الفصل السادس

المقاومة الأدبية الماركسية للحرب الباردة

آلان وولد

ثقب الذاكرة المكارثية

في صباح العشرين من يونيو ١٩٥١م، انطلق مائة من منتسبي مكتب المباحث الفيدرالي (FBI) من مقره في «فولي سكوير – مانهاتن» عند الفجر، أحكموا أزرار ستراتهم الرمادية الواقية من المطر، وقفزوا ليحتلوا أماكنهم في أسطول من سيارات البويك التي كانت في انتظارهم. منتشرين في أرجاء مدينة نيويورك في عملية جيدة التنظيم، قاموا بتطويق عشرين مسكنًا خاصًّا واقتحموا غرف النوم؛ ليجرُّوا ستة عشر من قيادات الحزب الشيوعي إلى السجن متهمين، بحسب «قانون سميث Smith Act»، بقلب نظام الحكم في الولايات المتحدة١ بسبب ما يقومون ببثه ونشره. كانت تلك هي المجموعة الثانية من أعضاء الحزب الذين يلقى القبض عليهم بموجب هذا القانون.
كان من بين المقبوض عليهم «في جي جيروم V. J. Jerome»٢ رئيس اللجنة الثقافية للحزب ورئيس تحرير مجلة  Political Affairs. بعد شهر، أطلق سراح «جيروم» مؤقتًا بعد أن دفع ستة أشخاص كفالة عن طريق حوالة بريدية، وسرعان ما نشرت صحف مثل «نيويورك تايمز» وغيرها أسماءهم.٣ مثل هذا الكشف العلني عن الأسماء كان وسيلة مؤثرة لإرهاب من قد تسول له نفسه تقديم العون ﻟ «مخرِّبين» مزعومين مثل «جيروم»، والآن كان هناك سبب كافٍ لجعل أولئك الستة يخشون ويتوقعون استهدافهم لاحقًا، وذلك بإدراج أسمائهم على القائمة السوداء إلى غير ذلك من المضايقات، وما حدث بالفعل هو أن كانت هناك مؤشرات على أنه سيضحَّى بهم بواسطة المكارثية، أو أنهم سيبدون شجاعةً سياسيةً غير عادية.
كان أولئك الستة في قضية كفالة «جيروم» هم: «آليس جيروم Alice Jerome» زوجة الزعيم الثقافي للحزب ومديرة روضة أطفال، والكاهن «إي وايت E. White» وكان وزيرًا يساريًّا، و«هربرت أبثكر Herbert Aptheker» مؤرخ الحزب الشيوعي، وكان يعمل مع «جيروم» في «بوليتكال أفيرز» وكان اسمه على القائمة السوداء بالفعل، والروائي الماركسي الشهير «هوارد فاست Howard Fast»، وكان قد أمضى فترة بالسجن قبل عام لعدم تعاونه بالإبلاغ عن آخرين، كما كان اسمه أيضًا على القائمة السوداء وممنوعًا من النشر أو الكلام في الحرم الجامعي، و«والدو سولت Waldo Salt» كاتب السيناريو الشيوعي الذي سبق أن كان قد استُدعِي للمثول أمام لجنة التحقيق الخاصة بالأنشطة المُعادية لأمريكا HUAC  (House Un-America Activities Committee) في «واشنطن دي سي» في ١٩٤٧م بعد أن كتب فيلمًا سينمائيًّا بعنوان «راشيل والغريب Rachel and the Stranger»، اعتمد فيه على قصص «هوارد فاست» القصيرة، وكان اسمه كذلك مدرجًا على القائمة السوداء، و«باربرا جيلز Barbara Giles»، وهي كاتبة وناقدة من مواليد «لويزيانا»، وكانت قد أصدرت قبل أربع سنوات رواية تاريخية ناجحة عن الجنوب الأمريكي والتفرقة العنصرية عند منعطف القرن، كما عملت في وظائف تحريرية عدة في مطبوعات شيوعية مثل: «New Masses الجماهير الجديدة» و«Masses and Mainstream الجماهير والتيار الرئيسي».
على مدى خمسين سنة منذ تلك اللحظة المثيرة، ما زال اضطهاد الشيوعيين في حقبة «مطاردة الساحرات» المكارثية إبان الحرب الباردة، يعتبر أمرًا مؤسفًا، حتى الهجوم على الشيوعيين الحقيقيين حملة بطاقات الحزب الرسمية مثل «جيروم» و«فاست» و«أبثكر» و«سولت» و«جيلز» يعتبر بالمثل أمرًا يدعو للخجل؛ ويحدث ذلك — للأسف — على الرغم من أن معظم الكتب والأفلام الناقدة للقوائم السوداء وعمليات الاضطهاد، ما زالت تنحو إلى التركيز على حالات المتهمين جزافًا بعضوية الحزب الشيوعي، وليس على «الحمر الحقيقيين».٤
على نحو أكثر إيجابية، وبعد عقد أو أكثر من محاولات المحو وتشويه السمعة، نجد محاولات لإعادة الاعتبار لعدد قليل من أولئك الشيوعيين المضطهدين. «أبثكر»، على سبيل المثال، حقق اعترافًا قوميًّا به من خلال عمله المخلص باعتباره منفذًا أدبيًّا لوصية «دبليو إي دو بوا W. E. Du Bois»، ومُنح منصبًا جامعيًّا عندما اقترب من سن التقاعد في «وست كوست». الكاتب الشيوعي الشهير في حقبة مطاردة الساحرات «هوارد فاست»، كافح في البداية لكي يستعيد نشاطه، وعندما ألغت دار نشر Little Brown & Co. — لأسباب سياسية — عقد نشر روايته «سبارتاكوس Spartacus» (١٩٥١م) (وكان قد بدأ كتابتها أثناء سجنه)، قام بإصدارها عن دار النشر الخاصة به Blue Heron Press؛ لتكون أفضل الكتب مبيعًا في تاريخ الأدب في قطاع النشر الخاص. كذلك حقق «والدو سولت» عودة قوية في السينما بأعمال مثل: Midnight Cowboy (١٩٦٩م)، وSerpico (١٩٧٣م)، وDay of the Locust (١٩٧٥م)، وComing Home (١٩٧٨م)، وغير ذلك من الأعمال المتميزة وترشيحات لجوائز. حتى «جيروم» الذي كان موظفًا في الحزب، نجد عنه اليوم مادة جيدة تحتفي به في الموسوعات التاريخية للحركة الشيوعية الأمريكية؛ كما تروي «ليليان هيلمان Lillian Hellman» بعض النوادر الطريفة في Scoundrel Time (١٩٧٦م) عن تجربته في السجن، أسستها على المعلومات التي نقلها إليها صديقه ورفيقه في السجن، الشيوعي وكاتب روايات الألغاز «داشيل هاميت Dashiell Hammett».
إلا أنه من الدالِّ أن تظلَّ روائية لويزيانا الحمراء «باربرا جيلز Barbara Giles» غائبة من التاريخ الأدبي. في سنة ١٩٩٢م نشرت دار نشر جامعة لويزيانا كتابًا مرجعيًّا من ٣٥٠ صفحة عن «كاتبات لويزيانا Louisiana Women Writers»، نجد بين مادته ببليوجرافيا واسعة ليس فيها كلمة واحدة عن «جيلز»، ولا عن روايتها The Gentle Bush المعارضة للعنصرية (صدرت عن Harcourt, Brace and Co. في ١٩٤٧م وتقع في ٥٥٠ صفحة) ولا عن المراجعة التي نشرتها عنها «نيويورك تايمز» وغيرها من الصحف المهمة، كما لا يوجد أي ذكر لنقدها الأدبي الماركسي المهم لكُتاب الجنوب، وهو من الكتب الفريدة عن تلك الفترة في تاريخ النقد في الولايات المتحدة، وبعضه هناك إشارة إليه في فهرست كتالوج الاتحاد The Union Catalogue. على النقيض من ذلك نجد هناك إشارات كثيرة لكاتبات أخريات أقل قيمة منها، وصِلتهن ﺑ «لويزيانا» ليست بنفس درجة الأهمية.٥ ربما — إذَن — يكون توسل اسم «جيلز» المطموس — بفعل فاعل — وعملها المغتال، أسلوبًا مناسبًا لبدء عمل شاق في اتجاه إعادة الاعتبار للتاريخ الأدبي لمئات الأعمال الثقافية اليسارية المفقودة في الولايات المتحدة، ولأصحابها الذين قاوموا المكارثية بالكتابة والفعل.

