ثالثًا: الترجمة عمل جماعي
(١) ترجمة أم ترجمات؟
كانت هناك أكثر من ترجمة للنص الواحد؛ فالترجمة عَملٌ حضاري، قراءةٌ فردية، لا يُوجد
ترجمة لنصٍّ واحد بل ترجماتٌ عديدة لنصٍّ واحد. النص واحد عند المؤلف، ولكنه مُتعدِّد
بتعدُّد المُترجمِين. ويحتمل أن يكون نص المؤلف المتشابه نصَّين في ذهنه بفعل الاشتباه
المُضمَر، ثم تُحوِّل الترجمات هذا النص المتشابه إلى نصوصٍ محكمة، كلٌّ منها يحكم
الاشتباه بطريقته. وقد يكون الاشتباه مُتعدِّدًا وليس فقط توتُّرًا بين مَعنيَين، وبالتالي
تَتعدَّد الترجمات بتعدُّد الاشتباهات. الترجمة قراءة، وتعدُّد الترجمات تعدُّد للقراءات،
المؤلف واحد والمترجمون عديدون، المُؤلِّف ميت والمترجمون أحياء، الموت واحد والحياة
متعددة. الترجمة عملٌ حضاري مستمر لتحسين اللفظ وبلورة المعنى من أجل تسليمه إلى
الشرح والتلخيص. لم يقُم بترجمة المنطق مترجمٌ واحد، بل قام به مترجمون عديدون،
الترجمة عملٌ جماعي وليست عملًا فرديًّا، موضوعًا مشتركًا وليست عبقريةً فردية، رؤيةٌ
حضارية وليست اختيارًا فرديًّا. قد يشترك مُترجِمان في كتابٍ واحدٍ لكلِّ منهما مقالٌ
أو
عدةُ مقالات، الترجمة إِذنْ مشروعٌ جماعي حضاري وليست مبادرةً فردية.١ يقوم المترجم بتصحيحِ وتحسينِ وإكمالِ مترجمٍ آخر من أجل سلامة النص وسلامة الأسلوب.٢ لا تعني الترجمات المُتعدِّدة للنص الواحد أكثر من مرة، والتي قد تصل إلى
أربع مرات، أيَّ نوع من الترف العقلي؛ فالحكمة ليست ترفًا بل مطلبًا أساسيًّا،
وتوجُّهًا حضاريًّا، بل تدل على الانتقال من الترجمة الحرفية إلى الترجمة المعنوية؛
فالهدف هو اقتناصُ المعنى وليس نقل اللفظ، حتى يمكن تمثُّله واحتواؤه، ثم إعادة بنائه
وصبه في التصور الحضاري العام،٣ بل إن النقل كان يتم من المعاني الثابتة في النص المنقول وليس من ألفاظه.٤
ويتمُّ إصلاحُ الترجمات ومراجعتها على بعضها البعض من أجل الوصول إلى أمثل المعاني؛
فإصلاح الترجمات يدل على الرغبة في تجاوُز الألفاظ إلى المعاني المستقلة، والرغبة في
الوصول من تعدُّد الترجمات إلى وحدة المعاني. الترجمة إذن عملٌ جماعي وليس عملًا
فرديًّا، هدفٌ ثقافي مشترك وليست مجرد اختيارٍ فردي. ويتم تدوين هذه التصحيحات كلها
في الترجمة بعد تدوين الترجمات والقراءات المختلفة، والمقارنات بين الترجمات
والقراءات والمراجعات عليها، ثم تبدأ التعليقات بعد التصحيحات ثم الشروح والتفاسير.
