تمهيد
كانت السنوات الأولى من بداية القرن العشرين مرحلة انتقال فني، بالنسبة للفِرَق المسرحية التي شهد الثلث الأخير من القرن التاسع عشر أمجادَها، وبين نفس الفِرَق التي أصبحتْ تَلفِظ أنفاسَها الأخيرة مع بداية القرن العشرين، وكأنها سُنَّة الحياة، فكل شيء يصير إلى زوال، ولكنه في الوقت نفسه يترك لنا بذورًا من بقاياه، لتنبت نبتًا جديدًا، يكتسب صفات زمنه، مع المحافظة على بعض أصوله المكتسبة من الماضي.
ومسرحية «الأمير محمود» مستوحاة من حكايات ألف ليلة وليلة، تلك الحكايات التي كانت تَلقَى إعجابًا كبيرًا من الجمهور المسرحي في تلك الفترة، خصوصًا قِطَعها الشعرية والغنائية. وهذه المسرحية تدور حول الأمير محمود، الذي تَقَع في يَدِه صورة لفتاة جميلة، فيَهِيم على وجهه في مشارق الأرض ومغاربها بحثًا عن صاحبة الصورة، وتقع له حوادث كثيرة في كل بلد، وأخيرًا تقوده المصادفة إلى معرفة هذه الفتاة؛ حيث إنها زهر الرياض ابنة ملك الصين حسَّان، وعندما يذهب الأمير لطلب الزواج يجد الفتاة مُصابة بالجنون بفعل شيطان اسمه سحاب، وأن والدها على استعداد لزواجه منها إذا استطاع شفاءها وقتْل الشيطان سحاب، وبالفعل يُفلِح الأمير محمود في هذه المَهَمَّة، ويتزوَّج من الأميرة وتنتهي المسرحية.
شبَّتِ النار شبوبًا هائلًا في الساعة العاشرة وربع من مساء أمس في تياترو الشيخ أبي خليل القباني المجاوِر لسوق الخضار، وساعدتِ الريح الشديدة وقتئذٍ عَلَى اشتعالها، حتى رَجَفَتِ القلوب خِيفةً من شرِّ هَوْلها، وخَشِيَ الناس جميعًا زيادة امتدادها، غير أن رجال المطافي أخذوا يبذلون قصارى جهدهم في إطفاء الحريق حتى أطفئوه في نصف الليل، بعد أن دُمِّر التياترو بأجمعه وبعض القهاوي والحوانيت المجاورة، وبلغتِ الخسائر ٢٤٢٠ جنيهًا، وقُيِّد الحادث قضاءً وقَدَرًا.
وقارئ مسرحيات القباني يلاحظ أن حوارها الفصيح مزيجٌ من النثر المسجوع والشعر الراقي، ذلك الشعر الذي كان يُلقِيه الممثِّلون بصورة غنائية موسيقية، وهذا اللون عُرِف فيما بعدُ باسم «الأوبريت». وأسلوب الكتابة المسرحية بهذه الطريقة اتَّبعه القباني إرضاءً لذوق جماهيره العربية والمصرية التي كانت متعلِّقة بالغناء، وكمثال على هذا نُورِد هنا قول محمود لأبيه الملك من مسرحية «الأمير محمود نجل شاه العجم» للقباني:
«مذاهب العشق يا والدي تختلف، يُدرِكها كلُّ مشوق كَلِف، فقد يكون باللمس ويكون بالنظر، ويكون باستحسان بعض الصور، ويكون يا والدي بالسماع، فيُوقِع المحب في النزاع، وقد يكون بمجرد الوصْف، فيورد العاشق موارد الحتْف، ومنهم مَن أصَابَه في الأحلام فانتبه مرعوبًا من الوجْد والهيام، ومنهم مَن عَشِق باللَّثْم فكابَد كلَّ غمٍّ وهمٍّ، وقد يكون العشق اختياري، ويكون بمسارقة النظر اضطراري، وللعشق يا والدي مراتب وأحكام، يعرفها كل مَن عشق فهَام، والخلاصة يا والدي الحنون، أن الجنون فيه فنون:
ويرجع الفضل الأول للقباني في إدخال عنصر الغناء بين فصول المسرحية أوَّلًا، ومن ثمَّ إدخاله ضمن المشاهد التمثيلية ثانيًا، وذلك في المسرح العربي في مصر؛ حيث كان المطربون يقدِّمون الغناء في الحفلات الخاصة والعامة بمصاحبة التَّخْت الموسيقي بصورة منفردة، وقد كسر القباني هذه القاعدة عندما قدَّم بين فصول مسرحياته قِطَعًا غنائية لعبده الحامولي وألمظ، ثمَّ ضم إلى فرقته المطربين أمثال: محمد عبد العزيز، إبراهيم أحمد الإسكندراني، نديم الآلاتي، ليلى الشامية، ملكة سرور. ومن هؤلاء مَن كوَّن فرقة مسرحية غنائية بعد ذلك، مثل الشيخ إبراهيم أحمد الإسكندراني الذي ألَّف جوق الترقِّي الأدبي عام ١٩٠٢، ومنهم مَن كوَّن تختًا موسيقيًّا، مثل محمد عبد العزيز الذي عمل بمصاحبته في تياترو الشانزليزيه ١٩١٩.
أما في مجال التمثيل، فقد أَخرَج القباني عناصر تمثيلية، كان لها شأن كبير في حركة المسرح العربي في مصر، ومنهم الممثل الكوميدي محمد بهجت، الذي ألَّف فرقة خاصة به عام ١٩٢٠، وعمل بها في كازينو دي باري، وكوَّنها مرة أخرى عام ١٩٢٨، وعمل بها في مسرح بيرة الأهرام، هذا بالإضافة إلى عمله كأحد العناصر الأساسية في عدة فِرَق مسرحية أخرى، ومنها: فرقة جورج أبيض، عكاشة، منيرة المهدية، علي الكسار، أمين صدقي، فكتوريا موسى.
وكمثال آخَر نجد الممثل والمطرب عمر وصفي — أحد أهم ممثلي فرقة القباني في عهدها الأخير — الذي ألَّف فرقة مسرحية، عمل بها على مسرح منيرفا عام ١٩١٧، ثمَّ كوَّن فرقة أخرى عام ١٩٢٧، وأيضًا ألَّف فرقة ثالثة بالاشتراك مع عبد الرحمن رشدي عام ١٩٢٠، وفرقة رابعة بالاشتراك مع الشيخ سيد درويش عام ١٩٢١. هذا بالإضافة إلى عمله كممثل أساسي وكمدير فني لفِرَق مسرحية عديدة، مثل: فرقة سلامة حجازي، جورج أبيض، عبد الرحمن رشدي، عكاشة، علي الكسار، جماعة أنصار التمثيل، منيرة المهدية، أمين صدقي، الفرقة القومية المصرية.
