فتًى يكتبُ الشِّعر
عندما طافت شهرة شِعره الجيِّد بين زملائه الأقدم منه في المدرسة، كان يقول في نفسه: «غير معقول! .. من المؤكد أن هذه الجلَبة فقط؛ بسبب أن الجميع ينظر إلى أنني في سن الخامسة عشر.»
ولكن الفتى رغم ذلك كان متأكدًا تمامًا من أنه عبقري؛ ولذلك فهو يردُّ على زملائه الأقدم منه بحديث النِّد للنِّد. ويرى أنه من الأفضل تجنُّب قول «أنا أظن أن الأمر هو كذا»، وأنه عليه أن ينتبه لكلامه في كل المواضيع ليأخذ صيغةَ «إن الأمر هو كذا».
كان الفتى مُصابًا بفقر الدم بسبب كثرة الاستمناء، ولكنه لم يكُنْ يهتم بعدُ بقبح وجهه؛ فالشِّعر شيء مختلف تمامًا عن تلك المشاعر الفسيولوجية البغيضة. الشعر يختلف تمامًا عن كل شيء. كان الفتى يكذِب كذبًا غير ملحوظٍ يناسبُ الموقف. من خلال الشِّعر تعلم الفتى طريقة الكذب غير الملحوظ بما يناسب الموقف. المطلوب فقط أن تكون الكلمات جميلة، وبهذه الطريقة كان يوميًّا يقرأ المعاجم بجِدٍّ واجتهاد.
كان الفتى عندما يبلغ النَّشوة، يظهر أمام عينه دائمًا عالمًا مجازيًّا.
«ديدان اليُسروع حوَّلت أوراق الكُرز إلى سِباق.»
«الحصى التي رُميت تخطَّت أشجار البلوط، وذهبت لرؤية البحر.»
«في يوم ذي سحب، قامت الرافعة العملاقة بنزع صفحة البحر ذات التجاعيد الكثيرة، ولفَّتها في الهواء؛ لتبحث تحتها عن جُثث الغَرْقى.»
«ثمرة الخوخ القريبة من الخنفساء تضَعُ في الواقع مكياجًا خفيفًا.»
«يلتصق الهواء الغاضب المضطرب حول الهارعين جريًا بكل طاقتهم، وكأنه مثل النيران فوق ظهور التماثيل.»
«الغروب هو نذير شُؤْمٍ، ولونه مثل لون صبغة اليود المركَّزة.»
«أشجار الشتاء ألقَتْ أرجلَها الصناعية تجاه السماء، ثم بعد ذلك بدا جسد الفتاة العاري بجوار المدفأة وكأنَّه ورد مشتعل، ولكن عندما تقترب من النافذة تكتشف أنه وَرْدٌ صناعي، وأن البشرة التي بها قُشَعْريرة بسبب البرد، قد تحوَّلت إلى قطعة من زهرة مخملية منفوشة.»
كان الفتى يصل إلى ذروة السعادة عندما يتحوَّل العالم بهذه الكيفية في الواقع. ولم يكن الفتى يندهش من حدوث حالة السعادة القصوى تلك بشكل مؤكَّد عندما يتولد داخله الشعر. كان يعلَم في عقله أن الشِّعر يتولد من داخل الحزن واللعنة واليأس، يتولد الشِّعر من وسط الوحدة القاسية، ولكن من أجل ذلك كانت توجد ضرورةٌ أن يحمل هو نفسه اهتمامًا أكثر تجاهَ ذاته، وأن يعطيَها قضيةً ما. ورغم إيمانه الذي لا يتزعزع أنه عبقري، فإنه من المدهِش أن الفتى لم يكن يحمِل اهتمامًا تجاهَ ذاته. فلقد جذَبَه تمامًا سحر العالم الخارجي. أو الأصح عِوضًا عن ذلك هو القول إنه لحظةَ وصوله لذروة السعادة القصوى، كان العالم الخارجي بلا سببٍ واضح يتخذ بسهولة الشكل المفضَّل لديه.
لم يكن الفتى يعرف جيدًا هل الشعر يظهَر من أجل إثباتِ سعادة الفتى بين حينٍ وآخر، أم أن الفتى يكون في سعادة بسببِ ميلاد الشِّعر، ولكن تلك السعادة كانت تختلف بشكل واضح عن سعادته عندما يحصل على شيءٍ كان يريده وظل يُطالب بشرائه لفترة طويلة، أو عندما يخرج مع والدَيْه في رحلةٍ ما، غالبًا هي ليست السعادة الموجودة عند أي شخصٍ آخر، ولكن المؤكد أنها سعادة لا يعرفها بحقٍّ إلا هو فقط.
