(١) النص والشرح
إن ترجمة التفسيرات اليونانية مع النص اليوناني لتدُل على احترام النص وتُراثه من
عقليةٍ شبيهة تُقدِّس النصوص والتراث، وفي حضارة قامت على مركزية النص القرآني ونشأة
العلوم التراثية منه وحوله في دوائر. وقد قام بذلك الشراح اليونان مُفسرِين النص
الأرسطي اعتمادًا على الفلاسفة السابقِين على سقراط، الطبائعيِّين الأوائل الذين
تحدَّثوا عن الماء والهواء والتراب والنار، العناصر الأربعة كتاريخ، قبل أن تتحول إلى
نظريةٍ في الأسطقسات عند أرسطو.
١ وكانت البداية أرسطو لأنه أهم سلطة في الفكر، ومن أجل ربط الفكر
بالتاريخ واستمرار الحضارة من الماضي إلى الحاضر، من أصولها إلى فروعها، من جذورها
إلى ثمارها.
ولا ضير من ترجمة شروحٍ وتفسيراتٍ حضارية أخرى؛ فلا فرق بين النص وشرحه، كله وحدة
واحدة ومعنًى متكامل دون تمييزٍ بين نص المؤلف ونص الشارح؛ فالغاية من الشرح الحفاظ
على وضوح المعنى وتجاوز حرفية الترجمة، حتى بعد إصلاحها من مترجمٍ آخر، فإصلاح
الترجمة حلقة متوسطة بين الترجمة والتعليق، كما أن التعليق حلقةٌ متوسطة بين الترجمة
والشرح. وقد يُغيِّر الشارح العنوان نفسه ويزيد عليه لفظًا من أجل بيانه، كما أضاف
الشراح وربما الإسكندر إلى كتاب أرسطو «السماء» لفظ «العالم»، فعرف بعد ذلك باسم
كتاب «السماء والعالم» منذ عصر بطليموس. ويحاول الشراح استقراء أرسطو في التاريخ
والتحقُّق من شُراحه.
٢ وإنها مهمة الشارح الأوروبي معرفة العمليات الحضارية بين الشارح
اليوناني والنص اليوناني فهو أدرى بها، ويعيش فيها أكثر منا، تلك هي ثقافته
الوطنية. أمَّا الباحث منا فيمكن وصف هذه العمليات قياسًا على ثقافته وقدرته على وصف
التاريخ المُعاش.
٣ المطلوب قراءة شرح ثامسطيوس لحرف اللام؛ لرصد العمليات الحضارية
انتقالًا من النص إلى الشرح، ما المَحذوف وما المُضاف؟ ما الظاهر وما المُؤوَّل؟ وتلك
مهمة الشارح الأوروبي. مهمَّتنا نحن معرفة شرح المُسلمِين بالمؤازرة مع النص الأصلي أو
مع الشرح.
٤
والشارح اليوناني له فضل السبق في التاريخ؛ فهو أكثر التصاقًا بالحضارة اليونانية
كبيئةٍ ثقافية تاريخية. ومع ذلك قد يفوقه الشارح الإسلامي عقلًا ومقدرة، على فهم
معنى النص من حضارةٍ إلى أخرى أكثر عقلانية واكتمالًا. وقد يكون الوعي المطابق بين
الشارح وموضوعه أقل قدرةً على الشرح من الوعي المغاير؛ نظرًا لعدم وجود مسافةٍ كافية
في الحالة الأولى تكفي للرؤية عن بُعد وتوفُّرِها في الحالة الثانية. وهو حال
الوعي العربي الآن في التعامُل مع الحضارة الغربية، وقُدرتِه على الحكم عليها أكثر من
الوعي الأوروبي نفسه؛ نظرًا للتمايُز الكافي بين الذات العارفة وموضوع المعرفة. وإن
ترجمة الشروح أيضًا إنما تدُل على احترام النص، وكلِّ ما قيل حوله كتراثٍ نصِّي له،
والاستفادة منه في استقرار المعنى. ويعتمد الشُّراح اليونان على بعضهم البعض، مثل
اعتماد ثامسطيوس على شروح أندرونيقوس والإسكندر وفرفوريوس. وقد يقوم الشراح
المسلمون بشَرح الشراح اليونان شرحًا أو تأليفًا.
٥
ولم تكن الترجمة لنصوص أرسطو وحدها بل أيضًا لبعض شروحها، مثل شرح ثامسطيوس لكتاب
النفس لأرسطو. وهنا يزدوج النقل الحضاري، من النص اليوناني إلى الشرح اليوناني
لثامسطيوس، ومن الشرح اليوناني إلى النقل العربي لإسحاق بن حنين؛ فقد يقوم حنين بنقل
شرح ثامسطيوس بكلِّ ما فيه من قراءة للنص الأرسطي، وقد يقوم بإسقاط هذه القراءة عودًا
إلى النص الأرسطي. وقد يقوم بإسقاط هذه القراءة عودًا إلى النص الأصلي، ثم نقلًا له
مباشرة من منظور الحضارة الإسلامية. وقد يكون مقدار النقل الحضاري لثاسطيوس أقل
بكثيرٍ من مقدار النقل الحضاري لإسحاق، الأول نقل إلى الداخل؛ فالمسافة بين المقروء
والقراءة ليست كبيرة، والثاني نقل إلى الخارج؛ فالمسافة بين المقروء والقارئ بعيدة.
