الرجل الآخر
كانت الساعة قد اقتربَت من الخامسة عندما التفَّ جلاسديل، بعد أن ترك فوليوت عند باب حديقته، حول الزاوية إلى داخل هدوء محيط الكاتدرائية. وتجوَّل هناك مدَّة من الوقت، وقد أخذ يُحدِّق في المنازل القديمة الغريبة بعينَين لم ترَيا الجملونات الرائعة ولا المداخن الملتوية. إذ كان جلاسديل يُفكِّر. وكانت نتيجةُ تأملاته أنه استبدل فجأةً بمِشيته المتأنية خطواتٍ أكثرَ رشاقة وسار بثباتٍ نحو مركز الشرطة، حيث طلب مقابلة ميتشينجتون.
كان ميتشينجتون والمحقِّق على وشك السير إلى محطة السكة الحديد لمقابلة رانسفورد، وذلك وفقًا لبرقيته. وعند رؤية جلاسديل عادا إلى مكتب المفتِّش. فأغلق جلاسديل الباب ومنحهما ابتسامةً ماكرة.
وقال: «لديَّ معلومةٌ أخرى لك أيها المفتش!» وأضاف: «إنها ذاتُ صلةٍ قليلة بقضية الليلة الماضية. بالنسبة إلى قضيتَي برادن وكوليشو الغامضتَين، يمكنني أن أُخبركما بتورُّط رجلٍ معيَّن فيهما.»
سأل ميتشينجتون: «مَن يكون إذن؟»
اقترب جلاسديل خطوةً من الضابطَين وخفض صوته.
وأجاب: «الرجل المعروف هنا باسم ستيفن فوليوت.» وأردف: «هذه حقيقة!»
صاح ميتشينجتون متعجبًا: «هُراء!» ثم ضحك بنحوٍ يشير إلى عدم التصديق. وتابع: «هذا لا يمكن تصديقه! السيد فوليوت! لا بد أن هناك خطأً ما!»
أجاب جلاسديل: «لا يوجد خطأ.» وأردف: «وعلاوةً على ذلك، إن اسم فوليوت هو اسمٌ مستعار فقط. هذا الرجل في الحقيقة هو فولكينر راي، الرجل الذي كان برادن، أو بريك، يبحث عنه لسنوات عديدة، الرجل الذي خدع بريك وأوقعَه في المشاكل. أؤكِّد لكما أن هذا حقيقة! لقد اعترف، أو شبه اعترف، بذلك لي الآن.»
صاح ميتشينجتون متعجبًا: «هل اعترف لك؟ وتركك تخرج وتنشر الأمر؟» وأضاف: «هذا غيرُ معقول — إنه مدهش أكثرَ من كلامك الآخر!»
ضحك جلاسديل.
وقال: «آه، لكنني جعلته يعتقدُ أنه يمكن شرائي، هل فهمت؟» وتابع: «رِشْوة كي أصمت، كما تعلم. إنَّ لديه انطباعًا بأنني سأعود إليه هذا المساء لتسوية الأمور. أنا أعرفُ الكثير جدًّا — وقد تعرَّفت عليه، في واقع الأمر — لدرجةِ أنه لم يكن لديه خيار. أؤكِّد لكما أنه متورِّط في كِلتا القضيتَين — بكل تأكيد! لكنَّ هناك رجلًا آخر.»
سأل ميتشينجتون: «مَن هو؟»
أجاب جلاسديل: «لا يمكنني القول؛ لأنني لا أعرف، على الرغم من أنني أعرف أنه رجلٌ كان بريك يريد العثورَ عليه أيضًا.» وأضاف: «لكن على أي حال، أنا أعرف ما أتحدَّث عنه عندما أخبركما عن فوليوت. من الأفضل أن تفعلا شيئًا قبل أن يشك فيَّ.»
نظر ميتشينجتون إلى الساعة.
وقال: «تعالَ معنا إلى المحطة.» وأردف: «فدكتور رانسفورد قادمٌ على متن القطار السريع من لندن، ومعه أخبارٌ لنا. من الأفضل أن نسمعَها أولًا. فوليوت! يا إلهي — مَن كان سيُصدق هذا أو حتى يحلم به!»
قال جلاسديل أثناء خروجهم: «سترى.»