في كل الأحوال لم يكن الفتى يحب الاستمرار في تأمُّل أمرٍ ما فترةً طويلة، سواء أكان ذلك نفسه أو العالم الخارجي، يلفت الشيء انتباهَه، فيبدأ في التحول السريع إلى شكلٍ ما مُغايِر ومختلف في الحال. على سبيل المثال: إذا تلألأت أوراق الغابة الخضراء، ولم يتحول الجزءُ المشع منها في وسط الظهر من أحد أيام شهر مايو، وكأنها زهور كُرز ليلية، فهو على الفور يسأَم منها ويتوقَّف عن مشاهدتها، وكان يواجه الصُّور الحادة، التي من المؤكد أنها لن تتغير ولو قليلًا، بابتسامة باردة قائلًا: «تلك لا تصلح لأن تكون شعرًا.»
في يوم اختبار المدرسة، جاءت الأسئلة كما توقعها تمامًا، فكتب الإجاباتِ بسرعة، ثم سلَّم ورق الإجابة إلى المدرس دون أن يُراجعها بشكلٍ دقيق، واستطاع أن يخرج من الفصل قبل أي زميل آخر من نفس صفِّه، وأثناء عبور فناء المدرسة الذي لم يكن يوجد به ظلٌّ لإنسان في فترة الصباح، نظر إلى قمة سارية العلَم التي تنتهي بكُرَة ذهبية صغيرة تلمع متألقةً. وعندها غمرَتْه سعادة بالغة لا يمكن وصفُها. اليوم ليس عيدًا قوميًّا؛ ولذا فالعلَم لم يكن مرفوعًا، ولكنه كان يعتقد أن اليوم عيدٌ داخل قلبه، وأن أشعَّة الكرة الذهبية اللون تحتفل به وتهنِّئُه. ينخلع قلب الفتى بسهولة عن جسده ويبدأ التفكير في الشِّعر. يا لها من نشوة تنتابُه في تلك اللحظة! يا لها من وحدة مكتملة! يا لها من خفَّة لا متناهية! يا لها من سكْرةٍ صافية تصل إلى كل الأركان! يا له من تقارُب وتوافق كامل بين داخل النفس وخارجها!
كان الفتى عندما لا تأتيه هذه اللحظة بشكلٍ طبيعي، يستخدم شيئًا ما من الأشياء حوله، ويحاول عَنْوةً ولو بشكلٍ مصطنعٍ أن يستدعي حالة سكْرةٍ مشابهة. يقوم مثلًا بالنظر إلى ما داخل الغرفة باستخدام غلاف علبة السجائر الشَّفاف الذي يأخذ تصميم ظهر سلحفاة مخطَّطة، أو أن يقوم برجِّ زجاجة المسحوق الأبيض السائل الخاصة بأمِّه بعُنف، حتى يقوم المسحوق أخيرًا بالرقص متثاقلًا معربدًا، وفي النهاية يظل يتأمل ذلك المسحوق، وهو يترك السائل الرائق يتكون في أعلى الزجاجة، ثم يترسب هو تدريجيًّا في قاعها.
كان الفتى كذلك يستخدم كلمات مثل: «الصلاة»، و«اللعنة»، و«الاحتقار» بدون أي تأثُّر أو عاطفة.
انضم الفتى إلى نادي الأدب في مدرسته، وقد أعارَه عضو اللجنة المفتاح، فكان الفتى يذهب إلى غرفة النادي وقتما يشاء، وكان بذلك يستطيع الاستغراق في قراءة الكتب والمعاجم التي يحبها. كان الفتى يحب صفحة الشعراء الرومانسيين في موسوعة الآداب العالمية؛ فجميع الشعراء كانت صورهم في تلك الصفحة بدون لِحًى شعثاء، وكانوا جميعًا شبابًا ذوي جمال أخَّاذ.
وكان الفتى يهتم كثيرًا بقصر حياة الشعراء، يجب على الشاعر الحق أن يموت مبكرًا، ولكن حتى لو قلنا موتًا مبكرًا؛ فبالنسبة للفتى ذي الخمسة عشر ربيعًا، كان الأمر ما زال بعيدًا جدًّا، وبسبب ذلك الأمان الناتج من الأرقام، ظل الفتى يفكِّر في الموت المبكر بمشاعر سعيدة.
كان الفتى يحب قصيدة أوسكار وايلد القصيرة التي تُسمَّى «قبر كيتس».
«يرقد هنا أصغر الشهداء، الذي أُخذ من هذه الحياة عندما كان في ريعان الشباب حيث الحب والحياة.»
يرقد هنا أصغر الشهداء. كانت هناك دهشة كبرى من هجوم الكوارث والتعاسة الواقعية على الشاعر، وكأنهما منحة إلهية. لقد كان الفتى يؤمن بالتوافق القدَري، التوافق القدَري لسير حياة الشعراء. بالنسبة للفتى كان الإيمان بالتوافق القدَري والإيمان بعبقريته نفس الشيء.
