الفصل الثاني

تمثيل الحرب الباردة للغرب في الأدب الروسي١

أندريه روجاشيفسكي
على مدى قرون، كان ما يحدد المواقف السوفييتية من الأجانب، مجموعة عوامل جيوبوليتيكية وثقافية، لعل من الأفضل أن نصفها بأنها افتراضات، ولم يحدث أبدًا أن حل أحدها محل الآخر أو موازنته، في اتساقه مع كل تغيرٍ تاريخي مهم، بَقيَت تلك الافتراضات موجودة جنبًا إلى جنب في حالة من التوفيقية الأقرب إلى الفوضى، تُضاف فيها إلى المدركات القديمة أخرى جديدة. من بين هذه الافتراضات ما هو جدير بالذكر هنا. أولًا: ذلك الانقسام الذي نجده بين الشرق والغرب، كأن نجد على سبيل المثال، مستغربين من القرن التاسع عشر يشيرون إلى أوروبا الغربية باعتبارها دورًا نموذجيًّا لروسيا، بينما نجد أوراسيين في القرن العشرين يعتقدون أن حلفاء روسيا الطبيعيين لا بد من أن يتم البحث عنهم في آسيا.٢ هناك، ثانيًا: ذلك الانقسام بين الشمال والجنوب، القائم على مبدأ غامض يزعم أن أسلاف الروس اليوم، الذين يُعرفون بالآريين (The Arians) أو «الفوبوريين Hyperboreans» الذين جاءوا من ذلك البلد الأسطوري «هيبر بوريا» في الشمال القطبي، اتجهوا جنوبًا ليؤسِّسوا حضاراتٍ في طريقهم، وفي تلك العملية لوَّثوا نقاءهم العِرقي. الآريون أو الفوبوريون يُوضَعون جانبًا إلى جنب مع شعوب الجنوب الأقل شأنًا، الذين يمكن أن يعيشوا معهم في سلام ووئام، ما دام أولئك الجنوبيون يخضعون لقيادة الآريين.٣ ثالثًا: تطور انقسام بحري، على إثره أصبح من المفترض أن تشارك دولة أوروبية، هي روسيا، مصالحها الأساسية مع ألمانيا، في مواجهة أمريكا الأقيانوسية والمملكة المتحدة على سبيل المثال.٤ رابعًا: هناك الجانب اللغوي؛ حيث يتبنَّى أصحاب النزعة السلافية (Slavophiles) مفهوم الأخوَّة السلافية، التي تعتمد على القرابة اللغوية والثقافية للسلاف الشرقيين والغربيين والجنوبيين.٥ وهناك، خامسًا، الجانب الديني (بين الإخوة السلاف مثلًا، كانت الدول المسيحية الأرثوذكسية مثل بلغاريا، تُعتبَر أقرب إلى روسيا من البولنديين الكاثوليك مثلًا، وبالنسبة للدول غير السلافية في أوروبا الجنوبية، ينطبق التمييز نفسه على اليونانيين من جانب والإيطاليين من جانبٍ آخر). وأخيرًا، برزَت قضية الصراع الطبقي، وهي دوجما ماركسية تؤكد أن الطبقات العاملة من الجنسيات المختلفة، لديها مشتركٌ فيما بينها، أكثر مما هو بين الطبقة العاملة والطبقة البورجوازية في الجنسية الواحدة.

غنيٌّ عن القول: إن المنطق نادرًا ما كان أساسًا لأيٍّ من الافتراضات السابقة، سواء أكانت منفصلة أم مرتبطة ببعضها، ويبدو أنها كانت تضع الحقيقة التاريخية في اعتبارها بقَدْر تجاهلها لها أحيانًا؛ إذ يبدو الافتراض الثالث غافلًا عن حقيقةٍ مهمة وهي أن كلًّا من ألمانيا وروسيا حاربتا بعضهما في النصف الأول من القرن العشرين، هذا إن كان لنا أن نقدِّم مثالًا واحدًا واضحًا على هذا التناقض. إن تداخل هذه العوامل وغيرها، قد نتجَت عنه مجموعةٌ معقدة من المفاهيم المتضاربة وغير المنطقية (التي كثيرًا ما تصل أحيانًا إلى مستوى الصور النمطية)، وكلها متجذرة في اللاوعي الجمعي للناس، ويمكن الاحتكام إليها بسهولة في حال المواءمة السياسية أيًّا كان نوعها. وهكذا فإن علاقات الحرب الباردة المتحولة بين الاتحاد السوفييتي والغرب، انعكسَت في حينها في موقف الأدب السوفييتي من الغرب، الذي لم يكن متناغمًا وإنما متقلب ومنقسم.

مع بداية الحرب الباردة، أصبح من الضروري لآلة الدعاية الشيوعية أن تقنع أي شخص يهمه أن ينتبه إلى أن حليفتَي الحرب الحديثتَين لروسيا وهما بريطانيا العظمى والولايات المتحدة، كانتا في حقيقة الأمر عدوتَيْ روسيا اللدودتَين دائمًا، وحاولتا أن تستخدما القوة العسكرية لألمانيا النازية لهزيمة الاتحاد السوفييتي مرة وإلى الأبد. وكما لو أن الأمور كانت تسير طبقًا لعبارة «أورويل» الشهيرة «أوكيانا كانت دائمًا في حالة حرب مع أوراسيا»، نجد رواية «مشعلو الحرب Warmongers» للكاتب «نيكولاي شبانوف Nikolai Shpanov»،٦ (الصادرة في ١٩٥٠م في ٩٠٠ صفحة) تحاول أن تثبت أن «أناسًا مثل «هاري ترومان Truman وجون فوستر دالاس Dulles وآرفيل هاريمان Harriman؛ لم يحموا مشعلي الحرائق ولم يكونوا ملهمين لهم فحسب، بل كانوا كذلك يقفون وراء المتربصين من الفاشيين الألمان والإيطاليين بالتحديد، إلى جانب الخونة الفرنسيين والبريطانيين.»٧ الرواية التي هي جزء من سلسلة تضم رواية أخرى بنفس الضخامة «المتآمرون Plotters» (١٩٥١م)، تبدأ أحداثها في ديسمبر ١٩٣٢م، وتغطي كل الأحداث الرئيسية في التاريخ الأوروبي قبل الحرب العالمية الثانية، من صعود «هتلر» إلى السلطة مرورًا بالحرب الأهلية الإسبانية إلى سقوط تشيكوسلوفاكيا؛ ومن ناحية أخرى فإن أحداث المقدمة والخاتمة تقع في أوروبا بعد ١٩٤٥م، ومعظمها في برلين وبراغ والفاتيكان مع التسلح النووي الذي يطغي على الأجندة.
اتساقًا مع روح نظام «ستالين» وما كان يشوبه من جنون التجسس والاضطهاد والتقارير الكاذبة عن مؤامرات واغتيالات، واتساقًا مع النضال ضد «تملق الغرب»، يكتشف «شبانوف» أن المارشال «بيتان Pétan» كان متورطًا في التحضير لاغتيال «ألكساندر Alexander» ملك يوغوسلافيا ووزير الخارجية الفرنسي «لويس بارتو Louis Barthou» في مرسيليا في ١٩٣٤م،٨ بل إن «شبانوف» يدَّعي فوق ذلك أن الدبلوماسي الأمريكي «وليم بوليت William Bullitt» حاول، بالتعاون مع الألمان، أن يدسَّ السم للرئيس الأمريكي «فرانكلين ديلانو روزفلت Franklin Delano Roosevelt». ويزعم كذلك أن «جوسيب بروز تيتو Josip Broz Tito» و«جان بول سارتر Jean-Paul Sartre»، وحتى الأدميرال «كاناريس Canaris» بالإضافة إلى «مئات الألوف من القساوسة والرهبان الروم الكاثوليك ومئات الأساقفة في الفاتيكان وعشرات الكرادلة، كانوا كلهم عملاء أمريكيين سريين.»٩ كما يظهر نشاط الاستخبارات من وقت لآخر في الرواية. كذلك يكشف «شبانوف» عن مؤامرة بريطانية فاشلة على حياة الشيوعي البلغاري «جيورجي ديمتروف Georgi Dimitrov» عند إطلاق سراحه من سجن ألماني؛ حيث كان محتجزًا لدوره المزعوم في حريق الرايخستاج سنة ١٩٣٣م.١٠ هذه المحاولة التي تم القيام بها لتسهيل وصول البريطانيين إلى احتياطي البترول في آسيا الصغرى والقوقاز (التي كان سيقف في طريقها كلٌّ من بلغاريا الشيوعية مع «ديمتروف Dimitrov» باعتبارها قائدًا قويًّا)، كانت من تدبير عميل خاص يدعى «وينفرد رو Winfred Row». هناك ما يشير إلى أن لا أحد سوى «دبليو سومرست موم W. Somerset Maugham» كان هو النموذج الذي رُسمَت على أساسه هذه الشخصية؛ حيث إن مسرحية «رو Row» المذكورة في الفصل الثامن والعشرين من الجزء الخامس تأتي تحت عنوان «ستة شلنات والقمر المكتمل Six Shillings and the Full Moon»١١ في إشارة إلى كتاب «موم Maugham»: «القمر وستة بنسات The Moon and Sixpence» الصادر في ١٩١٩م. بالمثل، هناك عميل استخبارات أمريكي سري بغيض يظهر في دور سكرتير «هيرمان جورنج Hermann Goering» (يبتز رئيسه ويتلاعب به بمهارة)١٢ يُدعى «ماك كرونين MacCronin» وذلك بهدف تذكير القارئ ﺑ «ماك كورميك MacCormick» المحرر الشهير.١٣ تشابه هذه الشخصيات الروائية بالنماذج التي صيغت على نمطها، لا يمكن إدراكه على الرغم من ذلك.
