المستر جمس يعود إلى الأضواء ويُجدِّد القصف المُتبادَل
تفضَّل الزميل الدكتور سيد علي إسماعيل وردَّ على مقالي الذي نُشِر في مجلة «أخبار الأدب»، وها أنا ذا أقتطع بعضًا من وقتي لأردَّ عليه؛ لعل هذا الرد يُقنِعه بخطأ ما ادَّعاه في كتابَيْه «تاريخ المسرح في مصر في القرن التاسع عشر» و«محاكمة يعقوب صنوع».
أحمد خيري باشا: أعجب أشد العجب لاستخفافك بكتب الأستاذ الكبير عبد الرحمن الرافعي، الذي أعتبره من أعظم مؤرِّخي مصر الحديثة إن لم يكن أعظمهم، مفضِّلًا الاعتماد على «الملف الوظيفي» لقيتك التي تعتز بها، أفلا يكون هذا الملف لأحمد خيري آخَر؟ ألا يمكن أن يكون له ملفٌّ آخَر نقل إلى ملفات السراي بعد أن الْتَحق بالعمل في المعية الخديوية؟ وأنا، رفقًا بزميلٍ عالِمٍ، أحذِّرك من التورُّط في الاعتماد على الملفات الوظيفية في بحوثك العلمية، وأرجوك لفائدتي أن تبحث لي عن الملف الوظيفي لتوفيق الحكيم، وتتأكد من سنة مولده، فهو يزعم أنه وُلِد سنة ١٨٩٨، وقد احتفل المجلس الأعلى للثقافة قبل ثلاث سنوات بمرور مائة عام على مولده، وشاركتُ في ذلك الحفل وألقيتُ بحثًا أثبتُّ فيه بما لا يدع مجالًا للشك أنه وُلِد سنة ١٩٠٢. أرجوك أن تراجع ملفَّه، فقد تتيح لك تلك المراجعة فرصة أخرى للتعريض بي والهزء بي تلميحًا أو تصريحًا.
في الشهور التي كنتُ أُعِدُّ فيها رسالتي عن المسرح، كنتُ أذهب يوميًّا إلى القلعة، حيث توجد مجموعة الدوريات التي تقتنيها دار الكتب. وكنت أرى الوثائق والملفات الوظيفية، مصدر اعتزازك وفخرك، ملقاة في الممرات. ولو لم تمنعني تربيتي وأخلاقي وضميري العلمي لاقتنيتُ ما شئتُ منها بأبخس الأثمان.
وما لنا نخوض في الوثائق والملفات والوظيفية وكتب الرافعي، وأمامنا شاهد لا يكذب، إلا إذا اتَّخذتَ قرارًا بتكذيبه، تذكر في مراجع كتابيك أنك رجعتَ إلى كتاب «مذكِّراتي في نصف قرن» لأحمد شفيق باشا. فهل رجعتَ إليه حقًّا؟ وإن كنتَ قد رجعتَ إليه وقرأتَه، فهل قرأتَ كل صفحة فيه، أو إنك اكتفيتَ بالرجوع إلى الفهرس، فلمَّا لم تجد فيه ضالَّتَك نحَّيْتَه جانبًا.
في الصفحة ٤٢ من الطبعة التي في مكتبتي (مطبعة مصر، ١٩٣٤) أورد المؤلِّف نادرة أحب أن أشركك وأشرك القرَّاء فيها، أوردها أثناء حديثه عن عصر إسماعيل بالنص التالي: «وفي مقدمة الأدباء الشيخ علي أبو النصر والشيخ علي الليثي (ولم نعثر على صورتيهما). وكان الشيخ علي الليثي — فوق أنه شاعر — سمير (هكذا في الأصل) مليح النكتة، من ذلك أن أحمد خيري باشا مهردار إسماعيل (حامل الختم)، أراد أن يُداعِب شاعرَيِ القصر، فأمر أن تُلصق ورقة على باب الغرفة الخاصة بهما في عابدين وبها الآية القرآنية: إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللهِ، فلما رآها الشيخ علي فطن للدعابة وعرف مصدرها، ونظم هذين البيتين من الزجل:
وكتبها في ورقة ألصقها بباب خيري باشا، وكان ذلك ردًّا ظريفًا استملحه الخديو وظل يُردِّده مع ندمائه.» هل ضحكتَ لهذه النادرة؟ لا أظن لأنها ستكلِّفك عناء البحث عن «الملف الوظيفي» لأحمد شفيق باشا لتُثبِت أنه كان كذوبًا.
