فرقة أولاد عكاشة
استمر أولاد عكاشة في عملهم بفرقة الشيخ سلامة حتى رحلة الشام في صيف ١٩٠٩، وعندما أُصيب الشيخ بالفالج — كما مرَّ بنا — عادت الفرقة ومثَّلت بعض العروض البسيطة بدار التمثيل العربي. وبعد فترة قصيرة أجَّر الشيخ مسرحه لآخرين دون استشارة أفراد الفرقة، مما جعلهم يتخلَّوْن عن الشيخ، ويكوِّنون فرقة مسرحية بقيادة عبد الله عكاشة.
الموسم الأول ١٩٠٩-١٩١٠
ومسرحية «شهداء الوطنية» تدور أحداثها عام ١٥٦٨ في بلاد الفلمنك (هولاندا وبلجيكا)، عندما استولى عليها الدوق ألبا قائد عام الجيش الإسباني، ومحاولة أمير أورانج غليوم الفلمنكي استعادة بلاده من يد المستعمر بمساعدة بعض الثوار، ومن هؤلاء الثوار الكونت ريزور الذي رسم خطة لإنهاء هذا الاحتلال بمساعدة صديقه كارلو قائد الحرس الوطني. وفي إحدى الليالي يتم القبض عَلَى ريزور بتهمة التآمر ضدَّ المستعمر، بدليل عدم وجوده ليلًا في منزله، ولكن أحد الجنود الإسبان بالمصادفة يدلي بشهادة تنقذه عندما قال إنه كان سكيرًا أمس، وذهب إلى منزل ريزور فخرج من المنزل رجل واصطدم به، وعندما حاول أن يُوقِفه وأشهر في وجهه السيف اختطفه هذا الرجل فجرحت يده، وما كان هذا الرجل إلا ريزور.
وهكذا أفْلَتَ ريزور من الموت، ولكنه وقع في صراع نفسي كبير، حيث تأكد أن زوجته تخونه؛ لأنه لم يَبِتْ في منزله أمس، فمَن يكون هذا العشيق الذي اصطدم بالجندي؟ وأقسم ريزور عَلَى الانتقام منه ومن زوجته دولوريس، خصوصًا بعد أن عَرَف أن غريمه مجروح في يده. وعندما ذهب إلى منزله واجه زوجته، فاعترفتْ بالخيانة كما اعترفتْ أنها تكرهه لأنه مشغول بقضايا وطنه والثوار أكثر من اهتمامه بها، وهنا يحضر صديقه كارلو، ويتفق الاثنان عَلَى الخطة الموضوعة من قِبَل الأمير غليوم، وأن إشارة الهجوم هي قيام جوناس بقرع الأجراس بنغمة مفرحة، وإذا قرع النغمة الحزينة فمعناها الابتعاد والفرار. وتسمع دولوريس تفاصيل الخطة — دون أن تسمع إشارة قرع الأجراس — فتسرع لإبلاغها إلى المستعمِر الدوق ألبا، بشرط أن يمنحها حياة حبيبها ويقتل زوجها، فيوافق ألبا عَلَى ذلك بعد أن علم منها ساعة الهجوم.
وفي مكان آخَر استعدَّ الثوار للهجوم عَلَى المستعمر، وفي أثناء مراجعة الخطة بين ريزور وكارلو، يرى ريزور جرحًا في يد كارلو، فيسأله عنه ويُحاصِره في الحديث، فيجعل كارلو يعترف له كارلو بأنه الخائن الذي يبحث عنه، ولكن ريزور يعفو عنه؛ لأن الوطن في حاجة إلى كل ثائر، ويُقسِم له كارلو بأنه سيكفِّر عن هذه الخيانة. وهنا يهجم عَلَى المكان جنود الدوق ألبا ويقبضون عَلَى طليعة الثوار، ويطلب ألبا منهم ذكر إشارة هجوم بقية الثوار بقيادة الأمير غليوم، فيتقدَّم جوناس لإبلاغه بالإشارة، فيتهمه الثوار بالخيانة فلا يُبالِي، ويذهب لقرع الأجراس فيقرع النغمة الحزينة، فيفرح الثوار، وعندما يستفسر ألبا عن السبب يقولون له إن هذه النغمة إشارة لبقية الثوار بالفرار، وهنا يُطلِق الجنود النار عَلَى جوناس ويأمر ألبا بحرق طليعة الثوار في الغد. وفي صباح اليوم التالي تحضر دولوريس إلى ألبا وتطالبه بوعده لها كي يطلق سراح حبيبها كارلو، فيوافق ويعطيها إذنًا باسمها للسفر إلى مدينة ليل، كما يعطي لقائد جنده إذنًا آخَر باسم كارلو للسفر إلى المدينة نفسها.
وأثناء تحضير الثوار المقبوض عليهم للحرق في النار يحضر قائد الجند، ويطلق سراح كارلو ويعطيه الإذن الخاص به، فيتهمه باقي الثوار بالخيانة. وعبثًا يحاول كارلو إثبات براءته، ولكنه استطاع أن يعرف أن مَن خانَهم كان امرأة أَفْشَتْ سِرَّ خطَّتِهم إلى الدوق ألبا، وأن معها إذنًا بالسفر إلى مدينة ليل. وهنا أقسم كارلو عَلَى قتلها، ولا بُد له من معرفتها؛ لأنها ستسافر في نفس توقيت سفره، وستذهب إلى نفس المدينة التي سيسافر إليها. ولكن قبل ذلك لا بُد له من وداع دولوريس، فيذهب إليها وتفرح بحضوره وتبشِّره بأنها ستسافر إلى مدينة ليل اليوم، ومع توالي الحوار بينهما تنكشف له الحقيقة، حيث إن حبيبته وزوجة صديقه هي الخائنة التي باعت وطنها إلى الأعداء، فيقتلها، وتنتهي المسرحية.
ستمثل شركة التمثيل العربي بالتياترو المصري، بأول شارع عبد العزيز، في مساء السبت ٩ أبريل سنة ١٩١٠، الساعة تسعة إفرنكي مساءً رواية «حفظ الوداد»، وهي رواية أوبريت كوميدي مشحونة بالألحان والأناشيد، سيقوم بتلحينها المطرب الجديد الشيخ عبد الحميد عكاشة، فنحثُّ الجمهور عَلَى اغتنام هذه الفرصة تشجيعًا لهذا الممثل الجديد ولفنه الجميل. وستمثل شركة التمثيل العربي أيضًا يوم الأحد ١٠ الجاري في التياترو المصري رواية «ماري تيودور» الشهيرة، وهي ليلة خصوصية يخصَّص دخلها لحضرات القائمين بالموسيقى الوترية، فنحثُّ الجمهور أيضًا عَلَى الإقبال عليها لأهمية الرواية ومساعدةً لأولئك المطربين.
ستمثل شركة التمثيل العربي مساء اليوم بتياترو شارع عبد العزيز رواية «صلاح الدين الأيوبي»، وهي ليلة خصوصية. والرواية غنية عن الإطراء والمدح، لما حوتْه من المناظر الجميلة والمواقف المؤثِّرة. وما فيها يدل عَلَى شهامة العرب وتسامحهم وكرم أخلاقهم، فنحثُّ الجمهور عَلَى الإقبال عليها، خصوصًا وأنه سيتخلَّل فصولَها نغمات الموسيقى الوترية إدارة عبد الحميد علي. وستمثل الشركة في مساء الغد الأحد؛ أي ليلة الإثنين ٢٢ مايو سنة ١٩١٠ رواية «الأم المجرمة» أو «برج نيل» وهي رواية شائقة تمثل مخازي القرون الوسطى في أوروبا، وفيها من العظات الشيء الكثير. وسيقوم بتمثيل أهم أدوارها حضرة الممثل البارع عزيز عيد المشهود له بطول الباع، ويقوم حضرة مصطفى أمين بدور جوتيه، فنحثُّ الجمهور عَلَى اغتنام هذه الفرصة قبل انقضاء فصل التمثيل.
موسم ١٩١٠-١٩١١
الآن عاد إليَّ ما شَرَدَ مِن نومي، خوفًا عَلَى التمثيل العربي أن ينقضي عهده، بانقضاء عهد رجل هذا الفن الشيخ سلامة حجازي. فقد علمتُ أن تلاميذه الذين تربَّوْا في مدرسته قد أجمعوا أمرهم عَلَى الاستمرار في التمثيل بنفس العزيمة التي كانت لهم من قبل، فكوَّنوا جوقة منتقاة منهم، وممَّن يعرفون البراعة في هذه الصناعة من غيرهم. فذهبتُ ليلة الجمعة الماضية إلى دار التمثيل العربي وأنا بين مصدِّق ومكذِّب؛ لمشاهدة رواية جديدة اسمها «القضية المشهورة» من مترجمات حضرة الروائي الفاضل إلياس فياض. فرأيتُ من جلال المكان، وفخامة المنظر، وجمال الأزياء، وبراعة التمثيل، وحسن الأداء، ودقة التصوير، ما كدتُ أكذِّب نظري فيه. لولا أني رأيتُ أنه إجماع عام من جميع الحاضرين الذين كانوا يملئون الألواج والمقاعد جميعها، حتى لم تَبقَ زيادة لمستزيد. ولقد سرَّني وملأ نفسي ابتهاجًا وارتياحًا، أني رأيت هناك الدليل قائمًا واضحًا وضوح الشمس في صحوتها، عَلَى بطلان ما كان يزعم بعض الناس من أن المصريين لا يهتمون بالتمثيل من حيث هو، وأنهم إنما كانوا يذهبوا إلى التمثيل بسائق الصوت الرائع، لا بسائق التمثيل البارع. فلقد رأيتُهم هنالك هادئين مصغين متنبهين إلى حركات الممثلين وسكناتهم، كأنما يحاولون أن ينتبهوا بأنظارهم، ورأيتُهم متأثِّرين في موضع التأثر، باكين في موضع البكاء، متحمسين في موقف الحماسة؛ فحمدتُ الله — تعالى — عَلَى بلوغ التمثيل هذه الدرجة في نفوس الأمة، مما يدل عَلَى أنها قد ربحت منبرًا ثالثًا فوق منبرَيِ الكُتَّاب والخُطَباء، تتلقَّى منه رشدها وهداها، وأنه قد أصبح للكرماء والمُحسِنين الذين يُهمُّهم الإنفاق عَلَى سبيل تقدُّم الأمة وارتقائها مجال واسع في هذه الجوقة النافعة، بالمعونة الصالحة، وتشجيعها عَلَى ما أخذتْ نفسَها به من الاجتهاد في ترقية فن التمثيل، وإبلاغه في مصر مبلغه في البلاد الغربية. ولا ريب أن تمثيل الروايات الجديدة المؤلَّفة أو المترجمة بأقلام فضلاء الكُتَّاب يحتاج إلى نفقات كثيرة تعجز عنها تلك الجوقة الحديثة في عهدها الجديد، فليمد إليها المحسنون أيدي المساعدة، وليعلموا أن الممثل في مرسحه أعظم نفعًا وأقوم أثرًا في تقويم النفوس وتهذيب الأخلاق من مائة كاتب وألف خطيب.
يمثِّل في مساء اليوم جوق الشيخ سلامة حجازي رواية «تسبا» الشهيرة، وهي ذات خمسة فصول. ويقوم بأهم أدوارها حضرة الممثل الشهير عبد الله عكاشة، ويلقي منولوج فتى العصر. وستلقي الست ميليا ديان منولوج فتاة العصر، وتُختم الرواية بفصل مضحك. فنحثُّ الأدباء عَلَى مشاهدة هذه الرواية الجميلة.
… إن مَن رأى منظر الواقعة الحربية بين الجيشين الفرنساوي والنمساوي ما كان يشك أنها واقعة حقيقية، تدوِّي رصاصاتها، وتتقاذف قنابلها، وتتألَّق أسلحتُها، وترنُّ أناشيدُها، وتزحف صفوفها، وتتساقط القتلى والجرحى في ساحتها. وما أظن أن براعة الممثلين الأوروبيين تزيد كثيرًا عَلَى براعة الممثل العربي عزيز عيد في تمثيل دور الأخرس، فقد كان في تشنج أعضائه واختلال أعصاب نطقه عندما أُهِين في شَرَفه، وحركاته وإشاراته الناطقة، وانحلال عقدة لسانه، حينما فاجأه منظر انتحار ولده، مثالًا للبراعة الفائقة في التمثيل الطبيعي، البعيد عن التكلف والتصنُّع. كما لا أظن أن كثيرًا من الممثلين يستطيعون مجاراة ممثل دَوْر «بروشار» في تصوير الخِسَّة والدناءة والتكلف والتنطع، وأمثال ذلك من الصفات التي تلازم الرجل السافل الذي ينتقل دفعة واحدة إلى الطبقات العليا، بحادث فوق الأسباب الطبيعية. أمَّا رئيس الجوق، فقد كان نصيب المتفرجين منه، فوق جمال تمثيله وحسن تصويره، بتلك النغمات البديعة التي تأخذ بمجامع القلوب، وتملك عَلَى النفوس ميولها وأهواءها.
موسم ١٩١١-١٩١٢
بالأمس مثَّل صاحب «الرقيب» ونفر من إخوانه رواية «الخداع والحب»، فرأينا لأول مرة تمثيلًا متقنًا وإبداعًا في الإلقاء والإيماء، ولا سيَّما من ممثلَيْ دَوْرَيِ الحاكم وسكرتيره «وارم». كما سمعنا ثلاثة من خير المطربين في حفلة واحدة، وهم زكي مراد وزكي عكاشة والبلبل المغرِّد. أمَّا صاحب «الرقيب» الذي مثَّل بطل الرواية، فقد شهدنا منه إبداعًا في تمثيل المعاني وتصويرها، وصوتًا مقتدرًا عَلَى التنقل من نغمة الحزن إلى نغمة الحب فاليأس فالغضب فالانتقام، ولفظًا عربيًّا فصيحًا؛ ولذلك كان التصفيق له حادًّا والإعجاب عظيمًا. ولا عجب فهو أقدر ممثل شهدتْه المراسح العربية في العهد الأخير، وقد سُرَّ الأفاضل من الرواية، ولا عجب؛ فالمؤلِّف شولر والمعرِّب الدكتور نقولا فياض.
يمثِّل الجوق العربي مساء اليوم رواية «سارقة الأطفال» الشهيرة. وسيطرب الجمهور في خلال الفصول حضرة الممثل البارع الشيخ سلامة حجازي بصوته الرخيم، وسيقوم بأهم فصولها حضرة المبدع الشهير عبد الله عكاشة، وتصدح موسيقى الأوبرا بين كل فصل وآخَر. وفي الختام فصل مضحك جميل، فنحثُّ الجمهور للإقبال عليها، وخصوصًا لأنها ليلة الوداع الأخيرة.
موسم ١٩١٢-١٩١٣
علمنا اليوم أن حضرة عبد الله عكاشة وشقيقيه زكي وعبد الحميد قد انفصلوا عن جوق حضرة الممثل الشهير الشيخ سلامة حجازي، ولا نعلم الحقيقة بعدُ، غير أننا علمنا أن حضرات الثلاثة سينضمُّوا إلى جوق جورج أبيض.
وفي أول أبريل ١٩١٣ عرضت الفرقة بالأوبرا أيضًا مسرحية «الأفريقية» ليوسف حبيش، وكانت من تمثيل: عبد الله عكاشة، أحمد فهيم، محمد بهجت، حسن وصفي، زكي عكاشة، محمود رحمي، محمود حبيب، منسي فهمي، نجيب فهمي، مريم سماط، فكتوريا موسى، صالحة قاصين، حنة.
عزم جوق التمثيل المصري الذي يديره سليم عطا الله وأخواه عَلَى إحياء ليلة تمثيلية بدار التمثيل العربي في مساء الإثنين ليلة الثلاث الموافقة ١٢ مايو سنة ١٩١٣، وسيُمثِّل بها رواية «دموع البائسة»، وهي جديدة عصرية من نوع الروايات التي اعتاد تقديمها، والتي نالتِ استحسان كل مَن حضرها. وسينشد زكي وعبد الحميد عكاشة قصائد غنائية، وتُختم الحفلة بتقديم فصل مضحك يقوم به أحد مُديري الجوق أمين عطا الله.
موسم ١٩١٣-١٩١٤
سيمثِّل بتياترو الهمبرا جوق الممثل البارع عبد الله عكاشة في مساء السبت ٣ يناير سنة ١٩١٤ رواية «عائدة» الشهيرة، بعد أن استحضر جميع الملابس اللازمة لها من أوروبا، بما يزيد عن ماية وخمسين منظرًا. وستظهر لأول مرة عَلَى المراسح العربية بثوبها القشيب ومنظرها المبهج، وسيكون جميع الجوق المؤلَّف من سبعين ممثلًا حاضرًا في هذه الليلة، وستكون المناظر جميعها جديدة لم يَسبِق استعمالها. وسيُطرِب الحضور في خلال التمثيل بلبل مصر وأستاذ التمثيل العربي في هذه الديار حضرة الشيخ سلامة حجازي.
ومسرحية «فتح الأندلس» أو «طارق بن زياد» تأليف الشاعر التركي عبد الحق حامد بك، وتعريف فتحي عزمي، تدور أحداثها حول الحادثة التاريخية المشهورة، عندما قام طارق بن زياد بفتح الأندلس بأمرٍ من موسى بن نصير أيام خلافة الوليد بن عبد الملك، وذلك من خلال قصص عاطفية، أهمها قصة حب طارق لزهراء ابنة موسى بن نصير. فعندما تولى طارق مهمة فتح الأندلس طلب من موسى أن يزوِّجه بابنته زهراء، فوافق موسى بشرط أن يكون المَهْر رأس رودريق ملك الإسبان. وبناءً عَلَى هذا الشرط ذهب طارق لفتح الأندلس، وبالفعل هزم الأعداء وحصل عَلَى رأس رودريق وأرسلها لموسى. ولكن فتوحات طارق لبقية المدن الأندلسية دون أخذ الإذن بفتحها، وحب الجند والشعب الأندلسي لسماحته وبطولته، جعل موسى يحقد عليه ويحسده. وأمام هذه المشاعر أمر موسى بوضع طارق في السجن، وبعد فترة حاسب موسى نفسَه واعترف بخطئه فأفرج عن طارق وزوَّجه من ابنته زهراء.
