فرقة منيرة المهدية
بدأت حياتها الفنية كمغنية في قهاوي الرقص المعروفة، ثمَّ بزغ نجمها وذاع صيتها، فانتقلت إلى قهوة نزهة النفوس التي اشتُهرت بحلولها فيها. وظلت تُشجِي الجمهور وتُطرِبه في تلك القهوة … كان المرحوم الشيخ سلامة حجازي في أوج مجده وعظمته حين أُصيب بمرضه المعروف، الذي حرم الجمهور منه أشهرًا عديدة. وشعر الناس بفراغ شديد عقب ذلك، رغمًا من قيام عبد الله عكاشة بأدوار الشيخ سلامة. وألحَّ الكثيرون عَلَى السيدة منيرة بأن تَعتَلِي المسرح لكي تملأ ذلك الفراغ، ولكنها كانت ترفض. وكان الأستاذ عزيز عيد أول الذين ألحُّوا عليها بذلك الأمر، إذ كان وقتئذٍ بلا عمل … لم تسمع السيدة منيرة لإلحاح الناس، بل ظلت تعمل في نزهة النفوس، وهي مغتبطة سعيدة، يحيط بها هالة من المعجبين. وأصدرت السلطة العسكرية أمرها بإغلاق القهاوي والبارات من الساعة العاشرة مساءًا وسرى هذا الأمر طبعًا عَلَى نزهة النفوس. وانتهز عزيز عيد هذه الفرصة وأعاد الكَرَّة عَلَى السيدة منيرة، وما زال يُزيِّن لها الآمال ويُمنِّيها بالمجد حتى قَبِلَتْ أخيرًا.
موسم ١٩١٥-١٩١٦
تُحيِي في مساء يوم الخميس ليلة الجمعة ٢٦ الجاري في تياترو برنتانيا، ليلة يُحتفل فيها بدخول المغنية المشهورة الست منيرة المهدية التمثيل العربي، فتنشد قصيدة استقبال من تلحين الموسيقي المُبدِع كامل الخلعي، تستمر ثلثي ساعة. ثمَّ تمثل لأول مرة دور وليم في الفصل الثالث من رواية «صلاح الدين الأيوبي»، ويُمثِّل في هذه الليلة أيضًا جوق الكوميدي العربي رواية من نوع الكوميدي، وهي رواية «مدموازيل جوزيت امرأتي» الشهيرة الجديدة التي لم تُمثَّل بعدُ.
أشهر ممثلي وممثلات العصر، ثلاث روايات في حفلة واحدة، رواية «صلاح الدين» دور وليم الست منيرة المهدية، رواية «الزوج ذو الوجهين» من الأستاذ عزيز عيد، رواية «الطفلين» من المطرب المبدع عبد الحميد عكاشة لحنًا وتمثيلًا. ألعاب الكورسال لم يسبق تقديمها. وهذه الليلة تُعتبر من معجزات ومدهشات الكورسال، والدور الثاني بأجمعه مخصص للسيدات المصريات ولهن باب خصوصي. ولكي لا يُحرَم أحد من مشاهدة هذه الحفلة جعلنا أسعار الدخول مخفَّضة.
السيدة منيرة المهدية هي صاحبة الأناشيد المطربة، ورئيسة الجوقة التمثيلية، التي أقرَّ لها أهل الذوق والأدب بالمكانة العليا في هذين الفنين الجميلين. وقد حرَّكت عبرتها اليوم عاطفة إنسانية في هذه الضائقة الشديدة، فأرادتْ أن يكون لها باع طولى في إغاثة المنكوبين بالفقر، فتبرَّعت بليالي تمثيلية لبعض الجمعيات الخيرية، منها ليلة لجمعية الإسعاف، وثانية لجمعية الروم الأرتوذكس، وثالثة لجمعية خير المواساة الإسلامية. وكتبت لنا تقول إنها مستعدة لتحذو هذا الحذو الجميل مع كل جمعية خيرية عَلَى اختلاف الأديان، بشرط أن تُخابِرها الجمعية قبل تحديد الميعاد بعشرة أيام. والمخابرة معها رأسًا بمنزل زوجها الفاضل محمود جبر بالفيلا نمرة ١٠٨ في مصر الجديدة. وفي هذه الليلة تمثل للإسكندريين في مسرح الحمراء رواية «أنيس الجليس»، وفصلًا من رواية «شهداء الغرام». فنشكر هذه السيدة عَلَى غيرتها، التي أنالت الجنس اللطيف قصب سبقه عَلَى الرجال في ميدان المكرمات.
ومسرحية «أنيس الجليس» مستوحاة من ألف ليلة، وتدور حول الفضل بن خاقان، الذي اشترى الجارية أنس الجليس ليُهدِيَها إلى سيده ابن سليمان. وكان للفضل ابن يُسمَّى عَلي نور الدين وقع في حب الجارية، فطلب من أبيه أن يَستَبْقِيَها ولا يُهدِيَها إلى سيده. وعلم بالأمر المعين بن ساوى، وهو من أشد الحاقدين عَلَى الفضل، فيذهب إلى ابن سليمان ويُوغِر صدره عَلَى الفضل، الذي آثَرَ ابنه عَلَى سيده. فيحاول ابن سليمان الانتقام من «علي نور الدين»، الذي يهرب بالجارية إلى الخليفة هارون الرشيد، ويقص عليه الأمر. فيُعطيه الرشيد خطابًا إلى ابن سليمان كي يرفع عنه الضرر. وعندما يصل علي إلى ابن سليمان ويقدِّم له الخطاب يحضر المعين بن ساوى ويجعل ابن سليمان يشك في أمر خطاب علي نور الدين؛ لأن المعين أبرز خطابًا آخَر من الرشيد يأمر فيه ابن سليمان بقتل الفضل وابنه. وقبل تنفيذ الحكم تَظهَر الحقيقة ويحضر الرشيد فيأمر بسجن ابن سليمان والمعين، ويزوِّج علي نور الدين بالجارية أنس الجليس.
أقول كلمة حق في جوق الممثلة الرجل السيدة منيرة المهدية. شهدت رواية «ضحية الغواية» التي مثَّلها هذا الجوق في مسرح برنتانيا، فهزَّني ما رأيته من إتقان التمثيل والمشاهد، مما دلَّ عَلَى براعة حضرة مدير الجوق الفني حسن ثابت. وجميلٌ جدًّا أن يصبح جوق السيدة منيرة من الأجواق الكبرى، التي تضم أمثال أمين عطا الله وأحمد حافظ وعبد المجيد شكري وحسن ثابت وسواهم؛ لأن هذا دليل صادق عَلَى أن صاحبة الجوق وحضرة مديره الفاضل محمود جبر، يرميان إلى ترقية جوقهما قبل أن يرميا إلى الكسب وجرِّ المغانم. وسنرى لأول مرة الست منيرة تمثِّل دور سيدة يوم ٢٣ الجاري في رواية «السارق»، ونحن نَعِدُ القراء بإثبات ما يعنُّ لنا، بعد تمثيل هذه الرواية من الملاحظات بعيدًا عن الأغراض.
ومسرحية «شاترتون» تدور أحداثها حول شاعر شاب يُدعَى شاترتون، انعزل عن الأصدقاء والناس؛ لأنهم لم يقدِّروا موهبته الشعرية، فعاش يائسًا بائسًا في غرفة في منزل جون بل، بعد أن أخفى عنه اسمه وعمله. وبمرور الأيام تنشأ عاطفة طاهرة بين شاترتون وبين كيتي بل زوجة صاحب البيت، وهذه العاطفة لاحظها الأستاذ، وهو رجل متدين وأحد سكان المنزل، وكان دائمًا يُحذِّر شاترتون من الاستمرار في هذه العاطفة، باعتباره من الشعراء مرهفي الحس. وبمرور الوقت، وأمام الحاجة إلى المال، قام شاترتون بتأليف عدة قصائد قام بنشرها في الصحف، عَلَى اعتبار أنها من نظْم شاعر قديم، فقامت ضجة نقدية كبيرة حول ظهور هذه القصائد، وقام النقاد باكتشاف الحقيقة، فانهالوا بالتجريح عَلَى شاترتون، رغم أنهم مدحوا هذه القصائد عندما اعتقدوا أنها من نظم الشاعر القديم. وفي يوم يأتي بعض الأصدقاء إلى المنزل لزيارة جون بل، فيتعرف أحدهم عَلَى شاترتون، ويقص عَلَى الموجودين قصته. هنا لم يجد شاترتون ملاذًا غير حب كيتي بل وعطف الأستاذ، ولكنه كان يعلم أن حبه لكيتي هو حب من طرف واحد، وعندما شعر بأنها تُبادِله الحب انتحر لكي يحافظ عَلَى أسرتها، ولكي يُنهِيَ حياته البائسة. ولكن كيتي بل حزنت عليه حزنًا شديدًا حتى ماتت، وهكذا تنتهي المسرحية.