«ربما حصل دكتور رانسفورد على المعلومات نفسِها.» نزل رانسفورد من القطار فور توقُّفِه في المحطة، وهُرِع إلى حيث كان ميتشينجتون ورفيقاه يقفون. وخلفه، ولدهشة ميتشينجتون، جاء العجوز سيمبسون هاركر، الذي من الواضح أنه سافر معه. وبإشارة صامتة، دعا ميتشينجتون المجموعةَ بأكملها إلى غرفةِ انتظارٍ فارغة وأغلقَ بابها عليهم.
ومِن ثَم قال رانسفورد دون مقدمةٍ أو رسميات: «والآن إذن، أيها المفتش، عليك أن تتصرَّف بسرعة! لقد وصلَتك برقيتي — وبضع كلمات سوف تفسِّرها. لقد ذهبت إلى لندن هذا الصباح ردًّا على رسالةٍ من البنك الذي أودع برادن أموالَه فيه عندما عاد إلى إنجلترا. ولأقولَ لك الحقيقة، لقد أنهَينا أنا والمديرون هناك التحقيقَ الذي بدأته نيابةً عن برادن — على الرغم من أنه لم يكن على علمٍ بذلك — قبل سنوات، الذي كان على وشك الانتهاء بعد موت برادن. وقد التقيتُ في البنك بالسيد هاركر، الذي ذهب ليبحثَ عن بعض المعلومات لنفسه. والآن سوف أُلخص الأمورَ بإيجاز؛ لسنوات، كان برادن، أو بريك، يريد العثورَ على رجلَين خدَعاه. اسم أحدهما راي، والآخر فلود. وقد كنتُ أحاول تتبُّعَهما، أيضًا. وفي النهاية أوقَعْنا بهما. إنهما يعيشان في هذه المدينة، ولا شك أنهما متورِّطان في قتل كلٍّ من برادن وكوليشو! وأنت تعرف كِلَيهما جيدًا بما فيه الكفاية. إن راي هو …»
قاطعه ميتشينجتون، مشيرًا إلى جلاسديل: «السيد فوليوت!» وأضاف: «لقد أخبرَنا بهذا للتو؛ إذ تعرَّف عليه على أنه راي. لكن الآخر، مَن هو، يا دكتور؟»
نظر رانسفورد إلى جلاسديل كما لو كان يرغب في سؤاله، لكنه بدلًا من ذلك أجاب عن سؤال ميتشينجتون.
وقال: «الرجل الآخر، فلود، هو أيضًا رجلٌ معروف لديك. إنه فلادجيت!»
جفل ميتشينجتون، وكان من الواضح أنه اندهشَ لسماع هذا أكثرَ من الخبر الأول.
وصاح متعجبًا: «ماذا!» وتابع: «خادم الكاتدرائية! لا تقُل هذا!»
تابع رانسفورد قائلًا: «هل تتذكَّر أن فوليوت هو مَن سعى لتعيين فلادجيت خادمًا في الكاتدرائية بعد وقتٍ ليس بطويل من قدومه هو نفسه إلى هنا؟ لقد فعل هذا، على أيِّ حال، وفلادجيت هو فلود. لقد تتبعنا كلَّ شيء من خلال فلود. إذ كان راي رجلًا يصعب تتبعُه، بسبب إقامته في الخارج مدةً طويلة وتغييرِ اسمه، وما إلى ذلك، ولم يعثر وكلائي على خيطٍ لتتبع راي عبر فلود إلا مؤخرًا. لكن هذه هي الحقيقة. ومن المحتمل أنه عندما جاء برادن إلى هنا تعرَّف على هذين الشخصَين وتعرَّفا هما أيضًا عليه، وأن أحدهما أو الآخر مسئول عن موته وعن موت كوليشو أيضًا. إنها أدلة ظرفية، كلُّها، بلا شك، لكنها دامغة! والآن، ماذا تنوي أن تفعل؟»
فكَّر ميتشينجتون في الأمور لحظةً.
وقال: «فلادجيت أولًا، بالتأكيد.» وتابع: «إنه يعيش بالقرب من هنا، سنذهب إلى كوخه. إذا أدرك أنه محاصَر، فقد يعترف. لنذهب إلى هناك في الحال.»
ومن ثَم قاد المجموعةَ بأكملها خارج المحطة وعبرَ الشارع الرئيسي حتى وصلوا إلى حارةٍ ضيقة من المنازل الصغيرة التي تمتدُّ حتى كلوس. وعند مدخلها كان يسير شرطيٌّ خلال دوريته. فتوقَّف ميتشينجتون ليتبادلَ بعض الكلمات معه.