فرقة إسكندر فرح
مع بداية القرن العشرين كانت فرقة إسكندر فرح هي الفرقة المسرحية العربية الوحيدة المُهيمِنة على الساحة الفنية في مصر، وذلك بالرغم من وجود فرق عربية وأجنبية أخرى، هذا بالإضافة إلى ظهور فن الأشرطة السينمائية، بجانب الفنون الأخرى التي كادتْ أن تختفي مثل فن خيال الظلِّ.
ولا يخفى علينا أن سبب هيمنة فرقة إسكندر فرح راجع إلى وجود الشيخ سلامة حجازي فيها، وانجذاب الجمهور المصري إلى الغناء والطرب. وإذا كانت الفرق العربية حاولت منافسة إسكندر فرح في جذب الجمهور نحو التمثيل المسرحي، فإن المطربين والمنشدين كانوا أيضًا في منافسة أخرى مع الشيخ سلامة حجازي، ولكن من حيث الطرب والغناء، فإن كان الشيخ سلامة يُطرِب الجمهور كل يوم من خلال فرقة إسكندر فرح، فإن المطربين والمنشدين كانوا يُطربون الجمهور من خلال الاحتفالات العامة والاحتفالات الخاصة. وفي مناسبات قليلة كانت المنافسة تجمع معظم المطربين في مباراة فنية واحدة، مثل احتفالات عيد الجلوس الخديوي التي كانت تُقام كل عام في حديقة الأزبكية.
ومسرحية «محاسن الصدف» تأليف محمود واصف، تدور حول الوزير الماكِر إبراهيم، الذي يحقد على الوزير شمس الدين، فيُزيِّن لمَلِك مصر ابنة شمس الدين، فيجعل المَلِك يَطلب يَدَها مِن وزيره شمس الدين رغم علمه أنها مخطوبة لابن عمِّها الأمير حسن وزير بغداد، وعندما يطلب الملك الزواج من شمس الصباح يُخبِره والدُها أنها مخطوبة لابن عمِّها، فيعتبرها الملك إهانةً له، فيأمر بتزويج شمس الصباح مِن سايسه الأحدب المُخيف انتقامًا لكرامته، ويُرسِل الجند للقبض على حسن في بغداد، ولكن أحد الأتباع ممَّن يذكرون مآثر الوزير «قمر الزمان» والد حسن يسبق الجند ويُساعِد حسن على الهرب، وبعدَ تَعَب شديد من كثرة السير ينام حسن بجوار قبر أبيه، فتأتي الجن وتَعلَم بحَالِه، فتقوم بنقْلِه وهو نائم إلى قصر الوزير شمس الدين ليلة زفاف ابنته على الأحدب، وتقوم أيضًا بإبعاد الأحدب ووضْع حسن مكانه، فيقع حسن في حب العروس، ثمَّ تنقله الجن مرة أخرى إلى الشام ليُفِيق ويظن أن ما حدث كان حلمًا. أما شجرة الدر والدة حسن فتتنكَّر في زيِّ رجل وتبحث عن ابنها في مصر، فتقابل مصادفةً الوزير شمس الدين، وتعلم أنه شقيق زوجها وتُطلِعه على الحقيقة، فيحاولان معًا البحث عن حسن، ويجدوه في الشام، ويرجع الجميع إلى مصر ويُطلِعون الملك على الحقيقة بكاملها، فيُبارِك الملك زواج حسن بشمس الصباح، ويُوقِع العقاب بالوزير إبراهيم.
وإذا كان صوت الشيخ سلامة حجازي هو أكبر عامل من عوامل نجاح فرقة إسكندر فرح، فإن العامل الثاني كان وجود مسرح ثابت للفرقة، وهو مسرح شارع عبد العزيز — الذي أُقيم بأرض علي باشا شريف رئيس مجلس الشورى في ذلك الوقت، وهو سينما أولمبيا الآن — الذي شهد أمجاد الفرقة في القرن التاسع عشر. وعلى هذا المسرح، وبصوت الشيخ سلامة الشجيِّ، أعادتِ الفرقة عروضَها المسرحية الناجحة، هذا بالإضافة إلى عروضها الجديدة. وقد ساعد في نجاح هذه العروض فريقٌ من الممثلين، منهم: أحمد فهيم، حسين حسني، ميليا ديان، وردة ميلان، أمين الأزهري، أحمد أبو العدل، مصطفى محمد، عمر فايق، إبراهيم أبي السعود، محمود حبيب، أحمد فهمي، إبراهيم رجب، الشربيني، ملكة سرور، لبيبة ماللي، محمود حجازي. وذلك في الفترة من يناير ١٩٠٠ وحتى فبراير ١٩٠٥.
مضى عَلَى جوق مصر العربي خمسة عشر عامًا، وهو سائر في طريق التقدم والنجاح، حتى بلغ درجة عظيمة واكتسب رضاء الجمهور، كيف لا يكون ذلك وحضرة البارع الشيخ سلامة حجازي الممثِّل الفريد بمصر هو القابض عَلَى زمام هذا الجوق والمتولِّي أمر تهذيب المشخِّصين وتعليمهم. وبمناسبة دخول هذا الجوق في السنة السادسة عشرة، سيبدأ في هذا المساء بتشخيص رواية «البرج الهائل»، وهي رواية غرامية تُظهِر ضروب الخلاعة والتَّرَف والانغماس في الشهوات، الصادر من مرجريت ملكة فرنسا وزوجة الملك لويس السادس عشر، ونتيجة انتصار الفضيلة وسقوط الرذيلة. ومتى علم القراء أن هذه الرواية من أحسن الروايات التي ألَّفها الروائي الشهير دوماس، وأن حضرة الشيخ سلامة حجازي سيكون له أعظم دور في هذه الرواية، لا شك وأنهم يبادرون إلى مشاهدتها.
أتقن المشخِّصون أول أمس تمثيل رواية «البرج الهائل»، حتى إن المغرمين بمشاهدة مراسح التشخيص قد عَرَفوا أهمية هذه الرواية، فغصَّ التياترو بالمتفرِّجين ولم يبقَ لمتأخِّر مكان عند رفع الستار. أما حضرة البارع الشيخ سلامة حجازي، فقد أُعجِب الحاضرون ببراعته في تمثيل دوره، وكذلك مشخِّصة دور الملكة مرجريت التي أجادتْ كل الإجادة، واقتَدَى بها غيرهم من المشخِّصين الذين استحقُّوا ثناء الجمهور.
