تاسعًا: الترجمة وروح الحضارة
(١) «أثولوجيا» بين أفلوطين التاريخي والمصدر الخارجي
وتنقسم الترجمة العربية لتاسوعات أفلوطين إلى عشرة ميامر، فما الميمر؟ هل تصغير
ممر؟ وكيف هناك عشرة ميامر وهي تاسوعات؟ وليس لكل الميامر عناوين؛ فالثاني والثالث
بلا عنوان. والموجود حاليًّا تلخيص التاسوعات وشرحها معًا دون ترجمةٍ حرفية للنص
الأصلي، مما يدل على أن النص هو التأليف غير المباشر، عن طريق التمثُّل والاستيعاب،
وليس النقل اللغوي لنصٍّ تاريخي. والموجود حاليًّا أجزاء من التاسوعات الرابعة
والخامسة والسادسة، أُطلق عليها اسم أثولوجيا أرسطاطاليس، نصوص متفرقة باسم الشيخ اليوناني.١ وتاريخيًّا يرى البعض أن أثولوجيا يتكون من ثلاث قطع: الأولى مقدمة
مُنتحَلة تُصوِّر أثولوجيا على أنها نتيجة للميتافيزيقا، وهي من عمل الكندي من أجل إثبات
التكامل في رؤية أرسطو. وقد تكون من عمل شخصٍ آخر؛ نظرًا لارتباط الكندي بالعقل
والعلم في رسائله الفلسفية والطبيعية. والثاني جَدلُ رءوس المسائل، وهي شذراتٌ من كتاب
فرفوريوس «الرءوس والمسائل»، مما يدُل أيضًا على التأليف الجماعي عند قدماء اليونان،
لا فرق بين الأستاذ والتلميذ، وهذا حادث عند اليونان والمسلمِين والغربيِّين المحدَثِين
في المؤلَّفات المشتركة بين ماركس وإنجلز. والثالث نصُّ أثولوجيا، عشرة ميامر من تلميذ
لأفلوطين. والشذرات مأخوذة من التاسوعات الثلاثة الأخيرة، الرابع والخامس والسادس،
وهو الجزء الخاص بالإلهيات دون الطبيعيات، طبقًا لأفضلية الحضارة المنقول إليها وأولوياتها.٢
وليس صحيحًا أن الرواية أثَر من آثار الفلسفة التلفيقية الهلِّينية التي أنتجت
البويماندرس، والتي دان بها علماء الصابئة في حران، حتى عهدٍ متأخر عن ظهور الإسلام
بعدة قرون، حتى تكون أقرب إلى الوثنية منها إلى دين الوحي طبقًا للنظرية الماركسية
في الدين. علمًا بأن الصابئة مُوحِّدون بالله، ويعرفون العمل الصالح، لولا أنهم
يتقربون إليه عن طريق الكواكب.٣
وليس صحيحًا أنها نتاجٌ يهودي من نظرية الكلمة عند فيلون وعند خلفاء أفلوطين خاصة
يامبليخوس، وهي الحكمة الأولى علة العلل، هذا هو التشكُّل الكاذب، التعبير عن
المضمون اليهودي، بألفاظٍ ومصطلحاتٍ يونانية، وليس وجود الكذب في سفر يشوع بن سيراخ.٤ كما لا يهم إذا كانت بعض الزيادات في كتابِ ما بعد الطبيعة لعبد اللطيف
البغدادي من أصلٍ يهوديٍّ مصري، بل المهم هي الرؤية والتعبير عنها من خلال أية موادَّ
ثقافيةٍ متاحة؛ فالجذور التي تُورِق لا تسأل عن أيِّ نوعٍ من المياه ترتشف.٥ كما قيل أيضًا عن أن «إيضاح الخير المحض» لأبرقلس تأليفٌ يهوديٌّ وضعه ابن
داوود اليهودي؛٦ فاليهود والنصارى جزء من الحضارة الإسلامية، ويشاركون في صنعها، وقاموا
بالعمليات الحضارية مع المُسلمِين.
