فرقة سلامة حجازي
أَتَتْنا عريضة ممضاة من رجال جوقة مصر العربي وممثِّليه، يقولون فيها إنه لمناسبة انفصال حضرة رئيسهم الشيخ سلامة حجازي من رئاسة هذا الجوق ابتداءً من ١٥ الجاري، وشروعه في تشكيل جوق آخَر تحت إدارته، قد عزموا جميعًا عَلَى الانضمام إليه لما له عليهم من حقوق التربية والتعليم.
أتقن حضرة الممثل الشهير الشيخ سلامة حجازي جوقه الجديد بإتقانه لكل رواية لبسًا جديدًا يوافق الزمان الذي كانت فيه، فيمثِّل للحاضرين الحالة كما هي. وقد أقْبَلَ الناس إقبالًا عظيمًا عَلَى الليلتين اللتين مثَّلهما في تياترو حديقة الأزبكية، وحدث أنه لمَّا مثَّل قلب الأسد تأثَّر الحاضرون عندما هجم ليقتل أخته، فظنُّوا المسألة واقعية، فنهضوا وقالوا لا تفعل. ولما مثَّل ثاني ليلة رواية «هملت» بكى كثيرون من شدة التأثير. وقد مثَّل البارحة في تياترو حلوان رواية «السيد» فغصَّ المكان بالحضور وسرُّوا من حسن الملابس الجديدة، والإتقان الذي شاهدوه مع حسن التمثيل، وتمنَّوْا لهذا الجوق التوفيق والنجاح. وسيُمثِّل يوم الأحد القادم في حلوان رواية «غانية الأندلس».
وكمثال لموضوعات هذه المسرحيات نجد مسرحية «السر المكنون» أو «السر المكتوم في الظالم والمظلوم» لإلياس صيداوي، تدور أحداثها في القرن الخامس عشر حول ظلم كارلس ملك فرنسا لبعض البلاد المجاورة، وبالأخص جمهورية بيشة. وفي إحدى غزواته ينشقُّ عن كارلس قائد جنوده لويس، الذي يُدافِع عن الأمير توماس رئيس جمهورية بيشة، وبعد فترة من مكوث لويس في بيشة يَقَع في حبِّ ملكة ابنة توماس، ويطلب من والدها الزواج، فيوافق توماس، ولكن ملكة تطلب شرطًا محدَّدًا لإتمام هذا الزواج، وهو أن يقوم خطيبها بالقبض عَلَى الأمير برونو الشرير، وأن يأتي به مكبَّلًا بالأغلال، فيوافق لويس، ولكن برونو يكشف هذا الأمر ويقبض عَلَى لويس، ومِن ثمَّ يهرب لويس من السجن بمساعدة الأمير يوسف زعيم الكومندوتير. وبعد عدة أحداث متشابكة استغرقتْ أربع عشرة سنة يتم زواج ملكة من لويس بعد أن تمَّ التخلُّص من برونو، وعاد شقيقا ملكة إليها وإلى والدهما، بعد أن فقدتْهما الجمهورية سنوات طويلة.
يَسُرُّ جميعَ المحبِّين لترقية فن التمثيل في القطر أن عدد الملاعب والأجواق العربية يزداد، وأن أولها وأكملها هو جوق حضرة المتفنن الفريد الشيخ سلامة حجازي قد أصبح له مرسح في وسط العاصمة، في أحسن موقع من مواقعها. وذلك أن حضرة صاحب هذا الجوق ومديره قد أجَّر التياترو المعروف بتياترو فردي لمدة أربع سنين، وشرع في تحليته وزخرفته بما لم يَسبِق له مثيل في المراسح العربية. وأنفق عَلَى ذلك مالًا طائلًا، بحيث لا يمضي هذا الشهر، إلا ويكون ذلك الملعب عَلَى أجمل استعداد، ولا يفوقه في الإتقان والاتساع إلا دار الأوبرا الخديوية. وقد أفرد فيه جانبًا للسيدات وبابًا خاصًّا بحيث يَجِئْنَ ويبعدن في أحسن حال من أحوال الصيانة، وسمَّاه اسمًا عربيًّا جميلًا وهو «دار التمثيل العربي».
مثَّل جوق الشيخ سلامة حجازي مساء أول أمس رواية «هملت» الشهيرة، فظهرتْ في ثوبٍ قشيبٍ لم تلبسه من قبل؛ لأن إتقان الملابس والمناظر زاد في رونقها، حتى حال الحاضرون أن الرواية ليست رواية «هملت» التي طالما شهدوها قبل الآن، مما دلَّ بوضوح تام أن وراء سويداء التمثيل في مصر رجالًا يعملون عَلَى ترقيته، وأن القابض عَلَى دفة مركبه هو الشيخ سلامة حجازي مدير هذا الجوق الجديد.
ومسرحية «هملت» كما كتبها شكسبير تدور حول وفاة ملك الدانمارك في ظروف غامضة، فيخلفه عَلَى العرش شقيقه كلوديوس، ومِن ثمَّ يقترن بأرملة الملك. وهذه الأمور أثارتْ شكوكَ وليِّ العهد هملت، فعَانَى من اضطراب نفسي عنيف. بعد ذلك يَظهَر لهملت شبح والدِه المتوفَّى ويُخبِره بأنه مات مقتولًا عَلَى يد شقيقه كلوديوس، ويُطالِبه بأخْذ الثأر. فيعيش هملت بعد ذلك حالة من الجنون، وأثناء استجوابه لأمِّه الملكة في حجرة نومها يشعر بأن هناك مَن يتجسَّس عَلَى حديثهما من وراء الستار، فيقتله فإذا به بولونيوس الوزير الأول ووالد أوفيليا، ثمَّ ينتهز هملت حضور فرقة تمثيلية إلى القصر فيتفق معها عَلَى تمثيل مسرحية يقوم بطلها باغتيال شقيقه الملك ليستولي عَلَى عرشه وزوجته، وعندما يشاهد كلوديوس التمثيل يثور عَلَى الممثلين ويخرج بعد أن قرَّر التخلُّص من هملت بإرساله إلى إنجلترا برفقة خائنَيْن، معهما خطاب إلى ملك إنجلترا، فيه أمر بقتْل هملت فور وصوله. ولكن هملت يكتشف المؤامرة ويخدع رفيقَيْه ويعود إلى الدانمارك، ثمَّ يحاول كلوديوس تدبير مؤامرة أخرى للتخلص من هملت، وذلك بإقامة مبارزة بين هملت وبين لايريتس ابن الوزير بولونيوس. وقبل المبارزة يقدِّم الملك كأسًا مسمومةً لهملت، ولكنه يعتذر عنها فتشربها أمُّه وتموت، فتقوم المبارزة ويقتل كل منهما الآخَر وتنتهي المسرحية. ولكن المترجم طانيوس عبده غيَّر في النهاية حيث أبقى عَلَى حياة هملت.
يُمثِّل مساء اليوم جوق الشيخ سلامة حجازي لأول مرة بدار التمثيل العربي رواية «ابن الشعب»، وهي سياسية أدبية ذات حوادث واقعية جَرَتْ في البلاد الإنكليزية، تأليف الكاتب الفرنساوي إسكندر دوماس، وتعريف حضرة الأديب فرح أنطون، وقد عوَّدنا هذا الأخير أن لا ينقل من الروايات الإفرنجية إلى اللغة العربية إلا ما كان من خيرة الروايات وأهمها مثل رواية «البرج الهائل» ونحوها، فنؤمل أن يكون الإقبال عظيمًا.
وموضوع مسرحية «ابن الشعب» يدور حول فتاة أحبَّتْ وتزوَّجتْ وحَمَلَتْ دون أن يعلم والدها الثري صاحب الجاه؛ لأنه كان رافضًا لهذا الزواج لعدم التكافؤ بين ابنته وزوجها. وعندما علم الأب طَارَدَ الزوجين برجاله، ولكن الزوجين هربا، ودخلا منزل طبيب. وعندما يرى الطبيب حالة الزوجة، وهي تكاد تنزف، يُسعِفها، فيكتَشِف أنها عَلَى وشك الولادة فيقوم بولادتها بمساعدة زوجته. وهنا يحضر والد الفتاة ورجاله، فيهرب الزوج بعد أن أوصى الطبيب وزوجته بالاهتمام بالأم والطفل، ويحاول الأب أخذ ابنته عنوة فيمنعه الطبيب، إلا أن الابنة توافق عَلَى الخروج مع والدها بعد أن أوْدَعَتْ طفلَها أمانة عند الطبيب وزوجته. وتمر ٢٦ سنة عَلَى هذه الأحداث، ونجد الطفل أصبح شابًّا مرموقًا، تحبُّه ابنة الطبيب أو والده بالتبنِّي لأنها تعلم حقيقته، ويدخل الشاب الذي أصبح اسمه «ريشار» إلى البرلمان، ويُرشَّح للوزارة ضدَّ شخص آخَر، وفي أثناء الحملة الانتخابية يُعيِّره الآخَر بعَدَم نسبه إلى الطبيب. وبعد حدوث مواقف كثيرة نجد ريشار وقد تبدَّل وأصبح مرتشيًا ووصوليًّا بعد أن فاز بمنصب الوزير، كما أصبح أيضًا ظالمًا للجميع حتى لأقرب الناس إليه، وتحدث مفاجآت كثيرة، منها زواجه من ابنة الطبيب وتعذيبها ومحاولة قتلها، ثمَّ خطبته لفتاة أخرى من أجْل مركزها فيتَّضح في النهاية أنها شقيقته، وأخيرًا محاولة قتله لأحد الأشخاص فيتضح له أنه والده، وبظُهُور هذه الحقائق تنتهي المسرحية.
أمَّا السبب الآخَر فيتعلَّق بموضوع المسرحية، الذي يختلف عن الموضوعات المسرحية المألوفة عند الجمهور، والتي تدور حول حكايات ألف ليلة وليلة، بما فيها من قصص الملوك والأمراء، وعذاب المحبِّين، والعادات الشعبية، وخصال العرب وشجاعتهم … إلخ. هذا بالإضافة إلى أن شخصية ريشار كانت تمثِّل الظلم والطمع والحقد والكُرْه ونكران الجميل والإساءة إلى أولي القربى … إلخ هذه الصفات التي جعلتِ الجمهور لا يُقبِل عَلَى رؤية الشيخ وهو يمثِّل هذه الشخصية، مما جعل المسرحيةَ تسقط جماهيريًّا وغنائيًّا.
بينما كان جوق حضرة الشيخ سلامة يدرس هذه الرواية في مصر، كان المُعرِّب متغيِّبًا في برِّ الشام، فنظم حضرة الأديب جورج أفندي طنوس هذه الأبيات الرقيقة عن لسان تسبا، فآثر المعرِّب حفْظَها ونَشْرَها في ختام هذا الفصل، إقرارًا بفضل الناظم، حفظه الله.
