فرقة الشيخ سيد درويش
ومسرحية «شهوزاد» تدور أحداثها الكوميدية في مملكة التتر، حيث يعمل زعبلة المصري في خدمة جيش الملكة خاتون شهوزاد، برتبة جندي بزق هزق. وزعبلة يحب الفتاة الفقيرة حورية، ولكن رئيسه في العمل قرة آدم أوغلي يضايقه ويباعد بينه وبين حبيبته باستمرار. وفي يوم أرادت شهوزاد أن تتفقد أحوال جيشها، فوقع نظرها عَلَى الجندي زعبلة، فأحبَّتْه وقرَّبتْه منها، وأنعمتْ عليه برُتَب كثيرة منها باش بزق هزق، وضابط سنجق، وباش سنجق، وباش سنجق دار، وأخيرًا تقلَّد أعلى رتبة في الجيش وهي رتبة الميرشاه جششبار جاجانكير؛ أي قائد الجيوش. وبعد ذلك هجم الأعداء عَلَى مملكة التتر، فدافع عنها زعبلة وأحرز النصر، مما جعل رجال البلاط يحقدون عليه، وبالأخص الأمير قمع الدولة خطيب الملكة شهوزاد، والتي تسوِّفه دائمًا في أمر إتمام الزواج بعد أن أُعجِبتْ بزعبلة.
وبعد الانتصار تُقيم شهوزاد حفلة كبيرة حاولتْ فيها إفهام زعبلة بأنها تحبه وتريد أن تتزوَّجه، ولكن زعبلة سارع بإخبارها عن موعد زفافه عَلَى حورية. هنا اتفقت شهوزاد مع رجال البلاط عَلَى قتْل زعبلة لأنها ظنَّتْ أنه يحبها. وفي أثناء تدبير مؤامرة لقتله تُعجب شهوزاد بالأمير مخمخ، وتنسى حبها لزعبلة، وتحاول إبدال زعبلة بمخمخ. وبعد عدة أحداث كوميدية تكتشف شهوزاد أن مخمخ متزوج وله أربعة أولاد، فتنهار وتقرِّر الزواج بالأمير قمع الدولة، وتنتقم من زعبلة بتجريده من كل رتبه العسكرية، وتعيده إلى رتبته الأولى كجندي بزق هزق. وتنتهي المسرحية بأن قرَّر زعبلة العودة إلى بلاده كي يدافع عنها بدلًا من دفاعه عن مملكة التتر.
إن النهضة التي أوجدتْها الفرقة الجديدة، التي ألَّفها الأستاذ الشيخ سيد درويش، قد أظهرتْ فوائد التمثيل بواسطة الروايات الفكاهية الراقية، التي تجمع بين العظمة وجمال الموضوع، فضلًا عمَّا فيها من قِطَع الألحان الموسيقية البديعة، التي تأخذ بمجامع القلوب، بحسن إدارة الشيخ سيد درويش، الذي له المنزلة الأولى بين الملحنين. علاوة عَلَى جمال رواية «شهرزاد» وما صادفتْه من الإقبال، بالنسبة للروايات التي تُعادِلها موضوعًا وألحانًا وتمثيلًا. وإقبال الجمهور يدل عَلَى تفوُّق هذا الجوق ويشجِّع الفاتحين القائمين بهذه النهضة التمثيلية الجميلة.
ومسرحية «العشرة الطيبة» تدور أحداثها في عصر المماليك، حيث نجد الفتاة نزهة الفقيرة اليتيمة، التي تحب الفلاح البسيط سيف الدين، الذي تنكَّر في زي فلاح كي يتأكد من حبها حيث إنه من الأمراء. أمَّا الفلاحة ست الدار، فهي سيدة شرسة ثائرة تَهوَى سيف الدين بعنف وتُطارِده بحبها. ثمَّ نجد حزنبل الكيميائي الذي يعمل عند المملوك حمص أخضر، صاحب معظم أراضي القرية، ويتقابل حزنبل مع صديقه القديم حسن عرنوس كاتم سر الوالي، الذي جاء يبحث عن ابنة الوالي، التي وُضِعتْ بعد ولادتها في قُفَّة وأُلقيتْ في النيل. وقد دلَّتْه أبحاثه عن وجودها في هذه القرية، وبالفعل يكتشف أن نزهة الفلاحة هي الأميرة المفقودة، فيصحبها مع حبيبها سيف الدين إلى قصر الوالي.