ليس صحيحًا إذن أن الرواية العربية لأثولوجيا أرسطاطاليس قد لُفِّقَت لاستعمال جمهور
المسلمِين، في حين أن الرواية الأخرى وضعها نصارى الشرق لِما فيها من نصوصٍ عن نظرية
الكلمة، بوصفها وسيطًا بين الواحد الأول والعقل الأول المبتدَع منه، وهي نصوص ذات
نزعةٍ مسيحية. وهو السبب الذي من أجله ظن الباحثون قبله أن الترجمة اللاتينية زيف
الأصل العربي لتتفق مع المسيحية،٧ فهذا هو النقل الحضاري مرةً إسلاميًّا ومرةً مسيحيًّا وضعية، أمَّا البحث
عن الوثيقة التاريخية الأصلية بلا نقلٍ حضاري إسلامي أو مسيحي، فإنها نزعةٌ تاريخية
وضعية مُجرَّدة باسم الموضوعية الحرفية الساذجة، التي تَبعُد كثيرًا عن الموضوعية
الحضارية، خاصةً إذا كان الباحث ماركسي المنهج، تاريخي النزعة.
وليس صحيحًا أنها أَثرٌ إسماعيلي؛ فلا يُرد الإسلام إلى الإسماعيلية، بل تُرد
الإسماعيلية إلى الإسلام.٨ وكيف يكون الفرع أصلًا والأصل فرعًا؟ والإسماعيلية بالنسبة للغرب أقرب
إليهم من الإسلام نظرًا للأصول الهندية الأوروبية المشتركة بين فارس والغرب،
وللعَداء المشترك لفارس والغرب ضد العرب أهل السنة. وإن كانت الكلمة هي الإرادة
والعلم، وكن أول ما خلق الباري، وهي علة العلل فإنها أشياءُ عاديةٌ مألوفة في علوم
الحكمة، وليست إسماعيلية بالضرورة. ووجود نسخة بحروفٍ عبرية لا تعني أن مؤلِّفها
يهوديٌّ إسماعيلي إشراقي لضرب الإسلام في مصر أو المغرب، أو الأندلس أو العراق أو
إيران أو سوريا. الأفلاطونية هي الأساس والإسماعيلية الأفلاطونية تنويعٌ عليها
وانتحالٌ لها. كما أن الإسلام هو المصدر والإسماعيلية تنويع عليه، وكما أن أفلاطون
هو المصدر والأفلاطونية تنويعٌ عليه، وعَودٌ إلى المصدر الشرقي فيه، فهي إذن عملياتٌ
متصلة من عملياتِ إبداعٍ حضاري متتالٍ.
ولا يأتي الإشراق من أي مصدرٍ فارسي أو تركي غيرِ عربي؛ نظرًا لأن الفلاسفة العرب
عقليون علميون مثل الكندي وابن رشد، في حين أن الفلاسفة غير العرب إشراقيون صوفية
مثل الفارابي وابن سينا؛ فالإشراق يتجاوز حدود القوميات إلى روح الحضارة، واكتمال
الحكمة الخالدة. ومع ذلك لم يتمَّ النقل إلى اللغة العربية وحدها، بل أيضًا إلى اللغة
الفارسية إمَّا مباشرةً من اليونانية أو من العربية. وقد كانت الثقافة اليونانية ممتدة
إلى فارس في عدة مراكز مثل بلخ، كما امتدَّت إلى الشام في أديرة النصارى في رها ونصيبين.٩ ويُعزِّز هذا المصدر الشرقي لأفلوطين أثرًا وتأثُّرًا.
(٢) الإشراق المصري اليوناني الإسلامي
وأفلوطين هو أفلاطون الشرقي، مؤسس الفلسفة الشرقية في مقابل فلاسفة اليونان،
فلاسفة الغرب. عاش في الإسكندرية، في مصر، ومصر هي الشرق مع بابل وكلدان؛ لذلك أتت
الإشارات المتعددة لمصر والبابليِّين ولفلاسفة الشرق.١٠ والفرق أن الشرقيِّين كانوا يرسمون صورًا، وينقُشون حجارة، وينحِتون
أصنامًا للمعاني على عكس اليونانيِّين الذين كانوا يستعملون الصوت والمنطق واللغة، وهو
ما لاحظه هيجل بعد ذلك في «علم الجمال». وإضافة بابل إلى مصر تكشف عن المركزَين
الحضاريَّين الرئيسيَّين في الشرق والغرب آنذاك، وهما مركزان حضاريان دينيان. ويكشف
أفلوطين اليوناني العقلي دلالاتِ الأصنام ويحتوي الوثنية الشرقية. وقد بلَغ من ارتباط
أفلوطين بمصر والشرق إلى حد تسمية كتابه أثولوجيا أرسطوطاليس بحسب المصريِّين.١١ الفلسفة اليونانية ذاتها ومن داخلها ومن نصوصها ومؤلِّفيها منفتحة على
الشرق، في حين أنا انغلَقنا عليها وتابعنا الأوروبيِّين في اعتبار اليونان المركز
والبداية، ليس قبلها شيء.