موسم ١٩١٤-١٩١٥
نزفُّ إلى عُشَّاق التمثيل الراقي ومحبِّي الطرب أحسن بشرى تسر خواطرهم وتقر نواظرهم، ألا وهي أن جوق عبد الله عكاشة وإخوته قد عزم عَلَى تمثيل ثلاث روايات من أحسن وأجمل رواياته الأدبية، في تياترو حديقة الأزبكية، لمناسبة أيام عيد الفطر المبارك. حيث يقدم في الليلة الأولى رواية «طارق بن زياد»، وفي الثانية رواية «الكابورال سيمون»، وفي الثالثة رواية «هملت» الشهيرة. ويتخلل التمثيل مونولوجات جديدة ينشدها عبد الله عكاشة وإخوته زكي وعبد الحميد، مما يعهده فيهم الجمهور من رخامة الصوت وحسن الإنشاد. فضلًا عن مناظر الصور المتحركة الجميلة «سينماتوغراف». وتُطلب التذاكر من الآن من دار التمثيل العربي، وفي أيام التمثيل من الباب الغربي لحديقة الأزبكية.
سيحتفل في الساعة التاسعة من مساء اليوم بافتتاح دار التمثيل العربي الجديد، لأصحابه حضرات الأفاضل آل عكاشة، الكائن أمام الباب البحري لحديقة الأزبكية، باحتفال حافل، بعد تشييده مثل المراسح الأوروبية، من حيث الترتيب والزخرفة، وقد أعدُّوا له مناظر وملابس جديدة من الخارج. ولا يسعنا في هذا المقام إلا الثناء عَلَى حضراتهم. وسيُمثِّل في حفلة اليوم فصل واحد من إحدى روايات الجوقة الأدبية، وبعض قصائد يُلقيها بعض الخطباء، وقصائد ينشدها أفاضل الشعراء. ولا شك أن هذه الحفلة التي يفتح بها هذا الجوق ستكون بالغة منتهى الأبهة والجمال. ولا يفوتنا الثناء عَلَى حضرة الفاضل محمد عبد الغني، صاحب اليد البيضاء في تقدُّم هذا الجوق، فهو يقابل الزائرين بما جُبِل عليه من كرم الأخلاق وحسن الذوق، فنتمنَّى لهذا الجوق النجاح.
وكأمثلة لموضوعات هذه المسرحية نجد مسرحية «عفيرة» تدور أحداثها حول الأشعث بن الضحاك، الذي أحب غادرة زوجة صديقه، فرُزِق منها عفيرة، وكانت ذات جمال ودلال، فأحبَّها نحيح بن معن أخوها من أمها، عَلَى غير علم منه بذلك. فحالت غادرة بين الحبيبين مخافة الارتباط المحرَّم، فأرغمت عفيرة عَلَى الرحيل، ففارقت الأم والأخ والحبيب وتزوجت بشرزق، الذي قَتَل سليمًا أخا نحيح وعفيرة من الأم أيضًا، الذي الْتَجَأ إلى خباء نحيح طالبًا الغوث والنجدة من طالبي ثأر سليم، فأمَّنه نحيح عَلَى حياته، من غير أن يعلم بما جنتْه يد شرزق، ومن غير أن يعلم أنه ساحق فؤاده، ومزاحمه في عشيقته عفيرة، فما علم نحيح بالأمر الأول لم يَشَأْ أن يَغدِر في أمانه، ولا أن يخلَّ بشرف العهود طالبًا لثأر أخيه، ولما علم بالأمر الثاني وهو في خلوة مع عفيرة التي جاءت تشكره لحمايته بَعْلَها من الثائرين ضدَّه، صار يضمُّها إلى صدره مرة بعد الأخرى وشرزق يناديها من الخارج. فلما جاءت لتودِّعه الوداع الأخير أراد الانتقام لأخيه ومن أجلها، غير أن عفيرة ذكَّرتْه بما وعد من الأمان، فعصى الحبَّ وأطاع الشرف. ثمَّ اجتمع نحيح بعفيرة ثانية، فأخذ يُداعِبها كالمرة الأولى. وفيما هو كذلك فاجأهما شرزق، فثارتْ عنده ثائرة الغضب لهذا المنظر المؤلِم، فطالب نحيحًا بالقتال ليغسل عاره، فجاءت غادرة وحالت بينهما ومنعتْهما عن المبارزة، فسألها نحيح عن السبب، فأخبرتْه بحقيقة الأمر، فقتلها جزاء خيانتها، ثمَّ قتل الأشعث بن الضحاك لخيانته، ثمَّ وأد عفيرة.
أمَّا مسرحية «أورلنده ملكة بولونيا» فتدور أحداثها حول مؤامرة من رهبان مملكة بولونيا بمساعدة جورجيو، للتخلص من الملكة أورلنده، بسبب فجورها وعلاقاتها الغرامية. وكان الهدف الأساسي من قتل الملكة اعتلاء زوجها جورجيو العرش؛ حيث إنه من أنصار الرهبان، ويتم اختيار الراهب الشاب دانيلو للقيام بمهمة اغتيال الملكة يوم السادس من أبريل. ونعلم أن دانيلو دخل الدير لأنه كان متسوِّلًا هو وأخوه، وأثناء نومهما في الطريق مرت امرأة وأخذتْ أخاه. وعندما يحضر دانيلو أمام الرهبان، ويعلم أنه سيقتل امرأة يرفض المهمة؛ لأنه يعشق امرأة، ومن أجلها يرفض إيذاء أية امرأة أخرى. فلم يجد كبير الرهبان إلا أن يُخبِره بأن المرأة المراد قتْلُها هي المرأة التي أخذتْ أخاه وقتلتْه، وأمام هذه الحقيقة يقبل دانيلو المهمة. وتنتقل الأحداث إلى قصر الملكة أورلنده، حيث نراها تتنكر في شكل خادمة، وتذهب ليلًا لمقابلة حبيبها في حديقة القصر، ونُفَاجَأ بأن حبيبها هذا ما هو إلا دانيلو، وبعد لقاء غرامي تطلب أورلنده من دانيلو أن يذهبا إلى كوخ بعيد عن القصر.
وفي هذا الكوخ يعيش الحبيبان ليلة كاملة، وفي الصباح تحضر إحدى الجاريات وتُخبِر الملكة بأن امرأة تريدها في أمر مُهِمٍّ، وتقابل الملكة المرأة وتعلم أنها فتاة إحدى الحانات، ساقتْها الظروف لأن تسمع مؤامرة تُدبَّر ضدَّ الملكة من قِبل زوجها وبعض الرهبان، وأنها ستُقتل غدًا بِيَدِ شابٍّ من الرهبان. وفي أثناء حديثهما يتقلَّب دانيلو أثناء نومه، فتراه المرأة وتصرخ للملكة بأن هذا الشاب النائم هو الشاب الذي سيقتلها غدًا. وفي الغد تقوم الملكة بتسهيل الأمور حتى يستطيع دانيلو أن ينفِّذ خطته، وعندما يهم بطعنها وهي تتصنَّع النوم يكتشف أنها حبيبته، فيتراجع عن القتْل أول مرة، وعندما يتذكَّر أخاه ومقتله عَلَى يد هذه المرأة يحاول طعنها مرة أخرى، ولكنها تستيقظ وتواجهه وتُقسِم له أن أخاه ما زال حيًّا، وهو زوجها الآن جورجيو، وأمام هذه الحقيقة يتراجَع عن قتْلها. ولكن جورجيو وبقية الرهبان يحضرون في هذه اللحظة، ويتهمون الملكة بجريمة الخيانة الزوجية مع دانيلو، ويأمرون بقتْلها مع عشيقها بضربة واحدة، ومن ثمَّ تنتهي المسرحية.
أمَّا مسرحية «ورقة الآس» لأحمد شوقي — وهي في الأصل قصة — فتدور أحداثها حول حب النضيرة ابنة ملك العرب لسابور قائد الفرس وعدو وطنها، وبدافع هذا الحب تساعد النضيرة القائد سابور في الاستيلاء عَلَى مدينة أبيها، وكانت مكافأتها الزواج من سابور. ولكن الأحداث بين الزوجين تتغيَّر، مما يجعل النضيرة تنقلب عَلَى زوجها، وتنكشف خيانتها لوالدها وللعرب. وبعد أحداث كثيرة يتم الصلح بين ملك العرب وبين القائد سابور، وتنتهي المسرحية بمقتل النضيرة جزاء خيانتها.
وبجانب هذه العروض كانت الفرقة تقدِّم الفصول المضحكة من محمد كمال المصري (شرفنطح)، وفوزي الجزايرلي، والمقطوعات الغنائية من توحيدة والسيدة اللاوندية وزكي مراد، والقِطَع الموسيقية من سامي الشوا وعبد الحميد علي، هذا بالإضافة إلى ألعاب التنويم المغناطيسي. وفي هذا الموسم ظهر بعض الممثلين ضمن أفراد الفرقة، ومنهم: حافظ نجيب، محمد يوسف، حسين حسني، ماري إبراهيم، لبيبة فارس.
… رأينا فيها عيوبًا فاضحةً ألجأنا الحق إلى إظهارها، وقع المؤلِّف والممثِّلون في غلطات وَصَمَتِ العربَ، وخَالَفَتْ عوائدهم. وغريب جدًّا ألَّا يختار المؤلف مما اشتُهر به العرب، كما يشهد التاريخ، إلا الحب والغرام، وليتَه كان عُذْريًّا بل حبٌّ أدَّى إلى الزنى وسفك الدماء … ومن ذلك يظهر جليًّا أن الرواية لم تمثِّل العرب، إلا في الحب والخيانة ووأد البنات أحياء. فهل ضاق أمام المؤلف أمثال شجاعتهم النادرة، وكرمهم الجم، وقوة إرادتهم، وشدة ذكائهم، وغيرها من الأمثال التي وسَّعَتْ نطاقَ مُلْكهم، فجعله يمتدُّ من الهند والصين إلى حدود فرنسا شرقًا. وكان بودِّي أن أبيِّن الانتقادات واحدة بعد الأخرى، غير أنها لكثرته الخاصة بالرواية لا أرى إلا أن المؤلِّف إما أن يُصلِح موضوعها وإما أن يجعلها في سلة المهملات. أمَّا انتقاداتي بخصوص الممثلين، فإني أبسُطُها ليتلافَوْها؛ إذ جلُّ أمانينا أن يسيروا إلى الأمام خطوات واسعة، فأقول إن أبا صخري كان لكِبَر سِنِّه البالِغ عَلَى ما قدَّره بعض الظرفاء لطول ذقنه تسعين سنة عَلَى الأقلِّ، كان يمشي مشية الرجولية دون أي انحناء ولو قليلًا، مع أنه يمسك عكَّازًا في يده ما كان إلا ليتوكَّأ عليه، وكان يتكلم بصوت الشباب، وأؤكِّد أن ممثل هذا الدور هو حسين حسني لولا هذه الدقائق لنال استحسانًا عظيمًا، كما نال محمود حبيب ممثل دَوْر الأشعث بن الضحاك. أم شرزق وهو زكي عكاشة، فنأمل منه مراعاةً لذوق التمثيل أن يخلع خاتمه الألماس مرة أخرى إذا مثَّل عربيًّا في «عفيرة» و«القضاء والقدر». أمَّا بقية الممثلين فكانوا لابسين أحذيتهم العادية، وهذا ما لم تعهده العرب، فنرجوهم مراعاة ذلك حتى لا ينتقدهم منتقد. وإذ ذكرنا الممثلين فلا ننسى ممثلة دور عفيرة، فإنها لم تَلحَظ ذوقَ نساء العرب في ملابسهن وكلامهن وحركاتهن؛ إذ كانت مرتدية ثيابًا تبيِّن زنديها، وكانت جامدة في حركاتها، وصوتها فكان خافتًا جدًّا، بخلاف الست مريم سماط التي ألبستْ دَوْر غادرة لبوسًا جليلًا، فأعجب بها الجميع أيما إعجاب، وبرهنت حقيقةً عَلَى أنها الأولى بين زميلاتها.
ومن أهم الأحداث الخاصة بفرقة عكاشة في هذا الموسم الصراع مع فرقة جورج أبيض حول مسرحية «صلاح الدين وفتوحاته» تأليف فرح أنطون. وتتلخص القضية في أن فرح أنطون تعاقد مع جورج أبيض بخصوص هذه المسرحية في أبريل ١٩١٤، مقابل أقساط مالية محددة، وتمثيل ليلة خاصة للمؤلِّف. ولكن الأقساط لم تُدفع بكاملها، ولم تُمثِّل الفرقة الليلة الخاصة بالمؤلف، ولم تمثِّل المسرحية عَلَى الإطلاق. وعندما طالب فرح أنطون بحقه أبلغه جورج أبيض بأنه باع المسرحية لمتعهِّد إيطالي لمدة سنتين، وعليه مطالبة المتعهد بباقي الأقساط.
وفي مارس ١٩١٥ باع فرح أنطون المسرحية نفسَها لفرقة عكاشة، التي أعلنَتْ عن تمثيلها بدار التمثيل العربي يوم ١٦ / ٣ / ١٩١٥، وقبل العرض اقتحم محضر المحكمة المختلطة ومأمور قسم الأزبكية المسرح؛ لينفِّذا حكم قاضي الأمور المستعجلة بالحصول عَلَى جميع نسخ المسرحية من المخرج والممثلين والملقن؛ للحفاظ عَلَى حق المتعهد الإيطالي. فخرج المؤلف إلى الجمهور وشرح لهم الأمر، وأعلن أن المسرحية ستمثَّل اليوم. وبالفعل قام الممثِّلون بالتمثيل دون نُسَخ ودون ملقِّن، معتمدين عَلَى الذاكرة والتدريبات السابقة.
موسم ١٩١٥-١٩١٦
- الأول: عروض قديمة أعادت فرقة عكاشة عرضها، وشارك في تمثيلها عزيز عيد، ومنها: «عبرة الإبكار»، «اليتيمتين»،٦٢ «الكابورال سيمون»، «عائدة»، «العواطف الشريفة»، «تسبا»، «غانية الأندلس»، «القضية المشهورة»، «عواطف البنين» أو «الزوجة الطريدة»، «ابنة حارس الصيد»، «تليماك»، «خليفة الصياد»، «القضاء والقدر»، «صدق الإخاء»، «عظة الملوك»، «عائدة»، «طارق بن زياد»، «البريئة المتهمة»، «شهداء الغرام»، «هملت»، «صلاح الدين الأيوبي»، «عبرة القضاء».٦٣
- الثاني: عروض جديدة قدَّمتها فرقة عكاشة ولم يمثِّلها جوق الكوميدي من قبلُ، وشارك فيها أيضًا عزيز عيد، ومنها: «الطواف حول الأرض»، «حادثة جرنجوار مع الملك لويس الحادي عشر» ترجمة عزيز عيد، «اليد السوداء» تعريف محمد توفيق، «الفرسان الثلاثة» تأليف إسكندر ديماس وتعريب ميخائيل بشارة، «الميت الحي» لمحمد لبيب أبي السعود، «مصرع الزباء» تأليف محمد عبد المطلب،٦٤ «زفاف النوتي».٦٥
- الثالث: عروض فودفيلية، خاصة بجوق الكوميدي العربي، وقدَّمتْها فرقة عكاشة، ومنها: «خلي بالك من أميلي» تأليف جورج فيدو تعريب أمين صدقي، «الزوج ذو الوجهين»، «المدموازيل جوزيت مراتي»، «الابن الخارق للطبيعة»، «عندك حاجة تبلغ عنها»، «حماتان عَلَى رجل واحد» أو «مباغتات الطلاق»، «يا ستي ماتمشيش كده عريانة»، «القرية الحمراء» تعريب أمين صدقي.٦٦
وقد ظهر في هذا الموسم بصورة لافتة للنظر بعض الممثلين، سواء من جوق الكوميدي العربي أو من فرقة عكاشة. فمِن ممثلي الجوق الكوميدي ظهر: نجيب الريحاني، محمد يوسف، محمد بهجت، أمين عطا الله، روز اليوسف. ومن فرقة عكاشة ظهرت: نهوى حسني، مريم سماط، عمر وصفي.
أمَّا المشكلة الكبرى التي تعرَّضت لها فرقة عكاشة في هذا الموسم، فتمثَّلت في تمثيل المسرحيات الفودفيلية، الخاصة بجوق عزيز عيد، باسم فرقة عكاشة، وعرضها بدار التمثيل العربي. وعلى الرغم من تمثيل هذه المسرحيات، من قِبَل فرقة عزيز عيد عام ١٩٠٧، إلا أنها لم تُهاجَم وقتَها، بمثل ما هوجمت به في هذا الموسم. وترتب عَلَى ذلك قضية رأي عام، شاركت فيها معظم الجرائد المصرية، بمجموعة كبيرة من المقالات، بصورة يومية لمدة شهرين، وبالأخص في جريدتي «المنبر» و«الوطن» حيث تحوَّلت القضية فيهما إلى معارك فنية وأدبية.
… إن بعض دور الصور المتحركة (السينما) كانت تحظر في بعض الحفلات عَلَى السيدات والآنسات شهود بعض المناظر، هكذا يفعلون في دور الصور المتحركة، ولكن في دار التمثيل العربي لإخوان عكاشة تُمثَّل أمامنا مناظر الفضائح مجسَّمة ناطقة بخلاعة مستنكَرة. وقد يلتمس بعض العارفين لعبد الله عكاشة عذرًا له في تمثيل هذه الفضائح في داره؛ إذ يقولون إن الحظ العاثر قد أدركه، والأزمة أخذتْ بخناقه، حتى إنه في تمثيل لياليه العادية إنما يتفرج هو وممثلوه وموزِّعو إعلاناته عَلَى التمثيل، يضم إليهم نفر، لا يكادون يُعدُّون عَلَى أصابع اليدين والرجلين. وبهذه الوسيلة تدركه الخسارة، حتى إن دخْل ليلته لا يوازي قيمة طبع الإعلانات التي يلصقها أو يوزعها. ويقولون إن بعض أصدقائه زيَّن له انضمام جوقة الكوميدي إليه، تحايلًا عَلَى العيش والكسب، ولكن الحياة الفاضلة تدعو إلى القناعة بالقليل من الكسب مع الشرف والفضيلة، دون الكثير مع الفضائح والعار والرذيلة. وعندي أنه لأسلم له والخير أبقى أن ينقطع إلى عقر داره، لا أن يكون عونًا ونصيرًا لتفشِّي وباء هذه الرذيلة الجانية.
وفي ٢١ / ٢ / ١٩١٦ نشرت الجريدة أول مقالة تُناصِر الفودفيل، وتُهاجِم خطاب الآنسة المتفرِّجة، بتوقيع محمود خيرت المحامي. فقامت الآنسة بكتابة مقالين كردٍّ عليه في ٢٣ و٢٤ فبراير تحت عنوان «نَعَم، الفودفيل مفسدة الأخلاق»، أتتْ فيهما ببعض الأقوال المنطقية، مثل قولها: «مسرحيات «خلي بالك من أميلي»، و«يا ستي ما تمشيش كده عريانة»، و«عندك حاجة تبلغ عنها»، و«ليلة الزفاف» فيها من المشاهد المخزية الظاهرة ما تتحرَّج له الصدور الكريمة، ومن الألفاظ الفاحشة والمشاهد الشائنة ما لا يسوغ أي ذوق مهما بلغ من الجمود. بل كيف يجوز في نظر حضرته ولو لأحوال خاصة أن يُمثَّل السرير بمَن فيه بالمرسح، وأن تُلقَى عَلَى الأسماع ألفاظ لو سمعها المارُّ في الطريق من السوقة أو الرعاع للَعَنَ قائليها ألف مرة ومرة.»