وكان ممتعًا له أن يفكر في محتوى نعيٍ طويل يكتبه لنفسه، أو في مَجْده بعد الموت، ولكن عندما يصل تفكير إلى جثته بعد الموت، تجعله تلك الأفكار في النهاية يمتعض قليلًا. كان يحدِّث نفسه بقوة وحماس قائلًا لها: «يجب عليَّ أن أحيا كالألعاب النارية؛ أبذل كل جهدي في تلوين سماء الليل في لحظة، ثم أختفي في الحال.»
كان يفكر في أشياء متعددة، ولكنه لم يستطع تخيُّل طريقة للحياة غير ذلك. ولكن الفتى كان يكره الانتحار؛ لذا فالتوافق القدَري سيُسدي له معروفًا ويقتله في الوقت المناسب بشكل ملائم.
لقد بدأ الشعر يجعل الفتى يميل تجاه الكسَل النفسي. لو كان أكثر اجتهادًا من الناحية النفسية، لربما كان قد فكر في الانتحار بقلب متحمس.
في طابور الصباح، دعاه مشرف الطلَبة للقائه. قال له: «تعالَ إلى مكتب المشرف.» ومعنى دعوته إلى ذلك المكتب أنه سيلاقي تعنيفًا ومُساءلة أثقل من الدعوة إلى مكتب المدرِّسين. زملاؤه قاموا بإخافتِه قائلين: «أكيد أنت تعلم ماذا فعلت.» شحب وجهُ الفتى وارتعشَتْ يداه بشدة.
كان مشرف الطلبة ينتظره وهو جالس ممسكًا بمِلقاط الفحم الحديدي يكتب به حروفًا ما على رَماد المدفأة التي بلا نيران. وعندما دخل الفتى قال له المشرف بصوت حنون: «اجلس!» ولم يعنِّفه مطلقًا. بل قال له إنه قرأ شعره الذي نُشر في مجلة لجنة أصدقاء المدرسة، ثم بعد ذلك سأله عدةَ أسئلة عن الشعر وعن أسرته، وفي النهاية قال له: «يوجد نوعان من الشعراء، شيلَّر وغوته. هل تعرف شيلَّر؟»
– «هل تعني فريدريش شيلَّر؟»
– «نعم، هو، لا يجب عليك أن تكون مثل شيلَّر. بل يجب عليك أن تكون مثل غوته.»
كان الفتى متجهِّم الوجه أثناء عودته إلى فَصْله بعد أن خرج من مكتب المشرف بسبب عدم رضاه، وكان يجر رجليه جرًّا، فهو لم يكن قد قرأ من قبل أيًّا من أعمال شيلَّر أو غوته، ولكنه يعلم صورتَيْهما فقط.
– «أنا أكره غوته، نعم أكرهه، فهو عجوز طاعن في السن، أنا أحب شيلَّر أكثر.»
كان «ر» رئيس نادي الأدب، الذي يكبر بالفتى بخمسة أعوام كاملة، يعتني به. وكان الفتى يحب «ر» كذلك، والسبب أن «ر» كان يعتقد في نفسه بوضوح أنه عبقري ليس له مثيل، وهو قد اعترف بعبقرية الفتى بدون النظر إلى فارق السن بينهما؛ ولأنه من الضروري أن يصبح العباقرة أصدقاء لبعضهم البعض.
كان «ر» هو الابن الأكبر لعائلة من النُّبلاء؛ ولذلك فقد تقمَّص دور الشاعر الفرنسي أوغست دوليل آدم، ويفخر بنسب عائلته العريق، ويكتب أعمالًا يبث بها مشاعر رثاء جمالية تجاه تقاليد النبلاء القدماء وفنونهم وآدابهم، كذلك قام «ر» بتجميع أشعاره وكتاباته القصيرة في كتاب، ونشره على حسابه الخاص، وهو ما جعل الفتى يشعر بالغيرة تجاهه.
كان الاثنان يتبادلان يوميًّا رسائل طويلة. وكانت عادة كتابة الرسائل اليومية ممتعة بالنسبة للفتى. تقريبًا كل صباح كان يصل لعنوان الفتى رسالة من «ر» في مظروف غربي الطراز مشمشي اللون. مهما كان سُمك الرسالة فكان يمكن معرفة وزنها، ولكن خفة تلك الرسائل المنتفخة كانت تسعد الفتى وتعطيه شعورًا بأنها مملوءة عن آخرها بالرشاقة، وفي نهاية رسالة كل منهما كانت تختم بما ألَّفه كلاهما من شعر في ذلك اليوم أو آخِر وأحدث أشعارهما، وكانا يكتبان أشعارهما القديمة إذا لم تكُن هناك أشعار جديدة.