من الواضح أن لا الدقة التاريخية ولا حتى احتمال الصحة كانا من بين أولويات «شبانوف»؛ إذ نجده ينسى على سبيل المثال أنه وصف إحدى شخصياته («جان بوا Jan Bois» ملمع الأرضية) في البداية بأنه كان بذراع واحدة، ثم نجده يقول بعد ذلك إنه كان يغسل يدَيه.١٤ كذلك نجد الصحفي «مايكل كيش Michael Kisch» (شخصية أخرى) مجروح الذراع في الفصل التاسع من الجزء الثالث، ونراه بعد ذلك وهو يحاول بكل بساطة أن يقود سيارة، ويخرج أشياءه من حقيبته، ويضع فانوسًا على سقف من خلال نافذة مكسورة، ويسجل بسرعة أشياء في مفكرة، وذلك في الفصلَين العشرين والثالث والعشرين.١٥ بمثل هذا الإهمال في السرد، يصبح من المثير للدهشة أن نجد رواية «شبانوف» مملة عند القراءة على الرغم من كل الاختراعات الغريبة،١٦ وبخاصة في إدارة الاستخبارات. بمجرد أن بدأت مرحلة ذوبان الجليد، كان النقاد السوفييت يصنِّفون كتب «شبانوف» باعتبارها نفاية أيديولوجية محبطة بسبب ما فيها من افتعال رخيص١٧ وإطناب غير مبرر ولعدم كفاءتها بشكل عام.١٨ بعد ذلك، ستكون هناك أعمال دعائية معادية للغرب من كُتاب كثيرين، وستكون أفضل نوعًا ما.
كان من بينهم «دانييل كرامينوف Daniil Kraminov» الذي كان يعرف الغرب على نحو أفضل من معظم الكُتاب السوفييت. كان لديه بعض إلمام بالإنجليزية، وكان ملحقًا بقوات الحلفاء على الجبهة الثانية بوصفه مراسلًا حربيًّا، وزار بعد ذلك عدة دول أجنبية، كما كان محررًا لأسبوعية «زا روبيجوم Za rubezhom» أو «الخارج Abroad». «أبناء زوجة ألبيون Albion’s Stepchildren» رواية صادرة عام ١٩٦٢م، عن «ليونيد إيجورشين Leonid Egorshin» الشاب السوفييتي الذي يصل إلى لندن في أواخر الخمسينيات، ليعمل موظفًا لدى مؤسسة (غير مسماة) مسئولة عن العلاقات العلمية والثقافية بين الاتحاد السوفييتي والمملكة المتحدة. يستأجر غرفة ويبدأ تدريجيًّا في التعرف إلى جيرانه البريطانيين في منطقة مسوَّرة — متخيلة — بالقرب من «كاتدرائية الموتى». المنطقة مسماة بهذا الاسم ليوحي بأن الأمر ينتهي بالجميع في ظل الرأسمالية ليكونوا في عداد الموتى. بين سكان المنطقة هناك السيد «باكستون Backstone» العامل الشيوعي (الذي ينضح بالإيجابية على نحو طبيعي)، والسيد «آتكنز Atkins» (صاحب الدكان اللطيف الذي ينتمي إلى البرجوازية المتوسطة)، و«باربز Barbs» الفتاة العاملة التي يجدها «إيجورشين Egorshin» جذابة ويحاول أن يغازلها، وأسرة البقالين اليهود «آل جلبرت Gilbert» الذين يتعرضون باستمرار لمضايقات الأعضاء المحليين لجمعية «البريطانيين الأصلاء Association of True Britons». هذا التنظيم المتخيل مؤسس بشكل فضفاض على نموذج «حركة الاتحاد Union Movement» التي قادها السير «أوزوالد موصلي Oswald Mosley» من ١٩٤٧م إلى ١٩٧٣م، والواضح أن الكتاب يستلهم على نحو جزئي محاولة «موصلي» الفاشلة في ١٩٥٩م، عندما رشح نفسه في ١٩٥٩م على قائمة المُعادين للهجرة (وليس معاداة اليهود) للحصول على مقعد في «ويستمنستر Westminster».١٩ موصوفًا بكآبة باعتباره شخصًا «كان وجهه يبدو شاحبًا في ضوء فوانيس الشوارع وكأنه وجه مومياء، بحفرتَين سوداوَين تحدقان من تحت حاجبَيه الرفيعَين المقوسَين.»٢٠ يظهر السياسي نفسه في اجتماع حاشد في المنطقة المسورة، ينتهي بقتال بالأيدي بين «البريطانيين الأصلاء» وخصومهم. وكما تشير إحدى المراجعات النقدية للرواية، على أساس المعلومات الواردة في الكتاب؛ فإن سكان تلك المنطقة المسورة هم قوى المعارضة الوحيدة لموصلي Mosley المعروفة للقارئ، وهم ليسوا كثيرين ولا أقوياء لكي يدبروا مثل تلك المقاومة بأنفسهم؛ ولذا يتساءل الناقد كاتب المراجعة: «من هم إذَن أولئك الأعداء الحقيقيون للنازية الجديدة؟»٢١ واستنتاجه هو أن تفسير «كرامينوف» يعوزه الإقناع، وذلك تحديدًا لأن الطبقات العاملة البريطانية ليست ناضجة بما يكفي؛ لكي تتصدَّى لقتال القوى الرجعية بنشاط، ومع ذلك فإن البريطانيين العاديين «بدءوا نضالهم الموطد بهدف تحرير أرواحهم من مبادئ الأخلاق البرجوازية فحسب.»٢٢ هذه المراجعة النقدية قد تكون مفيدة، للدلالة من وجهة نظر مراقب للأخلاقيات الشيوعية، على أن «كرامينوف» متفائل أكثر مما ينبغي (أو لعله ليس متشائمًا بما يكفي) في تقييمه لتوجهات معينة في المجتمع البريطاني، وأنه ينبغي عليه أن يكون أكثر حرصًا بقدر مواقفه الإيجابية من بريطانيا.
إن ذلك لا يعني أن «كرامينوف» يطري القيم البريطانية التقليدية بلا تمييز عندما تكون لديه الفرصة لانتقادها. ولكي يصور انعدام المبادئ الأخلاقية المزعوم لأعضاء البرلمان البريطانيين، ويقلل بالتالي من أهمية أقدم ديمقراطية برلمانية في نظر القارئ السوفييتي، نجده يقدم عائلة «كروكس CrooKs»، وهم مجموعة من البرلمانيين المحتالين تضم الأب الليبرالي والابن المحافظ والابن الآخر عضو حزب العمال.٢٣ مثل هذا التنوع من القناعات السياسية، كما يشرح «كرامينوف»، يساعد الأسرة على إدارة تجارة تبغ، وأن تتاجر مع إسبانيا وبلغاريا بنجاح (لأن عضو البرلمان المحافظ في مجلس العموم يمتدح «فرانكو Franco»، بينما عضو حزب العمال يؤيد الزعيم البلغاري «تيودور جيفكوف Todor Zhivkov»). هناك كذلك ابن ثالث، وهو طالب صغير السن لا يستطيع أن يدخل البرلمان، ولكنه سيدخله باعتباره شيوعيًّا عندما يكبر. الأسرة لا تعبأ بذلك؛ فالشيوعيون في آخر الأمر يتحكمون في ثلث العالم ويوجد بينهم مدخنون كثيرون.
