غرفة في فندق مايتر
في الثواني القليلة التي انقضَت قبل أن يعلم رانسفورد بوجود برايس، أخذ برايس يُلاحظ بعناية، وعلى نحوٍ سريع، ربَّ عمله السابق. كان من الواضح للغاية أن رانسفورد منزعجٌ من شيء ما؛ فوجهُه كان لا يزال شاحبًا، وكان يتحدَّث إلى نفسه بصوتٍ منخفض، ويضرب بقبضة يده المضمومة راحةَ اليد الأخرى — وبشكل عام، بدا وكأنه رجلٌ واجهَته فجأةً مشكلةٌ مخيفة. وبعد أنْ راقبه برايس طويلًا بما يكفي بحيث يتحقَّق له ما أراد، سعل برفق، فانتفض رانسفورد بطريقةٍ تُشير إلى أن أعصابه أصبحت متوترةً للغاية.
وحينها قال بحدَّة: «ما الأمر؟ … ماذا تفعل هناك؟» ثم أردف: «ماذا تقصدُ بالمجيءِ على هذا النحو؟»
تظاهر برايس بأنه لم يرَ شيئًا.
وأجاب: «جئتُ لأخذِك معي.» وتابع: «لقد وقع حادثٌ في بارادايس — سقط رجلٌ من ذلك الباب الموجود أعلى سُلم سانت رايثا. وأرجو أن تأتيَ — لكن عليَّ أن أُخبرك أيضًا أنه قد فات أوانُ إسعافه؛ فهو ميت بالفعل!»
صاح رانسفورد متعجبًا: «ميت! رجل؟» وتابع: «أيُّ رجل؟ أهو عامل؟»
كان برايس قد اتخذَ قراره بالفعل فيما يتعلَّق بإخبار رانسفورد عن زيارةِ الشخصِ الغريبِ للعيادة. وقرَّر ألا يُخبره عنها — في ذلك الوقت على أيِّ حال. كان من غير المحتمل أن هناك مَن علم بأمر الزيارة غيرَه؛ حيث تَحْجب المدخلَ الجانبيَّ للعيادة عن كلوس إحدى الجَنْبات؛ لذا فإنه من غير المحتمل أن يكون أيٌّ من المارة قد رأى الرجلَ يأتي أو يُغادر. لا، كان سيتكتَّم على الأمر حتى يتمكنَ من الاستفادة منه بشكل أفضل.
أجاب: «إنه ليس عاملًا — ولا أحد سكانِ المدينة — إنه أحد الغرباء.» وتابع: «يبدو وكأنه سائحٌ غني. إنه رجل عجوز، نحيف البِنية، أشيبُ الشعر.»
نظر رانسفورد، الذي كان قد استدار نحوَ مكتبه ليتمالك نفسَه، إلى الخلفِ بنظرةٍ حادةٍ ومفاجئة — وفي تلك اللحظة تفاجأ برايس بشدَّة. والسبب وراء ذلك هو أنه كان قد أدان رانسفورد بالجريمة في قرارة نفسِه — ومع ذلك كانت تلك النظرة تُعبِّر عن تفاجؤٍ حقيقي على ما يبدو، نظرة كادت تُقنعه، رغمًا عنه، ورغم الحقائق الواضحة للغاية، أن رانسفورد كان يسمع عن جريمة بارادايس لأول مرة.
قال رانسفورد: «هل هو رجلٌ عجوز — أشيب الشعر — نحيف البنية؟» ثم أردف: «ذو ملابسَ داكنةٍ … وقبعة من الحرير؟»
أجاب برايس، وقد اندهش الآن على نحوٍ كبير: «بالضبط.» ثم أضاف: «هل تعرفه؟»
أجاب رانسفورد: «لقد رأيتُ رجلًا بهذه الصفات يدخل الكاتدرائية منذ مدَّةٍ وجيزة.» وتابع: «وهو غريب، بالتأكيد. تعالَ معي، إذنْ.»