وقال، وهو ينضم إلى الآخرين: «إن هذا الرجل فلادجيت، يعيش بمفرده — في الكوخ الخامس هنا. أظن أنه على وشك تناول الشاي، سنأخذه على حين غِرَّة.» وسرعان ما وقفَت المجموعة حول بابٍ طرقَه ميتشينجتون برفقٍ، فأطلَّ على وجوههم المتجهمة والمنتبهة رجلٌ طويل، حليق الذقن، تبدو عليه بشدةٍ أماراتُ الجدِّية وأخذ يُحدِّق بهم في دهشةٍ بعد أن فتح الباب، وجفل متراجعًا للخلف. وقد شحب وجهُه بشدة وسقطت يده مرتجفةً من على المزلاج بينما سار ميتشينجتون إلى الداخل وتكدَّست البقية خلفه.
قال ميتشينجتون، وهو يدخل في الموضوعِ مباشرةً ويُراقب الرجل بدقة، بينما اقترب منه المحققُ عن كثب من الجانب الآخر: «الآن إذن، يا فلادجيت!» وأضاف: «أريد أن أتحدَّث معك في الحال. إن اسمك الحقيقي هو فلود! ما ردُّك على ذلك؟ ولا فائدة من الإنكار — ماذا لديك لتقوله عن قضيةِ برادن هذه، ومشاركتك مع فوليوت فيها، الذي اسمه الحقيقي هو راي. لقد عرَفنا كل شيء عنكما. إذا كان لديك أيُّ شيء لتقوله، فمن الأفضل أن تقوله.»
نظر خادم الكاتدرائية، الذي كانت عباءته السوداءُ ملقاةً على ظهر كرسي، من وجهٍ إلى آخرَ بعينين خائفتَين. كان من الواضح جدًّا أن مفاجأةَ المداهمة قد أزعجته تمامًا. ورأت عينا رانسفورد المتمرسةُ أنه على وشك الانهيار.
فقال: «امنَحْه بعض الوقت يا ميتشينجتون.» ثم أضاف، وهو يلتفت إلى الرجل: «تمالَكْ نفسك.» وتابع: «لا تَخف؛ أجب عن هذه الأسئلة!»
قال الرجل: «بالله عليكم، أيها السادة!» وأردف: «ما … ما الأمر؟ عن ماذا أُجيب؟ أقسم بالله، أنا بريء مثل … مثل أيٍّ منكم من موت السيد بريك! أُقسم بالله وشرفي أنا بريء!»
رد ميتشينجتون: «أنت تعرف كلَّ شيء عن الأمر.»
«أجِب، الآن، أليس صحيحًا أنك فلود، وأن فوليوت هو راي، وأنكما الرجلان اللذان أدَّت خدعتهما إلى دخول بريك السجنَ منذ سنوات؟ أجب عن ذلك!»
أخذ فلود ينظر من جانبٍ إلى آخر. كان يتَّكئ على مِنضدة الشاي الخاصةِ به الموجودة في وسط غرفة معيشته المرتَّبة. من الموقد أرسلَت غلايته صوتًا لطيفًا بدا مُناقضًا بغرابةٍ مع الموقف الكئيب.
ثم قال في النهاية: «أجل، هذا صحيح.» وأردف: «لكن في تلك القضية — أنا … أنا لم أكن المسئولَ. لقد كنت فقط — فقط وكيل راي، إن جاز التعبير: لم أكن مسئولًا. وعندما جاء السيد بريك إلى هنا، عندما قابلته ذلك الصباح …»
ثم صمت، وهو لا يزال ينظر من شخصٍ إلى آخر من الحاضرين كما لو كان يستجدي تصديقهم.