للوهلة الأولى، قد يبدو ذلك خيالًا جامحًا، ولكن ما من شك في أن «كرامينوف» أقام عائلته الروائية على نموذج عضو البرلمان الليبرالي «ديفيد لويد جورج David Lloyd George (١٨٦٣–١٩٤٥م) وأبنائه «جويليم Gwilym» (١٨٩٤–١٩٦٧م) و«ميجان Megan» (١٩٠٢–١٩٦٦م)، والواقع أن كلًّا من «جويليم Gwilym» و«ميجان Megan» اللذَين بدآ ناشطَين ليبراليَّين، ابتعدا عن الحزب في اتجاهات متعارضة بعد وفاة والدهما بعشر سنوات تقريبًا، لكن محاولات «كرامينوف» لتجميل الرواية، على الرغم مما يشوبها من قصد شرير أو سوء نية، تبدو متسقة وقريبة مما هو مسموح به للضرورة الفنية؛ فهو على الأقل لا يكشف صراحة عن هوية النظراء الحقيقيين لآل «كروكس Crooks»، ولا يدَّعي أنهم كانوا على قوائم من يقبضون من المخابرات المركزية، كما كان يمكن أن يفعل «شبانوف». على الرغم من ذلك، هناك غمز ولمز — وإن كان بدرجة معتدلة — بأن الحملة الانتخابية للسيد «موصلي» كان يمولها أمريكيون؛ حيث كان من يجيئون إلى المنطقة المسوَّرة يأتون في سيارة أمريكية الصنع، كما كان حراسه الشخصيون يرتدون سترات أمريكية.٢٤ على أية حال، لا يجرؤ «كرامينوف» على أن يقول أكثر من ذلك؛ والواضح أنه لكونه من الحمائم السياسيين،٢٥ يفضِّل التلميح والمبالغة على الكذب الصريح في أعماله الروائية.
من اللافت للنظر أن الشاعر «يفجيني يفتشنكو Evgenii Evtushenko»، المعروف باعتباره ليبراليًّا سوفييتيًّا ومستغربًا حديثًا، لا يختلف كثيرًا عن «كرامينوف» في تمثيله لبريطانيا المعاصرة. تمامًا، مثل «كرامينوف» الذي ينحاز إلى البريطانيين من الطبقة العاملة الذين يتحملون أعباء كسب لقمة العيش للأمة، ولا يحصلون على الحقوق نفسها التي تحصل عليها الطبقات الطفيلية (المعدمون الذين يشير إليهم «كرامينوف» رمزًا في عنوانه بأنهم «أبناء زوجة ألبيون Albion’s Stepchildren»)، يشعر «يفتشنكو Evtushenko» كذلك بأنه أقرب إلى أولئك الكادحين الذين لا يحصلون إلا على القليل. هكذا في قصيدته «يوريا هيب Uriah Heep»، التي كتبها في العام نفسه، وصدرت عن دار النشر نفسها التي أصدرت رواية «كرامينوف»، نجد «يفتشنكو» يتعاطف على نحو خاص مع البريطانيين، «الناس الطيبين»،٢٦ كما يطلق عليهم، الذين يذكر من بينهم فنانًا (فقيرًا) يناقش «بيكاسو Picasso» و«شاجال Chagall»، كما يذكر نساءً (لا أسماء لهن) عائدات إلى المنازل مرهقات بعد يوم عمل شاق. أما بالنسبة للباقين، فيجمع بين نساء أنيقات يرتدين عقودًا جميلة، وصحفيين، ومخبرين حكوميين، ومتعاطفين مع النازية الجديدة، وضباط جوازات وجمارك، ويشبههم كلهم ﺑ «يوريا هيب Uriah Heep»، إحدى الشخصيات الخبيثة المخادعة سيئة الذكر، في رواية «ديفيد كوبرفيلد David Copperfield» للكاتب «تشارلز ديكنز Charles Dickens». وسواء أكان ذلك بقصد أم دون قصد؛ فإن البريطانيين الأشرار في قصيدة «يفتشنكو» يفوقون البريطانيين الطيبين عددًا، وبنسبة كبيرة، في خاتمة قصيدته، يعبِّر الشاعر عن أمله في أن تجد روسيا وبريطانيا نفسيهما في المستقبل في حالة عناق ودي، ولكن — فقط — بعد أن يكون قد تم دفن كل من هم على شاكلة «يوريا هيب Uriah Heep» في الأمة البريطانية.٢٧
يبدو موقف «يفتشنكو» من الولايات المتحدة أكثر اعتدالًا من «كرامينوف»؛ إذ بينما يوحي الأخير بأن الأمريكيين وحدهم هم الذين انحدروا إلى ذلك المستوى لتمويل حملة «موصلي» اللاأخلاقية، نجد «يفتشنكو» في قصيدته «البلبل الأمريكي The American Nightingale» (نشرت ضمن نفس مجموعة «يوريا هيب»)، يضع العالم السيئ الذكر للبيروقراطية الأمريكية، بصفقاتها وغرورها المفرط وأنصاف حقائقها وكذبها الصُّراح وجذوع الرءوس النووية الأشبه بسمك القرش، يضع ذلك كله جنبًا إلى جنب أغنية البلبل التي استمع إليها عند زيارته لهارفارد سنة ١٩٦٠م، ويستمر «يفتشنكو» ليقول إن البلابل الأمريكية والروسية وغيرها تستخدم اللغة نفسها، وتفهم بعضها بعضًا دون صعوبة تذكر؛ فلماذا لا يفعل الناس الشيء نفسه؟٢٨ لأول وهلة، قد يبدو ذلك أشبه بعرض مصالحة أو قربان للتسوية، وسط دوامة صراع طبقي عنيف، لكن عند تفحص الأمر عن كثب، تكشف القصيدة عما هو أكثر قليلًا من الرسالة المعتادة للدعاية السوفييتية، متنكرة في شعار «يا بلابل العالم اتحدوا». من مضمون القصيدة بشكل عام؛ فإن السؤال الاستنكاري الأخير عن الناس الذين لا يستطيعون الوصول إلى التفاهم، نجد السؤال يضع اللوم على الطبقة العدوانية للإمبرياليين الأمريكيين الكذابين الذين سلحوا أنفسهم حتى الأسنان، ويعتبرهم المسئولين عن ذلك العداء الأمريكي الروسي، بينما فوارق اللغة بريئة من ذلك. على ضوء ذلك، يبدو من المعجز حقيقة أن نجد «خروشوف Khrushchev» و«كينيدي Kennedy»، بعد عامَين من إقامة «يفتشنكو» المؤقتة في هارفارد، قادرَين على تسوية تلك الخلافات بنجاح حول أزمة الصواريخ الكوبية، التي كان الجانب السوفييتي «المحب للسلام» قد أثارها.