هذا النوع من التمثيل ليس من الأدب في شيء، بل هو شائن له، مُزْرٍ بكل عالق كَلِف به من الأدباء … إن الفودفيل مضيع للفضائل، عابث بالأخلاق، مُكسِب للرذائل. وفي ذلك ما فيه من سوء المَغَبَّة، وقُبْح الغاية، وإفساد وإضلال الأفراد والجماعات … إن القائمين بأمر الفودفيل اليوم … لجئوا إلى شرِّ الروايات، وأقذرها، وأشدِّها خطرًا عَلَى الآداب، أمثال: «عندك حاجة تبلغ عنها»، و«خلي بالك من أميلي»، و«يا ستي ما تمشيش كده عريانة». ففي الأول يتباهى الممثلون بخلع أثوابهم، وتبادلها أمام الجمهور. وفي الثانية يَنعَم عزيز عيد بلذَّة النوم مع ممثلته الأولى في فراش واحد، وفي الثالثة … ولكن ماذا عسى أن أفعل؟ أأدنِّس قلمي بسرد حوادث تلك الموبقات؟ إني لأخجل من ذكرها، وأخشى أن أسبِّب للقارئ انزعاجًا أو اشمئزازًا.
روايات الفودفيل حاضَّة عَلَى الرذائل المُثِيرة للشهوات … لا يُعنَى بها ناقد، ولا يُعِيرها كاتب أهمية. فإن الناقد يربأ بقلمه أن يدنِّسه بنقد فضائحها، والكاتب يتنزَّه عن أن يخط كلمة في وصفها، وأمَّا ما نقرؤه أحيانًا في مدحها، فإنه مدح مأجور يكتبه فريق من الكُتَّاب والنقاد. ولكن بضاعتهم المزجاة، لا تَرُوج إلا عَلَى نفر من السُّذَّج، وطائفة من الجُهَّال. أمَّا مؤلِّفو الفودفيل أنفسهم، فهم فئة نبذتْهم الإنسانية الكاملة، ولفظتْهم الآداب الفاضلة، لا فرق بينهم وبين أصحاب دُور المَيْسِر … ولو جدَّتِ الحكومات في محاربة الميسر واستئصاله من البلاد … فأخْلَقُ بها أن تكون جادَّة كذلك، في منع تمثيل هذا النوع من التمثيل الشائن الساقط، صيانة للآداب … إن الفودفيل نوع من التمثيل الساقط، وليس من الأدب في شيء. وأنه في حلته العربية العامية، أسمج وأقبح منه في أية حلة سواها. وليفخر عزيز عيد بعد ذلك، بأنه مبتكر فن الفودفيل في مصر … وليفخر مَن يعرِّب الفودفيل، بأنه مُحيِي اللغة العامية عَلَى المسارح … فكلاهما عاملان مجدَّان، عَلَى أعفاء أثر البقية الباقية من أخلاقنا وكرامتنا، اللهم إلا إذا أثارت النخوة في النفوس، وعاونت الحكومة الجمهور، في إيقاف هذا الفساد العاجل.
إذا شهدتَ تمثيل رواية «عندك حاجة تبلغ عنها» شاهدتَ … حثًّا عَلَى الزنا، وحضًّا عَلَى الفحشاء. يُقارِب هذا ما جاء في رواية أخرى من هذا النوع الساقط، من أن الإنسان الذي يريد أن يكون من أهل الكياسة والمعرفة، ملزم بتجريب طبقات ثلاث من النساء، فيتخذ عشيقاته من الخادمات أوَّلًا، ومن المُومِسات ثانيًا، ومن المتزوجات ثالثًا. بأمثال هذه الآراء الفاسدة، والمبادئ الساقطة، تُستثار الشهوات، وتحبَّذ المساوئ، ويُحَضُّ عَلَى المخازي، ويُحَثُّ عَلَى الموبقات. عَلَى أن ما حَوَتْه هذه الرواية من الفضائح، لا يُعَدُّ بجانب ما تحويه رواية «خلي بالك من أميلي» ورواية «يا ستي ما تمشيش كده عريانة»، فإن مؤلِّفهما قد أربَى فيهما عَلَى القحة والفحش. أفبعد هذا لا يُقال بأن الفودفيل خطر عَلَى الآداب؟
ننشد معونة الحكومة، وننبِّهها إلى الخطر الداهم، حتى تفلَّ تلك الأيادي العاملة عَلَى تضليل العقول وإفساد النفوس بنشر هذا النوع من التمثيل الساقط … ليس إلا واجب واحد، عَلَى الحكومة إزاء الفودفيل وهو منعه ومصادرته! … وإذا كان المنع من شأنه، إبعاد مضرة عن الجمهور، فأخلق بالحكومة أن تُباعِدنا شرًّا تستطيره هذه الروايات العابثة بالآداب، المفسدة للأخلاق، المُثيرة للشهوات. إن فعلَتِ الحكومة ذلك، ولا نخالُها إلا فاعلة، فقد تطمئنُّ نفوسُنا.
أطلب من أجواق التمثيل عامة، ومن عبد الله أفندي عكاشة وعزيز أفندي عيد خاصة، أن يبطِّلوا تلك الروايات، ويمثِّلوا لنا القصص التاريخية التي تبعث في النفس التمسك بالفضيلة، والتخلِّي عن الرذيلة، وهم عَلَى ذلك قادرون، إن شاءوا، أن يأخذوا بِيَد أمَّتِهم الضعيفة إلى مراقي الفلاح، وليعلموا بأن ذلك النوع «الفودفيلي» لا يُلائِم أحوالَ بلادنا لما يأتيه الممثلون مع الممثلات عَلَى المراسح من الأعمال، التي يَحمَرُّ لها وجه الفضيلة خجلًا، والله مع العاملين.
لا يمكن للأستاذ خيرت أن ينكر ذلك، وهو يعلم أن عبد الله عكاشة عطل غير مرة تمثيل رواياته لعدم الإقبال عليه. ولعل السبب في عدم هذا الإقبال راجع، عَلَى ما أدري إلى تسويفه تمثيل هذه الروايات المُخجِلة الفاضِحة، في دار يُقال لها دار التمثيل العربي. فأنِف الفُضَلاء والفُضْلَيات من الآنسات والسيدات تشجيع دار يُقال إنها مدرسة للفضيلة، والرذائل تُمثَّل فيها مكشوفة عارية مجسَّمة.
الكُتَّاب والأدباء الذين كتبوا في هذا الموضوع يخطئون في طلب مداخلة الحكومة لمنع هذه الروايات، ويجب الاكتفاء بمداخلة الرأي العام، وقد كان الرأي العام ذا تأثير فعَّال في هذه القضية؛ لأن جوق حضرات عبد الله عكاشة وإخوته، اضطُرُّوا أن يوقِفوا وقتيًّا تمثيل روايات الفودفيل، بعد ما شَهِدوه من قيام الناس عليهم … إن كان الربح هو المقصود فقط، بقطع النظر عن الفن والأدب ورُقِيِّ الأخلاق التي هي أغراض المراسح، فالأفضل إذن أن تُجعَل المراسح قهوات تمثيلية، تَسقِي فيها النساء البيرة، ويكون الربح أعظم بكثير. إن مجرد الربح وحده لا يكفي في تبرير الأعمال الشاذة في وسط شرقي كوسطنا.
أذكر لحضرته أن الممثل الفني عزيز أفندي عيد، منشئ نوع الفودفيل في مصر، قد أخبرني بعد تمثيل روايته الأخيرة التي قامت عليها القيامة، إنه وجوق حضرات عبد الله عكاشة وإخوته، عقدوا النية عَلَى ترك الفودفيل غير الأدبي، والاقتصار فيما يمثِّلونه من الروايات الجديدة، عَلَى الفودفيل الأدبي، مثل رواية «مباغتات الطلاق» و«الابن الطبيعي» و«حادثة شارع لورسين»، أي إن رواياتهم الجديدة تكون أدبية، وقد سمعتُ مثل هذا الخبر أيضًا، من فم حضرة الأديب أمين أفندي صدقي الذي يعرِّب للجوق رواياته. وسمعتُه أيضًا من أحد أصحاب جوق عكاشة وإخوته، المنشد اللبق زكي أفندي عكاشة. وبناءً عَلَى ذلك لا يَبقَى خلاف أو نزاع في هذا الموضوع، وكل حق أصبح مصونًا: حق حرية التمثيل، وحق الأدب، وحق الجوق الذي يمثل الفودفيل. وإذا أبطل جوق عكاشة وعزيز عيد ذلك النوع، واستمر الأدباء يتناقشون في هذا الموضوع، بعد هذا النبأ كان للمسألة وجوه أُخرَى لستُ ممَّن يدخلون فيها.
والْتَزَم فرح أنطون بذلك فلم يكتب في هذا الموضوع، ولكن ميخائيل أرمانيوس استمر في مقالاته، فكتب يوم ١٦ مارس مقالة، جاء فيها بأقوال لنجيب الريحاني وروز اليوسف كدفاع منهما عن التمثيل الفودفيلي. وفي يوم ١٨ مارس كتب مقالة أخرى هاجم فيها أقوال فرح أنطون، ودافع فيها أيضًا عن الفودفيل، فردَّ عليه آخَر بمقالة في يوم ٢٠ مارس جاءت بتوقيع بنتاءور. فكتب ميخائيل أرمانيوس ثلاث مقالات متتالية، في أيام ٢٣ و٢٤ و٣٠ مارس هاجم فيها فرح أنطون، ومدافعًا فيها عن الفودفيل.
انتهتِ القضية أخيرًا، وتوقفتِ الصحف عن نشر المقالات، فقد انتصر الرأي العام، وامتنع الجمهور عن الإقبال عَلَى مشاهدة المسرحيات الفودفيلية، وامتنعتِ الفرق عن تقديمها وبالأخص فرقة عكاشة التي عادت إلى سيرتها الأولى في تقديم المسرحيات الغنائية والتاريخية. وأمام هذا لم يجد عزيز عيد مفرًّا من أن ينسحب بجوقته من فرقة عكاشة، ويلجأ إلى تقديم مسرحياته في مكان آخَر. وبذلك توقف التعاون بين الجوق الكوميدي العربي بقيادة عزيز عيد، وبين فرقة عكاشة في مايو ١٩١٦.
موسم ١٩١٦-١٩١٧
رأى جماعة من وجوه العاصمة وأفاضلها الحالة التي صار إليها فن التمثيل العربي، وسمعوا بخبر الشركة التي أرادت في الإسكندرية ترقية التمثيل الإفرنجي، فأخذتْهم الغَيْرة عَلَى هذا الفن الجميل، الذي هو وسيلة من وسائل الرُّقِيِّ والنهوض وترقية الشعب. فاجتمعوا وقرروا إنشاء شركة رأس مالها يتراوح بين ٤ آلاف جنيه و٦ آلاف جنيه، وغرضهم إحياء فن التمثيل العربي بإنشاء جوق جديد يعمل بحسب أصول الفن، ويكون هذا الجوق مستقلًّا عن الأجواق الموجودة، ومسمًّى باسم جديد … وقد شاع في وسط التمثيل، أن الشركة تنوي طلب تياترو حديقة الأزبكية، لكي تُصلحه وتتخذه مرسحًا لها … وقد شرعت الشركة في كتابة صيغة عقد الاتفاق … والأسماء التي شرعت في تأسيس هذا العمل العمومي المفيد كفيلة بنجاحه؛ لأن أصحابها من أهل الكفاءة والفضل والشهرة في الاقتصاد والتجارة.
وعلى الرغم من أن هذه المعلومات مبهمة، ولا تدل عَلَى حقيقة هذه الشركة، ولا أسماء أصحابها، ولا تشير إلى الفرقة التي وقع عليها الاختيار. إلا أننا سنعلم فيما بعد، أن هذه المعلومات، تخص فرقة أولاد عكاشة.
وبجانب العروض السابقة كانتِ الفرقة تقدِّم الفصول المضحكة من محمد ناجي، والقِطَع الموسيقية من محمود خطاب، والغناء من زكية الشامية، وبعض ألحان محمود رحمي. وتميز من الممثلين في هذه العروض: أحمد فهمي، عبد الله عكاشة، محمد يوسف، عبد الحميد عكاشة، محمد بهجت، نهوي حسني، محمد أمين، حسن حبيب، علي حمدي، الشيخ إبراهيم أبي السعود، حسن كامل، السيد جمال الدين، عثمان حلمي، أحمد ناجي. أمَّا الملقِّن فكان محمد أبو عمة.
شركة ترقية التمثيل العربي، شركة توصية بأسهم، عبد الله عكاشة وإخوته وشركاؤهم
تتشرف بإعلان الجمهور بأنها اتَّخذت مؤقَّتًا محلًّا بمكتب إدارتها، بشارع الخليج خلف الكُتُبخانة السلطانية، في شارع محمد علي في الدور الثالث، تليفون ٣٤٠٥، وأنها ستُحيِي في دار الأوبرا تحت رعاية حضرة صاحب العظمة مولانا السلطان، اثنتي عشرة ليلة، تبدأ يوم ٨ فبراير المقبل، تُمثِّل فيها جملة روايات. وأخذت تستعدُّ من الآن لإتقانها، حتى تحوز رضى الجمهور، واستحسان محبِّي الأدب، وأنصار التمثيل، والله — تعالى — ولي التوفيق. والمخابرة حضرة محمود عزت، مأمور إدارة الشركة.
شهد الجمهور ليلة الجمعة الماضية، تمثيل رواية «أبي الحسن المغفل» في الأوبرا السلطانية، وكانت غاصَّة به. فخيل إليه أنه يرى حقائق واقعية؛ ذلك لأن الممثلين والممثلات أبدعوا في تمثيلها إبداعًا، ملأ أفئدة الحضور سرورًا، وجعلهم يوقنون أو «الجوق العكاشي» نهض نهضة كبرى، لم تكن متوقعة في ذلك الأمد القصير. وأنه عَلَى قاب قوسين أو أدنى من الكمال، الذي نتمنَّاه ونرغب فيه. لم تكن الرواية حديثًا الوجود، ولا عظيمة المغزى، ولا رائعة المناظر، ولا قوية اللغة. ولكن براعة الممثلين أكسبتْها جمالًا جعلها خيرًا من الروايات العظيمة بذاتها، وكذلك يفعل التمثيل الصحيح. رأينا النابغة محمد بهجت بطل الرواية يمثِّل أبا الحسن المغفل، فرأينا الغفلة الفطرية، والسذاجة الطبيعية، وأمعنَّا النظر في جميع حالاته علَّنا نجد عيبًا نرشده إليه ليتجنَّبه حين يعود لتمثيله مرة أخرى، فلم نجد غير الإبداع في جميع أدوراه، سكرانًا ومفيقًا، مؤمِّلًا ويائسًا، خليفةً وصعلوكًا، ذكرًا أو أنثى، عاشقًا مؤمِّلًا ومعرضًا عنه قانطًا. وإذا ذكرنا بهجت وإجادته، فلا ننسى أبدًا حضرة أحمد فهمي، ممثل دور عرقوب خادم أبي الحسن، وحضرة الممثل المطرب عبد الله عكاشة وأخويه الممثلين المطربين، ومحمد يوسف وتوفيق ظاظا، والممثلات فكتوريا موسى ومريم سماط ونهوى حسني وجراسيا قاصين، فلقد أجادَ كلٌّ منهم دوره إجادةً دلَّت عَلَى أنه خَلِيق للتمثيل. وإذ نحن أثنينا عَلَى التمثيل، فلن يفوتنا الثناء عَلَى حضرة الموسيقار البارع محمود خطاب رئيس الموسيقى الوترية، ومحمود رحمي واضع ألحان الرواية، فقد أبدعا إبداعًا جعل الحضور يقولون إن في مصر موسيقيين.
موسم ١٩١٧-١٩١٨
ومسرحية «الخليفة الظافر» تدور أحداثها حول حبٍّ نشأ بين الأمير الظافر وبين غصن البان شقيقة ابن تميم، وتدور أيضًا حول حبٍّ آخَر نشأ بين نصر بن تميم وبين أسماء ابنة الظافر. ولكن أطماع ابن تميم دمَّرت هذا الحب؛ حيث إنه طمع في عرش الظافر؛ لذلك دبَّر خطة بمساعدة ابنه نصر كي يستدرجا الظافر إلى منزلهما، واحتالا عَلَى ذلك بخطاب وقَّعت عليه أسماء دون أن تعلم فحواه؛ لأن ابن تميم أغراها بعقد من اللؤلؤ حيث إنها مغرمة بالجواهر. وهذا الخطاب عبارة عن استنجاد من أسماء إلى أبيها، تُخبِره بأن بعض اللصوص خطفوها، وسجنوها في منزل ابن تميم ولابد من نجدتها. وبالفعل يحضر الأمير ويتم قتلُه بِيَد ابن تميم ونصر. بعد ذلك يذهب ابن تميم إلى قصر الظافر ويُخبِر الجميع بأن الظافر قُتِل بخنجر وجده في غرفة الأميرين يوسف وجبريل شقيقَيِ الظافر. وهكذا استطاع ابن تميم أن يعتلي العرش بعد أن تخلَّص من الظافر وشقيقيه. وأمام هذه الأمور تستنجد غصن البان بالأمير الصالح بن زريك، حتى يخلِّص البلاد من ظلم شقيقها ابن تميم، ولينتقم لحبيبها المقتول الظافر. كما نجد نصرًا وقد تزوج من أسماء، ولكنه أُصيب بالجنون، حيث إن دم الظافر يطارده في كل مكان، وبعد عدة أيام استطاع فيها ابن تميم أن يتنعَّم بملذَّات الحياة، جاء الصالح بن زريك لنجدة البلاد، فهرب ابن تميم مع ابنه نصر. وبعد مطاردة كبيرة لهما من قِبَل جنود الصالح يتم القبض عليهما، فيُصاب ابن تميم بالجنون، حيث إن دم الظاهر يطارده أيضًا، وبعد صيحات الجنون وتصرفات النادم عَلَى أفعاله يموت ابن تميم، وتنتهي المسرحية.