وقد ذكر أحمد شفيق باشا أحمد خيري باشا في الصفحة التالية من كتابه هذا ص٤٣، فيمن ذكرهم من أدباء العصر، وقال إنه تلقَّى العلوم العربية في الأزهر، ونبغ فيها، وفي اللغة التركية، وهو من أصل شركسي.
ولمزيد من التأكيد أرجو أن تسمح لك أشغالك العديدة بقراءة ديوان الشيخ علي أبو النصر، الذي ورد اسمه في النادرة، فقد وردت فيه (ص٦٤) قصيدة تُوِّجت بما يلي: «وكتب — رحمه الله — إلى سعادة أحمد باشا خيري مهردار الحضرة الخديوية ليستأذن له في التوجه إلى الصعيد.» وقد مدحه في موضعين آخرين من الديوان في ص٢١٣ و٢٣١.
ولكن ما لنا ولكل هذا، ألم يكن حريًّا بك وأنت المولع بالوثائق والملفات أن تعود إلى محاضر مجلس شورى النوَّاب في دورته الأولى التي بدأتْ في ٢٥ نوفمبر ١٨٦٦، وفي دورته الثانية التي بدأت في ١٦ مارس ١٨٦٨. وإلى محاضر جلسة الهيئة النيابية الثانية في دورتها الأولى التي عُقِدت في أول فبراير ١٨٧٠، وفي دورتها الثالثة الثانية عُقِدتْ في ١٠ يونيو ١٨٧٠، وفي دورتها التي عُقِدت في ٢٦ يناير ١٨٧٣، حيث صحب أحمد خيري باشا الخديوي بوصفه كاتبًا له، ثمَّ حاملًا للأختام، ثمَّ مهردارًا، أنعم عليه بلقب باشا، لعلك تجد في هذه الوثائق ما تفقأ به عين الحسود.
هل آمنوا أو لم يدخل الإيمان قلوبهم؟ وعلى ذكر أحمد شفيق باشا، أراك تستشهد به وتلومني لأني تجاهلتُ قوله في مذكِّراته وهو من معاصري صنوع: «بدأتْ تَفِد على مصر بعض الفرق السورية، فكان ذلك منشأ المسرح الأهلي، وأولى هذه الفرق هي فرقة سليم النقاش.»
أوَّلًا يا زميلي الكريم، كان عُمْر أحمد شفيق باشا في الفترة التي زاول فيها صنوع نشاطه المسرحي ١٠–١٢ سنة، فقد وُلِد في ١٨ مايو ١٨٦٠، ونحن نؤرِّخ نشاط صنوع المسرحي بسنتي ١٨٧٠–١٨٧٢، وشفيق باشا كتب في هذا الكتاب مذكِّراته، وكاتب المذكِّرات عادةً يكتب ما عرفه وما خبره، لا ما انتقل إليه بالسماع، فضلًا عن ذلك فإن قوله الذي اقتبستَه لا ينفي ولا يُثبِت وجود نشاط تمثيلي آخَر هو نشاط صنوع والشيخ محمد عبد الفتاح على وجه القطع واليقين، وهذا ما سيتبين لك بعد قليل.