غني عن القول؛ إن الولايات المتحدة ظلَّت هي «البعبع» بالنسبة لروسيا بعد إزاحة «خروشوف Khrushchev». هذه الصورة أعيد تأكيدها في رواية شهيرة كتبها «فسيفولد كوتشيتوف Vsevolod Kochetov» بعنوان «ماذا تريد إذَن؟ So, What Do You Want, Then?» (١٩٧٠م)، أما المؤلف فقد كان رئيسًا ذات يوم لفرع اتحاد الكُتاب السوفييت في ليننجراد، ورئيسًا لتحرير مجلة «أكتوبر» الأدبية وهي إحدى صحف الستالينية الجديدة.٢٩ الرواية عن أربعة أجانب (أمريكيان وألماني وإيطالي) يقومون بزيارة لموسكو في رحلة مموَّلة من أمريكا وبريطانيا لوضع كتالوج مصور عن الأيقونات الروسية. هذه هي القصة الظاهرة أو الغطاء، أما المهمة الحقيقية، كما تشرح الأمريكية «بورشيا براون Portia Brown» لزميلها الإيطالي «أومبرتو كارادونا Umberto Caradonna»، فهي هجوم سري على الأخلاقيات السوفييتية عن طريق إثارة:
قلق ثقافي يبدأ في التخمر في الجامعات، ويؤدي إلى ظهور صحف وكتيبات غير قانونية، وتحطيم الأوثان السابقة … مطربو البوب الغربيون الذين رأيناهم في المطار المحلي، أولئك الذين يهزون أردافهم على خشبة المسرح. أولئك أيضًا من بين أسلحتنا … إنهم يسبغون طابع الجنس على المناخ العام في روسيا، ويصرفون اهتمام الشباب بعيدًا عن مساعيهم الوطنية، ويأخذونهم إلى عالم فسيح خاص لممارسة الجنس … ونتيجة لذلك ستفقد أنشطة الكومسمول٣٠  Komsomol ممارساتها ودوافعها، وتصبح اجتماعات وتعاليم هذا التنظيم الشبابي السياسية مجرد شكليات. يصبح كل شيء بغرض المظهر، مع حياة خاصة … جنسية … سرية … خلوًا من الالتزام تدور خلف الستار. في هذا المجتمع من غير المكترثين اللاهين الذين لن يتدخلوا، سيكون بالإمكان أن ينمَّى تدريجيًّا أولئك الذين يفضلون النظام الغربي على النظام الشيوعي؛ لكي يصلوا في النهاية إلى قيادة مختلف المؤسسات الرئيسية. إنها عملية طويلة وشاقة، ولكنها الطريقة الوحيدة للتعامل مع روسيا في المرحلة الراهنة.٣١

حسب رواية «ماذا تريد إذَن؟» فإن الهدف الاستراتيجي النهائي للغرب هو تدمير الشيوعية (التي هي مرادف روسيا عند «كوتشيتوف»). لهذا السبب نجد الحملة المُعادية للشيوعية مقدمة في روايته باعتبارها حملة معادية لروسيا، وأن الولاء الوطني والوطنية لهما الأسبقية على قضية الدولة البروليتارية.

في الفصل الرابع نجد الإشارة إلى الألمان باعتبارهم «أقدم أعداء روسيا»، كما أن هناك موازنة بين جنود «البدونزويهر Bundeswehr» والقوة العسكرية «ويهرماخت Wehrmacht» في الفصل الخامس (بينما لا يتم ذكر ألمانيا الشرقية إلا قليلًا وعلى نحو عارض).٣٢ في الفصل الثلاثين يقال إن الأمريكيين والروس ليس بينهم سوى أمر مشترك واحد وهو الافتقار إلى الأخلاق،٣٣ أما بالنسبة للروس والإيطاليين فإن تعارضهما الجزئي يتم تحليله من خلال فشل علاقة بين المثقف الإيطالي «بنيتو سبادا Benito Spada» وزوجته الروسية «ليرا Lera» (بوضوح شديد، يصور «كوتشيتوف» كذلك مجموعة من الإيطاليين من الطبقة العاملة، ربما لأن إيطاليا كانت في ذلك الوقت تشترك في الحدود مع دول الكتلة الشرقية، وبذلك كانت ضمن مجال التوسع المحتمل للكتلة). وعلى الرغم من أن «ليرا» تترك «بنيتو» لأسباب أيديولوجية (هو عضو في الحزب الشيوعي الإيطالي وكثير الانتقاد للاتحاد السوفييتي)؛ فإن قصتهما، في رأي «كوتشيتوف»، تؤكد الحكمة الطبيعية لمرسوم «ستالين» الذي كان يحظر زواج المواطنين السوفييت من أجانب (كان ساري المفعول بين ١٩٤٧م و١٩٥٦م). في دفاعه عن النقاء العرقي، يجعل «كوتشيتوف» العضو الألماني في فريق التخريب (الهتلري السابق) «كلاوبيرج Klauberg» يقول:
أنتم أيها الروس مشوشون، يمكن لأيٍّ منكم أن يتزوج يابانية أو أي امرأة سوداء. أي واحدة. ولسوف تندمون على ذلك، بعد فترة قصيرة لن يكون هناك روس، أين سيختفون؟ سوف يتم استيعابهم في أمم أخرى؛ من الأفضل لكم أن تتخذوا من اليهود نموذجًا يُحتذى؛ فلديهم قاعدة ملزِمة وهي ألَّا يتزوجوا إلا من يهود.٣٤
وعلى اعتبار أن من كتب ذلك شخص يطلق على نفسه، مازحًا، لقب «المُعادي الأول للسامية في روسيا»؛٣٥ فإن درجة التشوش في ذهن «كوتشيتوف» ينبغي ألَّا نقلِّل من شأنها؛ فمثل تلك العبارات وغيرها قد أثارت الشكوك حول سلامة قواه العقلية،٣٦ كذلك فإن آراءً من هذا النوع كانت مناقضة تمامًا لكلٍّ من الجانب الأممي من الماركسية اللينينية وبعض الممارسات المحلية والخارجية الرسمية للاتحاد السوفييتي في أواخر الستينيات؛ وبالتالي يمكن بكل سهولة — وعن حق — وصفها بأنها معادية للسوفييت. وهكذا في تقديمه للترجمة الإيطالية لرواية «كوتشيتوف» نجد السلافي الإيطالي «فيتوريو سترادا Vittorio Strada» (الذي يقر بأنه كان نموذجًا بدئيًّا لبنيتو سبادا)، يدَّعي أن «كوتشيتوف» قد كتب، دون وعي، كتابًا معاديًا لكل من السوفييت والاشتراكية، شوَّه سمعة الاتحاد السوفييتي بأكثر مما شوهها أي كتاب آخر، بما في ذلك ما كتبه أي خبير في معاداة الشيوعية في الغرب؛ لكن «سترادا» يستبعد تلك الفكرة الذائعة بأن «كوتشيتوف» كان عميل تحريض وإثارة، مجندًا من قبل المخابرات المركزية لإسقاط الاتحاد السوفييتي واستعادة الملكية.٣٧
حتى بالنسبة لعالم النقد الأدبي السوفييتي المتردد؛ فإن كتاب «كوتشيتوف» كان خطوة بعيدة جدًّا؛ فهذا أحد النقاد يلاحظ — مستاءً — أن الشخصية الأوتوبيوجرافية للكاتب «بولاتوف Bulatov»،٣٨ الذي يقوم بمفرده وبإيثار منه، بإنقاذ «ليرا» من زواج غير سعيد ﺑ «سبادا»، والذي يوجه ضربة — بالمعنى الحرفي للكلمة — لسمعة «بورشيا براون» عندما يصفعها على مؤخرتها،٣٩ يجعل هذه الشخصية:
تظهر أمام القارئ باعتبارها شخصية بارزة، تدفع بمن سواها إلى الخلفية، وهنا يوجد التناقض الأشد وضوحًا بين مفاهيم الحياة الواقعية والكتاب. من المثير للدهشة أن رواية كوتشيتوف الاجتماعية التي تركز على الواقع السوفييتي، لا نجد فيها أي ذِكر للدور التوجيهي للحزب الشيوعي في حياة مجتمعنا! أما الأهمية المبالغ فيها المسبغة على «بولاتوف» وأفعاله فسببها رغبة المؤلف في إخفاء هذه الثغرة إلى حدٍّ ما.٤٠
كتاب «كوتشيتوف» الذي قد يبدو صادمًا لكلٍّ من القراء المؤيدين أو المعارضين للشيوعية على السواء، لا يزيد على كونه محاولة انتقامية متواضعة من جنون الجاسوسية الستالينية التي يمثلها «شبانوف»؛ وإذا أردنا الدقة فإن رواية «ماذا تريد إذَن؟» لا تنتمي إلى جنس روايات الجاسوسية؛ إذ إنها — على الأقل — تخلو من البناء المحكم الذي قد نتوقعه من رواية تجسس،٤١ وعلى الرغم من ذلك فهي تنجح في إثارة رسالة مفادها أن الأجانب ينبغي ألَّا يكونوا محل ثقة لأنهم «جواسيس محتملون». مثل «شبانوف»، يلفت «كوتشيتوف» الاهتمام إلى الخصومة الداخلية بين الدول الغربية المختلفة التي تبدو وكأنها متحدة، فقط، في حقدها على الشيوعية الروسية وكراهيتها لها.