موسم ١٩١٦-١٩١٧
ومسرحية «عائدة» تدور أحداثها في العصر الفرعوني، حول أَسْر عائدة ابنة ملك أثيوبيا، وقيامها بخدمة الأميرة المصرية أمنيريس، وأن الاثنتين تتنافسان عَلَى حب الضابط راداميس، رغم حبه لعائدة دون الأخرى. ومن الأحداث نجد أن أثيوبيا تُغِير عَلَى مصر، فيطلب فرعون من راداميس قيادة الجيش، مع تَمَنِّي عائدة له بالانتصار عَلَى أبيها وجيش وطنها. وبعد ذهاب راداميس تختبر الأميرة أمنيريس شعور عائدة تجاهه، فتخبرها بنبأ موته في المعركة، ثمَّ تنفي لها الخبر بعد أن علمت بحبها له. ويعود راداميس منتصرًا ويجر خلفه الأسرى، فتقع أنظار عائدة عَلَى أبيها أسيرًا ومكبَّلًا بالأغلال، رغم تنكُّره، فيطلب منها أن تكتم خبر حقيقته. بعد ذلك يأمر فرعون بزواج عائدة من راداميس، ولكن راداميس يطلب من فرعون العفو عن الأسرى، فيوافقه البعض ويُخالِفه رجال الدين. وفي لقاء غرامي تذهب عائدة لمقابلة راداميس فيعترضها والدها، ويطلب منها سؤال راداميس عن طريق الجيش المصري الذي سيُلاقي الأثيوبيين، ولكنها ترفض، فيضغط عليها والدها فتوافق مرغمة. وعندما تلتقي براداميس تتفق معه عَلَى الهرب إلى موطنها، فيوافق ويُخبرها عن الطريق الذي سيسلكه الجيش، وهنا يظهر له عموناصر ويقبض عليه، ويُقدَّم راداميس للمحاكمة، فيُحكم عليه بالسجن في قبوٍ حتى الموت جزاءً لخيانته، ولكن عائدة تسبقه إلى هذا القبو متخفية حتى تلقى معه المصير نفسه.
وكانت فرقة منيرة في هذا الوقت تتكون من: عبد العزيز خليل، عبد المجيد شكري، أحمد حافظ، أمين عطا الله، إسكندر كفوري، أحمد عفيفي، محمد أحمد، محمد إبراهيم، فوزي الجزايرلي، عبد القادر بكر، حامد حمدي، بباوي فرج الله بباوي، ماري كفوري، ماتيل نجار، ماري فوزي، فكتوريا كوهين، سرينا إبراهيم.
وكمثال لموضوعات هذه المسرحيات نجد مسرحية «صدق الإخاء» لإسماعيل عاصم، تدور أحداثها حول وفاة الأب الوزير رشيد وتبديد ثروته بعد وفاته من قِبل ابنه العاقِّ نديم، الذي بدَّدها في الحانات عَلَى الغانيات، كما تسبب في القطيعة بين أخته عزيزة وخطيبها عزيز بن صديق، الصديق الأوحد لوالده رشيد. وبمرور الوقت يعيش نديم مع أخته ووالدته ليلى في فقر شديد، وعندما يطلب مساعدة «صديق» يقابله الأخير بكل نفور. وفي يوم من الأيام تأتي إليهم السيدة مباركة المغربية وتعطيهم ثروة كبيرة عَلَى سبيل الأمانة؛ لأنها ستسافر لقضاء فريضة الحج. وهذا كان دأبها مع رب الأسرة المرحوم رشيد، فيأخذ نديم الأموال ويتاجر بها ويكسب أموالًا كثيرة، فتعود إليه ثروة أبيه وأكثر منها عن طريق التجارة. وفي إحدى رحلاته التجارية ينقذ الملكة وابنتها نعمى من قُطَّاع الطرق، ويتم الإعجاب بين نديم ونعمى ويصل إلى درجة الحب الجارف. وعندما يشكو همَّه لأسرته ينصحونه بالذهاب إلى «صديق» لمساعدته، فيتذكر معاملته السيئة، فيصمِّم عَلَى الذهاب لتأنيبه. وفي منزل صديق تظهر الحقيقة، بأن مباركة المغربية ما هي إلا والدة صديق، وأن الأموال أمواله، وقام بهذا الفعل كي يساعد نديمًا. وتنتهي المسرحية بتدخل السلطان، وموافقته عَلَى زواج ابنته نعمى من نديم مكافأةً له عَلَى شهامته، بعد أن خلع عليه رتبة الوزارة، كما بارك السلطان أيضًا زواج عزيز بعزيزة بعد أن خلع عليه وظيفة كاتب سر الصدارة.
رُفِع الستار واتجهت الأنظار إلى المسرح لمشاهدة تمثيل رواية «كرمن»، التي طالما تمنَّيْنا وتشوَّقنا لحضورها. وما انتهينا من الرواية كان الناس ساخطين عَلَى ما خاب من أمل، وما ضاع من مال ووقت. شعرتُ وكثيرٌ معي بأن الرواية تعريبًا وتمثيلًا وتلحينًا وغناءً كانت عكس ما كانوا ينتظرون وما كانوا يتوقعون، وشعرت أيضًا بأن بين روح التعريب والتأليف كل التباين، من أن المعرِّب لم يوفَّق توفيق المؤلف، وكذلك الممثلون وهم الذين أظهروا الفَرْق بين التعريب والتأليف، هم الذين ألبسوا رواية «كرمن» العربية ثيابًا غير ثيابها الإفرنجية الجميلة، وأورثوها حركات غير حركاتها الرشيقة، وأبدلوا نغماتها الشجية بنغمات، بُعدًا لها من نغمات … كفُّوا عن تمثيل هذه الروايات التي تحتاج إلى درس طويل ومجهود عظيم، وعلم بالموسيقى وفنونها، وخفة روح واستعداد فطري … بَقِيَ غناء كرمن وجمال صوتها، وما كنَّا ننتظره منها في هذه الرواية. لقد سمعتُها قبل أن تكون ممثلة، فكانت آية في غناء «الطقاطيق»، ويمكنني أن أقول إني لم أسمع أحسن من صوتها، ولم أُطرب من مغنية طربي منها. فلما انقلبتْ ممثلة كانت نفس سماع صوتها في التمثيل، وكنتُ كلما سمعتُها مرة ازددتُ اقتناعًا بأن صوتها لم يُخلَق إلا لما نشأت عليه، وأن التمثيل قد يحتاج إلى طبقات أعلى من طبقات صوتها، فخيرًا لها وللجمهور أن تعود إلى سابق عهدها.
كنَّا نقرأ في إعلانات رواية «كرمن» الطويلة العريضة المزوَّقة قبل تمثيلها مساء ٢٢ مارس الماضي بكازينو الكورسال، من أنها أول أوبرا مصرية، صُرِف عَلَى إعداد ملابسها مئات الجنيهات، ويقوم بتمثيلها ٤٠ ممثِّلًا و٥٠ ممثِّلة، وبها ١٨٠ لحنًا، حتى خُدِع الناس بما قرءوه وتسابقوا عَلَى شهود تلك الرواية … ولكن سرعان ما خاب أملهم، وتحوَّل اعتقادهم إلى الضِّدِّ، وتحققوا من أنهم خُدِعوا، حيث رأَوْا عند رفع الستار أن ليس عَلَى المسرح من الخمسين ممثلة و٤٠ ممثِّلًا إلا بضعة أشخاص معظمهم «كمبرس» … وأن الثمانين ومائة لحنًا ليست إلا بضعة أبيات من «المواويل الخُضْر والحُمْر»، موقَّعة عَلَى الموسيقى، لا تختلف في شيء عن الأغاني التي كان ينشدها «فلفل الحاوي» في الأسواق منذ بضعة أعوام. ثمَّ إن مواقف الرواية مُفسِدة للأخلاق مُخِلَّة بالآداب، حيث بها «ضمٌّ وتقبيل ورفع وخفض»، ليس في رواية «أيوة ولا لأ» التي صادرتْها الحكمدارية منذ أسبوعين … ولستُ أدري مَن نَلُوم عَلَى ظهور تلك الرواية فوق مسارحنا … الحق أقول، إنه يجب أن لا نلوم إلا أنفسنا؛ لأننا سرعان ما نُخدَع بتزويق الإعلانات، ونُصدِّق ما كتبه فيها المغرضون كأنه تنزيل من عزيز حكيم.
أوَّلًا: خَفِيَتْ مقاصد مؤلف الرواية الأصلي عن المعرِّب أو المُقتَبِس أو الناسِخ، فنقلها جُزافًا بالشعر المشوَّش المنثور، وإن شئتَ فقُلْ بالسجع الغليظ المهجور، لخلوِّه من الشاعرية والإحساسات الوجدانية. ثانيًا: جعل ملحِّن الرواية ألحانها عَلَى نمط الطقاطيق، والطقطوقة تغنِّيها العوالَم عادةً في الأعراس، والراقصات في القهوات. ثالثًا: تكلَّف حضرة المعرِّب أو المقتبِس أو المخترِع في تأليف بعض الألحان العربية، إذا صح أن ننسب إلى هذه اللغة — وفقًا للنوتة — الإفرنكية التي وضعها المسيو «بيزيه» ملحِّن «كرمن»، مما اقتضى معه مزج الموسيقى الشرقية بالإفرنكية، فانعدمت بذلك وحدة السياق. رابعًا: تلحين بعض أجزاء الرواية، وترك البعض الآخَر وهو المهمُّ بلا تلحين. فترى هذا ينشد مع الموسيقى قطعة تلحينية أوبرا، وذلك يُجاوبه بمونولوج عادي، مما أضاع رونق هذه الرواية الإفرنكية الجميلة، وشوَّه محاسنها وطمس معالمها وأفقدها ميزتها.