انبعاث النشاط المُعادي لأمريكا

قد يرى البعض أن الثقافة الراديكالية المقاومة لمطاردة الساحرات في أواخر الأربعينيات وفي الخمسينيات، هي التي تعبر عن حقبة النشاط المُعادي لأمريكا. على الرغم من ذلك فإن واحدة من أحدث الدراسات ترى أن الأربعينيات والخمسينيات كلها، وليس المكون اليساري أو الأفرو-أمريكي منها فحسب، تظل مجهولة نسبيًّا في إطار التاريخ الثقافي للولايات المتحدة. من المثير للسخرية مثلًا أن مرحلة الحرب الباردة، مثل النهضة الأمريكية في القرن التاسع عشر، ممثلة في الدراسات الأكاديمية التقليدية، على اعتبار أن السيادة فيها كانت لقلة من الكُتاب الذكور الذين تجاوزوا الأعراف الأدبية على نحو بطولي. من بين من يحظون باهتمام بالغ من هؤلاء: «نورمان ميلر Norman Mailer» و«صول بيلو Saul Bellow» و«وليم ستيرون William Styron» و«جي دي سالنجر J. D. Salinger» و«جون أبدايك John Updike» و«برنارد مالامود Bernard Malamud» و«جون شيفر John Sheever»، ويلحق بهم مجموعة قليلة من الراديكاليين الأفرو-أمريكيين (مثل المناصرين السابقين للشيوعية «رالف إليسون Ralf Ellison» و«جيمس بولدوين James Baldwin») وامرأة يشار إليها أحيانًا بشكل رمزي ﺑ «القوطية الجنوبية» هي «فلانري أوكونر Flannery O’Connor».٦
هذا الفشل في الإلمام بكل جوانب حقبة النشاط المُعادي لأمريكا صحيح، حتى بين من عرضوا للمرجعية الثقافية في السنوات الأخيرة، فلو تناولنا بالفحص — على سبيل المثال — أعمالًا حديثة مثل:
  • “Columbia Literary History of the United States,” (1988).
  • “Columbia History of the American Novel,” (1991).
  • “Columbia History of American Poetry,” (1993).

ومجموعات مثل:

  • “Toward a New American Literary History,” (1980).
  • “Reconstructing American Literary History,” (1986).

والأنطولوجيات الجامعية المهمة مثل:

  • “Heath Anthology of American Literature,” (1990).
لو تناولنا مثل هذه الأعمال بالفحص، سنجد أنها لا تتناول الثقافة في ذروة الحرب الباردة بشكل مباشر أو محدد، بل إن الفترة نفسها مفككة إلى موضوعات أقل تحديدًا، مثل «قضايا ورؤًى» و«الذات الأمريكية»،٧ ولكن إذا كان مثل هذه العناوين يعطي فرصة لتجارب متعددة الثقافات وتجارب نسوية وعمالية، إلا أن ذلك يأتي — من وجهة نظر كتابة التاريخ — على حساب الترابط المنطقي. هذه المراجعات ينقصها إلى اليوم تفسير (نحن في أشد الحاجة إليه) لعقدَين مهملَين في تاريخ أدب الولايات المتحدة في القرن العشرين، عقدَين أُسيء فَهْمهما وهما أواخر الأربعينيات والخمسينيات.

من أجل إعادة تقييم هذه اللحظة، ولإعطائها ما تستحق من تقدير، لا بد من استعادة عشرات الكُتاب الموهوبين، غير العاديين، الذين «اختفوا» من التاريخ الثقافي، في الوقت الذي ينبغي أن يعاد فيه تقييم عشرات آخرين لم تتم قراءتهم جيدًا؛ بسبب ستار السرية والكتمان الذي أُسدلَ على أنشطة اليسار الأدبي أثناء الحرب الباردة. من الناحية المفاهيمية؛ فإن هذه الاستعادة لليسار الأدبي، لتصبح ملمحًا مستمرًّا، وليس مرحليًّا، في الثقافة الأمريكية، سوف توحي بأساليب تناول جديدة لتحليل وتقييم العلاقة المتبادلة بين السياسة والفن. ستكون التصنيفات حسب المنطقة والنوع والجنس والعرق والتوجه في حاجة إلى إعادة صياغة تفوق كل الدراسات السابقة لليسار الأدبي.

وأخيرًا، فإن مثل هذا البحث الجديد في حاجةٍ إلى أن يكون — في جزءٍ منه — سيرة حياة جمعية تروي قصة إنسانية مهمة عن كتاب قدموا تضحيات كثيرة، بما في ذلك فقدان وظائف، وخروج اضطراري للعيش في بلاد أخرى، وأحكام بالسجن، والمخاطرة برقابهم في مواجهات عنيفة مع دهماء اليمين، والموت في بعض الحالات في ساحة القتال في إسبانيا، وكل ذلك من أجل عالم جديد لن يروه. كذلك فإن نتائج مثل هذا البحث ستكون ذات أهمية خاصة، على ضوء بعض التقييمات الجديدة الدائرة الآن في اليسار الثقافي الأمريكي، على إثر فتح الأرشيفات وغيرها من مصادر المعلومات في الاتحاد السوفييتي السابق، الخاصة بالراديكالية في الولايات المتحدة.

على الرغم من ذلك، نجد أن الأربعينيات والخمسينيات لم تحظَ إلى الآن إلا بنظرة عامة خاطفة في عدد من التواريخ التقليدية لليسار الأدبي، بواسطة «دانييل آرون Daniel Aron» (Writers on the Lift (1961)) و«جيمس جيلبرت James Gilbert» (Writers and Partisans (1968)) و«وولتر رايد أوت Walter Rideout» (The Radical Novel in the United States (1956)). كل هذه الأعمال تنطلق من منعطف القرن إلى حقبة المكارثية، ولكنها تركز بشكل ثابت على الثلاثينيات؛ وسوى هذه الأعمال النموذجية فإن أي دراسة أخرى، تقريبًا، عن الراديكالية الأدبية أيًّا كانت مميزاتها، تجنح إلى تناول «الثلاثينيات» باعتبارها الوحدة الرئيسية، مع أقل اهتمام ممكن بمصير ذلك الجيل وتراث العقود التالية. بين ذلك هناك كتب ممتازة مثل Foreigners, 1981 ﻟ «ماركوس كلين Marcus Klein»، وLabour and Desire, 1991 ﻟ «باولا رابينوفتيز Paula Rabinowitz»، وRadical Representations, 1993 ﻟ «باربرا فولي Barbara Foley». إلى هنا فإن التاريخ الأدبي الوحيد الذي يغطي الأربعينيات مع بعض الاهتمام باليسار هو كتاب «تشستر إيزنجر Chester Eisinger» Fiction of the Forties 1963. معظم الكتب التي تتناول سياسات وأدب الخمسينيات، ومن بينها الأعمال الممتازة مثل: American Fiction in the Cold War, 1991 ﻟ «توماس شواب Thomas Schaub» وThe Culture of the Cold War, 1991 ﻟ «ستيفن ويتفيلد Stephen Whitfield»، مقصورة على الهجوم على اليسار أو على عدد قليل من الكتاب المشهورين مثل «إليسون Ellison» و«ميلر Mailer» أو «جاك كيرواك Jack Kerouac».
من بين الاستثناءات القليلة التي تركز في معالجتها لليسار الأدبي على الثلاثينيات، هناك دراستان قصيرتان — مهمتان — عن الشعر، هما: Repression and Recovery, 1989 ﻟ «كاري نيلسون Cary Nelson» وAmerican Culture Between Wars, 1994 ﻟ «وولتر كالادجيان Walter Kaladjian»، بالإضافة إلى رسالة جامعية منشورة بعنوان Anonymous Toil, 1992 ﻟ «آلن بلوك Alan Block»، وهي تتناول الحدود الزمنية بقدر من التفصيل. هناك أيضًا عدد من السير الحياتية الممتازة لعدد من الكتاب، لعل أبرزها كتاب «دوجلاس وكسون Douglas Wixon» عن «جاك كونروي Jack Conroy» بعنوان: Worker-Writer in America (1994) وإن كانت هذه الكتب ينقصها البعد المقارن، كما أنها لا تتناول بالتفصيل سوى المشاهير.