في منتصف السبعينيات، عندما ارتد البندول السياسي عائدًا إلى التعايش السلمي بين الدول الرأسمالية والدول الاشتراكية، وحلَّت فكرة الانفراج أو الوفاق، نتجت عن ممارسة إعادة الثقة المدعومة من الحزب الشيوعي السوفييتي، عودة ظهور الأدب الذي يروج لصورة الأجانب باعتبارهم كائنات بشرية وإنسانية. نذكر هنا رحلة «فاسيلي أكسينوف Vasilii Aksenov» الصادرة بعنوان «على مدار الساعة دون توقف Round the Clock, Non-stop» (١٩٧٦م). هذا كاتب، أصبح اسمه — لاعتبارات كثيرة — مرادفًا لإحياء الأدب السوفييتي في فترة ذوبان الجليد، وهو يصف في هذا العمل الفترة التي عمل فيها أستاذًا زائرًا في UCLA لمدة شهرَين. «على مدار الساعة … دون توقف»، «عمل هجين يجمع بين الواقعي الذي تشوهه الفكاهة، والانطباعي عن فترة إقامة قصيرة، مع مغامرة سيريالية تعتبر تجسيدًا رمزيًّا لروح البلاد.»٤٢ وهو كما يصفه مؤلفه «مغامرة أمريكية نموذجية» بمثابة تعويض عن الحياة الخالية من الأحداث في الجامعة وهو ما يحجم، إلى حدٍّ كبير، تجربة «أكسينوف» الأمريكية (التي لم يوسعها إلا بعد أن اضطره السوفييت للهجرة).٤٣ وبينما تبدو التجربة خالية من النماذج البدئية، نجد «أكسينوف» يطرح نفسه بطلًا للمغامرة بأن يقسم شخصيته إلى اثنتَين: «موسكوفيتش Moskvich» رقيق الحاشية و«ميموزوف Memozov» الشرير. (لاحظ أن «موسكوفيتش» بالروسية تعني أحد أبناء موسكو، و«ميموزوف» مشتقة من الفعل «يقلد» في اللغة اللاتينية، وهي كلمة تعبر ضمنًا عن الطبيعة المخادعة للشخصية)؛ وأيًّا كان النشاط الذي يشارك فيه الموسكوفي «موسكوفيتش»، وكلها كليشيهات مرتبطة بالثقافة الأمريكية مثل ركوب الخيل في الغرب البري، أو تحقيق ثروة في لاس فيجاس؛ فإن «ميموزوف» يظهر لإفساد كل متعة. هذا الهزل المتكلف، يجعل المرء يشكُّ في توفُّر مادة لدى «أكسينوف» لكي يقدمها في روايته، وعلى الرغم من ذلك، فإن القارئ السوفييتي الذي يشعر بالملل من التفاصيل (مثل ذكر أسماء محطات البترول)٤٤ وإعلانات الشوارع (عن الويسكي والساعات الرولكس وسيارات البيجو ومجلة بلاي بوي)،٤٥ كان يشعر كذلك بالانبهار. كذلك فإن الوصف المسهب لزحام لوس أنجلوس، النابضة بالحياة والحركة، كان تركيزًا غير ضروري على النزعة الأمريكية لدرجة أنه ينقل الكلمات كما هي حرفيًّا … مثل «كار» و«إيركوندشن» و«هاي واي باترول» و«سناكس» و«هوت دوجز» … إلخ. الواضح أن «أكسينوف» مفتون باللغة الإنجليزية التي كان قد بدأ يكتشفها بنفسه على قدر اجتهاده (من بين أمثلته كلمة Wheeler dealers — وتعني الوصوليين — التي يكتبها معكوسة dealers-Wheeler).٤٦ «أكسينوف» يحاول أن يجد لغة مشتركة مع الأمريكيين (كما لو كان يتبع «يفتشنكو» حرفيًّا كما جاء في «كلمات أمريكية»)،٤٧ والغريب أن الكثير من كلماته واردة في النص دون ترجمة أو شرح. المتوقع من القرَّاء، كما هو واضح، إما أن يكونوا ملمِّين إلى حدٍّ ما بالإنجليزية، أو أن يبذلوا جهدًا إضافيًّا لالتقاط المعنى أثناء عملية هضم قصة «أكسينوف»، وإذا كان ذلك كذلك، فإنهم لن يتركوا القصة بسهولة؛ ومما لا شك فيه أن ذلك اختبار لتحديد المستغربين السوفييت المحتملين، وأن يجمعوهم خلف أجندة «أكسينوف» (الذي يقول دون لبس في «على مدار الساعة دون توقف» إن «الاتجاه الرئيسي هو الاتجاه نحو الغرب»).٤٨ في المقابل، فإن «ألكساندر مكسيموفتش زارودوف Aleksandr Makismovich Zarodov»، إحدى شخصيات «كوتشيتوف»، يصبح محل سخرية المؤلف عندما يتباهى بأن الإنجليزية أصبحت هي «اللغة الثانية» بين أفراد أسرته، ويطلق على إحدى غرف شقته الكبيرة «غرفة الجلوس» كما يقول الإنجليز، بينما يطلق عليها الروس «غرفة الضيوف»؛ وعندما يقول له أحد أقاربه ذلك، يرد «ألكساندر مكسيموفتش»: «الإنجليز لا يفكرون هكذا … إنهم لا يستقبلون ضيوفًا عادة.»٤٩ اكتساب «زارودوف» لغة أجنبية، يسير مواكبًا لتبنيه عادات غربية. بالنسبة لكوتشيتوف، ليس من الضروري أن نقول إن غرفة الجلوس كما يصفها «زارودوف» جاءت بدافع مجاراة الجو الاجتماعي الذي يقدره الروس.