كان انفتاح أفلوطين على الشرق لأنه من أسيوط وعاش في الإسكندرية، ومصر قلب الشرق،
هو مصري المولد، يوناني اللغة، شرقي الثقافة، كما أن المصري الآن مصري المولد، عربي
اللسان، إسلامي الثقافة، وهو أحد الافتراضات وراء اعتبار كتاب «إيضاح الخير المحض»،
مؤلفًا قبل العصر الإسلامي. كان أفلوطين متفتحًا على التاريخ، مما جعله يخرج من
إطار اليونان. وكان يشير إلى الأولين إحساسًا منه بأنه من الآخرِين، كما هو الحال
عند المسلمين في التقابل بين المُتقدمِين والمُتأخرِين، بين الأوائل والأواخر، بين
السلف والخلَف.١٢ قد يكون الأولون عند أفلوطين هم الشعراء أو الفلاسفة اليونان، وقد
يكونون أبعد من ذلك وأقدم.
يقرأ الشيخ اليوناني كل تاريخ الفلسفة اليونانية قبله قراءةً إشراقية، ويعيد
تأويلها وإنتاجها من منظور حكمة الإشراق؛ فكل تاريخ الفلسفة اليونانية إشراقيٌّ نفسي
تطهري، أفلاطون، أبناذقليس، فيثاغورس؛ كلهم صوفيةٌ مسلمون يبغون رضاء الله والنجاة
من سخطه.١٣ كلهم يُمثِّلون ردَّ فعلٍ على النزعة الحسية اليونانية، فانقلبوا من الضد إلى
الضد، من الخارج إلى الداخل، ومن الحس إلى القلب. ويظهر التشكُّل الكاذب في وضع
المترجم كل معاني الشيخ اليوناني في الألفاظ الإسلامية مثل الله، الخالق، الباري عز
اسمه، سخط الله وغضبه، مبينًا أهمية التحليل اللفظي لأقوال الفيلسوف، والذهاب إلى ما
ورائها من المعاني بناءً على جدل اللفظ والمعنى. وإن تسمية أفلوطين بالشيخ اليوناني
إضفاءٌ لصورة الحضارة الإسلامية الجديدة على الحضارة اليونانية القديمة، واستيعاب
الوافد داخل الموروث. ولا يهم أفلوطين بشخصه بل برمزه؛ لذلك وضعوا بعض حكايته مع
ديوجانس الكلبي، المهم هو رسم صورةٍ أدبية حضارية
Portrait للحكيم الإشراقي، وليس تاريخ حياةِ شخصٍ
بعينه. وقد ينضم إليهم سقراط، وفيثاغورس وكل حكماء اليونان.
والعجيب أن يجمع أفلوطين وتلميذه بين الإشراقيات والمنطق، بين التاسوعات والمدخل
إلى المنطق، وأن فرفوريوس الصوري هو الذي جمع التاسوعات وفسرها، وماذا كان دور
فورفوريوس؟ هل الإملاء أم الجمع أم التفسير والتأويل؟١٤ ويرى البعض أن الذي سجل تعاليم الأستاذ هو أمليوس قبل فرفوريوس،١٥ والعجيب أن يأخذ فرفوريوس لقب الصوري، ويُشار إليه بأنه مُفسِّر كتاب
الربوبية، ولقبه نسبة إلى مدينة صور وليس إلى صورة.١٦
إن وضع أفلوطين مع أرسطو في الحضارة الإسلامية الناشئة لَنوعٌ من اكتمال الرؤية
بين الطبيعة والروح، الواقع والمثال، الفلسفة والتصوف، العقل والإشراق. كان من
الطبيعي أن يُوجد في الحضارة كلا البُعدَين، بصرف النظر عن نسبةِ كلِّ مذهب لفيلسوفٍ
بعينه
صوابًا أم خطأً. كان من الطبيعي نسبة التاسوعات لأفلوطين لأرسطو، حتى يكتمل الفيلسوف
الكامل بجانبٍ إشراقي، بعد أن ساد الجانب العقلي المنطقي الطبيعي، وكأن الحضارة
الإسلامية في ذاتها في مرآة الغير، فإن لم يكتب أرسطو التاسوعات لَنُسبَت إليه، وإن لم
تظهر التاسوعات لكُتبَت له. وإذا كان أرسطو اختيارًا أبديًّا من حيث النسَق العقلي
الطبيعي كان اختيار أفلوطين (أفلاطون الشرقي) اختيارًا أبديًّا كذلك من حيث الإشراق
والروح، وتلبية مطالب النفس للتصوف والغنوصية والحياة الأدبية، وتغلغل ذلك في
الضمائر بطريقةٍ شعورية، أعمق من مذهب أرسطو المنطقي الظاهري الجاف.١٧ أكمل أفلوطين العقل بالقلب، والفلسفة بالتصوُّف، كما فعل حكيم الإشراق
السهرودي في «حكمة الإشراق».