لا يُوجد إذن خطٌّ فاصل بين النقل والتفسير؛ كلها حلقاتٌ متصلة يُؤدِّي بعضها إلى بعض،
ويتوسَّطها التعليق الذي يربط بين الترجمات والقراءات والتصحيحات والمراجعات
والمقارنات من ناحية؛ كلُّ ذلك في نهايةِ كلِّ ترجمة حتى ينفصلَ بعد ذلك في تأليفٍ مستقل،
الانتقال من مستوى النقل إلى مستوى الإبداع،٥ هذه النهايات أشبه بالهوامش النقدية في النشر الحديث، والتي تدل على
الأمانة العلمية عندنا. وعند القدماء، بالإضافة إلى الأمانة العلمية بداية التأليف
الفلسفي؛ لأنهم يتأملون مع النص باعتبارهم أصحابه، وليسوا غرباء عنه، باعتبارهم
أصحابَ دارٍ وليسوا مُتفرجِين.٦ وتتم هذه التعليقات النقدية على النصوص بالأسود والأحمر؛ من أجل
التمييز بين أنواعها: التصحيحات، القراءات، المراجعات، المقارنات، الشروح، التفاسير
… إلخ. وتتم المقابلة على أشهر المُترجمِين والمراجعة عليهم والموافقة، كما هو الحال
في مناهج النقل الكتابي في علم الأصول، الإجازة والمُناوَلة.٧
(٢) ترجمة اللفظ وإصلاح المعنى
الترجمة للنص والإصلاح للمعنى. وإصلاحُ الترجمة بدايةُ الشرح كما أن التعليق بدايةُ
التأليف؛ فالترجمة والإصلاح والشرح والتفسير عمل جماعي.٨ وقد تتم الترجمة أكثر من مرة من نفس المترجم، وتكون الثانيةُ أكملَ من
الأولى، وأقربَ إلى المعنى؛ فالمترجم هو الذي يقوم بإصلاحٍ كلي للترجمة الأولى، هو
المترجم والمراجع.٩
إن اختلاف الترجمات ليدُل على التوجُّه نحو المعنى؛ فالسوفسطيقا تعني التظاهُر
بالحكمة أو مباكتة السوفسطائيِّين، الأولى اشتقاقًا والثانية موضوعًا، كما تعني
«التبصير بمغالطة السوفسطاليِّين «وزيادة» التبصير» من أجل التنبيه والتحذير؛ فالعلم
ليس نظريًّا فقط، بل توجُّه عملي وإرشادٌ سلوكي. ولا تُوجد ترجمة إلا وعليها تعليقات
بألوانٍ مختلفة من النُّساخ والقُراء، مما يدل على أنه منذ بداية النقل كان الشرح
والفهم والتعليق، وأن القارئ مُؤلِّفٌ مُشارِك بالترجمة والشرح والتفسير والقراءة
والتعليق إذ كان قارئًا عالمًا.١٠ الغرض من التعليق البحث عن المعنى وتصحيح اللفظ عن طريق المعنى، فإن
صعُب العُثور على المعنى، لم تَبقَ إلا الترجمة الظاهرية للَّفظ، إلى أن يتم العثور عليه.١١ المترجم شارحٌ ومُلخِّص لا إرادي، وليس ذلك ضد العِلم بل مُتَّسِق مع الموقف
الحضاري وهو عِلم؛ فالعلم رؤيةٌ حضارية وإبداعٌ جماعي وليس نقلًا طِبقَ الأصل، وإثباتُ
كل
الترجمات والمقارنة بينها من أجل إثبات المعاني المستقلة فيما وراء الألفاظ.