أما محتوى الرسائل فهو بلا هدف محدد؛ يبدأ مرسل الرسالة بالنقد والتعليق على شعر الطرف الثاني في آخر رسالة له، ثم ينتقل من ذلك إلى أحاديث لا نهاية لها، فيكتب عن آخر ما سمعه من موسيقى، والأحاديث العائلية اليومية، وانطباعه عن فتاة جميلة شاهدها، وتعريف بما قرأه من كتب، والتجارب الشعرية في تلقي الوحي لعالم شعري كامل من خلال كلمة واحدة، وحكي مفصل عن الحلم الذي حلم به الليلة السابقة … إلخ. مثل هذه الرسائل لم يملَّ كتابتَها أبدًا لا الشاب الذي بلغ العشرين عامًا، ولا الفتى ذو الخمسة عشر ربيعًا.
ولكن الفتى قد لاحظ في رسائل «ر» ظلالًا ضئيلة من الاكتئاب والقلق، يعرف تمامًا أنها لا توجد في رسائله هو مطلقًا. الخوف تجاه الواقع، والقلق من ضرورة مواجهته في النهاية، أعطيا لرسائل «ر» نوعًا من المعاناة والوحدة الموحشة. وكان الفتى السعيد يعتقد أن تلك الظلال ليس بينها وبينه أية علاقة، وأنه لا يمكن أن يسقط فيها.
«هل يمكن يا ترى أن أستيقظ على شيء ما قبيح؟» لم يخطر هذا السؤال على بالِ الفتى قط، ولم يتوقعه مطلقًا. على سبيل المثال من المستحيل أن يحدث له مثلما حدثَ مع غوته، حيث هجمت عليه الشيخوخة وتحمَّلها لوقتٍ طويل. كان الفتى ما زال على مسافة بعيدة من فترة ريعان الشباب التي يُقال عنها إنها قبيحة، وفي نفس الوقت جميلة. ونسي الفتى تمامًا ما كان قد اكتشفه داخل ذاته من قبح.
الأوهام التي تخلط الفن بالفنان، الأوهام التي تجعل فتيات المجتمع المتساهلات يتَّجهن بأعينهن إلى الفنان، تلك الأوهام قد أمسكت بالفتى ذاته. لم يكن لديه اهتمام بدراسة وجوده الذاتي وتحليله، ولكنه كان دائمًا ما يحلم بذاته تلك. كان هو ذاته ينتمي إلى عالم الخيال الوهمي، ذلك الذي تتحول فيه الفتاة العارية إلى زهور صناعية. الإنسان الذي يصنع الأشياء الجميلة من المستحيل أن يكون قبيحًا، هكذا كان الفتى يفكر بعِناد، ولكن للأسف لم يصِلْ عقله حتى النهاية إلى القضية الأكثر أهمية وراء ذلك. ألا وهي قضية: هل هناك ضرورة أن الإنسان الجميل يصنع أشياءً أكثر جمالًا؟
«ضرورة؟!» لو سمع الفتى هذه الكلمة؛ لضحك بلا أدنى شك. والسبب أن شعره لا يولد تلبية لضرورة؛ فكل أشعاره، تولد بشكل طبيعي، حتى لو رفضها الفتى ذاته. يُحرك الشعرُ يد الفتى، ويجعله يكتب الحروف على الورق. إذا قلنا ضرورة؛ فهذا يعني أنه لا بد من وجود نقصٍ ما، ولكن هذا النقص غير موجود. مهما أطال التفكير؛ فالنقص غير موجود؛ فأولًا منبع أشعاره كلها يمكن تعويلها على الكلمة السهلة المفيدة التي تُسمى عبقرية، ومن جهة أخرى فهو غير قادر على الإيمان بوجود نقص ما عميق داخله لا يستطيع هو الوعي به، وحتى لو آمن بذلك؛ فهو بدلًا من التعبير عنه بكلمة نقص، كان الفتى يحب أن يسميه عبقرية.
ورغم ذلك، فلم تكن قدرة الفتى على النقد الذاتي لشعره منعدمة تمامًا. مثلًا القصيدة ذات الأربعة أسطر التي أغرقها زملاؤه الأقدمُ منه مدحًا، كان يرى هو أنها طائشة ويخجل منها. كانت القصيدة عبارة عن شعر يتكلم في مجمله عن قدرة عينيها الصافيتين على اختزان الكثير من الحُب داخلها؛ بسبب تلك الدرجة العالية من الشفافية والزرقة مثل قطعة من الزجاج.
يسعد الفتى بمديح الآخرين له بالطبع، ولكن كان غرور الفتى ينقذه من مصير الغرق في بحر المديح. وفي الحقيقة كان الفتى لا يحمل أي تأثر أو اهتمام حتى بمواهب صديقه «ر». كان «ر» بالتأكيد ذا موهبة بارزة متميزة بين أعضاء نادي الأدب الأقدم منه، ولكنها لم تكن تصنع ثقلًا في قلب الفتى بكلمات أو عبارات متفردة. كانت في قلب الفتى مناطق بالغة البرودة، وإذا لم يقم «ر» بالإسهاب في مديح مواهب الفتى الشعرية باستخدام الكثير من الكلمات، لما كان الفتى على الأرجح ليعترف بموهبة «ر».