وهذه الأبيات هي:
أحبَّتْ كاترين امرأة أنجلو حاكم بادو قبل اقترانها به فتًى نبيلًا يُدعَى رودلف، ثمَّ اقترن بها الحاكم بلا حب لأغراض سياسية له، فلم يكن يُسمِعها سوى الوعيد والتهديد، ثمَّ جاء بإحدى الممثِّلات محظِيَّة له ووضعها في قصره، وبعد حين علم أن امرأتَه عاشقة، وأن عاشِقَها زارَها في منزله، فقَضَى عليها بالموت، ولما كانت محظيَّتُه وهي الممثِّلة تسبا عالمةً بهذا الغرام، وأن عاشق امرأته هو معشوقها بادو الذي جاء مستترًا بأنه أخوها، سَعَتْ سَعْيَها الأوْفَى حتى أنقذَتِ امرأة الحاكم سرًّا حبًّا بمَن تهواه، وحمَلَتْ معشوقَها عَلَى قَتْلِها انتقامًا منها؛ لظنه أنها السبب في موتها، وذلك لتتخلَّص من عناء الغرام. ثمَّ نَدِم القاتل في حين لا ينفع الندم، لمَّا عَلِم أن حبيبته حية لم تُقبَر، بفضْل مَن أوْردَها كأسَ الحِمَام. هذه خلاصة موضوع الرواية التي مثَّلها أمس جوق الشيخ سلامة حجازي، وهي رواية وإن مُثِّلت عَلَى المراسح يومًا، فهي تُمثَّل كلَّ يومٍ في كثيرٍ من القصور الشامخة؛ لذلك كان تأثير الشعب من سماعها عظيمًا، حتى بكى الأكثرون من الحاضرين، خصوصًا عندما جادَتْ تسبا بحياتها؛ لأن ممثلة دَوْرها وهي السيدة مريم سماط أبدَعَتْ في التمثيل إبداعًا نادرًا حتى لقَّبها الشعب بزهرة دار التمثيل، وصفَّق لها التصفيق المتواتر لِمَا ظَهَر عليها من التأثر، الذي اتصلت شرارة كهربائه إلى نفوس المتفرِّجين عمومًا. وكذلك السيدة ميليا ديان فإنها أجادت في تمثيل دورها أيضًا، خصوصًا عندما أخذت تُعنِّف زَوْجَها عَلَى طلبه إعدامَها بأن لا حق له في ذلك، وأن الرجل الذي يأتي بخليلته إلى منزله ويفضِّلها عَلَى حليلته، لا بِدْعَ إذا اضطرَّتْ زوجته إلى حب غيره، فلم تُخلَق المرأة إلا للرجل ولم يُخلق الرجل إلا للمرأة. أمَّا أفراد الممثلين، فقد ظهروا أمس بمظهر جديد من الإبداع والإتقان، خصوصًا حضرة الممثل مدير الجوق وأحمد فهيم ممثل دور أنجلو ومحمود حبيب وبهجت وسواهم، مما سرَّنا وجعلنا نؤمل بوصول التمثيل في هذا العصر إلى حال لم يُرَ من قبلُ. والفضل في ذلك كلِّه راجع إلى الشيخ سلامة حجازي، الذي لا يدَّخِر وسعًا في ترقية هذا الفن وتعليم أفراد جوقته الشهيرة، ولا يسعنا في الختام إلى أن نُثنِيَ الثناء الجميل عَلَى حضرة الكاتب الألْمَعِي زاكي مابرو معرب هذه الرواية الحسناء.
يمثِّل جوق حضرة الممثل الشهير والمطرب المبدع الشيخ سلامة حجازي رواية «ضحية الغواية» الشهيرة في دار التمثيل العربي. وقد أضاف إليها منظرًا جديدًا جليًّا من أوروبا، تَظهَر فيه شارلوت وراعول صاعدَيْن إلى السماء، فلا غرابة إذا كان الإقبال مستمرًّا عَلَى هذا الجوق الفريد.
ومسرحية «السيد» أو «غرام وانتقام»، تعريب نجيب الحداد، تدور أحداثها في إشبيلية حول البطل رودريك ابن الدون دياك، الذي يحب شيمان ابنة الدون جومس، ومدى استعداد الأسرتين بزفافهما. وقبل أيام من هذا الزفاف يقوم فرنان مَلِك كستيليا باختيار مؤدِّب لابنه من بين دياك وجومس، فيقع اختياره عَلَى الدون جومس، مما أثار الحقد في نفس الدون دياك، فتدور مناقشة مُثِيرة بينهما حول اختيار الملك، فيقوم جومس بصفع دياك الذي يطلب عدل الملك من جرَّاء هذه الصفعة، ومِن ثمَّ يُثير ابنه رودريك ضدَّ والد حبيبته كي يأخذ بثأر أبيه. وبالفعل تتم مبارزة بين رودريك وبين جومس، تنتهي بموت جومس. وهنا نجد صراعًا عنيفًا تولَّد عند شيمان، بين حبِّها لرودريك وبين ثأرها منه؛ لأنه قتل أباها، فيذهب إليها رودريك ويطلب منها أن تقتله، ولكنها لا تفعل بسبب حبها وتُطالِب الملك بالعدل. وهنا يقترح دياك عَلَى ابنه رودريك أن يذهب لمحاربة أعداء البلاد لعله يموت شهيدًا دفاعًا عن الوطن، بدلًا من أن يموت بسبب انتقامه لشرف أبيه، ويمتثل رودريك لنصيحة أبيه، ويُبلِي بلاءً حسنًا في المعركة، ويعود منتصرًا فيخلع عليه الملك لقب «السيد» أي سيد الناس. وتشعر شيمان بأن ثأرها ضاع أمام بطولة ولقب رودريك، فتطلب من الملك العدل لمقتل أبيها، وتنشر بين الناس أن مَن يبارز رودريك ويقتله سيصبح زوجها. ويتقدَّم لهذا الأمر الدون صنش طمعًا في شيمان، ولكن رودريك ينتصر عليه في المبارزة ويعفو عنه في النهاية، وهنا يأمر الملك بزواج رودريك من شيمان، ولكن شيمان تؤجِّل هذا القران حتى تنتهي من حزنها عَلَى أبيها، وأيضًا حتى ينتهي رودريك من انتصاراته، وهكذا تنتهي المسرحية.
وكمثال لموضوعات هذه المسرحيات نجد «عظة الملوك» أو «الطبيعة والزمن»، تأليف بشارة كنعان، تدور أحداثها حول قُدْرة الطبيعة والزمن عَلَى التحكم في تصرفات البشر عَلَى الأرض، وذلك من خلال قصة تاريخية تدور أحداثها في الهند، حيث يقوم سلطانها فيروزاد بخطف أنوش زوجة نرباس قائد جيوش البلاد، حقدًا عليه بسبب حب الشعب له. وعندما تُخطف أنوش تُسجن في قصر السلطان، وتُجبَر عَلَى الزواج من سلطان البلاد ولكنها ترفض وفاءً لزوجها نرباس. وتدور أحداث كثيرة حول محاولة السلطان التخلص من نرباس، وإجبار أنوش عَلَى الرضوخ له والزواج منه، وفي المقابل نجد محاولات كثيرة من نرباس للحصول عَلَى زوجته والخلاص من مطاردة السلطان وجنوده. وتنتهي المسرحية بتدخل الطبيعة، وتعنيفها للسلطان لأنه لم يحكم بالعدل، وأخيرًا يعود السلطان إلى رشده، ويبتعد عن ظلمه، وتعود أنوش إلى زوجها وتنتهي المسرحية.
لقد أبدع الممثِّلون والممثِّلات غاية الإبداع، حتى استحقُّوا استحسان جميع الحاضرين عمومًا، وخصوصًا منظر دار النعيم الذي كان في انتهاء الفصل الخامس، وكان الحاضرون يشاهدون صعود راءول وشارلوت إلى دار النعيم كأنه تمامًا وليس تمثيلًا، وكان في غاية من الإبداع.
ومسرحية «ضحية الغواية» أو «شارلوت» لخليل كامل، تدور أحداثها حول ملك يحتضر، فيأخذ عهدًا من ابنه فيكتور عندما يصبح ملكًا أن يزوِّج ابن عمه راءول من ابنة عمهما شارلوت، فيُعطي الابنُ العهدَ إلى أبيه رغمًا عنه بسبب حبه لشارلوت، رغم أن الملك المحتضر يعلم بهذا الحب. وأخيرًا يطلب الملك الانفراد بوزيره ريشار، ويأخذ منه عهدًا أيضًا بأن يعمل عَلَى إتمام زواج راءول من شارلوت، وأن يُبعِد عنهما ظلم ابنه فيكتور. وعندما يستفسر الوزير من الملك عن سبب هذا العهد، ولماذا لم يجعل فيكتور ابنه زوجًا لشارلوت، يُطلعه الملك عَلَى سرٍّ خطير وهو أن شارلوت أخت فيكتور من علاقة آثمة كانتْ بَيْنَه وبين امرأة من عامة الشعب عندما كان شابًّا، وقد ربَّى شارلوت في قصره عَلَى أنها ابنة أخ له مات في بلاد بعيدة. وبعد ذلك يموت الملك، وينكث فيكتور بعهد أبيه بعد أن أصبح الملك، فيَنفِي راءول من البلاد، ويرغم شارلوت عَلَى الزواج منه، ولكنها ترفض وتصمد أمام إغرائه. فلم يجد فيكتور إلا أن يسجنها في دير القديسة حَنَّة، وكان يزورها كل ليلة ويضربها بالسوط حتى فقدَتْ عقلَها من شدة التعذيب، فيقوم الوزير ريشار بإبلاغ راءول بما آلَتْ إليه حالة شارلوت، فيحضر من منفاه متخفيًا ويدخل الدير ويقابل فيكتور ويتبارز معه ويقتله، وعندما يُحاول رؤية شارلوت تَعِده إحدى الراهبات بأن تدبِّر له هذا اللقاء غدًا. وعندما يحضر في اليوم التالي تأخذه الراهبة إلى حديقة الدير، حيث يوجد قبر شارلوت، فيرتمي راءول عليه ويبكي حتى يسمع صوت شارلوت تناديه ليلتقي بها في الآخرة، ويلبِّي راءول هذا النداء ويموت عَلَى قبر شارلوت وتنتهي المسرحية.
لا يزال حضرة المطرب المُبدِع والممثل الشهير الشيخ سلامة حجازي يُتحِف أبناء مصر بأحسن الروايات، فيمثلها برئاسته في دار التمثيل العربي، فيَشهَد كل ذي ذوقٍ سليم برخامة الصوت وحسن الإلقاء وجودة الملابس. وسيُتحِف الجمهور الليلة فيمثِّل رواية جديدة اسمها «اليتيمتين»، وتُمثِّل الحب الطاهر والفضيلة وعزة النفس والوفاء بمعناه الحقيقي، إلى غير ذلك من المزايا، ويتخلَّل فصولَها أدوارٌ موسيقية مطرِبة وتُختَم بفصل مضحِك جديد. وأسعار الدخول عَلَى حالها، فنتمنَّى لهذا الجوق ولحضرة مديره التوفيق والنجاح.
وكمثال عَلَى موضوعات هذه العروض نجد مسرحية «العفو القاتل»، تأليف سليم ميخائيل فرنيني، تدور أحداثها حول الأمير أبي العلاء، الذي ورث عن أبيه خصلة الإحسان عَلَى الفقراء، والإنفاق عل أعمال الخير، ولكن هذه الأفعال لا تُرضِي عمَّه أبا دياب، ولا تُرضِي أمَّه الربيعة. وبمرور الأحداث نجد أبا دياب يدبِّر الخُطَط لقتْل الأمير أبي العلاء بمساعدة والدته، أملًا في زواجها من أبي دياب. وأخيرًا تنجح الأم في وضع دواء معين في طعام الأمير حتى إذا ما تناوله يَظهَر بمَظهَر الأموات، وعند ذلك أعلن أبو دياب موت الأمير وتقلَّد هو الحكم، ولكن أبا دياب أراد شيئًا آخَر، وهو مكان كنز ثمين لا يعلمه إلا الأمير أبو العلاء؛ لذلك أظهَرَه أمامَ الناس بالمتوفَّى، وهو في الحقيقة في سُبات يُشبِه الموت، وفي المساء ذهب أبو دياب مع الربيعة وبعض الخدم إلى قبر الأمير، ومِن ثمَّ قام بإفاقة الأمير المُسجَّى بدواء خاص، وحاول الضغط عليه من أجْل إفشاء سِرِّ الكنز، ولكن أبا العلاء امتنع عن الكلام، فأغلق أبو دياب باب القبر عليه عَلَى وعْد تكرار المحاولة مرة أخرى في الغد. وفي هذا الوقت كان يُراقِب الموقفَ سائح هندي كان الأمير يعطف عليه، فعرف الحقيقة، وبعد انصراف الأشرار استطاع السائح أن يَفتَح القبر ويُنقِذ الأمير. وفي اليوم التالي يَظهَر الأمير أبو العلاء وسط شعبه ويعفو عن الخَوَنة؛ لأنهم من أهله، ولكنهم رفضوا هذا العفوَ وانتحروا الواحد بعد الآخَر. وهنا يكشف السائح عن أسرار خطيرة، وهي أن الربيعة لم تكن والدة الأمير؛ لأنها إحدى أسيرات جده، وأن أبا دياب أيضًا لم يكن عمَّه، بل هو أحد أسرى والده، وهكذا تنتهي المسرحية.