ولا يقتصر ذلك بالجمع بين أرسطو وأفلوطين (أفلاطون الشرقي) وحدهما، أو في عصر
الترجمة وحده، بل استمر ذلك كدافعٍ حضاريٍّ أصيلٍ ومتصل بعد ذلك في التأليف عند
الفارابي في «الجمع بين رأيي الحكيمين، أفلاطون الإلهي وأرسطاطاليس الحكيم». وتكفي
دلالة اللقب، أفلاطون الإلهي أي الإشراقي الصوفي الغنوصي نموذج أفلوطين،
وأرسطاطاليس الحكيم أي العقلي المنطقي الطبيعي. وليس هذا الجمع بين أرسطو وأفلوطين
خاصًّا بالحضارة الإسلامية وحدها؛ فقد حدَث أيضًا في الحضارة الغربية على نحوٍ آخر؛
ففي النقل الحضاري الذي قد تَمَّ من قبلُ في الحضارة المسيحية في الترجمة اللاتينية،
فتَغيَّر الأصل وتَحوَّل إلى تلخيصٍ موسَّع، تبدلَت الأفكار، ووُضع الأنبياء محل قدماء
الحكماء.١٨ وقد أُقحم في الميمر العاشر فصلٌ طويل مسيحي النزعة، يتناول الله وكلمة
الله والعقل الفعَّال والعقل المنفعل؛ فالترجمة اللاتينية قراءة وإعادة إنتاجٍ للنص
للاتفاق مع تعاليم الكنيسة.
والنصوص القديمة تكون كُلًّا حضاريًّا واحدًا، لا ينتسب كل نصٍّ منها إلى مؤلفٍ
بعينه، بل تُعبِّر كلها عن رؤيةٍ حضارية واحدة. تشير أثولوجيا أرسطوطاليس مثلًا إلى
كتاب «فلسفة الخاصة». هل هو كتابُ أفلوطين أو كتابُ غيره، أو كتابٌ مجهول المؤلف في
نفس الموضوع؟ كما تشير الترجمة إلى الروحانيِّين؛ أي فرقة بأكملها تمثل هذا التيار
ولها كتاباتها وعقائدها. ويشير إلى الشريعة الإلهية؛ أي إلى تنظيمٍ اجتماعي وقانوني
لمجتمعٍ روحاني.١٩
ما تَمَّ ليس ترجمةً حرفية بل نقلًا حضاريًّا، نقل من أثولوجيا إلى الربوبية،
والربوبية غير الإلوهية؛ إذ تتضمَّن الربوبية العناية بالعالم، وهو تصوُّر غيرُ موجود
في
أثولوجيا. وتُثبِت مقارنة المخطوطات هذا النقل الحضاري؛ ففي نشرة ديتريصي لا تُوجد
إشارةٌ إلى الله، في حين تُوجد الإشارة في مخطوطةٍ أخرى،٢٠ والنص اللاتيني يتبع النص العربي الذي يحيل إلى الله؛ لأنه في نفس
الموقف الحضاري، النقل من اليوناني إلى المسيحي. وقد ذكره المؤرخون أيضًا منقولًا
نقلًا حضاريًّا كما هو الحال عند المترجمِين، «كتاب القول على الربوبية»، «أثولوجيا
الربوبية»، وليس الله لأن الله هو الإله الحق.٢١ ويبدأ الميمر العاشر بالربط بين التوحيد والعمل الصالح.٢٢
(٣) عناصر الإشراق
والموضوع الغالب على النص هو النفس، ثم الباري ثم العقل ثم الكواكب ثم النار؛
فالتاسوعات نظرةٌ نفسية للعالم، إشراقيةٌ أوغسطينية، ومن النفس يتم الصعود إلى الله،
فيتم اكتشاف العقل لفهم الطريق، ثم تأتي الطبيعة بعد ذلك نزولًا من الله إلى
العالم، ثم يتم الصعود من جديد في الأخرويات إلى بقاء النفس بعد حسابها ثوابًا أم
عقابًا، فهل هذا المسار أفلوطيني أم إسلامي؟ أم إنه المسار الأفلوطيني قد تم إعادة
إنتاجه إسلاميًّا؟ والحقيقة أنه في رءوس المسائل لا تُوجد بنيةٌ متسقة، بل موضوعاتٌ
متفرقة مثل النفس، والعقل، والله، تتكرر بلا نظام؛ فليس الهدف هو بناء نسقٍ عقلي
إشراقي، بل مجرد فيضٍ إشراقي خاصة وأن النسق العقلي، المنطقي الطبيعي، موجود في باقي