في المقابل، من أجل استعادة اليسار في حقبة النشاط المُعادي لأمريكا، نحن في حاجة إلى دراسات قاعدية تنطلق من العمق، تبدأ بقاعدة إمبريقية لثلاثمائة كاتب تقريبًا، كانوا شهودًا عليها وأبدوا تعاطفًا جوهريًّا مع قضايا اليسار (الشيوعية والاشتراكية والتروتسكية والفوضوية … إلخ) في أوقات مختلفة في العقود التالية للثورة الروسية. مثل هذا التناول المنشود لليسار الأدبي، يختلف كثيرًا عن ذلك الموجود في الدراسات السابقة. لا يعني ذلك أن الكتب السابقة «مخطئة» من حيث الوقائع والحقائق (رغم أن بعضها كذلك)، وإنما يعني أن أفضلها قيد نفسه بتاريخ معين وهو ١٩٣٩م، واقتصر على عدد قليل نسبيًّا من الشخصيات، إلى جانب محدودية التغطية حسب المنطقة والعنصر والنوع والعرق والتوجه الجنسي؛ وقبل ذلك كله فإن الكتب الباكرة تفترض أن أدب اليسار يأتي في قوالب معينة ومتكررة، مثل روايات الإضراب وروايات البروليتاريا وروايات التحول الاشتراكي وهكذا. المشكلة أن معظم «كتاب اليسار» الذين يشكِّلون المرجعية في معظم الأعمال الدراسية الموجودة، هم بالأساس شخصيات تكوَّنت في العشرينيات ولكنها تحققت في الثلاثينيات. بالفعل، كان معظم الكُتاب الذين تأثروا بأفكار اليسار صغارًا في الثلاثينيات، وبدءوا مسيرتهم الأدبية في الأربعينيات أو أوائل الخمسينيات. حينذاك، كان التقليد اليساري قد مر عبر «مراحل» الأدب البروليتاري و«ثقافة الجبهة الشعبية» وامتد ليشمل عناصر من كلَيهما لصنع «تمازجات» جديدة.

كان هناك أيضًا ثورة في نشر الكتب ذات الغلاف الورقي وكتب الثقافة الجماهيرية، سرعان ما تبعها قمع مضاد للشيوعية أثناء الحرب الباردة. وهكذا فإن الأشكال المميزة للإنتاج الأدبي في الأدب الروائي لكتاب اليسار في حقبة النشاط المُعادي لأمريكا، اتجهت نحو الرواية الشعبية (كما نراها في أعمال «ديفيد أولمان David Alman» و«بن أبل Ben Appel» و«روبرت كارسي Robert Carse» و«فيرا كاسباري Vera Caspary» و«رنج لاردنر الابن Ring Lardner Jr.» و«ألفريد موند Alfred Mond» و«سام روس Sam Ross» و«جورج سكلار George Sklar»)؛ ونحو روايات الخيال العلمي (كما عند فردريك بول Frederik Pohl و«سيريل كورنبلث Cyril Kornbluth» و«دونالد وولهايم Donald Wollheim» و«إيزاك أزيموف Isaac Asimov» و«جوديت ميريل Judith Merril» و«ماك رينولدز Mack Reynolds»)؛ والروايات البوليسية وروايات الإثارة والتشويق (كما عند «جي إندور Guy Endore» و«جوليوس فاست Julius Fast» و«كينيث فيرنج Kenneth Fearing» و«روبرت فينيجان Robert Fennegan» و«إد لاسي Ed Lacy»)؛ وروايات الموضوعات الخشنة (كما في أعمال «وليم لندساي جريشام William Lindsay Gresham» و«جين كارسافينا Jean Karsavina» و«جيم طومسون Jim Thomson»)؛ والروايات التاريخية (كما عند «باربرا جيلز Barbara Giles» و«ماري ساندوز Mary Sandoz» و«هنريتا بكماستر Henrietta Buckmaster» و«وليم بليك William Blake» و«هوارد فاست Howard Fast» و«ترومان نيلسون Truman Nelson»)؛ وأدب الأطفال واليافعين (كما عند «آرنا بونتمبس Arana Bontemps» و«ماري إلتنج Mary Elting» و«شيرلي جراهام Shirly Graham» و«ملتون ملتزر Milton Meltzer»)؛ وكتب العلوم المبسطة للشباب (كما عند «إرفنج آدلر Irving Adler» و«ميلسنت سلسام Millicent Selsam»).
بعض الكتاب بالطبع واصلوا الكتابة حسب تقاليد الأدب البروليتاري أو الراديكالي («فيليب بونوسكي Philip Bonosky» و«جون سانفورد John Sanford» و«فيليب ستيفنسون Philip Stevenson» و«ألبرت مالتز Albert Maltz» و«آلفا بيسي Alvah Bessie»)؛ أما في الشعر فكان اليسار يتجه نحو خلق أنواع جديدة يمكن أن نصفها ﺑ «حداثة الشعب» («توماس ماكجراث Thomas McGrath» و«نعومي ربلانسكي Naomi Replanski» و«نورمان روستن Norman Rosten» و«موريل روكيسر Muriel Rukeyser») و«الرومانسية الممركسة» (ذات النكهة الماركسية) (كما عند «ألفريد هايز Alfred Hayes» و«آرون كرامر Aron Kramer» و«وولتر لونفلز Walter Lowenfels»)؛ و«الغنائية الجمعية» (كما عند «جون ديفيدمان John Davidman» و«إيف ميريام Eve Merriam» و«إدوين رولف Edwin Rolf»). في الوقت نفسه، كان منظِّرو الأدب الماركسيون في الأربعينيات والخمسينيات يسعون إلى «تكييف» كتابات «جورج لوكاتش George Lukács» مع حقبة مرحلة ما بعد الحرب (تشارلز همبولت Charles Humboldt)، ودمج أساليب التحليل النفسي (هاري سلوشور Harry Slochower)، ومد النقد الماركسي نحو المناطق المجهولة مثل الجنوب الأمريكي (باربرا جيلز Barbara Giles).
إلى جانب عدد كبير من النساء اللائي كن منخرطات بقوة في النشاط الراديكالي وهن صغيرات في الثلاثينيات، وتألَّقنَ في العقود التالية («أولجا كابرال Olga Cabral» و«مارتا دود Martha Dodd» و«جانيت ستيفنسون Janet Stevenson»)، كان هناك ماركسيون لاتين رواد («ألفارو كاردونا-هين Alvaro Cardona Hine» و«خوسيه إجلاسياس José Yglesias» و«جيسس كولون Jesus Colon») وأمريكيون–آسيويون («يوشيو آبي Yoshio Abbe» و«كارلوس بالوسن Carlos Bulosan» و«إتش تي تسيانج H. T. Tsiang») وأمريكيون–يهود («بن فيلد Ben Field» و«يوري سول Yuri Suhl» و«وارن ميلر Warren Miller» و«هيلين إجلاسياس Helen Yglesias» و«إيرل كونراد Earl Conrad») وأمريكيون–إيطاليون («بيتر ديدوناتو Pietro Di Donato» و«جون فانتي John Fante» و«فنسنت فريني Vincent Ferrini» و«فرانسيس وينوار Frances Winwar»)، وكُتاب آخرون من عرقيات أخرى ظلوا على ارتباطهم باليسار الأدبي أو أصبحوا كذلك.