كان قد تمالكَ نفسه تمامًا بحلول ذلك الوقت، وقطعَ الطريق من العيادة وعبر كلوس كما لو كان متوجهًا إلى زيارةٍ مِهنية عادية. وظل صامتًا وهما يسيران بسرعةٍ نحو بارادايس، وكان برايس صامتًا، أيضًا. لقد درَس شخصية رانسفورد جيدًا خلال مدَّة معرفة بعضِهما ببعضٍ التي دامَت عامين، وكان يعرف قُدرة رانسفورد على كبحِ مشاعره والسيطرةِ عليها وإخفاء أفكاره. والآن قرَّر أن النظرة والانتفاضة اللذَين اعتبرهما في البداية علامتين على اندهاشٍ حقيقي قد اختلَقَهما بمهارة، ولم يتفاجأ — بعد وصولهما إلى مجموعةِ الرجال المجتمعين حول الجثة — عندما لم يُظهِر رانسفورد شيئًا سوى الاهتمامِ المهني.
سأل رانسفورد، بعد فحصٍ قصير، وبينما كان يلتفتُ إلى ميتشينجتون: «هل فعَلتم أيَّ شيء لمحاولةِ معرفة مَن هذا الرجل البائس؟» ثم أردف: «من الواضح أنه غريبٌ — لكن من المحتمل أنه يحملُ أوراقًا معه.»
أجاب ميتشينجتون: «لا يوجد شيءٌ معه — ما عدا حقيبة، بها الكثيرُ من المال.» وتابع: «لقد فتَّشت جيوبه بنفسي؛ ليس هناك قصاصةُ ورق — ولا حتى رسالة قديمة. لكن من الواضح أنه سائح، أو شيء من هذا القبيل، ولذا فمن المحتمل أنه أقام في المدينة طَوال الليل، وسأسألُ عنه في الفنادق.»
قال رانسفورد بطريقةٍ آلية: «ستكون هناك جلسةُ تحقيقٍ بالطبع لتحديد طريقةِ الوفاة.» ثم أردف: «حسنًا، لا يُمكننا فعلُ أيِّ شيء، يا ميتشينجتون. من الأفضل أن تُنقل الجثة إلى المشرحة.» ثم استدار ونظر إلى أعلى السُّلم المتهدم الذي كانوا يقفون أسفله. وسأل: «أنت تقول إنه وقَع من أعلى السُّلم؟» ثم أضاف: «ماذا كان يفعل هناك؟»
نظر ميتشينجتون إلى برايس.
وسأله: «ألم تُخبر دكتور رانسفورد كيف حدثَ الأمر؟»
أجابه برايس: «كلا.» ثم نظرَ إلى رانسفورد، وهو يُشير إلى فارنر، الذي عاد مع الشرطيِّ وكان يقف بجوارهم. وتابع حديثَه، بينما كان يُراقب رانسفورد بدقة: «إنه لم يسقط.» ثم أردف: «لقد أُلقِيَ بعنفٍ من هذا المدخل. وقد رأى فارنر الحادث.»
احمرَّ وجه رانسفورد، ولم يستطِع كبح تعرُّضه لانتفاضةٍ طفيفة. ونظر إلى عامل البناء.
وصاح متعجبًا: «لقد رأيتَه بالفعل!» وتابع: «عجبًا، ماذا رأيت؟»
أجاب فارنر، وهو يُشير برأسه نحو الرجل الميت: «رأيته!» ثم أردف: «وهو يُلقى به، بالكامل، من خلال ذلك المدخل هناك بالأعلى. ولم تكن لديه فرصةٌ لإنقاذ نفسه، على الإطلاق! ولم يستطِع التشبُّثَ بأي شيء وسقط لأسفل. أؤكد لك أنني رأيتُ ذلك — كما سمعت صرختَه — ومستعدٌّ أن يُخصم مني أجرُ عامٍ كامل إذا كنت كاذبًا.»
كان رانسفورد ينظر إلى فارنر بتركيزٍ شديد.