موسم ١٩١٧-١٩١٨
موسم ١٩١٨-١٩١٩
وما بين المسرحيتين الثانية والثالثة نُفيَ سعد باشا زغلول إلى مالطة في ٨ مارس، فنشبت أحداث ثورة ١٩١٩. وقد تفاعلت منيرة مع هذه الثورة، فغنَّتْ لها أغنية «أنا منيرة المهدية، حب الوطن عندي غية»، وكانت فرقة منيرة من أكثر الفرق حماسة لكفاح المرأة المصرية في ثورة ١٩١٩، فقد كانت منيرة تقف قبل رفع الستار لتغني أغاني وطنية تُشِيد بالمرأة المصرية. ومن هذه الأغاني أغنية تقول فيها:
موسم ١٩١٩-١٩٢٠
ومسرحية «كلها يومين» ألَّفها يونس القاضي ضدَّ الاحتلال الإنجليزي، وبصورة رمزية، حيث تدور أحداثها حول سعيد طالب الطب وشقيقته منيرة، وهما يعيشان سويًّا في مستوًى اجتماعي لا بأس به، وتخدمها ماري الأجنبية ابنة الخواجة ماركو الأجزجي، وأيضًا عم شاهين البواب المصري ابن البلد، أمَّا الدكتور زكي فهو من الجيران المخلصين. ونجد الخواجة ماركو يحاول الاستيلاء عَلَى كل أملاك سعيد ومنيرة بلا مقابل، فيدفع ابنته ماري إلى مغازلة سعيد بغرض الزواج منه، وعندما يفشل في هذا الأمر يقوم بافتعال حريق في منزل سعيد، فيحرقه بما فيه من أوراق ومستندات، وبالأخص شهادة سعيد الدراسية. ويحاول التظاهر أمام سعيد ومنيرة بأنه متألِّم لهذه المصيبة، ويُمنِّيهما بدفع بعض الأموال لهما كمساعدة منه، ولكن بشرط أن يكتب سعيد كمبيالة لحين الذهاب إلى البنك. وأمام الاحتياج يكتب سعيد الكمبيالة، ولكن ماركو يخدعه ويكذب عليه ويقول إن منيرة أخذت الأموال، وعندما تسأله منيرة يقول لها إن سعيد أخذ الأموال، وعندما يسأله شاهين يقول له إن سعيد جاء ببواب غيرك. وهكذا استطاع الخواجة الأجنبي طرد المصريين من دارهم. وبعد فترة طويلة نجد سعيد يبيع الفول والطعمية، ومنيرة تبيع الزبدة، وشاهين يبيع الشاي والقهوة. وفي النهاية يتخذون قرارًا برفع قضية ضدَّ الخواجة ماركو، ويستطيعون بهذا الاتحاد استرداد حقوقهم ووضع ماركو في السجن.
وتحت عنوان «كافحت الإنجليز بغنائي» قالت منيرة: «كان الشيخ يونس القاضي أثناء ثورة ١٩١٩ يمدُّني بكثيرٍ من الروايات الناجحة، التي كانت تدور حول كفاحنا ضدَّ المستعمِر البَغِيض، ولكن بطريق الغمز واللمز والتورية؛ لأن الرقابة التي وضعتْها الإنجليز عَلَى ما تقدِّمه دُور المسرح والسينما والملاهي في ذلك الوقت، كانت تَحُول دون مصارحة الإنجليز بكرهنا لهم فيما نقدِّمه من روايات وأغانٍ. وفي ذلك قدَّمتُ عَلَى المسرح الذي كنتُ أعمل فيه — وهو دار التمثيل العربي — مسرحية اسمها «كلها يومين». وفي هذه المسرحية كنتُ أقوم بدور بائعة زبدة، فأحمل فوق رأسي وعاء به بضاعتي، فأسير بها مناديةً عليها بأغنية أقول فيها:
وهذا الكلام لم يكن فيه طبعًا ما يدعو إلى تدخل الرقابة، ولم يكن الرقيب ليستطيع أن يشطب حرفًا واحدًا منه. ولكن كان للأغنية معناها الذي يفهمه الجمهور جيِّدًا، وكانت تهدف إلى الحضِّ عَلَى كراهية المستعمر الغاصب … وقد عرف المرحوم الشيخ سيد درويش كيف يُضفِي عَلَى هذه الأغنية من فنِّه، ما جعل القلوب تهتز عند سماعها، والمشاعر تمتلئ حماسة ضدَّ المستعمر البغيض. ولم تكن هذه هي الأغنية الوحيدة في رواية «كلها يومين» التي تثير الحماس ضدَّ الإنجليز، بل كانت هناك أغنية أخرى، تردِّدها مجموعة من الكورس لأحد الجناينية، وهو ممسك بالخرطوم يروي به حديقته … فكان الكورس يقولون للجنايني في لهجة تحذير:
وكلمة الخرطوم هنا التي ردَّدها الكورس في هذه الأغنية كانت تورية صريحة إلى مدينة الخرطوم عاصمة السودان، وتحذيرهم عندما يقولون: «أوع الخرطوم» كان مقصودًا به وجوب التمسُّك بالخرطوم العاصمة. والذكرى التي أعتزُّ بها أن المغفور له سعد زغلول كان يتردد عَلَى مسرح دار التمثيل العربي بلا انقطاع؛ لمشاهدة تلك الروايات التي كنتُ أُكافِح بها الإنجليز.»
موسم ١٩٢٠-١٩٢١
وقعت الفرقة في مشكلة فنية بعد ذلك، عندما أرادت إعادة تمثيل المسرحيات الغنائية السابقة، وذلك لعدم وجود مغنية في الفرقة تستطيع أن تقوم بأدوار منيرة المهدية. هنا استطاع محمود جبر أن يتفق مع المطربة فتحية أحمد، وبالفعل نجح في ذلك، وكانت الإعلانات تنص عَلَى أن فتحية أحمد ستمثل أدوار منيرة المهدية.
وفي ٢٩ / ٨ / ١٩٢١ أعلن محمود جبر في جريدة «الأفكار» عن قيام الفرقة برحلة فنية إلى سوريا، قائلًا: «رحلة جوق دار التمثيل العربي إلى الأقطار السورية، إدارة محمود جبر. الوكيل المفوض للرحلة علي يوسف. تبتدئ من النصف الثاني لشهر سبتمبر. الجوق مؤلَّف من ٤٠ ممثِّل وممثِّلة، وأوركستر كامل من راقصات وجوقات تلحين مختلفة. وتقوم بتمثيل وغناء أدوار السيدة منيرة المهدية الممثلة ذائعة الصيت فتحية أحمد في روايات «كرمن»، «تاييس»، «كارمنينا»، «روزينا»، «أدنا»، «كلام في سرك»، «كلها يومين»، «التالتة تابتة»، «هارون الرشيد»، «علي نور الدين»، «شهداء الغرام». الألحان برئاسة عبد العزيز بشندي، والأوركستر برئاسة: محمود خطاب، كامل الخلعي، سيد درويش. يشترك في «التمثيل» عزيز عيد، عبد المجيد شكري، منسي فهمي، أحمد حافظ.»
إعلان
إن الحكم الذي أصدرتْه محكمة مصر الجزئية الشرعية في ٦ سبتمبر، في إشكال منيرة المهدية، لم يَنتَهِ به الخصومة؛ لوجود قضايا هامة أمام هذه المحكمة لا تَزَال منظورة، ولم يُفصَل فيها حتى الآن. ومن ذلك القضية المحدد لنظرها جلسة ١٩ سبتمبر، والقضية المنظورة بجلسة ٢٢ سبتمبر. ولا بُد للحق أن ينتصر عَلَى الباطل بتوفيق الله — تعالى — للقضاء العادل. (توقيع): «منيرة المهدية».
موسم ١٩٢١-١٩٢٢
موسم ١٩٢٢-١٩٢٣
وفي يوم ٩ فبراير ١٩٢٣ نشرت الفرقة إعلانًا بجريدة «الأخبار» قالت فيه: «أكبر رواية مصرية ظهرت عَلَى المراسح والسينماتوغراف، مساء الخميس ١٥ فبراير الساعة ٩ ونصف. تمثَّل عَلَى مسرح دار التمثيل العربي «كليوباترا» ملكة مصر مع مارك أنطوان. وقد اعتنى بتلحينها الشيخ سيد درويش نابغة الموسيقى. تُمثِّل كليوباترا سلطانة الفن «منيرة المهدية» عروس المراسح. «كليوباترا» أوبرا جميع ألحانها كتب نوتها محمود خطاب. اطلبوا التذاكر من الآن قبل نفادها.» وجاء الموعد، ولكن مسرحية «كليوباترا» لم تُمثَّل، بل ولم تُمثَّل أية مسرحية بعد ذلك طوال هذا الموسم؛ لأن منيرة حلَّتْ فرقتَها ورحلت إلى الشام هربًا من مشاكلها مع زوجها محمود جبر.
موسم ١٩٢٣-١٩٢٤
السيدة منيرة المهدية تعلن العموم، بأن علاقتها مع محمود جبر للشغل بدار التمثيل العربي انقطعت، وأصبحت حرة في عملها، ومستعدة لإحياء ليالي طرب بالمسارح والأفراح. والمخابرة مع الشيخ عبد الرحيم بدوي صاحب مطبعة الرغائب.