واندفع قائلًا فجأةً: «بكل تأكيد، أيها السادة! أنا لم أتعمَّد قتل السيد بريك! سأُخبركم بالحقيقة الفعلية، سوف أُقسم اليمينَ على ذلك وقتما تشاءون. كنتُ سأصبح ممتنًّا لقولها، مراتٍ عديدة، لولا … لولا راي. هو لم يسمح لي في البداية بذلك، وبعد ذلك أصبح الأمر معقَّدًا. لقد كان الأمر على هذا النحو. في ذلك الصباح، عندما عُثر على السيد بريك ميتًا، تصادف أن صعدتُ إلى تلك المقصورة الموجودة تحت نوافذ الإضاءة العلوية. وفجأةً قابلتُه وجهًا لوجه. وقد عرَفني. إنني أقول لكم الحقيقة الفعلية، المطلقة، أيها السادة! — بمجرد أن عرَفني هاجمني وأمسكَ بي من ذراعي. لم أعرفه في البداية، لكني عرَفتُه عندما أمسك بي. حاولت التخلصَ من قبضته وحاولتُ تهدئته؛ لكنه قاوم — أنا لا أعرف ماذا أراد أن يفعل — وبدأ في الصياح، وكان من المدهش أنه لم يُسمَع في الكاتدرائية بالأسفل، وكان سيحدُث ذلك لولا أنَّ صوت الأرغن كان عاليًا إلى حدٍّ ما. وخلال مقاومته، انزلق — كان ذلك بجوار المدخل المفتوح تمامًا — وقبل أن أتمكَّن من الإمساك به، اندفع عبر المدخل وسقط! لقد كان مجردَ حادث عارض، أيها السادة! أُقسم إني لم يكن لدي أيُّ نية لإيذائه.»
سأل ميتشينجتون، في نهايةِ صمتٍ قصير: «وماذا حدث بعد ذلك؟»
تابع فلود: «قابلت السيد فوليوت — راي.» وتابع: «كان ذلك بعد الحادث مباشرة. وأخبرته، فطلب مني التزامَ الصمت حتى نرى كيف ستجري الأمور. ثم في وقتٍ لاحقٍ أجبرني على التزام الصمت. ماذا كان يُمكنني أن أفعل؟ وفقًا لمجريات الأمور، كان بإمكان راي التنصُّلُ مني — لم يكن أمامي أيُّ فرصة. لذلك أمسكتُ لساني.»
سأل ميتشينجتون: «والآن، إذن، ماذا عن كوليشو؟» وأردف: «أخبِرنا بالحقيقة عن ذلك. أيًّا كانت الحادثة الأخرى، فإن هذه جريمةُ قتل!»
رفع فلود يدَه ومسح العَرقَ الذي تجمَّع على وجهه.
وأجاب: «أقسم بالله، أيها السادة!» وأضاف: «أنا لا أعرف أكثر — على الأقل، أنا أعرف أكثرَ قليلًا — عن ذلك مما تعرفونه أنتم! وسأخبركم بكلِّ ما أعرفه. كنا أنا وراي، بالطبع، نلتقي بين الحين والآخر ونتحدَّث عن هذا الأمر. وقد تناهى إلى مسامعنا في النهاية أن كوليشو يعرف شيئًا ما. وكان انطباعي الخاص هو أنه رأى ما حدث بيني وبين السيد بريك — حيث كان يعمل في مكانٍ ما هناك. فأردتُ التحدُّث إلى كوليشو. لكن راي لم يسمح لي، وطلب مني ترك الأمر له. وبعد ذلك بقليل، أخبرني أنه قدَّم لكوليشو رشوةً بمبلغ خمسين جنيهًا …»
تبادل ميتشينجتون والمحققُ النظرات.
ثم سأل المحقق: «راي — أيْ فوليوت — دفع لكوليشو مبلغ خمسين جنيهًا، أليس كذلك؟»
أجاب فلود: «لقد أخبرَني بذلك.» وأردف: «كي يُمسك لسانه. لكن بمجرد أن سمعتُ بذلك سمعت أيضًا بموت كوليشو المفاجئ. وعن كيفية حدوثِ ذلك، أو مَن … مَن الذي تسبَّب فيه. أقسم، أيها السادة، إنني لا أعرف شيئًا! وأيًّا كان ما دار بذهني، فأنا لم أذكره لراي قط، قط! فأنا … أنا لم أكن أجرؤُ على فعل ذلك! أنتم لا تعرفون أيُّ نوع من الرجال هو راي! لقد وقعتُ تحت سيطرته معظمَ حياتي والآن ماذا ستفعلون معي، أيها السادة؟»
تبادل ميتشينجتون كلمةً أو كلمتين مع المحقق، وبعد ذلك، أخرج رأسه من الباب وأشار إلى الشرطي الذي تحدَّث إليه على طرَفِ الحارة الذي ظهر الآن بصحبة أحدِ زملائه في الشرطة. واستدعى كِلَيهما إلى الكوخ.