ثم سأله فجأة: «مَن الذي ألقاه؟» ثم أردف: «فأنت تقول إنك رأيتَ الحادث!»
أجابه عاملُ البناء: «أجل، يا سيدي، ولكني لم أرَ الجانيَ!» وأضاف، وهو يلتفتُ إلى رجال الشرطة بنظرةٍ تدل على علمِ صاحبها بشيءٍ مهم: «لقد رأيتُ يدًا فقط — ولم أرَ أكثر من ذلك. ولكن هناك شيء واحد يُمكنني أن أُقسِمَ عليه — لقد كانت يدَ رجلٍ نبيل! إذ رأيتُ سِوار القميص الأبيض وجزءًا من كُمٍّ أسود!»
التفتَ رانسفورد بعيدًا. لكنه عاود الالتفاتَ فجأةً نحو المفتش.
وقال: «عليك أن تُخبر القائمين على الكاتدرائية بالأمر، يا ميتشينجتون.» وأردف: «ولكن مِن الأفضل نقلُ الجثة، أولًا — افعل ذلك الآن قبلَ انتهاء القدَّاس الصباحي. وأطلِعْني على ما ستكتشفُه عن هُويته، إذا كان بإمكانك اكتشافُ أيِّ شيء في المدينة.»
ثم انصرف مبتعدًا، دون أن يقولَ المزيد أو يُلقيَ نظرةً أخرى على الرجل الميت. لكن برايس قد أكَّد لنفسه بالفعل أن ما هو متأكدٌ منه كان حقيقةً — إذ إن نظرةَ ارتياح لا لبسَ فيها قد اجتاحَت وجه رانسفورد لجزءٍ من الثانية عندما علم أنه لا توجد أوراقٌ توضح هُوية الرجل الميت. هو نفسُه انتظر بعد رحيل رانسفورد؛ انتظر حتى أحضر رجالُ الشرطة نقالة، ومن ثَم أشرف بنفسه على نقلِ الجثة إلى المشرحة خارج كلوس. وهناك قدَّم شرطيٌّ جاء من مركز الشرطة إفادةً بسيطة استدعَت المزيدَ من التحقيق.
لقد قال للمفتش: «لقد رأيتُ ذلك الرجل المسكين الليلةَ الماضية يا سيدي.» ثم أضاف: «كان يقف عند بوابة فندق مايتر، ويتحدَّث إلى رجلٍ آخر — رجل طويل القامة بعض الشيء.»
قال ميتشينجتون: «إذن سأذهب إلى هناك.» ثم أردف: «تعالَ معي، إذا أردت، يا دكتور برايس.»
كان هذا بالضبط ما أراده برايس — كان مهتمًّا بالفعل أن يحصلَ على كل المعلومات التي يُمكنه الحصولُ عليها. ومن ثم سار عبر الطريق مع المفتش، إلى الفندق ذي الطِّراز العتيق الذي شغَل تقريبًا جانبًا من الميدان الصغير المعروف باسم منداي ماركت، وبالداخل في بَهْو الفندق، وجَدا مالِكتَه، السيدة بارتينجلي، وهي تنظرُ من النافذة المُقوَّسة التي كانت تُستخدم كبارٍ خارجيٍّ في أيام استخدام عربات الخيول. وأدرك برايس على الفور أنها قد سمعت الخبر.
سألت عندما اقترَبا من الساحة المرصوفة بالحصى: «ما الأمر، يا سيد ميتشينجتون؟» ثم أضافت: «لقد جاء شخصٌ إلى هنا ليقولَ إن هناك حادثًا وقعَ لأحد الرجال، وهو شخصٌ غريب عن المدينة — آمُل ألا يكونَ أحدَ النزيلَين الموجودين لدينا في الفندق؟»
أجاب المفتش: «أظن أنه أحدُهما يا سيدتي.» وتابع: «لقد رآه أحد رجالنا أمامَ الفندق في الليلة الماضية، على أيِّ حال.»