وبديلًا عن تذوق السعادة الهادئة التي تأتيه من وقت لآخر، كان الفتى يعلم جيدًا أنه تنقصه العاطفة الخام التي تلائم فتًى في مثل سنه. في مباريات كرة المضرب التي تُقام بين المدارس التابعة لجامعة «غاكوشوين» مرتين من كل عام في الربيع ثم الخريف، عندما ينهزم فريق مدرسة «غاكوشوين» الإعدادية أمام المدرسة الإعدادية التابعة. بعد نهاية المباراة يلتفُّ المشجعون من الزملاء الأحدث حول اللاعبين الذين ينهارون في البكاء بشدة، ويبكون معهم، ولكن الفتى لم يكن يبكي، ولم يكن يشعر بأي حزن ولو قليلًا.
رَأْيُ الفتى هو: «ما هو الأمر المحزن في خسارة مباراة لكرة المضرب؟» الوجوه التي تبكي لسبب كهذا كانت بعيدة جدًّا عن قلبه، بالتأكيد كان الفتى يعلم أنه مخلوق سهل التأثر والتعاطف، ولكن سهولة التأثر تلك كانت تتجه في اتجاه يختلف عن الآخرين جميعًا، ومن ناحية أخرى كان ما يُبْكي الآخرين لا يتردَّد صَداه في قلب الفتى على الإطلاق.
زادت تدريجيًّا عناصر الحب فيما يكتبه الفتى من أشعار. ورغم أنه لم يسبق له خوض تجربة الحب؛ ولكنه كان قد سئم من تأليف الشعر معتمدًا فقط على تحوُّل كائنات الطبيعة، فبدأت نفسه مع الوقت ترغب في كتابة الشعر عن تحوُّلات القلب. ولم يكن الفتى يشعر بأي حرج في كتابة الشعر عن موضوع لم يسبق له خوض تجربته بنفسه. فلقد كان من البداية متأكدًا أن الأدب والفن هو كذلك. ولم يتباكَ على الإطلاق من عدم خبرته؛ فالحقيقة أنه لم يكن هناك أية بوادر للتصادم أو التوتر بين حقائق العالم الذي لم يخُضْ تجربتَه بعد، وبين عالمه الداخلي الخاص به. ولم يكن في حاجة إلى ضرورة الإيمان بتفوق عالمه الخاص ولو بالقوة. ومن خلال تأكيدٍ ما غير عقلاني، كان يستطيع حتى الاعتقاد أنه لا يوجد في هذا العالم أية عاطفة لم يسبق له تجربتها شخصيًّا. والسبب أنه كان يعتقد أنه بالنسبة لقلب حاد العاطفة مثل قلبه، يمكنه من خلال تجميع العناصر الأساسية لجوهر كافة المشاعر والعواطف في هذه الدنيا في الشكل المناسب، حتى لو كان ذلك من خلال توقعها في حالة معينة. فكل التجارب الأخرى من الممكن له التقاطها والتدرب عليها ثم إيجادها. ما هي العناصر الأساسية للمشاعر؟ كان الفتى قد وضع لها تعريفا خاصًّا، «إنها الكلمات».
لم يكن الفتى قد تمكَّن بعدُ من الإمساك بالكلمات أو اتخذ لنفسه طريقةَ استخدامٍ لها خاصة به وحده حقًّا. ولكن الكثير من الكلمات التي يكتشفها في المعاجم، كلما كانت كلمات شاملة، وكانت لها معانٍ متعددة ومحتوى متنوعٌ، ظن أنه يملك طريقة استخدام خاصة به وتحمل بصماته. ولكنه لم يكُن يعتقد بالضرورة أن طريقة الاستخدام الخاصة به تلك، تحمل صفاتها وألوانها وتتكون لأول مرة من خلال الخبرة والتجربة المعيشية.
إن اللقاء الأول لعالمنا الخاص مع الكلمات، هو تلامُس الشيء الفردي مع الشيء الشامل. وكذلك الشيء الشامل يتم صقله، بالتالي يحصل على مكانه لأول مرة كشيء فردي. إن تلك التجارب الداخلية التي يصعب التعبير عنها تراكمت بشكل كافٍ حتى داخل الفتى ذي الخمسة عشر ربيعًا. والسبب أن الفتى عندما يصطدم بكلمة ما جديدة ويشعر بغرابة تجاهها، في ذات الوقت كان ذلك يجعله يحسُّ بتجربة عاطفة ما مجهولة داخله. وكان ذلك مفيدًا له أيضًا في الاحتفاظ بملامح هادئة لا تتناسب أبدًا مع عمره. ولأنه كان قد تعوَّد على التعامل عندما تهجم عليه عاطفة ما، من الدهشة التي تحدثها تلك العاطفة داخل قلبه، يتذكر على الفور إحدى العواطف المناسبة التي تم ذكرها سابقًا، ويتذكر الكلمة التي سبَّبت تلك العاطفة. ومن خلال تلك الكلمة يعطي بسهولة تلك العاطفة التي أمامه اسمًا. ولهذا السبب كان الفتى يعرف أشياء متنوعة مثل: «اليأس» و«اللعنة»، و«فرحة بلوغ الحب»، و«حزن فقد الحب»، و«الألم والمعاناة»، و«الذل وجرح الكرامة».