الأبعاد الأفرو-أمريكية

كان العنصر الأكثر ديناميكية وتأثيرًا في جوانب عدة من النشاط المُعادي لأمريكا هو المكون الأفرو أمريكي، الذي شكل جسرًا مهمًّا بين اليسارَين الأفريقي الأمريكي القديم والجديد في سنوات الحرب الباردة. ولاكتشاف دليل سريع وسهل على هذا الارتباط الوثيق العابر للأجيال، يكفي أن نلقي نظرة على فهرست محتويات الأنطولوجيا الكلاسيكية Aesthetic 1971 “The Black” ، لنجد أن سبعة من المسهمين فيها كانوا إما أعضاءً في الحزب الشيوعي الأمريكي، أو من المتعاطفين معه: «جون أو كيلنز John O. Killens» و«جوليان مايفيلد Julian Mayfield» و«لوفتن ميتشل Loften Mitchell» و«لانجستون هيوز Longston Hughes» و«ريتشارد رايت Richard Wright» و«دبليو إي بي دو بواس W. E. B. Du Bois» و«آلين لوك Alain LocKe»، بالإضافة إلى الاقتباس المثبت في مقدمة المجلد وهو عن «مارجريت ووكر Margaret Walker»، وهي إحدى المتأثرات بالشيوعية في الثلاثينيات.٨
كذلك يمكن ملاحظة علامات واضحة لهذا التقليد الأفرو أمريكي الراديكالي العابر للأجيال في كتابات حديثة، مثل الرواية الشبابية الصادرة في ١٩٨٩م بعنوان The Other People، وهي آخر عمل منشور لآليس تشيلدرس Alice Childress (١٩٢١–١٩٩٤م). وكما هو متوقع، فإن طبعة Putnam من هذا الكتاب الذي يتناول جانبًا من «التاريخ المخفي» لا تذكر أن المؤلفة أفرو أمريكية، ولا أنها كاتبة مسرح وممثلة راديكالية، كما لا تذكر أنها مؤلفة Conversations from a Domestic Life، ذلك الكتاب غير العادي الذي نُشر لأول مرة في جريدة Freedom التي كان يحررها «بول روبسون Paul Robeson» في سنوات مطاردة الساحرات.٩ كل سطر في سيرة «تشيلدرس» له جذوره العميقة في تقليد اليسار الأفرو أمريكي؛ فهي الكاتبة التي نبتت في تربة الكساد العظيم، وقويت وازدادت صلابة في النضال في فترة مطاردة الساحرات والمكارثية، ونضجت إلى حدٍّ بعيد من خلال الارتباط الحميم مع الصعود الجديد لحركة الحقوق المدنية في أواخر الخمسينيات، والنضال السياسي الذي تلا ذلك.
وُلدت «آليس تشيلدرس» في تشارلستون (سوث كارولينا) وعاشت في «هارلم»، وكان أول عمل مسرحي لها هو On Striver’s Row وهو إنتاج يساري. كان هجومًا مسرحيًّا على الطبقة المتوسطة السوداء (بأسلوب «إي فرانكلين فريزر») ومن إخراج «أبرام هيل Abram Hill»، الذي عملت «تشيلدرس» في فرقته المسرحية بعد ذلك لمدة عشر سنوات، وهي فرقة مسرح النجرو الأمريكي ذات التوجه الشيوعي. أما مسرحيتها الخاصة الأولى، Florence، فهي دراما نسوية ماركسية سوداء (من فصل واحد)، وكانت قد نُشرت لأول مرة في عدد أكتوبر ١٩٥٠م من المجلة الأدبية الشيوعية Masses & Mainstrean، وفي ١٩٥٠م أيضًا قامت «تشيلدرس» بتحويل عمل «لانجستون هيوز»: Simple Speaks (١٩٥٠م) إلى مسرحية من إعدادها بعنوان: Just a Little Simple، ومنذ ذلك الحين حتى وفاتها في ١٩٩٤م، أصدرت سلسلة من المسرحيات، ثم روايات عن موضوعات نسوية تناقش قضايا السود والتحرر، مثل Gold Through the Trees في ١٩٥٢م، وTrouble in Mind في ١٩٥٥م، وWine in the Wilderness في ١٩٦٩م، وMojo في ١٩٧٠م، وA Hero Ain’t Nothin But a Sandwich في ١٩٧٣م، وWedding Band في ١٩٧٣م، وA Short Walk في ١٩٧٩م.١٠
مسيرة «تشيلدرس» المهنية مسيرة نموذجية لليسار الأدبي الأفرو أمريكي، وفي رأيي أنها أكثر تعبيرًا ودلالة من مسيرة «ريتشارد رايت Richard Wright»، أشهر شيوعي أسود في الأدب الأمريكي. أساس المسرح الراديكالي في مسيرة «تشيلدرس» على سبيل المثال، أشبه بذلك عند كلٍّ من «لورين هانزبري Lorraine Hansberry» و«جوليان مايفيلد Julian Mayfield» و«دوجلاس تيرنر وورد Douglass Turner Ward» و«تيودور وورد Theodore Ward» و«لوفتن ميتشل Loften Michell» و«أون دودسن Owen Dodson» و«لون إلدر Loune Elder III» و«روبي دي Ruby Dee» و«أوسي ديفز Ossie Davis» و«بول روبسون Paul Robeson» و«مايا أنجلو Maya Angelou» و«شيرلي جراهام Shirley Graham»١١ يضاف إلى ذلك أن إنتاجها الضخم من قصص الأطفال والراشدين، يشبه ذلك عند كلٍّ من «آرنا بونتمبس Arna Bontemps» و«روزا جي Rosa Guy» و«مرجريت باروز Margaret Burroughs» و«آن بتري Ann Petry» و«شيرلي جراهام Shirley Graham» و«جون أو كلينز John O. Killens» و«أون دودسن Owen Dodson». حتى المعلومات المتوفرة، غير الدقيقة، عن الانتماءات السياسية ﻟ «شيلدرس»، هي كذلك من سمات حقبة مطاردة الساحرات والفترة التالية لها.

اسم «تشيلدرس» ليس مدرجًا في أي وثيقة أو سجل باعتبارها شيوعية، وربما لم تكن في أي يوم عضوًا في الحزب على الرغم من تعاطفها مع الأفكار؛ ولو أن أي شخص كان عرضة في الخمسينيات للاتهام بعضوية الحزب، لوضع اسمه على إحدى القوائم السوداء وصُنِّف شريرًا، أو سُجن لعدم الإبلاغ عن الآخرين أمام لجان التحقيق، وعليه يصبح من الصعب تحديدُ انتماءات الكتاب وسياساتهم في تلك المرحلة. لا أحد، وبالأحرى من الفنانين، كان يريد أن يوسم بعلامة الحزب لأسباب تتعلق بالسلامة الشخصية، ومقاومة التصنيف والاختزال في إطار معين.