موسم ١٩٢٤-١٩٢٥
… عَرَفَتْ منيرة المهدية حَرَجَ موقِفِها وضعف عملها، فعمدتْ إلى سدِّ النقص بالرقص! وهكذا وبلا مناسبة أيضًا ينقلب المسرح إلى مرقص، والجمهور يصفِّق عَلَى نغمة «الهز»، وهي تضحك! … أوليس ما تفعله السيدة منيرة مَفسَدة للأخلاق، وداعية لانتشار الرذيلة؟! أُقسم أنه لم يَبقَ مِن فرق بين مسرحها وبين البارات، إلا أن تَنزِل إلى الجمهور لتلمَّ النُّقْطة! … ولنَعُد إلى السيدة منيرة كممثلة عَلَى المسرح، فهي لا تصلح مطلقًا للتمثيل، فإنها جامدة كل الجمود عَلَى المسرح، ولا شيء فيها غير رفع يديها بين كل كلمة وأخرى كالنساء البلدي … أمَّا صوت السيدة منيرة، وهو بضاعتها الرابحة، وكل تجارتها في معرض التمثيل، فيحزنني جدًّا أن أقول إنه بدأ في الخفوت، وأخذ يضعف تدريجيًّا، حتى إن البحة التي كانت تُعجِب الجمهور قد أصبحت أشبه شيء بحشرجة المذبوح، أو نغمة «المزكوم»! أذهب إلى أية حفلة من الحفلات التي تُحيِيها الآنسة أم كلثوم، وأسمع هناك الصوت الملائكي الذي ينبعث من قلب حسَّاس يشعر بما في الحياة، والنغمة السماوية التي تسترسل من نفس جيَّاشة بالأمل وفتوة الشباب. الصوت الذي يخرج من حنجرة قوية ذات أوتار عدة، فيرنُّ في جوِّ المكان رنين الذهب الخالص، ويتمشَّى مع فن الطبيعة، فلا يُفسِده خَطَل الصناعة، ولا يَعِيبه تكلُّف الوضع، ولا يحطُّ منه التقيُّد بأوزان التلحين الضعيف. ذلك هو فيض الإحساس ومنبع الشعور، ذلك هو الفن الإلهي الذي تنتشي منه الأرواح وتثمل النفوس. أمَّا سيدتنا منيرة المهدية، فقد كان لها عهد انقضى، وهي تعيش الآن عَلَى الشهرة الماضية.
… بقيَ عليَّ أن أقول كلمة في الرقص الذي أبرزتْه السيدة منيرة عَلَى المسرح، فلا يَسَعُني إلا أن أُبدِيَ أَسَفي لذلك؛ لأنه لم يكن لائقًا بها أن ترقص مثل هذا الرقص «الخليع» عَلَى مسرح تؤمُّه العائلات.
أعترف أنني حملتُ بشدة، وبشدة متناهية، عَلَى السيدة منيرة المهدية، عَلَى رواية «قمر الزمان» … رأيتُ أن أُعلن أنني لم أنقد السيدة منيرة ولم أشتدَّ عليها لخصومة أو حقد أو غيره، وإنما نقدتُها ذلك النقد إشفاقًا عليها من التدهور السريع، وتنبيهًا لها إلى ما هي موشكة أن تسقط فيه من العمل غير المثمر والفعل الفاضح عَلَى المسرح … أضف إلى ذلك أننا في حاجة قصوى إلى تهذيب الغناء المسرحي، أو التمثيل الغنائي، أو «الأوبريت». والسيدة منيرة قائدة هذا الضرب من التمثيل في مصر، فكان يجب أن تكون مسئوليتها أعظم، واللوم الموجَّه إليها أشدَّ وأقوى … وتلك هي الخصومة التي كانت بيننا، خصومة الإصلاح والتجديد! … ولنترك كل ذلك لنخلص إلى رواية «حورية هانم»، الرواية عصرية، اعتمد فيها مؤلفها بديع خيري عَلَى كثرة الحركة وتتابع المفاجآت، وربط عقدتها فأحكم الربط، وأقول أحكم الربط لأن اتساق الرواية كان بديعًا، ولأن سياقها كان محكمًا متينًا، ولأنها كانت قطعة مسرحية من آثار بديع يستطيع أن يمحو بها ما لحقه من وصمة الضعف في «قمر الزمان» … والذي لاحظتُه ولاحَظَه غيري أن دَوْر حورية هانم كان تكميليًّا في الرواية، ويَظهَر لي أن بديع خَلَقَه ليوجد للسيدة منيرة موقفين أو ثلاثة، تُنشِد فيها السيدة لحنين أو ثلاثة أيضًا … وفيما عدا ذلك فالرواية حقًّا من النوع الذي نَنشُده دائمًا لرقي المسرح وتهذيبه … أمَّا المناظر، أو عَلَى الأصح المنظر الواحد، منظر عيادة الدكتور الذي تمَّت فيه حوادث الرواية في ثلاثة فصول طوال، فقد كان الاستعداد كاملًا في العيادة إلى حدٍّ كبيرٍ.
موسم ١٩٢٥-١٩٢٦
رواية الحيلة مكتوبة بلغة عربية فصحى، ولكن الإلقاء كان ينحدر من فوق المسرح بلغة عامية ركيكة لا يُحسِنها الممثِّلون. هذا ولا شك أسلوب جديد في الروايات المسرحية، ولو سألتَني رأيي لقلتُ لك إنه أسلوب غير ناجح كثيرًا، فإن جلال اللغة الفصحى يَضِيع في اللهجة العامية، وخفة اللهجة العامية تضيع في ضخامة التراكيب العربية الفخمة … إذ لم يحن الوقت بعد لتوحيد اللغتين ومزجهما تمامًا! … كان داود حسني ملحِّنًا قديرًا، فرحم الله عهده … وأصبح الرجل لا يستطيع أن يأتي بجديد، أو يعمل عملًا يتمشَّى به مع النهضة القائمة التي يترأسها الآن الشيخ زكريا أحمد الملحن الطائر الصيت! … عفوًا سيدتي، لقد قضى عليك الملحن «الكبير» داود حسني … ألم تشعري بذلك؟ كان صوتك يريد أن ينطلق، وكانت حنجرتك تريد أن تُعطِيَ الحرية لكل أوتارها، عَلَى أن القيود التي وضعها الملحِّن، كانت تُطلِق الحرية للأوتار الضعيفة، فتسمعنا النغمة الجوفاء المسئمة. أمَّا الأوتار القوية ذات النغمة الرنانة، فقد كانت مقيَّدة تمامًا! … سيدتي، لا تغتري بالأسماء الضخمة، ولا بالماضي الذي أفسده الحاضر.
… لاحظتم طبعًا أن في الرواية شيئًا من السجع، أو أبياتًا من الشعر تُقال أثناء التمثيل. وهذه «مودة» عتيقة وأساليب بالية، وما كان لي أن ألجأ إليها. والحقيقة أن تلك العبارات التي تتراءى أسجاعًا، وتلك الأبيات التي تظنُّون إنها وُضِعت قصدًا، كانت موضوعة لتُلحَّن فتُغنَّى، ولكن السيدة منيرة رأتْ أن يُقال ذلك «كلامًا»، خيفة ألا يتسع الزمن للرواية، فظهرت كما رأيتم وسمعتم. وللسبب نفسه قد حذفَتِ السيدة منيرة كثيرًا من الألحان، واقتضبتِ البعض الآخَر، ولو أنها تركت الرواية عَلَى أصلها لكان لها شأن غير الذي ظهرتْ به.
ومسرحية «المظلومة» تدور أحداثها حول أب مريض لا يَقوَى عَلَى اتخاذ أي موقف، تزوج من امرأة طَمِعَتْ في ماله الوفير، وقد أنجبتْ له ولدًا أرضعتْه حب المال حتى صار شابًّا مستهترًا؛ ولهذا الشاب أخت من زوجة أبيه الأولى مخطوبة إلى ابن عمها. أمَّا والدتها فقد طلَّقها الأب منذ سنوات، وهي تعيش بعيدة عن ابنتها. وذات يوم أَحضَرَتِ الزوجة كاتبًا رسميًّا وأَجْبَرَتْ زوجَها عَلَى كتابة كل أملاكه، من خلال مبايعة رسمية إلى ابنها، وحرمان ابنته من كل شيء. ويرضخ الأب رغمًا عنه، فتقوم الزوجة بطرد الابنة وخطيبها، فتذهب الفتاة إلى أمها المطلقة وتعيش فترة من الوقت، وكان خطيبها يُرسِل لها نقودًا كل شهر كي تعيش بها هي ووالدتها. ومرَّ شهران وتأخرت النقود، فقامت الابنة برفْع دعوى قضائية ضدَّ أخيها لإثبات حقِّها في أموال أبيها، فذهب إليها الأخ وهدَّدها، وعند خروجه يراه من الخلف الخطيب فيظن السوء بخطيبته، ويشك في سلوكها، ويبتعد عنها.
أمَّا الأخ أو الشاب المستهتر، فضاق بأبيه وأمه فقام بطردهما من المنزل، ولم يجد الوالدان مكانًا إلا منزل الابنة وأمها المطلقة. وبالفعل ترحب الابنة بهما وتُنفِق عليهما من بَيْع أثاث منزل والدتها، حتى يتمَّ الحجز عَلَى بقية الأثاث بسبب عدم دفع الإيجار، ويعلم الخطيب بهذا الأمر فيأتي في الوقت المناسب ويدفع المال ويُوقِف الحجز. ويشاء القَدَر أن يأتي الكاتب الرسمي كي يأخذ الوالد ليسجل المبايعة، حيث إنها لم تُسجَّل حتى الآن بصورة نهائية في الجهات الرسمية، فيفرح الأب ويقوم بإيقاف المُبايَعة، ويستردُّ أموالَه وأملاكَه. وفي هذا الموقف الأسري تختلط المشاعر والأحاسيس والكلمات، بي أَسَفٍ وبكاءٍ وندمٍ وحنانٍ وعطفٍ وقبلاتٍ، وأخيرًا يجتمع شمل الأسرة مرة أخرى.