كان من السهل أن يُسمي ذلك قوة الخيال. ولكن الفتى كان مترددًا إزاء تلك التسمية. فلو قلنا قوة الخيال، فيجب أن يتضمَّن ذلك تخيل آلام الآخرين. وحدوث انتقال عاطفي يجعله هو نفسه يتألم مثلهم. ولكن برود الفتى الطاغي لم يجعله يشعر مطلقًا بآلام الآخرين. كان فقط يهمس: «ذلك الألم رهيب، أنا أعرف ذلك جيدًا.»
كان ذلك في وقتٍ ما بعد الظهيرة في يوم صحو من شهر مايو. انتهى الدرس وفكر الفتى أن يذهب إلى غرفة نادي الأدب؛ ليتناقش مع من يجده هناك قبل أن يعود إلى منزله، وخطا خطوات فعلًا في اتجاه الغرفة. عندها قابل «ر» في منتصف الطريق.
قال «ر»: «كنت أبحث عنك. دعنا نتبادل الحديث قبل أن نعود لمنازلنا.»
دخل الاثنان مبنى المدرسة القديم الشبيه بالثكنات، وفصوله مقسمة بحوائط من خشب الأبلكاش. توجد غرفة نادي الأدب في أحد أركان الطابق الأرضي المظلم. يُسمع من غرفة نادي الرياضة أصوات ضوضاء وضحكات عالية. ونشيد المدرسة يُسمع من غرفة نادي الموسيقى صدًى لصوت البيانو على فترات متباعدة.
أدخل «ر» المفتاح في ثقب الباب الخشبي المتسخ. ولكي يُفتح الباب كان يجب دفعه بقوة بالجسم بعد إدارة المفتاح.
كانت الغرفة خالية لا يوجد بها أحد. فاحت رائحة التراب المألوفة. دخل «ر» أولًا، وفتح النافذة ونفض الغبار الذي التصق بيده، ثم بعد ذلك جلس على مقعد قديم على وشك الانكسار.
بعد أن هدأ قليلًا بدأ الفتى التحدث على الفور: «لقد رأيت ليلة أمس حلمًا ملونًا. لقد كنت أنوي أن أكتب لك رسالة بعد عودتي للمنزل اليوم. (كان الفتى يؤمن أن رؤية الأحلام الملوَّنة ميزة خاصة ينفرد بها الشعراء فقط، وكانت تلك من مهاراته). كان مكانًا يشبه ربوة عالية أرضها حمراء. كانت شمس الغروب تشع بلون فاقع الاحمرار، ولكن رغم ذلك كان لون الأرض الأحمر بارزًا. ثم بعد ذلك ظهر من ناحية اليمين، شخص يجر سلسلة طويلة، ومقيد في نهاية السلسلة طاووسًا أكبر خمس مرات تقريبًا من حجم الإنسان. ويسير الطاووس مسحوبًا ببطء شديد طاويًا جناحيه أمام عينيه. كان لون الطاووس أخضرَ زاهيًا. كان في غاية الجمال، جسمه كله أخضر، واللون الأخضر يتألق لامعًا. ولقد ظللت أتأمل ذلك الطاووس إلى أن تم سحبه والابتعاد به. كان حلمًا مهولًا! أحلامي ذات الألوان دائمًا ما تكون ألوانها زاهية وواضحة ربما بشكلٍ زائد عن الحد. ماذا يعني يا تُرى ظهور الطاووس في الحلم طبقًا لتفسير فرويد للأحلام؟»
– «آه.»
رد «ر» ردًّا مبهمًا بلا مبالاة واضحة.
كان «ر» مختلفًا عما هو عليه دائمًا. شحوب وجهه كان كما هو عليه دائمًا، ولكنه لم يُظهر الحالة التي يردُّ بها دائمًا على كلمات الفتى بحماس لا يتغير ويتحدث إليه بصوت تملؤه حرارة هادئة. كان من الواضح أنه يستمع إلى حديث الفتى الفردي بلا وعي ولا انتباه. لا بل هو لم يكن يستمع له أصلًا.