هناك بالطبع بعض الكُتاب الأفرو أمريكيين من ذوي التاريخ الأدبي في فترة النشاط المُعادي لأمريكا — مثل الروائيَّين «جوليان مانفيلد» و«شرلي جراهام» — الذين تركوا في المقابلات الشخصية وغيرها من المواد ما يدل على صلاتهم وعلاقاتهم بالشيوعية.١٢ كذلك فإن سياسات وعلاقات الكاتب المسرحي البارز «دوجلاس تيرنر وورد»، متاحة للباحثين في كتابه الصادر عام ١٩٥١م بعنوان: Toward Bright Tomorrows وباسمه الأصلي «روزفلت وورد». هذا الكتاب نشرته Labour Youth League وهي رابطة شباب الحزب الشيوعي آنذاك، التي يظهر فيها اسم «وورد» كرئيس لفرع «هارلم»، كما كان «أودري لورد Audre Lorde» عضوًا بها كذلك.١٣ على الرغم من أن الروائي «جون أو كيلنز» لم يذكر قط أنه كان عضوًا في الحزب الشيوعي في مقاله المنشور في عدد «صيف ١٩٤٩م» من المجلة الشيوعية New Foundations على أكثر من عشر صفحات؛ فإن موافقته الضمنية على وجهات النظر الشيوعية تكشف الغموض عن سياساته وتوجهاته بالنسبة للجميع، باستثناء من يظنون أن تكوينهم الثقافي المُعادي للشيوعية لا يجعلهم يتصورون أن روائيًّا بارعًا يمكن أن يكون في الوقت نفسه شيوعيًّا مخلصًا،١٤ وتبدو مشابهة لذلك أوضاع كلٍّ من الكاتب المسرحي «لورين هانزبري»، والروائية «شيرلي جراهام»، والشاعر «لانس جيفرسون» وغيرهم.
ما زالت مقاومة اليسار للحرب الباردة في حاجة للتعرف عليها والتنظير لها، وبخاصة بالنسبة للكتاب الذين لم تكن لهم علاقة وثيقة بالشيوعية، مثل «جيمس بولدوين James Baldwin» الذي ظهرت ميوله ومشاعر التعاطف لديه في سنوات الدراسة العليا، وكان في الخمسينيات يعاني من ديمقراطية اليمين الاجتماعية في «نيوليدر»؛ كما أن «تشيستر هايمز Chester Himes» الذي ربما كان عضوًا لفترة قصيرة — مضطربة — في الحزب الشيوعي في «أوهيو» أو كاليفورنيا، مثال آخر لكاتب متباعد إلى حدٍّ ما عن الحركة التي كان يقودها شيوعيون، وإن كان قد تأثر بها. لقد قدم شهادة موجعة عن شيوعية ما بعد «ستالين» في عمله The Lonely Crusade (١٩٤٧م)، قبل أن يتجه لكتابة روايات بوليسية عن هارلم، وهناك أيضًا «ويلارد موتلي Willard Motley» الذي يتميز بتعاونه السياسي مع كلٍّ من الشيوعيين والتروتسكيين في الأربعينيات.
الروائية «آن بتري Ann Petry» هي إحدى كاتبات الأربعينيات والخمسينيات الذين تم استعادتهم. كانت «بتري»، دون شك، متأثرة بالماركسية والحركة الشيوعية أثناء فترة عملها بالصحافة في جريدة People’s Voice في هارلم، حيث كانت صديقة للشيوعي «مارفل كوك Marvel Cooke».١٥ والحقيقة أن التوجهات وراء روايتها التي تحمل عنوان “The Street” (1946) لا يمكن فهمها دون مقارنة عالم بطلتها بالأنشطة والقيم التي كانت تعبر عنها جريدة «بتري» اليسارية في ذلك الوقت. إن غياب وعي البطلة وتجاربها هو ما يشير إلى الحلول الضرورية لتحرير واسترداد الطبقة العاملة في هارلم: أي الاتحادات والكنيسة السوداء، باعتبارها مسرحًا للعمل الاجتماعي التقدمي والتنظيم الذاتي للنساء. المثير للدهشة أن «بتري» في روايتها الصادرة في ١٩٥٣م (بعنوان: The Narrows) والمعارضة للحرب الباردة، تمضي أبعد مما فعلت في الأربعينيات، وتتناول الشيوعية باعتبارها مجرد كلمة «شفرة» للتعبير عن المقاومة ضد العنصرية والرأسمالية.
كان كتاب «هارولد كروز Harold Cruse» الصادر في ١٩٦٧م بعنوان The Crisis of the Negro Intellectual، هو أكثر الكتب إثارة للجدل حول فهم اليسار الأدبي في الحرب الباردة. تعود أهمية كتاب «كروز» — على الأقل في جزء منها — إلى أنه يقدِّم بعض الحقائق المهمة عن الحاجة إلى استقلالية الأدب الأفرو أمريكي، إلى جانب أن ما يستهدفه «كروز»، وهو الحزب الشيوعي الأمريكي الذي عرفه عن كثب، كان قد ضعف سياسيًّا وتنظيميًّا بسبب انحرافات مأساوية عن «جوزيف ستالين» والنظام السياسي للاتحاد السوفييتي. على الرغم من ذلك، فإن الثنائية التي يبرزها «كروز» بين الدمج والقومية هي وصف غير دقيق للخيارات السياسية والاستراتيجيات في ذلك الوقت أو الآن.١٦ وكما أوضح «جيري واتس Jerry Watts» في كتابه الصادر في ١٩٩٤م بعنوان Heroism and the Black Intellectual؛ فإن القوة السياسية الثقافية للأبعاد الأفرو أمريكية في النشاط المُعادي لأمريكا، كانت مؤسَّسةً على فهمٍ عميق للقومية السوداء وللثقافة القومية من منظور طبقي.١٧
الواقع، أن الرسالة الحقيقية ﻟ «كيلنز» و«هانزبري» و«مايفيلد» و«لانس جيفرز» و«شيرلي جراهام» و«آليس تشيلدرس» وغيرهم من الأفرو أمريكيين الموالين للشيوعية، الذين عركوا الخمسينيات الرجعية على الجبهة الثقافية، الرسالة الحقيقية لهؤلاء الكُتاب نجدها ماثلة أمام أعيننا في قصيدة تلو الأخرى، وفي مسرحية تلو الأخرى، وفي رواية تلو الأخرى لو أننا استطعنا أن نجعل الجيل الحالي يقرؤها. الخلاصة هي أن المُضطهَد قوميًّا، دائمًا في حاجة إلى حلفاء ولكن ليس بشروط من أحد. كُتاب اليسار — بالتأكيد — الذين خبَروا كل تاريخ العِرقية والخيانة الليبرالية في الولايات المتحدة، لم تكن لديهم أوهامٌ في أن العمال البيض والراديكاليين سيكونون إلى جانبهم في الأزمة النهائية. وبالفعل، «إنك تخدش بشرة رجلٍ أسود في الحزب الشيوعي لتجد تحت الجلد رجلًا أسود»،١٨ كما يقول بكل وضوح «جوليان مايفيلد» في ردِّه المُفحِم على «كروز» في تاريخه الشفهي.
لم يكن الجوهري أو الأساسي بالنسبة للسود الموالين للشيوعية أثناء الحرب الباردة هو القومية السوداء أو قومية لكل السود، كان الجوهري والأساسي هو الكرامة الوطنية، أو كما يصفها «دو بوا Du Bois» في عبارة يقتبسها كثيرًا «لويد براون Lloyd Brown» مؤلف Iron City: «اعتداد شديد بالذات، لدرجة احتقار ظلم الذوات الأخرى.»١٩ مثل هذه النظرة، تساعد في حالاتٍ كثيرة على أن يشُق المرء طريقه بمفرده معتمدًا على نفسه، على الرغم من الأمل في الوحدة بين الأجناس، وهو ما نجده، تقريبًا، في كل النصوص الأفرو أمريكية اليسارية، بدءًا من استشهاد العمة Sue في Uncle Tom’s Children (١٩٤٠م) عند «ريتشارد رايت»، إلى التعهد الختامي ﻟ «وولتر يونجر Walter Younger» في رواية «لورين هانزبري وولتر»: (١٩٥٩م) A Raisin in the Sun٢٠ بالنسبة لليساريين الأفرو أمريكيين، النضال لا بد من أن يستمر سواء أكان الحلفاءُ الضروريون (موضوعيًّا) موجودين أم لا. بالإضافة إلى ذلك فإن النضال يتم تعهُّده دون رثاءٍ للذات، وضد أعراضٍ طاغية، وبالإنابة عن زمنٍ قادم سوف يُنفَى منه كثير من أولئك الكُتاب السود الحمر. ربما يكون الشعار الذي تعلَّم في ظله كُتاب تلك النصوص (وغالبًا في جيفرسون سكول بإشراف الحزب) هو: «أيها السود والبيض اتحدوا وقاتلوا»، ولكن لحن الأغنية الذي ينساب متفجرًا من خلال الصور والتصوير الدرامي، وغالبًا في لحظات الذروة، هو لحنُ موسيقى البلوز،٢١ وهو ما يؤكِّد قول «هوستن بيكر الابن Houston Baker Jr» في كتابه: Blues, Ideology and Afro-American Literature إن «البلوز هي القالب الرئيسي.»٢٢
ربما كان بالإمكان تلخيص قصة الأبعاد الأفرو أمريكية في النشاط المُعادي لأمريكا بدقة، في ذروة رواية «فرانك لندن براون Frank London Brown» التي تحمل عنوان Trumbull Park الصادرة عام ١٩٥٩م، وهي رواية تعتمد على حقائق عن مقاومة أقليةٍ سوداء لحملةٍ غوغائيةٍ بيضاء شديدة العنف، منسَّقة تجاريًّا بهدف طردهم من مشروع للإسكان الشعبي في شيكاغو في بدايات المكارثية. المؤلف الذي مات وهو في الثلاثينيات من عمره، كان نصيرًا حزبيًّا مخلصًا من اليسار الأوروبي، كما كان منظِّمًا لاتحادٍ متعدِّد الأعراق؛ على أنه، وكما هي الحال في الأغلب الأعم من النصوص السوداء للحرب الباردة نجد أن شخصيته التي تروي السيرة الذاتية في Trumbull Park، تكتشف في اللحظة الحرجة أنها تقف وحيدة بدون الحلفاء البيض الذين تحتاج إليهم، وبدون دعمٍ حقيقي من أحد. في الجزء الأخير نجد أن كل ما لديه مِجنٌّ واقٍ، يتمثل في ذاكرةٍ ثقافية، لمواساته وحمايته من العنصريين الذين تجمَّعوا لطرده وأسرته من مشروع Trumbull Park للإسكان الشعبي.