فكَّر جماعة من الأدباء بمساعدة بعض الأطباء الغيورين، بأن ينشئوا بثغرنا عيادة طبية مجانية، يُعالَج فيها الفقراء عَلَى اختلاف أجناسهم وأديانهم بمزيد العناية، فانتَقَوْا لذلك مركزًا متوسِّطًا في المدينة، وهو الدائرة الإلهامية (وقف راتب باشا) الكائنة بشارع نوبار نمرة ١٨. وقد رَأَوْا أن يُحيُوا ليلة تمثيلية فوق العادة، فانتَقَوْا رواية «اليتيمتين» ليمثِّلها حضرة الممثِّل البارع الشيخ سلامة حجازي بمرسح زيزينيا، ويخصَّص صافي دخلها لابتياع الأدوات الطبية والأثاثات اللازمة للمشروع. وعيَّن لهذه الحفلة مساء أول أبريل القادم مع بقاء أسعار الدخول عَلَى حالها مثل الليالي العادية. فأملنا من محبِّي الخير أن يشاركوا أصحاب هذا المشروع في خدمتهم الإنسانية … والتذاكر تُباع بمكتبة الإسكندرية «توكيل اللواء» لصاحبها محمد الكلزة، وبيد حاملها وعلى شباك التياترو ليلة التمثيل.
رأى حضرة الشيخ سلامة حجازي مدير دار التمثيل العربي أن يُحيِّيَ محبِّيه وأصدقاءه، الذين احتَفَوْا بمَقدِمه وأظهروا السرور بسلامته بإحياء ليلة يمثِّل فيها رواية «صلاح الدين» الشهيرة. وقد اختار لها هذه الليلة؛ أي ليلة الجمعة مساء الخميس، ويتخلَّل فصولَها الموسيقى الوترية، وتُختَم بفصل مضحِك، وأسعار الدخول كالعادة. وهذه الليلة هي الوحيدة في هذا الشهر، حتى إذا انقضى عاد الجوق إلى عادته من موالاة التمثيل.
يطلب حضرة الشيخ سلامة حجازي مدير إدارة التمثيل العربي من كل راغب في صناعة التمثيل، عارفًا من مبادئ اللغة العربية بما يساعده عَلَى حفظها والنطق بها جيِّدًا، أن يُقدِّم طلبًا لإدارة دار التمثيل العربي بمصر، والإدارة مستعدَّة لقبوله بعد الاختبار.
ومسرحية «النجم الآفل» أو «غادة الكاميليا» تدور حول علاقة الشاب أرمان دوفال ابن الأسرة الريفية متوسطة الحال بمرجريت جوتييه الغانية الباريسية الحسناء، ومِن ثمَّ تطوَّرت هذه العلاقة إلى حبٍّ قويٍّ لم يَرضَ عنه المجتمع؛ لأن مرجريت كانت من الغواني صائدات المال تحت ستار الصداقة والحب، كما أنها عَلَى صلة بأكثر من شاب ورجل. وبالرغم من ذلك أحبَّت مرجريت أرمان، وكاد أن يصل هذا الحب إلى الزواج. وفي هذا الوقت تقدَّم شاب ثري لخطبة شقيقة أرمان، وقبل أن يتم زفافه وصلتْ إلى مسامعه قصة شقيق خطيبته مع مرجريت، فيقوم بتهديد أسرة أرمان بفسخ خطبته إذا تزوج أرمان من مرجريت. وهنا يتدخل والد أرمان خوفًا عَلَى ابنه من هذه المرأة اللعوب، وخوفًا عَلَى مستقبل ابنته مع خطيبها، فيذهب إلى مرجريت ويسرد عليها مخاوفه ناشدًا ضميرها، وهنا يتأزَّم الصراع عند مرجريت، فتفضِّل الابتعاد عن أرمان، وأن تحطِّم قلبها بيدها قبل أن يتحطَّم مستقبله ومستقبل أسرته، فتقوم بإيهامه بأنها كانت تلعب بعواطفه، وتدلِّل عَلَى ذلك بأفعال كثيرة حتى يهجرها، فتحزن عليه وتمرض بمرض خطير يُذهِب بحياتها.
أمَّا مسرحية «عواطف البنين» أو «الشهيدة»، فتدور أحداثها حول قيام نصَّاب بالاشتراك مع شقيقته الراقصة بتزوير في الأوراق الرسمية، وانتحال هذا النصاب لاسم بالميري المتوفَّى، حتى يستولى عَلَى ثروته في الهند، وبعد إتمام هذا الأمر سافرا إلى فرنسا لتكوين صداقات مع كبار القوم، حتى يكونا اسمًا مرموقًا متَّصِلًا بالعائلات الكريمة، ويقع اختيارهما عَلَى الكونت روجي، وينزلا ضيفَيْن عليه وعلى زوجته لورانس. وبعد فترة تقوم الراقصة شقيقة النصَّاب — بعد أن أطلقتْ عَلَى نفسها اسم الفرغونية — بإغراء الكونت حتى أوقعتْه في حبها، ثمَّ يقوم بالميري بمراقبة زوجة الكونت لورانس فيعلم أنها قابلتْ شابًّا في إحدى الكنائس، واتفقت معه عَلَى دفع مبلغ كبير مقابل رسائل غرامية لديه، ويقوم بالميري بمساعدة شقيقته بكشف هذا الأمر لزوجها، الذي يقوم بمواجهة بين زوجته وهذا الشاب في وجود الأميرالة والدة لورانس والأميرال والدها.
وبعد مناقشة شديدة هدَّد الكونت هذا الشاب شاهرًا في وجهه المسدس إذا لم يُعطِهِ الرسائل، ولكن الشاب رفض تسليم الرسائل ورمى بها في نار المدفأة، فقام الكونت بقتله رميًا بالرصاص. ومن ثمَّ اتَّهم الكونت زوجته لورانس بالخيانة وطلَّقها في المحكمة بعد أن اعترفتْ بجريمة الخيانة أمام القاضي. وبسبب هذا الحكم حَرَمَ الأميرال ابنتَه لورانس من أن تَرَى أمَّها بعد أن طَرَدَها من منزله، أمَّا الكونت فقد تزوج من الفرغونية. وبعد عدة أشهر من هذه الأحداث تحضر بوليت ابنة الكونت ولورانس من سفرها برفقة دراك قنصل إيطاليا في الهند، الذي لازمها أثناء السفر، وتعهَّد برعايتها حتى تصل إلى أهلها. وتتعرف بوليت عَلَى ما أصاب أسرتها من النوائب، وتطالب دراك بمساعدتها، وبالفعل استطاع أن يدبِّر لها لقاءً مع أمِّها، وأن يجعل هذه الأم تعود لتعيش مع والدها الأميرال ووالدتها. وفي هذا الوقت استطاع بالميري أن يتآمر عَلَى الكونت وأن يُفقِدَه ثروتَه دون أن يعلم الكونت مَن وراءَ هذا الأمر، ثمَّ نجد بالميري يعرض عَلَى الكونت مبلغًا كبيرًا من المال كي يستطيع أن يُحافِظ عَلَى اسمه وشرفه، مقابل أن يزوِّجه من ابنته بوليت، فيوافق الكونت مرغمًا بشرط ألَّا تَعلَم ابنته بهذا الأمر، فيوافق بالميري.
أمَّا بوليت، فنجدها ترفض هذا الزواج، فيضطر بالميري أن يُخبِرها بأمْر إفلاس والدها، وهي بهذا الزواج تستطيع إنقاذه، وبذلك استطاع بالميري أن يُرغِمها عَلَى الزواج. وفي ليلة عقد القران تكتب بوليت رسالة إلى والدتها، تُخبِرها بأنها ستنتحر بعد عقد القران مباشرة، وبعد أن يستردَّ والدها شَرَفَه بالمال الذي سيمنحه له بالميري بعد كتابة عقد الزواج. وتطلب من دراك إيصال هذه الرسالة غدًا، ولكن دراك شعر بأن في الأمر شيئًا، فأرسل الرسالة في اليوم نفسه، وقبل عقد القران بلحظات تحضر لورانس مع والدتها ووالدها أملًا في إنقاذ ابنتها، وتطلب من زوجها السابق الكونت روجي أن يَقبَل أموالَها كي يُنقِذ شرفَه بدلًا من التضحية بابنته، ولكنه يرفض لأنها خائنة، فتطلب منه أن يختار أحد المدعوين ويَقبَل حكمَه، إذا حكم ببراءتها من تهمة الخيانة فيختار والدتها الأميرالة. وهنا تطلب لورانس الانفراد بأمِّها، وفي هذا الانفراد تسرد لورانس عَلَى أمها دليل براءتها، وهو أن الشاب الذي قُتِل بعد أن أَحرَق الرسائل الغرامية ما هو إلا شقيقها الذي أنْجَبَتْه الأميرالة سِفاحًا في لحظة ضعف وهي شابَّة. وما هذه الرسائل إلا رسائل الأميرالة لعشيقها والد هذا الشاب، وما قامت به لورانس كان حفاظًا عَلَى شرف أمِّها وأبيها، فتخرج الأميرالة إلى الكونت وتثبت براءة ابنتها أمامَه وأمام الجميع. وهنا يُظهِر دراك عدةَ وثائق تثبت قيام بالميري بانتحال اسم أحَدِ المتوفَّيْنَ والاستيلاء عَلَى ثروته، وكذلك يكشف عن حقيقة الفرغونية، ويتم القبض عليهما ويعود الهناء إلى أسرة الكونت من جديد، وتنتهي المسرحية.
ومثال لموضوعات هذه المسرحيات نجد مسرحية «أبو الحسن المغفل» لمارون النقاش مستوحاة من حكاية «النائم واليقظان» الموجودة في حكايات ألف ليلة وليلة. وتدور حول قصة رجل اسمه «أبو الحسن» يتبرَّم من أحوال الناس والحياة المحيطة به، ويتمنَّى أن يكون حاكمًا عَلَى البلاد ولو ليوم واحد حتى يُقيمَ العدْل ويُصلِح الأحوال، وتشاء الظروف أن يسمع أمنيتَه حاكم البلاد هارون الرشيد عندما كان متنكِّرًا لتفقُّد الأحوال، فيقوم بخدعة، إذ خدَّر أبا الحسن ونقله إلى القصر، وعندما استيقظ أبو الحسن وجد الخَدَم والأُمَراء والوزراء مِن حوله، ينتظرون أوامرَه، فيظنُّ أنه في حلم جميل، فيسير بالحلم إلى منتهاه، ولكنه يُفاجَأ أنه في يقظة وأنه أصبح بالفعل الحاكم، وتَحدُث مفارقات كثيرة، يَعجَز فيها أبو الحسن عن إقامة العدْل وإصلاح المعوَجِّ الذي كان يتمنَّى إصلاحَه. فيقوم الرشيد بتخديره مرة أخرى ويُرجِعه إلى حالته الأولى.
في يوم الثلاثاء أول سبتمبر سنة ١٩٠٨، «حديقة الأزبكية»: زينة بديعة في جميع الحديقة – موسيقات متنوعة – مزمار وطبل بلدي – ألعاب بهلوانية – ألعاب سيماوية – خيال الظل – أم الشعور البهلوانية – أغاني عربية بمعرفة المطربين الشهيرين. باب الحديقة الغربي الذي بمواجهة شارع بولاق، مفتوح من الساعة التاسعة بعد الظهر للسيدات فقط، وتُفتح أبواب الحديقة من الساعة أربعة بعد الظهر للرجال إلى نهاية الاحتفال. تذاكر دخول الحديقة ثمنها خمسة قروش صاغ عَلَى أبواب الحديقة. مسموح لحضرات ضباط جيش الاحتلال والجيش المصري، وعساكر جيش الاحتلال والجيش المصري، بالدخول في الحديقة بدون تذاكر ما داموا بالملابس العسكرية، «تياترو الحديقة»: يشخَّص به رواية «محاسن الصدف» بمعرفة جوق مصري شهير، «تياترو الأوبرا»: يشخَّص به رواية «غانية الأندلس» بمعرفة جوق حضرة الممثل الشهير الشيخ سلامة حجازي. تذاكر تياترو الحديقة والأوبرا تُباع بشباك الأوبرا، وبمحل تجارة سعادة حسن باشا مدكور بالأزبكية. وفي يوم الاحتفال تقدم المدليات الذهبية المخصوصة في حديقة الأزبكية لمَن اكتتب هذا الاحتفال من السيدات بمبلغ ثلاثة جنيهات عَلَى الأقل بواسطة سيدات كُلِّفن بذلك من قِبَل اللجنة.
بدأ التمثيل العربي منذ أربعين سنة، ولا يزال حتى اليوم وهو في عهد الطفولية، ولا فرق في ذلك بين القاهرة وبين بيروت. والحقيقة أنه لا يوجد ممثلون في اللغة العربية يستحقون أن يُطلق عليهم هذا الاسم. أمَّا الروايات فليس في اللغة المذكورة شيء منها يجدر بالذكر؛ لأن كل ما هنالك روايات تافهة لا مغزى لها، نَعَم، إن بعض الكَتَبَة ترجموا شيئًا من شكسبير ومن كورنيل ومن هيجو، ولكن تلك الترجمات لم تُكتب إلا ليُدفَع بها إلى الشيخ سلامة فيمسخها بتمثيله السيئ، أو ليغني فيها بضعة أشعار ليس إلا.