قد يبدو الشرح الداخل أحيانًا غير دال، لغويًّا صرفًا، «موضوعيًّا». في حين أن الشرح
الخارجي قد يبدو ممثلًا للنقل الحضاري؛ لأن النص ينتقل من حضارةٍ إلى أخرى. الشرح
داخل الحضارة يكون أقل دلالة؛ لأن منظور النص هو منظور الشرح، والخلاف بين المنظورَين
في الدرجة وليس في النوع. في حين أن الشرح من خارج الحضارة يكون أكثر دلالة؛ لأن
منظور الشرح غير منظور النص، والخلاف بين المنظورين في النوع وليس في الدرجة. الشرح
من داخل الحضارة أقرب إلى منظور المؤلف، والشرح من خارج الحضارة أقرب إلى منظور
الشارح باعتباره مؤلفًا ثانيًا. وإذا كانت هناك عملياتٌ حضارية داخل الحضارة، فلا
يدركها إلا اليوناني الذي يعيش عصر الشرح، أو غير اليوناني الذي يعرف منطق الشرح في
حضارته وحضارات الآخرِين. وبطبيعة الحال تختلف الترجمة العربية عن الشرح اليوناني،
كما يختلف كلاهما عن النص اليوناني؛ لأن الترجمة العربية أقرب إلى الشرح أو التلخيص
للشرح منها إلى الترجمة المطابقة؛ لذلك أتت تعليقات الناشر غيرَ دالةٍ على منطق النقل
الحضاري.
٦
ويظهر مستوى النقل الحضاري للترجمة العربية لشرح ثامسطيوس على كتاب النفس لأرسطو،
من مستوى العقل الخالص إلى مستوى العقل الإلهي. ويظهر لفظ الله من منظور المترجم
العربي بكل ألقابه مثل «تعالى» أو أسمائه «مثل الصانع» وإدخال العقلي الخالص في
إطار العقل الإلهي. وتتحدث الترجمة العربية للشرح اليوناني عن أفعاله تعالى وعلمه
تعالى، وعدم جواز الجهل عليه (أبنادقليس)، ووجوده في كل مكان (زينون). وهو أيضًا
الصانع يحتوي على أي معقولاتٍ شاء ويخلقها؛ فالله هو الموجودات وهو المنعم بها.
وليس الله هو العقل الفعَّال الأوَّل، بالرغم من أنه غير مائتٍ أبدي، المحرك للأجرام
السماوية.
٧
والعقل شيءٌ إلهي غيرُ منفصل كما نادى بذلك أرسطو، جوهره وفعله شيءٌ واحد غيرُ مائت
مفارق، والطبائع إلهية والأمر إلهي، والمثال إلهي والجسم إلهي، وأفلاطون إلهي،
ويعني لفظ إلهي هنا العظيم المُبجَّل. والعقل الإلهي المفارق لا يعقل شيئًا من الأمور
المشوبة بالهيولى، كما أن العقل الهيولاني لا يعقل شيئًا من الأمور المفارقة،
٨ بل ويظهر الله في الأسلوب في تعبير «اللهم»، كما يظهر في فواتيح كل
مقالة بالبسملة والحمدلة، سواءٌ كان ذلك من الشارح أو الناسخ أو القارئ،
٩ وكذلك خواتيمها بالحمد لله رب العالمين.
١٠
والشرح كنوعٍ أدبي أقرب إلى المقالات القصيرة في صيغةِ فتوى، سؤال وجواب، وإثارة
شكوك، تم الانتصار لأرسطو كما يبدو ذلك من مقالات الإسكندر؛ ففي بداية المقال
ونهايته تنبيه على الوضع الحضاري للمقال، إجابة على سؤال في البداية مثل الفتوى، ثم
بيان القصد والانتفاع في النهاية، والاجتهاد قدر العلم، والخطأ فيه لا يعني عدم
صوابه، كما هو الحال في تواضُع الفقهاء. ومع ذلك ينتهي إلى رأي ويدعو إلى الانتصار
إليه؛ فالثقافة التزام، بل يتلمس الإسكندر أسباب وجود الآراء غير الصحيحة، ويجدها
ثلاثة: الأول طلب الرياسة والغلب مما يصدر في الحق، والثاني صعوبة الموضوع الذي
يحتاج إلى الدقيق من الكلام، والثالث عجز الطبيعة عن إدراك الحقائق. وعلى الرغم من
هذه الآراء المظنونة، فإنه لا يجب نفي الرأي الصائب؛ نظرًا لإمكانية البرهان عليه
والذهاب إلى الشرح نفسه؛ فالبرهان العقلي والتجربة الشخصية طريقان إلى يقين،
والشكوك فيه لا تنفي صحته، بل يمكن الوصول إلى اليقين فيه بطرق اليقين، بالرغم عن
الشكوك والآراء المعارضة. ومقياس الاختيار أيضًا بين الآراء عندما يكون الرأي
أصلحها للتعبير عن الله عز وجل؛ فالله نموذج اليقين، ويمكن إصلاح الآراء الأخرى
بحيث تتفق مع العلم الإلهي. يبدو الإسكندر هنا وكأنه حكيم أو صوفيٌّ إسلامي قبل
الإسلام، استطاع الوصول إلى ما وصله إليه الحكماء المسلمون عن طريق العقل الخالص،
وارتقاء الوعي الإنساني.