أما لومك الذي وجَّهتَه إليَّ والذي بدأتَه بعبارتك: «لماذا تجاهلتَ … ابتداءً من مجلة «الفرائد» ١٨٩٤ حتى عبد الرحمن صدقي ١٩٥١.» يا زميلي العزيز، لو لم أتجاهل كل هذا الغُثاء الذي بُنيَ أكثره على الوهم والتذكُّر والرواية والشفوية؛ لما كنتُ أوَّلَ مؤرِّخ موضوعي علمي منهجي للمسرح العربي، ولِما أُتيح للكثيرين — ولا أُسَمِّي — أن يَعِيشوا وتنتفخ أوداجُهم على فُتات ما كتبتُ. أمَّا لماذا لم أُثبِت هذه الأخبار التي حصلت عليها بعد طبع كتابي ١٦ مرة، لا ١٣ مرة كما قلتَ، فذلك لأن الكتاب أُعيد طبعه كما هو بالتصوير ولا أغيِّر فيه ابتداءً من الطبعة الثانية سوى المقدمة. إذ كنتُ معنيًّا بجمع معلومات لا نجدها في الصحف ولا في أقوال الباحثين الهواة، أهمُّها البحث عن الأصول التي اقتُبِست أو مُصِّرت أو عُرِّبت أو تُرجِمت عنها المسرحيات التي قُدِّمت على المسرح العربي، وقد وُفِّقتُ حتى الآن إلى جمع معظمها ابتداءً من ١٨٧٠ حتى ١٩٣٥.
وتقول لا فُضَّ فوك: «… ولا أعلم ما هي علاقة هذا الخبر بموضوعنا؟ فهذا الخبر يخصُّ أيضًا رجلًا إنكليزيًّا اسمه مستر جمس، ولعلك اعتبرتَه يعقوب صنوع على اعتبار أن صنوع كان مشهورًا باسم جمس سنوا، فأين اسم «سنوا» الذي هو صنوع في هذا الخبر؟»
وأقول: اقرأ العدد الخامس الذي تجده في ملاحق هذا الرد — أو الأحرى هذا البحث — ثمَّ اقرأ جميع أعداد صحيفة «أبو نظارة زرقا» التي أصدرها في مصر وفي باريس، تجده يُخاطِب أو يُشِير إلى نفسه باسم: مستر جمس، مسيو جيمس، سنيور جمس. أما كونه يوصف بأنه إنجليزي، وذلك لأنه كان حماية إنجليزية، وكان المقيمون الذين يعودون إلى أصول غير مصرية أو عثمانية، يلجئون إلى القنصليات الأجنبية للانتساب إلى بلادها والحصول على حمايتها التي تُتيح لهم التمتُّع بالكثير من الامتيازات، ومن أهمها التقاضي أمام المحاكم المختلطة. على كل هذا موضوع لا علاقة لك به؛ لأن اختصاصك هو إعادة كتاب تاريخ المسرح العربي بمنظور جديد خاص بك ومِن ابتداعك.
المهندسخانة: ينفي المؤلف في معرض تكذيبه لصنوع، أنه كان مدرِّسًا في المهندسخانة، ودليله على ذلك أن سعيد باشا (١٨٥٤–١٨٦٣) ألْغَى ديوان المدارس.
ونقول له: إن الخديو إسماعيل أعاد تنظيم ديوان المعارف وأنشأ مدرسة المهندسخانة (الري والعمارة) في سنة ١٨٦٦ في العباسية (انظر: «عصر إسماعيل» للرافعي، ج١، ص١٩٧). وقد كان صنوع، فيما نعلم، مقرَّبًا من إسماعيل ورجال عهده حتى سنة ١٨٧٨، عندما حدثتِ الفرقة بينهما. أفلا يجوز أن نفترض أن الخديو أو أحد رجال عهده النافذين، عيَّنه مدرِّسًا للغات التي كان يُجِيد عددًا منها، بدوام كامل أو ببعض الدوام في المهندسخانة لفترة ما بين ١٨٦٦ و١٨٧٨؟ هذا جائز ومقبول طبعًا، لولا أنه لا يملك ملفًّا وظيفيًّا (حجة الحجج) يستطيع المؤلف المحقق أن يركن إليه في التثبُّت من ذلك؛ ولذا فمن الأسهل عليه أن يتَّهمه بالكذب، جريًا على عادته في تكذيبه وتكذيب سواه.
