(١) النقل الصوتي والنقل المعنوي
كانت هناك طريقتان لترجمة المصطلحات: الأولى التعريب؛ أي النقل الصوتي حرصًا على
المصطلح نفسه، وإبقاءً عليه مع التضحية باللفظ العربي المقابل، الذي لم يظهر بعدُ ولم
يطمئن إليه المترجم، والذي لجأ إليه بعض المترجمِين المعاصرِين في نقل المصطلحات
الغربية الحديثة، مثل: قاطيغورياس، باري أرمينياس، أنالوطيقا، سوفسطيقا، طوبيقا،
رطوريقا، بوييطيقا، هيولى،
١ أنستاسيس، سكيم، سلوجسموس، فواسيس. وبعد ذلك تتم ترجمتها بلفظٍ عربي
مقابل بعد التعوُّد على المعنى، ثم فرض المعنى لفظه العربي مثل: المقولات، العبارة،
التحليلات، السفسطة، المغالطة، الخطابة، الشعر، مادة … إلخ. وهما مرحلتان متعاقبتان،
التعريب أو النقل الصوتي أقرب إلى النقل منه إلى الإبداع، والنقل أي الترجمة أقرب
إلى الإبداع منه إلى النقل. والبداية بالنقل الصوتي تدُل على وجود الموضوع في لغته
الأصلية أولًا، قبل أن يُعبَّر عنه في اللغة الجديدة قبل الترجمة. النقل الصوتي بمفرده
لفظ ومعنى قبل أن يستقل المعنى عن اللفظ، ويُعبِّر عن نفسه بلفظٍ عربي تلقائي مستقل،
من داخل اللغة وليس من خارجها عن طريق الترجمة؛
٢ لذلك يصعُب القول بأن النقل سابق على التعريب، وأن الترجمة قد تمت قبل
النقل الصوتي؛ نظرًا لعدم دقة الترجمة؛ فالتعريب أسهل لأنه لا يتطلب نحت المصطلح
واشتقاقه من اللغة العربية، خاصةً وأن المعنى لم يكتمل بعدُ في ذهن المترجم،
والترجمة أصعب لأنها تتطلب فهم معنى اللفظ الأجنبي، ونحت مصطلحٍ عربي يُعبِّر عن هذا
المعنى، والأسهل يأتي قبل الأصعب. وقد حدث هذا في حياتنا المعاصرة؛ فالراديو سبق
المذياع، والتلفزيون سبق الشاشة المرئية، ولفظ السينما استُعمل قبل الخيالة،
والتليفون قبل الهاتف أو المسرة. وأحيانًا يصبح اللفظ المُعرَّب اللفظ الأوحد دون لفظ
منقول.
٣
ومراعاةً للدقة في المصطلحات يُوضع المصطلح اليوناني بالنقل الصوتي
Transliteration، بالإضافة إلى المصطلح
العربي المقترح. ويقوم النقل الصوتي بدور الاطمئنان على اللفظ والمعنى دون التضحية
بأحدهما في سبيل الآخر؛ فقد سبق التعريب الترجمة؛ فمثلًا بالنسبة لمنطق أرسطو،
قاطيغورياس قبل المقولات، باري أرمنياس قبل العبارة، أنالوطيقا الأولى قبل القياس،
أنالوطيقا الثانية قبل البرهان، سوفسطيقا قبل المغالطة، طوبيقا قبل الجدل، ريطوريقا
قبل الخطابة، بويتيقا قبل الشعر. وبالنسبة لبعض ألفاظ الطبيعات لفظ أسطقسات سبق
العناصر، وهيولى سبق المادة. وأحيانًا لا يُوضع اللفظ العربي ويكتفى بالنقل الصوتي،
وذلك له دلالة من حيث إن اللفظ الأجنبي هو الموضوع، قبل أن ينفصل المعنى عن اللسان
الأجنبي، ويتم التعبير عنه باللسان العربي، فيُقال أنالوطيقا الأولى فقط دون ذكر
للقياس، مع أنه تمت ترجمة «الأولى»
Prwte والثانية