رَوَتْ جرائد بيروت الواردة مع بريد اليوم أن حضرة الممثل الشهير والمطرب المجيد الشيخ سلامة حجازي أُصيب في دمشق الشام بفالج في جنبه الأيسر، فأقام عَلَى معالجته الدكتور هورد شيانو. وأشاعت جريدة «المفيد» وفاته، عَلَى أن جريدة «الأحوال» رَوَتْ بعد ذلك أن الشيخ سلامة حجازي أرسل إلى داوود نقاش تلغرافًا يقول فيه: «الخَطَر زال، الحالةُ أحسنُ، فنطمئنكم.» فحمدنا الله عَلَى سلامة الشيخ سلامة حجازي، وسألنا له حياة طويلة مقرونة بالهناء.
جاءنا من حضرة إسماعيل الديب بالزقازيق، وهو صديق حميم للشيخ سلامة حجازي، أنه لم يفارقه في مصيفه بالشام إلا بعد أن شفاه الله وعافاه. ويقول هذا الصديق إنه كان معه في أحد شوارع دمشق عندما فاجأه ذلك الداء العضال، وقد كاد يموت حزنًا عليه، لولا أن الله لطف بالمريض وبجميع أصدقائه، وأدركه بعنايته الصمدانية فعافاه مما به ابتلاه بعد علاج أيام شداد، وأنه لم يفارقه حتى اطمأن عليه تمام الاطمئنان، ولم يبقَ عَلَى عودته لمصر ممتَّعًا بتمام الصحة والعافية إلا بضعة أيام؛ ولذلك كلَّفه أنْ ينشر هذا الخبر السارَّ إلى مصر.
وكمثال لموضوعات هذه المسرحيات نجد مسرحية «البخيل» لمارون النقاش، تدور أحداثها حول الأرملة هند التي ستتزوج رغمًا عنها من البخيل قراد، ويحاول شقيقها غالي أن يبعد فكرة هذا الزواج عن رأس أبيه الثعلبي، ويتمنَّى أن يوافق هذا الأب عَلَى الشاب عيسى الذي يحب شقيقته، ولكن الوالد يُصرُّ عَلَى زواجها من قراد؛ لأنه من الأغنياء رغم بخله، ونعلم بعد ذلك أن الثعلبي أيضًا بخيل، ويريد الانتفاع من هذا الزواج. وتحاول هند مع شقيقها وحبيبها أن تمنع هذا الزواج بالحيلة، عندما عَرَفَت أن قرادًا بخيل، فنجدها تطالبه بالملابس الغالية وبالجواهر والهدايا الثمينة، وأمام هذه المطالب يقع قراد مغشيًّا عليه، وعندما يُفِيق يحاول إبعاد هند عنه بعد أن أبعد فكرة الزواج بها من رأسه. وبعد فترة يفكِّر قراد في أمر يستطيع به أن يبتزَّ الثعلبي وينتقم منه، فنجده يتفق مع شخصين على هذا الانتقام، ولكن عيسى وغالي يتنكَّران وينجحان في إيهام قراد بأنهما يستطيعان الانتقام من الثعلبي، ولكن بعد قبض الثمن، فيوافق قراد ويعطيهما المال المطلوب، فيكشفان له عن حقيقتهما، وتنتهي المسرحية.
في مساء الخميس المقبل يمثِّل جوق حضرة المطرب الشهير والممثل البارع الشيخ سلامة حجازي رواية «عواطف البنين» الشهيرة، ويقوم حضرة الشيخ سلامة بنفسه بتمثيل «الطفلين»، وهي شعرية غنائية تمثيلية. وهي أول بشرى نزفُّها لمحبي التمثيل بعد نقاهة الشيخ من مرضه، وبعد أن احتجب عن التمثيل مدة طويلة. وهذه الليلة لوداع محبِّيه الكرام قبل سفره لتمضية فصل الصيف خارج القطر، فنحثُّ العموم بالإقبال عليها.
ومسرحية «سارقة الأطفال» تدور أحداثها حول السيدة سارة واترز، التي أَنجبتِ الطفلة جان من البحَّار أدامس دون أن تقترن به، وقد أودعتْ سارة هذه الطفلة عند إحدى المُربِّيَات. وكانت سارة تعمل بمساعدة اللص أتكنس عَلَى سرقة الأطفال، ومِن ثمَّ تَبِيعهم للمتسوِّلين كي تَجمَع ثروة تضمن بها مستقبلًا سعيدًا لابنتها. وفي إحدى الليالي جاءها رجل مقنَّع وطلب منها طفلة عمرها عام، وسيدفع لها مبلغًا كبيرًا نظير ذلك إذا استطاعتْ أن تأتي بالطفلة في غضون ساعة فتوافق سارة، وفي هذه اللحظة يحضر أتكنس ويرى الرجل خارجًا فيعرفه، وتتفق سارة مع أتكنس عَلَى أن يَسرِق طفلة في غضون نصف ساعة؛ لأن الشرطة تراقبها، فيوافق أتكنس ويذهب، ثمَّ تخرج سارة لبضعة دقائق فيحضر إلى غرفتها عشيقها أدامس بعد أن أحضر ابنته جان من المربيَة كي يُفاجِئ سارةَ بقدومها وعزمه عَلَى الاقتران بها، ولكي يجعل المفاجأة مؤثِّرة ترك لها الطفلة عَلَى سريرها، وخرج للحظات. هنا تحضر سارة فتظنُّ أن أتكنس سرق الطفلة ووضعها عَلَى سريرها، فيحضر الرجل المُقنَّع ويأخذ الطفلة ويعطيها المال.
وبعد لحظات يُداهِم المكانَ رجال الشرطة ويقبضون عَلَى سارة بعد أن قبضوا عَلَى أتكنس حاملًا طفلة مسروقة، وقد اعترف أنه سرق طفلة الجيران بإيعازٍ من سارة. وعندما ترى سارة الطفلة المسروقة ينتابها الشك، وهنا يدخل أدامس ويسأل عن ابنته جان، فتصرخ سارة بعد أن تأكَّدتْ أنها باعتِ ابنتها وقبضتِ الثمن من الرجل المقنَّع. ويُحكم عَلَى سارة بالسجن خمس عشرة سنة، وبعد مرور هذه السنوات تخرج سارة لتبحث عن ابنتها، بعد أن كفَّرت عن جريمتها في السجن، وبعد أن أصبحت تقية متديِّنة، وتنجح سارة أخيرًا في معرفة الرجل المقنَّع الذي اشترى ابنتها، وهو اللورد تريفليان الذي أطلق عَلَى جان اسم اللادي هيلين، وبعد عدة أحداث تستطيع سارة أن تعمل خادمة عند ابنتها كي تصبح قريبة منها.
وفي يوم يحضر أتكنس لمقابلة اللورد ويطلب منه الزواج بهيلين، ويهدِّده بكشف سرٍّ خطير إذا امتنع عن قبول هذا الزواج، وهذا السر يتمثَّل في أن اللورد تريفليان كان متزوِّجًا من سيدة ثرية كَتبتْ ثروتها إلى ابنتها الوليدة، ولكن هذه الأم ماتت وما زالت ابنتها طفلة، وبعد أيام ماتت الطفلة أيضًا، فقام اللورد بدفنها في حديقة قصره، وقد شاهد هذا الأمر أتكنس مصادفة عندما كان يحاول سرقة القصر. وبعد ذلك اتفق اللورد مع سارة عَلَى سرقة طفلة عندما جاءها مقنَّعًا كي يُوهِم الجميع بأن ابنته عَلَى قيد الحياة، وبذلك يستطيع أن يكون الواصي عَلَى ثروتها. وأمام هذه الحقائق يوافق اللورد عَلَى زواج أتكنس من هيلين. واستطاعتْ سارة أن تسمع حوار اللورد مع أتكنس باعتبارها خادمة، فقامت بخطف ابنتها من القصر والاختفاء بها في أحد الفنادق البسيطة، وبعد أحداث كثيرة حول مطاردة أتكنس واللورد لسارة وابنتها، تنتهي المسرحية بالقبض عَلَى أتكنس، وندم اللورد عَلَى ما فعل وعودة هيلين إلى أمها بعد أن اتفق الجميع عَلَى العيش في سعادة مجتمعين بعد نسيان الماضي وكتمانه خوفًا عَلَى شرف أسرة اللورد.
وبهذا الانضمام بين حجازي وأولاد عكاشة بدأت الفرقة في إعادة عروضها السابقة مع بعض العروض الجديدة حتى أوائل ديسمبر ١٩١٢، وتنوع مجهود الشيخ سلامة حجازي في هذه العروض بين إلقاء القصائد الغنائية خلال الفصول وبين إلقائها من خلف الستار، ومنها قصائد: إن كنت في الجيش، سلام عَلَى حسن، الاستقبال، النسيم العاشق. وفي حال تحسُّن صحته كان يَظهَر عَلَى خشبة المسرح بملابس التمثيل أثناء إلقاء القصائد، وفي أحسن الأحوال كان يقوم ببعض المشاهد التمثيلية، التي وصلت في بعض الأحيان إلى قيامه بتمثيل فصل كامل. أمَّا عبد الله عكاشة فكان المطرب الأول للفرقة.
ما أبعد أمس من اليوم! فقد كان بالأمس دار التمثيل العربي مقصدًا لكل أديب وفاضل، وإذ أصبح اليوم يخلفه تياترو حديقة الأزبكية الذي يمثَّل فيه مساء اليوم رواية «صلاح الدين الأيوبي»، وفي مساء الغد رواية «عظة الملوك» الشهيرة. وسيتوالى التمثيل بعد مدة شهر لحين نهو الإصلاحات الجارية بدار التمثيل. ويقوم بأهم أدوارها حضرة عبد الله عكاشة، ويفوه الشيخ سلامة حجازي بقصيدة «إن كنت في الجيش»، وقد أهدانا إلى هذه الحقيقة الراجل الفاضل الشيخ عبد الباقي رئيس مالية هذا الجوق. وتُباع التذاكر في باب الجنينة القبلي تجاه الأوبرا، ودخول الحديقة مجَّانًا لحامليها.
تقدِّم جوقة الشيخ سلامة حجازي في مساء هذا اليوم رواية «غانية الأندلس»، وسيقوم بتمثيل أهم أدوار الرواية حضرة المطرب الشهير الشيخ سلامة حجازي بذاته، حيث يقوم بتمثيل هذا الدور في جميع فصول الرواية. وهذه المرة الثانية التي نرى فيها هذا المطرب المبدع يقوم بتمثيل رواية بأكملها، بعد أن كان قد شغله المرض عن مزاولة هذا الفن الجميل.
في مساء الثلاثاء ٣ فبراير القادم يُقام احتفال هائل في كازينو الكورسال، فيمثِّل في خلاله جوق الشيخ سلامة حجازي رواية «تليماك» الشهيرة، ويقوم بأهم أدوارها تمثيلًا وتلحينًا بلبل مصر الوحيد الشيخ سلامة حجازي، ويعرض للمرة الأولى في مصر منظر الجحيم أي جهنم بشكله الحقيقي الذي حضر حديثًا من أوروبا. وتقدم إدارة الكورسال خمسة فصول من ألعابها خلال فصول الرواية، وهي أعظم فصول جديدة مدهشة لم تُمثَّل للآن في مصر، ويُلقِي الشيخ سلامة قصيدة «حديث قديم» ومنولوج «فتى العصر». ويُلقِي أحد الأدباء «خطابًا لأعضاء الجمعية التشريعية»، ويُلقِي حضرة الشيخ محمد يونس القاضي زجلًا فكاهيًّا عن «الكرنفال». وفي الساعة الخامسة بعد الظهر لغاية الساعة الثامنة مساءًا تُقام حفلة خصوصية للسيدات، لا يدخلها أحد من الرجال مطلقًا، فتقدم فيها الألعاب التي تقدم في المساء، وتطرب الحضور مغنية ألف ليلة الست «توحيدة» المغنية. تُطلب التذاكر من الآن من الحاج مصطفى حفني بجريدة «الأفكار» بأول حارة قواديس، وتُرسل في البوستة لمَن يطلبها. وحامل تذكرة المساء له الحق بأخْذ مثلِها من حفلة السيدات بنصف الثمن. بروجرام الحفلة مزيَّن بالصور ويُرسل مجَّانًا لمَن يطلبه.