والمُترجِم الجيد هو الفاهم لمعاني النص، وليس فقط العارف بألفاظ اللغة التي يترجم
منها وإليها، مُتصوِّرًا إياها تمامًا كتصوُّر المؤلف الأصلي لها؛ فالمترجم مُبدعٌ مثل
المؤلف وعارفٌ باللغة واستعمالاتها مثله، فإن لم يكن المترجم غير قَيِّم بمعاني النص
دَخلَه الخلَل.١٢
(٣) الترجمة مشروع قومي
الترجمة عملٌ جماعي، قد يقوم كلُّ مترجمٍ بترجمةِ مقالةٍ من كتاب، ويتعاون عديد من
المُترجمِين في نقلِ الكتابِ كله، ثم يتداخل التعليق والسريع مع الترجمة، حتى يمكن حصارُ
الوافد وابتلاعُه وهضمُه وتمثُّله؛ فالنص أشبه بالسيناريو والشرح هو الإخراج والتجميع
هو المونتاج،١٣ فهناك ترجمات وشروحٌ عديدة لكتاب الطبيعة. وإن طريقة اختيار الشروح لَهيَ
تأليفٌ غير مباشر، يجعل النص يتكلم، والشرح يُبيِّن مثلَ مَا يحدث في المونتاج؛ فالنص
هو
السيناريو والشرح هو الإخراج والنسخ بالشرح هو المونتاج.١٤ الناسخ صاحب قضية، شارحٌ مثل الشراح حتى ولو لم يقُلْ جديدًا. وأحيانًا
يستطيع المونتاج أن يقول أكثر مما يقول المخرج؛ أي الشارح، أو كاتب القصة والحوار؛ أي
المؤلف.١٥ وقد استمرَّت الشروح حتى القرن السابع دون انقطاع؛ فالمراحل متوازية
وليست متعاقبة، الترجمة والشرح والتأليف. وتختلف الشروح فيما بينها من حيث الكم؛
فهناك الشرح الوافر وهناك التعليق القصير، كما يختلف الشكل الأدبي لها؛ فالبعض قد
تم بناءً على أسئلةٍ بناءً على الشكل الأدبي المحلي في أحكام السؤال والجواب، والمفتي
والمستفتي، ويقوم واحدٌ بجمع هذه الشروح في شرحٍ واحد جماعي يجمع بين باقي الشروح،
وتدخُل باقي الشروح بنسبٍ متفاوتة فيه.١٦ والسؤال هو: كيف تم الاختيار والتجميع وعلى أيِّ أساس؟ هل اختار المُجمِّع
طِبقًا لما كان بين يده من شروح دون أي أساسٍ نظري، مُجرَّد تجميع لأكبر قدْرٍ ممكن من
الشروح وهو المقياس الكمي الخالص، أم طِبقًا لتصوُّرٍ فلسفي خاص ورؤيةٍ فلسفية متميزة
وهو مقياسٌ كيفي؟ ويتراوح هذا المقياس بين مجرد الوضوح والفهم، وهو الأقرب إلى
الاحتمال حتى الرؤية الخاصة، وهو الأبعد عن الاحتمال نظرًا لأن الرؤية الخاصة تظهر
أساسًا في مرحلة التأليف بعد الترجمة والتعليق، شرحًا أم تلخيصًا. وهل وضع الجامع
كلَّ ما بين يدَيه من شروح؟ أم أخذ مقتطفاتٍ منها فقط طِبقًا لقراءته وتصوُّراته
واتفاقاته مع شروحه الخاصة، وهو مقياسٌ يجمع بين الكمِّ والكيف؟ وهي نفسُ قضيةِ جمع
الأناجيل من وحداتٍ أُولى متفرقة، يُوحي بعديدٍ من الدراسات على النصوص، وطبعها بطريقة
الأناجيل المتقابلة؛ كلُّ نصٍّ بالتوازي على الآخر في موضوعٍ واحد.١٧
ولا يهمُّ أيضًا شخص المترجم، هذا أو ذاك؛ فالترجمة عملٌ جماعي لا شخصي، إنتاجٌ حضاري
لا فردي، كما لا يهمُّ من هو مُؤلِّف الإنجيل بالفعل، بل النصُّ ذاته تمَّ نسبته إلى
أكثر
الناس احترامًا مثل يوحنا أو بولس.١٨ ولا تهمُّ أشخاص المُترجمِين؛ فالترجمة عملٌ لا شخصي، الحضارة تتعرف على
الثقافات المجاورة من خلال الأشخاص، والفعل الحضاري والمترجمون مُحقِّقون لهذا الفعل؛
لذلك قد تكون الترجمة مجهولة المترجم، وقد تكون منسوبةً خطأً إلى مترجمٍ آخر، وقد
تكون مشكوكًا في صحتها، لا يهم الأشخاص بقدْرِ ما تهم الأعمال. الترجمة مشروع الحضارة
وليست أعمالًا فردية تُنسب إلى أصحابها وذلك مثل الفتح، لا يُنسب إلى كل جندي أو قائد
على حدة، إنما إلى فتوح الإسلام.١٩ لا يهمُّ من ترجم؛ فالترجمة عملٌ جماعي.٢٠
كانت الترجمة والتعليق والشرح والتلخيص همًّا وطنيًّا، التزامًا ثقافيًّا،
مشروعًا قوميًّا، تجربةً مُعاشة، وليست مجرد عملٍ أكاديميٍّ مهني مفروض. قد يعيش المترجم
أو الشارح نصه، ويقوم بمهمته في يومٍ واحد؛ فالفكر لديه همٌّ والتزام، حتى ولو كان
البدن عليلًا سقيمًا. وهو مشروعٌ مشترك لدرجة أن يطلب الاحتكام إلى الآخرين؛٢١ فالشارح جزء من تراثٍ طويلٍ يستمر في مسار القدماء، ويستأنف مشروعهم
باجتهاده الخاص.