أما علاقة صنوع بالأفغاني وعبده وهجومهما عليه وعلى صحيفته في جريدة «التجارة»، فقد شرح صنوع ظروف هذا الهجوم وملابساته في صحيفته عدد ٢٤ يونيو عام ١٨٧٩ وبيَّن أنه كان بضغط وتدبير من إسماعيل ورجاله قبل أسابيع من تنازله عن العرش ومغادرته مصر في ٣٠ يونيو ١٨٧٩. ولو كان بينهما خصومة حقيقة لما مدحه صنوع عندما حضر إلى باريس في ١٩ يناير ١٨٨٣، ولما كتب جمال الدين مقالة وتحية لصنوع وصحيفته نُشرت في ١ فبراير ١٨٨٣. ولو رجعتَ إلى أعداد «العروة الوثقى» الثمانية عشر التي أصدرها الأفغاني وتلميذه محمد عبده في باريس من ١٣ مارس حتى ١٧ أكتوبر ١٨٨٤ لما وجدتَ بها مساسًا أو غضًّا من شأن صنوع وصحيفته، لا تصريحًا ولا تلميحًا (وأنت تؤثر التلميح عادةً).
محمد عبد الفتاح: الفاقرة أو قاصمة الظهر: الفاقرة، لغةً: الداهية الكاسرة للفقار، وهي بمعنى قاصمة الظهر، وقد تعمَّدتُ التكرار لأنه يفيد أحيانًا. أدرجتَ يا زميلي الكريم «الوقائع المصرية» في ثبت مراجعك في كتابك الأول، ولم تذكرها في كتابك «المحاكمة»، وحددتَ السنوات التي رجعتَ إليها وهي ١٨٦٩، ١٨٧١، ١٨٧٧، ١٨٧٨، فلماذا لم ترجع إلى سنة ١٨٧٢، وهي سنة زعم الزاعم، وهو أنا، أن مسرح صنوع كان ناشطًا فيها. لا تقل لي إنها مفقودة في مجموعة دار الكتب؛ لأنني رجعتُ إليها فيها، وثمة نُسَخ منها في مكتبة مجلس الشعب ومكتبة جامعة القاهرة ومكتبة جامعة عين شمس، جامعتك ربما فعلتَ ذلك سهوًا أو تعجُّلًا، أو — وبعض الظن إثم — تجنَّبتَ ذكْرَها عامدًا متعمِّدًا.
في الصفحة الثانية من العدد ٤٥٥، الصادر في ٢٩ صفر ١٢٨٩ الموافق ٣٠ برمودة ١٥٨٨ و٧ مايه (أي مايو) الإفرنجي ١٨٧٢، الإعلان التالي: «صورة إعلان وارد: قد ارتقتِ الأنام في التمدن في زمن سعادة الخديو المعظَّم حتى بلغتْ ما لا يبلغه غيرها من الأمم السابقة. ومن جملة التمدن وجود التياترات خصوصًا التياترو العربي الجاري مجراه في حديقة الأزبكية (أقول: تياترو صنوع أو سنوا أو مستر جمس). ولما كانت جميع الناس مجدِّين في تحصيل التمدُّن شرعنا في طبع لعبة (أقول: الاسم الذي استعمله صنوع للمسرحية)، ونشرها عَلَى جميع المحبِّين للوطن لزيادة التمدُّن، ويكون أخذ النُّسَخ من محل محمد أفندي عبد الفتاح الكائن بالموسكي بحارة الإفرنك، بجوار الخواجة كمواره التاجر، وثمن النسخة الواحدة فرنك واحد، واللعبة التي صار طبعها حينئذٍ تسمَّى «ليلة»، وأن الحضور لأخذ النسخة سيكون من ابتداء الساعة واحدة لغاية الساعة ٥ من النهار.»