وفي ١٨ / ٢ / ١٩٢٦ كتب الناقد محمد عبد المجيد حلمي مقالة عن مسرحية «المظلومة» بجريدة «كوكب الشرق»، قال فيها عن ألحانها: «… لحَّن هذه الرواية ثلاثة من الملحِّنين، هم الأستاذ كامل الخلعي ومحمد القصبجي ومحمد عبد الوهاب. أمَّا الأستاذ كامل الخلعي فله لحن واحد رائع، هو لحن الافتتاح. وأمَّا القصبجي، فله ألحان رائعة في الرواية، نخص بالذكر منها لحن «دايمًا غيوم الأسى تحجب شموس الأمل». وهنا لا بُد لي من كلمة أخرى عن محمد عبد الوهاب. سمعتُ له عدة ألحان في دار التمثيل العربي، وكانتْ كلها عَلَى وتيرة واحدة، ونغمة غير مختلفة. وسمعتُ له اليوم ألحانَه الجديدة، فإذا هو قد تطوَّر تطوُّرًا كليًّا. وأفضل ما يُلاحظ عليه ويبشِّر بمستقبل حسن أنه يتمشَّى مع الروح الإفرنجية في أنغامه.»
كتبتْ صحف أسبوعية ويومية عن الرواية، وأبدى كلٌّ رأيَه مستحسنًا ما صنعتُ، وإني أتقبَّل هذا التشجيع بقلب مغتبط غير مغترٍّ. ولكنَّ اثنين من السادة الأدباء؛ أولهما: الأستاذ الروائي الذائع الصيت الدكتور محمد أسعد لطفي، خصَّني بكلمة في «كوكب الشرق»، كانت عندي بمثابة تعزية للأديب، وثمنًا أدبيًّا تصغر أمامه المادة، وإنها لكلمة وَعَيْتُ ما فيها من نصيحة. وتقبَّلتُ ما بها من إشارة … أمَّا عبد المجيد حلمي فقد كتب عن الرواية مقالين؛ الأول: كانت له مقدمة، أَطْلَع عُشَّاق أسلوبه عَلَى شيءٍ من مكنون نفسيته. وإنها لصراحة يجمل بي أن أَسِير عَلَى نهجها؛ لأن كِلَيْنا يكتب عن «المظلومة». عهدي بعبد المجيد أن يقسو مع مَن يُعرِّض نفسَه لقسوة قلمه، وقد لا أجد كاتبًا يُعاديه الناس لصراحته. ولا ينهج غير سبيل الحق إلا عبد المجيد؛ لهذا كنتُ حين التفكير في رواية «المظلومة»، وأنا أستعرض حوادثها قبل كتابتها، وإذا ما تخيَّلتُ المسرح والممثِّلين أرى شخص عبد المجيد أمامي، وما عبد المجيد في نقده إلا معبِّرًا عن رأي الجمهور، الذي يميِّز بين الغثِّ والسمين. وتحت تأثير هذه الرقابة جلستُ أكتب هذه الرواية … ولا يؤاخذني الجمهور والممثِّلون أيضًا، إذا رويتُ واقعة حدثتْ أثناء البروفة: أراد بعض الممثلين اختصار موقف حتى لا يطول الفصل الثاني فمانعتُ محتدًّا، وأذكر أني قلتُ: أنا المسئول عن روايتي، ولي يُوَجَّه النقد، فلا أُرضِي فردًا لأكون هدفًا يمزِّقه سهم ناقد مسرحي. كل هذه العوامل كانت سببًا في أن أقرأ في صحيفة «كوكب الشرق»، صورة الحكم الذي أصدره الأستاذ عبد المجيد حلمي. فإذا به حكم يغتبط به كل إنسان.
… كنتُ ولا أزال من المعجبين بهذا الشاب الصغير كل الإعجاب، ولا زلتُ أذكر له بعض ألحانه، التي استطاع فيها أن يتفوق، وأن يُظهِر استعدادَه ومقدرتَه. كما استطاع فيها أن يُعطِيَ ألحانَه شخصية خاصة مستقلة، ومن السهل أن تُميِّز ألحانه عن غيرها بطريقتها الخاصة ولونها الممتاز … ويوم علمنا أنه سيلحِّن «العذارى» بمفرده، انتظرنا أن يُجِيدها عبد الوهاب، وأن يبذل بها جهده، ولكن خابتْ آمالُنا عندما جلسنا نستمع إلى الألحان … والذي لاحظتُه عَلَى عبد الوهاب غرامُه بنغمة البياتي لدرجة كبيرة جدًّا، حتى تعمَّد تغيير النغم في اللحن الواحد، وقد يجيء أحيانًا بلا تمهيد مناسب، فيكون ثقيلًا عَلَى الأذن نشازًا. فمثلًا اللحن الأول الذي مطلعه «العدل» في الفصل الأول، قد بدأه من نغم البياتي، ثمَّ انتقل إلى شورى ثمَّ إلى نهوند … إن هذا التنقل في الأنغام يجب أن يسبقه التمهيد الكافي؛ حتى تستطيع الأذن تحمُّله والإنصات إليه في نشوة وطرب … في اللحن الأول للسيدة منيرة المهدية، الذي مطلعه «هويت بخطري»، انتقل من نغم الصبا إلى العجم بشكل لا يُريح الأذن، بل نحس معه بنفور غير قليل … ثمَّ ألاحظ عَلَى عبد الوهاب، أنه يُكثِر من استخدام المجموعة، التي يستظهرها من ألحان المرحوم الشيخ سيد درويش في تلحين قِطَعه، فمثلًا لحن العذارى في الفصل الثاني ومطلعه «يا بدور الدجى»، فإن ابتداء التلحين يقترب كثيرًا من ابتداء لحن «دقت طبول الحرب يا خيالة» في رواية «شهوزاد». ولكن هذا قد يُغتفر إذا علمنا أن عبد الوهاب يتنزَّل ليُلحِّن لحنًا للسيدة منيرة في الفصل الثالث، يذكِّرك بطقطوقة «جوز الحمام»، وهذا غريب ومدهش في ملحننا الصغير، الذي نعلِّق عليه آمالًا كبيرة. ولكن من العدل أن نذكر اللحن الذي مطلعه «يا رب ارحم مغرم شاكي»، فإنه بديع حقًّا، وتمشَّى فيه عبد الوهاب مع روح الكلام ومعناه، فكان آية في الجمال والذوق الفني الدقيق الذي اشتُهر به عبد الوهاب.
موسم ١٩٢٦-١٩٢٧
ومسرحية «حرم المفتش» مسرحية تعكس لنا تقاليد الأُسَر المصرية؛ حيث تدور فكرتها حول كيفية محافظة الأب عَلَى قِيَمه القديمة، وكيف ينقل هذه القِيَم إلى أولاده، من خلال وسائل التربية الاجتماعية. وكذلك الأمر بالنسبة للزوجة من حيث إخلاصها لزوجها، وكيفية تذليل العقبات المنزلية، ومدى تفانيها في خدمة زوجها وأولادها. وفي المقابل نجد المسرحية تحذِّر من إفساد الرجل للرجل وإفساد المرأة للمرأة، وكيف أن الفساد يأتي من اختلاط الأُسَر المتناقِضة في القِيَم والعادات والتقاليد، وكيف يجب عدم تصديق الشائعات والخزعبلات والتنجيم والسحر.
ومسرحية «حماتي» تدور أحداثها حول سامي الذي تزوج مرتين، ولم يُفلِح فيهما بسبب أمِّه خدوجة التي تُريده لنفسها هي فقط، وأن ينصرها عَلَى زوجته في كل أخطائها؛ لذلك تُمارِس كل أنواع حِيَل الحموات عَلَى كل زوجة يتزوجها سامي. وبمرور الوقت يَقَع سامي في حب جارته منيرة فيتزوجها، وتنجب له طفلًا. فنجد خدوجة تمارس مضايقاتها كحماة لمنيرة، فتتهمها بأنها متسلِّطة عَلَى ابنها سامي، وأنها تدخر أمواله دون أن يعلم، ولا تساعده في أعمال المنزل، وتجعله يقسو عَلَى أهله. وعندما تشكو الزوجة هذه الأفعال إلى حماها الأستاذ كيلاني نجده لا يُنصِفها، بل ويوافق زوجته خدوجة عَلَى جميع أقوالها وأفعالها. وعندما تشكو إلى فهيمة شقيقة زوجها سامي نجدها أيضًا تفعل فعل والدها كيلاني. وتتفاقم المشاكل فيتدخل سالم والد منيرة وأيضًا لبيبة والدتها دون جدوى، وتصل المشاكل إلى حدِّ أن ينعزل سامي بأسرته بعيدًا عن أهله، رغم معيشة الجميع في منزل واحد، فنجد والدته ترفع قضية من أجْل الاستيلاء عَلَى جزءٍ من راتبه.