ولا فرق بين المؤلف والمترجم في مخاطبة القارئ وإشراكه في العلم؛ فالقارئ جزء من
الخطاب الفلسفي القديم، ترجمةً وتأليفًا.٢٢ وقد يكتب القارئ ملاحظاته على النص واقتراحاته اعتمادًا على نفسه أو
استشهادًا بالشُّراح الآخرِين،٢٣ فالترجمة تحوَّلَت إلى ترجماتٍ متتالية بفعل النسخ عَبْر العصور؛ فالمترجم
يعيش في النُّساخ عبر العصور وحتى قبل اختراع المطبعة، التي أعلنت موت المؤلف
والمترجم والناسخ والقارئ، موت الجميع ليحيا النص الميت، الوثيقة التاريخية التي
يبلى عليها الزمن، فتُوضع في المتاحف بعد أن تخرج من الأذهان.
١
تُرجم كتاب «السفسطة» ثلاث مرات إلى السريانية من ابن ناعمة الحمصي، وأبي
بشرٍ متى بن يونس، وثيوفيلي. ونُقل إلى العربية مرتَين من يحيى بن عدي وابن
ناعمة وربما ثالثة من ابن زرعة، والرابعة مجهول (ابن رشد: تلخيص السفسطة،
محمد سليم سالم، ص. ج. ط). وقام بترجمة كتاب «المقولات» وكتاب «العبارة» إسحاق
بن حنين، وترجمة «التحليلات الأولى» (القياس) تذاري. وترجم «التحليلات الثانية» (البرهان)
أبو بِشرٍ متى بن يونس القنائي. ونقل كتاب «الطوبيقا»
(الجدل) أبو عثمان سعيد بن يعقوب الدمشقي، وترجمة المقالة الثانية منه
إبراهيم بن عبد الله الكاتب من السرياني بنقل إسحاق عن اليوناني. ونقل
«إيساغوجي» فورفوريوس أبو عثمان الدمشقي.
٢
كتاب النبات المنسوب لأرسطو، تفسير نيقولاوس، ترجمة إسحاق بن حنين وإصلاح
ثابت بن قرة، في النفس، ص٢٤٣–٢٨١.
٣
يرى د. عبد الرحمن بدوي أن الترجمات العديدة للنص الواحد تُؤذِن بأنهم
تقدَّموا أشواطًا بعيدة في الترف العقلي، أو بلوغ مرحلة التدقيق والترف، وهما
غرضان متباينان بل ومتضادان؛ فالتدقيق غير الترف (منطق، ج١، ص٧).
٤
مثبت في كل صفحٍ ما نقله كلُّ واحد وغيره عن المعاني الثابتة في ذلك الصفحِ
(منطق، ج٣، ص٧٣٧).
٥
نقَل تيادورس التحليلاتِ الأولى إلى العربية، ثم عَرضَه على حنين فأصلحه، كما
يروي ابن النديم (منطق، ج١، ص١٦-١٧) «أصلحت ترجمة التحليلات الأولى بمراجعتها
على ترجمة إسحاق، ثم فَصلَت التعليقات الوضع الذي انتهى نقل حنين عنده وبدأ
نقل إسحاق» (منطق، ج١، ص١٧-١٨).