موسم ١٩١٨-١٩١٩
موسم ١٩١٩-١٩٢٠
ومسرحية «الشريط الأحمر» تدور أحداثها حول أسرة عاكف بك قائمقام في البوليس، وهي أسرة متكوِّنة من زوجته لبيبة هانم وابنته حكمت، ويعيش معهم أيضًا حقي بك القاضي بالمحاكم الأهلية، المتزوج من إحسان هانم شقيقة لبيبة، والشيخ عبد الحق والد حقي، وعبد التواب عسكري المراسلة لعاكف، وزوجته ظريفة خادمة المنزل. وهذه الأسرة تعيش في سعادة وهناء، رغم تأخُّر عاكف كل ليلة حتى الفجر، وعندما تسأله زوجته عن سبب هذا التأخير يقول لها إن السبب هو ظروف عمله في البوليس، حيث كان يضبط واقعة ما. وفي ليلة أرادتِ الأسرة أن تذهب إلى المسرح، فاعتذر عاكف بسبب عمله، كما اعتذرت ظريفة الخادمة لأن أعمال المنزل كثيرة. وفي الصباح نجد ظريفة تدخل عَلَى عاكف مكتبه في المنزل وتقدِّم له القهوة، فيمسك يدها بدلال، ويحدث تقبيل وضمٌّ بينهما، ونفهم من الحوار أن لقاءً محرَّمًا تمَّ بينهما في الليلة الماضية، عَلَى غرار ليالٍ أخرى سابقة، بل وكانت ظريفة تذكِّره بمحمد ابنهما، الذي نسبتْه إلى زوجها العسكري عبد التواب.
وفي أثناء ذلك كان عبد التواب يتسمَّع لحوارهما، فيدخل عليهما فيرى زوجته في أحضان سيده، فيُظهِر لهما بلاهةً وغباءً كأنه لم يسمع ولم يَرَ شيئًا، فيقوم عاكف بإنهاء الموقف سريعًا وهو مضطرب، فيقع منه خطاب عَلَى الأرض. وبعد انصراف الجميع تدخل لبيبة وترى الخطاب، ومِن ثمَّ تقرؤه فتجده خطابًا غراميًّا من سيدة متزوجة إلى زوجها عاكف تعتذر له عن موعد سابق كان بينهما في تياترو البدع، ولكنها لم تستطع الحضور؛ لأن زوجها لم يترك لها مجالًا للخروج. وفي المساء نجد عاكف بك مع أصدقائه في تياترو البدع في حالة سكر شديدة، وبجوارهم يجلس رجل متنكِّر، وهو مدير البوليس الذي كان في مهمة رسمية لمراقبة تصرفات عاكف. وبعد قليل تدخل التياترو سيدة ذات برقع عَلَى وجهها، فيتراهن الجميع عَلَى الإيقاع بها، ومن ثمَّ يتقدَّم إليها عاكف، وبعد حوار طويل بينهما يشكو لها عاكف من قُبْح منظر زوجته وغبائها، ويُقارن ذلك بجمالها وذكائها، وأخيرًا يطلب منها أن ترفع البرقع، وعندما تفعل ذلك يجد عاكف زوجته لبيبة أمامه.
وفي اليوم التالي يُوقَف عاكف عن العمل ويتمُّ وقْف راتبه أيضًا بأمر من مديره، كما تطلب لبيبة منه الطلاق والتنازل عن حضانة ابنته، ولكنه يرفض ويحاول أن يستدرَّ عطفها وشفقتها عَلَى أمل نسيان الماضي، ولكنها كانت تصدُّه. ثمَّ بعد ذلك تعلم لبيبة بعلاقة زوجها مع الخادمة ظريفة، وأنه أنجب منها ولدًا نسبه إلى العسكري عبد التواب. وتظل القطيعة بين الزوجين فترة، فتفكر لبيبة في طريقة لإرغام عاكف عَلَى الطلاق والتنازل عن ابنته، خصوصًا وأنها تعلم أنه ما زال يخونها مع الخادمة. وفي إحدى الليالي تختبئ لبيبة في غرفة الخادمة بعد أن اتفقت مع حقي زوج شقيقتها إحسان أن ينتظر أسفل النافذة كي يكون شاهدًا عَلَى جريمة زوجها، ويساعدها في طلب الطلاق وحضانة الابنة. وبعد لحظات يحضر عاكف ومن بعده تحضر سيدة، وعندما يلتهب اللقاء في الظلام تَظهَر لبيبة وتُضيء النور؛ لتكتشف أن السيدة التي بين أحضان زوجها ما هي إلا شقيقتها إحسان. وأمام هول هذه المفاجأة تموت إحسان ويكتب عاكف إقرارًا بطلاق زوجته والتنازل عن حضانة ابنته، وبذلك تنتهي المسرحية.
موسم ١٩٢٠-١٩٢١
بدأت فرقة عكاشة تمثيلها بمسرح الحديقة في أول يناير ١٩٢١ بمسرحيتها الجديدة «هدى»، تأليف عمر عارف، وتلحين سيد درويش، ومن تمثيل: المدير الفني (المخرج) عبد العزيز خليل، أحمد ثابت، بشارة واكيم، عبد الله عكاشة، محمد يوسف، زكي عكاشة، فكتوريا موسى.
وتدور أحداثها حول هدى التي افترقتْ عن عريسها ملك الجن، ومن ثمَّ تُقابِل رضا المصري فتحبه، وتُهديه حجابًا به طلسم لسرِّ أبي الهول، إذا اقترب منه أو مسَّه أحد الجان يهلك في الحال. وكان يتلصَّص عليهما في ذلك الوقت الجني زوبعة، الذي يُخبِر ملك الجان بأمر حب هدى للإنسي رضا المصري، فيغضب ملك الجان ويأمر بسجن الحبيبين، كما يأمر زوبعة بإحضار الحِجَاب. وبالفعل يستطيع زوبعة إحضار الحجاب، ولكنه يموت لأنه مسَّه وأمسكه بيده؛ لأن رضا رفض فك رموز الحجاب. بعد ذلك يحاول الملك إرغام هدى عَلَى الزواج، ولكنها ترفض، فيأمر بإحضار رضا المصري لإعدامه، كما أمر بمَسْخ هدى وصاحباتها. وفي يوم الزفاف يحضر والد ليلى، ويعقد قرانها عَلَى حبيبها، وعندما يعلم الملك بهذه الخديعة يقوم بتحويل الجميع إلى تماثيل حجرية، ولكن رضا المصري يستطيع الهرب قبل مَسْخه، ومن ثمَّ يعود ومعه الحِجَاب والطلسم، ثمَّ يفك رموزه، فيتحول ملك الجان إلى تمثال حجري، ويُفَكُّ أسْر الجميع من تحجُّرهم، فتعود إليهم الحياة مرة أخرى، وتنتهي المسرحية بزواج هدى من رضا المصري.
رواية «هدى» قدَّمها إخوان عكاشة، وهي أول رواياتهم فجاءت خالية من المغزى، ليس فيها عبرة تُذكر، أو حادثة تَترُك أثرًا في النفس … فهي خليط من الألحان والأسجاع العقيمة البالية … اهتم إخوان عكاشة بالألحان كل الاهتمام، فانصرف نظرهم عن جوهرة الرواية وموضوعها إلى المَغنَى والطَّرَب، زعمًا أن في ذلك إرضاء الجمهور … كان غرض أولاد عكاشة إرضاء الجمهور بأي شكل، كأن يصرفوا النظر عن فائدتهم اكتفاءً بالغناء والألحان فقط. فحريٌّ بهم أن يصرفوا جهدهم إلى تكوين جوقة طرب وتخت ومَغنًى، ولا ينتحلوا لأنفسهم اسم ممثلين بدون وجه حق. إن الجمهور ساخط كل السخط عَلَى هذه الرواية، فهي عديمة الجدوى في نظره، وليس لها غرض معين يرمي إليه المؤلف. وعلى شركة ترقية التمثيل أن تُحسِن انتقاء الروايات وتدرس قيمتها وفائدتها، وهذا أهم غرض يجب أن تُوجِّه الشركة إليه جُلَّ همِّها.
أمَّا المسرحية الجديدة الثالثة، فكانت مسرحية كوميدية باسم «ألا مود» لعباس علام، وقام بتمثيلها كل من: عبد العزيز خليل، أحمد فهيم، بشارة واكيم، زكي عكاشة، أحمد ثابت، محمد يوسف، فكتوريا موسى. وتدور أحداثها حول سنية هانم المتحرِّرة، التي تزوَّجتْ من شوكت بك الشاب المتحرِّر، بعد أن رفضت ابن خالها مهدي وابن عمها الدكتور مختار؛ لأن الأول أبله والثاني فظٌّ. كما قامتْ سنية بكتابة خطابات غرامية عَلَى لسان شاب إلى صديقتِها عزيزة كنوع من التسلية، بعد أنْ أوْهَمتْها بأن كاتب هذه الخطابات هو ابن خالها مهدي. وبسبب هذه الخطابات تزوَّجت عزيزة من مهدي، وبعد مرور سنتين نجد سنية تقرِّر الانفصال عن زوجها لأنه متحرِّر زيادة عن اللزوم، وأيضًا نجد عزيزة تريد الانفصال لأن مهدي غير متحرِّر بصورة كافية. وتقوم والدة سنية بإسداء النصائح المفيدة لها كي لا تهدم بيتها، ويُحاول ابن عمها الدكتور مختار التدخل في الأمر، لا من أجل الإصلاح بل من أجْل مراودة سنية عن نفسها. وبعد عدة أحداث ومواقف كثيرة تنتهي المسرحية بجمع شمل الأسرتين، حيث عادت سنية إلى شوكت، كما عادت عزيزة إلى مهدي.
ومسرحية «عبد الرحمن الناصر» تدور أحداثها في الأندلس أيام حكم عبد الرحمن الناصر، وذلك من خلال محاولة ابن الحجاج التخلص من الناصر عن طريق دسِّ الفِتَن والمؤامرات. فقد استطاع ابن الحجاج أن يجمع حوله فريقًا من المتآمرين، ممن لهم مصلحة في التخلص من الناصر، ومن هؤلاء كبير الفتيان «يأسر» الذي يخون مولاه الناصر انتقامًا من جاريته الزهراء التي تُهينه دائمًا، ومنهم أيضًا الأمير عبد الله بن الناصر، الذي يطمع في الخلافة بدلًا من أخيه الحَكَم، ومنهم الفقيه ابن عبد البر، الذي طرح العلم وراء ظهره وتآمر عَلَى الناصر كي يحصل عَلَى منصب قاضي الجماعة. هذا بالإضافة إلى قادة الجيش المعزولين الذين يريدون العودة إلى مناصبهم. أمَّا رأس الفتنة ابن الحجاج فأراد من التآمر عودته كأمير لإشبيلية بدلًا من منصبه المتواضع الحالي كصاحب الشرطة.
ومن خلال الأحداث تتشكل المؤامرة عَلَى الناصر بأكثر من صورة، فنجد الفقيه ابن عبد البر، يؤلِّب الأمير عبد الله عَلَى أبيه الناصر وعلى أخيه الحَكَم، وذلك من خلال منافسة الشقيقين حول اقتناء الكتب والمخطوطات الثمينة، وكانت هذه المنافسة تنتهي دائمًا بفوز الحكم عَلَى عبد الله، مما جعل عبد الله ينضم إلى المتآمرين. ثمَّ نجد ابن عبد البر يقول للناصر إن خطيبًا أساء إلى الناصر في خطبة يوم الجمعة؛ لأن الناصر امتنع عن صلاة الجمعة مرتين؛ لذلك فهو لا يصلح للخلافة. وعندما حضر هذا الخطيب، وكان منذر بن سعيد، نجد الناصر يشكره عَلَى شجاعته ويولِّيه منصب قاضي الجماعة. وعندما أراد الناصر أن يحارب مدينة سمورة للجلالقة، نجده يعطي قيادة الجيش لنجدة الصقلبي، وهنا يشعل ابن الحجاج الفتنة قائلًا للمتآمرين: إن الناصر يفضل الصقالبة عَلَى قادة العرب. أمَّا الحادث الرئيسي الذي جمع هذه المؤامرات بعضها ببعض، فكان ظهور «سيف النقمة» وإعلانه العصيان وتحدي الناصر.
وعندما تسأل الجارية الزهراء مولاها الناصر في إحدى الليالي عن سبب تكدُّره يقول لها إنه أخطأ مرة واحدة في حياته، عندما مات ابن حفصون وتم دفنه، فقام هو بإخراج أشلائه من القبر ثم صلبها أمام ابنه وابنته. وتدور الأيام ونعلم أن سيف النقمة هذا ما هو إلا أذفونش بن حفصون، الذي رأى أشلاء والده مصلوبة. كما نعلم أن الجارية الزهراء ما هي إلا شقيقة أذفونش بن حفصون. وهنا يلتفُّ المتآمِرون حول سيف النقمة والزهراء من أجل التخلص من الناصر. وكانت الخطة الموضوعة تتمثل في أن الزهراء تستدرج الناصر إلى مخدعها، وتدسُّ له المخدر، حتى ينام في سريرها فيأتي المتآمرون ويطعنوه. ولكن الزهراء ترفض أن يموت الناصر، فتتنكَّر في زيِّه وتنام في سريره، وتتفق مع الأمير عبد الله وشقيقه الحاكم عَلَى إنقاذ الناصر. ولكن الناصر علم بالمؤامرة فاختفى في الغرفة ليشاهد الأحداث، ويأتي المتآمرون وقبل طعنهم النائم يظهر الأمير عبد الله والأمير الحكم والناصر أيضًا، وتحدث مقاومة تنتهي بالقبض عَلَى المتآمرين. ويعفو الناصر عن سيف النقمة، ولكن سيف النقمة يرفض هذا العفو ويصرُّ عَلَى الموت مع بقية أعوانه. أمَّا الأمير عبد الله فيقتل نفسَه بالسيف؛ لأنه في لحظة ما اتفق مع المتآمرين عَلَى قتل والده، وتنتهي المسرحية ببكاء الناصر عَلَى ولده عبد الله.
ومسرحية «الهاوية» تدور أحداثها حول الشاب أمين بك بهجت، الذي يعيش حياة استهتار وإدمان للكوكايين، مع صديقين هما شفيق ومجدي، وهما من أصدقاء السوء، فلا همَّ لهما إلا استغلال هذا الصديق واستنزاف ماله. وبسبب إدمان أمين بك تنهار ثروته، ويعرض عزبته للبيع. أمَّا رتيبة هانم زوجته، فكانت لاهية في حياتها، بسبب إهمال زوجها لها، وهذا الإهمال أدَّى إلى وقوعها في براثن شفيق صديق زوجها، فأحَاطَها بالكلام المعسول حتى وقعتْ في حبه، وبعد إلحاح كبير من شفيق توافق رتيبة عَلَى مقابلته في منزله. وفي اليوم الموعود يتصل أمين بشفيق يدعوه لسهرة إدمان، ولكن شفيق يعتذر لأنه مريض، وأخيرًا تحضر رتيبة وقبل أن تجلس يحضر مجدي فيقوم شفيق بإخفائها في غرفة النوم، ويحاول أن يُخرِج مجدي بكل وسيلة، مما جعل مجدي يشك في وجود سيدة في المنزل، فيقول له شفيق فعلًا هناك سيدة ولكنها متزوجة ومن عائلة، ولا يريده أن يعرفها. وأمام هذا يُصرُّ مجدي عَلَى رؤيتها، وبالفعل يراها فيُبهَت عندما يعلم أنها رتيبة زوجة صديقهما أمين بك.
وأخيرًا استطاع شفيق أن يُنهِيَ هذا الأمر بأن دفع مبلغًا لمجدي حتى يصمت وينصرف. وبعد قليل يحضر أمين بك كي يطمئنَّ عَلَى صحة شفيق، فيُحاوِل شفيق صرفه دون جدوى، وهنا يشك أمين في تصرفات شفيق، ويفهم أن هناك امرأة في المنزل، فيعترف له شفيق بأن هناك امرأة بالفعل، وهي شقيقة صديقهما مجدي، ويطلب من أمين كتمان الأمر، وبهذا المنطق انصرف أمين. وتخرج رتيبة وتشكر ربها لأنها كادت أن تُفضح، وأن تسقط في الهواية، وتعتريها نوبة من صحوة الضمير، فتنهال عَلَى شفيق بالسب واللعن، وتقسم بأنها لن تعرفه بعد الآن. وفي اليوم التالي يأتي مجدي إلى أمين في منزله، وبسبب الكوكايين يصل الصديقان إلى درجة كبيرة من الإدمان، وصلتْ حدَّ قذْف التُّهَم والشتائم، فيقوم أمين بمُعايَرة مجدي لأن شقيقته كان بالأمس في منزل شفيق، فيقوم مجدي بمعايرته بالمثل قائلًا له إن زوجتك كانت بالأمس عند شفيق. وهنا يواجه أمين زوجته بما قاله مجدي، فنجدها تنهار وتعترف له بجريمتها، ولكنها تقول له أيضًا إنها السبب لأنه زوج غير جدير بها، وغير جدير بأن يحيا حياة الرجال. وهنا تتأزَّم حالة أمين النفسية، خصوصًا بعد تَعاطِيه كمية كبيرة من الكوكايين، فتنتهي المسرحية بموته.
ومسرحية «المنافقين» تدور أحداثها حول حسن بك، وهو موظف في المعاش، يعيش في رغد في قصره بالريف، ويتميز بالكرم والعطاء، ويعشق الأصدقاء. وتعيش معه في المنزل زوجته أمينة هانم، وابن عمه فريد، وهو شاب مريض، وكان يُعالِجه الدكتور زكي. وفي يومٍ ما قام حسن بك بدعوة بعض الأصدقاء القدامى ليقضوا معه بضعة أيام في الريف، وبالفعل يحضر الأصدقاء، وهم: مرسي وشعبان ورمضان، ثمَّ يحضر أيضًا صاغ متقاعد في الجيش لأنه من الأصدقاء، ولكن حسن لم يتذكَّرْه، وخَجِل أن يسأله عن اسمه، وهكذا انضمَّ هذا الصاغ إلى صحبة الأصدقاء. ومن خلال وجود هذه المجموعة في منزل حسن بك تحدث أحداث كثيرة تتسم بالنفاق والرياء للاستفادة القصوى من عطف حسن بك وخيرات منزله. وفي أثناء ذلك يحضر الدكتور زكي ليُباشِر علاج فريد، فيلاحظ عليه تغيرات كثيرة بسبب الحب.
وأخيرًا يعلم الدكتور أن فريد يحب أمينة هانم زوجة ابن عمه حسن بك، فيجتهد في إنهاء هذا الحب الذي سيَقضِي عَلَى سعادة هذا المنزل. وفي لحظة انفراد فريد بأمينة، نجده يبثُّها أشواقَه وحبَّه ممسكًا يدها، وهي في ذهول مما تسمع، حيث إنها تعامله معاملة الأخ، وهنا يدخل عليهما أصدقاء حسن بك فيرتبكان. وفي اليوم التالي نجد الأصدقاء يُخبِرون الزوج بما شاهدوه، وبذلك أدخلوا الشك في قلبه، ونصحوه بأن يُفاجِئ العشيقين متلبِّسين، وذلك بأن يُخبِرهما بسفره المفاجئ إلى العاصمة، وأنه سيأتي غدًا، وفي الليل يحضر ليضبطهما. وبالفعل يقوم حسن بتنفيذ خطة أصدقائه، وبعد عدة مواقف مؤثِّرة ومتناقضة بين الشك واليقين استطاع الدكتور زكي الذي يعلم حقيقة الأمر أن يُنقِذ أمينة هانم، ويُنقِذ فريد أيضًا، وتنتهي المسرحية بسفر فريد ليُباشِر عملَه الجديد في أسيوط، كما سافر جميع الأصدقاء الذين كانوا السبب في زلزلة سعادة المنزل، وبالأخص الصاغ الذي يكتشف أن حسن بك ليس صديقه القديم حيث تشابهت عليه الأسماء.