وبعد مرور عشرة أشهر نجد البوليس يقبض عَلَى سامي؛ لأن أمه اتَّهمتْه بأنه تأخَّر في سداد شهريتها لمدة عشرة أشهر، ويقول سامي للبوليس إنه كان يدفع الشهرية بانتظام، ولكنه لا يأخذ إيصالًا بذلك، وتنكر الأم أمام البوليس كلام ابنها، فتُضطرُّ منيرة لبيع مصاغها حتى تُنقِذ زوجَها. وفي المنزل تعترف الأم أمام الجميع أنها اتهمتِ ابنَها ظلمًا كي تأخذ الشهرية مضاعفة، من أجل مساعدة زوج ابنتها عزت، الذي لا يعمل ويعيش عالة عَلَى زوجته التي لا تنجب. وهكذا أصبحتِ الحياة لا تُطاق، فيفكر سامي بأن يبتعد بأسرته نهائيًّا عن هذا المنزل، ويمنعه من ذلك حادث تصادم تعرَّض له عزت، فجُرِح جرحًا بسيطًا، ولكن الحادث قضى عَلَى حياة طفل كان معه، وتَظهَر الحقيقة أن هذا الطفل هو ابن عزت من زوجة أخرى، وهنا تعترف الأم خدوجة بأنها أخطأتْ في حق ابنها وزوجته، مقابل تدليلها لابنتها وزوجها الذي تزوج عليها. وبذلك تنتهي المسرحية بأغنية تقول كلماتها:
… لا أستطيع أن أفهم معنًى لتلك الأغاني، التي حشرها المؤلف في روايته حشرًا دون مناسبة ولا سبب، اللهم إلا تمثيل السيدة منيرة المهدية دورًا فيها. فمِن الضروري أن تُغنِّي؛ لأن نبوغها في الغناء أكثر منه في التمثيل، والعامل الأول الذي يدفع الجمهور إلى مشاهدة التمثيل في مسرح برنتانيا هو صوتها القوي الذي يسحر النفوس، وإزاء هذا نرى أنه لا يَلِيق لهذا المسرح إلا الروايات الغنائية التي يكون الغناء ركنًا من أركانها الأساسية … ومن أهم ما نأخذه عَلَى المؤلف خلوُّ الرواية من التوقُّع الذي لا تنجح رواية بدونه، فلم يكن هناك ما يحمل النظارة عَلَى الانتظار ويبعثهم عَلَى البقاء، مع أن أول واجبات الكاتب المسرحي أن يحرك في نفوس جمهوره عامل الانتظار والتوقُّع، فهي مصدر جميع التأثيرات الروائية الناجحة … كذلك أظهر المؤلف عَلَى المسرح أشخاصًا دون أن يقدِّمهم لنا، فكُنَّا نُفاجأ بهم مفاجأةً بلا إنذار سابق، ثمَّ إن بعضهم لا شأن له في الرواية ولا عمل، وكان في إمكان المؤلف الاستغناء عن أولئك الأشخاص.
ومسرحية «كليوباترا ومارك أنطوان» تدور أحداثها حول حب أنطونيو لملكة مصر كليوباترا، التي أغوتْه بمعسول الكلام وجعلتْه أسيرَ جمالِها، فعاش معها فترة طويلة نَسِيَ فيها وطنه روما وزوجته أوكتافيا. وفي يوم يأتي له أسباكوس ليُخبِره بأن مجلس شيوخ روما قرَّر عودتَه إلى الوطن، ولكن أنطونيو يرفض هذا الأمر، ويُفضِّل البقاء في مصر بجانب كليوباترا. وتُحاوِل كليوباترا بكل جهدها أن تجعله يقبل العودة إلى روما دون جدوى. فيقوم أوكتافيوس القائد الروماني وشقيق أوكتافيا بمهاجمة مصر بأسطول ضخم، فتدافع كليوباترا بجيشها عن وطنها، ويساعدها في ذلك أنطونيو بقواده، ولكن أسباكوس استطاع خداع أنطونيو، وبثَّ الفتنة بين قواده، مما جعل أوكتافيوس ينتصر في المعركة. ثمَّ قام أسباكوس بخداع أنطونيو للمرة الثانية، عندما أخبره أن كليوباترا ماتت في المعركة، فيقوم أنطونيو بطعن نفسه بالخنجر، ويذهب أسباكوس إلى كليوباترا ويُخبِرها بأن أنطونيو مات، ويعرض عليها حبه، ولكنها تصدُّه وتقوم بقتله. ثمَّ نجد أنطونيو وهو في حشرجة الموت يأتي إلى كليوباترا ويناجيها بكلمات عن حبه وإخلاصه لها حتى يموت بين يديها، فتقوم هي أيضًا بالانتحار عن طريقة لدغة حية سامَّة وضعتْها في صدرها.
إن لِمَلِك إيطاليا كتابًا يُسمَّى «الكتاب الذهبي»، يدرج فيه أسماء النوابغ في العالم، والذين لهم مواهب خاصة ترفعهم عن درجة الآخرين. وقد رأتْ حكومة إيطاليا أن السيدة منيرة المهدية تستحق هذا التقدير لما تبذله من مجهود مستمر، فشهد مندوبوها تمثيل السيدة منيرة المهدية وسمعوا صوتها، ونقلوا أسطواناتها إلى المعارض الإيطالية، ونشرت جرائد روما وميلانو وتورونتو صُوَرَها وتحدَّثتْ عنها. ثمَّ أنعم عليها بوسام الكتاب الذهبي لتقدير العاملين والميدالية الخاصة به ثمَّ البراءة اللازمة لذلك. وقد تسلَّمت السيدة منيرة الميدالية والوسام والبراءة. وسيِّدة يقدِّرها الغربيون هذا التقدير أولى أن تنظر إليها حكومتها نظرة تقدير أيضًا.
وفي صيف هذا الموسم قامت منيرة وفرقتها برحلة فنية إلى فلسطين في أواخر يونية، وعادت منها في أوائل أغسطس ١٩٢٧، وكانت الفرقة تتكون من: دولي أنطوان، فكتوريا كوهين، صالحة قاصين، عائدة حسن، أستر شطاح، نينا، ماري، إنعام فهمي، عبد العزيز خليل، فؤاد فهيم، إسكندر كفوري، أحمد نجيب، عبد الحليم القلعاوي، محمود حسن الديب، حسين عسر، عبد الحميد زكي، محمد توفيق المردنلي، بيومي محمد، محمد محمد.
وقد تعرَّضت الفرقة في هذه الرحلة إلى مشاكل عديدة، تمثَّلت في عِرَاك دائم بين أعضاء الفرقة، خصوصًا بين إسكندر كفوري وفؤاد فهيم، وامتناع المدير الفني عن القيام بعمله، مما اضطر منيرة إلى استبدالهم ببعض الممثِّلين الآخَرين. هذا بالإضافة إلى اضطهاد رئيس بلدية نابلس للفرقة، بسبب امتناع منيرة من إحياء حفلة خاصة له، ولكن السلطة الإنجليزية تدخلتْ وأنقذتِ الفرقة من اضطهاده.
موسم ١٩٢٧-١٩٢٨
ومسرحية «صاحبة الملايين» تدور أحداثها حول الأرملة الجميلة سونيا، التي ورثتْ من زوجها خمسين مليونًا من الفرنكات، أودعتْها في بنك يقوم بإدارته السفير بوبوف. ومن أجْل ثراء سونيا نجد الرجال يحومون حولها، أمَّا السفير بوبوف فهو يخشى من هؤلاء الرجال، خوفًا من أن تتزوج سونيا بأجنبي يقوم بسحب أموالها من البنك الذي يُديره، فيُضطر إلى إشهار إفلاسه؛ حيث إن مركزه مرهون عَلَى البنك، والبنك لا يعمل إلا برأس مال الأرملة سونيا. وفي إحدى حفلات سونيا يظهر البرنس دانيلو، الملحق الحربي بالسفارة، فيجد الجميع متلهِّفين عَلَى سونيا، فيُظهِر لها عدم الاهتمام، فيُثير فيها الرغبة لإذلاله. وبمرور الوقت نكتشف أن دانيلو ما هو إلا حبيب سونيا القديم، التي تخلَّت عنه وتزوجت بأحد الأغنياء من كبار السن.
وتدور الأحداث بعد ذلك حول محاولات سونيا للإيقاع بدانيلو، مقابل تجاهله لها وعدم الاكتراث بوجودها. وبعد أحداث كثيرة متنوعة يتقدم بوبوف للزواج من سونيا، ولكنها تُخبِره أمام الجميع إنها إذا تزوجتْه ستَفْقِد كلَّ ثروتها؛ لأن زوجها المتوفَّى كتب وصية تقول إنها إذا تزوجت لا بُد لها من التنازل عن أموالها. وأمام هذه الحقيقة نجد بوبوف يسحب رغبته في الزواج منها، وأيضًا نجد الجميع يتخلَّوْن عنها، إلا دانيلو الذي يعترف لها أخيرًا بحبه ورغبته في الزواج منها، فتذكِّره بأنها ستصبح فقيرة معدمة، فيوافق. وهنا تفجِّر سونيا مفاجأة أخرى، حيث قالت إن الوصية تقول إنها إذا تزوَّجتْ تتنازل عن أموالها إلى مَن ستتزوَّجه. وهكذا تنتهي المسرحية بزواج سونيا من دانيلو.
… ظهر البروجرام في ليلة إخراج الرواية … اطَّلعتُ عَلَى البروجرام وبه الأزجال، فلم أَجِدْ به شيئًا من قلمي … عرفتُ السِّرَّ وأدركتُ سبب كل هذا، فالأستاذ صبري (أي د. أحمد صبري ملحِّن المسرحية) قد قضى حياته الفنية قبل اليوم في تلحين الطقاطيق، فلما طلبتْه السيدة منيرة ليلحِّن هذه القطعة (أي المسرحية)، والله وحده يعلم لماذا وقع اختيارها عليه، هاب أن يُقدِم وخجل أن يُحجِم، فعمد إلى لعبة فنية بعيدٌ عَلَى السيدة منيرة أن تفطن لها، وعسير عَلَى الجمهور أن يُدرِكَها بغير إرشاد المُطَّلعين عليها. عَلَى أنه حول جميع ألحان القطعة شعرًا وزجلًا إلى طقاطيق يُحسِن هو تلحينها، فيَخرُج من هذا الموقف الحَرِج فنَّانًا رافع الرأس غير مبالٍ بما يُصِيب القطعة بعد ذلك من التحوير أو التحريف أو المَسْخ أو السقوط. وإن شئتَ فقل إنه لم يحسب حساب الطبقة الخاصة من الجمهور المصري، الذي رأى هذه القطعة عينها عَلَى المسارح الإفرنجية. فجاءت النتيجة مطابقة لما كنَّا ننتظر. وها هي فرقة السيدة منيرة المهدية، تكاد تنتحر لسقوط فاتحة الموسم الجديد بعد خمس ليالٍ.