أو الأواخر دون
Huteros؛ وبالتالي لا يجوز للناشر
الحديث أن يضع نظرية القياس ولو بين قوسَين لشرح المعنى أُسوةً بالترجمات الغربية
الحديثة؛ فالاكتفاء بالنقل الصوتي عند القدماء له دلالته على الموقف من النص
الأجنبي في هذه المرحلة، التي تسبق التوجُّه إلى المعنى والتعبير عنه باللفظ العربي،
كمرحلةٍ تالية للنقل قبل مرحلة الإبداع. في النقل الصوتي اللفظ الأجنبي هو الموضوع،
واللفظ العربي هو المترجم، حتى يأتي التغريب فيصبح اللفظ الأجنبي هو المترجم واللفظ
العربي هو الموضوع. يدُل النقل الصوتي على عدم تحوُّل اللغة إلى مصطلح؛ فهي ما زالت
مادةً خامًا حتى قرأت الكلمات اصطلاحات مثل «أيوبا تسيس»؛ أي فرض، «أبودكسيس»؛ أي
البرهان، «أكسيوما»؛ أي الشيء المُتعارَف عليه، فإذا ما أُلحِق النقل الصوتي باللفظ
العربي، فإن الثاني يكون تعريفًا بالأول، وكأن الأول هو الموضوع لفظًا بينما الثاني
الموضوع معنًى.
٤
وعند الجمع بين النقل الصوتي (التعريب) والترجمة، تظهر حروف أو كلماتٌ متوسطة بين
الاثنَين، تكشف عن هذا الإحساس بالانتقال من التعريب إلى الترجمة، من اللفظ إلى
المعنى مثل حرف «أي» أو كلمة «المعروف ﺑ»، «الموسوم ﺑ» «المسمَّى»، قبل التوجه إلى
المعنى مباشرة في الترجمة.
٥ وأحيانًا لا يحتاج اللفظان المُعرَّب والمترجَم إلى ربطٍ يُبيِّن الانتقال
الذهني من أحدهما إلى الآخر، ويدُل على التعادُل بين الاثنَين،
٦ ثم تأتي الخطوة الثالثة والأخيرة بإسقاط اللفظ المُعرَّب كليةً، والتعامُل
فقط مع اللفظ المترجم فالنص أصبح عربيًّا خالصًا، وبعُدت المسافة بينه وبين النص
اليوناني؛ فمثلًا في كتاب الشعر اتَّبَع القدماء أولًا التعريب مثل التراجيديا
والكوميديا مثل المحدَثين مِنَّا، وليس طريقة الترجمة التي تمَّت بعد ذلك في الملهاة
والمأساة. وهناك مصطلحاتٌ مترجمة منذ البداية مثل الأسمار والأشعار، والنشيد الشعري للملاحم.
٧ وقد تبدو الترجمة القديمة أحيانًا أفضل من الحديثة؛ فكمية التعريب في
الترجمات الحديثة أكثر منها في الترجمات القديمة. كما استعمل المحدَثون اللغة
اليونانية رسمًا وحروفًا وشكلًا، على عكس القدماء الذين احترموا اللغة العربية
شكلًا وموضوعًا. وهوامش الترجمات الحديثة استشراقيةٌ تاريخية حرفية لا قيمة لها،
بخلاف تعليق القدماء الذي كان بمثابة النواة الأولى للشرح والتلخيص.
٨
يُذكِّر المصطلح بالنقل الصوتي وإعطاء تعريفٍ مؤقتٍ له قبل عرض النص المذكور فيه،
وكما
يفعل عصرنا في ذِكر المصطلح باللغات الأجنبية قبل شرحه وترجمته بلفظٍ مقابل في اللغة
العربية.
٩ وأحيانًا يتم تعريف اللفظ العربي بلفظٍ معرب، ثم تعريف اللفظ المعرب
بعبارةٍ عربية شارحةٍ بها لفظٌ فلسفي عربي أصيل، ثم تعريف اللفظ المعرب مرةً ثانية
تعريفًا آخر بعبارةٍ عربية بها نفس اللفظ العربي الأصيل.