١١
(٢) المراجعة والتأليف
والنص منذ البداية ليس كذلك؛ أي ليس هو نص المؤلف، بل هو نص الشراح اليونان؛ لذلك
قام المترجمون بنقل النصوص ونقل الشروح. يعتمد الشرح على المجهود الفردي أولًا
للمترجم، ثُم على أقوال الشُّراح اليونان ثانيًا مثل أقوال الإسكندر.
١٢
فهناك تفسيرات عديدة للإسكندر لكتاب الطبيعة لأرسطو دخلت ضمن التعليقات والشروح؛
١٣ فالتفسير عملٌ جماعي، لا فرق بين الترجمة والتفسير والشرح والتعليق، لا
فرق بين النص اليوناني شرحه، ولا فرق بين الشراح اليونان، الإسكندر أو ثامسطيوس.
ولا فرق بين النص اليوناني في جملته أو في بعض أجزائه؛ فالمهم الأفكار والمعاني
التي تضبط النصوص، الكيف الذي يسيطر على الكم. ولا يهم ترجمة الكتاب كله أو بعض
أجزائه؛ فالمهم أيضًا هي الأفكار. هي كلها شروحٌ جيدة الفهم، تدُل على عمق الدراسات
في القرنَين الرابع والخامس. لا فرق بين الشارح اليوناني؛ الإسكندر، فرفريوس،
ثامسطيوس، أو الشارح العربي، يحيى بن عدي. أحيانًا يتم الاعتماد على الشارح
اليوناني بمفرده، وأحيانًا أخرى مع الشارح العربي منفصلًا عنه أو مدمجًا فيه، ما دام
القصد هو المعنى المستقل. قد يكثر أو يقل الشارح اليوناني في العربي طبقًا للمعنى.
١٤
ويُراجع المترجم الشراح اليونان والشراح النصارى والمترجمِين العرب الآخرِين، ويعتمد
على قول أرسطو نفسه لتأييد موقفه وكمقياس للاختيار، والكل يروي عن الأصل وهو أرسطو
كما هو الحا، فيما رواه الحديث عن النبي لنشر المعارف ونقل العلوم.
١٥ هناك رواية من الدرجة الأولى؛ أي السماع المباشر، عندما يسمع المترجم عن
مترجمٍ آخر. وهناك رواية من الدرجة الثانية، عندما يسمع المترجم عن مترجمٍ مجهول،
وحلقات متوسطة مجهولة، كما هو الحال في المقطوع والمُرسل في علم الحديث. يُصحِّح
المترجم أو الشارح العربي النصراني للشارح اليوناني فهمه؛ لعدم إصابته في فهم النص،
ويعتمد التعليق على الشراح اليونان تأييدًا أو نقدًا، اعتمادًا أو رفضًا، مما يدل
على أن التعليق شرح يتعامل مع الشروح الأخرى. ليس المعلق الجديد تابعًا للشراح
اليونان ولاهثًا وراءهم، بل هو رفيقُ طريق، تقابل معهم عرضًا في مهمة الشرح.
١٦ وقد يُرجع التعليق الخلاف بين الترجمات إلى الشراح اليونان.
١٧ وقد كانت مادة إدماج الشروح في النص أيضًا عادة الشراح اليونان، دون أن
يُقال عنهم إنهم وقعوا في الخلط وإساءة الفهم، كما يُقال عن الشراح العرب، نصارى
ومسلمِين.
وقد اعتمد المترجمون على الشراح اليونان في حالة المراجعة والمقارنة والتصحيح
استرشادًا بهم خاصة الإسكندر الأفروديسي؛ فلم يترجموا النصوص اليونانية الأصلية
فقط، بل أيضًا شروحها اليونانية عند أهلها، مثل شروح الإسكندر على أرسطو. وقد يُفهم
قول الشارح اليوناني بقول أرسطو، فيتحول الشرح إلى نص والنص إلى شرح.
١٨ لم تكن محاولة تعرُّف الشراح العرب على الشراح اليونان جريًا وراء
اليونان، بل من الحرص على التراث اليوناني كله أصلًا وشرحًا. وقد يدخل الشراح العرب
في حوارٍ مع أرسطوطاليس ومع الشراح اليونان، من أجل تركيب الجدل وبحث القضايا.