ومسرحية «البرج الهائل» تدور أحداثُها في فرنسا في أوائل القرن الرابع عشر. فعلى نهر السين وأسفل برج نسل يجد الناس كل يوم ثلاث جثث غارقة لثلاثة شبان، دون أن يَعلمَ أحدٌ سِرَّ هذه الجثث. وفي إحدى الحانات يتقابل الشقيقان فيليب وكوتيه مع الضابط الإيطالي «بوريدان»، ونعلم من الحوار أن الشقيقين وُجدا منذ طفولتهما على باب إحدى الكنائس، وعلى اليد اليسرى لكل منهما وَشْم لصليب أحمر. ومن خلال الحوار أيضًا نعلم أن فتاة مقنَّعة قابلتْ فيليب وضربَتْ له موعدًا في برج نسل، وحدث نفس الأمر مع بوريدان، ولكن من امرأة أخرى، وعندما ذهب فيليب وبوريدان وشخص ثالث إلى البرج تقابلوا مع ثلاث سيِّدات، فذاقوا منهن شهوات كثيرة، فأراد فيليب قبلَ الانصراف أن يتعرَّف على السيدة المقنَّعة، ولكنَّها رفضَتْ، فأخذ دبوسًا من ملابسها وجرحها في وجهها المختفي أسفل القناع حتى يتعرَّف عليها في الصباح. وعندما همَّ الرجال الثلاثة بالانصراف حكى فيليب لبوريدان حكاية الجرح والدبوس، وفي هذه اللحظة انقضَّ عليهم رجال مسلَّحون فقتلوا أحدَهم، وحاول فيليب وبوريدان الهرب دون جدوى، فتعاهدا على أن يثأر كلٌّ منهما للآخَر إذا كُتِبتِ النجاة لأحدهما، وكتب فيليب ورقة بدمه وبالدبوس وأعطاها لبوريدان، وهنا يهجم المسلَّحون على فيليب فيقتلوه، ويستطيع بوريدان الهرب.
وفي الصباح نعلم أن المرأة التي جُرِحت بالدبوس أمس، ما هي إلا الملكة مرجريت ملكة فرنسا، ويتعرَّف عليها من خلال الجرح بوريدان الذي تنكَّر في زي عرَّاف، وذهب إليها وهدَّدها بورقة فيليب، وبما يعلمه من سِرِّ برج نسل. وتتوالى الأحداث بين تهديد بوريدان للملكة، ومحاولة الملكة التخلُّص منه بكل الوسائل، ولكنها تفشل. ثمَّ نعلم بعلاقة حب شديدة بين الملكة وبين كوتيه شقيق فيليب، ومدى غَيْرته من بوريدان، ومع توالي الأحداث نكتشف أن بوريدان هذا ما هو إلا خادم الملكة مرجريت وعشيقها عندما كانت صبية، وقد حملت منه، وعندما عَلِم والدُها بالأمر أمر أن تُسجن في الصباح، ولكنها اتفقتْ مع خادمها وعشيقها على قتْل والدها في المساء، وبالفِعْل قامتْ بهذه الجريمة واعتَلَتْ هي العرش بعد أن أبعدت عشيقَها عن البلاد، وكَتَبت له رسالة تعترف فيها بكل شيء. ومع تهديد بوريدان للملكة بكشف الرسالة القديمة لزوجها ملك فرنسا تعترف له بأنها أنجبتْ منه طفلين، أعطتْهما لخادم لها كي يقتُلَهما، وعندما يجد بوريدان هذا الخادم ويسأله عن الطفلين، يقول له إنه عطف عليهما وتركهما على باب كنيسة بعد أن وَشَمَهما بصليب أحمر على اليد اليسرى. وهنا تقع الطامة الكبرى، فإن فيليب الذي قتلتْه الملكة في برج نسل ما هو إلا ابنها، وأن كوتيه عشيقها ما هو إلا ابنها الثاني، فيُحاول بوريدان أن ينقذ كوتيه من الموت؛ لأنه دبَّر له مكيدة لقتْله غيرةً على الملكة، ولكن بعد فوات الأوان، فيموت الابن الثاني. وأمام هذه الأهوال وغيرها يقرِّر بوريدان والملكة الانتحار.
ومسرحية «ثارات العرب» تدور حول ظهور أبي قابوس، جدِّ المَنَاذِرة ملوك الحيرة، بعد اختفائه زمنًا، واجتهاد معشوقته شمطاء أو حسناء في أخذ ثأره من أخيه، لتوهُّمها أنه قتله. وكانت شمطاء هذه ساحرة ماكرة تحمل كثيرًا من العقاقير والأدوية، فربَّت ابنًا لغضوب أخي أبي قابوس، الذي بويع بالملك على العرب لما أظهره من البسالة والإقدام، واتخذتْه وسيلة لينتقم لها من أبيه؛ لذلك أعطتْه دواءً يُحيي به حبيبته ليلى، على شرط أن يكون طوع أمرها. وبعد أحداث كثيرة متداخلة يتم الوئام بين الجميع، فتعود شمطاء إلى حبيبها بعد تأكدها من عدم موته.
أما مسرحية «حمدان» لنجيب حداد، فتدور حول المنافسة على الخلافة بين أنصار عبد الرحمن الناصر وبين أتباع خلافة بغداد، كما يقع صراع عاطفي بين حمدان، وهو زعيم متمرِّد، وبين الأمير نصر الدين على حبِّ شمس. ومن خلال الأحداث نتعرف على شمس التي ترتبط بعاطفة حب مع حمدان، وحمدان شاب في مقتبل العمر، فيه نضرة الشباب وعنفوان الصبا، بعكس منافِسِه نصر الدين الرجل الكبير، الذي نالتِ الأيام والسنون من جسمه الكثير. ويقوم حمدان بالتنكُّر في زيِّ الحُجَّاج ويهبط دارَ الأمير المنافِس نصر الدين متسوِّلًا، ويكون الأمير مشغولًا في تجهيز معدَّات العرس ليتزوج من شمس، فيُكرِم الأميرُ ضيفَه حمدان الذي خلع تنكُّره، وهنا نجد الأمير يَحمِيه من خَدَمِه الذين أرادوا الفتْك به، فيَحضر المَلِك للقَبْض على حمدان، ولكن الأمير نصر الدين يَرفُض ذلك لأنه ضيفه، فيطلب المَلِك منه إمَّا تسليم حمدان أو تسليم الأميرة شمس، فيَرضَى الأمير بتسليم شمس ويُبقِي على حمدان. وبعد ذلك يتفق الأمير مع حمدان على قتْل المَلِك، وتجري بينهما القرعة فتصيب حمدان، ولكن الملك يعلم بالمؤامرة فيعفو عنهما، ويقلِّد حمدان الوزارة ويزوِّجه من شمس.