أظن، وبعض الظن إثم كما أسلفتُ، أن عينك وقعتْ عَلَى هذا الإعلان، وأنت عَلَى منصة القضاء تحت قوس العدالة، تمثِّل الادِّعاء في محاكمة المُدَّعَى علَيهِ المُدَّعِي الكذَّاب يعقوب بن روفائيل صنوع المعروف بجمس سنوا، فرأيتَ أنها في مصلحة المتَّهَم فكتمتَها، والله — سبحانه وتعالى — يقول في كتابه العزيز: وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ. فما هي حكاية محمد عبد الفتاح هذا؟
فماذا قال المؤلِّف الكريم صاحب كتاب «محاكمة مسرح يعقوب صنوع» ردًّا على مزاعم يعقوب صنوع وبول دي بنيير الخاصة بالشيخ محمد عبد الفتاح؟ يقول تعليقًا على ما أورده الدكتور إبراهيم عبده: «… ولكن ما يهمُّنا من هذه الطرائف ما قاله الدكتور، إن يعقوب صنوع قال وهو يحدِّثنا عن متاعبه أنه عرض رواية «ليلى» لأول مرة على مسرحه التياترو الوطني، وهي مأساة كتبها له صديقه الشيخ محمد عبد الفتاح، وحضرها الوزراء وكثير من العلماء والشعراء. وأهمية هذا القول (هكذا يقول الدكتور الأستاذ سيد علي إسماعيل) تتمثَّل في أن هناك مؤلِّفًا مسرحيًّا اسمه «الشيخ محمد عبد الفتاح» ألَّف لصنوع مسرحية «ليلى»! فهل في تاريخ المسرح المصري منذ عام ١٨٦٩ وحتى عام ١٨٧٢ مسرحية باسم «ليلى»، مؤلِّفها شيخ يُدعَى «محمد عبد الفتاح»؟ للوصول إلى حقيقة هذا الأمر كان لا بدَّ من البحث أوَّلًا في تاريخ المؤلَّفات، والمؤلِّفين، وثانيًا البحث في صحف صنوع. وبالبحث في التاريخ (أقول: يا للباحث المدقق المتتبع!) وجدنا أن أول عمل فني باسم «ليلى» كان فيلمًا مصريًّا بدأ تصويره عام ١٩٢٧. والعمل الفني الثاني تحت اسم «ليلى» كان للمازني عام ١٩٥٣ كما هو معروف. أما البحث عن اسم «محمد عبد الفتاح» كمؤلِّف أو كاتب في هذه الفترة فلم نجد غير شخص واحد تُوفِّي في أواسط القرن التاسع عشر؛ أي وصنوع عمره عشر سنوات! ثمَّ …» إلخ («المحاكمة» ١٥٥-١٥٦).
أبدأ تعليقي على الفقرة الأخيرة من هذا الاقتباس وأسأل الباحث المدقق: هل اطَّلعتَ حقًّا على كتب تاريخ المؤلَّفات والمؤلِّفين، كما تقول؟ أم إنك اكتفيتَ بكتاب جاك تاجر «حركة الترجمة بمصر خلال القرن التاسع عشر»؟ ومَن قال لك إن الشيخ الأزهري كان مترجمًا حتى تبحث عنه في كتاب عن حركة الترجمة خلال القرن التاسع عشر؟ هل اطَّلعتَ على «معجم المطبوعات العربية والمعرَّبة» ليوسف إليان سركيس؟ وهو أهمُّها وقد ذكر (في العمود رقم ١٦٧٧) الشيخ محمد عبد الفتاح، وذكر كتابه «تحفة الألباب في مجالس الأحباب»، مصر ١٣٠٥، المطبعة الميمنية (١٣١٠ﻫ/١٨٩٢م)، ٥٢ صفحة، وقد أهداه إلى صديقة جمس سنوا. وهل رجعتَ إلى فهارس دار الكتب المصرية، وقد عثرتُ فيها على كتابه «تحفة أولي الألباب في مجالس الأحباب»، فضلًا عن كتابين آخَرَيْن له يؤكِّدان ميوله الروائية هما «نجاح السيد غندور وخيابة أسطى طرطور والصنعة حكمت»، وهي كما وُصفتْ في الفهرس حكاية فكاهية تجارية قضائية اجتماعية، طبع حجر، القاهرة. والثاني هو «السبك واللهج»، وُصف في الفهرس بأنه «قصة أدبية تاريخية تتضمن سيرة السيد حزنبل وبنت عمه زلكوته وما جرى في سياحته»، وهي مرتَّبة على أربعة وأربعين سبكًا وعلى ست وعشرين لهجة، طبع حجر، القاهرة (١٢٩٣ﻫ/١٨٧٦م) ١٦٤ صفحة. ثمَّ لماذا لم تبحث في مرجع المراجع وهو كتاب «تاريخ الأدب العربي» للمستشرق كارل بروكلمان، وهو يذكر له في الملحق الثاني، ص٧٣٦ من الطبعة الألمانية ثلاثة كتب، منها لعبته التياترية التي سنفاجئك بها الآن (فأرجوك أن تتماسك).