١٩
وتعتمد التعليقات أيضًا على شراح أرسطو اليونان، الإسكندر، و«ثامسطيوس» ويحيى،
وسمبليقيوس، فهل قام هؤلاء الشراح بأية عملياتٍ حضارية تالية أم كانوا مجرد شراح؟
وإذا كانوا قاموا بنقلٍ حضاري داخل الحضارة اليونانية طبقًا لمراحل تطوُّرها، فهل
قاموا بذلك عن وعي أو عن غير وعي؟ ما يهمنا هو نقل النص من حضارةٍ إلى أخرى وليس
شرح نصٍّ داخل حضارته. ولماذا استعمل الشراح العرب الشراح اليونان؟ هل لأن الشراح
اليونان أكثر إلهية من أرسطو؟ أم إنهم قاموا بنفس العمليات الحضارية بالنسبة إلى
العقيدة المسيحية؟ لقد قام الشراح اليونان بتطويع النص حضاريًّا قبل الشراح العرب؛
وبالتالي وجد الشراح العرب أمامهم النص ممهدًا سلفًا، أو على الأقل نموذجًا
للتطويع؛ ومن هنا جاءت إشاراتهم المستمرة إلى الإسكندر، «قال الإسكندر» أو إلى غيره
من الفرق اليونانية مثل الرواقيِّين. وتدُل معظم هذه الإشارات إلى الإلهيات الغائية في
النص اليوناني الأصلي.
٢٠ ويظل السؤال قائمًا: هل كان للشراح اليونان مشروعٌ حضاريٌّ مسيحيٌّ
يونانيٌّ، أم كانوا مجرد أكاديميِّين، نَشِب بينهم باعتبارهم تلاميذَ لأرسطو خلافٌ على
المدرسة تأويلًا وقيادة؟ صحيح أن الشراح اليونان؛ الإسكندر، وثامسطيوس، وسمبليقوس،
ويحيى النحوى كانوا يونانيِّين وليسوا مسيحيِّين، ومع ذلك يظل السؤال: هل كان للجو
المسيحي العام، الروح الجديدة للحضارة اليونانية، أثَرٌ على شُراح اليونان؟ ويمكننا
قراءة الشراح اليونان بإمعانٍ أكثر؛ فلربما تُوجد عملياتٌ حضارية وراء شروحهم، تكشف
تطوُّرِ ثمانيةِ قرونٍ، أربعة قبل الميلاد وأربعة بعد الميلاد. وتلك مهمة الباحث الأوروبي
لمعرفة العمليات الحضارية من النص اليوناني إلى الشارح اليوناني؛ فهو أدرى بها
ويعيشها أكثر منا؛ فتلك ثقافته الوطنية، كما تتم الإحالة إلى ثامسطيوس وإلى فرفوريوس.
٢١
وعندما يُشار إلى أن الشارح يتكلم في موضوع «حسب رأي أرسطاطاليس»، فإن ذلك يعني
استقلال الموضوع عن المؤلِّف، وأن المؤلف له رأيٌ في الموضوع المستقل عنه. وهذا
الموضوع فيه آراءٌ متعددة لأرسطو ولغيره من الشراح. الشرح إذن بداية التمييز
بين النص والمؤلف، حتى يستقل الموضوع عن الشارح نفسه على يد العارض أو الفيلسوف المبدع،
كما استقل من قبلُ عن المؤلف. وأحيانًا لا يُذكر اسم المؤلِّف، فلا يهم أن كان أرسطو
أم
أفلاطون، المهم القول المستقل.
٢٢
والشراح اليونان مثل الشراح المسلمين، ليسوا فقط شراحًا بل هم أيضًا مؤلفون،
٢٣ وذلك مثل نيقولاوس الذي يشرح أرسطو ويؤلف في موضوعاته مثل الفلسفة
الأولى، والنفس، والعالم، ومبدع في موضوعاته الخاصة مثل الآلهة، ربما لدافعٍ مسيحي
أو لجوٍّ مسيحيٍّ عامٍ سابق على ظهور المسيحية، وكما لا يمكن الفصل بين نص أرسطو والشراح
المسلمين، كذلك لا يمكن الفصل بين نص أرسطو والشراح اليونان. ويكون السؤال في حالة
الشراح اليونان، ماذا يعني الشرح والتلخيص؟ وما هي طبيعة العمليات الحضارية التي
كانت وراء الشرح اليوناني؟ هل هناك مشروعٌ حضاري يوناني عَبَّر عن نفسه في الشرح
والتلخيص، كمقدمة للعرض والتأليف مثل المشروع الحضاري الإسلامي، أم إن التطابق بين
وعي الشارح والوعي المشروح، حيث لا تغايُر ولا مسافة كافية بين الذات العارف وموضوع
المعرفة، تجعل الشرح اليوناني مجرد إيضاح، دون تمثل أو احتواء أو إبداع، كما هو
الحال في الشروح في الحضارة الإسلامية؟ فشروح ثامسطيوس على أرسطو تمتاز بالوضوح
والبساطة، وهي عروضٌ مُوسَّعة
Paraphrases. ولا يُقلِّل
ذلك من قيمتها؛ فليس الغرض هو النص التاريخي بل إعادة إنتاج النص في العرض، ولو
كانت قيمتها ضئيلةً لما اتسع انتشارها.