ليس غريبًا أن محاولات «أكسينوف» لكي يبدو «ابن بلد» في الولايات المتحدة بما في ذلك استهلاكه للمارجوانا،٥٠ تجعله يصل إلى استنتاج أن الأمريكيين، في الواقع، إنما يشبهون الروس تمامًا وبخاصة المثقفون منهم،٥١ (والمقصود هنا تحديدًا هم المثقفون الأمريكيون؛ لأن المؤلف لم تكن لديه فرصة تقريبًا لمقابلة غيرهم). كلهم (الطرفان) يحبون المناقشات الطويلة الساخنة ويكرهون الحروب ويمقتون الشمولية، ومن يستدرجون الغير للإيقاع بهم، ويحاولون أن يساعدوك عند حدوث أي مشكلة. وكوسيلة لتأكيد الأمر الأخير؛ فإن مغامرة «مكسيموفتش» «ذات الطابع الأمريكي» تبدأ عندما يقرأ رسالة شكر من سيدة وقعت في أحد شوارع لوس أنجلوس، وهُرع أحد الغرباء لمساعدتها على النهوض، وتنتهي الرسالة بأن يطلب «موسكوفيتش» رسالة مماثلة، باسمه، في كل أرجاء لوس أنجلوس وفي أماكن أخرى، والمتوقع أن يصل «أكسينوف» إلى استنتاج مفاده أن «ليس هناك بديل عن الاحترام المتبادل بين السوفييت والأمريكيين.»٥٢ عن طريق المزج بمهارة بين مظاهر غرائبية (مثل الإشارات السريعة إلى أتباع كريشنا ومسيرات الشواذ) وأشياء قد تبدو مألوفة، يذكِّر «أكسينوف» القارئ بأن ألاسكا كانت دائمًا تابعة لروسيا، كما يصف مقابلاته مع المهاجرين في كاليفورنيا؛ ومع ذلك نجده منتبهًا لأن يذكر أن «على الرغم من أن لوس أنجلوس تبدو دائمًا وطنًا، ورغم أنها جميلة فإن وقت الرغبة في العودة إلى الوطن الحقيقي سيأتي سريعًا وهذا أمر أجمل.»٥٣ كذلك فهو لا ينسى أن يكشف حقيقة أنه في محاضراته في (UCLA) كان يخاطب تلاميذه باعتبارهم رفاقًا، وأنه عادة لم يكن يحجم عن استخدام مصطلحات ماركسية مثل «التناقضات الجدلية» و«وحدة الأضداد».٥٤ بمعنًى ما، «أكسينوف» في هذه الرحلة التي كتبها لا يزيد كثيرًا على أن يكون نسخة متواضعة من «كوتشيتوف» (وإن كان أكثر ثقافة وموهبة). كلاهما يكره بشدة المتحمسين للسلافية هذه الأيام: في رواية «ماذا تريد إذن؟» يسخر «كوتشيتوف» مما يسمى حركة «نثر القرية» التي أصبحت أشبه بوريث سوفييتي للنزعة السلافية، وفي «على مدار الساعة دون توقف»، يلوِّح «أكسينوف» بهجوم مضمر على كُتاب نثر القرية — الذين كانوا إلى حدٍّ ما متطهرين لغويين — ومع ذلك بدفاعه عن حقه في استخدام كلمات مقترضة من لغات أجنبية.٥٥ في ترسانة الدعاية السوفييتية؛ فإن هجوم «كوتشيتوف» البليد والواضح أصبح سلاح الاختيار بعد غزو ١٩٦٨م لتشيكوسلوفاكيا (على نحو مميز، يقول «أكسينوف» في «على مدار الساعة» إنه لم يذهب إلى الغرب منذ ١٩٦٧م، ولكن في ظل مناخ سياسي أقل حدة يجد فن «أكسينوف» المتفوق فرصة أخرى). للمفارقة، يمكن أن يكون «أكسينوف»، أحيانًا، أكثر تشددًا من «كوتشيتوف». وهكذا فإن السؤال الملزم في عنوان كتاب «كوتشيتوف» موجه إلى شاب سوفييتي طائش، انحرف عن طريق أسلافه القويم، أسلافه الشيوعيين طبعًا؛ وليس إلا عن طريق «سنيور كارادونا»، المهاجر السوفييتي الذي حارب إلى جانب الألمان في الحرب العالمية الثانية، والذي كان عليه أن يعيش بقية حياته باسم مستعار، نتيجة لذلك. هذا المتعاون السابق مع النازية، الذي استوعب أخطاء مسيرته، يحذر الشباب من أن «مجيء الديمقراطية» الغربية التي يزغلل بها علماء الدعاية الغربيون عيون الشباب الروسي، ليست هي واجهات المحلات المليئة بالسلع الاستهلاكية وإنما هي تعني أولًا وقبل كل شيء «دمار روسيا».٥٦ «سنيور كارادونا» يسأل الشاب ما إذا كان بالفعل «يريد أن يتحول الشعب الروسي إلى رماد لتسميد الحقول الأوروبية والأمريكية»، وينتهي بالقول إنه ليس هناك بديل: «إما أن تحصل على ما قلته لك الآن، أو سيكون عليك أن تفعل ما يريد شعبك أن تفعله (العودة إلى حظيرة الشيوعية).»٥٧ بعد محاضرة مؤثرة كتلك، قد يكون غريبًا أن يعجز ناقد المجلة الأدبية «ليتراتورنيا جازيتا Literaturnaia Gazeta» عن أن يصل إلى حقيقة واضحة وهي أن رواية «كوتشيتوف» «عدو قديم لبلادنا على هوى المؤلف يصبح نوعًا من الرمز للوطنية الحقيقية، وإلى حدٍّ ما معلمًا للشباب السوفييتي.»٥٨ على خلاف «كوتشيتوف»، نجد «أكسينوف» أكثر تشددًا في عدم تسامحه في موقفه من المتعاونين السابقين مع النازية من الروس؛ وعندما يشير إلى المتعاونين الذين وجدوا ملجأً في الولايات المتحدة، يقول «أكسينوف» بكل وضوح إنهم «لن ينجحوا بسهولة في تنظيف أنفسهم بمسحوق الغسيل الأمريكي. القذارة ستظل بادية للعيان رغم كل محاولات التنكر. أي أغنية وطنية ستكون نشازًا إذا رددها شخص يكون قد تفوَّه بصيحة تهليل لهتلر ولو مرة واحدة.»٥٩
إن ما يجعل «أكسينوف» بعيدًا كذلك، ليس عن «كوتشيتوف» فحسب، وإنما كذلك عن أي شخص آخر في عملية المعاينة هذه؛ هو أنه بدافع من وعيه بمحدودية معرفته المباشرة بالولايات المتحدة، يحاول، بأمانة، أن يفصل بين الواقع والخيال (على الرغم من محاولاته التجريبية في الكتابة غير الروائية وتضمينها مكونات متخيلة).٦٠ ولعله لن يكون من قبيل المبالغة أن نقول: إن الأعمال غير الروائية، بشكل عام، تتيح لكُتابها مجالًا أضيق للمعلومات الخاطئة مما تتيحه الأعمال الروائية. إنها على الأقل تحرمهم من عذر «الرخصة الشعرية». على ضوء هذه الإفادة، ربما يكون من المهم أن نفحص كتاب «فسيفولد أفتشينيكوف Vsevolod Ovchinnikov» الصادر في ١٩٨٠م، بعنوان «جذور البلوط Oak Roots»، وهو تقرير صحفي عن بريطانيا من منتصف إلى أواخر السبعينيات.٦١ باعتباره متخصصًا في الصينولوجيا،٦٢ عمل «أفتشينيكوف» مراسلًا لصحيفة «برافدا Pravda» في المملكة المتحدة من ١٩٧٤م إلى ١٩٧٨م، وكانت انطباعاته البريطانية أساس ذلك الكتاب، الذي ينتهج فيه أسلوبًا متجردًا، مصرًّا على أن «جذور البلوط» ليس إعادة إنتاج أو استرجاعًا لأفكار سابقة التصور، وإنما هو دراسة واعية لقواعد الحياة البريطانية،٦٣ ويقصد بهذه القواعد: المدركات والعادات والمعايير والتوجهات البريطانية، وكيف يؤثر ذلك كله في القضايا الاجتماعية-السياسية المعاصرة. لم يكن من السهل اتباع مثل هذه الموضوعية وعدم التحيز، باعتبار الكتاب نشر بعد وقت قصير من الغزو السوفييتي لأفغانستان في ١٩٧٩م، وسوف يكون من السذاجة أن نتوقع الكثير من الإطراء والتقريظ من جانب «أفتشينيكوف»، الذي لا يغفل عن ذكر النظام الطبقي البريطاني والمركزية الإنجليزية والسلطة الطاغية للبيروقراطية، واصفًا النظام التعليمي البريطاني بأنه «مصنع لتخريج السادة»، ومجلس العموم بأنه عقبة في سبيل التقدم الاجتماعي.٦٤ وهو لا ينسى أن يذكر أولئك المشردين ولا أحياء جلاسجو الفقيرة ولا القضية الأيرلندية، بالإضافة إلى ذلك القسم المخصوص في سكوتلانديارد الذي يقوم بالتجسس والتنصت على ذوي الأفكار الثورية من البريطانيين. من ناحية أخرى، كان من المستحيل تجاهل هذه الموضوعات في أي تحليل جاد للحياة البريطانية في ذلك الوقت (كثير منها ما زال موجودًا إلى الآن)، ولا شك في أن بعض البريطانيين يمكن أن يكونوا متعاطفين مع تناول «أفتشينيكوف» النقدي. بالإضافة إلى ذلك، نجده يقدِّم عددًا من التعليقات التي تدل على تبصُّرٍ حقيقي — رغم أنها قد تتخذ أحيانًا شكلًا مثاليًّا — في قضايا كثيرة. من بينها أسلوب البريطانيين الرقيق في الحديث، وطبيعتهم في الانصياع للقانون، وغرامهم بالخصوصية التي تقترب أحيانًا من العزلة، وحتى تفضيلهم الحيوانات الأليفة على الأطفال.٦٥ كل فصل من فصول الكتاب، مرفق به اختيار دال، مقتطف من كتابات أخرى عن بريطانيا (إنجليزية وفرنسية وألمانية وأمريكية وروسية تتضمَّن حتمًا أقوالًا لماركس وإنجلز ولينين) من تلك التي سبق نشرها على مدى المائتَي عام الماضية؛ الأمر الذي يمكِّن المؤلف من تأطير التقاليد البريطانية، وكذلك تقديم تنوع واسع من الآراء يساعد القارئ على تكوين وجهة نظره الخاصة. وعلى الرغم من هذا الملمح الذي لم يكن مستقرًّا في وقت الرقابة والدعاية الشيوعية، فإن قيمة «جذور البلوط» حققت الاعتراف بها عندما حصلت على جائزة الدولة في الاتحاد السوفييتي في ١٩٨٥م، مع كتابَين آخرَين ﻟ «أفتشينيكوف»، أحدهما عن اليابان والثاني عن القصة السرية للقنبلة الذرية. الطبيعة الدقيقة لإسهام «جذور البلوط» في الحرب الباردة مفتوحة للتأمل، ولكن أساسها الواقعي الذي يمكن التعويل عليه إلى حدٍّ ما، قد لا يترك سوى القليل الذي يمكن أن يكون مرغوبًا في أي زمان وأي مكان.