أعلن مَن يُدعَى عزيز نقولا أنه سيُقيم حفلة خصوصية في سينماتوغراف أولمبيا يوم ٢٠ الجاري، وسيُطرب الحضور فيها حضرة الأستاذ الشيخ سلامة حجازي. وقد جاءنا اليوم من حضرة الشيخ سلامة حجازي أنه لا يحضر هذه الحفلة، وهو يحذِّر الجمهور من أمثال هذه الإعلانات الكاذبة.
وهكذا أصبحتْ فرقة الشيخ تلفظ أنفاسَها الأخيرة، وقبل أن تنهار بأيام قليلة جاءها في أوائل مايو ١٩١٤ صاحب مسرح روسيني بتونس؛ ليتعاقد مع الشيخ سلامة عَلَى إقامة عدة حفلات بالمدن التونسية، فكانت زيارته بمثابة الأمل الأخير في إنقاذ الفرقة من الانهيار المنتظر. وفي يوم ١٣ / ٥ / ١٩١٤ وصلت الفرقة إلى تونس، وكانت متكوِّنة من: سليم عطا الله، أمين عطا الله، رحمين بيبس، حسين حسني، علي يوسف، محمود رضا، محمد حسني، صادق أحمد، محمد صادق، محمد علي، كامل الخلعي، حسن كامل، حسين نجيب، محمد الكسار، حسن الفلاح، محمود حسني، محمد طلعت، محمد أمين، محمد بسيم، صالح كريم، زكي غزال، ماري إبراهيم، سرينا إبراهيم، وردة ميلان، لطيفة أمين، ماري أنطون، ماري دبس.
بدأت الفرقة أول عروضها بمسرحية «صلاح الدين الأيوبي» عَلَى مسرح روسيني بالعاصمة يوم ١٦ مايو، ثمَّ مسرحية «غانية الأندلس» يوم ١٩ مايو، ومن ثمَّ توالت بقية المسرحيات، ومنها: «هناء المحبين»، «ماري تيودور»، «الاتفاق الغريب»، «اليتيمتين»، «ضحية الغواية»، «هملت»، «أنيس الجليس»، «عائدة»، «خليفة الصياد»، «صدق الإخاء». وكان الشيخ سلامة يُلقِي قبل التمثيل مقطوعات غنائية ترحيبًا بالجمهور من أهل تونس، ومنها هذه الأبيات التي ألْقَاها قبل عرض أولى مسرحيات يوم ١٦ / ٥ / ١٩١٤:
مساء يوم السبت الفارط، أقامت الحضرة العلية دام علاها بقصر المرسى العامر ليلة أنس وانبساط، دَعَتْ إليها جوق التمثيل العربي، حيث قام المطرب المبدع الشيخ سلامة حجازي مدير الجوق بتشخيص رواية «صلاح الدين الأيوبي» بطل الحرب الصليبية الثالثة. وقد أجاد الشيخ سلامة في هذه الآونة، وأتى بالعجب العجاب، فكان صوته الرخيم يحاكي في إنشاده مزمارًا من مزامير داود. وفي نهاية الحفلة استدعت الحضرة العلية الشيخ سلامة حجازي، فأنعمتْ عليه مباشرةً بالصنف الثالث من نيشان الافتخار، كما أنعمت عَلَى عضديه السيد حسين حسني كاتب الجوق، والسيد علي يوسف وكيل الجوق، بالصنف الرابع منه. وقد أبلغت عبارات ثنائها الجميل لكافة رجال الجوق، وأحسنتْ إليهم بجائزة سنية. وقد حضر هذه المؤانسة اللطيفة سمو ولي العهد وجناب الوزير المقيم العام وعائلته المحترمة، وجناب الكاتب العام والمصونة مدام بلان زوجته، وجناب الوزير الأكبر، وجناب وزير القلم.
اليوم جاءنا من تونس أن سمو الباي أنعم عَلَى حضرة الشيخ سلامة حجازي الممثل المصري الشهير بالوسام الثاني من درجة أوفيسيه، وهو الذي قضى حياته في مصر فلم يَنَلْ مِن الحكومة أدنى مساعدة مادية أو أقلَّ وسام.
إذا افتخرتِ الأمة بممثليها، فإنما تفتخر بالذين يجب الافتخار بهم. فتُثني عَلَى مَن يستحق الثناء، وتعضيد مَن يستحق التعضيد. ولا شك أن مهنة التمثيل في هذا العصر قد انحطَّت بعض الانحطاط، فإنه لا يوجد بين المصريين الآن مَن شاع ذكرهما بين العالم، في مشارق الأرض ومغاربها، وهما الممثلان الوحيدان اللذان يجب عَلَى الأمة أن تعضدهما وتثني عليهما: «جورج أبيض والشيخ سلامة حجازي». فأولهما قد تعلَّم هذا الفن في أوروبا عَلَى نفقة مولانا سمو الخديوي، وثانيهما شهرته تُغني عن الإطناب، فقد حاز الشرف ونال الرتب العالية. فلا غرابة إذا قلنا إنه يجب عَلَى الأمة أن تعضدهما في عملهما، خصوصًا وأن إدارتهما صارت الآن واحدة، فقد اتفقا عَلَى الاتحاد مع بعضهما.
- الأول: مسرحيات قديمة كانت تُمثَّل من قِبل فرقة سلامة حجازي، ومنها: «عائدة»، «صلاح الدين الأيوبي»، «عظة الملوك»، «اليتيمتين»، «ضحية الغواية»، «تليماك»، «هناء المحبين»، «هملت»، «الجرم الخفي»، «شهداء الغرام»، «حمدان»، «أنيس الجليس» أو «علي نور الدين»، «الرجاء بعد اليأس»، «صدق الإخاء»، «غانية الأندلس»، «حسن العواقب»، «غرام وانتقام»، «أجاممنون».٩١
- الثاني: مسرحيات قديمة كانت تُمثَّل من قِبل فرقة جورج أبيض، ومنها: «لويس الحادي عشر»، «أوديب الملك»، «عطيل»، «نابليون»، «مضحك الملك» أو «الملك يلهو»، «الشرف الياباني»، «مصر الجديدة»، «الشيخ متلوف»، «الأفريقية»، «مدرسة النساء»، «مدرسة الأزواج»، «الإيمان»، «عروس النيل»، «قيصر وكليوباترا».٩٢
- الثالث: مسرحيات جديدة، لم تُمثَّل من قبل، ومثَّلها جوق أبيض وحجازي، ومنها: «السلطان صلاح الدين ومملكة أورشليم»، «الحاكم بأمر الله»، «فقراء باريس»، «قلب المرأة»، «حسناء العرب» أو «قلب بين سهمين»، «خوناتون نبي الفراعنة»، «مدام سان جين»، «في سبيل الوطن».٩٣
ومن الملاحظ أن جورج أبيض كان المهيمن الأول عَلَى هذا الجوق، رغم أنه يحمل اسم الشيخ سلامة أيضًا، ولكنه اسم عَلَى سبيل الدعاية. فكان جورج أبيض يحتاج إلى جمهور الشيخ ممَّن يَطرَبون لسماع صوته، وكان يحتاج أيضًا إلى خبرة ممثليه القدامى. وكدليل عَلَى ذلك نجد الجوق قام في مارس ١٩١٦ بتمثيل مسرحية «الرجاء بعد اليأس» أو «إيفجنيا» تأليف راسين وتعريب نجيب الحداد.
تدور أحداث مسرحية «الرجاء بعد اليأس» حول استعداد جيش أجاممنون بقيادة آشيل لفتح طروادة، وعندما يذهب أجاممنون إلى معبد الآلهة لاستشارتهم في فتح المدينة يخبره الكاهن كلكاس بأن الآلهة تريد دمًا ذكيًّا يُراق لها كقربان لفتح طروادة، ومِن ثمَّ يحدد الكاهن هذا القربان بإيفجنيا ابنة أجاممنون. وأمام هذه النبوءة يقع أجاممنون في حيرة، كيف يُنقِذ ابنتَه من قدرها المحتوم؟ وكيف يُبعِدها عن حبيبها آشيل الذي وعده بالزواج منها؟ وقد أرسل بالفعل يحثُّ ابنته عَلَى الحضور إلى موقع الجيش كي يزوِّجها منه؟ وكيف يُبعدها عن أمِّها كليتمنستر التي تحبُّها وتُدافع عنها؟ وبعاطفة الأبوة ينهي أجاممنون صراعه بأن أرسل رسالة إلى إيفجنيا وطلب منها عدم الحضور؛ لأن آشيل عدل عن الزواج منها بسبب حبه لأريفيليا الأسيرة.
ولكن القَدَر وقف بالمرصاد ضدَّ رغبة أجاممنون؛ حيث إن إيفجنيا قد أتتْ بالفعل مع أمها قَبْلَ أن تصلها الرسالة، وتتقابل مع الأسيرة أريفيليا، وتفهم منها أن آشيل قد أسرها وأحضرها معه إلى موقع تجمع الجيش كي تقابل الكاهن ليطلعها عَلَى أصلها النبيل المجهول كما قيل لها، ولكن إيفجنيا تعلم بحبها إلى آشيل فتطردها، ومن ثمَّ تحضر كليتمنستر وتخبر ابنتها بأمر الرسالة، فيقرِّرا العودة والابتعاد عن المكان. وفي أثناء ذلك تقابل إيفجنيا آشيل، ومن خلال الحوار تفهم إيفجنيا أن آشيل لا علم له بأمر الرسالة، ويعدها بالبحث في الأمر.
وبعد عدة أحداث تعلم كليتمنستر وإيفجنيا وأريفيليا أمر النبوءة، ولا بُدَّ لإيفجنيا من الرضوخ لرغبة الآلهة، ولكن أجاممنون رغم حرصه عَلَى تنفيذ النبوءة إلا أن عاطفة الأبوة غلبتْه مرة أخرى، فاتفق مع زوجته أن تأخذ ابنته وتهرب بها دون أن يعلم أحد، ولكن أريفيليا أرادت أن تنشر فتنة بين جنود الجيش كي تنتقم ممن أسروها، ولكي تتخلص من إيفجنيا حتى تفوز بآشيل، فقامت بإبلاغ الجنود أمر النبوءة، وأن إيفجنيا تريد الهرب لينهزم الجيش ولا تُفتح طروادة. وهنا هاج الجيش ضدَّ أجاممنون وآشيل، ومنع إيفجنيا من الهرب، وطالب بتنفيذ النبوءة. وأمام هذا الأمر لم يجد أجاممنون بدًّا من تنفيذ النبوءة، وقبل ذهاب إيفجنيا إلى المعبد لتُذبح جاء الكاهن بنبوءة أخرى تقول: إن الآلهة تريد بديلة عن إيفجنيا، وهي أريفيليا لأنها خائنة، هذا بالإضافة إلى أنها ابنة الإلهة هيلانة من الزنى. وهكذا عادت السعادة مرة أخرى إلى أسرة أجاممنون، وتنتهي المسرحية.