ثم قال لخادم الكاتدرائية بحِدَّة: «اشرب الشاي الخاص بك.» وتابع: «سيظلُّ هذان الشرطيَّانِ معك هنا — عليك ألا تُغادر هذه الغرفة.» وأعطى بعض التعليمات إلى الشرطيَّين بصوتٍ خافت وأشار لرانسفورد والآخَرين كي يتبعوه. ثم قال، بعد أن أصبحوا بالخارج في الحارة الضيقة: «لقد استرعى انتباهي أنَّ ما سمعناه للتو به بعض الحقيقة. والآن دعونا ننتقلْ إلى منزل فوليوت — هناك طريقٌ يؤدي إليه من هنا.»
كانت السيدة فوليوت بالخارج، وكان ساكفيل بونهام لا يزال حيث ترَكه برايس، في ملاعب الجولف، عندما وصل المطارِدون إلى منزل فوليوت. حيث وجَّهَتهم الخادمةُ إلى الحديقة، وتطوَّع بُستاني باقتراح أن سيده قد يكون في بيت البئر العتيق وأرشدهم إلى الطريق. ورآهم فوليوت وبرايس قادِمَين فنظر كلٌّ منهما إلى الآخر.
وصاح برايس متعجبًا: «جلاسديل!» وأضاف: «يا إلهي، يا رجل! لقد أبلغ عنك!»
كان فوليوت لا يزال يُحدِّق عبر النافذة. ورأى رانسفورد وهاركر يتبعان الأشخاصَ الذين في المقدمة. وفجأةً التفت إلى برايس.
وسأله: «هل لك يدٌ في هذا الأمر؟»
صاح برايس متعجبًا: «أنا؟» وأضاف: «أنا لم أعرف شيئًا قط قبل الآن!»
أشار فوليوت إلى الباب.
وقال: «انزل!» وأردف: «وافتح لهم الباب، وادعُهم للصعود إلى هنا! أنا … أنا سأُسوي الأمرَ معهم. اذهب!»
أسرع برايس إلى الغرفة السُّفلية. كان الانفعال يجتاحه — وهو أمرٌ غيرُ معتَادٍ بالنسبة إليه — ولكن في غضون ذلك، بينما يتقدَّم نحوَ الباب الخارجي، طرأ على ذهنه فجأةً فكرةُ أن كل مخطَّطاته وتدابيره ضاعت هباءً. لقد اتضحَت الحقيقة، ولن تُفيده على الإطلاق. لقد هُزم.
لكن ذلك لم يكن وقتَ التأمل الفلسفي؛ كان مَن بالخارج يطرقون الباب بالفعل. ففتحه على مِصراعَيه، وجفل الرجال الذين في المقدمة باندهاشٍ عند رؤيته. لكن برايس انحنى إلى الأمام نحو ميتشينجتون — وكان حريصًا على لعبِ دورٍ حتى النهاية.
وقال هامسًا: «إنه في الغرفة العُلوية!» وتابع: «هناك بالأعلى! سوف يحاول خداعك إذا استطاع، لكنه اعترفَ لي للتو …»
دفع ميتشينجتون برايس جانبًا، على نحوٍ شبهِ عنيف.
وقال: «نحن نعرف كلَّ شيء عن الأمر!» وتابع: «سيكون لي معك كلمةٌ أو كلمتان لاحقًا! تعالَ، الآن …»
احتشد الرجال على السُّلم المؤدِّي إلى مقرِّ استرخاء فوليوت، وتبِعهم برايس، وهو يتساءل عن معنى كلماتِ المفتِّش وأسلوبه، عن كثبٍ بعد المفتش والمحقق وجلاسديل، الذي تقدَّمهم. كان فوليوت يقف في منتصف الغرفة، بينما إحدى يدَيه خلف ظهره، والأخرى في جيبه. وعندما دخل الثلاثة الذين في المقدمة إلى المكان، أظهر يدَه المَخْفية بنحوٍ حاد وصوَّب مسدسًا نحو جلاسديل وأطلق عليه الرصاصَ مباشرة.
لكن لم يكن جلاسديل هو مَن سقط. إذ إنه، بحذرٍ ويقظة، قفز جانبًا عندما رأى حركة فوليوت، ووجدت الرصاصةُ، وهي تمر بين ذراعه وجسده، مُستقَرًّا لها في جسد برايس، الذي سقط، دون أن يتأوَّه، بطلقةٍ في القلب. وبينما يسقط، لم ينظر فوليوت إلى ما فعله، وسحب يدَه الأخرى من جيبه، ووضع شيئًا في فمه وجلس على الكرسيِّ الكبير خلفه … وفي غضون لحظة، كان الرجال الآخرون في الغرفة ينظرون بوجوهٍ مفزوعةٍ إلى جثَّتَي برايس وفوليوت.