أما مسرحية «حسن العواقب»، فتدور حول موضوع الحب والغرام بين حبيبين هما سعيد وسعاد، ولكن والد سعيد وهو أحد الوزراء لا يرغب لابنه إحدى بنات عامة الشعب مثل سعاد، بل يريد له إحدى بنات الأُسَر العريقة؛ لذلك حاول الأب إبعاد سعاد عن ابنه، فدبَّر حيلةً لإتمام هذا الإبعاد بأن ألْحَق سعيدًا بالخدمة العسكرية، وفي نفس الوقت دبَّر محاولة لقتْل سعاد، ولكنْ سعيد يُنقِذها في آخِر لحظة ويقتُلُ المُجرِم، ويُتَّهَم هو بقتْله، وعندما يعلم أن المدبِّر الحقيقي والده يصمت عن دفع التهمة عن نفسه أثناء المحاكمة حفاظًا على والده. ولكنْ في النهاية تَظهَر الحقيقة من خلال تبنِّي السلطان لهذه القضية، ويتم الزواج بين الحبيبين، مع إنعام السلطان على سعيد بمضاعفة رتبته العسكرية.
كل مَن شاهد جوق مصر العربي وتمثيله في هذا العام يشكر حضرة النشيط إسكندر فرح وأشقاءه، الذين لم يألوا جهدًا في تحسين وإحياء فن التمثيل الجليل في هذه الديار أجمل الشكران، فإن مدير هذا الجوق قد انتقى جوقته من الشبان الأذكياء الذين يُتقِنون هذا الفن الجميل أجمل إتقان، خصوصًا رئيس هذه الجوقة الطائر الصِّيت، ألَا وهو المطرب الشهير الممثِّل البارع الشيخ سلامة حجازي، الذي يَنتَقِي من الروايات أحسنها موقعًا وأبهاها منظرًا. ومن هذه الروايات الجليلة رواية «حفظ الوداد» التي ستُمثَّل في هذا المساء، واسمُها يُغنِي عن شهرتها. ويقوم بأهم أدوارها حضرة الشيخ سلامة، فنحثُّ الأدباء على مشاهدتها ومشاهدة ألعاب الصور المتحركة الجميلة.
وكمثال عَلَى موضوعات هذه المسرحيات نجد مسرحية «هارون الرشيد مع قوت القلوب وخليفة الصياد» تدور أحداثها — من خلال حكايات ألف ليلة وليلة — حول غَيْرة الملكة زبيدة من الجارية قُوت القلوب لشَغَف الرشيد بها، فتنتهز فرصة خروجه للصيد وتضع لها مخدِّرًا في شرابها، ثمَّ تأمر عبدَيْن بوضْعها في صندوق وبيعه في السوق مغلقًا بشرط ألَّا يَفتَحَه المشتري إلا في بيته، ولا يخبر أحدًا بما يَجِده فيه. وفي رحلة هارون الرشيد يلتقي عند نهر دخلة بخليفة الصياد الفقير، الذي يظنُّ أن الرشيد زمَّار فيدعوه للعمل، عَلَى أن يقتسم معه ما يَصِيده من الأسماك. ويشارك في هذه اللعبة حاشية الرشيد التي كانت تُرافِقه، وبعد أن يعود الرشيد تُخبِره زبيدة بوفاة قوت القلوب، فيحزن عليها حزنًا شديدًا، وتفشل جميع الوسائل للتسرية عنه، حتى يحضر الصياد إلى القصر ويفلح في إزاحة الهم عن الرشيد، فيعطيه الرشيد مالًا وفيرًا، يذهب به الصياد إلى السوق ويستطيع في مزايدة شديدة أن يشتري الصندوق ويفتحه في بيته، فيجد قُوت القلوب التي تَحكِي له الحكاية وترسله برسالة إلى الرشيد، وبالفعل يذهب الصياد إلى الرشيد ويُخبِره بالحقيقة، فيُجزِل له الرشيد العطاء، وتأتي قُوت القلوب إلى القصر مرة أخرى، ويُحاوِل الرشيد معاقبة زبيدة ولكن قوت القلوب تتشفع لها فيعفو عنها الرشيد.
ومسرحية «اللص الشريف» تدور أحداثها حول عصابة من اللصوص يموت زعيمهم، فيقترعون فيما بينهم لاختيار زعيم آخَر، وفي أثناء ذلك وعلى مقربة منهم تحدث مبارزة بين شخصين تنتهي بفوز فرنند دي توريلاس، فيهجم الجنود عليه لأنه قتل صديقه في مبارزة دون شهود، فيحاول فرنند الخلاص منهم، ويَظهَر اللصوص فيساعدونه عَلَى الهرب ويجعلونه زعيمًا عَلَى عصابتهم عوَضًا عن زعيمهم المقتول، فيوافق فرنند ويعيش مع اللصوص كزعيم شريف. وفي إحدى هجماتهم يأسرون أحد أغنياء إسبانيا، وهو يوليكوس مع ابنته فلورا، ولكن فرنند يعاملهما بنُبْل وشَرَف ويُطلِق سَرَاحَهما، فيَعِدُه يوليكوس بأن يطلب من المَلِك العفوَ عنه، وبعد عِدَّة هجمات من اللصوص يأتي جيش من الجنود ويحاصر اللصوص، ولكن الفتاة جناستا تُنقِذهم بعد أن خبَّأتْهم داخل مغارة سرية في الجبل.
وفي قصر الملك نجد يوليكوس ورويكس والد فرنند ومرسيداس والدة فرنند يلتمسون عفو الملك عن فرنند دون فائدة، وهنا تحضر جناستا وتنفرد بالملك وتُطلِعه عَلَى سِرٍّ، مفادُه أنها أخته، ثمَّ قدَّمتْ له الدليل عَلَى ذلك، ومِن ثمَّ طالبتْه بالعفو عن فرنند لأنها تحبُّه. وبالفعل يُصدِر المَلِك عفوَه عن فرنند، الذي يعود إلى البلاد ليعيش بها نبيلًا شريفًا، ويرتبط بعلاقة حب مع فلورا ابنة يوليكوس التي تُبادِله العاطفة نفسَها. ولكن راميرو أحد نبلاء إسبانيا كان يحب فلورا أيضًا، وفي إحدى المبارزات بين فرنند وراميرو يتدخل رويكس والد فرنند كي يَثنِيَه عن المبارزة، فيَقوم فرنند بصَفْعِه أمامَ الناس، فيُقبض عَلَى فرنند ويُحكم عليه بالإعدام، وقبل تنفيذ الحكم يضعه الملك في السجن مع سجين آخَر محكوم عليه بالإعدام أيضًا. وأثناء فترة السجن يتضح أن فرنند لم يَصفَع أباه؛ لأن والده الحقيقي هو يوليكوس، وأن حبيبته فلورا في الحقيقة أخته، فيقوم الملك بإعدام السجين الآخَر أمام الناس عَلَى أنه فرنند بعد أن سَتَر وجهَه بقناع، ثمَّ يُفرِج عن فرنند ويُطالِبه بالابتعاد عن البلاد لأنه ميت في نظر الناس، ويرسله إلى المكسيك التي يئول حُكْمُها إلى يوليكوس الوالد الحقيقي لفرنند، ويُرسِل معهما أخته جناستا كزوجة لفرنند، وأخيرًا يرسل معهم فلورا شقيقة فرنند كزوجة لراميرو. وبذلك تنتهي المسرحية.