غمغمت صاحبةُ الفندق بشيء ينمُّ عن الضيق، وفتحت بابًا جانبيًّا، ودَعَتهما إلى الدخول إلى غرفة الاستقبال.
وسألَت بقلق: «أيُّهما هو؟» وتابعت: «فهناك اثنان — جاءا معًا في الليلة الماضية — أحدهما طويلٌ والآخر قصير. يا إلهي! — هل هو حادثٌ سيئ، أيها المفتش؟»
أجاب ميتشينجتون بتجهُّم: «لقد مات الرجل، يا سيدتي.» وتابع: «ونريد أن نعرفَ مَن هو. هل حصَلتِ على اسمه — واسم الرجل الآخر؟»
أطلقَت السيدة بارتينجلي عبارةً أخرى تُعبِّر عن الضيق والدهشة، وهي ترفع يدَيها الممتلئتَين في رعب. لكنَّ قدرتها على إدارة عملها ظلَّت يَقِظة، وسارعت إلى إخراج سجلٍّ كبير للنزلاء وفتحَته أمام زائِرَيها.
ثم قالت، وهي تُشير إلى الاسمَين الأخيرين: «ها هما هنا!» ثم أضافت: «هذا هو اسم الرجل القصير — السيد جون برادن، من لندن. وهذا هو اسمُ الرجل الطويل — السيد كريستوفر ديلينجهام — من لندن أيضًا. إنهما سائحان بالطبع — إذ لم نرَ أيًّا منهما من قبل.»
سألها ميتشينجتون: «لقد جاءا معًا، مثلَما قلتِ، يا سيدة بارتينجلي، أليس كذلك؟» وتابع: «متى كان ذلك، إذن؟»
أجابت صاحبةُ الفندق: «قبل العِشاء مباشرة، في الليلة الماضية.» وتابعت: «من الواضح أنهما جاءا مستقلَّين قطارَ لندن — الذي يصل في الساعة السادسة وأربعين دقيقةً، كما تعلم. وقد جاءا إلى هنا معًا، وتناوَلا العَشاء معًا، وأمضَيَا المساء معًا. بالطبع، اعتبرناهما صديقَين. لكنهما لم يخرجا معًا هذا الصباح، رغم أنهما قد تناولا الإفطار معًا. وبعد الإفطار، سألني السيد ديلينجهام عن الطريق إلى مانور ميل العتيقة، وتوجَّه إلى هناك، هكذا استنتجتُ. أما السيد برادن، فقد أمضى الوقت مسترخيًا قليلًا، يدرسُ دليلًا محليًّا أعَرْتُه إياه، وبعد مدةٍ سألني إذا كان بإمكانه استئجارُ عرَبة صغيرة تُقِله إلى ساكسونستيد بعد ظهر هذا اليوم. بالطبع، قلتُ إنه يستطيع ذلك، ورتَّب للأمر بحيث يصبح جاهزًا للانطلاق في الساعة الثانية والنصف. ثم خرج وعبَرَ السوق باتجاهِ الكاتدرائية. وهذا هو كل ما أعرفه، أيها السيدان.»
قال ميتشينجتون: «هل قلتِ ساكسونستيد؟» وأردف: «هل قال أيَّ شيء عن أسبابِ ذَهابه إلى هناك؟»
أجابت صاحبةُ الفندق: «حسنًا، أجل، لقد فعل.» وتابعت: «لأنه سألني إذا كنت أعتقدُ أنه من المحتمل أن يجد الدوق في المنزل في ذلك الوقت من اليوم. قلت إنني أعلم أنَّ سموَّه موجود في ساكسونستيد الآن، وأظن أن منتصفَ وقتِ ما بعد الظهر سيكون وقتًا مناسبًا.»
سألها ميتشينجتون: «ألم يُخبرك عما يريده من الدوق؟»
قالت صاحبة الفندق: «مطلقًا!» وتابعَت: «أوه، كلا! — هذا فقط، وليس أكثر. لكن ها هو السيد ديلينجهام قد جاء.»