- (١)
عدد ٢٥ / ٣ / ١٨٩٢: قصيدة لمحمد عبد الفتاح في مدح السلطان عبد الحميد.
- (٢)
عدد ٥ / ٨ / ١٨٩٣: قصيدة لمحمد أفندي عبد الفتاح صاحب التعريف والتأليف المشهور اسمه على كل لسان البرق في الغرب والشرق بمناسبة زيارة السلطان عباس حلمي إلى باريس.
- (٣)
عدد ٥ / ١١ / ١٨٩٣: مقال بعنوان «السعد الحميدي» لمحمد أفندي عبد الفتاح، خادم العلم الشريف بالأزهر.
- (٤)
عدد ٣ / ١١ / ١٨٩٤: مقالة وقصيدة لمحمد عبد الفتاح مدرس اللغة العربية بباريس.
- (٥)
عدد ٥ / ٦ / ١٨٩٩: قصيدة لمحمد أفندي عبد الفتاح في مدح المسيو لويه رئيس الجمهورية الفرنساوية، قدَّمها صنوع بقوله: «وها قصيدة منها تفضَّل علينا بها الصاحب الصديق والخِلُّ الشقيق، مَن له علينا المآثِر غير مرة، والكَرَّة بعد الكَرَّة في مثل هذه المعاني، وله الباع الطويل بتنقيح تلك المباني، من تعدد أقواله في جرائدنا كالمصباح، محمد أفندي عبد الفتاح، لا زالتْ محبتنا معه طويلة الأمد، وخلَّتنا ممتدة إلى الأبد.»
- (٦)
عدد ١٥ / ٩ / ١٨٩٩: نبذة له في مدح صديقه السيد سليمان بن ناصر.
- (٧)
مارس ١٩٠٢: مقطوعة له في مدح البرنس محمد عبد القادر موقَّعة هكذا: محمد عبد الفتاح الأزهري.
- (٨)
السنة التاسعة والعشرون: أهدى صنوع أعداد صحيفته لسنة ١٩٠٥ إليه قائلًا: قال أبو نظارة: قد أهديتُ هذه الأعداد إلى صديقي الوفي الفاضل محمد أفندي عبد الفتاح، وأتحفها بهذه المقالة.
وأرجوك أن تبحث في الملفات الوظيفية ودار الوثائق، مصدراك الأثيران، لعلك تجد له كتبًا أخرى لم أعثر بها في مصادري، أو معلومات عنه تضيف إلى ما لديَّ من معلومات.
كل هذا يتضاءل أمام الإعلان الذي نشرتْه «الوقائع المصرية» التي تزعم أنك اطَّلعتَ عليها — وقد أوردناه سابقًا — وأمَّا ما سمَّيتُه «الفاقرة أو قاصمة الظهر» وهو نص مسرحيته التي في حوزتي، وسأقتبس منها بعض ما جاء في مقدِّمتها وخاتمتها.
العنوان: «نزهة الأدب في شجاعة العرب» المبهجة للأعين الزكية في حديقة الأزبكية، تأليف محمد عبد الفتاح المصري، أحد تلامذة الأزهر.