ومسرحية «مطامع النساء» تدور أحداثها في عام ١٥٤٢، حول رغبة هنري الثامن ملك إنجلترا في الزواج من فتاة مُخلِصة، بعد أنْ ذَاقَ طَمَع النساء وخِداعَهن في صورة زوجته الأولى التي أعدمها بسبب خيانتها. وفي يومٍ ما يرى الملك فتاة بسيطة في إحدى المزارع الريفية تُدعَى كاترين هوار، فيَقَع في حبِّها، ويطلب من اللورد أتلود أن يخطبها له. ومع الأحداث نعلم أن اللورد أتلود هو في الحقيقة زوج كاترين، فقد تزوَّجها سرًّا خوفًا من الملك الذي يريد تزويجه من شقيقته الأميرة مرجريت، ويقوم أتلود بالاتفاق مع فلمنك الكيميائي بتحضير شراب طبي يُظهِر الإنسانَ بمَظهَر الميت، ويأخذ أتلود هذا الشراب ويسقي نصفه لكاترين فتموت ظاهريًّا، ويَبكِيها المَلِك كثيرًا، ويُلبِسها خاتم الزواج وهي في القبر.
وبعد فترة يعود أتلود إلى القبر مرة أخرى ويوقظ كاترين، ويحكي لها القصة كاملة، وهنا تَظهَر تطلُّعات كاترين، وتأمل في أن تكون زوجة الملك هنري، وبالتالي تكون هي ملكة إنجلترا. وتخرج كاترين من قبرها إلى قصر زوجها، وهي تفكِّر كثيرًا في حلم كونها ملكة إنجلترا. وفي الصباح يأتي الملك إلى أتلود فجأة، ويعرض عليه زواجه من شقيقته مرجريت، فيرفض أتلود هذا العرض، مما يجعل الملك يتهمه بالخيانة ويتوعَّده بالموت. وهنا يتفق أتلود مع كاترين عَلَى خِدَاع الملك مرة أخرى، وذلك بأن يشرب أتلود بقية الشراب الطبي فيموت ظاهريًّا، عَلَى أن تَفتَح له كاترين باب القبر بعد أن يُفيق، ويُخبِرها أن للقبر مفتاحين؛ الأول يعطيها إياه أمَّا الثاني فسيئول إلى الملك. ويقوم أتلود بتناول الشراب الطبي ويموت ظاهريًّا ويُدفن في القبر، ولكن كاترين تَغدِر به، وتَظهَر للمَلِك وتُبلِغه أنها عَلَى قيد الحياة، فيَفرَح الملك ويقرِّر الزواج منها، فتقوم كاترين بإلقاء مفتاح القبر في البحيرة.
ثمَّ تأتي مرجريت وتطلب من الملك مفتاح القبر الآخر؛ حيث إنها أصبحت وريثة لقبر حبيبها، وتذهب مرجريت إلى القبر فيستيقظ أتلود ليَجِد مرجريت بجانبه، ويعرف أن كاترين خانتْه. وفي اليوم المخصَّص لعرس الملك عَلَى كاترين يظهر لها أتلود في غرفتها، فتفزع منه وتحاول الخلاص، ولكن أتلود كان يحدِّثها بصوت مرتفع حتى يسمعه الملك، وبالفعل جاء الملك وهرب أتلود، فشكَّ الملك في كاترين، وتأكَّد من خيانتها دون أن يعرف عشيقها، فيحكم عليها بالموت. وفي يوم التنفيذ تساوم كاترين السيَّاف عَلَى ترك المدينة مقابل خاتم زواجها أملًا في تأجيل الحكم، فيوافق السيَّاف. ويقوم منادي المدينة بإعلان مكافأة كبيرة لمَن يتطوَّع ويقوم بعمل السيَّاف، فيأتي رجل مقنَّع ويَقبَل المَهَمَّة، وقبل أن يضرِبَ عنق كاترين يهمس في أذنها بكلمات الانتقام والتشفِّي، ويكشف لها عن حقيقته، فتصرخ عندما تعلم أنه أتلود فيَضرِب عنقَها، ثمَّ يكشف أتلود عن شخصيته للملك ويسرد له القصة بكاملها، وتنتهي المسرحية بزواج أتلود من مرجريت.
التمثيل فن أدبي صارتْ شهرته في بلاد الفرنجة، وبلغ محترفوه أسمَى درجة من الاعتبار في عيون الأمة. أمَّا في مصر فلا يزال شأنه غير كذلك، إلا في أعيُن الذين يُنزِلون الأمور منزلتها ويقدِّرونها حق قدْرها. وقد تألَّف في مصر جوق للتمثيل منذ سنوات خلت بإدارة حضرة الفاضل الأديب إسكندر فرح، بَيْنَه الكثيرون من أهل الفضْل والنباهة، وأخصهم حضرة المطرب المبدع المطرب الشيخ سلامة حجازي، فأخذ في نَيْل رواياته الأدبية تمثيلًا متتابعًا صادف إقبالًا كبيرًا. وقد مثَّل في الأسبوع الماضي رواية «غانية الأندلس»، وفي مساء أمس رواية «مظالم الآباء»، فأبدَوا الممثلون من ضروب البراعة في التمثيل ما أذهل الحاضرين وجعلهم أن يَثنوا عَلَى هذا الجوق بكل شَفَةٍ ولسان، ويتمنَّوْن له مزيد النجاح والفلاح. ونحن نُضيف صوتنا إلى صوتهم مردِّدين ما ردَّدوه، وسائلين أهل الفضل والأدب تنشيط هذا الجوق الأدبي وتعضيده بجميع الوسائل حتى يؤمَّ نفعه للبلاد.
ومسرحية «مظالم الآباء» لخليل كامل تدور أحداثها حول يوسف الذي يُنقِذ الفتاة كوكب من موت محقَّق، فيَقَع في حبِّها، كما وقعتْ كوكب في حبِّه أيضًا، ولكن جورج والد كوكب لم يَقبَل بهذا الحب، وأصرَّ عَلَى تزويجها من رجل عجوز صاحب مكانة مرموقة في المجتمع، وهنا يهرب الحبيبان، ويقتفي أثرَهما الوالد جورج وابنه بديع، ويستطيع الحبيبان أخيرًا أن يهربا إلى أحَدِ الأدْيِرَة فيزوِّجهما القسيس، ومِن ثمَّ يواصلان رحلة الهرب، فتقع كوكب أسيرة في أيدي عصابة من قُطَّاع الطريق. وفي هذا الوقت نجد الفتاة نور شقيقة يوسف تبحث عنه، وأيضًا بديع يبحث عن شقيقته كوكب، فيُهاجِم دبٌّ متوحِّش نور فيُنقِذها بديع، ولكنهما يَقَعَان في أسْرِ اللصوص أيضًا، وبعد فترة يقبض اللصوص عَلَى الوالد جورج. ويجتمع الجميع تحت أسْرِ هذه العصابة، وتستطيع كوكب بحيلة ماكرة أن تُفلِت من العصابة، وبالتالي تُنقِذ بقية الأسرى ويجتمع شمل الجميع أخيرًا.