«نعم! كان الغوغاء ما زالوا يصيحون، وكنتُ أسمع «جو وليمز» الكبير وهو يولول:

كل يوم … كل يوم … لا أحد يشعر بالقلق، لا أحد يبكي … كنا نسير بصدورٍ منتفخة ورءوسٍ مرفوعة في الهواء مثل ذلك الزر الكبير الذي يصدح بأنغام «البلوز»، ثم انصرفنا بخطًى سريعة (كان النساء والرجال يصرخون في وجوهنا: اخرجوا من هنا يا أرانب الغابة السوداء.)

ولذا رحتُ أغني بصوتٍ عالٍ وسط الغوغاء وأفراد الشرطة وأشياء أخرى، انضم إلينا «هاري» العجوز ولمحتُ عينَيه تترقرقان بالدموع، كنتُ أشعر بالاختناق ونحن نغني معًا بصوتٍ واضحٍ مسموع: «كل يوم، كل يوم، لا أحد يشعر بالقلق، لا أحد يبكي.»٢٣

تراث

هل نستطيع أن نحدِّد مواصفات عامة أو أفكارًا وموضوعاتٍ مهيمنة على أدب المقاومة الثقافية اليسارية في فترة الحرب الباردة؟ من وجهة نظري، أرى أن الموضوع الأكثر بروزًا بين اليسار الأدبي الأمريكي، في كل العقود، كان هو مناهضة العنصرية، وذلك لأسبابٍ واضحة لها علاقة بتاريخ القارة، وقد واصل كُتاب اليسار هذا الطريق خلال حقبة المكارثية. في الأربعينيات والخمسينيات، كان هناك عددٌ كبير من الروايات اليسارية المدفوعة بالرغبة في الانسجام والتوافق العنصري، عبر نضالٍ سياسي نحو غاياتٍ مثالية إلى حدٍّ كبير. هذه الروايات نادرًا ما يتم دراستها. ولو أننا وضعنا قائمة بعددٍ قليل منها بناءً على فرضية الحافز الراديكالي للتوافُق العنصري؛ فإن قائمةً كتلك لا بد من أن تتضمَّن رواية «بنجامين أبل Benjamin Appel: The Dark Stain, (1943)»، ورواية «هوارد فاست Howard Fast: Freedom Road, (1944)»، ورواية «هنريتا بكماستر Henrietta Buckmaster: Deep River, (1944)»، ورواية «تشستر هيمز Chester Himes: The Lonely Crusade, (1947)»، وروايتَي «ديفيد أولمان David Alman: The Hourglass, (1947)»، وThe Well of Compassion, (1948)، ورواية «ألكساندر ساكستون Alexander Saxton: The Great Midland, (1948)»، ورواية «لويد براون Lloyd Brown: Iron City, (1951)»، وروايتَي «إيرل كونراد Earl Conrad: Rock Bottom, (1952)»، وGulf Stream North, (1954)، ورواية «آن بتري Ann Petry: The Narrows, (1953)»، ورواية «جون أو كيلنز John O. Killens: Youngblood, (1954)»، ورواية «فيليب ستيفنسون Philip Stevenson: Morning, Noon and Night, (1954)»، ورواية «ماري ساندوز Mary Sandoz: Cheyenne Autumn, (1953)»، ورواية «ألفريد موند Alfred Mond: The Big Boxcar, (1956)»، ورواية «دبليو إي بي دو بوا W. E. B. Du Bois: The Black Flame Triology, (1957–61)»، وروايتَي «جوليان مايفيلد Julian Mayfield: The Hit, (1957)»، وThe Long Night, (1958)، ورواية «روبرت كارس Robert Carse: Drums of Empire, (1959)»، ورواية «ترومان نلسون Truman Nelson: The Surveyor, (1960)».
إن ما يميِّز هذه الروايات وغيرها الكثير من الأعمال اليسارية الأخرى، بدءًا من الروايات الثورية المناهضة للعنصرية في الثلاثينيات، هو تلك المقارنة الضمنية بين الحقائق الحالية والرؤية المثالية لأمريكا لا طبقية، خالية من العنصرية وبخاصة ضد السود، من خلال نضالٍ مشترك، وهي رؤية مركَّبة من مصادرَ أمريكيةٍ محلية تعيد النظر إلى انتفاضات العبيد وإلغاء الاسترقاق وإعادة البناء، وفي الوقت نفسه تستلهم أعمالًا كلاسيكية راديكالية من تأليف «ناثانيل هاوثورن Nathaniel Hawthorne» و«إدوارد بيلَّامي Edward Bellamy» و«جاك لندن Jack London»، وتستوعب ثقافات المقاومة الشعبية لدى السكان الأصليين والمستبعَدين، وتشير إلى المزيد من أحداث القرن العشرين مثل: إضراب جاستونيا المتعدِّد الأجناس، وإضراب جالوب، وحملة سكوتسبورو الدفاعية.
كان هذا الموضوع — مناهضة العنصرية — حاضرًا بقوة في الكتابات الجماهيرية والشعبية للراديكاليين كذلك. مثالٌ دالٌّ على ذلك، عمل «هوارد فاست»: Tony and the Wonderful Door, 1952، وهو قصة أطفال قرَّر فيها المحكومان «إيثيل وجوليوس روزنبرج» وهما في السجن، التضحية بأبنائهما في عيد الميلاد.٢٤ وعلى الرغم من أن الكتاب أُعيدَت طباعته بعناوينَ أخرى؛ فإن الأصل كان قد صدر في ذروة الحرب الباردة عن Blue Heron Press، وهي دار نشر خاصة كان يملكها «فاست». في القصة، «توني ماك تافيش ليفي»، تلميذ المدرسة الابتدائية هو التجسيد الحي للتعددية الثقافية؛ بسبب سلسلة نسبه المشترك بين الاسكتلنديين والهايتيين والأمريكيين الأصليين والسويديين والإيطاليين والفرنسيين والألمان واليهود والليتوانيين والبولنديين، نجده يرفض الإجابة عندما يسأله مُدرسه عن أصله القومي:

سألها توني تافيش ليفي: لماذا تصفينهم دائمًا بأنهم متوحِّشون؟ (يقصد الأمريكيين الأصليين) إنهم ليسوا كذاك. هم أناسٌ طيبون، مسالمون، ومثل أي شعبٍ آخر.