(أردتُ أن أصوِّر) المشاهد التي تنوء بها القرى، تلك المشاهد التي خَبَرْتُها أربعة عشر عامًا كاملة استعرضتُ فيها كثيرًا من أمراض مصر الاجتماعية، وتبيَّنتُ أن العمدة علة الأمن العام، فإذا أحسنوا اختياره فلم يُرهِقوه أو يورِّطوه، وكان له من نفسه وازع الخير وكفَّ يدَه ولسانَه عن المحارم، واستمع لكل شاكٍ؛ عاش أهل القرية بسلام وامتنع الكثيرون عن الإجرام. أمَّا إذا اتخذ العمدة وظيفته موردًا للرزق، واستعان بأعوانه عَلَى ابتزاز المال؛ قضى بعمله عَلَى السلامة والسلام وأيقظ في أعوانه شهوة الإجرام. فترى الصيرفي يُغالِط عامة أهل القرية في حساب الضرائب، ودلَّال المساحة يُظاهِر الأقوياء من أصحاب المزارع عَلَى ضعافهم، والقابلة تعمل عَلَى إجهاض كل حامل وإخفاء آثار جرائم الأعراض، وترى الخُفَراء وشيخهم في الأسواق العامة يضربون المكوس عَلَى الدجاج والسمن والبيض والبقل، لا يخافون الله ولا يستحون؛ ذلك لأنهم أشركوا العمدة فيما كسبتْ أيديهم فأمِنوا حسابَه واتخذوه شاهد نفي إذا عَلَتِ الأصوات بالشكوى فبلغتْ مسامع الحكومة. وسيرى الناس في عرض الرواية كيف ينتقم العمدة وأنصاره من الرجل الشريف الذي تصدَّى لهم، وكيف يَقتُل شيخ الخفراء رجلًا آمنًا في داره ثمَّ يلصق الجريمة بذلك الرجل الشريف، ثمَّ يَظهَر الحق بعد ذلك ناصعًا أبلج. هذا هو مدار رواية «العمدة» ومحور وقائعها.
موسم ١٩٢١-١٩٢٢
ومسرحية «آه يا حرامي» تدور أحداثها حول كمال بك، وهو متعلِّم ومن الأغنياء، ومُؤمِن بحرية المرأة، وكان يكتب مقالات كثيرة في هذا الموضوع. وبسبب هذه المقالات تزوجتْه بهيجة هانم المتحرِّرة. وفي يوم يأتي إلى منزلهما ظريف، وهو شاب يريد أن يتزوج ودائمًا يغازل النساء، لعله يجد عروسة مناسبة. وعندما أراد ظريف مقابلة كمال لم يجده فقَابَل زوجته بهيجة، التي استحسنتْ كلامه، فطلب أن يرسم لها صورة فوافقتْ. وبعد انتهاء الصورة يحضر كمال، ويتعرف عَلَى ظريف. ونعلم من حوارهما أن ظريف أحضر خطاب توصية من أحد أصدقاء كمال، كي يجد كمال له وظيفة. وعندما يقرأ كمال الخطاب، يعلم من كاتبه أن ظريف يبحث عن عروسة، وفي سبيل ذلك يغازل كل امرأة يقابلها. وهنا يشك كمال في زوجته وظريف، خصوصًا عندما رأى صورتها المرسومة بيد ظريف. وفي اليوم التالي نجد ظريف يحضر إلى المنزل مرة أخرى، فيجد الآنسة فكرية جارة بهيجة، وقد حضرتْ كي تعرف اسم اللوكاندة التي ستذهب إليها بهيجة في أسوان لقضاء الشتاء، وذلك كي تذهب إليها مع خالها المتمارض فضلي بك.
وبذلك عرف ظريف اسم اللوكاندة، فقرَّر الذهاب إليها قبل الجميع؛ لأنه أُعجِب بفكرية وصمَّم عَلَى الزواج منها. وفي أسوان تحدث مواقف كوميدية كثيرة، بسبب سوء التفاهم. فمثلًا نجد كمال بك يتنكر في زي تاجر ريفي، كي يراقب زوجته؛ لأنه يشك في وجود علاقة بينها وبين ظريف، خصوصًا وأنه رأى ظريف مقيمًا في نفس اللوكاندة، ويتقابل كثيرًا مع زوجته بهيجة. والحقيقة أن بهيجة صادقت ظريف عندما علمتْ منه أنه يحب فكرية، فوعدتْه بالمساعدة. كما نجد فكرية تميل إلى ظريف، ولكنها خائفة منه لأنها رأتْه يسرق منديلًا من التاجر الريفي. والحقيقة أن ظريف سرق المنديل، بإيعاز من بهيجة، عندما رأتِ التاجر وشكَّتْ في أنه كمال زوجها. وفي المسرحية مواقف كثيرة مماثلة، وأخيرًا تنتهي هذه المواقف باتهام ظريف بأنه حرامي، ولكن الحقيقة تظهر للجميع، وتتم خطبة ظريف عَلَى فكرية، ويندم كمال لأنه شك في زوجته، وبذلك تنتهي المسرحية.
موسم ١٩٢٢-١٩٢٣
عزيزي طلعت بك … أُهديك خالص التحية والسلام وبعدُ؛ فإني أحمد الله — تعالى — عَلَى تلك الفرصة، التي أتاحتْ لي بناءً عَلَى دعوتك، زيارة ذلك المعهد الأخلاقي «تياترو الأزبكية». فقد سرَّني ما رأيتُه من إتقان البناء وإبداء النظام، فضلًا عن البراعة التي أظهرها الممثِّلون في زمن قريب كهذا، وإني وإنْ شكرتُ لك هذه الدعوى، فإنما أُحيِّي فيك هِمَّة الرجال العاملين في هذا البلد، وهو أحوج البلاد إلى مجهود أبنائه. فالحمد لله الذي وفَّقك لوضع أساس الاستقلال المالي في «بنك مصر»، وألهمك وضع أساس الاستقلال الأخلاقي في «معهد التمثيل». والأمم لا تَرقَى إلا بالرجال، تُحلِّيها الأخلاق ويؤيِّدها المال. جزاك الله عن مصر خير الجزاء، ووفَّقك وإيَّانا لسواء السبيل. آمين.
وكمثال لموضوعات هذه المسرحيات الجديدة نجد مسرحية «اللؤلؤة» تدور أحداثها في جزيرة سيلان، حيث يتجمع الصيادون في أحد الشواطئ لاختيار رئيسهم الجديد، ويعتبر هذا الشاطئ فريدًا في نظامه المعيشي، حيث لا يسكنه إلا الرجال فقط تبعًا لتعاليم الإله برهمة. وبعد محاولات كثيرة لهذا الاختيار يتفق الجميع عَلَى «زورجا» كرئيس للصيادين، وبعد عدة أيام يحضر إلى الجزيرة «نادر»، وهو من ألَدِّ أعداء زورجا في الماضي، ولكنه الآن أتي له كصديق. وبالفعل يتم الوفاق بينهما عَلَى أساس الوفاء والإخلاص. وفي يوم ما تحضر إلى الجزيرة الفتاة ليلى، وتطلب من الصيادين أن تعيش بينهم، فيوافق زورجا بشرط ألا تعشق أي إنسان عَلَى هذا الشاطئ تبعًا لتعاليم برهمة، فتوافق ليلى عَلَى هذا الشرط. وفي أثناء تواجدها عَلَى الشاطئ يراها نادر ويعرف شخصيتها، وهنا يتذكر قصته معها، حيث كان منذ سنوات مطارَدًا من جماعة أشرار، فاستنجد بكوخٍ في الطريق، وكانت ليلى صاحبة الكوخ، وقد ساعدتْه عَلَى الهرب. وبعد انصراف الأشرار خرج نادر وشكر ليلى وأعطاها عقدًا هديةً لها بعد أن شعر بحبِّه نحوها.
وفي أثناء تذكر نادر لهذه الأحداث يرى ليلى مرتدية العقد، وبعد أحداث كثيرة تتعرف ليلى عَلَى نادر، وتُخبِره بحبِّها له منذ أن الْتَقتْ به في الكوخ، كما يبوح نادر لها بحبِّه أيضًا، ولكن ليلى تخشى من انتقام الإله برهمة ومن رئيس الصيادين زورجا؛ لأنها أحبَّتْ رجلًا يعيش في هذا الشاطئ. وفي لحظة عِنَاق بين نادر وليلى يحضر الصيادون ويُشاهِدون هذا المنظر، فيحكم الكاهن عَلَى العاشقين بوضعهما في أتون النار الموجود في معبد برهمة كقربان له. وفي يوم تنفيذ هذا الحكم يحضر زورجا إلى المعبد، ويصيح في الحاضرين بأن النار تلتهم منازلهم ومزارعهم، فيترك الجميع المعبد ويذهبون لإخماد النار، وهنا يقوم زورجا بفكِّ قَيْد العاشقين ويساعدهما عَلَى الهرب؛ لأنه مؤمن بالصداقة والحب. وبعد هرب العاشقين يحضر الصيادون إلى زورجا بعد أن علموا بأنه هو الذي أضرم النار في منازلهم ومزارعهم، فيحكم الكاهن عليه بالموت حرقًا، وتنتهي المسرحية بأن أَلْقَى زورجا بنفسه في أتون نار الإله برهمة.
مؤلِّف هذه الرواية أو واضعها عَلَى الأصح لم يُحسِن إعدادَها للمسرح … ولم يُبرِز من حوادث شمشون الجبار المدهشة الشاذة ما يستفزُّ اهتمامَ الجمهور وانتباهه. واكتفى منها بحادثة عادية، هي قتْل رجل من الفلسطينيين، مع أن له من حوادث البطولة في عدائه لهؤلاء، ومن حادثة شَطْر الأسد إلى شطرين وغيرها، ما هو أدْعَى إلى إظهار شخصيته العظيمة وتقريبها من عقول الناس، حتى يعجبوا من ضعفه واستكانته بعد قصِّ شعره، ويَرَوْا في الرواية شيئًا من المفاجآت الروائية المشوِّقة التي هي رأس مال التمثيل. ولولا حادثة زحزحة العمودَيْن التي أدَّتْ إلى هَدْم المعبد، وخُتِمتْ به الرواية؛ لرأى الناس في شمشون رجلًا عاديًّا لا يُعتدُّ به … والغريب أن فترات الانتظار خلال الفصول كانت أطول من الفصول نفسها. أضِفْ إلى ذلك أن القائم بدور شمشون الجبار هو الشاب الرقيق الأنيق زكي عكاشة، صاحب الصوت الذائب الأغنِّ، وأن عبارة الرواية من صوغ الممثِّل المَاجِن الخفيف بشارة واكيم، الذي عرفناه ممثِّلًا فقط، ولم نعرفه كاتبًا ومعرِّبًا. وزِدْ عَلَى ما تقدَّم أن الرواية نثرية وأنها أوبرا (تلحينية)، وأن ملحِّنها داود حسني الذي لا يَعرِف من الموسيقى إلا الموَّال والمذهب والدور … وإذا ضربنا صَفْحًا عن كل ما سردناه من عيوبها، فلا نصفح أبدًا عن سوء ذوق الفرقة في اختيارها تمثيل هذه الرواية التي تنتهي بالهدم والتخريب في عيد ميلاد مليك البلاد، ولا يخفى أن ذلك ليس من التأديب والتفاؤل في شيء.
موسم ١٩٢٣-١٩٢٤
لم نقف بصورة دقيقة عَلَى بداية هذا الموسم بالنسبة لفرقة عكاشة، وذلك بسبب قلة أخبارها وإعلاناتها في الصحف. تلك الصحف التي وجَّهت اهتمامها منذ مارس ١٩٢٣ إلى ظهور أحدث فرقة في ذلك الوقت، وهي فرقة يوسف وهبي. وبالرغم من ذلك — وبناءً عَلَى ما بين أيدينا من أخبار وإعلانات ووثائق — فقد بدأت أخبار فرقة عكاشة في الظهور منذ منتصف ديسمبر ١٩٢٣.
أمَّا المسرحية الجديدة الثالثة فكانت مسرحية «سوسو هانم»، وهي من تأليف حسين سعودي، ومن تمثيل: عبد العزيز خليل، فكتوريا موسى، وردة ميلان، وبدأ تمثيلها في أواخِر مارس ١٩٢٤. وتدور أحداثها حول سوسو هانم، وهي فتاة خليعة لها أخٌ يُدعَى محسن بك، متزوج إلا أنه مستهتر. وكانت سوسو تحب ضابطًا، هو شقيق إحدى صديقاتها، له أب مجرم بدَّد مبلغًا من النقود، واتَّهم أحدَ الموظفين وهو علوي بك شقيق عفَّت هانم زوجة محسن بك، إلا أن علوي بك لاذ بالفرار فثبتتْ عليه التهمة. وكانت أختُه تُقابِله سِرًّا، فارتابتْ حماتُها في سَيْرها، وأوْعَزَتْ إلى أخيها خليل بك بمُداعبة الزوجة لامتحان إخلاصها، إلا أن خليل يعود بالصَّدِّ والتحقير. ويَبِيت خليل بك عند أخته في حجرة ابنِها محسن بك. وفيما هو نائم يحضر ابن أخته سكرانًا مترنِّحًا، وينهال عَلَى خاله ضربًا بالعصا، مشتبهًا فيه، بعد أنْ رأَى حِذَاءَه، فظنَّ أن امرأته خانتْه مع عشيقٍ لها. وفي النهاية تتألَّم سوسو هانم من أن حبيبها الضابط رفض أن يُعِيد إليها رسائلها الغرامية وصُوَرها، مهدِّدًا إيَّاها بإرسالها لأخيها إذا لم تُؤثِّر عَلَى أهلها بقبوله زوجًا لها. وبالفعل استطاع هذا الحبيب أن يُرسِل هذه الرسائل، ولكن عفت هانم تحايلت عَلَى زوجها وأخذتْ منه الرسائل وأنقَذَتْ سوسو. ثمَّ لم تُطِقْ عفت شكوك حماتها نحوها، فأوعزتْ إلى أخيها علوي بالمَجِيء، وكاد يقتله زوجها محسن بك، إلا أنه يُدرِك في النهاية أنه شقيق زوجته، وأنه بريء. وتنتهي المسرحية بزواج علوي من سوسو هانم.
موسم ١٩٢٤-١٩٢٥
ومسرحية «الدنيا وما فيها» تدور أحداثها حول حب وقع بين الشوفير خليل وبين الخادمة حميدة، وبالرغم من ذلك فحميدة دائمًا تصُدُّ محاولات خليل للتقرُّب منها. وبجانب عمل خليل كسائق نجده أيضًا كاتم أسرار إحسان بك ابن متولي، الوصي على أموال عم فولي بعد أن تمَّ الحَجْر عليه، والذي يعيش حياة مَهِينة فقيرة، بعكس حياة متولي الذي يتمتع بأمواله. وبمرور الوقت يحضر جابر على أنه سباك لإصلاح حنفية القصر، فيشاهد متولي يُعنِّف الفولي فيتدخَّل في الأمر، ونكتشف أن جابر ما هو إلا عريس ابنة فولي، وقد جاء كي يُهدِّد متولي إذا لم يُعطِ الفولي حقوقه. ولكن متولي يُصِرُّ على موقفه، فيفكِّر جابر في تنفيذ حيلة ماكرة، وتمثَّلت هذه الحيلة في أن بمبة زوجة الفولي تحضر إلى القصر وتصمِّم على البقاء فيه، وتنجح الحيلة وتعيش بمبة والفولي في مكان فوق سطح القصر.
بعد ذلك نجد جابر يعمل سفرجيًّا في القصر، ويتودد إلى إحسان ابن متولي من أجل توفير الخمر، والتغطية عليه أمام أبيه. بعد ذلك تحضر لويزة عشيقة إحسان، ونفهم من دورها أن إحسان عرض عليها كتابة بعض الأطيان مقابل زواجها منه، ولكن جابر يتدخل ويوضِّح لها أن الأطيان كلها ملك الفولي، وأن إحسان ووالده وصيَّان عليها؛ لذلك تتركه لويزة. وعندما حاول إحسان منعها تضربه بالرصاص، وبذلك نجح جابر في إشعال الفِتَن داخل القصر وفي صميم أسرة متولي. وفي المحكمة تظهر أسرار كثيرة، منها أن جابر ما هو إلا الأخ الأصغر لفولي، وأن حميدة الخادمة وخليل الشوفير من أبناء فولي، بعد أن أبعدهما متولي عن أبيهما طوال عشرين سنة، بعد أن أخذ الوصاية على أموال الفولي. وأخيرًا يحكم القاضي برد جميع أموال الفولي إليه، وتنتهي بذلك المسرحية.
ومسرحية «العريس» تدور أحداثها حول عزيز فهمي الشاب الوسيم، الذي تعرَّف على الأرملة فردوس هانم في مصيف رأس البر، فنشأتْ بينهما علاقة حب. ولكن عبد الله التركي شقيق زوج فردوس المتوفَّى يُلِحُّ دائمًا عليها كي تتزوَّجه، ولكنها تصدُّه بسبب حبِّها لعزيز. وبعد عودة الجميع من المصيف نجد عزيز وقد أُعجب بالفتاة الثرية أفادات ابنة تاجر غلال الفيوم أبي الدهب، فيطلب يدها من أبيها الذي يوافق على الزواج. وبدأ عزيز يتهرَّب من إلْحاح فردوس التي تصمِّم على استمرار علاقتهما خصوصًا عندما أصرَّتْ على الحضور إلى منزله. وقبل موعد حضورها قام عزيز بالاتفاق مع خادمه بيومي على تبادل الأدوار أمام فردوس؛ أي يقوم عزيز بدور الخادم ويقوم بيومي الخادم بدور سيد المنزل. وعندما تحضر فردوس ويُخبِرها عزيز بهذه الحقيقة نجدها تتعلَّق به أكثر، وتطلب من بيومي أن يَتَنَازَل لها عن خادمه عزيز كي يعمل لديها سائقًا.