٦
المقالة الثالثة من الطوبيقا بها تعليقان بالأسود، تعليقاتٌ أخرى تصحيح عن
السرياني، تفسير ونقلٌ آخر، نقلٌ آخر لإسحاق، مراجعات، تصحيح عن السرياني،
وتفسير ونقلٌ آخر، نقلٌ آخر لإسحاق، مراجعات، تصحيح عن السرياني، قراءات عن
السرياني، تصحيح ونقل عن السرياني، نقول عن السرياني، مراجعات عن ترجمة
إسحاق، شروحٌ صغيرة، قراءة عن السرياني بنقل إسحاق، نقل لإسحاق، ونقل لأثانس،
نقب عن نقل إسحاق للسرياني، مقارنة بين الدمشقي وأثانس (منطق، ج١، ص٢٦-٢٧). في
الكتاب الثامن لطوبيقا مقارنة بنسخةٍ أخرى، نقل من إسحاق، تعليق (منطق، ج١،
ص٢٨)، وفي سوفسطيقا تعليقات على اختلاف النقول وضعها الحسن بن سوار وعدة
شروح وتفسيرات (منطق، ج١، ص٢٩)، ثم مدخل فرفريوس الموسوم بإيساغوجي نقل أبي
عثمان الدمشقي، قُوبل به نسخةٌ مقروءة على يحيى بن عدي فكان موافقًا (منطق، ج٣،
ص١٠٦٨).
٧
نقلت عن نسخة كتاب سوار التي صحَّحها من نسخ نظر فيها على أبي بشر فرجع
بالخلاف بين النسخ إلى السرياني وأصله على ما أوجبته النسخ السريانية، قُوبل
بالمقالة الأولى، و(منطق، ج١، ص٥٣١-٥٣٢)، وقد كتبتُ هذه الجملة ليعلم من يقع
إليه هذا الكتاب صورة أمره، والسبب في إثباتي جميع النقول على السبيل المسطور (منطق،
ج١، ص٣٠–٣٢، ج٣، ص١٠١٧-١٠١٨)، وكذلك قام ثابت بن قرة بإصلاح ترجمة إسحاق بن حنين
لكتاب النبات المنسوب إلى أرسطو (النبات، في النفس، تصدير، ص٤٧–٥٣).
٨
نقل كتاب السماء يوحنا ابن البطريق وأصلحه حنين، ونقل أبو بشر بعض
المقالة الأولى ولكن هناك شك حول ترجمة الكندي أم إنه أصلحه كما فعل ابن
البطريق.
٩
ترجم إسحاق بن حنين كتاب النفس لأرسطو إلى العربية بعد أن ترجمه أبوه من
اليونانية إلى السريانية، ونقله إسحاق مرتَين: الأولى ناقصة، والثانية كاملة
(في النفس، تصدير، ١٤–٢٤).
١٠
في هوامش المقالة الأولى من كتاب أرسطوطاليس المسمى بطوبيقا؛ أي الخطابة،
تعليقاتٌ بالأحمر والأسود، والتصحيحات بالأسود والتعليقات بالأحمر، وكلها
تشير إلى الرجوع إلى الأصل اليوناني (منطق، ج١، ص٢٠).
١١
في هذه المقالة الثانية من كتاب «طوبيقا» مواضعُ يسيرةٌ ترجمناها على ما
أوجبه ظاهرُ لفظها، ولم يَصحَّ لنا معناها ونحن نُراجع النظر فيها، فما صحَّ لنا
معناه منها نبَّهْنا عليه» (منطق، ج٢، ص٥٣١).