٢٤ ولا فرق بين النص والشرح؛ فنص الفصل السادس من شرح ثامسطيوس نصٌّ مُوجَز من
الكاتب أو الناسخ. اسم الكتاب شرح ثامسطيوس أو تفسير ثامسطيوس؛ فالشرح تفسير،
والتفسير شرح، ويسميه ابن سينا تلخيصًا، وكذلك ابن رشد؛ فلا فرق بين هذه الأنواع
الأدبية. ويشمل التأليف عند الشراح، الإسكندر الأفروديسي نموذجًا، الموضوعات
الفلسفية الخالصة مثل الكل والعقل والأضداد، والموضوعات العلمية الخالصة مثل اللون
والإبصار والحس والمحسوس، والأجرام السماوية والزيادة والنمو والنفس والزمان.
٢٥
(٣) التأول الديني
لقد قام الإسكندر بنفس العمليات الحضارية التي قام بها الشراح المسلمون، وهي نقل
النص الأرسطي العقلاني الخالص في بيئةٍ دينية مسيحية. وكان من السهل الربط بينهما
نظرًا للطابع المثالي للفلسفة اليونانية، الذي يتفق مع الطابع الديني للفلسفة
المسيحية. وجد الشراح المسلمون الطريق ممهدًا عند الإسكندر، فسهل عليهم الأمر،
فوجدوا الإسكندر يونانيًّا مسيحيًّا وليس يونانيًّا خالصًا. ولمَّا كان الإسلام
والمسيحية يشاركان في نفس المنظور الديني، كان من السهل أن يصبح الإسكندر يونانيًّا
مسيحيًّا إسلاميًّا من خلال الشراح المسلمين. لا يعني ذلك اعتماد الشراح والفلاسفة
المُسلمِين على الإسكندر، بل يعني أن كليهما كان مدفوعًا بنفس الدوافع الدينية مثل
إثبات العقل المفارق؛ فعند الإسكندر العقل الفعَّال هو الله، خالد غير فاسد، وقديم
وواحد. والغريب أن تقوم الثورة في العالم المسيحي ضد الإسكندر، في حين يدافع عنه
المسلمون ويتبنَّونه ويتمثَّلونه ويحتوونه، فلماذا خاف منه المسيحيون؟ هل لأنه يقول
بالعقل المفارق، في حين أن المسيحية الرسمية تقول بالحلول، حلول الله في السيد
المسيح؟ هل هو خوف من إثبات عقلٍ مفارق متمايز عن الله المتجسد، وبالتالي إثبات
إلهَين، إله الفلاسفة وإله المتدينِين، والوقوع في الشرك؟ ولماذا قام يحيى النحوي
بنزعته الدينية بالحملة على الإسكندر؟ فالنفس لديه بسيطةٌ روحية خالدة خالصة، والعقل
حين يعقل يتحد بالمعقول. والعقل هو عقل الإنسانية كلها، وهو عقل يُحيي؛ لأن
الإنسانية تحيا أبدًا كما هو الحال عند ابن رشد.
٢٦
أمَّا الشراح والفلاسفة المسلمون فقد قبلوا الإسكندر. ولا يعني تقسيم الكندي
الرباعي للعقل، أيَّ أثَرٍ للإسكندر، إنما هو تفصيل للعقل الثاني عند الإسكندر، وهو
العقل بالملَكة إلى عقلَين: الأول من القوة إلى الفعل، والثاني العقل البياني لمزيدٍ
من التفصيل في وظائف العقل. أمَّا صفات العقل الثالث، وهو العقل الفعال عند الإسكندر،
فلا تُوجد في صفات العقل بالفعل عند الكندي؛ لأن الكندي عقلاني وليس صوفيًّا
إشراقيًّا كالإسكندر، وسواء غاب العقل الإشراقي عند الكندي أو حضر، فإنه عند
المستشرق قد تأثَّر بالإسكندر، ولا يُعقل ألا يتأثَّر أحد في الأطراف بحضارة المركز،
وكيف يخرج الفرع عن الأصل؟ كذلك فصل الفارابي العقل بالملَكة عند الإسكندر إلى
عقلَين، عقلٍ بالفعل وعقلٍ مستفادٍ زيادةً في التفصيل،
٢٧ أمَّا ابن سينا فهو الذي أبقى على الطابع الإشراقي للإسكندر وقسم العقل
بالملَكة، العقل الثاني عنه الإسكندر، إلى عقلٍ بالملَكة وعقلٍ مستفاد. كما سمى العقل
الفعال عند الإسكندر العقل القدسي؛ فالعقل الفعال يشرق في النفس، ويعلم الإلهيات،
ويعرف الباري جل ثناؤه، وبالتالي اتحدت صفات العقل الفعال بصفات الله. لقد استعمل
ابن سينا كلَّ ما هو موجود لديه من الشراح اليونان لاحتوائه داخل نظرته الكلية، وأقام
مذهبًا تختفي فيه المصادر في البِنية، وتذوب فيه الفروع في الأصول، والانتقال من
مرحلة النقل إلى مرحلة الإبداع، حيث تختفي المصادر عند الإسكندر أو ثامسطيوس أو
سمبليقيوس. ثُم عاد ابن رشد إلى أرسطو الأول، تحت تأثير ثامسطيوس متجاوزًا تأثير
الإسكندر في ابن سينا، بالرغم من معرفته بالإسكندر، وبالرغم من قول ابن رشد بنظرية
في الاتصال بالعقل الفعال. ثُم نُقل كتاب النفس عند الشراح المسلمين بتوسُّط الإسكندر،
من كتابٍ طبيعي إلى كتابٍ إلهي أقرب إلى ما بعد الطبيعة، ناقلِين النص اليوناني من
بيئة النص المنقول منه، العقلانية المثالية إلى بيئة النص العربي المنقول إليه،
العقلانية المثالية الدينية.