وهكذا أصبح عزيز يعيش في منزل فردوس كسائق، مما زاد شعور الغَيْرة عند عبد الله التركي، الذي لاحظ اهتمامًا غريبًا من فردوس لهذا السائق. وتشاء الظروف أن يكون في منزل فردوس خادمة اسمها بهية، كان قد غَرَّر بها منذ زمن بيومي خادم عزيز، وتشاء الظروف أن يحضر بيومي إلى منزل فردوس كي يطمئن على سيده، فتراه بهية وتهجم عليه وتحدث مشاحنات كثيرة، اشترك فيها عبد الله التركي الذي تسلَّم خطابًا من مراقب له كان قد كلَّفه بمراقبة فردوس، أبلغه فيه إنها زارت عزيز في منزله وكانت مرتدية ثوبًا أحمر، فعندما رأى عبد الله التركي بيومي يزور السائق ظنَّه عزيز بك فهجم عليه بالكرباج، وانتهى هذا الموقف بهروب بيومي وعزيز عن منزل فردوس.
وبعد أيام وفي الفيوم نجد الزينات معلَّقة والأغاني تتردد، ابتهاجًا بزواج عزيز من أفادات، ولكن في هذا اليوم تحضر فردوس من القاهرة لتعمل خادمة عند أبي الدهب، كي تنتقم من عزيز الذي سيتزوج من غيرها، وأيضًا تحضر بهية للانتقام من بيومي الذي غرَّر بها، وأخيرًا يحضر عبد الله التركي كي ينتقم لشرفه من عزيز بك. وفي هذا اليوم تحدث مواقف كثيرة بسبب تضارُب أقوال وتصرُّفات الجميع أمام عزيز وبيومي، حتى أصبح أبو الدهب لا يعلم مَن منهما خطيب ابنته. وتنتهي المسرحية بإيضاح الأمر للجميع، وبزواج عزيز من أفادات، وزواج بيومي من بهية، وأخيرًا زواج فردوس من عبد الله التركي.
ومسرحية «خاتم سليمان» تدور أحداثها في إحدى المدن العربية القديمة، حول الفارس الشجاع سليمان الذي يتمتع بخفة روح عالية، جعلتْه يعيش في لهوٍ ودعابةٍ دائمةٍ مع النساء والفتيات. وفي إحدى المرات يقع في حب الجارية بدور، وأثناء تَقبِيله لها يضبطه الأمير فيأمر بزواجهما، ويوافق سليمان على مضض؛ لأن الزواج سيحرمه من حياته اللاهية. وفي هذا الوقت يرسل الأمير ولي عهده إلى ميدان القتال، بشرط أن يرافقه سليمان ومؤدِّب ولي العهد أيضًا، وهنا تحدث مواقف كوميدية كثيرة؛ حيث إن هذا المؤدِّب كان متزوِّجًا سرًّا ببهانة، وهي امرأة لعوب تعشق الإيقاع بالرجال ومغازلتهم. وعندما يقوم سليمان بمغازلتها أمام زوجها المؤدِّب، نجد هذا المؤدِّب يَكظِم غيظَه، ولا يَقدِر أن يَبُوح بأنه زوجها. وعلى الجانب الآخَر نجد بدور تُصِرُّ على الذهاب مع سليمان إلى المعركة كي تتزوجه، ولكن يهرب منها قائلًا إذا استطعتِ أن تحصلي على الخاتم الموجود في أصبعي سأتزوجك، وأمام هذا التحدي نجد بدور تتنكر في زي فارس وتُرافِق سليمان باعتبارها الأخ الأكبر لبدور.
وأمام الشَّبَه الكبير بين بدور وهذا الفارس نجد سليمان يحتار في هذا الأمر، ولكن بدور أو الفارس يستطيع أن يكسب صداقة سليمان، ويوهمه بأنه على استعداد لأن يمهِّد الطريق بينه وبين بهانة فيوافق سليمان. وهنا تتفق بدور مع بهانة على لقاء خارج منزلها؛ لأن بهانة معجبة بهذا الفارس؛ أي بدور، وتتفق في الوقت نفسه مع سليمان بأن بهانة تنتظره في منزلها. وفي الموعد المحدد، وعندما تتأكد بدور من خروج بهانة من منزلها، تدخل هي وتتنكر في زي بهانة، فيحضر سليمان ويقضي وقتًا غراميًّا معها على أنها بهانة، التي طلبتْ منه خاتمه الثمين دليلًا على حبِّه لها. وهكذا استطاعتْ بدور أن تَحصُل على خاتم سليمان، وبعد مواقف مضحكة كثيرة قامت على سوء الفهم تظهر الحقيقة ويعلم سليمان أنه قضى وقت غرامه مع بدور، وتنتهي المسرحية بزواج سليمان من بدور.
ومسرحية «محمد علي» تدور أحداثها في عهد محمد علي باشا الكبير، حيث أرسل حملته على السودان بقيادة ابنه الأمير إسماعيل باشا، وذلك من خلال أحداث تدور في مدينة شندي بالسودان، حيث يقوم الأهالي بالتبرُّع للمجاهدين بكل ما في حوزتهم من مؤن ومجوهرات وأموال … إلخ هذه الأشياء. ومن ناحية أخرى نجد نادية تتبرع بكل مصاغها من أجل المجاهدين، وهي ابنة أبي المعاطي شيخ مدينة شندي، وزوجة خير الدين الضابط في الحملة المصرية التي تغزو السودان. ومع الأحداث نفهم أن الحملة استطاعت أن تستولي على مدينة بربر، ثمَّ دخلت إلى مدينة شندي. بعد ذلك نجد الأمير إسماعيل (الخديو إسماعيل فيما بعد) يحضر لمقابلة النمر ملك مدينة شندي، ويطالبه بجزية الحرب، ولكن النمر ومعه أعيان المدينة يرفضون هذه الجزية؛ لأن المدينة لا تستطيع أن تتحمل دفعها، وتحدث مناقشات كثيرة حول هذا الأمر دون الوصول إلى حلٍّ، فالأمير إسماعيل مصرٌّ عليها والنمر يرفضها. وبعد انصراف إسماعيل نجد النمر يقرِّر أمرًا فرديًّا، لا يأخذ فيه مشورة أحد. وتنتهي المسرحية بصراخ من الأهالي لأن النار أُضرِمت في منازل المدينة، ونكتشف أن الذي أضرمها هو ملكها النمر، حيث أراد أن يُبِيد المدينة بِيَدِه، بدلًا من وقوعها في يد الأمير إسماعيل.
موسم ١٩٢٥-١٩٢٦
ومسرحية «ليلة كليوباترا» تدور أحداثها حول شاب يُدعَى ميامون، أحبَّ الملكة كليوباترا وترقَّب خروجَها من المعبد، فقدَّم إليها باقة من الزهور رمزًا لحبه وإخلاصه، فقَبَضَ عليه الحُرَّاس، فأمرتْهم الملكة بإخلاء سبيله، محذِّرة إيَّاه من العودة إلى مثل هذا العمل. ولكن الغرام مَلَكَ عليه مشاعِرَ نفسِه، فترقَّبها مرة أخرى وهي في الحَمَّام مع جواريها، وقذَفَها بسهم وضع فيه رسالة يشرح فيها هواه. فأوعزَتْ كليوباترا إلى بعض أتباعها، بالبحث عمَّن ألْقَى هذا السهم، فجِيءَ بميامون وشرح لها ما يُعانِيه من الآلام في حبِّها، فأجابتْه أن ليلتها بحياته، فهي تَهَبُه ليلةً يَنعَم فيها بكل ما يُريد، وفي الصباح تُقدِّم له كأسًا من السمِّ يشربه فتنتهي حياته. وبالرغم من قسوة هذا الشرط إلا أن ميامون قَبِلَه مسرورًا، ولكن الملكة أحبَّتْه في ليلتها هذه، حتى إنها عدلت عن تنفيذ الشرط وطلبتْ منه البَقَاءَ بقربها. ولم تَكَدْ تُعلِنه بعزمها هذا حتى جاء رسول أنطونيوس، يَدعوها كي تذهب إلى مولاه خاضعة، فترى حينئذٍ كليوباترا أن الواجب يقضي عليها الذهاب إلى ذلك الجبار، الذي يُهدِّد مُلْكَها كي تأسره بجمالها، فتطلب من ميامون أن ينساها وأن يرحل عن البلاد، ولكنه أبى الرحيل، ومن ثمَّ تناول الكأس فشرب السم، مفضِّلًا الموت عَلَى فراقها، وبذلك تنتهي المسرحية.
يحق لنا أن نقول إنها بدأت في مصر تاريخ الأوبرا المصرية الصميمة الخالصة. وكان الفضل في ذلك للدكتور حسين فوزي أوَّلًا، ولمسرح حديقة الأزبكية ثانيًا … أمَّا عن الموسيقى وتلحين الرواية، فقد كان غير موفَّق ولم يفرِّق الملحن الأستاذ داود بين ألحان من المدرسة الموسيقية القديمة، وما يتطلَّبه تلحين هذه الأوبرات من الموسيقى المسرحية، التي وإن كانت تتفق مع موسيقى الأدوار والتخت في القواعد والأصول، إلا أنها تختلف عنها في اللون والصبغة. وعلى ذلك نقول إن موسيقى «ليلة كليوباترا» لا يُعتدُّ بها كثيرًا … وقد يُعذَر الرجل، فقد ظلَّ طَوَالَ عمره يمارس نوعًا خاصًّا من الموسيقى، كالتواشيح والأدوار والطقاطيق وما إليها، فكان من المستحيل عليه بعد هذا العمر الطويل، عَلَى أسلوب ووتيرة واحدة أن يُغيِّر من الشيء الذي ألِفَه واعتادَ عليه، وكان من الخطأ البيِّن أن يُعهَد إليه بما لا يُحسِن القيامَ به.
ومسرحية «سهام» تدور أحداثها حول الراقصة سهام، التي تجذب بجمالها جميع الزبائن إلى ملهى النوفوتيه، فيقوم هؤلاء الزبائن بإرضائها بشتى الطرق، إلا أنها لا تَرضَى بأحد منهم. ومن الملاحظ أن كل زبون كان يُمنِّي نفسه بحبِّها، ولكنها لا تحب إلا شخصًا واحدًا هو عزيز بك، وفي الوقت نفسه نجدها لا تُصرِّح له بهذا الحب، رغم وجوده كل يوم في الملهى. وفي ليلة حضر عزيز وأخبر الجميع أنه سيتزوج من فتاة في أسيوط، فجُنَّ جنون سهام وحاولتْ أن تُثِير غَيْرَته، ويشاء القدر أن يحضر في هذا الملهى ولأول مرة الدكتور سماحة مع صديقه سمري. وكان الدكتور سماحة مستقيمًا لا يقرب الخمر ولا يلهو، ولكنه جاء بضغط من صديقه. هنا وجدتْ سهام ضالَّتها، فغازَلَتِ الدكتور، واستطاعَتْ أن تَسقِيَه الخمرَ وتشرب معه، رغم أنها لم تُجالِس زبونًا واحدًا من قبل، فثَارتْ غَيْرة عزيز، وقام بضرب الدكتور سماحة، وحدثت مشادة عنيفة، فرَّ على أثرها سمري، وترك صديقه الدكتور.
وفي الصباح استيقظ سماحة فوجد نفسه نائمًا أسفل الكنبة، وأن صوتًا غريبًا يصدر من غرفة النوم، وعندما يتفقد هذا الصوت يجده لسهام وقد ارتدت بجامته، فيفزع منها وتحكي له ما حدث بالأمس، وأنه كان مُصابًا ومخمورًا فنقلتْه إلى منزله، وعندما تبحث عن فستانها لم تَجِدْه، فتعلَم أن سكينة هانم زوجة سماحة أخذتْه، ظنًّا منها أنه هدية من زوجها، فقامتْ سهام بارتداء أحد فساتين الزوجة، وعندما بدأتْ تهمُّ بالخروج يحضر عم الدكتور من الصعيد، ليدعو سماحة وزوجته لحضور حفل زواج ابنته. وعندما يرى سهام يظن أنها سكينة زوجة ابن أخيه، حيث إنه لم يَرَها من قبلُ، وتتعقد الأمور، ويضطر سماحة أن يأخذ سهام إلى أسيوط لحضور حفلة الزواج على أنها زوجته، وفي الحفلة يتضح أن العريس هو عزيز بك حبيب سهام، وبالمصادفة تحضر الحفلة سكينة زوجة الدكتور الحقيقية، فتتعقَّد الأمور أكثر. وبعد مواقف كوميدية كثيرة يتضح الأمر للجميع، وتستطيع سهام أن تتزوج من حبيبها عزيز بك.
ومسرحية «كوثر» تدور أحداثها في قصر الباشا الثري، صاحب مزارع البنِّ في البرازيل، وله زوجة هي أسما هانم، تهتم بالمجوهرات والملابس الفاخرة وتُنفِق دون حساب، وله ابن من زوجة أخرى هو فكري، وهو شاب عاطفي رقيق المشاعر. وفي يوم يحضر إلى القصر نجيب وزوجته كوثر، ونجيب هذا هو وكيل أعمال الباشا في البرازيل، ويمكث الجميع في القصر عدة أيام، فيقع فكري في حبِّ كوثر، التي كانت تُمنِّيه وتُرغِّبه دون أن تُسلِّمه نفسَها، فما كان منه إلا أن يكتب لها خطابًا كل ليلة ويتسلَّل إلى غرفتها ويتركه، فتأتي هي وتقرؤه وتحتفظ به. وبعد أيام لاحظتْ أسما هانم نقصًا ملحوظًا في أموالها، فأخبرت زوجَها بذلك، فقام الزوج بإبلاغ الشرطة سرًّا، فجاء له مخبر سري متنكِّر في شخصية الشيخ رضوان، ومكث معهم في القصر بصفته أحد أصدقاء الباشا. وقام المخبر بعمله حيث وضع نقودًا معلومة بعلامات معينة، وبعد فترة استطاع أن يحدد الجاني، وجمع كل من في القصر لتحديده، وأمام الجميع اتهم المخبر ابن الباشا فكري، وأخرج من جيبه الأوراق المالية المعلومة. واعترف فكري بجريمته وسط دهشة الجميع خصوصًا كوثر.
وفي الليل يكتشف نجيب أوراقًا ماليةً معلومةً أيضًا في دولاب زوجته، وعندما ضيَّق عليها الخِنَاق في أسئلته اعترفتْ له أنها السارقة. وهنا جُنَّ جُنُونُه، وأخذ يتساءل لماذا اعترف فكري على نفسه، إذن زوجته خائنة، وما اعتراف فكري إلا ليُنقِذَ عشيقتَه. وحاولت كوثر تبريرَ موقِفِها، وفسَّرتْ وجود الأموال مع فكري، بأن زوجة أبيه تحرمه من المال، فأعطتْه كوثر بعضًا مما سرقَتْ، ولسوء الحظ كانت من الأموال المعلومة. وفسَّرت السرقة بأنها خافَتْ عليه من أسما هانم؛ لأنه دائمًا يتحدث عن جمالها وثرائها، فأرادت أن تكون ثرية مثلها. ويَرضَى الزوج بهذا التبرير الواهي، حيث قامت الزوجة بإغرائه في هذه الليلة. وفي الصباح يحكم الباشا على ابنه بالنفي إلى مزارعه في البرازيل، وتحاول كوثر منع ذلك، ولكنها لا تستطيع فينفرد بها زوجها ويتهمها بالخيانة، وعدم احتمالها بُعْدَ عشيقِها عنها، فتصرخ في وجهه، فيَحضُر جميع مَن في القصر وتعترف كوثر أمامهم بأنها السارقة، ويتهمها زوجها بالخيانة، فلم تُطِقْ هذا الضغط من حولها فقامت بإطلاق الرصاص على نفسها.
ومسرحية «طيف الخيال» تبدأ أحداثها في عزبة الباشا، حيث نجد جميع مَن في قصره يستعد لاستقبال محروس بك ابن الباشا، الذي أنْهَى دراستَه في الهندسة. ونلاحظ أن دنيا ابنة ناظر الزراعة تُبدِي اهتمامًا أكثر من الجميع، حيث نعلم أنها تُكِنُّ كلَّ حبٍّ لمحروس منذ صِغَرها، ولكنها لا تستطيع أن تبوح بذلك الحب، بسبب الفارق الاجتماعي بينها وبين سيدها محروس. وبعد قليل يحضر محروس من القاهرة، فيستقبله الجميع بالأغاني والأفراح، وبالأخص جاره فلان بك البرطماني، الذي يُخبِره بأنه اتفق مع عمِّه عَلَى أن يزوِّجه من ابنته علية. وهنا يُبهَت محروس حيث لا علم له بأمر هذا الاتفاق، وتحضر علية ويُعجَب بها محروس. ومن جهة أخرى نجد مظهر بك، وهو جار فلان بك، يُحاوِل تدبير المؤامرات لإفشال زواج محروس من علية؛ حيث إنه قد خطبها من والدها من قبلُ، ولكن والدها فسخ هذه الخطبة قبل حضور محروس بأسبوع.
والسبب في ذلك أن فلان بك يُتاجِر بابنته علية، من أجْل الحصول عَلَى رتبة الباشوية، فقد وافق فلان عَلَى زواج ابنته علية من مظهر، عندما علم أن خال مظهر في يده مَنْح رُتَب الباشوية. ولكن بعد أيام حدثت مشاحنات بين فلان وخال مظهر، اضطُرَّ بسببها هذا الخال أن يُنهِيَ علاقته بفلان، وبالتالي عدم منحه رتبة الباشوية؛ لذلك فسخ فلان الخطبة، ووافق عَلَى زواج ابنته من محروس لأنه من الأغنياء، وعندما تعلم دنيا بأن مظهر يدبِّر المؤامرات لحبيبها محروس، نجدها تلتحق بالعمل لديه، كي تطَّلع عَلَى أسراره ومؤامراته، ومِن ثمَّ تُحذِّر محروس منها. وبالفعل قامت دنيا بذلك، وكانت تُرسِل الرسائل إلى محروس وتوقِّع باسم طيف الخيال، واستمرَّتْ دنيا عَلَى هذا المنوال كثيرًا، ومحروس في حيرة من أمر هذه الرسائل، لدرجة أنه عَشِقَ طيف الخيال قبل أن يَعلَم مَن هي. وبعد أحداث كثيرة يعلم محروس أن دنيا هي طيف الخيال، التي أنقذتْه أكثر من مرة، فيفسخ خطبته من علية ويتزوج من دنيا، وتنتهي المسرحية.