١٠ والألفاظ نوعان: مُعرَّبة ومخترعة؛ أي منقولة نقلًا صوتيًّا أو نقلًا معنويًّا،
١١ وهذا هو الذي جعل ترجمة كتاب أقليدس في كتب التاريخ ما زالت متأرجحة
بين «الأركان» و«العناصر» و«الأسطقسات» أو المبادئ، في حين ظل المجسطي لبلطيموس لم
يتغير، بل إن تسمية اللغة اليونانية نفسها خَضعَت لمنطق التعريب والترجمة، فتُسمى في
الغالب اليونانية وأحيانًا الإغريقية.
وفي النقل الصوتي ينتقل الأسلوب العربي في النسبة؛ فالخطابة عند أرسطو هي
«ريطوريقا» وأحيانًا «ريطورية»،
١٢ وأحيانًا يتطور شكل اللفظ المُعرَّب من قاطوغورياس إلى قاطيغورياس، ومن
باريامانياس إلى باري أرميناس أو بريهرمينياس، ومن أنا لوطيقي، أو أنولوطيقيا إلى أنالوطيقي.
١٣
والتعريب عن الهندية أقل وبطريقةٍ عربية مثل السند هند، ماء الهند، جوز الهند، ثم
الهند خاصة في الطب والفلك والهندسة. والتعريب عن الفارسية أيضًا وارد وخاصة في
الألحان مثل الرست والنهاوند. والكيمياء لفظٌ عربي مشتق من كريكي إذا استتر وأخفى،
وانتقل إلى لفظ اللاتينية
Alchemy وليس تعريبًا له.
١٤
وإذا ما استعصى المصطلح لم يكن يُكتب بالحروف اليونانية، بل بالحروف العربية كما
ينطق به في اليونانية احترامًا للغة العربية والحروف العربية، على عكس المحدَثين
الذين يذكرونها بالحروف اليونانية؛ وبالتالي لا يضيفون شيئًا في فن النقل. كما أن
فهارس الأعلام في نهاية الترجمات بالإنجليزية وليست بالعربية أو اليونانية أو
السريانية لغات النقل الثلاث.
١٥ وهناك عدة طرق للنقل الصوتي لأسماء الأعلام في الإبقاء على علامات
الرفع أو حذفها مثل قاطيغورياس أو «قاطيقوريا»، ومنها الإبقاء على اسم العلم كله أو
حذف نهايته مثل أرسطوطاليس أو أرسطو، ومنها نقل حرف الإحالة مرةً بالألف في باري
أرمينياس ومرةً بالياء مثل باري أرمينياس، ومنها حذف الياء من الاسم أو الاكتفاء
بالكسرة كبديل عنها مثل طاليس أو طالس. وقد تُقلب الباء فاءً والجيم غينًا طبقًا للهجات
اليونانية أو اللهجات العربية أو السريانية وذلك مثل تراخوديا، فواسيس … إلخ.
وأحيانًا بعد التعريب يتم التعريب عن معناه بالترجمة كعبارةٍ شارحة، والتي لم تتحول
بعدُ إلى مصطلح. وقد يطول الشرح كما هو الحال في الشرح كنوعٍ أدبي مستقل، مثل معنى
السوفسطائي المتحكم إمَّا من المحكمة أو من البراعة والتحكم في الشيء.