٢٨
وقد يتجه الشرح إلى مَحو الفَرق بين المنطق والطبيعة، كما امَّحى الفرق بين الطبيعة
وما بعد الطبيعة. الفَرق بين الطبيعة هو الفَرق بين المنهج والتطبيق، بين التصوُّر
وموضوعه، بين عالم الأذهان وعالم الأعيان، بين الواحد والكثير. قد يُعاد بناء المنطق
وحده خاصةً الفصول؛ أي الأجناس، بحيث يُعاد ترتيبها لإثبات الواحد، جنس الأجناس،
والانتقال من المنطق إلى الميتافيزيقا.
٢٩ يُعاد بناء الطبيعة وحدها، من أجل إثبات حركتها ضد إنكار الحركة
(زينون)، حتى يتم الانتقال من الحركة إلى الثبات، ومن المتحرك إلى اللامتحرك،
وإثبات اليقين من الظن، والحق من الباطل، وإخراج الشيء خارج الوهم، كما فعل برجسون
في العصر الحديث،
٣٠ وكذلك إثبات الأضداد كخطوة لا شعورية لإثبات الهوية.
٣١
ومما لا ريب فيه أن الشراح اليونان يكشفون عن ارتقاءٍ في الوعي الفلسفي اليوناني،
موازٍ للارتقاء في الوعي الغربي المسيحي كمصدرَين متوازيَين في الوعي الأوروبي. الأول
عقلٌ مجرد يتجه نحو الوحدة، التوحيد الطبيعي الذي اكتمل بعد ذلك في آخر القرن
السادس، وتم الإعلان عنه في القرن السابع. كان التوحيد الطبيعي حاجةً ملحة في العصر
الهلِّيني، وكان يمثل مشروعه الحضاري. والثاني كان إيمانًا ارتكز على العقائد
والديانات المجاورة، واختلط فيه الواحد بالكثير. ويبدو ذلك من مواضيع مقالات
الإسكندر الأفروديسي، مثل تأثير الأجرام السماوية وتدبيرها، بما يشير إلى موضوع
العناية الإلهية، وكذلك رسالة في العالم وأي أجزائه تحتاج في ثباتها ودوامها، إلى
تدبير أجزاءٍ أخرى، تحيل أيضًا إلى موضوع العناية، وكذلك رسالة في القوة الآتية بين
حركة الجِرْم الشريف إلى الأجرام الواقعة تحت الكون والفساد، تشير إلى الثنائية
القديمة بين ما فوق القمر الخالد وما تحت فلك القمر الفاني، وكذلك مقالة في العناية
على رأي ديموقريطس وأبيقورس، وتحليل العناية الشخصية في تاريخ الفلسفة اليونانية.
أمَّا مقالة في الرد على من قال إنه لا يكون شيء إلا من شيء، فهي رؤية للخلق من عدمٍ
على طريقة الفلاسفة. كما يُذكر للإسكندر كتابان «كتاب التوحيد» و«كتاب آراء الفلاسفة
في التوحيد». وربما يكونان جزأين لكتابٍ واحد، الأول في الموضوع والثاني في تاريخه.
كما يتم الانتحال باسم الشراح نظرًا لسلطتهم المعنوية.
٣٢ كثيرٌ من مؤلَّفات الإسكندر إذن في موضوعاتٍ دينية مثل العناية، ورفض خروج
شيء إلا من شيء، إثبات الصور الروحانية، الهيولى مفعولة، كتاب التوحيد؛ ومن ثَمَّ صعُب
التمييز بين الشارح اليوناني والشارح الإسلامي (الكندي)؛ نظرًا للاتصال الحضاري
الفكري والتاريخي بين الحضارتَين، اليونانية والإسلامية. وما أسهلَ اعتمادَ المسلمين
على الإسكندر فهو ابن سينا قبل ابن سينا، والفارابي قبل الفارابي. المهم الدافع
الذي جعل الإسكندر يُفسِّر أرسطو هذا التفسير الديني. أمَّا مقالته في إثبات الصور
الروحانية التي لا هيولى لها، فإيمانٌ عقلي صريح، موضوع إلهي ميتافيزيقي لإثبات
الصور المفارقة ببراهينَ عقلية؛ فالإيمان العقلي عند الإسكندر سابق على الإيمان
الديني في الدين، وتالٍ له عند الحكماء؛ الإيمان العقلي هو البداية والنهاية، وهو
الأصل الدائم، الإيمان الديني فرعٌ وقتي بين قوسين،
٣٣ الفعل أكرم من الجوهر، والتوحيد بين
Melius,
majus.