وفكرة مسرحية «كيد النساء» تدور حول زوج مستهتر مُجُوني، لا تَقِف شهواته عند حدٍّ، ولا يَرْعَى للحياة الزوجية حقًّا أو واجبًا. أمَّا زوجته، فهي زوجة كبيرة القلب ضعيفة مهيضة الجناح، يدفعها حرصها عَلَى حياتها العائلية أن تُحسن الظن بهذا الزوج، ولكن الحقيقة الملموسة والدليل القاطع عَلَى خيانته تفرق بينهما. وهنا يَظهَر العاشق الذي يستغلُّ هذا الشقاق فيصل إلى غرضه من الزوجة.
موسم ١٩٢٨-١٩٢٩
في غروب غد الأحد ٢ ديسمبر ومسائه، تُقام حفلتان نادرتا المثال في تياترو برنتانيا ماتنيه وسواريه. إذ تمثِّل فاطمة رشدي الرواية الخالدة «بحد السيف»، وتُطرِب الجمهور بصوتها الملائكي الساحر كروان مصر المغرد وبلبلها الصدَّاح السيدة منيرة المهدية.
موسم ١٩٢٩-١٩٣٠
… لغة الرواية … لغة دارجة، ليس بها قليل ولا كثير من سحر البيان وعوامل البلاغة … ولا نريد أن نقسو فنطلب من الأدباء الذين يتعرضون للأوبرا أن يلتزموا الشعر، بل نسأل: ألا يوجد شيء اسمه الشعر المنثور، وفيه روعة الشعر وروحه الموسيقية، وإن لم يكن فيه قيد القافية؟ وهذا النوع أليست الأوبرا جديرة به بعد الشعر؛ ليساعد الموسيقى في تأدية واجبها؟ … ولنتسامح مع الملحن كامل الخلعي في قبوله تلحين أوبرا بهذا الأسلوب، لا نظم بها حتى في المواقف الخطيرة منها، اللهم إلا سجعًا سخيفًا، جعل منه المعرِّبان طقاطيق صغيرة. ولنسأله بعد هذا: كم نغمة أدخل عَلَى ألحان القصة؟ هل يشعر بتغيير في قفلات الجمل عَلَى اختلافها، وعلى اختلاف أشخاصها وفصولها؟ هل استطاع أن يُظهِر براعة السيدة منيرة وقوة صوتها، اللذين يتحدث الناس عنهما في دورها؟ وكذلك صالح، ماذا صنع له من الألحان التي يُظهِر بها قدرته؟ كل هذا نسأل عنه ما دمنا لم نجد له أثرًا، وما كان له من أثر كان سيِّئًا، لا يشرِّفه كملحِّن، ولا يشرف الرواية كأوبرا ظهرت عَلَى مسرح مصري.
موسم ١٩٣٠-١٩٣١
موسم ١٩٣١-١٩٣٢
في بداية هذا الموسم نشرت مجلة «المصور» في ١١ / ٩ / ١٩٣١ حديثًا صحفيًّا بين منيرة ومحرِّر المجلة البلقاسي، وفيه أبانت منيرة عن رغبتها في العودة إلى المسرح في هذا الموسم، وأنها تُفاوِض صاحب أحد المسارح لإيجاره، وأن لديها بعض المسرحيات الجديدة التي لم تُظهِرها من قبلُ بسبب مرضها، وأيضًا بسبب سوء الأحوال الاقتصادية.
موسم ١٩٣٢-١٩٣٣
ومسرحية «الأميرة نورة» تدور أحداثها حول مانوليتا المطربة الجميلة، التي تحب ميجيل مطرب الفرقة، وهما يعملان معًا في إحدى الحانات التي يملكها بدرو، والذي يعمل ملقِّنًا للفرقة أيضًا. وتساعد بدرو في أعمال الحانة زوجته زيتا. وفي يوم يحضر إلى الحانة اللص كرستوف، ويتقابل مع ألونزا كاتب إحدى المحاكم، ونفهم من حوارهما أن ألونزو يبحث عن ميجيل لأمر مُهِمٍّ، وفي أثناء ذلك يسرق كرستوف محفظة ألونزو، وبعد انصراف الجميع يكتشف كرستوف في المحفظة خطابًا من الأميرة نورة الهندية، وفيه تُخبِر ألونزو بوجوب التخلص من ميجل؛ لأنه ابن أمير هندي، وأنه لا يعلم بذلك، وأن الأمير الهندي مات وترك ثروة كبيرة له، فإذا تخلص ألونزو من ميجيل تئول ثروته إلى الأميرة نورة باعتبارها الوريثة الوحيدة بعد ميجيل، وتنهي الخطاب بأنها ستتزوج ألونزو إذا استطاع أن يتخلص من ميجيل. وهنا يفكِّر كرستوف في الاستيلاء عَلَى هذه الثروة، فيقوم بإيهام مانوليتا بأن ميجيل يحب غيرها؛ لذلك يطلب منها أن تتزوج أحد الأمراء، وهو قد جاء نيابةً عن هذا الأمير فتوافق. وتدور الأحداث بعد ذلك في إطار كوميدي حول هذه الثروة، حيث إن الجميع يحاولون الاستيلاء عليها. وتنتهي المسرحية بعودة الميراث إلى ميجيل، ومن ثمَّ يتزوج من مانوليتا، ويتم القبض عَلَى اللص كريستوف وألونزو.
موسم ١٩٣٣-١٩٣٤
بدأت منيرة هذا الموسم بالغناء لا بالتمثيل في مارس ١٩٣٤، حيث كانت تُلقِي الأدوار والقصائد والمنولوجات والطقاطيق الغنائية، بكازينو البلدية بحلوان. وكانت تنتقل بتختها إلى بعض الأقاليم، ومثال عَلَى ذلك حفلتها الغنائية في شبين الكوم بمساعدة المطربين رمضان عكاشة وحسن محمد.
ومسرحية «حاجب الظرف» تبدأ بشِجار بين عبده الخادم وزينب الخادمة عَلَى مَن يرد فيهما عَلَى التليفون، ونفهم أن كلًّا منهما ينتظر مَن يكلِّمه رغم أن هذا الأمر مُخالِف لأوامر القاضي عثمان بك صاحب المنزل. ولكن الحقيقة تتضح أن زينب هي كاتمة أسرار منيرة هانم ابنة عثمان، وكانت منتظرة مكالمة تليفونية من حبيبها حسنين ابن شرفنطح حاجب القاضي. وفي نفس الوقت نجد أن عبده كاتم أسرار القاضي، وكان القاضي أمره بأن ينتظر بجانب التليفون؛ لأنه منتظر مكالمة مهمة من شرفنطح. ولكن التليفون يدق أكثر من مرة، فعندما يتصل حسنين يرد عبده فيغلق السماعة، وعندما يأتي شرفنطح ترد زينب فتغلقه ظنًّا منها أن النمرة غلط، وأمام هذا الخلط يحضر شرفنطح ويقابل القاضي لإنهاء بعض الأعمال. ثمَّ نعلم أن شرفنطح يعطي دروسًا في اللغة العربية لمنيرة، وأيضًا ابنه حسنين يعطيها دروسًا في الحساب، ويحضر حسنين ويتبادل الغرام مع منيرة التي تُخبِره بأن والدها يريد أن يزوِّجها من مرزوق بك، وهو رجل يكبر أباها بخمسة وعشرين سنة، فيتدخل شرفنطح في الأمر ويقوم بحيلة ناجحة كانت نتيجتها في النهاية زواج حسنين من منيرة.
وفي ٢٧ / ٧ / ١٩٣٤ أعلنت جريدة «المقطم» عن بروجرام حفلات غناء وطرب من منيرة المهدية قبل سفرها إلى فلسطين والشام، وذكر الإعلان أن منيرة ستُحيِي حفلات غنائية في أغسطس ١٩٣٤ برأس البر والمنصورة والمحلة الكبرى ودمنهور والإسكندرية وبور سعيد والسويس.
ختام
بعد عودة منيرة المهدية من رحلتها السابقة احتجبتْ عن الأنظار وعن الغناء وعن التمثيل فترة طويلة جدًّا، بسبب انصراف جمهور هواة الطرب عن الاستماع إلى الغناء القديم، وسيطرة روح الفن الجديد عليه، فلم تَقبَل منيرة مجاراة هذا التيار لمحافظتها عَلَى أصول فنِّها التي نشأتْ عليه وتربَّعتْ عَلَى عرشه سنوات طويلة.
وفي أبريل ١٩٤٨ بدأ اسم منيرة المهدية يتردد مرة أخرى، حيث أعلنت عن عودتها للمسرح من جديد بإعادة مجموعة من مسرحياتها الخالدة التي قدَّمتْها في أوج مجدها الفني. وبعد أن مثَّلتْ أولى مسرحياتها شعرت بأن الجمهور يتأسَّى لها ويُشفِق عليها؛ لأنها تُحاوِل أن تُعيد الزمن إلى الوراء، ففَطِنَتْ منيرة أخيرًا إلى أنها تمثل أمام الجمهور الآن دور الفتاة المراهقة العاشقة وهي في سن الستين من عمرها. وهكذا ظهرت الحقيقة جليَّة أمام منيرة، فاعتزلتِ الفن والناس طوال ١٧ سنة حتى لاقتْ ربَّها في مارس ١٩٦٥.