نحن يحزننا أن نقول إن أهل المسرح الآن لا يعتمدون في إمساك أرزاقهم إلا عَلَى حنجرة رجل مريض يسند في حدود الشيخوخة، كان أَخْلَقَ به أن يكون اليوم في عزلته، يرفِّه عن نفسه أثر الآلام والمتاعب التي عاناها في صناعته. وكان أحقَّ أن يكون بعد هذه الحياة العملية المستطيلة يَسكُنُ الآنَ مبنًى أنيقًا بهيجًا في بلد صامت هادئ، كما يفعل أهل الفنون عندما يَرَوْن الفن قد أصبح في غناءٍ عنهم، وأنهم لا يستطيعون أن يتحمَّلوا الجهد الذي تستلزمه فنونهم. ولكن الرجل يأبى ألا أن يَحمِل عَلَى نفسه، ويحبس روحه في جثته، ويغالب ضعفه وفتور قوته؛ لكي يظهر عَلَى المسرح أمام الجمهور الذي طالما احتشد له وصف وابتهج بصوته البديع الحنون؛ لأنه يريد أن يعيش؛ إذ كان لم يستطع أن يدخر شيئًا من عمله لشيخوخته. ولكن ظهوره فوق المسرح عَلَى أعين الناس هو أكبر ضربة لهم، وهو إعلان مخيف عَلَى قسوة الناس وأنانيتهم وفساد قلوبهم، وهو دليل محزن عَلَى الحياة المتعبة المكدودة التي يَلقَاها صاحب الفن في هذا الوسط المادي الموحش، مهما اشتغل وكدَّ ودأب. ونحن لا نزال نقول إن الرجل كان خليقًا من الحكومة والأمة بشيءٍ من الرثاء والعطف، وكان جديرًا بأن ينال منهما معاشًا سنويًّا يكفل له العيش في ظلال الراحة وكنف العزلة الهادئة، حتى يأخذ الفن عَلَى أيدي غيره في سبيل حياة مهذَّبة صالحة، وينطلق في دور الرقي والاكتمال. ونحن لشد ما ثار في فؤادانا الحزن وتملكتْنا المَوْجِدة عندما شاهدَنْا الرجل في رواية «أجاممنون» يأخذ دَوْر آخيلا فاتح طروادة وشيطان القوة، والجندي المخوف الرهيب، فرأينا أكبر مريض يمثل أكبر قوي، وشهدنا كيف يَقتُل صاحبُ الفنِّ نفسَه لكي يَظفَر بشيءٍ من النقود لمطالب العيش والطعام. وكُنَّا نسمع إلى أغنياته ونشائده، فنتبيَّن في تضاعيف جرسه صوتًا محزونًا باكيًا، صوتًا يخرج من قلب كله سخط عَلَى الناس وعتب وتقريع، فكأنه يصرخ في الوسط صائحًا: أيها الناس، ابكوا لي واستعبروا، هذا أنا فارقتُ السرير وجئتُ أسلِّيكم بالأشعار والألحان، ولكن ألا تنظرون إليَّ؟! أنا مريض يا سادة، وأريد أن أنام وأستريح، ولكنكم لا تزالون تريدونني لصوتي، وأنا لا أزال أريدكم لكرمكم، يا للقسوة! ويا للعذاب! إني أصبحتُ يا سادة شيخًا متهدِّمًا خليقًا بالعزلة والحياة الناعمة الهادئة، فما بالكم لا تفهمون ولا تشعرون؟ وكذلك يعيش هذا الرجل ويعيش معه أهل المسرح، وكذلك بفضل حنجرة واحدة تُفتح بيوت، وتأكل أفواه، وتُملأ بطون وأجواف. ولكنَّا مع تقديرنا لمتاعب الرجل ورثائنا لأمره، نقول إن حياة المسرح ستظل بذلك مريضة ضعيفة؛ لأنها تكون إذ ذاك وسيلة من وسائل استعطاف القلوب واستجداء الأكُفِّ واستبكاء العيون، ونحن لا نعلم أين يقع هذا الضرب من التمثيل، ولا نظن أن في مسارح الدنيا كلها مسرحًا شبيهًا له وضريبًا. ونحن لا نُنكِر أن الشيخ هو الذي أوجد المسرح وحده، ولكنَّا نُنكِر منه مع هذا عنادَه وإصرارَه عَلَى أن يَبقَى المسرح هكذا عاميًّا آخِرَ الدهر، وأن يظل هكذا غنائيًّا حتى تخفت هذه الحنجرة، وإذا لم يَبقَ له صوته، والجمهور لا يزال يصبو إليه ويخِفُّ لسماعه، فإنه أَجْدَى عليه وعلى حياة المسرح أن يلتمس الرزق من قصائده وألحانه، ويستحث عصبة الكُتَّاب والشعراء العموميين الذين كانوا يلتفُّون حوله عَلَى أن يضعوا له جملة من المنولوجات والقصائد الجديدة المبكية المشجية، ولا حاجة به إلى الظهور عَلَى المسرح؛ لأن المهذَّبين قد بدءوا يشمئزون من الروح العامية المتفشِّية في التمثيل، ويريدون أن يكون لأصحاب المذهب الجديدة الكفة العليا والنفوذ الأكبر.
لم أعد إلى الانفراد بإدارة جوقي الحاضر إلا في آخر أغسطس الماضي، ولم يشجِّعني عَلَى هذا إلا نزوعي إلى تحقيق ما رميتُ إليه منذ ثلاثين عامًا. فقد أخذتُ عَلَى نفسي أن يَرقَى فن التمثيل، وأن يتمشَّى عَلَى ما يتفق مع أخلاقنا وعاداتنا، وجاهدتُ في هذا السبيل كل ذلك الزمن، ولا بُد لي أن أَثبُت إلى أن أظفَر بتحقيق هذا الأمل إن شاء الله. وقد والى جوقي عمله بعد أن زدتُه قوة بمَن ضممتُهم إليه من ممثلين وممثلات، لم يرغبهم في الفن إلا شغفهم به، ولم يُرغِّبني فيهم إلا ما توسَّمتُه فيهم من الذكاء وحسن الاستعداد.
ومسرحية «بنت الإخشيد» تدور أحداثها حول الأميرة نجلاء ابنة الإخشيد، عندما كانت تتنزَّه في قارب مع جاريتها زينب في المنطقة الخاصة بالقصر من النيل. وفي أثناء حديثهما نعلم أن ابن عمِّها الأمير ظافر يُحبُّها وهي تبغضه، وفي تلك اللحظة يستمعان لغناء أحد الغرباء، وقد كان هذا الغريب في انتظار قارب مساعده مبروك، الذي ضلَّ الطريق. وهنا يَظهَر الأمير ظافر فيتوهَّم أن الغريب كان يختلس النظر لنجلاء ابنة الإخشيد، فيعنِّفه، ولكن الغريب يعامله بكل احترام. وعندما احتدم الأمر بينهما يطعنه ظافر فيقع الغريب ملطَّخًا بالدماء. وهنا تصل نجلاء وزينب في قاربهما ويشاهدا الغريب وهو صريع، وعندما يستفسران عمَّا حدث يتهم ظافر نجلاء أن بينها وبين هذا الغريب موعد غرام، وفي تلك اللحظة يحضر مبروك ويُشاهِد سيِّده قتيلًا، فيعنِّف الأمير ظافر؛ لأنه قتل أميرًا من أمراء الشام. ومن ثمَّ نعلم أن الغريب ما هو إلا الأمير مزاحم ابن ملك الشام، الذي حضر إلى مصر للاستشفاء بمياه حلوان. وهنا يَخَاف ظافر من تأنيب الإخشيد إذا علم بموت ابن صديقه ملك الشام، فيتفق مع مبروك ونجلاء وزينب عَلَى تكتم الخبر، وإرسال الخبر إلى ملك الشام بأن ابنه مات ميتة طبيعية، وعندما يستعد ظافر ومبروك لإتمام مراسم الدفن تأخذ نجلاء جثة الأمير مزاحم إلى غرفتها بالقصر، وهناك يفيق الأمير مزاحم؛ لأن الطعنة أفقدتْه الوعي فقط، وعندما يحضر مبروك يفرح بحياة أميره، وهنا يطلب ظافر من مزاحم ترك مصر والعودة إلى الشام فورًا، ويرسل معه بعض الأعوان لمساعدته ومراقبته حتى يتأكد من سفره؛ لأنه شعر بوجود الحب والعاطفة بين مزاحم ونجلاء.
وبمرور الوقت نجد أن الحب كبر بين القلبين، وهنا يوغر ظافر صدر الإخشيد ضد ابن رائق ملك الشام، فتقوم الحرب بينهما. وأثناء الحرب يأسر الأمير مزاحم فصيلة من طلائع جيش الإخشيد، ولكن قائد الفصيلة الملثَّم يرفض التسليم إلا بعد منازلة الأمير مزاحم، فيوافق مزاحم ويتبارز القائدان، ويسقط اللثام ونجد أن قائد الفصيلة هو الأمير ظافر. وهنا يتوقف مزاحم عن المبارزة؛ لأنه خشي أن يَقتُل ابن عمِّ محبوبته فترفض الزواج منه، ولكن الأمير ظافر لم يُعطِه الفرصة وواصل المبارزة فيقتله مزاحم. ويحضر ملك الشام ابن رائق ويعلم أن ابنه قَتَل الأمير ظافرًا فيغضب، ويرسل ابنه إلى الإخشيد فداءً لظافر؛ لأن من المستنكر أن يقتل الأمير أميرًا آخَر من نفس الأسرة الإخشيدية. ويذهب مزاحم إلى الإخشيد ويسلِّم نفسه، ولكن القائد خالد ابن الوزير ومساعد الأمير ظافر يحكي للإخشيد عن بطولة مزاحم وكيف أنه كان رحيمًا بظافر، ولكن الأمير ظافر استمر في المبارزة مما عجَّل بموته. وهنا يعلم الإخشيد الحقيقة فيعفو عن مزاحم، ويوافق على زواجه من ابنته نجلاء، وتنتهي المسرحية.
وفي أثناء تباحُث الزوجة لحلِّ هذه المشكلة مع أسرة الفتاة خوفًا على سمعة زوجها، وحفاظًا على بيتها، نجد المحامي قد اتفق مع الفتاة على الهرب إلى لندن، وضرب للفتاة موعدًا في المكتب ليكون نقطة الانطلاق، ولكن الزوجة وشقيق الفتاة يعلمان بهذا الأمر، فيباغتان العاشقين في المكتب. وبعد عدة مواقف يستطيع المحامي الفرار بالفتاة إلى لندن. ومن ثمَّ يطارده شقيقة الفتاة حاملًا مسدَّسًا لينتقم لشرفه. وفي مواجهة حاسمة جمعت هذا الشقيق بأخته والمحامي وزوجته أشهر المسدَّس في وجه المحامي، فوقفت الفتاة والزوجة أمام المحامي لافتدائه. وهنا تطلب الفتاة من المحامي أن يختار بينها وبين زوجته فيفضِّلها على زوجته. وفي هذه اللحظة تشعر ديانا بمدى جرمها حيال هذه الزوجة، التي ما زالت تدافع عن زوجها، وتحاول افتداءه، فأخذتِ المسدس من شقيقها وأطلقتْه على نفسِها كي يعود حبيبها إلى زوجته وتنتهي المسرحية.
إن جوق سيدنا الشيخ مفتون بحب هذه العذراء، ولكن لم يكن لديه من الهبات والوسائل ما يمكنه من إظهار هذا الافتتان الغريب والتقتل الكاذب، كذلك حضرة المعرِّب، فقد كان لا يقلُّ عن الجوق افتتانًا. شاهدتُه يروح جيئةً وذهابًا وسط البهو كأنه أحد القُوَّاد العِظام يُدير رَحَى معركة مِن أشد المعارك حَمِيَ وطيسُها وتسعَّرت نارها. ولكن لم تكن تظهر على محيَّاه هيئة ذلك القائد المفكِّر المُدرِك لحقيقة موقفه، بل كانت تبدو عليه آيات الاستسلام للفرح والبهجة، كأنه واثق من حُسْن نتيجة عمله. إن الرواية في شكلها الإفرنجي شائقة جليلة المغزى — كما يُرَى من معانيها الغامضة في الترجمة العربية — ولكن التعريب جاء فطَمَس نورَها وأزال بهجتها. ولستُ أعني بهذا سقم اللغة أو ضعف التعريب، بل أعني بهذا ذلك الوجدان الراقي الذي يجب أن يكون خلة لاصقة بالمعرِّب، وذلك الخيال السامي وقوة العارضة وحسن التعبير، إلى غير ذلك ممَّا يُساعِده على أن يُلبِس الرواية تلك الحلة المبهجة التي تناسب ذوق المسارح العربية. إن مَن يَحظَ بمشاهدة هذه الرواية على المسارح الغربية، ويشاهد تمثيلَها بشكلها الحالي، يقفْ على مقدار البَوْن الشاسع والفرق البيِّن بين المشهدين. ليس على المعرِّب حَرَج إذا تصرَّف في بعض التحريف في مواقف الرواية؛ لا سيَّما الختامية منها، جاعلًا ذَوْق الجمهور الشرقي يَطِيب عينيه، بشرط أن لا يذهب التبديل والتحريف برَوْنق الرواية وحلاوتها. إن المواقف الختامية للمناظر على المسارح الإفرنكية تختلف اختلافًا بيِّنًا عن الحالة التي تكون عليها في المسارح العربية. ففي بعض هذه المواقف على المسارح الغربية نرى أن الهدوء والسكينة أوفق من الثورة والحِدَّة، بينما نراه في المسارح الشرقية يجب أن يكون عكس ذلك. أنا الذي كادتْ تخنقني العَبَرات أثناء تمثيل الفصل الرابع وجدتُ نفسي أضحك مقهقهًا في نهايته؛ لأني خِلْتُ أن الفصل لم يَنتَهِ، وأن الستار نزل عرضًا بغير قصد. إن الموقف في حقيقته كان مؤثِّرًا، وكان يجب أن تتجلَّى فيه محاسن الرواية بأكملها، ولكن البراعة المنطقية والمهارة الفنية لم يَظهَرا على ذلك الحين بالمظهر اللائق بهما؛ وبذلك ضاعتْ على المعرِّب والمؤلِّف الغايةُ التي كانا يتوخينها ويرجونها في هذا المشهد. وجدتُ الأب يتكلم على وتيرة واحدة، فصوته دائمًا يتهدَّج غضبًا ويتميَّز حنقًا، وممَّا زاد موقفَه ضعفًا ذلك التلجلُج الذي كان يعتريه في كل آونة. أما ديانا تلك العذراء المفتونة، التي هي بطلة الرواية تقريبًا، فكان صوتها منخفضًا هادئًا ناعمًا، يجري على وتيرة واحدة، ولم تكن في حركاتها ونبراتها ما يدل على مقدار ما غلب عليه من الأسى، وما تقاسيه من آلام الوجد والصبابة. بل كانت عجولة في كلماتها، كأنها كانت تكرِّر درسًا. أما العاشق — والأكثر أنه محامٍ — فلم تَظهَر عليه تلك الهيبة المقرونة بالعزم والحزم عند مواجهة الطوارئ القاسية والعوامل الشديدة المحزنة، بل كان في حركاته كأنه الطفل يتآمر مع أترابه ولِدَاته. أما الأم، ويا لَها من أم! شفيقة كما يَظهَر من كلماتها، ولكن، يا للأسف! فإن حركاتها ولفتاتها كانت منافية لما يبدو من عواطف الشفقة والتأثُّر، كأنها غير مكترثة ولا متأثِّرة بما يُعرَض أمامها من مشاهد الحزن والأسى. أما الخادم، فلولا سكرتيرته الخصوصية لظننته من أبطال الرواية العظام، فكان يتكلَّم بلهجة خشنة كلهجة الآمر المتعجرف، وحَسْبُ الجوق والمعرِّب ما صادفاه من إقبال الجمهور على مشاهدة هذه الرواية، فقد كان لا يتعدَّى العشرات، وهذا أسطع شاهد على مقدار مكانة الرواية التي افتُتن بها حضرة المعرِّب، وهامَ بها الجوق ومجَّها الجمهور.