الخلاصة، أن أمثلتي قد يكون قد تم اختيارها كيفما اتفق، لكنها دالَّة؛ ولعلها توضح كيف أن من المستحيل بالفعل وضع أو تحديد مجموعة أعمال معيارية تعتبر مرجعية، تجمع ملامح تمثيلات الحرب الباردة للغرب في الأدب الروسي، وإذا كانت هناك محاولة لرصد مثل هذه المجموعة في آخر سنوات حكم ستالين (وهي تضم على سبيل المثال روايات شبانوف التي تغلب عليها نظرية المؤامرة)، فقد اتضح أنها لم تكن لتصمد في جو ذوبان الجليد. محاولات الستالينية الجديدة إعادة عقارب الساعة إلى الوراء، التي جسدها «كوتشيتوف»، الذي كان يتبع وصفه أواخر الأربعينيات وأوائل الخمسينيات، والذي كان يحاول أن يعيد اختراع تراتبية للدول الغربية، بناءً على «فسادها وخبثها» (الولايات المتحدة الأسوأ وإيطاليا الأقرب)، هذه المحاولات وقعت فريسة للوفاق الذي كان يتبنى رؤية أكثر شمولًا للدول الأجنبية نوعًا ما (مثل تلك التي جاءت في عمل «أكسينوف»). على أن كلًّا من الكتب التي كانت مع الغرب (بحذر) أو ضده (بجمود) مع استثناءات قليلة، يبدو أنها لم تهتم بالناحية البحثية بما يكفي، أو أنها تحتوي على معلومات مغلوطة، وتجنح إلى أن تحدث القارئ عن عقدة النقص الدفينة لدى الاتحاد السوفييتي-روسيا، أكثر مما تقدم له عن الحياة اليومية في الغرب. هذه العقدة مدينة إلى حدٍّ كبير لتقليد قديم، نابع من ذلك التناقض بين المستغربين والمتعصبين للسلافية،٦٦ ذلك التناقض الذي كان يجعل الروس — مرارًا وتكرارًا — متذبذبين بين إعجاب (نسبي) برفاهية الغرب وتفوقه من ناحية، وتفوق روسيا الروحاني (المزعوم) من ناحية أخرى؛ واعتمادًا على الاحتمالية السياسية، كان من السهل نسبيًّا على الروس دائمًا (سواء على المستوى القومي أو الفردي) أن يتحولوا من منظور إلى آخر ثم يعودوا؛ لأن وجهات النظر بالضرورة هي أوجه أخرى للعملة نفسها.
للعب دور المدافع عن الشيطان، قد يكون من المغري أن نقول: إن أسلوب التناول الطبقي الماركسي كان يسمح بتناول الغرب على نحو أوسع؛ حيث ساعد ذلك في أن يمنع الروس من رفض الثقافات الأخرى بالجملة وبشكل مرضي، سواء على أساس المسيحية الأرثوذكسية في مواجهة الكاثوليكية البروتستانتية أو الأطلسية في مواجهة الأوراسية. من وجهة النظر الماركسية يمكن لروسيا، بكل ارتياح، أن تصادق وتؤاخي الدول الأخرى على أساس التضامن الطبقي. في الوقت المناسب، على أي حال، أضاف هذا الأسلوب في التناول كثيرًا إلى ذلك الحكم المربك من الانحيازات الروسية؛ لأن جوانب كثيرة من الحياة الغربية أصبحت إما متبناة أو مرفوضة، ليس بسبب ما كان صوابًا أو خطأ في الاتحاد السوفييتي. نتيجة لذلك، حتى القبول المقيد لما يسمى بالقيم الديمقراطية الغربية المعترف بها من قبل عدد من المنشقين السوفييت، سوف ينبثق بدرجةٍ أقل من التجربة العملية، عنه من رفض الحملة المستمرة المُعادية للرأسمالية في الاتحاد السوفييتي.٦٧ في هذه الظروف، بالنسبة للقارئ السوفييتي الفضولي، بل المضلل الذي لم يعرف من يصدق، وكان يريد أن يكتشف كل ما يستطيع عن الغرب المتناقض من كل المصادر المتاحة، فإن الأساس الواقعي الحقيقي لأعمال «كرامينوف»، وأعمال «أفتشينيكوف» على نحو خاص؛ يمكن أن ترجح أهميتها وتأثيرها تلك السطحية المذهلة في أعمال «يفتشنكو» و«أكسينوف».

من وجهة النظر هذه، يبدو أن أفضل الكتب الروسية عن الغرب خلال الحرب الباردة، ليست هي التي كتبها أولئك المتعاطفون، وإنما تلك التي كتبها من يتمتعون بحسن الاطلاع وسعة المعرفة.

١  أود أن أتقدم بخالص الشكر لكلٍّ من: Ms Eva Montenegro-Odd وDr. John Dunn لمساعدتهما القَيمة في هذا المشروع. كل الترجمات أنا المسئول عنها إلا إذا ذكر غير ذلك.
٢  للمزيد عن المستغربين، انظر على سبيل المثال: A. D. Sukhov, “Stoletniaia diskusiia: Zapad nichestvo I samobytnost’ v russkoi filisofi” (1998).
وللمزيد عن الأوراسيين، انظر على سبيل المثال: M. G. Vandalkovskia, Istoricheskaia naka rossiikoi emigratsii: ‘Evraziiskii soblazen’ (1997).
٣  انظر: Aleksandr Dugin, Misterii evrazii (1996).
٤  انظر: A. Dugin, Osnovy geopolitiki (1997).
٥  للمزيد عن المتحمسين للنزعة السلافية، انظر على سبيل المثال: N. I. Tsimbaev, Slavianofil’stvo: Iz istorii russkoi obshchestvenno-politicheskoi mysli XIX veka (1986).
٦  للمزيد عن «شبانوف Shpanov»، انظر النعي غير الموقع المنشور في Literaturnaia Gazeta في الخامس من أكتوبر ١٩٦١م، ص٤، وكذلك: KakBulchev, Kak stat’ fantastom (Moskow: Drofa, 2003), pp. 87–91.
٧  Dymshits, ‘Protiv podzhigatelei voiny,’ Zvezda, 9, (1950) p. 181 .
٨  Shpanov, Podzhigateli (Moscow: Molodaia gvardiia, 1950), pp. 315–17 .
٩  Ibid., p. 894; see also pp. 301, 517, 845 and 847 .
١٠  Ibid., pp. 130-1, 154-5 .
١١  See ibid., p. 808 .
١٢  See ibid., pp. 165-6 .
١٣  Valentin Kiparsky, English and American Characters in Russian Fiction (Berlin: Otto Harrassowitz, 1964), p. 71 .
تم استخدام عدة نماذج أصلية لرسم شخصيات الأبطال الإيجابيين؛ فشخصية المغني Gunther Sinn على سبيل المثال تم رسمها على نموذج Ernest Busch، رئيس أركان اللواء الدولي Ludwig Enkle والجنرال Matrai على الكاتب والسياسي المجري Mate Zalka.
١٤  See Shpanov, Podzhigateli, pp. 275–7 .
١٥  See ibid., pp. 455, 462-3, 473, 476, 478 .
١٦  بدأ شبانوف Shpanov عمله كاتبًا لأدب الخيال العلمي.
١٧  يستخدم شبانوف عدة كليشيهات مثل:
«ينبغي ألَّا يقلد الإنجليز أي شيء قادم من القارة. لنا أساليبنا، حياتنا، الإنجليز يا عزيزي لن يشعروا أبدًا بالحماسة من أجل أوروبا» (p. 319).
