فرقة فكتوريا موسى
بدأت فكتوريا موسى التمثيل المسرحي كممثلة في فرقة أولاد عكاشة، في موسم ١٩١٢-١٩١٣، وبدأ نجمها يتألَّق في مسرحية «الأفريقية» التي مُثِّلت — في فترة انضمام فرقتي عكاشة وجورج أبيض — بالأوبرا في أبريل ١٩١٣. ومنذ ذلك التاريخ وفكتوريا أصبحتِ الممثلة الأولى في فرقة عكاشة، خصوصًا بعد زواجها من عبد الله عكاشة. وفي عام ١٩٢٥ نالت الجائزة الثالثة للتمثيل الدرامي في مباراة التمثيل العربي. وفي عام ١٩٢٦ نالت الجائزة الأولى للتمثيل الكوميدي في المباراة نفسها.
وقد مرَّ بنا كيف انفصل عبد الله عكاشة وزوجته فكتوريا موسى من فرقة أولاد عكاشة. وعلى أثر هذا الانفصال كوَّنتْ فكتوريا مع زوجها فرقة مسرحية خاصة بهما، أطلقتْ عليها «فرقة فكتوريا موسى». وإذا كنَّا اعتبرنا هذه الفرقة من الفرق المسرحية الغنائية، فهذا راجع إلى وجود عبد الله عكاشة فيها كمطرب أكثر من وجوده فيها كممثل، حيث كان يقوم في أكثر العروض بإلقاء بعض القصائد الغنائية بين الفصول أو بين المشاهد التمثيلية، حتى ولو لم يكن في هذه العروض دَوْر تمثيلي له.
وزهرة الشاي هو اسم بطلة المسرحية، مِثله مثل اسم أية امرأة. وهذه المسرحية تبحث في أخلاق الصينيين واليابانيين وعاداتهم، وتشرح ضعف وطنية الصينيين وكيدهم لبعضهم، مما أدَّى إلى هزيمتهم أمام اليابانيين، الذين اجتمعت كلمتهم وتوحدت مقاصدهم. وهذه المعاني جاءت من خلال دروس بالغة الوطنية والشمم وتضحية النفس في سبيل البلاد والشرف، هذا بالإضافة إلى تعرُّضها للديانة البوذية، وكيف أنها تضع الزوج في مقام المعبود عند الزوجة، كما أنها تعرَّضت لبعض الآفات الاجتماعية مثل الإدمان.
ومسرحية «المرأة الكدابة» تدور أحداثها حول زوج يتهم زوجته بالكذب واختلاق الأعذار الواهية، التي تُطالِعه بها كلما عَلِم بخروجها من المنزل. ثمَّ يزداد غضبه حينما يعلم من خادم الحلواني أن زوجته قد تناولتِ الحلوى مع صديقٍ لها، بينما زوجته تُقسِم بكل جهدها أنها لم تذهب في هذا اليوم ولم تخرج من منزله. ثمَّ نعرف أن من ذهبت معه هو ابن خالتها الذي يُشارِك زوجها في عمله الهندسي، ويشتدُّ غضب الزوج من توهُّم خيانة زوجته، ويتوجَّه بحنقه وغضبه عَلَى صاحبها الجبان؛ لأنها عنده بريئة وعفيفة. ثمَّ نجد هذا الجبان جالسًا مع الزوج — والزوج بالطبع لا يعلم أن الجالس معه هو الجبان بذاته — يستعطفه ويسترضيه ويطلب منه الصفح عن هذا الجبان. وبعد محاولات مماثلة يسافر الزوج إلى السودان ويشترط أنه لن يعود حتى تجيئه امرأته بمولود. وتُعمِل زوجته الفكرة مع ابن خالتها عَلَى أن يحصل من أحد الملاجئ عَلَى طفل حديث الولادة ليرسل في طلب الزوج. ويحضر الزوج فعلًا ويُسَرُّ برؤية مولوده، ولكن الحيلة تنكشف في النهاية، ويقف الزوج عَلَى الحقيقة فتُلقِي عليه زوجته درسًا في إنها غير كاذبة.