يُمثِّل هذا المساء جوق حضرة الأديب إسكندر فرح رواية «وفاء الغانيات»، وهي رواية جديدة وذات ستة فصول، يقوم بأهم أدوارها الممثل الشهير والمطرب المبدع الشيخ سلامة حجازي. ولا ريب أن الإقبال عليها سيكون عظيمًا؛ نظرًا لما اشتُهر به هذا الجوق من حسن التمثيل.
إجابةً لطلب الكثيرين في الإسكندرية، يسافر إلى الثغر الإسكندري جوق مصر العربي بإدارة حضرة الأديب إسكندر فرح، صباح يوم الأحد أول مايو؛ ليقوم بتمثيل رواية «روميو وجوليت»؛ أو «شهداء الغرام» بتياترو زيزينيا في مساء اليوم المذكور. وسيكون لحضرة المطرب المبدع الشيخ سلامة حجازي الدور المُهِمُّ في هذه الرواية. وقد اجتهد حضرة جورجي غرزوزي بإعداد كل ما فيه راحة المتفرِّجين في هذه الليلة، وتحصيل من إدارة التياترو عَلَى إذن خصوصي بعرض المناظر المدهشة من الصور المتحركة عقب التمثيل. فنحثُّ الجمهور عَلَى اغتنام هذه الفرصة.
ومسرحية «روميو وجوليت» أو «شهداء الغرام» لشكسبير، تعريب نجيب الحداد، تدور أحداثها في مدينة فيرون بإيطاليا؛ حيث العداء المستحكم بين أسرة مونتاكو وأسرة كابوليت. وفي إحدى حفلات أسرة كابوليت يتخفَّى البطل روميو مونتاكو في ملابس لا تبين عن شخصيته، فيقابل جوليت كابوليت ويُراقِصها فيَقَع الحبُّ بينَهما. وبعدَ عدَّة مقابلات يتفق العاشقان عَلَى الزواج سرًّا خوفًا من أسرتيهما، وبالفعل يقوم الكاهن لوريان بتزويجهما سرًّا. وفي إحدى المشاحنات بين الأسرتَيْن يَقتُل تيبالد — ابنُ عم جوليت — ابنَ عم روميو، فيقوم روميو بأخذ الثأر ويقتل تيبالد، فيُحكم عَلَى روميو بالنفي المؤبَّد. وفي أثناء ذلك يتقدَّم الأمير الكونت دي باريز بخِطْبة جوليت، فتهرع جوليت إلى الكاهن ليخلِّصها من هذا المأزق، فيقوم الكاهن بإعطائها دواءً يُمِيتُها ظاهريًّا، عَلَى أن يذهب إلى قبْرِها فيُفيقها بدواء مضادٍّ. وتنفِّذ جوليت ما أمر به الكاهن، وبعد دفنِها يُرسل الكاهن إلى روميو رسالة يُخبره فيها تفاصيل الخطة، ولكن روميو كان قد علم بموت جوليت قبل وصول رسالة الكاهن، ونجده يذهب إلى قبرها كي ينتحر ويُدفن بجوارها، وعند القبر يرى الأمير المركيز، فتدور بينهما معركة تنتهي بموتهما. هنا يحضر الكاهن ويَسقِي جوليت الشراب المضاد، وعندما تُفيق وتَرَى روميو قتيلًا تنتحر بخنجره، فيحزن الكاهن ويشعر بوخز الضمير؛ لأنه كان السبب في كل ذلك، فينتحر هو أيضًا، وتنتهي المسرحية.
ومسرحية «هناء المحبين» تدور حول علاقة غرام بين «لطيف» أحد أعوان الوزير نعيم وبين «لطيفة» ابنة الوزير، الذي رفض زواج ابنته من لطيف رغم توسلات شقيقه صالح والطبيب عاقل الفيلسوف الحكيم. وفي الوقت نفسه نجد الوزير يوافق عَلَى خِطْبة الوجيه حسيب ابن وزير التجارة من ابنته لطيفة دون موافقتها، وبسبب هذا الأمر تموت لطيفة حزنًا عَلَى نفسها وعلى حبيبها لطيف، ويُجَنُّ جنون لطيف، ويذهب إلى قبرها يوم دفنها ويتفق مع اللحاد عَلَى أخْذِ جثَّتِها إلى منزله في المساء، عَلَى أن يُعيدها إلى قبرها في الصباح مقابل خمسين دينارًا. وفي منزل لطيف نجد الأنوار والأزهار وجثة لطيفة مُزيَّنة وجالسة عَلَى كرسي العرس، فقد أقام لطيف حفلة زواج وهمية، ولكن الحكيم عاقل يحضر أثناء غياب لطيف ويكتشف الجثة، فيتوهَّم أن الفتاة ماتتْ رُعْبًا عندما رأتْه فيحاول علاجَها طبيًّا، فتُفيق من إغمائها الشديد. ومع توالي الأحداث يعلم الحكيم تفاصيل القصة، فيذهب إلى السلطان ويُخبِره بكامل الأمر طالبًا عدله. وتنتهي المسرحية بزواج لطيف من لطيفة، بعد أن أنعم السلطان عَلَى لطيف بلقب وزير، حتى يَرتَقِي إلى مقام زوجته ابنة الوزير.
مثَّل البارحة جوق حضرة الأديب إسكندر فرح رواية «شهداء الغرام»، فأجاد الممثِّلون كثيرًا، وكانوا مرتدين الملابس الجديدة التي أتَى بها مدير هذا الجوق من باريس، وأجاد حضرة المطرب الشهير سلامة حجازي حتى سحر الألباب، فاستعاده الناس مرارًا، فنشكر هِمَّة مدير هذا الجوق وممثليه ونتمنَّى له مزيدَ التقدُّم والنجاح.
حاز جوق مصر العربي بإدارة إسكندر فرح شهرة عظيمة، وأصبح يُضارِع أحسن مراسح التمثيل في أوروبا؛ لأن حضرة مديره لا يدَّخر وسعًا في إدخال التحسينات الحديثة على جوقه، وعنده الآن أحسن الممثلين والممثلات، يرأسهم حضرة شيخ التمثيل الشرقي الطائر الصِّيت الشيخ سلامة حجازي. وبينَ ممثِّليه الممثلة البارعة السيدة ميليا وأحمد أبو العدل وغيره ممَّن يعدُّون زهرة رجال التمثيل في الشرق بلا استثناء. وخدمة للمتفرِّجين أوجد حضرة النشيط إسكندر فرح مكتبة في مدخل الجوق، فيها أنْفَس الكتب وأحسَنُها. فيا حبذا لو أن الحكومة وهي لا تبخل بمساعدة الفنون الجميلة، تُعيِّن مبلغًا لمعاضدته فيزداد نشاطًا.