١٦
إن كثرة المصطلحات المُعرَّبة مثل الريطورية، الديالقطيقية، البوليطيقية،
السلوجسمات، السلجسة من يسلجس مسلجس فعلًا واسمًا ومصدرًا، يظهر عجز المترجم في
اللغة العربية عن إيجادِ مصطلحاتٍ مقابلة، ويجعل المترجمين القدماء أشبه بالشوام
والمغاربة المحدَثين، انبهارًا بالغرب وضحية التعريب. مهمة التعليق هو ترجمة ذلك إلى
اللغة العربية وجعله مستساغًا مقروءًا، وكأنه ناتجٌ من الداخل وليس وافدًا من
الخارج. إذا ظهر في النص الريطوريقا أو الديالقطيقية جاء في الهامش بلاغة في
الحكومة أو صناعة الخطابة وصناعة الجدل. وإذا جاء لفظ بوليطيقا في النص جاء في
التعليق المدينة. مهمة الهامش الترجمة إذا اقتصر النص على التعريب، وكلما زاد
التعريب في النص زادت الترجمات لتحويله من نصٍّ أعجمي منقول إلى نصٍّ عربي مبدع،
وكثُرت التعليقات؛ فالتعليق يغني عن السقامة والركاكة والحرفية؛ ومن ثَمَّ بالنسبة
للقُراء الذين هم المؤلِّفون المشاركون. لا يهمُّ النص بقدْرِ ما يهمُّ التعليق. التعليق
نصٌّ
عربي جديد بدلًا من النص الأعجمي المُعرَّب؛ فيصبح الأصل فرعًا والفرع أصلًا. النص نقل
والتعليق إبداع. وتدُل كثرة التعريب على عدم استقرار المصطلحات. «الإيفاغوغي» هو
الاعتبار؛ أي الاستقراء، والريطوريقي ثلاثة أجناس: مشوري، مشاجري، تثبيتي. وليس
مستحيلًا أن تبدأ المصطلحات ثم يتم استقرارها فيما بعدُ. التعريب ترجمةٌ غير محذوفة؛
ومن هنا تأتي أهمية الشروح والتلخيصات من أجل تحويل التعريب إلى ترجمة، كما فعل ابن
رشد في «تلخيص الخطابة»؛ فالمُترجِم لنص الخطابة لم يفعل شيئًا في المصطلحات، تركها
كلها معربة، مع أنه يستعمل الألفاظ المترجمة أحيانًا. كان أقرب إلى الخواجة منه إلى
المثقَّف، أقرب إلى الغرب منه إلى الثقافة المحلية، بالرغم من قدرته على صياغة ألفاظٍ
عربية مثل نُكباء أو قُدماء للأصليِّين في البلاد، وإيجاد مصطلحاتٍ للألعاب الرياضية
مثل المزاولات.
١٧
وقد يكون أحد دوافع ظهور التعليق هو الانتقال من التعريب إلى الترجمة، ومن النقل
الصوتي إلى النقل المعنوي مثل ذكر سكيم في النص وفي الهامش «الشكل»، وذكر أسطقسات
في النص وفي التعليق أصول، وسلوجسموس في النص وفوقها بالأحمر القياسي الجامع،
وأناسطاسيس في النص وفي الهامش المقدمة الجدلية، المقدمة الأفوقطيقية، وفي الهامش
البرهاني، المقدمة الديالقطيقية وفي الهامش الجدلية.
١٨ السوفسطائية في الترجمة والمراء في التعليق، والفيلسوف في الترجمة
والمبرهن في التعليق. مهمة التعليق شرح المصطلح المُعرَّب في الترجمة إن لم يكن في
النص سبقٌ واحتراز؛ فالمعنى في النص يتحول إلى مصطلح في التعليق. وأحيانًا يكون
العكس؛ اللفظ العربي في الترجمة مثل المغالطة، واللفظ المُعرَّب في التعليق
السوفسطائيِّين من أجل التذكير باللفظ الأصلي.
١٩ وأحيانًا يترك الشارح التعريب مثل أوتاماتون ليشرح معناه باللغة
العربية السليمة، دونما حاجةٍ إلى مصطلحٍ عربي مقابل، ما دام الهدف هو المعنى وليس
اللفظ، وما دام الأمر لا يتعلق بمصطلحٍ فلسفي خاص،
٢٠ فإذا ذُكر المصطلح بالنقل الصوتي في صلب النص، فإن مهمة التعليق إضافة
الترجمة العربية، قبل أن تستقر نهائيًّا كمصطلحٍ فلسفي واحد متفقٍ عليه بين كل
المترجمِين. وظيفة التعليق البداية بالمعنى إلى اللفظ، في حين أن الترجمة تذهب من
اللفظ إلى المعنى. التعليق شرح للفظ المُعرَّب.