ومسرحية «الفراشة» تدور أحداثها حول فتاة أحبَّتْ نبيلًا حبًّا شديدًا، وتمت الخطبة بينهما، وفي يوم ما شعرت بأعراض مرضية فذهبت إلى المستشفى وعلمت بأنها مريضة بمرض السل، وفي مرحلة متأخِّرة يصعب فيها العلاج والشفاء. هنا قرَّرتِ الفتاة التضحية بحبها في سبيل خطيبها، عندما أخبرتْه أنها خدعتْه بحبها، حيث إنها امرأة لعوب تعشق غيره. وأمام هذا يبتعد الخطيب عنها ويقرِّر الزواج من امرأة أخرى. ولكن الفتاة المسلولة التي أحبَّتْه بصدق شعرتْ بآلام الحب ولذَّاته وهي تُقاوِم الموت، ولم يبقَ من سِنِي حياتها إلا ساعات معدودة، فنجدها تَهَب كل ثروتها لمَن يُطمئنها بأنها ستعيش سنة واحدة لتقترن بخطيبها الذي تعبده وتطلب مهلة في الحياة، ولكن الموت القاهر يوقف أنفاسها وسرير عرسها مكلل بباقات الورد، وهي تبتسم لمَن حولَها وتسألهم متى يحتفلون بزفافها.
والمسرحية تدور حول عائلة مصرية — مكوَّنة من السيد محمد أحد الأغنياء، وابنه فوزي، وابنته زينب، وخادمهم الحاج علي — ذهبتْ لقضاء فريضة الحج، فهجم عليهم قُطَّاع طريق فاختطفوا فوزي وزينب وهرب الأب والخادم. فأما زينب فبِيعتْ إلى أمير في بغداد، فسجنها في قصره بعد أن رفضت إشباع غريزته. وأمَّا فوزي فقد أصبح من ندماء هذا الأمير. أمَّا الخادم علي فقد احتمى في مغارة عن أعين اللصوص، فكانت مسكونة بالجن، فيحصل منهم عَلَى طاقية الإخفاء وحبل السلامة، وبهما استطاع بعد عدة مواقف أن ينقذ الأسرة ويعود بها إلى مصر.
والمسرحية تدور حول بطلة المسرحية أدريين، زوجة المقاول العجوز، التي يعشقها شاب ويُصارِحها بغرامِه فتصدُّه لأنها عفيفة شريفة، ولكن الشاب يحتال عَلَى الأمر بأن ينتحل صفة خادم فيدخل بيتها، وتشاء المصادفة أن يطَّلع عَلَى خطابات تُثبت أن زوجها عَلَى علاقة بامرأة أخرى، فيُهدِّد الشاب الزوج بافتضاح أمره إلا إذا عيَّنه سكرتيرًا خاصًّا له، وبذلك يمكث في البيت أطول فترة ممكنة. وبالفعل يحدث هذا مما يجعل الزوجة تتبرم من إلحاح هذا الشاب، ويلاحظ الزوج أن الشاب أو السكرتير يتصرف بغرابة، فيبحث في الأمر حتى يكتشف الحقيقة بأن زوجته شريفة وأن هذا الشاب يحاول إيقاعها في حبائله الشيطانية، فيقوم الزوج أخيرًا بقطع علاقته بالمرأة الأخرى، ويعترف لزوجته بالحقيقة ويطلب منها السماح، ويتفقا عَلَى طرد السكرتير.
وتتلخص المسرحية في أن رينا ابنة الجنرال بيكوت — قائد الجيوش البلغارية — عندما كانت جالسة في حجرتها تقرأ دخل عليها جندي سويسري هارب من مطاردة الجنود، وكان شاحبًا متعبًا، فخبَّأتْه الفتاة في حجرتها، وأقنعتِ الجنود عندما دخلوا عليها بأنه لم يأتِ، فخرج الجنود، وعادتْ هي إلى الجندي فأطعمتْه الموجود لديها، وكان كريم شيكولات. وبعد أن أكل الجندي استراح عَلَى سريرها، وجلستِ الفتاة تتأمَّل فيه وهو نائم، فوقعتْ في غرامه، متجاهلة خِطْبتها لأحد الضباط. وأخبرتِ الفتاة أمَّها بالحقيقة، فساعدتْها الأم عَلَى خروج هذا الجندي من المنزل متخفيًا بعد أن ارتدى معطف الأب الجنرال. وبعد انتهاء الحرب قصَّ الجندي ما حدث إلى أحد أصدقائه، فانتشر الأمر بين الجميع حتى وصل إلى والد الفتاة وخطيبها. وعندما عاد الأب الجنرال إلى المنزل سأل زوجته عن المعطف، فاضطربتْ وقبْلَ أن تُجيب يحضر الجندي كي يُعيد المعطف، وهنا تحدث المواجهة بين الجميع، وبعد حوار طويل بين جميع الشخصيات تتزوج الفتاة من الجندي بعد أن يتَّضح أنه من الأعيان ومن كبار قادة الجيش السويسري، ويقوم الضابط خطيب الفتاة بالزواج من خادمتها التي تحبُّه حبًّا شديدًا.