١٢
قال الشيخ أبو الخير الحسن بن سوار لمَّا كان الناقل يحتاج في تأويله
المعنى، إلى فهمه باللغة التي منها ينقل، إلى أن يكون مُتصوِّرًا له كتصوُّر
قائله، وإلى أن يكون عارفًا باستعمال اللغة التي منها ينقل، والتي لها ينقل،
وكان أثانس الراهب غير قَيِّم بمعاني أرسطوطاليس فإنه داخلَ نقلَه الخلَلُ لا
محالة. ولمَّا كان من نقل هذا الكتاب من السريانيِّين بنقل أثانس إلى العربية
ممن قد ذكر اسمه لم يقع إليهم تفسيرٌ له، فإنهم تَحوَّلوا على أفهامهم في إدراك
معانيه؛ فكلٌّ اجتهد في إصابة الحق وإدراك الغرض الذي إياه قصد الفيلسوف،
فغيروا ما فهموه من نقل أثانس إلى العربية؛ فلأننا أحببنا الوقوف على ما
وقع لكلِّ واحدٍ منهم، كتبنا جميع النقول التي وَقعَت إلينا ليقع التأمُّل لكل
واحدٍ منها، ويُستعان ببعضها على بعضٍ في إدراك المعنى. وقد كان الفاضل يحيى بن
عدي فسَّر هذا الكتاب تفسيرًا رأيتُ منه الكثير وقدَّرتُه نحوًا من ثلثَيه
بالسريانية والعربية وأظن تمَّه، ولم يُوجد في كتبه بعد وفاته. وتصَرَّفَت بي
الظنون في أمره؛ فتارةً أظن أنه أبطله؛ لأنه لم يرتضِه وتارةً أظن أنه سُرق،
وهذا أقوى في نفسي، ونقل هذا الكتاب النقل المذكور قبل تقسيمه إياه؛ فلذلك
لحِق نقلَه اعتياصٌ ما؛ لأنه لم يُشارفِ المعنى واتبعَ السرياني في النقل (منطق،
ج١، ص٣٠–٣٢).
١٣
وعلى ظَهرِ الجزء الأول من كتاب الطبيعة الجزء الأول من السماع الطبيعي
لأرسطاطاليس نقل إسحاق بن حنين، قراءة محمد بن علي البصري على أبي علي الحسن
بن السمح وفيه توليفة عنه، وعلى ظهر الجزء الثاني من كتاب السماع الطبيعي
لأرسطوطاليس نقل إسحاق بن حنين، وفيه تعليق عن أبي علي الحسن بن السمح وعلَّقه
عنه محمد بن علي البصري، وزاد على ظهر الثالث «ومن كلام متى»، وزاد على ظهر
الرابع «ومن كلام أبي بشر متى ومن كلام يحيى»، وفي الخامس «ومن كلام يحيى
وأبي بشر متى» (الطبيعة، ج١، ص٧٦-٧٧).
١٤
أَقدمُها ترجمة سلام الأبرش من النقَلة القُدماء في أيام البرامكة في النصف
الثاني من القرن الثاني. وهناك ترجمة إسحاق بن حنين (٢٩٨-٢٩٩ﻫ).
١٥
هذه هي طريقة اختيار أبي الحسين محمد بن علي البصري، نسخ وشروح كتاب
الطبيعة؛ فمثلًا في الهامش «قلت أنا (أبو الحسين محمد بن علي البصري) ظاهر
كلام أرسطو من هذا الفصل يقتضي أن …»
١٦
أهم التعاليق والشروح لكتاب الطبيعة هي: شرح الفارابي (٣٣٩ﻫ) وقد ترجمها
جيرارد والكريموني وقد ضاعت، شرح ابن الهيثم (٤٣٠ﻫ)، شروح علي بن رضوان
المصري (٤٥٣ﻫ)، شرح ابن باجة، وشرح عبد اللطيف بن يوسف البغدادي (١٢٩ﻫ).
أمَّا الشروح المطبوعة فهي لأبي علي الحسن بن السمح (٤١٨ﻫ) وهو أوفرهم، ويحيى
بن عدي (٣٦٤ﻫ)، وأبي بشر متى بن يونس (٣٢٨ﻫ)، وشرح ليحيى يَرِد في ثنايا كلام
لثامسطيوس ويكثر في الثالثة والرابعة (الطبية، ج١، ص١٨–٢٨)، وابتداءً من النصف
الثاني من المقالة السادسة يظهر شرح أبي الفرج (٤٣٠ﻫ).
١٧
جامعُ الشروح ومُرتِّبها هو أبو الحسين محمد بن علي البصري، وكان القسط الأكبر
من الشرح لأبي علي بن السمح ويحيى بن عدي على قدْرٍ متساوٍ تقريبًا ٤٠٪ كلٌّ
منهما، ويُوازِي نصيب أبي بشر نصيب ابن الفرح ١٠٪ كلٌّ منهما (الطبيعة، ج١،
ص٢٥).