كان قشر الرأس ينتشر قليلًا حول الياقة الطويلة للزي المدرسي. أشعة الظلام جعلت شارة الياقة الذهبية التي على شكل زهرة الكرز تلمع، وبرزت الأنف عالية لتبدو أطول من أنوف الآخرين. تلك الأنف التي وإن كانت أكبر قليلًا عن اللازم؛ إلا أنها ذات شكل جميل وراقٍ، كما أنها تبرز ملامحَ قلقةً محتارةً إلى حد كبير. وقد جاء للفتى إحساس أن المعاناة تتبلور في ذلك المكان.
يوجد فوق المكتب العديد من الأشياء التي علاها التراب، مثل مسودات قديمة، ومسطرة، وقلم رصاص قُصف سنه، ومجلد تجميع أعداد مجلة لجنة أصدقاء المدرسة، وورق كتابة مربعات به بعض الكلمات. كان الفتى يحب هذا الجو الأدبي الفوضوي. مد «ر» يده متثاقلًا، وتناول المسودات القديمة وكأنه يحاول ترتيب الفوضى. وعندها صُبغت أنامل يده الرقيقة البيضاء، بتراب ذي لون فيراني، ضحك الفتى بصوت خفيض. ولكن «ر» لم يضحك بل عبر عن استيائه بقرقعة من لسانه. وقال، وهو ينفض يده من التراب: «في الواقع هناك ما أريد قوله لك اليوم.»
– «وما هو؟»
– «في الواقع … أنا …»
بعد أن تباطأ «ر» في القول واصل في عجلة: «أعاني بشدة؛ لقد قابلت موقفًا شديد الصعوبة.»
– «هل وقعت في الحب؟»
سأله الفتى ذلك السؤال بهدوء تام.
– «نعم».
بعد ذلك تحدث «ر» عما يلاقيه في مسيرة حياته حاليًّا. كان يتبادل الحب مع زوجة شابة، وقد فطن أبوه إلى ذلك الأمر؛ ففرَّق بينهما.
فتح الفتى عينيه على وسعهما، وظل يتأمل «ر» غير مصدق.
– «يوجد أمامي هنا إنسان يعاني من الحب. إنني الآن ولأول مرة أرى ما يُسمى «الحب».» ولكن على أي حال لم يكن ذلك المشهد جميلًا بالمرة، بل ربما يكون هو أقرب إلى القبح. كان «ر» قد فقد حيوية روحه المعتادة فيه، ومالت ملامحه إلى البؤس، بمعنى أنه كان متعكر المزاج. لقد سبق للفتى أن رأى مثل ذلك الوجه لأناس فقدوا أشياء لهم، أو تأخروا عن موعد القطار فرحل بدونهم.
ومع ذلك، فقد دغدغ غرور الفتى أن يبوح له زميله الأقدم سنًّا بقصة غرامه. وكان بالطبع سعيدًا بذلك. وحاول الفتى بكل جهده أن يُظهر مشاعر التعاطف والحزن. ولكنه في الواقع كان يحس بالضيق والتذمر من الصورة المتواضعة للغاية للإنسان الواقع في الحب.
أخيرًا لاحت للفتى كلمات يواسي بها «ر».
– «إنه أمر مهول. ولكن من المؤكد أن ذلك سيجعلك تكتب شعرًا رائعًا.»
رد «ر» عليه وهو خائر القوى منهك العزيمة: «الأمر أخطر بكثير، ولا مجال للشعر فيه.»
– «ولكن، أليس وظيفة الشعر إنقاذ الإنسان في وقت كهذا؟»
برزت إلى مخيلة الفتى قليلًا حالة السعادة التي يكون هو عليها عند كتابة الشعر. إذا استعار تلك السعادة؛ فهو يعتقد أنه يستطيع التغلب على أية حالة من التعاسة أو المعاناة مهما كانت.
– «ليس الأمر بهذا الشكل، أنت ما زلت صغيرًا على فهم ذلك.»
جرحت هذه الكلمة كبرياء الفتى، وتحول قلبه إلى البرود، وبدأ يخطط للانتقام.
– «ولكن إذا كنت شاعرًا حقًّا، إذا كنت عبقريًّا حقًّا، ألا يكون الشعر هو المنقذ لك في هذه الحالة؟»
رد «ر»: «لقد كتب غوته رواية «آلام فرتر»؛ فأنقذته من الانتحار. أليس كذلك؟ ولكن حدث ذلك؛ لأن غوته كان يشعر من أعماق قلبه أنه لا الشعر ولا أي شيء آخر يمكن أن ينقذه. وليس أمامه سبيل آخر إلا الانتحار؛ لذا استطاع أن يكتب ذلك الشعر.»