٢١ وأحيانًا يظل اللفظ المُعرَّب بلا تعليق فيظل غير مفهوم، إلا لمن يعرف
اليونانية، وذلك مثل الأيقوس، الأنتومين، بطيقوس.
٢٢ هدف التعليق إيجادُ عبارةٍ عربيةٍ سليمة ومستقرة، من المعنى إلى اللفظ
وليس من اللفظ إلى المعنى.
وأحد أهداف التعليق هو استقرار المصطلحات. والبعض منها يظل بلا تفسير مثل الحرم
الأقصى، والمجرة، والبروج. والبعض يتغير مثل تغيير المقولات إلى النعوت.
٢٣ وقد يتجاوز التعليق مجرد وضع اللفظ العربي المقترح بعد النقل الصوتي أو
العكس، إلى شرحِ مصطلحٍ بمصطلحٍ آخر في وقتٍ لم تستقر فيه المصطلحات الفلسفية بعدُ، فإذا
تحدث النص عن الحجم فإن التعليق يذكر «المقدار».
٢٤ وأحيانًا تكون الترجمة والتعليق متباعدَين تمامًا مثل وجود لفظِ شاعرٍ في
النص وشيءٍ ما في التعليق. هنا تكون الترجمة معنويةً أكثر منها حرفية، تتجاوز
الألفاظ وتحسينها إلى المعنى مباشر،
٢٥ وكذلك يبدو أن استقرار أسماء الأعلام قد أخذ مدةً طويلة.
٢٦
(٢) جدل الصوت والمعنى
وفي مقابل الألفاظ المعربة التي تحوَّلت إلى ألفاظٍ عربية مثل موسيقى، فلسفة،
جغرافيا، وكما نقول نحن أيديولوجية، تقنية، ديمقراطية، دكتاتورية، ليبرالية،
ترنسندنتالية، كوجيتو. هناك ألفاظٌ منقولة؛ أي مترجمة، منذ البداية لم تمر بمرحلة
التعريب في أهم أقسام العلوم عند أرسطو مثل الطبيعيات والإلهيات. لم يتم تعريب لفظ
Physis ولا لفظ
Metaphusis، وتُرجم لفظ النفس دون تعريب
Psuche، والأخلاق دون
Ethos، والسياسة دون
Politike؛ فهي موضوعات أقرب إلى الوافد،
وموضوعاتها موضوعاته؛ إذ إن الوافد أساسًا هو تطبيق في الإلهيات، كما هو الحال في
نظرية الذات والصفات والأفعال في أصول الدين، وللسياسات الشرعيات كما هو الحال في
النبوات أو السمعيات؛ ففي هذه الموضوعات لم تكن هناك حاجةٌ لمرحلة النقل الصوتي. لم
يكن الموضوع غريبًا، وتم القفز إلى المعنى مباشرةً ثم التعبير عنه باللفظ العربي
المطابق.
لقد استقرَّت كثيرٌ من الألفاظ المُعرَّبة وبقِيَت حتى الآن مثل الأورطي، الأسطقسات،
هيولى، بالرغم من ترجماتها الأولى طينة، ومثل الفانطاسيا بالرغم من تبادلها مع الخيال.
٢٧ وتستمر المصطلحات المُعرَّبة في تأليف المترجمِين مثل فنطاسيا.
٢٨ ما زال لفظ الأسطقس مُعرَّبًا على مدى عدة قرون وحتى الآن. وأصبح مثل
الموسيقى وجغرافيا وهندسة، وكذلك ألفاظ طوبيقي وهو الجدل وسوفسطائي وسقمونيا. ويظل
لفظ إيساغوجي المُعرَّب مع التوطئة والمدخل والترجمان حتى عصر ابن باجة وابن رشد.