أعمال أرسطو. ويبدأ الشيخ اليوناني بمختصرٍ وجيز، يضع فيه هذه الرؤية الكلية بكل
تفصيلاتها، أسوةً بأسلوب التأليف عند المسلمين.٢٣ البداية بالله كعلةٍ أولى، وكل ما سواه دونه في ذلك الزمان يتحرك إليه
بالشوق، وهو يفيض عليه بالعقل. وبتوسط العقل يستمر الفيض إلى النفس الكلية الفلكية،
ومن العقل بتوسط النفس يستمر الفيض إلى الطبيعة. والعالم العقلي كله حُسن وبهاء، كما
يصف القرآن السماء الدنيا المزينة بالمصابيح والثريا. والنفس خالدةٌ روحيًّا بعد
تطهيرها من أدران البدن؛ ففي مقابل حركة النزول، الفيض، هناك حركة الصعود، بصعود
النفس الطاهرة إلى الباري الأول. والسؤال إذن هل هذا الشيخ اليوناني الإسلامي؟ هل
هذا هو الفيلسوف اليوناني أم الصوفي الإسلامي؟
والإله الذي يشير إليه الشيخ اليوناني هو الله عز وجل، وهو الباري تبارك وتعالى،
فتم نقل الإله في الحضارة اليونانية على مركز الحضارة الجديدة؛ فالباري مُبدع وخالق
وهو العلة الأولى، العقل، الواحد، الأول، الحكيم، المُدبِّر، طبقًا لظاهرة التشكُّل الكاذب.٢٤ ويتضرع أفلوطين إلى الله ويسأله العفو والتوفيق كأشعري، يرى أن
التوفيق والهداية من الله، ويجمع بين الابتهال باللسان والابتهال بالعقل حتى تتم
الهداية، ويعرف الإنسان أن الواحد الخيِّر تفيض عنه الخيرات والفضائل عند من طلبها،
ودون تركيز على الجهد والعمل الصالح؛ فالعمل هو العمل العقلي التأملي؛ هذا إعادة
إنتاجٍ لنصِّ أفلوطين الأول ونقله من البيئة اليونانية إلى البيئة الإسلامية. وقد يضيف
الناسخ بعض الصفات الإلهية له طبقًا لعاداته الموروثة؛ فلا يكتفي بالباري بل يضيف الخير.٢٥ وهو يسوس العالم سياسةً عادلة؛ فهو إله الشريعة كما هو إله العقيدة،
يثيب ويعاقب.٢٦
أمَّا العقل فهو نور يشرق في النفس من الله؛ وبالتالي فهو حلقة الاتصال بين الله
والنفس والذوق.٢٧ ويصعب التمييز بين هذه الرؤية للشيخ اليوناني والرؤية الصوفية
الإسلامية، ولا شيء فيها يعارض العقل أو الذوق، مثل السعي إلى المعرفة، والاتجاه
نحو غاية، البحث عن الطريق الموصل إليها، ومعرفة طبيعة النفس، والجمع بين النظر
والعمل، والفلسفة والأخلاق، والعقل والذوق كما هو الحال في حكمة الإشراق. ما الفرق
بين رؤية الشيخ اليوناني ورؤية التصوف الفلسفي أو الفلسفة الإشراقية؟٢٨ والعمل هنا لا يعني الشعائر بل العمل العقلي. والجهد النفسي والتأمل
الذهني، هو عمل الشعور، عمل العقل والقلب وليس عمل الجوارح.
والنفس هو الموضوع الغالب على ميامر خمسة من الميامر العشرة.٢٩ في حين أن الله يغلب على ميمرَين، وكلٌّ من العقل والكواكب والنار في مَيمرٍ
مستقل. وأحيانًا تبدو النفس بيولوجية الطابع؛ فالنفس تمام البدن كما هو الحال عند
اسبينوزا، النفس صورة البدن؛٣٠ لذلك أُعجب به برجسون الذي فكَّر في العلة بين النفس والبدن، خاصة في
المادة والذاكرة. ويبدو الشيخ اليوناني ظاهراتيًّا لأنه يبحث في الميمر الثالث
ماهية النفس ضد الجرميِّين أي الماديِّين.