استدار برايس ليرى رجلًا طويلَ القامة، عريضَ الكتفَين، ذا لحية يمرُّ أمام النافذة — وفُتح الباب ودخل، وأخذ ينظرُ بفضولٍ إلى المفتش. ثم التفتَ على الفور إلى السيدة بارتينجلي.
وقال: «سمعتُ أن حادثًا قد وقع لذلك الرجل الذي أتيتَ معه الليلة الماضية؟» وأردف: «هل الأمر خطير؟ إذ يقول السائسُ الخاص بكِ …»
أجابت صاحبة الفندق: «لقد جاء هذان السيدان من أجل هذا الأمرِ يا سيدي.» ثم نظرَت إلى ميتشينجتون. وأضافت: «ربما ستُخبره …»
سأله ميتشينجتون: «هل كان صديقَك، يا سيدي؟» وأردف: «هل كان صديقًا شخصيًّا؟»
أجاب الرجل الطويل: «لم أرَه في حياتي قبل الليلة الماضية!» وأضاف: «لقد تصادف فقط أنِ التقَينا في القطارِ القادمِ من لندن، وتحدَّثنا، واكتشفنا أننا ذاهبان إلى المكان نفسِه — رايتشستر. ومن ثَم، أتينا إلى هذا الفندق معًا. كلا، هو ليس صديقي ولا حتى أحد معارفي — بالطبع قبل الليلةِ الماضية. هل … هل الأمرُ خطير؟»
أجاب ميتشينجتون: «لقد مات، يا سيدي.» وتابع: «ونحن الآن نريد أن نعرفَ مَن هو.»
صاح السيد ديلينجهام متعجبًا: «يا إلهي! هل مات؟ هل هذا صحيح؟!» وتابع: «يا إلهي! في الواقع، أنا لا يُمكنني مساعدتك — فأنا لا أعرفه معرفةً وطيدة. لكنه رجلٌ لطيف ومطَّلِع، كما يبدو أنه سافرَ كثيرًا إلى بلدانٍ أجنبية. أستطيع أن أؤكد لك ذلك، رغم معرفتي البسيطة به.» ثم تابعَ حديثه، كما لو أنَّ ذِكْرى مفاجئة قد طرأَت على ذهنه: «وفهمتُ أنه قد وصل لتوه إلى إنجلترا — في الواقع، الآن عندما أُفكر في الأمر، أرى أنه قد قال شيئًا في هذا الإطار. لقد أدلى بملاحظةٍ في القطار حول جمال المناظر الطبيعية الإنجليزية، أفهمتَ ما أقصد؟ — أتصور أنه جاء مؤخرًا من بلدٍ ما حيث الأشجارُ وأسيجةُ الشجيرات والحقول الخضراء غيرُ موجودة كثيرًا. لكن إذا كنتَ تريد أن تعرف مَن هو، أيها الضابط، فلماذا لا تفتش ملابسه؟ من المؤكد أنه يحمل أوراقًا وبطاقات وما إلى ذلك.»
أجاب ميتشينجتون: «لقد فتَّشناه.» ثم أردف: «لكن لا توجد معه ورقةٌ أو خطاب أو حتى بطاقة زيارة.»
نظر السيد ديلينجهام إلى صاحبة الفندق.
وقال: «يا إلهي!» وتابع: «إنه لَأمرٌ لافت! لكنه كانت لديه حقيبةُ سفر، أو شيءٌ من هذا القبيل — حقيبة خفيفة — حمَلها بنفسِه من محطة السكة الحديد. ربما في تلك …»
قال ميتشينجتون: «أودُّ أن أرى كلَّ متعلقاته.» ثم أردف: «من الأفضل أن نفحصَ غرفته، يا سيدة بارتينجلي.»
تبع برايس صاحبةَ الفندق والمفتشَ إلى الطابق العُلوي — وتبعه السيد ديلينجهام. ودخل الأربعةُ جميعُهم إلى غرفة نومٍ تُطلُّ على ميدان منداي ماركت. وهناك، على طاولةٍ جانبية، كانت توجد حقيبةُ سفرٍ جلديةٌ صغيرة، يمكن حملُها بسهولة، وقد فُتح النصفُ العلويُّ منها، وأسند ظهرها على الحائط خلفها.