إذا كانتْ ليالي التمثيل في مرسح جوق مصر العربي الذي يُديره حضرة الأديب إسكندر فرح، مَعَاهِد أُنْس وأَدَب ومسارح أفراح وطَرَب، فكيف تكون الحال في هذه الليلة التي تُمثَّل فيها رواية «شهداء الغرام»؛ حيث يكون إيرادها مخصَّصًا لحضرة نابغة التمثيل في مصر المطرب المتفنِّن الشيخ سلامة حجازي؟ فمَن شاء أنْ لا تفوته هذه الفرصة السانحة فلا يتأخَّر عن حضور التمثيل في هذه الليلة الزاهرة، ترويحًا للنفس وتشجيعًا لهذا الممثل البارع.
قصدتُ ذات ليلة بالقاهرة التياترو المصري العربي الذي يُديره حضرة إسكندر فرح، ويُحيِيه الشيخ سلامة حجازي، فسرَّني ما شاهدتُه من الحضور الذين كانوا في غاية السكون والاستعداد لسماع تمثيل الممثلين، حتى خُيِّل لي أني أشاهد التشخيص من أعظم جوقة أوروبية، وأرى أمامي قومًا غير مَن أشاهدهم في الثغر الإسكندري. ما ذلك إلا من مثابرة هذا الجوق واستمراره على التشخيص في معظم الأيام، فوجوده بهذه الحالة كان أعظم مدرسة لسكان القاهرة يتعلمون منها آداب فن التمثيل.
القاهرة على اتِّساعها وغِنَاها وكثرة سكَّانها، لا يوجد فيها سوى ثلاثة مراسح، اثنان منها للحكومة والآخَر لأحد الرعايا، وكلها مشغولة بالأجواق الأوروبية، ما عدا واحدًا منها، فإنه يتراوح بين الجنسين، وكأن الغَيْرة على التمثيل أبَتْ أن تَفقِد مِن ذويها أنصارًا، فتمثَّلتْ في شخص حضرة الفاضل إسكندر فرح صاحب الجوق العربي في مصر، فشاد مسرحًا في شارع عبد العزيز، وجعل يمثِّل فيه أهم الروايات الأدبية التي عُنِي أبناء اللغة العربية في تأليفها، وجعل ثمن تذاكر الدخول زهيدة؛ حتى لا يُحرَم أحدٌ فائدة هذا الفن فنجح … فأصبح الإقبال عليه أعظم من ذي قبل. ولو كان شبابنا يَسعَوْن وراءَ الفضْل والفضيلة واقتباس فوائد المدنية الصحيحة، ويرغبون في فائدة البلاد وترقِيَتها، لكانوا يعضِّدون هذا الفن تعضيدًا يجعله ذا شأن عظيم. ولكن كيف يتركون قهاوي الرقص ومنتديات الخلاعة وحانات السُّكْر وبيوت المَيْسِر ومنازل الفجور ويحضرون إلى التياترات؛ حيث تُمثَّل الآداب والفضائل وتُقتبَس الفوائد وتُهذَّب العقول؟! نراهم يرمقون إعلانات التمثيل ويطرحونها دون أن يُطالِعوا ما تتضمَّن، أما إعلانات منتديات الخلاعة التي لا تخلو من رسوم ربَّات الفجور فإنهم يُطالِعونها بإمعان … ترى الفرد من شبَّان هذه البلاد لا همَّ له سِوَى إتقانِ بزَّته وبذْل جهدِه في سبيل الرذيلة، كأن البلاد لا تطلب منه غير ذلك. وقد كُنَّا نَوَدُّ لو سنَّتِ الحكومة لائحة لإقفال جميع منتديات الخلاعة، ونفي أصحابها، حتى لا يبقى في البلاد أثرٌ لهم، ويُضطَرَّ الشبان إلى اتِّباع ما فيه الصالح لأنفسهم، ولكن أنَّى لحكومتنا أن تفعل ذلك ما دامتْ لا تريد أن تتعرض للحرية العمومية، ولو كان فيها خراب البلاد! ولعل انتشار المعارف في هذا العصر يُساعِد على إقفال هذه المحلات الشريرة، فتكون الشبيبة قد وجدتْ من نفسِها خيرَ زاجر وواعظ.
ومن الملاحظ أن نشاط فرقة إسكندر فرح، والذي حدَّدناه بالفترة من يناير ١٩٠٠ وحتى فبراير ١٩٠٥، هو نشاط ثابت لا يتغيَّر في مضمونه أو شكله أو تأثيره في أية فترة سابقة، بعكس ما حدث بعد فبراير ١٩٠٥. فهذا التاريخ هو تاريخ آخِر نشاط فني معتاد لفرقة إسكندر فرح، بكل ما تمتلكه من إمكانيات فنية وبشرية سابقة، وبالأخص وجود أكبر وأنشط عنصر فني بها، وهو الشيخ سلامة حجازي.
احتشد التياترو المصري بشارع عبد العزيز مساء أول أمس بعدد كبير من السَّراة والأدباء؛ لمشاهدة تمثيل رواية «الطواف حول الأرض في ثمانين يومًا»، وهي الرواية الأولى التي بدأ بها الجوق الجديد — الذي ألَّفه حضرة الفاضل إسكندر فرح — تمثيله، فسُرَّ الناسُ سرورًا كبيرًا بما رَأَوْه من إتقان المناظر والملابس والإجادة في التمثيل والألحان، إجادةً تدعو إلى الإعجاب والتنشيط، الذي يُقوِّي العزائم ويُمهِّد الصعاب لهذا الجوق في المثابرة على الخُطَّة الحَرِجة التي عزم على اتِّباعها، وهي تمثيل الروايات العصرية التي تُمثِّل للعالَمِين مفاسِدَ هذا العصر ومحاسِنَه وأخلاقَ أهلِه في كل حَدَبٍ ومكان. ولقد أجاد الممثلون والممثلات كثيرًا، خصوصًا حضرة أمين عطا الله ممثِّل دَوْر باسبارتو، فقد خرج الناس وكلُّهم مُعجَب بذكائه وخِفَّة رُوحه. وقد عزم الجوق على إعادة تمثيل هذه الرواية غدًا إجابة لطلب الكثيرين.