ومسرحية «الثائرة» تدور أحداثها حول سعيد بك، وهو متزوج من حورية هانم المرأة الطيبة ذات الحسب والنسب، والتي تُطِيع زوجَها في كل شيء. وما كان من هذا الزوج إلا أن يَقوم بخيانتها كلَّ ليلة مع مدام أنطوان، في الغرفة رقم ١٦ ببنسيون مدام كلاريس، ثمَّ يعود فيقصُّ عَلَى زوجته في فخْر قصص مغامراته الليلية. وكانت الزوجة تسمع منه وتكتم غَيْرَتَها وغَيْظَها، وهو يزيد في عذابها، وعندما كانت تتبرَّم من قصصه كان ينهال عليها بوابل من الشتائم والتجريح وهدر الكرامة، ويصفها بأنها قطعة أثاث في المنزل، لا تستطيع أن تتحرَّك من مكانها إلا بإذنه، ولا تستطيع أن تخرج من المنزل إلا إلى قبرها. وبمرور الأيام نجد الزوجة تثور عَلَى جميع الرجال في صورة زوجها، وتتبرَّم بالقوانين، وتُجادِل زوجها في قيمة الأحكام التي لا تَعدِل بين المرأة والرجل … إلخ هذه الأمور.
وفي يوم من الأيام خرجتِ الزوجة دون إذن من زوجها، وتعمَّدتْ أن تعود بعد حضوره، وعندما سألها عن سبب خروجها وغيابها قالت له إنها تعرَّفتْ عَلَى رجل آخَر، فتمتَّعتْ معه كامرأة بما لم تتمتَّع به من قبلُ، حيث استأجرتِ الغرفة رقم ١٤ في بنسيون مدام كلاريس. بل وأتتْ له بدلائل قوية حيث سردت عليه ما حدث بينه وبين مدام أنطوان في الغرفة رقم ١٦، وأسمعتْه نصوصًا من كلامه وكلام عشيقته، حتى يَتيَقَّن من أنها بالفعل خانتْه في هذه الليلة. هنا ثار الزوج وحاول قتْلها، ولكن الجيران تجمَّعوا عَلَى الصراخ والعويل، ومَنَعُوه من ارتكاب تلك الجريمة. وبعد أن هدأت النفوس حاولوا أن يفهموا الموضوع من الزوجة، فقصَّت عليهم مغامرتها مع عشيقها، وكانت تتفنَّن في الوصف، والزوج يَغلِي ويتمتم، حتى انتهت من روايتها، بعد أن وصل الزوج إلى درجة الانهيار. وهنا صرَّحت الزوجة بالحقيقة الخفية، حيث إنها زوجة شريفة، فقد لفَّقَتْ هذه القصة كي تُعطِيَ زوجَها درسًا قاسيًا، ولكي يَشعُر بما كانت تشعر به هي كل ليلة عندما كان يخونها، ويقص عليها قصص خيانته. وتنجح الزوجة في تلقين زوجها هذا الدرس، فيطلب منها الغفران، ويقسم بأنه سيمحو في المستقبل سيئاته بحسنات كثيرة.
ومن الملاحظ في هذا الموسم أن فرقة عكاشة حاولت تعويض عدم وجود العنصر النسائي الغنائي بها، بسبب زواج فاطمة سري — كما مرَّ بنا — وذلك بالاستعانة ببعض المطربات، أمثال: أم كلثوم، التي رفضتِ التمثيل، ولكنها وافقتْ عَلَى الغناء فقط بين الفصول أو في ختام العروض. ولأن أم كلثوم بدأ نجمها يسطع في هذا الوقت، وافقتِ الفرقة عَلَى شروطها، ومن ثمَّ أخذتْ تُعلِن عن عروضها المسرحية المشتملة عَلَى غناء أم كلثوم بصورة خاصة.
مَن أراد أن يُضيف إلى عمره أعمارًا جديدة، كي يشاهد أكبر معرض فني، ويسمع أطرب الألحان، من أعظم مغنية مصرية، احتجبت بضع أسابيع فشَاقَتِ الجمهور إلى حنان صوتها الساحر. تياترو حديقة الأزبكية، يوم السبت ٢٠ فبراير سنة ١٩٢٦، هناك تُشاهِد أجمل المناظر الفرعونية، وتسمع أرقَّ الألحان الجديدة وأشجاها، من مغنية الشرق «الآنسة أم كلثوم». وستمثل شركة ترقية التمثيل العربي، جوق عكاشة وشركاهم، الرواية الأوبرا الجديدة «عروس الفراعنة كليوباترا». إبداع مدهش، مناظر أثرية، ألحان مطربة، مغاني شجية، رواية فرعونية، تياترو شرقي، مجتمع أدبي، «ليلة كليوباترا»، ليلة حب وهيام، ليلة مغنًى وطرب … وفي جنة الفراعنة، تَظهَر عروس المطربات «الآنسة أم كلثوم»، فتملأ القلوب فرحًا والصدور ابتهاجًا، إذ تغنِّي كلَّ مطرب وجديد، فتعوض عشَّاق صوتها الساحر ما فاتهم في مدة احتجابها، وتملأ ذلك الفراغ الفني الذي أحدثه في مدة غيابها.
إلى الشرقيين عامة والمصريين خاصة، أدعوكم جميعًا يا خير شعب، لا فرق بين كبير وصغير، فكلكم في الوطن سواء. تعالَوْا لتشاهدوا رواية بطل الشرق والتاريخ، أكبر شاهد عَلَى مسرح تياترو حديقة الأزبكية، يوم الثلاثاء ١٦ مارس … باستعداد عظيم جوق عكاشة وشركاهم، الرواية المصرية السودانية، رواية المُصلِح الكبير المغفور له وَالِي مصر «محمد علي باشا وفتح السودان.» في هذا اليوم يتجلَّى التاريخ أمام كل مُشاهِد لهذه الرواية، وفي هذا اليوم يَعلَم كل مصري أن مِن حقِّه المبادرة إلى التياترو، وليشترك في هذا المهرجان الوطني … ويتخلل الرواية مقطوعات غنائية جميلة، من ربة الصوت الساحر، مغنية أرض مصر المقدسة، الآنسة «أم كلثوم». تغني كل ما يطرب ويشجي، تغني أجمل المغاني وأطرب الألحان، تغني فتستهوي القلوب وتخلب الألباب.
موسم ١٩٢٦-١٩٢٧
ومسرحية «علي بابا» تدور أحداثها في جوٍّ من حكايات ألف ليلة وليلة، حيث نجد علي بابا الذي يحب جاريته مرجانة، ولكنه لا يستطيع العيش في سعادة بسبب ديونه المتراكمة، خصوصًا دينه لابن عمه قاسم، الذي يتصف بالبخل رغم ثرائه. وفي لحظة يأس يُقرِّر علي بابا الانتحار، فيذهب إلى الغابة وقبل أن ينتحر تأتي مرجانة وتطلب منه أن يبيعها حتى يُسدِّد دينه، ولكنه يرفض، فتذهب مرجانة يائسة. وفي هذه اللحظة تأتي عصابة من اللصوص، وتقف أمام مغارة في الغابة، ويصيح قائدها بعبارة: «افتح يا سمسم»، فيُفتح باب المغارة. وفي أثناء ذلك كان علي بابا مختبئًا خلف الشجرة، وقد عَرَف سِرَّ فتح باب المغارة، وبعد انصراف اللصوص قام علي بابا بدخول المغارة، فوجد فيها كمية كبيرة من المجوهرات، فحمل منها ما يستطيع حمله وذهب به إلى مرجانة. وبعد أيام لاحظ قاسم الثراء الفاحش الذي يتمتع به علي بابا، فبدأ يُراقِبه كي يعلم السرَّ، وبالفِعْل استطاع قاسم أن يعرف سِرَّ المغارة.
وفي اليوم التالي ذهب قاسم إلى المغارة ودخلها، وحمل منها مجوهرات كثيرة، ولكنه لم يُفلِح في الخروج لأنه نَسِي كلمة السِّرِّ. هنا تحضر العصابة وتقبض عليه، ويُقرِّر رئيس العصابة قتْلَه، ولكن أحد أفراد العصابة، وهو زريق، يطلب من الرئيس تولِّي هذه المهمة؛ لأنه في الماضي كان عاملًا لدى قاسم، فقام الأخير بطرده لسبب تافِهٍ. ولكن قاسم أخذ في استرحام زريق، فوافق زريق عَلَى عتقه بشرط أن يصبح من العصابة، فيوافق قاسم الذي تغيَّب عن منزله وعن زوجته زبيدة أيَّامًا كثيرة، فظن الجميع أنه مات. وبعد أيام لاحظ رئيس العصابة أن أموال المغارة نقصتْ، فيعلم أن علي بابا هو الذي استولى عليها، فتقوم العصابة بتدبير خطة لقتْل علي بابا، وكان موعد التنفيذ هو يوم زفاف علي بابا عَلَى زبيدة زوجة قاسم. وفي اليوم المحدَّد استطاعت مرجانة أن تُفسِد خطة العصابة، وأن تُنقِذ علي بابا من الموت، وتعود زبيدة إلى زوجها قاسم بعد أن عَلِمَتْ بأنه عَلَى قيد الحياة، وتنتهي المسرحية بالقبض عَلَى العصابة وزواج علي بابا من مرجانة.
ومسرحية «المرأة الجديدة» تدور أحداثها حول رجل غني كبير في السِّنِّ، هو محمود بك لمعي، الذي يعيش في حرية تامَّة ولذَّة محرَّمة، ولا يُحبُّ القيود لدرجة أنه ترك ابنته ليلى تعيش عند عمَّتها حتى يتنصل من مسئوليته تجاهها، وحتى يستطيع أن يعيش بحرية مع ملذَّاته المحرمة. وبعد أن تموت العَمَّة تُضطَرُّ ليلى إلى العيش مع أبيها، ولكنه يتضجر من وجودها؛ لأنها تُقيِّد حياته، فيفكر في الخلاص منها بتزويجها، ويطلب من وكيله البحث عن عريس لها. وينجح الوكيل في إيجاد نجيب الشاب المستهتر ليكون هو زوجها المرتقب. وفي أول لقاء بين نجيب وليلى نكتشف أنهما من دُعاة السفور، وكلٌّ منهما يرفض الزواج والارتباط بالآخَر، طالما يستطيع كلٌّ منهما أن يُصادِق الآخَر وينفرد به دون زواج بدعوة السفور والتحرُّر. وهنا تحضر نعمت صديقة ليلى، ويدور بينهما حوار، نفهم منه أن نعمت هي خليلة نجيب، رغم أنها متزوجة من سامي، الذي تركتْه عندما اكتشفتْ علاقته بليلى، وهي الآن تعيش مع إبراهيم. وتتطور الأحداث ليصبح نجيب من أصدقاء الأسرة، ويذهب معهم إلى عزبة محمود بك، وتلحق به نعمت، ويلحق بها زوجها سامي الذي يعنِّفها عَلَى سلوكها مع نجيب، فتخبره أنها فعلتْ ذلك بسبب علاقته مع ليلى، ويسمع هذا الحوار نجيب، فيُقرِّر عدم الزواج من ليلى؛ لأنها فتاة تفرِّط في شرفها، فيخرج غاضبًا حانقًا لاعنًا السفور والسفوريين، وتنتهي المسرحية.
ومسرحية «ناهدشاه» تدور حول اجتماع مجلس الكهنة والأمراء في بلاد الدند لاختيار السلطان الجديد، وكان المتوقَّع أن يكون ولي العهد هو السلطان المنتخب، ولكن المجلس عدل عن هذا الرأي لغباء ولي العهد وسوء تصرُّفه. وهنا يَظهَر الكاهن الأعظم، ليقرأ عَلَى الجميع وصية الحكيم هنكا بن تاووس، وفيها يُبشِّر الأهالي بفتح الباب الجنوبي للعاصمة دندابارا، وأول مَن يدخل منه يكون هو السلطان ويتزوج الأميرة ناهدشاه، وهذا حسب الوصية المكتوبة. وبالفعل يتم فتح باب العاصمة، وفي هذه اللحظة يصل إلى الباب ثلاثة أشخاص من مصر؛ الأول: حسن، والثاني: حسون، والثالث: الشيخ حواش. والأول حضر للتجارة، والثاني حضر بحثًا عن ناهدشاه حبيبته، والثالث أخذه معه حسُّون ليتبارك به في رحلته. ويشاء القَدَر أن يَدخل حسن أوَّلًا، فيُهلِّل الأهالي وينصِّبونه سلطانًا عليهم، ويُحدِّدون لهذا التنصيب يومًا محدَّدًا، ليكون أيضًا يوم زفافه عَلَى ناهدشاه. وفي صباح يوم التنصيب تتعرف ناهدشاه عَلَى حبيبها حسُّون، وتتفق معه عَلَى خطة لإبعاد حسن عن التنصيب وعن زواجه منها. وبالفعل تُقابِل ناهدشاه حسن، وتُخبِره أن التنصيب هذا سيكون سببًا لأن يأكله الأهالي حيًّا، وهذا حسب عوائد أهل هذه البلاد، والحلُّ أنه يتنحَّى عن هذا المنصب. وهكذا يُعلن حسن تنازله عن السلطنة، وبالتالي يئول التنصيب إلى مَن دخل المدينة من بعده، وهو حسُّون. وبالفعل يتم تنصيب حسُّون كسلطان عَلَى البلاد ويتزوج من ناهدشاه، وسط تهليل الأهالي ووسط حسرة المغفلين.
ومسرحية «بنت نابليون» تدور أحداثها حول انتقال جماعة من أعوان نابليون إلى خدمة ومعاونة لويس الثامن عشر، الذي خَلَفه في الحكم، بعد موقعة واترلو الشهيرة. وكان من بين هذه الجامعة نابليونيت ابنة الكولونيل دي سيرينان، الذي قُتِل في موقعة واترلو، فأصبحت نابليونيت تحت وصاية عمها المركيز دي سيرنيان ناظر قصر الملك لويس، والذي يطمع في ثروتها، ويريد أن يزوِّجها من ابنه الضابط روجيه. ولكن روجيه كان يحب إحدى الوصيفات في القصر، وكانت نابليونيت تحب الضابط شالندري، الذي ضمَّد جراحها عندما أُصيبتْ في موقعة واترلو. وتنعم نابليونيت بعيشة رغدة، حتى تعلم بخبر مؤامرة ضدَّ الملك، سيقوم بها أعوان أخيه شارل. وتنجح نابليونيت أخيرًا في إخفاق هذه المؤامرة، ويُحاوِل المتآمِرون خطْف الملك نفسه، وتنجح هي أيضًا في إخفاق هذا الأمر بعد أن أُصيبت بطعنة غير قاتلة. وبعد اكتشاف هذا الأمر برمَّته يُجازيها الملك بتزويجها من حبيبها الضابط، ويُرضِي عمَّها بأن يُزوِّج ابنه إلى الوصيفة، بعد أن دفع صداقها من ماله الخاص، وبذلك تنتهي المسرحية.
ومسرحية «أحب أفهم» تدور أحداثها حول رأفت ابن الباشا الذي يقع في حب لواحظ، بعد أن شاهدها كثيرًا واقفة في الشباك بجانب زوجها مظهر. وأثناء تردُّد رأفت على شارع لواحظ تنشأ بينه وبين الأسطى علي صداقة، فيبوح له رأفت بحبه، فيساعده الأسطى علي، خصوصًا بعد أن وضَّح لرأفت أن مَن يعيش مع لواحظ هو الواصي عَلَى أموالها وليس زوجها. وهكذا تمَّ التعاون بين الأسطى علي وبين رأفت. وبعد فترة يتم تبادل الأخبار بين رأفت ولواحظ عن طريق الأسطى علي، فنعلم أن مظهر قرَّر الزواج من لواحظ سرًّا حتى يستولي عَلَى ميراثها. وهنا يتفق الأسطى علي مع رأفت عَلَى خطة لتخليص لواحظ، فيقوم رأفت بالتنكُّر في زي شيخ أزهري يُدعَى الشيخ مؤنس، جاء كي يعطي الدرس إلى لواحظ بدلًا من شيخها الأصلي الشيخ عبد العاطي، الذي أصابه مرض مفاجئ. وبعد عدة مواقف مضحكة ومعقدة في نفس الوقت يستطيع رأفت أن يتزوج من لواحظ بعد أن تنازلت عن ثروتها لمظهر.
ومسرحية «الحماة» تدور أحداثها حول الطالب إبراهيم الذي يدرس بعيدًا عن أهله، وهو في نفس الوقت مُتيَّم بحب قريبته نظلة. وفي يوم يأتيه خبر قراءة فاتحة نظلة عَلَى شفيق، فيذهب إبراهيم في هذا اليوم باعتباره من الأهل، فيشاهد في صالة الاستقبال نظلة، التي تتنحَّى به جانبًا وتُخبره عن عدم موافقتها عَلَى الارتباط بشفيق، ولكنه يُخالِفها الرأي، ويؤكِّد لها ضرورة موافقتها طالما هذه رغبة الأهل، وقبل أن ينصرف يُقبِّل يدَها لحظة دخول والدها وخطيبها شفيق، فتثور ثورة الجميع عَلَى إبراهيم ظنًّا منهم أنه عَلَى علاقة بنظلة. وتمرُّ أربع سنوات لنَجِد نظلة في منزل زوجها شفيق، يُجرِّعها هو ووالدته مُرَّ العذاب، رغم إشفاق والد زوجها عليها، ولكنه مغلوب عَلَى أمره بسبب سطوة ابنه وزوجته عليه. وفي يوم يشتدُّ النِّقاش بين العائلة فتُصرُّ الأم عَلَى أن يُطلِّق ابنها شفيق زوجته نظلة، وبالفعل يُطلِّقها، ثمَّ يندم ندمًا شديدًا. وبعد الطلاق تستنجد نظلة ووالد طليقها — الذي طُرِد من المنزل — بإبراهيم، الذي أصبح ملازمًا أول في الجيش، فيكرمهما إكرامًا كبيرًا، ولكن شفيق كان يراقب والدَه ومطلقته حتى علم بمكانهما، فينجح في اختطاف مطلقته، ولكن بعض الخفر يستطيعون الإمساك به وإعادة نظلة إلى إبراهيم.
من الناس عظماء يعيشون في عزلة وسكون، ويعملون في غير ضجة ولا ضوضاء، فإذا ما طواهم الموت أدرك الناس بعد فقْدهم سِرَّ عظمتهم، وأحسُّوا بنبوغهم العجيب، فعضُّوا عليهم بنان التلهُّف والحسرة، وتمنَّوْا لو قدَّروهم في حياتهم بما هم به جديرون. ولكن تلك سنة الله في خلقه، ولم تجد لسنة الله تبديلًا! وقد عاش المرحوم الشيخ سيد درويش الموسيقي الفذُّ مجهولًا، إلا من نفر قليلٍ من أصدقائه، وكانت ألحانه التي تفيض بشتَّى العواطف تستقر في كل قلب ويتغنَّى بها كل لسان، والناس تَطرَب منها وتبكي، وهم لا يعرفون من أمره شيئًا حتى مات، وظهر في عالَم الموسيقى ذلك الفراغ الكبير، فارتفع شأنه بموته وذاع صيته، وتجلَّت مظاهر عظمته الفنية العجيبة. ومن آثاره الخالدة رواية «شهوزاد» الذي سكب في ألحانها روحه العظيمة، فأخرج منها معجزة فنية، تمر السنون وتفنى الأجيال، وهي باقية لا تفنى ولا تزول! مثَّلها بنفسه منذ سنين ثمَّ طُويت بوفاته، إلى أن اشتراها مسرح الحديقة من ورثته، وأخرجها في الأسبوع الماضي، فعاد الناس يسمعون تلك الموسيقى الآخذة بالنفوس ويخشعون باهتين أمام ذلك الفيض السماوي الساحر، وهم في نشوة الطرب والإعجاب. وقد أتقن أفراد الفرقة تمثيل الرواية وغناءها إتقانًا يشهد لهم بالمقدرة في فنِّهم، ويبيِّن جليًّا مقدار النهضة التي ينهضها هذا المسرح.