من المقدمة (ص٢): «وبعد»؛ لمَّا أبصرتُ جواهر التمدن قد انتظمتْ في سلك المعالي، وتعاقَبَها الدرُّ الثمين منثورًا على بساط الليالي، وبرزت أهل المعارف في ميدان التصانيف. جال (ص٣) جواد فكرهم الصافي في حومة التصانيف، خصوصًا صديقنا جمس المعتبر، الذي صنَّف من أعظم هذا الفن ما يزيد على اثنى عشر. وقد كانت الناس قبله على عدم وجوده في قلق، حتى إنه أظهر همَّته العالية، وشرع في أعماله، فجاء كما الفلق، وبعد اطِّلاعي على تلك التصانيف حنيتُ شوقًا اقتفاء طريق آثاره المُنِيف، وكوَّنتُ تلك المكينة من تصوراته، ثمَّ عرضتُها عليه وعلى من له إلمام بمفرداته وتركيباته، فقرَّ بها نظرهم، ومال نحو ما احتوتْ عليه قلبهم، فرأيتُ أن أُهدِيَها إلى مَن هو فوق أعلى الرُّتَب سامٍ، ولأبناء الوطن في كل الأمور مراعٍ ومحامٍ، فلم أرَ أعظم من ذي الرونق الباهر، صاحب السياسة والفضل الزاهر (ص٤) مَن على جسم الزمان أمير، ولروحه صديق، الوزير الأعظم إسماعيل باشا الصديق، أبهج الله بالتحف أيامه، وأسر بالسرور سيره وهيامه، وأسرَّنا بحياته البهية، وأعظم السرور عندي قبولها مني بيده السخية؛ لأن افتتاح هذا الفن لما كان بمساعدته، قارن الطالع الأشهر، واختتام هذه النسخة لما كانت لأجله فاح مسكيه فوق عبير الروض الأزهر، والله المستعان وعليه التكلان.
- (١)
علاقة المؤلف بصنوع (جمس) كانت علاقة صداقة، يشدُّ من أزرها اهتمامها بالمسرح.
- (٢)
صنوع (جمس) كان رائد هذا الفن في مصر، وقد ألَّف حتى تاريخ صدور رواية الشيخ محمد عبد الفتاح اثنتي عشرة مسرحية (لعبة).
- (٣)
أهدى المؤلف مسرحيته إلى إسماعيل باشا صديق (إسماعيل باشا المفتش)؛ لأنه كان راعيًا لجمعية التياترات العربية التي كان يرأسها صنوع.
نعود إلى المسرحية (ص٥) «أسماء أشخاص اللعب» الأمير زيدان، ليلة بنته، الأمير عمران، الشاطر حسن، «سعدة دادة ليلى»، علي من فرسان قبيلة الأمير عمران. (المنظر الأول) (صيوان الأمير زيدان) (ليلى ثمَّ سعدا):
وبحمد مَن بظريف نعمائه تتم الصالحات، قد استكمل نظم عِقْد درر هذه المقالات، في سلك تكوَّن من بدائع الحكم البهية، في ظل أيام شملتْها شمائل التمدن الزهية، من لطيف نور الخديو المعظَّم، أسرَّ الله جميع الأنام بحياته وعزه المفخم، وعفا على أمة الإجابة ما جنتْه من تحف وصفى (لم أفهم معناه)، ما دامت السموات والأرض والمروة والصفا. ومما قد أظهر من محاسن هذه النزهة السامية، طبعها في هذه الأيام النامية. على ذمة مؤلِّفها في هذا العصر محمد عبد الفتاح المصري بالمطبعة التي قد تزيَّنت بطبع معظم اللغات والفنون، وصارت مركز الأيام تلاحظها العيون. وسُمِّيتْ تأصُّلًا بالتليانية، واشتُهرت قديمًا بالكاستلية، نسبة للخواجة جاكموا كاستلي لا زالتْ على مدار الأزمان عامرة، وذلك في غرة صفر سنة ١٢٨٩. انتهى.