١٨  انظر على سبيل المثال: S. Volitinskii, ‘Bez Znaniia dela ’, Komsomolskaia Pravda, 3 October 1957, p. 4; and A. Elkin ‘Kuda idet pisatel’ N. Shpanov?’, Komsomolskaia Pravda, 21 March 1959, p. 2.
١٩  للمزيد من التفاصيل انظر: Robert Skidelsky, Oswald Mosley (London: Macmillan, 1990), pp. 491, 512–14.
٢٠  Kraminov, Pasynki Al’biona (Moscow: Molodaia gvardii, 1962), p. 186 .
٢١  G. Zaostrovtsev, ‘Synov’ia pasynki’, Literaturnaia Zhizn, 18 July 1962, p. 3 .
٢٢  Ibid., p. 3 .
٢٣  لاحظ أن أحد معاني كلمة Crook الإنجليزية: محتال أو لص. (المترجم)
٢٤  انظر: Kraminov, ‘Pasynki Al’biona’ pp. 189-90.
٢٥  انظر على سبيل المثال وصفًا لموقفه من قضية «جالانسكوف-جينسبرج» وذلك في مقال A. H. Anderson المنشور في The Times (٨ / ٣ / ١٩٦٨م)، ص٨ بعنوان: Soviet Reply to Trial Critics.
٢٦  Evtushenko, “Uriia Gip”–“Vzmakh ruki” (Moscow: Molodaia gvardiia, 1962) p. 36 line 4 .
٢٧  See ibid., p. 35 .
٢٨  انظر: Evtushenko, ‘Amerikanskii solovei’ in Evtushenko, Vznakh ruki, p. 38, lines 7-8, 13, 23–6; p. 39, lines 1-2, 13-14, 17-18.
٢٩  للمزيد عن كوتشيتوف Kochetov انظر: John Glad, ‘Vsevolod Kochetov: An Overview,’ Russian Language Journal, 32: 113 (1978), pp. 95–102.
٣٠  منظمة الشباب الشيوعي. (المترجم)
٣١  Kochetov, ‘Chego Zhe ty Khochesh’? (Minsk: Belarus’, 1970), p. 181 .
٣٢  Ibid., pp. 31, 46 .
٣٣  See ibid., p. 257 .
٣٤  Ibid., pp. 373-4 .
٣٥  Shtemler, Zvonok v pustuiu Kvartiru (st Petersburg: Russko-baltiiskii informatsionnyi tsentr BLIT’s, 1998) .
٣٦  انظر: Zh. A. Medvedev and R. A. Medvedev, “Kto Sumasshedshii?” (London: Macmillan, 1971), pp. 158-9.
٣٧  انظر: Strada, “Introduzione” to Kočetov, Ma insomma, che cosa vuoi?, trans. Massimo Picchianti and Chiara Spano (Rome: La Nuova sinistra, 1970), pp. 16, 21.
٣٨  bulat كلمة روسية تعني «الفولاذ» (الصلب Steel) الدمشقي، وهي تذكر باسم «ستالين» المشتق أيضًا من كلمة روسية بمعنى «صلب Steel».
٣٩  للمزيد عن لقاء Patricia Blake صورة مقنعة للصحفية-المحرَّرة Portia Brown ﺑ «كوتشيتوف» الذي انتهى بأن وضع المؤلف يده على كتفها ليودعها، انظر: Blake.
Patricia Bleik, ‘Vstrechi s Sovietskimi pisateliami’; Nashi Dni, 33 (1964), pp. 116–20.
٤٠  Iu Andreev, ‘O romane Vsevolod Kotchetova “Chego Zhe ty Khochesh?” Literaturnaia Gazeta, 7 (1970), p. 4 .
٤١  Glad, ‘Vsevolod Kochetov,’ p. 97 .
٤٢  D. Barton Johnson, ‘Aksenov as Travel Writer,’ Round the Clock, Non-Stop, in Edward Mozejko, ed. Vasiliy Pavlovich Aksenov: “A Writer in Quest of Himself” (Columbus, OH: Slavica, 1984), 184 .
٤٣  ناقش Aksenov هذه التجربة في: V poiskah grustnogo bebi: Kinga od Amerike (1987).
٤٤  Aksenov, ‘Kruglye sutki non stop,’ Novyi Mir & (1976), p. 57 .
٤٥  See ibid., p. 105 .
٤٦  Ibid., p. 57 .
٤٧  الاقتباس من شعر «يفتشنكو» يرمز إلى أواخر الخمسينيات (ibid., p. 70).
٤٨  Ibid., p. 105 .
٤٩  Kochetov, “Chego Zhe ty Khochesh?”, pp. 235-6 .
٥٠  للمزيد عن هذا الاعتراف، ووصف طقس التدخين انظر: Aksenov, ‘Kruglye sutki non stop,’ p. 90.
٥١  يقول أكسينوف عن أبناء جيله من الكتاب الأمريكيين:
«كنا ننظر في عيون بعضنا بطريقة خاصة عندما نلتقي، وكأننا كنا نحاول أن نكتشف ما إذا كنا قد ربينا معًا عندما كنا أطفالًا» (Ibid., p. 117).
٥٢  Ibid., p. 122 .
٥٣  Ibid., p. 107 .
٥٤  Ibid., p. 73, 70, 88 .
٥٥  انظر الشخصية الكوميدية للمؤلف Savva Mironovich Bogoroditskii.
وذلك في رواية «كوتشيتوف»، وكذلك في رواية «أكسينوف»: ‘Kruglye sutki non stop’, p. 71.
وللمزيد عن ظاهرة «شعر القرية» انظر على سبيل المثال: Kathleen Parthé, “Russian Village Prose: The Radiant Past,” (1992).
٥٦  Kochetov, “Chego Zhe ty Khochesh?”, p. 468 .
٥٧  Ibid., p. 468 .
٥٨  Andreev, ‘O romane Vsevoloda Kochetova: Chego Zhe ty Khochesh?, p. 4 .
٥٩  Aksenov, ‘Kruglye sutki non stop,’ p. 112 .
٦٠  يمكن أن نجد تبريرًا لذلك في التعليق التالي: «تتكون أمريكا من كلٍّ من الأسطوري والحقيقي، ومن المستحيل رسم خطٍّ فاصل بينهما.» (Johnson, “Aksenov as Travel Writer,” p. 190). Barton.
٦١  للاطلاع على ترجمة إنجليزية بواسطة Michael Basker انظر: Ovchinnikov, “Britain Observed: A Russian’s View,” 1981.
٦٢  دراسة لغات وآداب الصين. (المترجم)
٦٣  Ovchinnikov, “Korni duba: Vpechatleniia I razmyshleniia ob Anglii anglichanakh. (Moscow: Mysl’ 1980), p. 14 .
٦٤  See ibid., p. 110, 114 .
٦٥  See ibid., pp. 45, 59, 17, 76-77, 83, 98, 127, 132, 144, 174, 190, 211–13, 220, 239 .
٦٦  L. I. Blekher and G. Iu. Liubarskii; Glavnyi russkii Spor: Ot Zapadnikov I Slavianofilov do globalzma I novogo srednevekov’ia, (2003) .
٦٧  للمفارقة، عندما ذهب بعض أولئك المنشقين إلى المنفى، ورأوا بأنفسهم كيف كانت الحياة خلف الستار الحديدي، بدَءوا ينشرون أعمالهم النقدية للغرب، والتي لم تكن لتختلف بالكلية عن الدعاية السوفييتية المضادة. وللاطلاع على مثال قوي على ذلك انظر: Eto ia Edichka (It’s Me, Eddie, 1979).
وكيف كان استقبالها في الاتحاد السوفييتي كما وصفه ل. بوتشيفالوف L. Pochivalov في Chelovek na dne: PoKinushii—O sebe.
وذلك في المجلة الأدبية Literaturnaia Gazeta، عدد ١٠ سبتمبر ١٩٨٠م، ص١٤. ليس بالإمكان دائمًا القطع ما إذا كان أولئك الناس يؤكدون صدقية المزاعم المُعادية للاتحاد السوفييتي، أو أن ذلك كان بتأثير من عملاء جهاز الاستخبارات (KGB).

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