موسم ١٩٢٧-١٩٢٨
وتدور أحداث مسرحية «فاتنة بغداد» في جو من حكايات ألف ليلة وليلة، حيث نجد الشاب علي الذي أفلس بعد ثراءٍ كبيرٍ يذهب إلى سوق الجواري والعبيد كي يَبِيع عبده فيروز ليعيش بثمنه. وفي السوق تراه الجارية بدر البدور أو فاتنة بغداد، فتتعلَّق به وتُحبُّه، وتعطيه مالًا كي يشتريها من سيدها لتعيش معه. وبالفعل يقوم علي بذلك، وتعيش معه بدر البدور كزوجة في سعادة غامرة، كدَّرها بعض الحاقدين، فقاموا بخطف بدر البدور. وبعد حوادث كثيرة تعود بدر مرة أخرى إلى علي، بعد أن أصبحت ذات شأن كبير في الدولة، فتجعله أميرًا.
قضى الله أن يحل الشقاء بين عناصر هذه الفرقة … كوَّن عبد الله أكبرهم فرقة كان نصيبها الفشل لقلة المال، وها هو جبَّارهم زكي لمَّ شعثَه وكوَّن فرقته هذه للموسم الجديد، الذي افتتحه برواية «فاتنة بغداد». وهي قصة مقتبسة من ألف ليلة، تدور حول اختطاف جارية من دار إلى دار، ومن كهف إلى مغار، لصوص تقتل لصوصًا جارية تفر من بغداد، فتصبح في الهند أميرة تعثر عَلَى حبيبها، فيتعانقان ويعيشان في «التبات والنبات ويخلِّفون صبيانًا وبنات، وتوتة توتة فرغت الحدوتة.» هكذا الأوبراكوميك وإلا فلا. والفرقة جديرة بالتهنئة عَلَى حسن اختيارها، وقد استحق الأستاذ زكي السيد مؤلف الرواية عظيم الشكر ورقيق التهاني عَلَى مجهوده، أمَّا الإخراج فقد كان في غاية الدقة وحسن الذوق، والمناظر بديعة غالية، مما يدل عَلَى سخاء الفرقة عَلَى الفن، وهذا يرجع إلى مقدرة المدير الفني الأستاذ عمر وصفي، ولحَّن الأستاذ داود حسني الرواية تلحينًا مطربًا. وكان الأستاذ زكي مطربًا حنونًا مشجِّعًا كعادته، وقد حلَّى أناشيده ببحَّات في صوته، كادت تأخذ بأرواح النظارة، لولا لطف الله، فاستحق كل إعجاب. وبهجت «العبد سرور» الهزلي الشهير، مثَّل لأول مرة عبدًا فنجح فيه نجاحًا أعجب به الحاضرون. وفي جد نهنِّئ الآنسة علية فوزي عَلَى قيامها بتمثيل «بدور» تمثيلًا فنيًّا وغناءً مشجيًا، مما يدل عَلَى أن هذه المطربة في تقدُّم مطَّرِد. وكذا الآنسة «لطيفة» قامت بدور الأميرة برشاقة وخِفَّة ودَعَة وكبرياء، كما لو كانت من بيت الإمارة.
موسم ١٩٢٨-١٩٢٩
وهكذا أُسدِل الستار عَلَى فرقة عكاشة، التي عملت ما يقرب من عشرين سنة بسواعد نوابغ الفن التمثيلي المسرحي، حيث ضمَّت الفرقة من الكوادر الفنية والإدارية عددًا كبيرًا نذكر منهم: إبراهيم أبي السعود، أبريز أستاتي، أبو العلا، أحمد ثابت، أحمد عبد الرحمن، أحمد فهمي الصغير، أحمد فهمي الكبير، أحمد فهيم، أحمد ناجي، أستر شطاح، أسعد سعد، ألمظ أستاتي، أمين عطا الله، أمين عفيفي، أمينة محمد، بشارة واكيم، توفيق ظاظا، جراسيا قاصين، جميلة إلياس، جورج طنوس، حافظ نجيب، حامد المغربي، حسن حبيب، حسن كامل، حسن مرعي، حسين حسني، حسين رياض، حسين عسر، حنا وهبة، روز اليوسف، زكي عكاشة، زكي مراد، زكية الشامية، سرينا إبراهيم، سليم عطا الله، سيد جمال الدين، صالح محمد، صالحة قاصين، صوفي يوسف، عائدة حسن، عباس فارس، عبد الباقي عكاشة، عبد الحليم القلعاوي، عبد الحميد عكاشة، عبد الحميد علي، عبد الرحمن شعراوي، عبد العزيز خليل، عبد الله عكاشة، عبد المجيد شكري، عثمان حلمي، عزيز عيد، عزيزة أمير، عفيفة خوري، علي حسن، علي حمدي، علي يوسف، علية فوزي، عمر وصفي، فؤاد إبراهيم، فاطمة سري، فكتوريا سويد، فكتوريا موسى، فوزي الجزايرلي، لبيبة فارس، لبيبة ماللي، لطيفة حجازي، لطيفة نظمي، ماري إبراهيم، ماري كفوري، متولي السيد، محمد أبو عمة (ملقِّن)، محمد أمين، محمد المغربي، محمد بهجت، محمد حجازي (ملقِّن)، محمد حسن، محمد عبد القدوس، محمد فهمي أمان، محمد كمال المصري «شرفنطح»، محمد ناجي، محمد هلال، محمد يوسف، محمود حبيب، محمود خطاب، محمود رحمي، محمود رضا، محمود عزت، محمود وهبي، مريم سماط، مصطفى أمين، منسي فهمي، ميليا ديان، نجيب الريحاني، نهوى حسني، وردة ميلان، يوسف خليل.
مثَّل جوق الشيخ سلامة حجازي مساء أمس رواية «شهداء الغرام» الشهيرة، وكان الإقبال عليها كثيرًا، وحازت استحسان جميع الحاضرين من إتقان التمثيل، وخصوصًا أدوار حضرة صاحب الجوق كما هو المشهود له في هذا الفن عند الجميع. وسيمثِّل في خلال هذه السنة أربع روايات جديدة من الروايات الشهيرة، وهي: رواية «النجم الآفل» و«عواطف البنين» و«البخيل» و«شهداء الوطنية». وقد أُعدَّ لكل رواية منهم ملابس ومناظر جديدة، فنرجو من الجمهور تعضيد هذا الجوق الوطني الوحيد والإقبال عَلَى رواياته البديعة.
تُحيِي جمعية الاتحاد الشرقي الليلة الأولى من سَنَتِها الثانية هذا المساء في التياترو المصري بشارع عبد العزيز، فتمثَّل رواية «الملك العادل» وتُختم بفصل مضحك ثمَّ تعرض الصور المتحركة.
عَلَى الرغم من أن هذه المسرحيات عرضتْها فرقة عكاشة لأول مرة في هذا الموسم، إلا أن بعضها تم تمثيله من قبلُ من خلال فِرق مسرحية أخرى، فمثلًا فرقة جورج أبيض مثَّلت مسرحية «النساء العالمات» عام ١٩١٢، ومثَّلت مسرحية «بنات الشوارع» عام ١٩١٣ باسم «بنات الشوارع وبنات الخدور». أمَّا مسرحية «أبو الحسن المغفل» فمثَّلتْها معظم الفرق العربية في مصر منذ القرن التاسع عشر.
عُهِد إلى أحد ضباط البوليس في تنفيذ قرار القائد العام بإقفال المحلات العمومية والملاهي في الساعة الثانية عشرة مساء، وكان جوق إخوان عكاشة يمثِّل ليلة تنفيذ الأمر رواية «اليتيمتين»، وهي رواية ذات خمسة فصول، وكانوا قد وصلوا في الساعة الثانية عشرة إلى أول الفصل الرابع منها، فأمر الضابط بإنزال الستار وصرف الحاضرين، فكان له ما أراد.
لم نكن نظن أن رواية الفرسان الثلاثة التي ألَّفها دوماس الكبير، وعرَّبها المرحوم نجيب الحداد، ثمَّ وُضعت في القالب الروائي بالأفرنسية، بقلم والد المؤلِّف نفسِه، ونقلها إلى العربية في شكلها هذا، الكاتب بشارة داود صاحب مجلة العظماء تصادف ما صادفت من قلة الإقبال والوأد في المهد. لقد حضرنا الليلة الأولى، فإذا بدار التمثيل العربي ليس فيها إلا ما يسع ثلث فنائها. وحضرناها في الليلة الثالثة (وقد مُثِّلت ثلاث ليالٍ متواليات)، فإذا هي تكاد تكون خالية. لِمَ هذا يا ترى؟ لقد أنفق عزيز عيد مهارته، في إعدادها، وقام بتمثيل الأدوار كبار ممثلي الجوق وممثلاته، ولم نجد عليهم عيبًا لا يغتفر في التمثيل. بل أجاد كلٌّ منهم دَوْرَه، أتُرى هو لتعدد مناظر فصول الرواية؟ أم لأن أكثر الناس تعرفها؟ أم لأن الإعلان لم يكن كفيلًا بالإعلام؟ أم لأن الناس سَئِمتْ هذه المنقولات؟ ولقد حضرنا تمثيلها لرابع مرة، فإذا دار التمثيل تكاد تكون من الناس قاعًا صفصفًا، هذا ما يُحيِّرني.
يمثِّل الجوق الجديد الذي ألَّفه حضرة الأديب البارع سليمان أفندي حداد لتمثيل الروايات العربية، أول رواية من رواياته هذا المساء، في التياترو الوطني الجديد قرب الجران بار. أمَّا الرواية التي سيمثلها فهي رواية «القرصان» (لصوص البحر)، بقلم حضرة الشيخ يوسف حبيش، الرئيس الثاني لقلم الترجمة في الدومنين، وهي من الروايات البديعة التي لم يسبق تمثيلها في اللغة العربية، تبدأ في مدينة باريس وتنتهي في بلاد المكسيك بأمريكا. ويتخللها كثير من الوقائع الغريبة والمشاهد الطبيعية، التي تروق الناظر وتشوق الحاضر. وقد جاء حضرة مدير الجوق بأشهر الممثلين والممثلات، وبلغنا أن الناس أقبلوا عليه إقبالًا عظيمًا، حتى كاد الملعب يضيق بهم عَلَى سعته، فنرجو له مزيد التقدم والنجاح، ونحث الجمهور عَلَى زيادة الإقبال عليه، تنشيطًا لهذا الجوق العربي، وإحياءً لهذا الفن الأدبي.
مثَّل جوق حضرة الأديب سليمان أفندي الحداد أمس، رواية «القرصان» (لصوص البحر)، وهي من أجمل الروايات ولم تمثل بالعربية قبلًا. فغصَّ المكان بالحضور وأجاد الممثِّلون جميعًا في تمثيل أدوارهم، وخصوصًا ممثلة هيلانة، فإنها أظهرتْ من الحنو عَلَى بنتها بما استوقف الأبصار وأثار الأشجان. وأجاد أندريس فيما أبداه من الشهامة والمخاطرة بنفسه لإنقاذ حواء وإرجاعها إلى أمها. وأجاد روبير كل الإجادة عندما أراد أن يسكر بيرار الطبيب، حتى يطلع عَلَى ما يكنُّه صدره، فسكر هو دونه، وأبدى من الحركات والإشارات ما أذهل الحاضرين. وأحسنت مانوليتا صاحبة الحانة في تمثيل دورها، فصفَّق لها الجمهور استحسانًا. أمَّا حواء الشحاذة فأبدت من الأنفة وكبر النفس ما دل عَلَى طيب عنصرها وكرم عندها، وأظهرت من معرفة الجميل لمخلِّصها أندريس ما سُرَّ به الحاضرون. وأجاد بيرار الطبيب وسيمون في تمثيل حالة السكر، وأحسن الأمريكي فيما أظهره من الرصانة والمخاطرة بنفسه، وبذل أمواله لتخليص الفتاة. وبالجملة فقد كان التمثيل بالغًا حدَّ الإتقان والكمال، ولكن البعض انتقدوا طول الفترة بين الفصول، عَلَى أن ذلك كان لا بُد منه لتطبيق المناظر عَلَى وقائع الرواية، بحيث جاءت ممثلة لها كل التمثيل.
قال محمد علي حماد في جريدة «البلاغ» بتاريخ ٣٠ / ١٢ / ١٩٢٥ إن مسرحية «الزوبعة» مصَّرها عباس علام عن مسرحية «شمشون» لهنري برنشتين.
الروايات التمثيلية بين المحافظة والداخلية
منعتْ وزارة الداخلية تمثيل رواية «ابن طولون» لمؤلِّفها الأديب عبد الحليم دلاور المصري، بعد أن رخَّصت المحافظة بتمثيلها.
روينا أمس أن وزارة الداخلية منعت تمثيل رواية «ابن طولون» التي ألَّفها الأديب عبد الحليم دلاور المصري، بعد أن رخَّصت المحافظة بتمثيلها. وقد قابلنا المؤلف أمس وسألناه عن تفصيل المسألة، فقال لنا إن اسم الرواية «السلطان قلاوون» لا «ابن طولون» كما نُقل إلينا.
كثيرًا ما تساءل الناس وهم يَرَوْن قلة الإقبال عَلَى فرقة بوفيه حديقة الأزبكية … كيف استطاعت الفرقة المذكورة أن تصمد هذه السنين الطويلة، وأن تدرأ عنها الإفلاس؟ وقد بَنَوْا حكمَهم عَلَى ما يَرَوْنه من خلوِّ القاعة في غالب ليالي التمثيل! إلى أن قصَّ علينا صديق أن بنك مصر يوزِّع اشتراكات الموسم عَلَى عملائه، وخاصة المقيمين منهم في الأرياف، ويتقاضى منهم أثمانًا باهظة. فثمن البنوار مثلًا هو ١٧ جنيهًا واللوج عن الليلة الواحدة جنيهان! وروى لنا هذا الصديق أن صهره يُقِيم في … يدفع سنويًّا ما لا يقل عن ٥٠ جنيهًا ثمنًا لمقاعد ومقصورات في تياترو الحديقة! يدفعها من غير تأفُّف ولا تذمُّر؛ لأن له حسابات جارية مع بنك مصر تبلغ عشرات الألوف من الجنيهات، وهو لا يستطيع أن يرفض هذه التذاكر لئلا يُغضِب أولي الغرض والحجز في بنك مصر! ولما كانت … في مديرية … وتبعد عن القاهرة ٧ ساعات بالإكسبربس، فإن العميل المذكور ليس في وسعه أن يحضر خصِّيصًا لمشاهدة تمثيل سي زكي وسماع صوت ست علية! وهكذا يدخل الزائر دار ترقية التمثيل العربي، فيراها قاعًا صفصفًا، مع أن جميع المقاعد والمقصورات تكون مُبَاعة لأعيان الريف.
كلمة صريحة أُرِيد أن أُفضِيَ بها إلى مَن يُهمُّهم تتبع الحركة التمثيلية في مصر، ورأيِي أن يعرفه عني الجميع، أكره التمصير إلى أبعد غايات الكُرْه ولا أوافق عليه أبدًا. وواحدة من اثنين، إما أن يكون كُتَّابنا المسرحيون مُعرِّبين أو مؤلِّفين، ولا وسط بين الطرفين، فهنا شرُّ الأمور الوسط! والتمصير في أسمى درجاته وفي كمال نجاحه، ليس إلا إقرارًا بعجز، واعترافًا بنقص في المقدرة، ولا يمكن أن يخلو من مسخ أو تشويه. ثمَّ لا تستطيع من رواية مُمَصَّرة أن تعلم مبدأ لممصِّرها في المسرح أو في الحياة، أو أن تلمس قدرته ككاتب له رأي وله عقيدة، وفي النهاية لا تستطيع أن تلمح شخصيته من خلال الرواية؛ لأن عمله فيها محدود محصور مهما بدَّل فيها وغيَّر. فهل هذا يُرضِي كُتَّابنا المسرحيين؟ وهل هذا يرضى عَلَى الأخص عباس علام أفندي؟ أمامك الحياة المصرية والبيئة الشرقية ملأى بالمواضيع، التي تستطيع أن تضع منها مئات الروايات، ويكون لك عندنا فخر تأليفها. أمامك التاريخ، سواء أكان تاريخ مصر الحديث والقديم، أم تاريخ عظماء الشرق وأبطاله، بل تاريخ العالَم بأسْره، وفيه من العِظَات والقصص ما يسهل أمام المؤلف البارع السبيل إلى الكتابة والتأليف. أمَّا التمصير يا سيِّدي، فهو جهد البائس وقِبْلة الضعيف، الذي يَخشَى اقتحام البحر بعبابه، ليخوض قناة صغيرة فيأمن العاقبة، ويضمن لنفسه النجاة ولو بجِلْده!
كان صباح الأربعاء الماضي موعد انعقاد محكمة الموسكي الجزئية لنظر الدعوى المرفوعة من زكي عكاشة موكِّلًا عنه كامل البنداري، ضدَّ محمد عبد المجيد حلمي صاحب مجلة «المسرح» موكِّلًا عنه حسين خليل المحامي. وكان موضوع الدعوى أن الأول يتهم الثاني بأنه اعتدى عليه بالإهانة والسب والضرب، وكل هذا — كما يزعم — وقع من المتهم عَلَى المدَّعي داخل عرينه في حديقة الأزبكية أمام هذا التياترو، وعلى ذلك طلب محاكمته بالمادة ٤٥. فسمعت المحكمة أقوال الشهود، ثمَّ حكمت حضوريًّا برفض الدعوى المدنية، وبالبراءة، وإحالة المصاريف إلى جانب المدَّعي. فنُهنِّئ حضرة زميلنا ببراءته، ونهنِّئ الصحافة عامة والصحافة المسرحية خاصة بهذه السلامة التي قرَّتْ بها عين العدالة، واغتبطت بها الحرية والسلامة.
الرواية أوبراكوميك، تأليف الأستاذ عزيز عيد، اقتبسها أو ألَّفها في فترة من فترات الحماس، فجاءت آية في السلطنة.