٣٤
لقد أعاد الشراح اليونان إنتاج أرسطو وإقامته على الجانب الإلهي فيه؛ فليس
المسلمون وحدهم من خلال «أثولوجيا» الذين قاموا بذلك، بل الشراح اليونان كذلك من
خلال تكبير عبارات أرسطو الإلهية، وجعلها المركز وما سواها المحيط، مثل شرح ثامسطيوس
لمقالة اللام. لم يناقضِ الإسكندر أرسطو بل دافع عنه باستمرار كما فعل المسلمون،
فلماذا يُعاب على الحكماء المسلمين وحدهم دون غيرهم هذا الموقف الدفاعي من أرسطو؟
٣٥ يرُدُّ الإسكندر على المخالفِين لأرسطو ويدافع عنه،
٣٦ ويشرح موضوعاته طبقًا لآرائه؛
٣٧ فالإسكندر إلهي مثل أرسطو، يُثبِت أولوية الصورة على الوجود دفاعًا عن
أرسطو، وبالتالي أولوية الفكر على الواقع كما يقتضي الإيمان العقلي،
٣٨ والصورة تمام الحركة وكمالها، والميتافيزيقا أكمل من الفيزيقا،
٣٩ والفعل أَعمُّ من الحركة انتقالًا أيضًا من الطبيعة إلى ما بعد الطبيعة.
٤٠
وقد اعتمد الإسكندر على العقل البشري البديهي الذي هو أساس النقل عند المسلمين.
كما يُمثِّل ارتقاءً في الوعي الإنساني في العصر الهلِّينستي، كخطوةٍ نحو إعلان استقلال
هذا الوعي بظهور الإسلام. هذا بالإضافة إلى الجو المسيحي الذي كان سائدًا كثقافةٍ
عامة لغير المسيحيِّين، بل إن تعظيم المسلمِين له أعظمُ من تعظيم المسيحيِّين له، سواء
في
المسيحية اليونانية أو في المسيحية اللاتينية، ويظهر ذلك في الموضوعات مثل مبادئ
الكل، الوحدة الأولى.
٤١ كما يظهر في الحديث عن الأشياء الأزلية الإلهية وحركة الأشياء الإلهية،
والحيواني الإلهي، والجسم الإلهي، والأمر الإلهي، والقوة الإلهية، وكثرة استعمال
الصفة إلهي،
٤٢ بل يظهر اللفظ الإسلامي لفظ الجلالة «الله عز وجل وحده»، مما يدُل على
نقل الجانب الإلهي عن الشرح اليوناني إلى الجانب الإلهي، عند النقَلة الذي يعيشون في
الحضارة الإسلامية، نصارى كانوا مسلمين؛
٤٣ فالله عز وجل بدايتها من أرسطو معنًى لا لفظًا، ثم سارت إلى الإسكندر،
ثم تحوَّلَت من المعنى إلى اللفظ عند المترجم والناسخ والقارئ، تعبيرًا عن روح الحضارة
الإسلامية، كما يظهر الربط بين الميتافيزيقا والأخلاق والحديث عن الشريعة والمدينة والسياسة.
٤٤ هذا بالإضافة إلى الإفاضة في شرح العقل؛ لأنه يتعامل مع المعنى وليس مع
اللفظ، مع الكل وليس مع الجزء، مع المضمون وليس مع الصورة. لم تكن تبعية المسلمين
للإسكندر إذن لشخصه، بل لألوهيته خطوةً على الطريق إلى أفلوطين.
وبتتبُّع النصوص وشروحها يُلاحظ تقدُّم نحو التوحيد العقلي، والإيمان الفلسفي، ورد
الكثرة إلى الوحدة في أشكال القياس، والأشكال الفرعية إلى شكلٍ رئيسي واحد،
٤٥ وبصرف النظر عن كون الشارح مسيحيًّا أم لا، وهل له مشروع حضاري مستقل
عن وعي أو عن لا وعي، فإن تقدُّم الوعي الحضاري ومسار التاريخ يتجه من التنزيه
العقلي إلى التوحيد، ومن الإيمان الفلسفي إلى الإيمان النابع من الوعي؛ فثامسطيوس
في القرن الثاني يُمثِّل مرحلة من ارتقاء الوعي، والإسكندر في القرن الرابع يمثل
مرحلةً أكثر تقدُّمًا للوعي، حتى يأتي القرن السادس الهجري. وقد اكتمل التقدُّم وتمَّ
الإعلان عن التوحيد كتصوُّرٍ عقلي موروث من الحضارة اليونانية القديمة، وإيمانٍ موحًى
به
من الحضارة الجديدة، بل يصل التعظيم لأرسطو وأفلاطون لدرجةِ وصفِ كلٍّ منهما بأنه إلهي
قبل الفارابي في «الجمع بين رأيَي الحكيمَين، أفلاطون الإلهي وأرسطاطاليس الحكيم».