«فهمت!» قالت السيدة «كلات» المُدرسة المستبدة وهي تضع الكتاب على وجهها، «هذا معناه أنك تعرف عن الهنود أكثر مما أعرف يا توني!»٢٥

الحبكة تتعلق بهرب «توني» من عالمه المديني الكئيب … القمعي … عن طريق بابٍ سحري إلى الطبيعة الموجودة في فنائه الخلفي مباشرة، ويحاول أن يجد دليلًا على أنه كان هناك ذات يوم عالمٌ واحد يعيش فيه البيض والسكان الأصليون معًا في سلام؛ وبالتالي يمكن أن يُوجَد هذا العالم مرةً أخرى. السيدة «كلات»، رمز السلطة في «جهاز الدولة التعليمي» يتم قهرها في النهاية.

بعض كُتاب الرواية البوليسية والألغاز اليساريين، جعلوا «اللون» موضوعًا خاصًّا: «تشستر هيمز» في روايات الجريمة عن «هارلم»، «لين زنبرج Len Zinberg» وهو شيوعيٌّ يهودي كان يكتب باسم مستعار هو «إد لاسي Ed Lacy»، باعت كتبه ملايين النسخ، ويُنسَب إليه فضل كتابة أول روايةٍ بوليسيةٍ سوداء، «توسانت ماركوس مور Toussaint Marcus Moore»، و«هوارد فاست» الذي سيكتب في السبعينيات تحت اسم «إي في كنجهام E. V. Cunningham» سلسلة من الروايات البوليسية يؤسِّسها على «ماساو ماسوتو Masao Masuto»، المخبر السري الأمريكي الياباني البوذي الذي يبلغ طوله ستَّ أقدام.
وحيث إن الكثير من كُتاب اليسار كانوا نساءً، فإن تناول النوع كان لا بد من أن يُسفِر عن أشكال روائية لعلها تشبه تلك التي تحدَّثَت عنها «باولا رابينوفتز Paula Rabinowitz» في كتابها Labour and Desire: Women’s Revolutionary Fiction in Depression America, 1991. ولعل من بين الاتجاهات المتميزة التي يُمكِن التنظير لها هنا، الظهور القوي لقضايا النوع بين النصوص المناهضة للعنصرية، مثلما هو في العلاقة المتوترة التي تنفجر بين «سيمون Simon» وزوجته في رواية «هنريتا بكماستر Henrietta Buckmaster: Deep River»، والنزعة النسوية الهادئة في الروايات الشبابية عند «بيث مايرز Beth Meyers» (المعروفة بين اليسار ﺑ «بيث ماك هنري») في روايتها The Steady Flame (١٩٥٢م) وThe Doctor is a Lady (١٩٥٤م)، وكذلك في الراديكالية النسوية التي تتبدَّى في ثقافة اليسار «الداخلية» في أعمال مثل كتاب «جيردا ليرنر Gerda Lerner» و«إيف ميريام Eve Merriam: Singing of Women: A Dramatic Review».٢٦
في جنس الرواية التاريخية كان أكثر الكُتاب الماركسيين إنتاجًا وتأثيرًا في هذه الحقبة هو «هوارد فاست»، الذي قدم My Glorious Brothers, (1948)، وعمله الذي لم ينَل حقَّ قَدْره: The Proud and the Free, (1950)، وSpartacus, (1951) وThe Passion of Sacco and Vanzetti, (1953)، وهنا لا بد من أن نذكر أن The Proud and the Free، ربما بسبب الظروف السياسية الموجعة التي كتبت فيها، لم تتوقع فحسب مدرسة كتابة التاريخ «من أسفل»، وإنما سبقتها بمدًى كبير، وهي المدرسة التي ستصبح من معالم دراسات اليسار الجديد في الستينيات. وبينما كان علماء التاريخ الراديكاليون (وأشهرهم جيسي ليميش Jesse Lemisch) يعيدون تقييم مراحل كثيرة من تاريخ الولايات المتحدة الباكر من منظور الشعب العامل، والملونين، والنساء، والمضارين اجتماعيًّا؛ فإن أحدًا لم يتناول طبيعة الحرب الثورية نفسها، كما فعل «فاست» في روايته لتاريخ التمرد في الجيش القاري (جيش الثورة الأمريكية). انطلاقًا من الأسطورة الشائعة بأن القوات التي تم استدعاؤها ضد البريطانيين، كانت جيشًا «غير طبقي» ذا أغراض وأهداف «موحَّدة»، فإن The Proud and the Free تقسم الوحدات العسكرية إلى مكوناتها الطبقية؛ أبناء الخدم وكبار الملاك، الأفرو أمريكيين الأحرار وملاك العبيد، الحرفيين والمستغلين؛ وذلك لكي يبين التناقُض في موقف القوات البنسلفانية التي ثارت على ضباطها في يناير ١٧٨١م، وأنها كانت تحاول أن تخوض معركة الاستقلال تحت قيادة الطبقة العليا وضدها في الوقت نفسه.
بالإضافة إلى نصوص أواخر الأربعينيات والخمسينيات التي سقناها باعتبارها أمثلة، فإن المقاومة الأدبية في مرحلة الحرب الباردة لم تكن ممارسةً أدبيةً مقصورة على حقبة المكارثية فقط. إنها عمليةٌ مستمرة إلى الآن كما يعرف بكل تأكيد قُراء رواية «فاست»: The Pledge, 1988 وغيرها من الكتب مثل The Book of Daniel (1971) ﻟ «إي إل دكترو E. L. Doctorow» وBetween the Hills and the Sea (1971) ﻟ: «ك. ب. جيلدن K. B. Gilden»، و“Journey Through Jess” (1989)، و“Pledge of the Allegiance” (1991) ﻟ: «مارك لابين Mark Lapin»، وA Walk in the Fire, (1991) ﻟ «جون سانفورد John Sanford» والرواية البوليسية النسوية/السحاقية: The Beverly Malibu, (1989) ﻟ «كاترين فورست Katherine Forrest»، وهي رواية تستند إلى بحث جيد.
وأخيرًا، ربما يكون من المناسب أن نعود إلى السيرة الأدبية «المخفية» للراديكالية كاتبة لويزيانا «باربرا جيلز»؛ لنتأمَّل كل الظروف المحيطة. «باربرا» من مواليد ١٩٠٦م، نشأت في ريف «بايو»، في إحدى مزارع قصب السكر؛ حيث كان أبوها كاتب حسابات معمل التكرير. تخرجت في المدرسة العليا في سن الخامسة عشرة، ودرست في مدرسة المعلمين الابتدائية في الولاية لمدة عامَين، ثم في مدرسة الصحافة في جامعة لويزيانا وتخرجت في ١٩٢٥م. بدأت تكتب الرواية وهي في العاشرة تحت تأثير «أنوريه دو بلزاك Honoré de Balzac» و«فيكتور هوجو Victor Hugo»، وتعهدت أن تقدِّم يومًا ما شيئًا مشابهًا من أجل الفقراء والمضطهدين عنصريًّا في الجنوب. بعد عملها بالتدريس في مدرسة ثانوية لفترة قصيرة، انتقلت «جيلز» إلى واشنطن دي سي لتعمل مديرة تحرير للمطبوعة الشيوعية New Masses. كانت ثقافة الجنوب هي تخصصها الأدبي وبخاصة «وليم فوكنر William Faulkner»، ولكنها تناولت بنثرها الصافي وسخريتها الحادة موضوعات عدة مثل الشخصيات السياسية، والثقافة الجماهيرية، حتى إنها تناولت بالنقد رواية مناهضة للشيوعية خلال الحرب الباردة، من تأليف «هيرام هايدن Hiram Hayden» تصور محررة محترفة لمطبوعة، كانت تبدو صورة كاريكاتورية لها.٢٧