والمسرحية تدور حول هيام هانم زوجة عفت باشا، التي تعيش معه رغمًا عنها، حيث إنها تحب الدكتور جلال، وأكثر من مرة تطلب الزوجة الطلاق ولكن الزوج يرفض متلذِّذًا بعذابها. وأمام هذا تسقط الزوجة في بئر الخيانة، وتعيش مع الدكتور حياة آثمة، كانت نتيجتها طفل ظنَّ الباشا أنه ابنه. وبمرور السنوات يُصاب الابن بالسل، وعندما يُقرِّر الباشا إبعاد الابن عن جو البيت كي يُشفى تمنعه الزوجة وتُقِرُّ أمامَه بالحقيقة، بأن هذا الطفل ليس ابنه. هنا يهجم الباشا عَلَى زوجته فيقتلها خنقًا.
فكتوريا موسى هي النجم الذي لمع في فجر النهضة المسرحية، فكان ضياؤه يُبهِر الأنظار. وهي الكوكب الذي اعتلى خشبة المسرح، في وقت كان النبوغ فيه وقفًا عَلَى اثنتين أو ثلاث من فتيات الجنس اللطيف. وهي الممثلة التي كانت تقوم بأدوار وجدانية قلَّ أن تُجارِيَها فيها مَن عداها من الممثلات. هذه هي فكتوريا موسى التي قَلَبَ الدهر لها ولزوجها عبد الله عكاشة ظَهْر المِجَنِّ، فاعتكفا حينًا من الوقت كانا يختلسان أثناءه فترات من الدهر الغادر، فيُطالعان الناس أثناءها بشيءٍ من رواياتهما القديمة، التي كان الجمهور يُعجب بها ويُقبِل عَلَى مشاهدتها. عَلَى أن الحظ العاثر الذي وقف في سبيل الزوجين هذا الوقت الطويل كان يؤذنهما بوداع نرجو ألا تكون له رجعة. فقد تفضَّل القاضي الفاضل عمر عارف فأعطى للزوجين أربع روايات جديدة من مؤلَّفاته القَيِّمة، هي: «الفجر» و«سوسن العبرانية» و«هو الحب» و«سانوجيت». والرواية الأخيرة مصرية فرعونية، هذا فضلًا عن رواية «هدى» التي سمح مؤلِّفها عمر لفكتوريا بحق تمثيلها، وهي الرواية التي وضع ألحانها المرحوم سيد درويش. وقد طلبت فكتوريا وعبد الله من وزارة المعارف أن تسمح لفرقتهما بالظهور عَلَى مسرح الأوبرا في الموسم القادم لتمثيل هذه الروايات الجديدة، مُضافًا إليها رواية «السلطان قلاوون»، وهي واحدة من آثار المرحوم عبد الحليم المصري المسرحية. ونقول بهذه المناسبة إن الفرقة ستمثِّل في يوم ٢٠ سبتمبر الجاري رواية «المرأة الكدابة» عَلَى مسرح برنتانيا.
وهكذا كانت نهاية فرقة فكتوريا موسى، التي جمعت رموزًا فنية منها: حسن فايق، حسين فهمي، حمايات جمال، حنا وهبة، دافيد سليم، روجينا إسرائيل، زاهية سامي، عبد العزيز خليل، عبد الله عكاشة، عبد المجيد شكري، عبد الوارث عسر، فاضل، فاطمة سري، فريد أحمد، فكتوريا كوهين، فيوليت، لبيبة فارس، لطيفة نظمي، لينا الراقصة، ماري كفوري، محمد بهجت، محمد يوسف، مصطفى سامي، مصطفى كامل الفلكي، منسي فهمي، منيرة أحمد.
في أواخر سنة ١٩٢٦ — وكنتُ وقتئذٍ طالبًا بكلية الحقوق وأحد هواة الأدب المسرحي بصفة خاصة — طلب إليَّ عباس علام أن أترجم للسيدة فكتوريا موسى مسرحية من مسرحيات أعلام الكُتَّاب … وقد شجَّعني ذلك عَلَى ترجمة إحدى كوميديات برناردشو — وهي كوميديا «السلاح والرجل» — ترجمة لا تخلو من التصرف الذي تقتضيه الضرورة، خاصةً وأنه لم يكن قد سبق تقديم شيءٍ منها للمسرح المصري! وقد مُثِّلت هذه المسرحية في مارس سنة ١٩٢٧ تحت اسم «كريم شيكولات». وعندما ذكر الكاتب اسم مسرحية «السلاح والرجل» كتب لها هامشًا في أسفل الصفحة قال فيه: «قامت دار النهضة العربية بطبع ونشر هذه الترجمة في أواخر سنة ١٩٦٢ بنفس الأسلوب الذي كُتِبت به سنة ١٩٢٦.»