-
(١)
أقول: نلاحظ على أسلوب الشيخ شيئًا من الركاكة، وهذا ناتج عن خلط بين العامية والفصحى، والألفاظ الدخيلة الدائرة على الألسن آنذاك، محاولًا أن يأتي بحوار معبِّر عن مستوى الشخصيات، وقد قسَّم مسرحه إلى مناظر — لا فصول — على طريقة صديقه ومعلِّمه صنوع في لعبه التياترية ومسرحياته التي نشرناها.
-
(٢)
المطبعة الكاستلية الهي كانت تطبع صحيفة «أبو نظارة زرقا» في السنة التي صدرت فيها في مصر.
-
(٣)
غرة صفر ١٢٨٩ﻫ / ١٠ أبريل ١٨٧٢.
وأنا أُعِدُّ الآن هذه اللعبة التياترية أو المسرحية للنشر لتقرأها كاملةً وتقر عينًا.
خاتمة
وفي الختام أشكر للزميل د. سيد علي إسماعيل تفضُّله بإصدار هذا الكتاب، الذي لولاه ولولا كتابه السابق لما أُتيح لي أن أضع الأمور في نصابها، وأن أصحح الوهم الذي كاد البعض أن يظنه حقيقة، وأن أمحو الشك باليقين، مدفوعًا بحرصي الأكاديمي متقيِّدًا بمنهج البحث العلمي السليم، فقد غدا الكثير من البحوث التي تصدر في أيَّامنا هذه، وخاصة عن الجامعيين بلا علم وبلا منهج، ولا أدري مَن يتحمل هذا الوزر.
كما أشكر الزميل الكريم على تفضله بإهدائي في ٥ / ١ / ٢٠٠١ ستة من كتبه ذات القيمة، قدَّمها بإهداءات أخجلتْني حقًّا، وهي: «إلى العالم العلَّامة في مجال المسرح العربي أ. د. محمد يوسف نجم، مع تحياتي، إلى من تتلمذتُ على يده دون أن أراه، إلى مَن تمنَّيتُ أن أراه، إلى العالم الفذِّ صاحب الدراسات القيمة العظيمة، التي حفرتِ اسمَه بحروف من النور في مجال المسرح العربي، إلى مَن دفعتْني كتاباته إلى التخصص في مجال التراث المسرحي، إلى مؤرِّخ المسرح العربي الأول.»
فما عدا مما بدا، ولِمَ انقَلَبَ الثناء ذمًّا وهجاءً وتجريحًا، صريحًا ومبطنًا، في ردِّه مقالي الذي نشرتُه في «أخبار الأدب»؟ وعملًا بما نُشِّئتُ عليه، وبما لُقِّنتُه من شيوخي الكبار، لا يَسَعني إلا أن أسامحه وأغفر له زلَّاته، وأسأل الله له الهداية.
همسة أخيرة في أذن زميلي الكريم: ثمة أخطاء نحوية ولغوية ولحن وركاكة في التعبير في كتابيك اللذين قرأتُهما، لعلها جميعًا مما جنتْه يدُ الطابع في المطبعة، وكثيرًا ما جنَى علينا أصحاب المطابع؛ إذ لا يمكن أن أفترض بأي حالٍ من الأحوال أن أستاذًا كبيرًا يحمل الدكتوراه في اللغة العربية وآدابها من جامعة عريقة، ويرأس قسم الدراسات الأدبية بكلية دار العلوم بجامعة المنيا، يمكن أن يرتكب مثل هذه الأخطاء، فإذا احتجتَ إلى قائمة بها لتستدركها في الطبعات التالية، فالرجاء توجيه رسالة إليَّ على عنواني في الجامعة الأمريكية، بيروت، لأرسلها لك مع الشكر راجيًا أن يكون هذا الرد خاتمة هذا الجدل الذي لم يكن بالتي هي أحسن كما علَّمنا ديننا الحنيف.
أستاذ شرف الأدب العربي
الجامعة الأميركية، بيروت