك الصباح. ومن ناحية أخرى، يمكنني أن أُثبِت، بسهولة، أنني لم أقابله قط؛ يمكنني إثبات مكان وجودي في كلِّ دقيقة من وقتي في ذلك اليوم. أما بالنسبة إلى الجريمة الأخرى، فليس هناك ذرةٌ من دليلٍ مباشر ضدي!»
صاح برايس متعجبًا: «إذن ارتكبها الرجلُ الآخر!» وأضاف: «الآن إذن، مَن هو؟»
رد فوليوت مع نظرةٍ ماكرة.
وقال: «إن الرجل الذي يفضحُ نفسه من خلال الكشف عن رجلٍ آخر يُصبح أحمقَ ملعونًا!» وأردف: «إذا كان هناك رجل آخر …»
قاطعه برايس: «مثلما هو موجودٌ بالفعل!»
قال فوليوت بحسم: «إذن فهو بأمان!» وتابع: «ولن تحصلَ على معلومةٍ مني عنه!»
سأل برايس: «ولا أحد يستطيع الوصولَ إليك إلا من خلاله، أليس كذلك؟»
قال فوليوت بنحوٍ مقتضب: «هذا كل شيء عن هذا الأمر.»
ضحِك برايس بسخرية.
وقال بنبرةٍ ساخرة: «مشكلة لطيفة!» وأضاف: «والآن، انظر! لقد تحدَّثتَ عن سعري. وأنا على استعدادٍ تامٍّ لعدم إخبار أحدٍ بهذا الأمر إذا أخبرتَني شيئًا عما حدث قبل سبعة عشر عامًا.»
سأله فوليوت: «ماذا؟»
قال برايس: «لقد كنتَ تعرفُ بريك، ولا بد أنك تعرف شئون عائلته.» وأردف: «ماذا حلَّ بزوجة بريك وطِفلَيه عندما ذهب إلى السجن؟»
هزَّ فوليوت رأسه، وكان من الواضح لبرايس أنَّ نفيه كان حقيقيًّا.
وأجاب: «أنت مخطئ.» وأردف: «لم أعرف قطُّ في أيِّ وقت أيَّ شيء عن شئون بريك العائلية. كنت أعرف القليل جدًّا بالفعل، لدرجةِ أنني لم أعرف قط أنه متزوج.»
نهض برايس واقفًا على قدمَيه وأخذ يحدِّق.
وصاح متعجبًا: «ماذا!» وأضاف: «أنت تقصد أن تُخبرني بأنك، حتى الآن، لا تعرف أن بريك كان لديه طفلان، وأن … وأن … أوه، إنه أمرٌ لا يُصدق!»
سأله فوليوت: «ما الذي لا يُصدَّق؟» وتابع: «عمَّ تتحدَّث؟»
أمسك برايس وسط انفعاله ودهشته بذراعِ فوليوت وهزَّها.
وقال: «عجبًا، يا رجل!» وتابع: «إنَّ هذَين الربيبَين اللذين تحت وصاية رانسفورد هما ابنة وابن بريك! ألم تكن تعرف ذلك، ألم تكن؟»
أجاب فوليوت: «مطلقًا!» وأضاف: «مطلقًا! ومَن يكون رانسفورد، إذن؟ فأنا لم أسمع قط بريك يتحدَّث عن أيِّ شخصٍ يُدعى رانسفورد! ما الخدعة التي أتعرَّض لها؟ ما …»
قبل أن يتمكنَ برايس من الرد، انتفض فوليوت فجأةً، ودفع رفيقه جانبًا وذهب إلى إحدى النافذتَين. وجعلت صيحةُ تعجُّبٍ حادةٌ منه برايس يذهب ليقف بجواره. فرفع فوليوت يدًا مرتجفة وأشار بها نحو الحديقة.
وقال في همس: «هناك!» وأضاف: «اللعنة و… ماذا يعني هذا؟»
نظر برايس نحو الاتجاهِ المُشار إليه. حيث خلف تعريشة الورود المتسلقة كان بعضُ الرجال يتَّجهون نحو بيت البئر العتيق، يقودهم أحدُ بستانيِّي فوليوت. وفجأةً أصبحوا على مقربة، حيث يتقدَّمهم ميتشينجتون وخلفه بقليل المحقق، وخلفه جلاسديل!