ومسرحية «غرائب الأسرار» لجورج طنوس تدور أحداثها حول نبوءة من الآلهة تقضي بذبح فتاة عذراء كل عام من أجل ظهور سرِّ البريء مختلس الصولجان. وفي كل عام يقوم الملك بوضع أسماء كل العذارى في المملكة في إناء الاقتراع، ليتم اختيار واحدة كقربان للآلهة. وقبل حدوث الاقتراع نجد دريجيا ابنة الوزير تستعطفه كي يستثنيها من الاقتراع هذا العام، ولكنه يرفض متألِّمًا؛ لأنه لا يستطيع مخالفة الملك أو الآلهة. ومع مرور الأحداث نعلم أن دريجيا ليستْ عذراء؛ لأنها متزوجة سرًّا من طيمانطة ابن الملك وولي العهد، وقد أنجبتْ منه طفلًا، ونعلم أن الزواج تمَّ سرًّا؛ لأن قوانين المملكة تقضي بعدم زواج أبناء الملوك من العامة وإلا حُكِم على الزوجين بالموت. ومن ناحية أخرى نجد الملك يستقدم كاريوسة أميرة فرجيا كي يزوِّجها من ابنه طيمانطة بناءً على اتفاقه مع والدها الملك. وعندما تتقابل كاريوسة مع طيمانطة تشعر منه بالنفور، بعكس الحب والحنان الذي أظهره لها كرينتور شقيق طيمانطة. وفي يوم الاقتراع يتم اختيار دريجيا ذبيحة هذا العام، فيقوم طيمانطة بإنقاذها ويعترف أمام الجميع أنها ليست عذراء، وهذا مخالف للنبوءة، كما يعترف بزواجه منها وبطفله أيضًا، وأمام هذا الاعتراف يأمر الملك بسجنهما تمهيدًا لقتلهما.
وبمرور الوقت يكتشف الوزير والد دريجيا وثيقة مكتوبة بخط زوجته المتوفاة، تعترف فيها بأن دريجيا ليست ابنتها، بل هي ابنة المَلِك، وأن هذا السر هو نصف الحقيقة، أما النصف الآخَر فمكتوب في وثيقة أخرى مخبَّأة في المعبد، ولا يحق لأحد أن يطَّلع عليها إلا الملك بنفسه. وعندما يعلم الملك بذلك يذهب لاستخراج الوثيقة الأخرى، فيجدها مكتوبة بخط زوجته المتوفاة، وفيها تعترف بأن طيمانطة ليس ابنها، بل هو ابن الوزير، وتقول إن أول مولود أنجبتْه أثناء سفر الملك كانت الطفلة دريجيا. وبعد ولادتها حزنت لأنها تعلم أن الملك يريد ولدًا لولاية العهد. وفي هذا الوقت وضعتْ زوجة الوزير ابنًا هو طيمانطة أثناء سفر الوزير مع الملك، فاتفقتِ الملكة معها على تبديل الأطفال وكتابة هاتين الوثيقتين وعدم إظهارهما إلا إذا تعرَّض طيمانطة للخطر أو تعرَّضت دريجيا للخطر أيضًا. وأمام هذه الأسرار يتولَّى كرينتور ولاية العهد ويتزوج من الأميرة كاريوسة، ويتم الجمع بين طيمانطة وزوجته دريجيا وابنه، وتنتهي المسرحية.
مثَّل جوق شيخ الممثلين وأستاذ الأناشيد والألحان الشيخ سلامة حجازي في مساء أمس الأحد رواية «غرائب الأسرار»، فرأى جمهور المتفرجين من جمال التمثيل وشهي الألحان ما جعلهم يعتقدون أن عناية الشيخ سلامة بالتمثيل في شيخوخته لا تقل عن عنايته به وهو في عنفوان الشباب ومرح الفتوة، وأن ذلك الصوت الشجي الذي اجتذب المصري إلى التمثيل قبل عرفانه إياه، لم تَزِدْه الأيام إلا جمالًا. أما أعضاء فرقته فكلهم من خيرة الممثلين والممثلات، أجاد كل منهم دوره إجادة تشهد له بالبراعة، نذكر منهم حضرات: حسين حسني ممثل دور الملك، وعبد المجيد شكري ممثل دور الوزير، وأحمد حافظ ممثل دور كرينتور، والممثلة البارعة السيدة ميليا ديان ممثلة دور كاريوسة، والسيدة ماري إبراهيم ممثلة دور دريجيا. وبالجملة فقد كانوا جميعًا موضع إعجاب المتفرِّجين، وإن كان الإقبال على شهود هذه الرواية لم يكن بالدرجة التي تستأهلها محاسنها وإجادة تمثيلها، فإننا نرجو أن يكون الإقبال على شهود تالياتها أضعاف ما كان في تلك الليلة تشجيعًا للعاملين على خدمة التمثيل. وسيُحيِي الجوق الليلة الثانية في دار الأوبرا مساء يوم الخميس القادم بتمثيل رواية «شقاء العائلات»، التي يكفي أن نقول عنها إنها رواية اجتماعية عصرية تمثِّل صورة من حياتنا. وستكون تلك الليلة ختام الاشتراك الأول.
وهكذا رحل الشيخ سلامة حجازي ولم يَبقَ من ذريته غير حفيدته الطفلة عائشة، التي أنجبتْها ابنته الوحيدة «سيدة» التي ماتتْ بمرض السُّلِّ قبل أن تبلغ العشرين من عمرها، وهي زوجة محمد فؤاد عنايت ابن عبد الرازق بك عنايت، صديق الشيخ سلامة وساعده الأيمن ومموِّله المالي. كما أن زوجة الشيخ سلامة ماتتْ قبله بسنوات قليلة، وهذا ما يذكره لنا التاريخ عن أسرة الشيخ.
وهذه المعلومات رغم أهميتها إلا أنها مبهمة، فلم يذكر د. محمد فاضل اسم هذا الابن، ولم يشرح لنا كيف كانت نهاية هذه الجفوة بين الابن والأب، ولم يوضح هل الابن تزوج من الفتاة الإسرائيلية واعتنق اليهودية وترك دين الإسلام أم لا؟ وهل هذا الابن مات قبل أبيه أم بعده؟
وبناءً على ذلك أخذنا على عاتقنا الإجابة على هذه الأسئلة بما لدينا من وثائق ومخطوطات وأقوال صحفية نُشِرت في حينها، وهي تقول إن هذا الابن هو عبد القادر حجازي، صاحب فرقة مسرحية مغمورة كانت تُعرف بجوق عبد القادر حجازي. وهذه الفرقة كانت تُزاول نشاطها الفني منذ عام ١٩١٠ — على وجه التقريب — لأننا وجدنا مخطوطة مسرحية مؤرخة في ٣ / ٢ / ١٩١٠ لنص «السجين الأخرس» تأليف الكاتب الفرنسي ج. بوشاردي، تعريب زاكي مابرو، وعليها خاتم مكتوب عليه: «جوق عبد القادر حجازي»، وهذا الخاتم يدل على أن هذه الفرقة كانت تزاول نشاطها قبل ذلك.
سيمثل لأول مرة في مساء الخميس ٢٤ يونية على مرسح دار التمثيل العربي رواية جديدة من أهم الروايات، وهي رواية «لازار الراعي» أو «البريء المتهم». وسيقوم بتمثيل أهم أدوارها عبد القادر حجازي نجل الأستاذ الشيخ سلامة حجازي. فنحثُّ محبِّي التمثيل على حضور هذه الحفلة تشجيعًا لهذا الممثل الجديد، ولجوقته المؤلَّفة من أفراد الشعب المتعلِّمة.
أما الإعلان الثاني فمؤرَّخ في ٢٦ / ١٢ / ١٩١٧، والثالث مؤرَّخ في ٦ / ١ / ١٩١٨، وفيهما نجد أن عبد القادر حجازي هو أحد المطربين بفرقة جامعة الفنون الجميلة، التي ستمثل مسرحية «الشريط الأحمر» لعباس علام، وهي من تمثيل: روز اليوسف، فوزي الجزايرلي، علي يوسف، مصطفى وهبي، فيليب كمال، وآخرين.
وإذا عدنا إلى الشيخ سلامة مرة أخيرة سنجد لجنة أخرى قد تشكَّلت برئاسة الدكتور محمد فاضل عام ١٩٣٠ لتخليد ذكرى الفقيد، وظلت هذه اللجنة تعمل على إحياء ذكراه بكل السبل، ومِن أهم إنجازاتها التي تمَّت على نفقة رئيس اللجنة الخاصة شراء قطعة أرض بمقابر الإمام الشافعي لبناء مقبرة فخمة تليق باسم وتاريخ الشيخ سلامة حجازي، وكذلك القيام بطبع كتاب عن الشيخ.
وفي يوم الجمعة ٢٤ / ٤ / ١٩٣١ نقلت اللجنة رُفات الشيخ من قبره بالسيدة نفيسة بعد فصْلها عن رفات ابنه عبد القادر حجازي، ووُضِعت في نعش ملفوف بالعلم المصري، وسارت الجنازة في موكب مهيب يتقدمهم: عبد الحميد باشا راغب، العلامة أحمد زكي باشا، اللواء علي شوقي، اللواء محمد فاضل باشا، فؤاد بك أباظة، عمر بك سِرِّي، عبد الرحمن رشدي، جورج أبيض، يوسف وهبي، التفتازاني، أحمد علام، أولاد عكاشة، حسين رياض، نجيب الريحاني، سامي الشوا، إسماعيل وهبي، عمر وصفي، بديع خيري، فؤاد سليم، محمد عبد القدوس، منسي فهمي، عباس فارس، فاطمة رشدي، حكمت فهمي، زينب صدقي، علية فوزي، علوية جميل، صالحة قاصين، فكتوريا موسى، سيدة فهمي، أمينة رزق.