٢٩ وأحيانًا مع لفظٍ جديد وهو الفصول تعبيرًا عن المضمون بلغةٍ عادية ودون
تعريب وترجمة. كما تظهر ألفاظ قاطيغورياس، باري أرمنياس، بالتبادُل مع المقولات
والعبارة، وكذلك لفظ أسقطس جمعًا أو مفردًا. لا يعني أن التعريب يسبق النقل، إنما
يعني أن اللفظ المُعرَّب قد وصل من الشهرة حدًّا أنه أصبح لفظًا عربيًّا من كثرة
الاستعمال. والاستعمال أحد مصادر معنى اللفظ بجانب الاشتقاق والاصطلاح عند
الأصوليِّين. ويحدث ذلك طبقًا لإحساس المترجم باللغة المنقول منها وباللغة المنقول إليها.
٣٠
ويظل التعريب سُنةً شائعة عند كثيرٍ من الناقلِين مثل موسيقوس وأبيلوجسموس،
وأنالوجسموس عند جالينوس. ويظل متواصلًا في مرحلة الشرح والتلخيص كما فعل حنين بن
إسحاق في شرح وتلخيص لكتاب جالينوس في فرق الطب بتعريبِ لفظِ سفيروس وهو نوع من
الأورام، وكذلك أفيلوجسموس وهو القياس.
٣١
ولكن بعض المصطلحات المُعرَّبة لم تستمر، وما زالت حتى الآن في نقلها تمثل أَحدَّ
اختلاف بين المترجمِين المحدَثِين، مثل «الأشكيم»، «الكيموس»،
٣٢ كما أن علومًا بأكملها لم تستقرَّ بعدُ من حيث الأسماء كمصطلحاتٍ عند
القدماء، مثل «المناظرية» وهو علم المناظر، و«تأليف الجوهر» وهو التأليف الموسيقي.
٣٣
وقد يتشابه التعريب؛ أي النقل الصوتي، مع الترجمة لدرجة صعوبة الحكم، أيُّ الطريقَين
وراء اللفظ وذلك مثل لفظ
To ainai وترجمته آنية، هل
هو تعريب أم ترجمة؟ فواضحٌ من الصوت أنه تعريب ولكنه آنية من أَنْ، أو إِنْ يمكن أن تكون
أيضًا ترجمة من حرف أنَّ، حرف توكيد ونصب، والتوكيد نوع من إثبات الوجود.
٣٤ وقد تختلف أسماء الأعلام حسب نطقها أو رسمها مثل أرسطو، أرسطوطاليس، أرسطاطاليس،
٣٥ وقد يتم تعريب أسماء الأعلام مثل بروسن الذي حاول تربيع الدائرة إلى
ياسين في التعليق، إن لم يكن الأمر خطأً من الناسخ أو تحريفًا من الناقل. ويؤيد
التعريب ذكر ابن رشد أنبادقليس على أنه «ابن دقليس».
٣٦
وتظهر أولوية المصطلحات المنقولة على المعرَّبة في شرح وتلخيص حنين بن إسحاق لكتاب
جالينوس إلى غلوقون في التأتِّي لشفاء الأمراض.
٣٧ وفي ترجمة متى بن يونس لكتاب الشعر يتصدَّر المنقول المعرَّب، بل إن
موضوعاتٍ بأكملها لم تستعمل الألفاظ المعرَّبة مثل: أجزاء المديح: الخرافات، والعادات،
والمقولة، والاعتقاد، والنظر، والنغمة، والصوت، وأجزاء الخرافة: الدوران، والاستدلال.
وهي
قدرةٌ فائقة للمترجم واللغتَين العربية والسريانية على نقل اللغة اليونانية.
٣٨ وترجمة المأساة والملهاة بالمديح والهجاء ليست زائفة ولا خطيرة، بل هي
أقربُ ترجمة وأفضل من التعريب، تراجيديًّا وكوميديًّا.
٣٩
وبعد تجاوز مرحلة النقل إلى مرحلة الإبداع، يصبح المصطلح العربي في غنًى عن
المصطلح المعرَّب، مثل «المقالة القائمة من كتاب البرهان»، دونما حاجةٍ إلى
«أنالوطيقا الأواخر»، بعد أن استقر الموضوع في الذهن، وبدئه باللغة العربية مباشرةً
سواءٌ عند القدماء أو عند المحدَثين.
٤٠