– «إذا كان الأمر كذلك، فلماذا إذن لم ينتحر غوته إذا كانت كتابة الشعر والانتحار سِيَّيْن؟ لماذا لم يختر الانتحار؟ هل عدم انتحاره يعني أن غوته كان جبانًا؟ أم أن ذلك يعني أنه كان عبقريًّا؟»
– «لأنه كان عبقريًّا.»
– «إذا كان الأمر كذلك …»
حاول الفتى أن يضغط على «ر» بسؤال آخر، ولكنه نفسه أصبح غير قادر على الفهم. لقد برزت فكرة ضبابية في ذهن الفتى وإن لم تكن واضحة تمام الوضوح، وهي أن نرجسية غوته هي التي أنقذته في النهاية. ولقد أحس الفتى برغبة قوية في الدفاع عن نفسه بهذه الفكرة. فلقد جرحت قلبه جُرحًا عميقًا كلمة «ر»، عندما قال له: «أنت ما زلت صغيرًا على فهم ذلك.» في هذا العمر تكون عقدة النقص تجاه الندية العمرية حادة للغاية، لم يقلها بفمه ولكن تولدت لدى الفتى نظرية رائعة هي الأكثر مناسبة للسخرية من «ر». «هذا الشخص ليس عبقريًّا. أجل ليس عبقريًّا؛ فهو يقع في براثن الحب!»
كان حب «ر» حبًّا حقيقيًّا بالتأكيد. حب لا يجب على العبقري الوقوع فيه أبدًا. أخذ «ر» يحاول الاستدلال على معاناته بإعطاء أمثلة للتأكيد عليها من قصص حب عديدة ومتنوعة، مثل: حب الأميرة فوجيتسوبو والأمير غنجي، وحب بيلياس وميليساند، وحب تريستان وإيزولت، وحب الأميرة كليڤ ودوق نيمورس وغيرهم.
تعجب الفتى وهو يسمع اعتراف «ر» أنه ليس هناك أي عنصر مجهول له؛ فقد كتب كل شيء، وتوقع كل شيء، وتدرب على كل شيء. لقد ذهب «ر» للواقع بقدميه من أجل أن يرى حلمًا أكبر. وهذا ما لم يفهمه الفتى، ولم يفهم لماذا تتولد الرغبة لدى العبقري؛ لكي يفعل الشيء العادي؟
أثناء حديث «ر» بدا أن قلبه قد انفكَّت عقدته. فبدأ هذه المرة يتكلم بإسهاب، ويحكي له عن جمال محبوبته. على ما يبدو أنها ذات جمال رائع، ولكن لم يستطع الفتى تخيل شكلها إطلاقًا. قال له «ر» إنه سيحضر له في المرة القادمة صورتها ويُريه إياها. ثم بعد ذلك أنهى «ر» كلامه نهاية مؤثرة وهو يبدي خجلًا قليلًا: «كانت تقول لي إن جبهتي جميلة.»
نظر الفتى إلى جبهة «ر» التي ظهرت بعد أن رفع عنها مقدمة شعره. لمع سطح بشرة الجبهة الضخمة قليلًا؛ بسبب الأشعة الضئيلة المتسربة من الخارج، ورسمت بشكل واضح قرنين كبيرين غير مرئيين. قال الفتى في نفسه: «يا لها من جبهة ضخمة!» ولكنه لم يشعر بأنها جميلة على الإطلاق «أنا أيضًا ذو جبهة كبيرة، ولكن هذا يختلف عن وصفها بالجمال.»
وقتها استيقظت عيون الفتى على شيء مهم. ألا وهو الشوائب المضحكة التي تدخل بالضرورة في الوعي أثناء الحياة أو عند الحب. لقد رأى تلك الشوائب المضحكة التي ما كان يستطيع العيش بدونها وسط الحياة والحب. إنها الظن الخاطئ بجمال الجبهة الضخمة.
ربما كان الفتى كذلك يحمل داخله اعتقادًا ما خاطئًا شبيهًا بذلك، وإن كان في شكل أكثر معنويًّا وفكريًّا، وربما يواصل حياته مع هذا الاعتقاد «ربما أنا الآن على قيد الحياة.» هذه الفكرة كان بها ما يجعله يرتعد رعبًا.
– «في ماذا تفكر؟»
سأله «ر» بلطف كما هي عادته دائمًا.
عض الفتى شفته السفلى، ثم ضحك.
كانت الشمس في خارج الغرفة على وشك الغروب تدريجيًّا. ولحظيَّا يُسمع أصوات فريق «كرة المضرب» المتحمسين أثناء التدريب. ثم يتردد صدى صوت ممتع وجاف للمضرب الذي ضرب الكرة لتطير عالية في السماء.
– «ربما سأتوقف في وقت ما عن كتابة الشعر.» لأول مرة منذ ولادته يفكر الفتى على هذا النحو. ولكنه في نفس الوقت كان لا يزال على مسافة بعيدة من أن ينتبه إلى أنه لم يكن شاعرًا من الأصل.