أمَّا حزنبل، فقد كان مشغولًا بالبحث عن زوجة جديدة لسيده حمص أخضر، بعد أن أمره بقتل زوجاته الخمس السابقات. فيقوم حزنبل باقتراع فكاهي لاختيار الزوجة الجديدة، فتقع القرعة عَلَى ست الدار وتصبح زوجة المملوك حمص. وفي قصر الوالي نجد الوزراء يقدِّمون تقاريرهم إلى الوالي بصورة تهكمية. فمثلًا وزير العدل يقول في تقريره إنه قرر حبس المتهمين قبل محاكمتهم، وأنه شطب لفظ محامي من جدول القضاء، وأنه أصدر قرارًا بأن يكون القاضي أخرس أطرش مكسَّح أعمى. أمَّا وزير الزراعة فقد أصدر قرارًا بمنع زراعة القطن واستبداله بشجر أبو فروة، وري الأراضي بمياه البحر الأحمر بدلًا من مياه النيل، وتحريم الصيد في الغيطان وتحليله في الشوارع والحارات. أمَّا وزير الحربية فقد أصدر قرارًا بإكثار الضباط وتقليل الجند، وأن الجيش لا يدافع عن الوطن، وأن تسريح الجيش يكون عند إعلان الحرب. أمَّا وزير المعارف فقد أصدر قرارًا بإلغاء علم الآداب واستبداله بعلم البولوتيكة، وأن تكون الدراسة إجبارية في سن الستين.
وبعد أحداث كوميدية كثيرة ذات دلالات سياسية، يقوم حزنبل بمحاولات لتحويل النحاس إلى ذهب، وعندما يفشل في صنع هذه المعجزة يستبدلها بمعجزة أخرى، وهي مخالفة أوامر سيده عندما أبْقَى عَلَى حياة زوجاته الخمس، واحتفظ بهنَّ أحياء حتى يحين الوقت المناسب لظهورهن. وعلى الجانب الآخر نجد حسن عرنوس يخالف أوامر الوالي، ويُبقِي عَلَى حياة خمسة من الرجال أمره الوالي بإعدامهم، ومن ثمَّ أخفاهم إلى أن يحين الوقت لظهورهم. وبذلك نجد أن الزوجات الخمس والرجال الخمسة هم المقصودون بالعشرة الطيبة، الذين خرجوا من مخبئهم ليفرضوا إرادتهم عَلَى الحكام، ويعلنوا أنهم لم يموتوا بل سيعيشون وينتصرون؛ لأنهم رمز للشعب المصري، وبهذه الثورة تنتهي المسرحية.
وفي يوم ١٥ / ٩ / ١٩٢٣ انتقل إلى رحمة الله الفنان الشيخ سيد درويش، ودُفِن في مقبرة بمدافن المنارة بالإسكندرية، كُتِب عَلَى شاهدها:
وهكذا انفرط عِقْد فرقة سيد درويش المسرحية، التي كانت تضم من الفنانين: إحسان كامل، إلياس صوفان، حسن القصبجي، حسين رياض، حياة صبري، عبد العزيز أحمد، عمر وصفي، كلود ريكان، محمد المغربي، محمد علي هلال، محمد مختار، محمود رضا، مسيو ألبير، منسي فهمي، نظلي مزراحي، نعمات.
قال الشيخ سيد درويش محدِّثًا عن نفسه: وُلِدتُ من أبوين فقيرين في مدينة الإسكندرية (عام ١٨٩٢). وكان والدي نجَّارًا بسيطًا يعمل لاكتساب لقمته بعرق جبينه، عَلَى أنه كان كثير التقوى زاهدًا قنوعًا في الحياة. وكم كان يُعاقِبني منذ نعومة أظافري عَلَى ترك الصلاة، وكان لا يلذُّ له شيء أكثر من أن يراني حافظًا «لكتاب الله الكريم». ولهذا ما كدتُ أبلغ التاسعة من عمري حتى أدخلني أحد الكتاتيب، وهناك ظللتُ أواصل حفظ القرآن الشريف وتجويده. ولما بلغتُ غايتي من ذلك توجهتُ بكلياتي إلى دراسة شيء قليل من أصول الموسيقى، وتمييز النغمات الأولية بعضها عن بعض. وخَطَر لي أن أحترف مهنة غير «حرفة الفقهاء»، أضمن من ورائها القوت لنفسي. وكان لوالدي صديق من خيرة أصدقائه، يَحكِي عن نفسه أنه بدأ الحياة «بنَّاءً» بسيطًا ككل البنَّائين، وأراد الله الخير له فأصبح في يوم من الأيام مقاولًا لا بأس بثروته. وهنا وضعتُ كل آمالي في معونة ذلك المقاول، وظللتُ ألحُّ عليه في الرجاء حتى أسلمني إلى رجاله، موصيًا بتدريبي عَلَى صناعة البناء. وكم كان شوقي شديدًا لليوم الذي أتخرَّج منه عَلَى أيديهم «بناءً حاذقًا». ولكن القَدَر أراد لي خلاف ما ابتغيتُ لنفسي.