وقفَت صاحبة الفندق، والسيد ديلينجهام وبرايس في صمتٍ بينما كان المفتش يفحص محتوياتِ الحقيبة الوحيدة الموجودة في الغرفة. لم يكن هناك الكثيرُ مما يمكن رؤيته — كانت أدواتُ العناية الشخصية التي أحضرها الزائر منتشرةً على منضدة الزينة — الفُرُش، والأمشاط، وعلبة أمواس الحلاقة، وما شابهَ. وأومأ ميتشينجتون برأسه جانبًا نحوَها عندما بدأ في إخراج الأغراض من الحقيبة.
وقال: «هناك شيءٌ واحد يسترعي انتباهي في الحال.» وتابع: «بالقطع قد لاحظتموه أيها السادة. إن كلَّ هذه الأشياء جديدة! لم تُستخدم هذه الحقيبة مدةً طويلة؛ انظروا، الجلد لم يَبْلَ تقريبًا، وتلك الأشياء التي على منضدة الزينة جديدة. وما يوجد هنا يبدو جديدًا أيضًا. ليس هناك الكثير، كما ترون — ومن الواضح أنه لم يكن ينوي الإقامةَ هنا مدةً طويلة. هناك بنطالٌ إضافي، وبعض القمصان والجوارب والياقات وأربطة العنق والشباشب والمناديل — هذا كلُّ شيء. وأول شيء يجب فعلُه هو معرفةُ ما إذا كانت الملابس مطرَّزًا عليها اسمُ صانعها أو الأحرفُ الأولى منه.»
أخذ يفحص الأغراضَ المختلفة بمهارةٍ أثناء إخراجها، وفي النهاية هز رأسه.
وقال: «لا يوجد اسمٌ، ولا أحرفٌ أولى.» وأردف: «لكن انظروا هنا — هل ترَون، أيها السادة، مِن أين اشترى هذه الياقات؟ نصف دُزَينة منها، في صندوق. باريس! ها هو ذا — اسم البائع، داخل الياقة، تمامًا كما هو الحال في إنجلترا. أريستيد بيجول، ٨٢ شارع كابوسين. وبالحكم من خلال مظهرِها، أرى أن هذه القمصان مشتراةٌ من هناك أيضًا — والمناديل وأربطة العنق؛ جميعها تتمتَّع بمظهرٍ أجنبي. قد يكون هناك دليلٌ في ذلك — ربما نتتبَّعه في فرنسا إذا لم نتمكَّن من ذلك في إنجلترا. ربما يكون رجلًا فرنسيًّا.»
صاح السيد ديلينجهام متعجِّبًا: «أُقسم أنه ليس كذلك!» وأضاف: «مهما كانت المدةُ التي قضاها خارجَ إنجلترا، فهو لم يفقد لهجةَ شمال البلاد! لقد كان من سكان شمال البلاد — من يوركشاير أو لانكشاير، أستطيع أن أؤكِّد لك ذلك. إنه ليس فرَنسيًّا، أيها الضابط — كلا ليس هو!»
قال ميتشينجتون، الذي كان قد أفرغَ الآن كلَّ محتويات الحقيبة: «حسنًا، لا توجد أيُّ أوراق هنا، على أي حال.» وأضاف: «لا شيء لتحديد هُويته. لا شيء هنا، كما ترون، يحتوي على أوراقٍ سوى هذا الكتابِ القديم، الذي يحمل اسم «تاريخ بارثورب».»