ووصل هذا الموكب إلى مقبرة الشيخ الجديدة بمدافن الإمام الشعبي في شارع أُطلِق عليه اسم «شارع الشيخ سلامة حجازي». والمقبرة مُحاطة بسور من الحديد بباب روماني فخم مُحلًّى بالنحاس الأصفر، كُتِب عليه: «مقبرة العظماء». ووضعت اللجنة رفات الشيخ فيها وقد بُنيت على الطراز الروماني الفخم، وهو عبارة عن أربعة أعمدة رومانية، أمامها عمودان أقصر منهم، فوقهما زهريتان ملأى بالرياحين. وكل جسم المقبرة من الجرانيت الرخامي الأبيض، تعلوه قيثارة رومانية محفورة على رأس الأعمدة كرمز لفن الموسيقى. وفي الواجهة لوحة تذكارية كبيرة مكتوب عليها:
وهكذا كانت نهاية هذا الفنان صاحب الفرقة المسرحية التي ضمَّت أعلامًا فنيَّة أصبح لها شأن كبير، ومنهم: إبراهيم أرسلان، أبريز أستاتي، أحمد أبو العدل، أحمد إدريس، أحمد ثابت، أحمد حافظ، أحمد فهمي، أحمد فهيم، أستر شطاح، ألمظ أستاتي، أمين عطا الله، بولس صلبان، توفيق ظاظا، جبران نعوم، جراسيا قاصين، جورج طنوس، حسن إبراهيم، حسن الفلاح، حسن كامل، حسين حسني، حسين نجيب، رحمين بيبس، زكي عكاشة، زكي غزال، زكي مراد، سرينا إبراهيم، سليم عطا الله، السيد الأزهري، سيد الصفتي، صادق أحمد، صالح كريم، صالحة قاصين، عبد الحميد عكاشة، عبد الحميد علي، عبد الرازق البرقوقي، عبد العزيز خليل، عبد الله عكاشة، عبد المجيد شكري، عبده البغدادي، عزيز عيد، علي يوسف، عمر وصفي، كامل الخلعي، لطيفة أمين، ماتيل نجار، ماري إبراهيم، ماري أنطون، ماري جبران، ماري دبس، ماري كفوري، متولي السيد، محمد أمين، محمد العراقي، محمد الكسار، محمد بسيم، محمد بسيوني، محمد بهجت، محمد حسني، محمد صادق، محمد طلعت، محمد عبد الرازق، محمد عبد الغني، محمد علي، محمد ناجي، محمود حبيب، محمود حجازي، محمود حسني، محمود رحمي، محمود رضا، مريم سماط، مصطفى أمين، مصطفى محمد، منسي فهمي، ميليا ديان، نظلي مزراحي، وردة ميلان.
عزتلو أفندم محمد بك صادق، بناءً عَلَى طلب سعادتكم إعطاء ورقة تعلن ما أفدتمونيه من أن حضرة صديقي المحترم الشيخ سلامة حجازي مدير جوقتي ورئيس عملي سيترك الشغل في الجوق في ١٤ / ١ / ١٩٠٥، أُظهِر هنا أَسَفي الشديد وحُزْني البالِغ بأن أُحرِّر هذه بمعلوميتي برغبة حضرة عزيزي الشيخ المومأ إليه وتقديمها لحضراتكم أفندم.
إلى سيِّدي الخال الفاضل الشيخ إبراهيم اليازجي فسَحَ اللهُ في أيَّامِه. هذه أول رواية تمثيلية وضعتُها من عند نفسي غير مُستَنِد عَلَى التعريب فيها، أتجاسَر أنْ أرفَعَها إلى مقام علمك الباهر هدية عَلَى مقدار مُهدِيها، جريًا عَلَى آثار مَن تقدَّمني من الأدباء في الإهداء، وإن خالفتُهم في السُّنَّة التي جَرَوْا عليها من الْتِماس القبول، وهم يريدون الْتِماس العطاء، ومِن أنهم يقدِّمونها للأمراء تشريفًا لها بأسمائهم، وهم يقصدون غير تشريف الأسماء. فإنه يكفيني من إهدائها أن تحوز مِن لدُنك نظر قبول وإقبال، ويكفيها أن يكون اسمك المحبوب في صدرها عنوان كمال، وإن فاتتْها حقيقة الكمال، فإنما هي تَقدِمة تلميذ استعان عَلَى تأليفها بما اقتبسه عنك، فإن أخطأ فخطاؤه منه، وإن أصاب ففضل الإصابة منك. وغاية سؤالي أن تَقبَلَها عَلَى علَّاتها، فحسبها من رضاك القبول، ونهاية مأمولي أن تغضَّ الطرف عن هفواتها، فقد عوَّدتَني أن لا يَخِيب لي عندك مأمول. واللهَ أسألُ أن يُطِيل بقاءَك للأدب وآلِه، إنني أخْلَص سائل، وهو أكرم مسئول. (توقيع) ابن أختك المخلص نجيب الحداد.
هي رواية أُخذتْ قاعدة موضوعها عن بعض التواريخ الصليبية، ممَّا جرى بين السلطان صلاح الدين الأيوبي والملك ريكاردوس قلب الأسد، ومَن كان معه من الملوك المحالِفة. حفظتُ فيها الأصل التاريخي ما أمكن في نسق حوادثه، وبيان أحوال رجاله وأخلاقهم في ذلك العهد، وزدتُ عليه ما لا بُدَّ منه لكل رواية من أحاديث الغرام وفكاهة الصبابة والغزل، مما تتلاحم به فصول الرواية وأجزاؤها، ويكون داعية إلى إقبال القلوب واشتغال الخواطر والأفكار، واستمرار عقدة الموضوع إلى آخِرها بين الخوف والرجاء كما هو الشأن المألوف في هذا الفن. وما أدَّعي لنفسي أنني بلغتُ الغاية التي تُراد من الإتقان والكمال في هذا القصد، ولكنني اجتهدتُ في أن أَبلُغَها أو طرفًا منها، فإنْ فاتَنِي فضلُ الإجادة وبلوغ المراد، فما فاتني عُذْر النية الحسنة وحق الاجتهاد. ولقد مضى عَلَى وضع هذه الرواية وتمثيلها مدة، وكثيرٌ من الإخوان يُطالِبني بطبعها، وأنا أنازعهم في ذلك علمًا بما فيها من القصور في التصنيف والوقوف دون الحدِّ الذي يتقاضاه الإبداع في هذا العلم، وبأن ما يجوز من الهفوات عَلَى مرسح التمثيل بما يُخفيه من سرعة إلقائه وزخرف تمثيله، لا يجوز من الهفوات عَلَى القارئ اللبيب والمنتقد البصير في قراءته وانتقاده، حتى لجَّ داعي الطلب من الإخوان، وغلب عَلَى جانب العذر واجبُ الإجابة والإذعان، فلبَّيْتُ إلى طبعها، كما أشاروا، بعد أن أصلحتُ فيها ما بلغ إلى إصلاحه النظر الضعيف، وتداركتُ من هفواتها ما تمثَّل لي عَلَى مرسح التمثيل ووجه التأليف. وأنا أرجو من الواقفين عليها أن يغضُّوا الطرف عمَّا بَقِيَ فيها من الخلل، وأسأل الله أن يوفِّقنا إلى ما به خدمته ورضاه، إنه الموفِّق في كل قولٍ وعملٍ.
أخبرتُكم اليوم بالتليفون أن النار شبَّتْ شبوبًا هائلًا في المرسح العباسي في ثغرنا، فلم تُبْقِ عَلَى شيءٍ فيه ولم تَذَرْ. وتُقدَّر الخسارة بنحو عشرين ألف جنيه، عدا الخسارة الأدبية الكبيرة التي أُصيب بها ثغرنا وفن التمثيل ومحبُّوه باحتراق هذا المرسح الجميل. وصاحب هذا المرسح هو جناب الخواجة ممفيراتو، ومما يزيد الأسف عَلَى نكبته أنه غير مؤمَّن عليه. وسيُحيِي جوق الخواجة جونتين الذي يمثِّل في الجنينة الفرنسوية ليلة خصوصية لمساعدة جوق الخواجة جالي الذي نُكِب بهذا الحريق. أمَّا أسباب الحريق الحقيقية فلم تُعلَم بعدُ.
اتفقتْ إحدى شركات السينماتوغراف مع حضرة الشيخ سلام حجازي عَلَى عرض صورها في مرسح التمثيل العربي كل ليلة من الساعة ٦ إلى ٨ مساءً. وقد أثنى الذين حضروا الافتتاح عَلَى جمال المناظر ومغازيها الأدبية التي تروق العائلات.
سرَّنا أن جوق حضرة عبد الله عكاشة انضم مع جوقة حضرة الشيخ سلامة حجازي من ابتداء اليوم، وأصبح جوقًا واحدًا، وسيباشر التمثيل غدًا في دار التمثيل العربي، وهو الوحيد الذي يُرجى منه ترقية هذا الفن الجميل في مصر، فنتمنَّى لهذا الجوق كثرة الإقبال.
كانت الحفلة التي أُقيمت لتكريم حضرة الشيخ سلامة حجازي في مرسح الهمبرا مساء الأحد الماضي غاية في الجمال والنظام، فغصَّ التياترو بالمتفرجين، وخطب الأستاذ الشيخ مرسي محمود في التمثيل قديمًا وحديثًا، وذكر فضل الشيخ سلامة في تحبيب المرسح للناس بتأثير صوته الجميل وجهاده مدة خمس وعشرين سنة في خدمة الفن، وهو ممثل لم يتخرج من مدرسة التمثيل. ثمَّ ألقى حضرة الشاعر البليغ عبد الحليم المصري تهنئة شعرية جميلة، واعتذر جورج أبيض من الحضور فلم يصادف اعتذاره ارتياحًا من الجمهور. وكتب نصير الأدب والأدباء والتمثيل والممثلين أحمد باشا زكي سكرتير مجلس الوزراء كتابًا لطيفًا إلى الشيخ سلامة يهنئه فيه بيوبيله الفضي وأرسله مع مندوب خاص وقت الاحتفال مع باقة جميلة من الزهور، فتلاه أحد الأدباء عَلَى الجمهور فقوبل بالتصفيق الحادِّ المتكرر. واعتذر سليم سركيس بتلغراف مع أن حضوره كان واجبًا. وختم الشيخ سلامة الحفلة بإنشاد أبيات شكر أبدع فيها وأطرب.
أرادتْ مكارم عظمة السلطان تشجيع فن التمثيل، فشمل برعايته جوق حضرة الأستاذ سلامة حجازي، فنُهنِّئ ذلك الجوق بهذه الرعاية التي نَالَها عن جدارة واستحقاق.
أنعمتْ عليه الحكومة المصرية في عهد سموِّ الخديوي السابق بإنعامات كثيرة، كما أنه لاقَى من عظمة السلطان عطفًا كثيرًا. ومما يُذكَر أن عظمة السلطان حضر احتفال الجمعية المصرية الخيرية في الأوبرا في العام الماضي، ووقف الفقيد يُشنِّف الآذان بالنشيد السلطاني، فاستعاده عظمتُه مرارًا لرخامة الصوت وحُسْن التوقيع. وفي اليوم الثاني تشرَّف بمقابلة السلطان وجلس في الحضرة السلطانية مدة طويلة. عرفتِ الأمة مقداره فأقامتْ شبيبتها احتفالًا عظيمًا لمَّا أُصيب بالفالج، وقدَّموا له وسام الشعب، وكان الشعب يهتف له كلما ظهر عَلَى المسرح حتى آخِر أيامه.
لما شاهدْنا التمثيل في تياترو برنتانيا الأسبوع الماضي كانت الأمطار تتساقط عَلَى الحاضرين، ولا يزال هذا المرسح معطلًا للآن. فإلى ذلك نستلفت نظر صاحب المرسح بتصليح الأسقف، وعسى أن لا نعود فنسمع بمثل هذا التعطيل.
حدث في الليالي الماطرة أن هطل المطر مرارًا عَلَى المتفرِّجين في تياترو برنتانيا، فهرعوا إلى حيث ابتاعوا تذاكرهم طالبين ردَّ أثمانها؛ لأنهم لا يَرضَوْن أن يكونوا في مسرح لا يَقِيهم سقفه ماء المطر، فأُجيبوا إلى طلبهم، وقد تكرَّر ذلك مرارًا، فهل ترضى لجنة التياترات أن يظل سقف هذا المسرح كما هو، ويكون جمهور المتفرجين فيه تحت رحمة الغمام؟ لقد علمنا أن عمل تلك اللجنة منحصر في إصلاح تلك المسارح، فهل رأت تلك اللجنة ترك ذلك المسرح إلى ما هو عليه من ضروب الإصلاح.