في سنوات مطاردة الساحرات، وفي تناقض مع معظم معاصريها في عالم الأدب، كانت «جيلز» تعمل بشجاعة ودون خوف، وحيث إنه لم تكن هناك، حتى ذلك الحين، الإمكانية لوجود أندية «جون ريد» اليسارية العامة أو اتحادات للكُتاب الأمريكيين، أصبحَت «جيلز» جزءًا من دائرة المثقَّف اللامع «تشارلز همبولت Charles Humboldt» التي حافظت على المجلة الشيوعية Masses & Mainstream بعد اعترافات خروشوف في ١٩٥٦م، إلى أن أجبر على تركها لينقل ولاءه إلى National Guardian قبل وفاته مباشرة.٢٨ «جيلز» نفسها تركت الحزب في ١٩٦٦م واعتبرته غير ذي صفة، لتنخرط في مشروعات مثل حملة «إيوجين مكارثي»، حتى وفاة زوجها في ١٩٧١م، التي واجهت بعدها عدة انهيارات وأزمات. وبعد أن تبرأت وتنصلت منها عائلتها الجنوبية، ماتت مغمورةً في نيويورك سيتي في ١٩ أبريل ١٩٨٦م وكانت في الثانية والثمانين.
ولكن، عندما يبدأ الجيل الجديد من النشطاء النسويين الماركسيين والباحثين المناهضين للعنصرية، كتابة تاريخه الخاص عن المقاومة الأدبية الأمريكية في فترة الحرب الباردة، لن يكون هناك فقط المتألق بقوة «هوارد فاست»، ولكن أيضًا المنسية «باربرا جيلز»، إلى جانب «جون سانفورد»، و«فيليب ستيفنسون»، و«جون أو كيلنز» و«مارتا دود» و«لويد براون» و«جوردون كان» وغيرهم … سيكونون حاضرين … وبقوة.٢٩
١  يعتمد هذا الوصف على ما ذكر في كتاب Michael R. Belknap, “Cold War Political Justice: The Smith Act, the Communist Party, and American Civil Liberties,” (Westport, Conn.: Greenwood, 1977), p. 153.
٢  ولد Jerome Issac Romaine في بولندا في ١٨٩٦م، ومات في نيويورك سيتي في ١٩٦٥م.
٣  انظر: “Bail Posted for Communist,” New York Times, 25 July 1951, p. 12.
٤  انظر: Jonathan Rosenbaum, “Guilty by Omission,” in Rosenbaum, Placing Movies: The Practice of Film Criticism (Berkely: University of California press, 1955), pp. 292–4.
٥  بالإضافة إلى ذلك، لا يوجد في فهرست Louisiana Women Writers (1992) ولا في المقدمات ولا في الفصول الداخلية أي ذكر للماركسية، ولا للشيوعية، ولا لليسار باعتبارها تصنيفات، أو حتى وجهات نظر محتملة، هذا على الرغم من أن الكُتاب الثوريين من هذه الولاية من الثلاثينيات إلى الخمسينيات كان من بينهم Barbara Giles وArna Bontemps وAlfred Maund وDouglas Turner Ward وTheodor James Neugass.
٦  انظر: John Lance Bacon, “Flannery O’Connor and Cold War Culture,” (1994).
٧  Paul Lauter, ed. “The Heath Anthology of American Literature,” Vol. 2 (Lexington, MA: D. C. Heath and Co, 1990), pp. ix, xxvii .
٨  Gayle Addison, Jr. “The Black Aesthetics” (New York: Anchor Books, 1971), epigraph .
٩  هذه المادة متوفرة الآن في كتاب: Like one of the Family الصادر في ١٩٨٦م (أي بعد ثلاثين عامًا) في سلسلة Beacon عن Black Women Writers، تحرير Deborah McDowell وتقديم Trudier Harris.
١٠  Childress, “Gold Through the Trees” and “Just a Little Simple” .
هذان الكتابان لم يُنشَرا حتى الآن.
١١  بالطبع، كان لكلٍّ من الكاتبَين الشهيرَين المواليَين للشيوعية «ريتشارد رايت» و«لانجستون هيوز» علاقات مهمة بعالم المسرح كذلك.
١٢  انظر التاريخ الشفاهي غير المنشور ﻟ Julian Mayfield لدى Civil Rights Collection—Howard University Library.
والمراسلات بين Graham وEarl Browder، وذلك في: Earl Browder Papers, Syracuse University Press.
١٣  انظر: Lis & Duggan, “Audre Lorde”, in Mari Jo Buhle, Paul Buhle and Harvey J. Kaye, eds, “The American Radical” (London and New York: Routledge, 1994), pp. 353–60.
١٤  See Killens, “For National Freedom,” New Foundations (Summer 1949), pp. 245–58 .
١٥  مقابلة مع Marvel Cooke في نيويورك سيتي، أكتوبر ١٩٩٤م.
١٦  Watts, “Heroism and the Black Intellectual: Ralf Ellison, Politics and Afro-American Intellectual Life” (Chapel Hill: University of North Carolina Press, 1994), p. 8 .
١٧  انظر مناقشتي لهذه السياسات في فصل بعنوان: Lloyd Brown and the African—American Literary Left» وذلك في Wald “Writing from the Left: New Essays on Radical Culture and Politics” (London: Verso, 1994), pp. 212–32.
١٨  Oral History of Julian Mayfield, Howard University Library .
١٩  نقلًا عن Wald, “Writing from the Left,” p. 215.
٢٠  Hansberry, “A Raisin in the Sun,” new edn. (1959; New York: Signer, 1986), p. 148 .
٢١  موسيقى وأغنيات أمريكية زنجية الأصل يغلب عليها طابع الشجن. (المترجم)
٢٢  Baker, “Blues, Ideology and Afro-American Literature: A Vernacular Theory” (Chicago and London: University of Chicago Press, 1984), pp. 3-4 .
٢٣  Brown, “Trumbull Park” (Chicago: Regnery, 1959), p. 432 .
٢٤  انظر: Julius and Ethel Rosenberg, “Death House Letters” (New York: Publishing, 1952), p. 114.
٢٥  Fast, “Tony and the Wonderful Door,” New York: Blue Heron, (1952), p. 5 .
٢٦  نشرة منسوخة تعود إلى أوائل الخمسينيات نشرها: The Council of the Arts, Sciences and Professions in New York City يظهر فيها Ella Mae Wiggins وSojourner Truth يغنيان لحنًا بعنوان: Women Are Dangerous.
٢٧  مقابلة مع Jonathan Weil في New York City بتاريخ أكتوبر ١٩٩٣م.
٢٨  مقابلة مع Annetern Rubiustein في New York City بتاريخ أكتوبر ١٩٩٢م.
٢٩  من تقاليد الحركات الثورية في أمريكا الوسطى عند المناداة على الأسماء لمعرفة المتغيبين، أن ترد القوة كلها بصوت واحد «حاضر»، وذلك عند المناداة على اسم رفيق يكون قد مات، ويعتبر ذلك ضربًا من الإجلال والتكريم.

جميع الحقوق محفوظة لمؤسسة هنداوي © ٢٠٢٤