٤٦
وقد ميَّز الإسكندر في رسالتَيه «في النفس» و«في العقل» بين ثلاثة أنواع عن العقول:
العقل الهيولاني وهو يعادل العقل بالقوة عند أرسطو، والعقل بالملكة وهو لا يُوجد
مثله عند أرسطو، وأقرب إلى الأفكار الفطرية والمبادئ والمسلَّمات، والعقل الفعال الذي
هو أقرب إلى النور الذي يضيء المعقولات، وينقل العقل الهيولاني إلى عقل بالملكة؛
هكذا نقل الشراح اليونان التراث اليوناني حتى يتفق مع الجو المسيحي العام، حتى ولو
لم يكنِ الشراح اليونان مسيحيِّين. ثم وجد المسلمون التراث اليوناني بعد نقله لخدمة
المسيحية، جاهزًا لعمليات التمثُّل والاحتواء الإسلامية خاصة مع الشراح اليونان،
وربما أكثر من أرسطو الذي بعُد العهد به، والذي قام بمهمته في وضع الشيء فقط دون
تطويره. يتم الاعتماد على الإسكندر، والإحالة إليه كسلطةٍ علمية والاستشهاد به،
والإشارة إليه باحترامٍ وتقدير.
٤٧ لقد حول المسلمون القسمة الأرسطية البسيطة للعقل إلى فعال ومنفعل، إلى
قسمة أكثر تركيبًا عقل بالقوة، وعقل مُستفاد ولمزيد من الإحكام النظري. ولم يقصر
الأمر فقط على شرح المنطق والطبيعة وما بعد الطبيعة، بل انتقل الأمر أيضًا إلى
الأخلاق دفاعًا عن أرسطو.
٤٨
وفي دراسة نظرية العقل وأنواعه بين الفلاسفة والشراح اليونان، والشراح والفلاسفة
المسلمين والشراح والفلاسفة اللاتين المتأخرِين، هناك عمليتان حضاريتان مستقلتان:
الأولى تُمثِّل الشراح والفلاسفة المسلمين للنص اليوناني وشروحه؛ من أجل نقله من
الثقافة العقلية المثالية إلى الثقافة العقلية المثالية الدينية، تمثُّلًا واحتواءً من
أجل التأليف والإبداع. والثانية تأثُّر الشراح والفلاسفة اللاتين المتأخرِين في العصر
المدرسي، بشروح وتأليف الفلاسفة المسلمين. هنا يمكن تطبيق منهج الأثَر والتأثُّر في
حضارةٍ تاريخية تتكون في التاريخ. أمَّا في الحالة الأولى فهي عملياتٌ حضارية صِرفة،
لها طابعها المثالي المرتبط بماهية الفكر، وبنية موضوعاته المستقلة عن
التاريخ.
إن دراسة الشراح اليونان للفلسفة اليونانية في القرون السبعة الأولى قبل ظهور
الإسلام، تثير عدة إشكالاتٍ رئيسية منها:
- (أ)
هي جزء من الثقافة اليونانية الصامدة أمام المسيحية، نموذج الإسكندر
الأفروديسي؛ فبالرغم من ظهور الدين الجديد إلا أن الثقافة القديمة ما
زالت متواصلة.
- (ب)
هي جزء من الثقافة اليونانية التي دخلَت المسيحية وتفاعلَت معها، إما
في التشكُّل الكاذب، المضمون المسيحي واللغة اليونانية مثل التعبير عن
النفس والروح بالألفاظ اليونانية Pneuma,
Psyché، أو التضمُّن الكاذب، الشكل المسيحي والمضمون
اليوناني، مثل إعطاء أوصاف آلهة الأولمب للسيد المسيح. وهنا تبدو أهمية
الشراح اليونان المسيحيِّين، مثل يحيى بن عدي.
- (جـ)
هل هناك أَثرٌ غيرُ مباشر من المسيحية في الثقافة اليونانية، ظهَر في
كتابات الشراح ذي الثقافتَين اليونانية والمسيحية، مثل الإيمان الطبيعي
نظرًا للجو الديني العام الجديد، وقلب لمعادلة المركز والأطراف،
واعتبار اليونانية باستمرار هي الأساس، وكل تالٍ عليها من مسيحية أو
يهودية أو إسلامٍ هو فرعٌ لها، مُتأثِّر بها؟
- (د)
باعتبار أن هذا هو الفكر الديني السابق على الإسلام، قد يفيد في فهمِ
نقدِ القرآن للعقائد المسيحية واليهودية، ونقده التاريخي لصحة النصوص
الدينية، ونقده للسلوك العملي لأهل الكتاب.
- (هـ)
معرفة صورة هذا كله في الفكر الإسلامي عند الحكماء، وهل تابعوا نقد
القرآن أم قاموا باحتوائه في المنظور الإسلامي العام، أو برفضه والعودة
إلى أرسطو الصحيح.