قال السيد ديلينجهام ملاحظًا: «لقد أراني هذا الكتابَ في القطار.» وأردف: «فأنا مهتمٌّ بالآثار وعلمِ الآثار، وأي شخص يُمضي بعض الوقت في صحبتي يكتشفُ ذلك. تحدَّثنا عن تلك الأمور، فأخرج ذلك الكتاب، وأخبرني بفخرٍ كبير، أنه اشتراه من عرَبةٍ لبيع الكتب في الشارع، في مكانٍ ما بلندن، مقابل جنيه وستة شلنات.» وأضاف بتأمُّل: «أعتقد أن ما جذبه إليه هو التجليد الجِلدي العتيق والواجهة الفولاذية — فأنا متأكدٌ من أنه ليس لديه معرفةٌ كبيرة بالآثار.»
وضع ميتشينجتون الكتاب، فالتقطه برايس، وفحصَ صفحة العنوان، وقال في نفسه إن بارثورب كانت مدينة تُقام فيها سوقٌ مركزية في منطقة ميدلاندز. وكان على طرَف لسانه أن يقول إنه إذا لم يكن للرجل الميتِ اهتمامٌ خاصٌّ بالآثار وعلم الآثار، فمن الغريب نوعًا ما أن يشتريَ كتابًا متخصصًا في الآثار، وربما يكون قد اشتراه بسببِ صلةٍ ما بينه وبين بارثورب. لكنه تذكَّرَ أن سياسته الخاصةَ هي الاحتفاظ بالحقائق ذاتِ الصلة من أجل اعتباره الخاصِّ؛ لذلك لم يقل شيئًا. وبعد أن أشار ميتشينجتون إلى أنه ليس هناك المزيدُ للقيام به، وتأكد من السيد ديلينجهام أنه كان ينوي البقاءَ في رايتشستر على أيِّ حال بضعةَ أيام، نزلوا مرةً أخرى إلى الطابق السفلي، وذهب برايس والمفتش إلى مركز الشرطة.
انتشر الخبرُ عبر قلب المدينة، وتجمَّع حشدٌ من الناس عند أبوابِ مركزِ الشرطة. وبالداخل كان هناك فقط اثنان أو ثلاثةٌ من المواطنين البارزين الذين كانوا يتحدَّثون إلى رئيس الشرطة — من بينهم السيد ستيفن فوليوت، زوج أمِّ الشاب بونهام — وهو رجل ضخم، ممتلئُ الوجه يُقيم في كلوس منذ عدة سنوات، وكان من المعروف أنه صاحبُ ثروةٍ كبيرة، كما كان مشهورًا بزراعة الورود النادرة. وقد كان يُخبر رئيس الشرطة بشيءٍ ما، وأشار الأخير إلى ميتشينجتون بالاقتراب.
وقال: «إن السيد فوليوت يقول إنه قد رأى هذا الرجلَ النبيل في الكاتدرائية.» وأضاف: «لا يُمكن أن يكون ذلك قبل وقتٍ طويل جدًّا من وقوع الحادث، وَفقًا لروايتك، يا سيد فوليوت، أليس كذلك؟»
أجاب السيد فوليوت: «على ما أظن، قبله بخمسِ دقائق إلى عشر دقائق.» وتابع: «أتصوَّر أن الأمر كذلك لأنني ذهبتُ إلى القدَّاس الصباحي، الذي يُقام في الساعة العاشرة. وقد رأيته يصعد السُّلمَ الداخلي إلى مقصورةِ نوافذ الإضاءة العلوية — حيث كان يتفحَّص المكان. خمس إلى عشر دقائق — ولا بد أن الحادث قد وقَع بعد ذلك مباشرة.»
سمع برايس ذلك والتفتَ بعيدًا، ليُجرِيَ حساباته. لقد كانت الساعة تُقارب العاشرةَ عندما رأى رانسفورد يخرج مسرعًا من الرِّواق الغربي. وكان هناك سُلَّم من الشرفة نزولًا إلى ذلك الرواق الغربي. فما هو الاستنتاج، إذن؟ لكنه في الوقتِ الحاليِّ لم يصل إلى استنتاجٍ محدَّد؛ بدلًا من ذلك، عاد إلى شقته في فرايري لين، وأغلقَ بابها جيدًا، ثم أخرج من جيبه قصاصة الورق التي أخذها من جثة الرجل الميت.