١٨
اختلف الباحثون من هو مترجم كتاب «المقولات» هل هو إسحاق بن حنين (فينستن،
بدوي) أَمْ حنين نفسه (ابن النديم) وأن إسحاق من بين الذين وضعوا للكتاب
مختصراتٍ وجوامعَ مُشجَّرةً وغير مشجرة. ومنهم ابن المقفع وابن بهريز والكندي
وأحمد بن الطيب والرازي، ويرى مولر أنه حنين لأن له كتاب «قاطيغورياس» على
رأي ثامسطيوس. ويفترض شتينشنيدر استخدام ترجمة حنين إلى السريانية (منطق، ج١،
ص١٥-١٦). ولا يهم أيضًا من هو تذاري الذي نقل التحليلات الأولى، هل هو
تيادورس أبو قرة أسقف حران (١٢٨–١٦٠ﻫ) أم هو أسقف الكرخ في بغداد
(اشتينشنيدر) والذي ذكره ابن أبي أصيبعة في طبقات الأطباء (منطق، ج١،
ص١٧).
١٩
نقَل كتاب «سوفسطيقا» (السفسطة) عيسى بن زرعة مع نقلٍ قديم منسوب إلى أبي
ناعمة الحمصي. وفي نقل «الخطابة» شكٌّ في مترجمه هل هو إسحاق بن حنين أو أبو
عثمان الدمشقي أو ناقل مجهول (الخطابة، ص٩–ل).
٢٠
ترجم قسطا بن لوقا النصف الأول من السماع الطبيعي بتفسير يحيى النحوي
الإسكندراني، وهو أربع مقالات، وترجم النصف الثاني ابن ناعمة في أربع
مقالات أيضًا (طبيعة، ج١، ص١٧–٢٨).
٢١
«قد أتيتُ بغاية ما أمكنني من الاختصار في سحابةِ يومٍ واحد، وأنا في علةٍ
صعبةٍ ما حضرني الشك فيه من كتاب مقسيموس العجيب، الذي ألتمس فيه أن يُثبِت أن
القياسات الحملية التي في الشكل الثاني والشكل الثالث كاملة بذاتها، لا
تحتاج إلى برهان، ولا إلى أن تُحلَّل إلى الشكل الأول. ودفعته إليك لتحكم فيه
وتنظر إن كان فيه شيء من القول يصلح لك أيها الكريم لأنك المستحق لهذا
البر. ولم أفعل ذلك لأني أرى أني أحكم من هذا الرجل، بل أرى أن الأشياء
التي يراها القدماء ويعتقدونها أصح وأقوى من كل استخراجٍ محدث؛ ولذلك رأيتُ
أنه ينبغي ألا تكون مناقضتي لمقسيموس بأكثر من نصري لأرسطو» (مقالة ثامسطيوس
في الرد على مقسيموس في تحليل الشكل الثاني والثالث إلى الأول، أرسطو عند
العرب، ص٣٠٩)؛ «وذلك أن هذا الرأي في الأشياء التي تُقال على هذه الجهة
بالطبع رأيٌ قد أجمع عليه القدماء» (ص٣١١)، (تفسير المفيدروس لكتاب أرسطاطاليس
في الآثار العلوية نقل حنين بن إسحاق وإصلاح إسحاق بن حنين في شروح على أرسطو
مفقودة في اليونانية ورسائل أخرى، حققها وقدم لها د. عبد الرحمن بدوي، دار
المشرق، بيروت، ١٩٨٦م، ص٨٣).
٢٢
ديسقوريدس: مقدمة كتاب الحشائش والأدوية، ص٢٧، ٣١.
٢٣
أرسطو: الأخلاق، في الهامش ويمدحون، لخصه القاضي، ص١١٩، ١٢٦-١٢٧، ١٢٩،
١٣١، ١٣٨-١٣٩، ١٤١، ١٤٦-١٤٧، ١٩٢، ٢٤٣، ٢٨٥-٢٨٦، ٢٨٩، ٣٠٣، ٣٢٩،
٣٥٠.