ومع ذلك تبدو النفس الطاهرة أيضًا مثل العقل في اتصالها بنور الفيض، هبوطًا عليها
وارتقائها نَحوَه صعودًا إليه، وهي متصلة بالله، وخالدة مثله. ويبدو أن هذا التراث
الصوفي مشترك بين كل الناس والحضارات، لا يخص فيلسوفًا بعينه أو حضارة بعينها، فلا
فرق بين أثولوجيا الشيخ اليوناني وحكمة الأشراق للسهروردي. إنما القضية في إعادة
تركيب الرؤية، بحيث تكون أوضح وأشمل والتعبير عنها بمصطلحاتٍ محلية، موروثة وليست
وافدة، مثل غضب الله؛ فالتصوُّف هو ما يجمع البشر وليس فقط الحكمة، والذوق طريق
للمعرفة عند الخاصة وليس فقط العقل. التجربة الصوفية واحدة عند كل الأتقياء
الأطهار. ولغة الشوق والحب، والعلو والسفل، والثنائية المتطهرة، لغة الثقافة
الشعبية وهوى النفس والعزاء الأُخروي عن الشقاء الدنيوي.٣١
١
وذكره بهذا الاسم أبو سليمان السجستاني في «صوان الحكمة»، والشهرستاني في
«الملل والنحل»، ومسكويه في «الحكمة الخالدة»، وجعله القدماء صاحبًا
لدياجونس الكلبي. وأوَّل من تنَبَّه لذلك هو ابن رشد من القدماء قبل المحدَثين
هاربريكر ورينان وفاشرو، ولنك، وديتريصي، وشفليتس، وروزه،
واشتينشنيدر.
٢
أفلوطين عند العرب، حققه وقدم له: عبد الرحمن بدوي، النهضة المصرية،
تصدير عام، ١٩٦٦م، ص٢٥–٣٣.
٣
السابق، تصدير عام، ص٥٩.
٤
السابق، تصدير، ص٦٠.
٥
كتاب ما بعد الطبيعة للبغدادي، أفلوطين، ص١٩٨–٢٤٠، الذي تحول من اليهودية
إلى النصرانية، وأصبح يوحنا الإشبيلي وهو فرض ألبير الكبير.
٦
الإيضاح في الخير المحض، الأفلاطونية المحدَثة، نصوص حققها وقدم لها د.
عبد الرحمن بدوي، وكالة المطبوعات، الكويت، تقديم، ص١–٣٠.
٧
هذا هو رأي بوريسوف في ١٩٣٠م (أفلوطين عند العرب، تصدير عام، ص٥٨–٦٩).
٨
هذا هو رأي بنيس Pines (السابق، تصدير
عام، ص٦٠).
٩
هناك في باريس مخطوط لترجمةٍ فارسية، باريس فارشي ملحق رقم ١٦٤ بعنوان
شعر فارس في مدحِ حِكَم أرسطاطاليس يوناني.
١٠
ونقول إن حكماء مصر قد كانوا رأَوا بلطف أذهانهم، هذا العالم العقلي
والصور التي فيه، وعرفوها معرفةً صحيحة، إمَّا بعلمٍ مُكتسَب وإمَّا بغريزة وعلمٍ
طبيعي. والدليل على ذلك أنهم كانوا إذا أرادوا أن يصفوا شيئًا، بيَّنوه
بحكمةٍ صحيحة عالية؛ وذلك أنهم لم يكونوا يرسمونه رسمًا بكتابٍ موضوع
بالعادة التي رأيناها بكُتيِّب، ولا كانوا يستعملون القضايا والأقاويل، ولا
الأصوات والمنطق، فيُعبِّرون به عما في نفوسهم — إلى من أرادوا — من الآراء
والمعاني، لكنهم كانوا ينقُشونها في حجارة أو في بعض الأجسام فيُصيِّرونها
أصنامًا (أثولوجيا، أفلوطين، ص١٥٩-١٦٠). «إن البابليِّين وحكماء أهل مصر، كانوا
قد رأَوا بلطف أذهانهم، هذا العالم العقلي والصور التي فيه، وعرفوه معرفةً
صحيحة إمَّا بعلمٍ مُكتسَب وإما بغريزة علمٍ طبيعي، خُصُّوا به كما خُص أهل بابل
بهذا وغيره …» (البغدادي: أثولوجيا، الفصل الثالث والعشرون، أفلوطين عند
العرب، ص٢٢٧).
١١
أفلوطين عند العرب، تصدير، ص٤٢ Thelogia Secundus
Aegyptios.