وهكذا ماتت «سلطانة الطرب» منيرة المهدية بعد أن قادت فرقة مسرحية، جمعت في أعوامها الطويلة نخبة من الفنانين والفنانات وبعض الإداريين، منهم: أبريز أستاتي، إحسان كامل، أحمد ثابت، أحمد حافظ، أحمد عسكر، أحمد عفيفي، أحمد فهيم، أحمد نجيب، أستر شطاح، إسكندر كافوري، أمين عطا الله، إنعام فهمي، بباوي فرج الله بباوي، بشارة واكيم، بهية أمير، بيومي محمد، جميلة سالم، حامد حمدي، حامد مرسي، حسن ثابت، حسن موسى، حسين حسني، حسين عسر، دافيد سليم، دولي أنطوان، زاهية لطفي، زكريا أحمد، زكي مراد، زكية إبراهيم، زينب بدران، سرينا إبراهيم، سيد شطا، صادق أحمد، صالح عبد الحي، صالحة قاصين، صوفي كفوري، عائدة حسن، عباس فارس، عبد الحليم القلعاوي، عبد الحميد زكي، عبد الحميد عسر، عبد العزيز بشندي، عبد العزيز خليل، عبد الغني السيد، عبد القادر بكر، عبد الله عبد الغفار، عبد المجيد شكري، عبد النبي، عزيز عيد، عمر وصفي، فؤاد فهيم، فتحية أحمد، فكتوريا كوهين، فوزي الجزايرلي، لطيفة أمين، ماتيل نجار، ماري فهمي، ماري كفوري، محمد إبراهيم، محمد أحمد، محمد بهجت، محمد توفيق المردنلي، محمد سعيد، محمد عبد المطلب، محمد عبد الوهاب، محمد فهمي أمان، محمد محمد، محمد مصطفى، محمد ناجي، محمد يوسف، محمود جبر، محمود حسن الديب، محمود خطاب، مريم سماط، ألمظ أستاتي، منسي فهمي، نينا، وردة ميلان.
دُعينا مساء الخميس ثالث الشهر الماضي لشهود تمثيل رواية «ضحية الغواية»، التي تولَّت السيدة منيرة المهدية تمثيل دور راعول فيها، فرأينا عجبًا؛ رأينا السيدة قد تقدَّمت في فترة قصيرة تقدُّمًا محسوسًا في سبيل الإجادة. وقفةً راكزةً ومنطقًا هادئًا، وإدراكًا لمعاني القول، وتطبيقًا للإشارات والنظرات ومختلف الأصوات عَلَى مقتضيات أجزاء الدور، ما بين تحمس واستعطاف وتذلُّل وتكبُّر وصبر وإناة. فكان إعجاب جميع الأدباء والجمهور، الذي لم يَدَعْ بالدار مكانًا خاليًا من شدة إعجابه بتلك الجوهرة الغالية، التي منَّ الله بها عَلَى السيدة منيرة في صوتها.
ويحذِّر حضرة محمود جبر صاحب ومدير جوق السيدة منيرة المهدية، أي شركة فونوغراف من أي شخص يدَّعي بأنه يملك ألحان هذه الروايات، أو أي شخص يحتكر تمثيل هذه الروايات في الأقطار السورية، كما أخبرها حضرة فرح أنطون أنه أعطى احتكار تمثيل هذه الروايات لبعض الناس في سوريا وتونس الجزائر، فهذا الاحتكار يُعدُّ باطلًا؛ لأن الشروط التي مع صاحب الجوق تخوِّله حق تمثيل هذه الروايات في أي بلدة كانت، حسب الشروط المأخوذة من حضرة فرح أنطون. كذلك شروط التلحين فهُمَا مِلْكَان لحضرة صاحب الجوق. وقريبًا ستملأ جميع ألحان هذه الروايات بأسطوانات شركة بيضافون بالموسكي، من حضرة سيدة الغناء في مصر «السيدة منيرة المهدية». ويحذر أي شركة فونوغراف من أخذ تلك الروايات من أي شخص يدَّعي ملكيَّتَها، ومَن يدَّعي ذلك فصاحب الجوق يُقاضيه.
بدأت السيدة منيرة المهدية موسمها التمثيلي برواية «الحيلة»، وهي الرواية التي مثَّلتْها قديمًا فرقة الأستاذ عزي عيد تحت اسم «مدموازيل جوزيت امرأتي».
«مدموازيل جوزيت» رواية إفرنجية مشهورة، وهي من الروايات التي حازت نجاحًا باهرًا في فرنسا، وقد نقلها أمين صدقي إلى العربية، ومُثِّلت للمرة الأخيرة في مسرح رمسيس عام ١٩٢٣، فصادفتْ فيه شيئًا من النجاح. وأظن أن موضوعها أعجب الأديب بديع خيري، فعمد إلى هيكل القصة وجرَّده من الصبغة الفرنسية، وكساه ثوبًا مصريًّا؛ أي إنه اقتبس القصة ومصَّرها مع بعض تعديل وتحوير.
منذ شهرين أو أكثر، أخذ هذه الرواية الكاتب الأديب حامد السيد، واقتبسها باسم رواية «الطمبورة»، التي افتتح بها مسرح الماجستيك موسمه التمثيلي.
أريد بكلمتي هذه أن تكون تحية إعجاب وتقدير للأستاذ الفاضل الشيخ يونس القاضي مؤلف رواية «المظلومة». ففي الحق إنها لَعَمَلٌ فني خالد، يَضَعُ مؤلِّفه الفاضل بين صفوف رجالات مسرحنا المصري المنشود، الذي نعمل جميعًا عَلَى تكوينه والنهوض به. «المظلومة» صورة وصفية من الحياة المصرية، بلغ بها مصوِّرها أقرب ما يكون من الكمال، ناسجًا بُرْدَها حول موضوع اجتماعي خطير، تَئِنُّ تحت نِيرِه الأسرة المصرية، فإذا ما ذُكر المصلحون لعِلَلِنا الاجتماعية كان يونس القاضي عن استحقاق وجدارة في طليعة صفوفهم. وإنه من العار الخالد أن يَظَلَّ هذا الرجل منزويًا، ولا يُلاقي ما هو جدير به من تَجِلَّة وتشجيع. وفي الوقت نفسه نحن لا نُحِلُّ الأستاذ الفاضل من رَمْيِه بالكَسَل وندرة الإنتاج، فإنه لا يكتب إلا نادرًا، بينما كان من الواجب ألا تظل تلك القريحة الصافية والقلم الشاعري بلا عمل دائم. فحبَّذا لو نشط ذلك المؤلف الفاضل، وصرف جهوده المباركة إلى المسرح، بدلًا من اكتفائه بتحرير الجرائد الأسبوعية، ونظم الطقاطيق الغنائية، التي وإن كنَّا لا نُنكِر ما لاقتْه من رَوَاج ونَجَاح، إلا أنها حرام أن تَستَنْفِدَ كل جهود عقل كبير كعقله، وقلم رشيق كقلمه.
تتشرف بإحاطة علم الجمهور، وخصوصًا حضرات زبائنها الكرام، أنها استحضرت لمحلاتها أسطوانات جديدة من قصائد وطقاطيق ومواويل، معروضة الآن للبيع ومأخوذة حديثًا من صوت حضرة المبدعة كروانة الشرق، صاحبة الذوق السليم «السيدة منيرة المهدية»، التي نالت في مباراة لجنة التحكيم الجائزة الأولى عن سنة ١٩٢٥، والجائزة الممتازة مع الميدالية الذهبية عن سنة ١٩٢٦ في الغناء المسرحي. طقطوقة «البوكر»، «يا جدع مزمز»، «يمينك سوق»، «يا قلبي اصبر»، قصيدة «لم أَدْرِ ما ذنبي»، موال «يصح يا قلبي تعشق». ويوجد بالمحل أحسن وأعظم الماكينات المتينة المضمونة وارد سويسرة بأثمان لا تقبل المزاحمة.
«كلها يومين» هي الرواية التي تمثِّلها الآن فرقة السيدة منيرة المهدية عَلَى مسرح تياترو برنتانيا. والرواية وُضِعت وأُخرِجت من ست سنوات تقريبًا، يوم كانت السيدة منيرة تشتغل عَلَى مسرح دار التمثيل. ولم أكن في حاجة للكتابة عنها الآن، لولا ما اقترحه عليَّ أحد الكبراء المعروفين في البلد حين قال لي: «إن عملك ينحصر في الكتابة عن كل رواية جديدة وكل رواية قديمة لم يُكتب عنها شيء في حينها.» وعملًا بهذه النصيحة أبدأ في الكتابة عن هذه الرواية بكل إيجاز.
هي قطعة مسرحية وُضِعت لظرف خاص من ظروف النهضة الوطنية في سنتَيْ ١٩١٩، ١٩٢٠، يوم كانت النار مستعرة، ويوم كانت النفوس صارخة، والشعور ملتهبًا! إذن في هذا الظرف الخاص، وضع الشيخ يونس القاضي رواياته الثلاث «كلام في سرك»، «التالتة تابتة»، «كلها يومين»، هو وَتَر واحد، أخذ الكُتَّاب يضربون عليه بقوة وشدة، حتى كاد يتقطع … هو وتر الوطنية المقدسة! ورواية «كلها يومين» هي نغمة من نغمات ذلك الوتر المتعددة القوية، هي نغمة عدم الوثوق «بالخواجات»! الذين يَقدَمون علينا وهم متشرِّدون لا عائل لهم، ويُصبِحون بعد قليل سادةً أمجادًا. والرواية تحثُّ المصري عَلَى النزول إلى ميدان العمل المثمر، بصرف النظر عن درجة ذلك العمل وملاءمته للشخص ما دام منتجًا.
ستعود السيدة منيرة المهدية إلى التمثيل، وسيكون ضمن رواياتها الجديدة رواية «توسكا»، ترجمة الأديبين إبراهيم المصري وفايق رياض، ورواية «مدام بترفلاي» ترجمة زكي السويفي.