وقد مثَّلتِ الممثلة الشرقية الأولى، وواسطة عِقْد ممثلات مصر، السيدة ماري دور مرجريت. أما حضرة رحمين بيبس فقد قام بدور لاندره، وهو دور شيخ قروي حمل عار ابنته وقاسَى أشد الآلام من جرَّاء ذلك. ومثَّل حضرة علي سري دور المسيو دي مارلييه فأجاد. ومثَّل حضرة أمين عطا الله دور فرنسوا، وهو دور فتًى قروي ساذج فأبدع فيه. ومثَّلت السيدة إيزابلا دور مدام دي مارلييه ودور امرأة من نساء الهوى، فأبدعتْ في الأول ولم تُسِئْ كثيرًا في الثاني. ومثَّل حضرة الشيخ أحمد الشامي دور جاك ابن مرجريت، وهو دور من أدقِّ أدوار الرواية وأهمها، غير أن ممثِّله لم يقدِّره حقَّ قدْره، وظنَّه من الأدوار الواهية فمثَّله وهو غير راغب فيه.
شكَّل حضرة النشيط الفاضل إسكندر فرح صاحب التياترو المصري جوقًا عربيًّا جديدًا لتمثيل الروايات في مرسحه، وسيبدأ منذ الغد في تمثيل هذه الروايات، التي سيقوم بأهم أدوارها حضرة الممثل البارع الشيخ أحمد الشامي وحضرة الممثلة الوحيدة المدموازيل ماري، التي اشتُهرت برخامة صوتها وحسن تمثيلها. ولا حاجة بنا إلى الإطناب على هذا الجوق، فقد حضر الجمهور لياليه وسُرَّ ممَّا رآه حتى كان إقباله عليه عظيمًا.
يُمثِّل هذا المساء جوق مصر العربي في تياترو شارع عبد العزيز بإدارة حضرة إسكندر فرح، رواية «الولدين الشريدين» جديدة. ويُطرِب حضرة الشيخ أحمد الشامي الجمهور بصوته الرخيم في أثناء التمثيل، ويشنف الأسماع جوق الطرب المسمَّى الأوركسترا الوطني المؤلَّف من نخبة الشباب الأدباء البارعين في الضرب على الكمنجة والعود والبيانو بألحان شرقية، موقَّعة بالعلامات الإفرنجية، وستكون هذه الليلة من أبهج الليالي، والمُنتظر إقبال الجمهور عليها.
… أصدق دليل على رقي فن التمثيل العربي هو أننا سائرون مع أوروبا خطوة بخطوة، فنحن اليوم نمثِّل في مراسحنا عين ما تمثِّله هي في مراسحها، وإذا كنَّا في حاجة إلى الأبنية الضخمة والدُّور الشاهقة، فليس تقصيرنا في ذلك ناشئًا من إهمالنا نحن القائمين بخدمة هذا الفن، وإنما هو يرجع إلى سببين لا ثالث لهما؛ الأول: غضُّ طرف الحكومة عن أخذها بيد القائمين بأعباء هذا الفن، وإحجامها عن مساعدتهم بشيءٍ من فضلاتها. وإنه لَمِن العَجَب أن نراها تبسط يدها في مساعدة التمثيل الإفرنكي وشدِّ أزْره، بينما هي تضن على التمثيل العربي، ولربما لا تعترف له بوجود، وهذا لعمري من الألغاز التي يعسر حلُّها حتى على الحكومة نفسها.
أما السبب الثاني فهو توجيه نظر الكثيرين ممَّن وُلعوا بمشاهدة التمثيل وانصرافها إلى غير ما يُراد منه؛ ولذلك لم يكن الإقبال على مشاهدة الروايات التي مرت الإشارة إليها كما كُنَّا ننتظر، وهي الروايات التي لها في أوروبا مكانة لا تعلوها مكانة. هذان هما السببان اللذان حالا دون وصول التمثيل العربي إلى الدرجة المطلوبة، وأننا لا رجاء لنا برجوع الحكومة عن تعنُّتها وإصرارها على إهمال فن التمثيل العربي، غير أنه يسرُّنا أن عشاق هذا الفن قد توجهت أفكارهم إلى سماع المُفيد منه، وهذا ما حدا بنا إلى استئناف العمل الذي كنَّا آلينا على نفسنا القيام به منذ سنين، وظهر إذ ذاك أن الاستعداد له غير تام. أما الآن فقد تبدَّلتِ الحال، وظهر من دلائل الحياة في الأمة المصرية الكريمة ما دلَّ على أنه تطلب ذلك النوع من الروايات الراقية؛ ولذلك بات أملنا وطيدًا ورجاؤنا قويًّا في الوصول إلى الدرجة التي يطمح إليها مَن كرَّس نفسَه لخدمة هذا الفن الجليل، فعقدنا النية على التصدي لخدمته بهِمَّة لا يتطرَّق إليها الملل، ولا يتسرب إليها الفتور والكسل، فاخترنا جوقة من خيرة الشبان المتعلمين المهذَّبين الذين مارسوا هذا الفن وأمهر الممثلات المهذبات، وسنبتدئ بعون الله بالتمثيل في مساء الخميس؛ أيْ ليلة الجمعة الموافق ٤ فبراير سنة ١٩٠٩. والله نسأل أن يعضِّدنا ويأخذ بيدنا، إنه سميع الدعاء مجيب النداء.
قال الفيلسوف جول سيمون: «يسوءني ما أراه من تأثير كُتَّاب الروايات في أخلاق أبناء هذا العصر؛ لأن هؤلاء الكتَّاب لا يعتمدون في طلب التأثير إلا عَلَى احتكاك العواطف والعراك الذي يصوِّرونه بينها، والفضيلة لا يكون لها دائمًا هذه النتيجة البرَّاقة.» ولقد أجَلْتُ هذا القول غير مرة في خاطري قبل الإقدام عَلَى نشر هذه الرواية؛ لأنني أعتقد أننا أحوج إلى الكتب المدرسية والأدبية والاقتصادية والاجتماعية منَّا إلى القصص والروايات، إلا أنني ذكرتُ قول أحد كُتَّابنا الأفاضل، إن معدة الجمهور ضعيفة، لا تهضم إلا الغذاء الخفيف. ورأيتُ أني قد دفعتُ هذه الرواية للتمثيل، فلم أرَ ضررًا جديدًا في دفْعِها للطبع. هذا وقد جرَتْ عادة الكُتَّاب أن يُهدوا كتاباتهم إلى مَن يعرفونهم من ذوي المعرفة والفضل. أمَّا أنا فبإزاء ما كان للضابط بوريدان وللملكة مرجريت من الشهرة، المبنية عَلَى براعتهما النادرة في الملاعب الشرقية، لا أستطيع إلا أن أُهدِي باكورة فني إلى اللذَيْن كانا سببًا في رفع شأنها، وهما ممثل دور «بوريدان» وممثلة دور «مرجريت». مسرحية «البرج الهائل»، المطبعة العثمانية بالإسكندرية، ١٨٩٩، «المعرِّب».