١٢
وهو الذي سمَّاه الأوَّلون دامطر Demeter
إله الخص والنماء (أفلوطين، ص١٥)؛ «وذلك أن الأوَّلِين قد اتفقوا على أن … اتفق
على ذلك أفاضل الناس وأراذلهم» (السابق، ص٢١)؛ وذلك أن الأولين قد اتفقوا على
أن النفس إذا صارت دنسة (ص٢١).
١٣
«صار هو (أبناذقليس) أيضًا إلى هذا العالم فرارًا من سخط الله تعالى …
أمرهم أن يستغفروا الإله عز وجل … وأمَّا أفلاطون الشريف الإلهي … الإشارة
إلى فادن، فيدون أي خلود النفس … وأن النفس إنما صارت في هذا العالم من فعل
الباري الخير، فإن الباري لمَّا خلق هذا العالم … فلهذه العلة أرسل الباري
النفس … هل الباري تعالى خلق الأشياء … وهي الآنية الأولى الحق … ويعني
بذلك الباري الخالق عزَّ اسمه … «أفلوطين ص٢٦»، وأحسن ما وصف الفيلسوف الباري
تعالى إذ قال إنه خالق العقل والنفس والطبيعة وسائر الأشياء كلها. غير أنه
ينبغي لسائل قول الفيلسوف أن ينظر إلى لفظه فيتوهم عليه أنه قال إن الباري
تعالى إنما خلق الخلق في زمان … (أثولوجيا، أفلوطين، ص٢٧).
١٤
كتاب أرسطاطليس الفيلسوف المسمى باليونانية أثولوجيا، وهو قول على
الربوبية تفسير فرفوريوس الصوري (أثولوجيا، أفلوطين، تصدير، ص٣).
١٥
يرى بول هنري أن أثولوجيا تُمثِّل التعليم الشفوي لأفلوطين، سجَّله تلميذه
أمليوس؛ فهو أسبق من التاسوعات التي نشرها فرفوريوس. وربما أن أثولوجيا
مجرد القسم الأول، من المقالات المائة التي يتألَّف منها تعليقات المجالس،
وهي النص الكامل لبعض محاضرات أفلوطين التي سجَّلها أمليوس (أفلوطين، تصدير،
ص٢٩).
١٦
وهو القول على الربوبية تفسير فرفوريوس العمودي، باريس، فارسي، ملحق رقم
١٦٤٠، أفلوطين، تصدير عام، ص٤٣، تيمور ١٠٢، أفلوطين، تصدير عام ص٨، ٤٧، ٦١٧
فلسفة، دار الكتب المصرية، القاهرة.
١٧
السابق، تصدير، ص٢.
١٨
هذه ملاحظةُ اشتينشنيدر ينقلها بدوي في السابق، تصدير، ص٨.
١٩
أثولوجيا، أفلوطين، ص٥٩–٦٣.
٢٠
«وهذا كما ذكر الحكيم أن الله تعالى قدَّر الأشياء كلها في العقل؛ فهو
يخرجها دائمًا في النفس بلا واسطة، وفي الطبيعة بواسطة النفس، وفي العالم
بواسطتها في شيء شيء إلى أن ينتهي إلى الجزئيات، فإذا جعل الله تعالى العقل
علة الأشياء فهو عليها ومحيط بها، والأشياء كلها فيه لأنها معلولاته»
(أفلوطين، تصدير عام، ص١٢). ويرى بوريسوف أن الرواية «صُنعَت وَفقَ أغراض ولاستعمال
جمهور المسلمين» (ص١٦).
٢١
الأول تسمية ابن أبي أصيبعة، والثاني تسمية حاجي خليفة (السابق، تصدير،
ص٩).
٢٢
«ونقول إن الباري الأول لمَّا كان هو الفاضل التام الفضيلة» (السابق، تصدير،
٤٢).
٢٣
«فغرضنا في هذا الكتاب القول الأول في الربوبية والإبانة عنها، وأنها هي
العلة الأولى وأن الدهر والزمان تحتها، وأنها علة العلل ومبدعها بنوعٍ من
الإبداع، وأن القوة النورية تسنح منها على العقل، ومنها بتوسط العقل على
النفس الكلية الفلكية، ومن العقل بتوسط النفس على الطبيعة، ومن النفس بتوسط
الطبيعة على الأشياء الكائنة الفاسدة، وأن هذا الفعل يكون منه بغير حركة،
وأن حركة جميع الأشياء منه وبسببه، وأن الأشياء تتحرك إليه بنوع الشوق
والنزوع. ثم نذكر بعد ذلك العالم العقلي ونَصِف بهاءه وشرفه وحسنه، ونذكر
الصور الإلهية الأنيقة الفاضلة البهية التي فيه، وأن منه زين الأشياء كلها
وحسنها، وأن الأشياء الحسية كلها تتشبه بها؛ أي إنها لكثرة قشورها لا تقدر
على حكاية الحق من وصفها. ثم نذكر النفس الفلكية ونَصِف أيضًا كيف تفيض القوة
من العقل عليها وكيف تشبهها به. ونحن نذكُر حُسن الكواكب وزينتها وبهاء تلك
الصور التي في الكواكب، ثم نذكر الطبيعة المتنقلة تحت فلك القمر، وكيف تسبح
القوة الملكية تحت فلك القمر، وكيف تسبح القوة الفلكية عليها وقبولها لتلك
وتشبهها بها وإظهارها أثرها في الأشياء الحسية الهيولانية الدائرة. ثم نذكر
حال هذه الأنفس الناطقة في هبوطها عن عالهما الأصلي إلى عالم الجسمانيات،
وصعودها وإيجاد العلة في ذلك، ونذكر النفس الشريفة الإلهية التي لزمت
الفضائل العقلية ولم تنغمس في الشهوات البدنية، ونذكر أيضًا حال الأنفس
البهيمية والأنفس النباتية ونفس الأرض والنار وغير ذلك» (أثولوجيا، أفلوطين،
ص٦-٧).
٢٤
في النيرَين وأنهما نوعان: أحدهما مثل الباري عز وجل والآخر مثل النفس
الكلية، في الباري عز وجل، وأنه لا يحتاج إلى الذكر لأن الذكر غيره
(أفلوطين عند العرب، ص١٠)؛ لا نفس ولا عقل ولا إله وهذا مُحالٌ قبيح جدًّا،
فنقول أن الله عز وجل علة العقل، والعقل علة النفس، والنفس علة الطبيعة،
والطبيعة علة الأكوان كلها الجزئية، غير أنه وإن كانت الأشياء بعضها علة
لبعض، فإن الله تعالى علة لجميعها كلها (ص٥٠)، فأمَّا الباري عز وجل فإنه يُحدث
إنيات الأشياء وصورها … (ص٥١)، إن الباري عز وجل (ص٦٥ ص٨٤)، جعل الباري عز وجل
(ص٦٥-٦٦)، الباري جل وعلا (ص٦٦)، الباري الأول عز وجل (ص٦٦–٦٨)، الباري جل ذكره
(ص٦٨)، الباري الأول (ص٦٨، ٨٧، ١٠٨، ١٤٧، ١٤٨)، الباري وحده (ص٨٥)، الباري سبحانه
(ص١٠٨، ١٦١)، الباري الحكيم (ص١٦٢)، الميمر الخامس من كتاب أثولوجيا في ذكر
الباري وإبداعه ما أبدع وحال الأشياء عنده (ص٦٥)، لزم من قولهم أن يكون الإله
تبارك وتعالى (ص٥٠)، إن شاء الله تعالى (ص٥٣)، المدبر الأول (ص٦٦، ١٢٠)، الحكيم
الأول عز وجل (ص٦٦).
٢٥
غير أنا نبتدئ فنتفرغ إلى الله تعالى ونسأله العفو والتوفيق لإيضاح ذلك،
ولا نسأله بالقول فقط، ولا نرفع إليه أيدينا الدائرة فقط، لكنا نبتهل إليه
بعقولنا ونبسط أنفسنا ونرُدُّها إليه، ونتفرغ إليه ونطلبه طلب ملجأ ولا نمَل؛
فإنَّا إذا فعلنا ذلك أنار عقولنا بنوره الساطع، ونفى عنا الجهالة التي نطقَت
بنا في هذه الأبدان، وقوَّانا على ما سألناه من المعونة على ذلك؛ فبهذا النوع
فقط نقوى على إطلاق هذه المسألة، وننتهي إلى الواحد الخيِّر الفاضل وحده،
مفيض الخيرات والفضائل على من طلبها حقًّا (أثولوجيا، أفلوطين، ص١١٤).
٢٦
في الهامش الباري الخير بدل الباري (أفلوطين، ص٢٤، هامش ١٨، ص٢٧، هامش ٥)،
الخير الأول هو الله الباري تعالى هو الخير الذي بالفعل، كل الأشياء إنما
كانت من الباري بجوده، الله يسوس العالم سياسة عدل، فلن يفلت مسيء من
عقوبته، ولا يعدم محسنٌ مثوبة (أثولوجيا، أفلوطين، ص٣٩).
٢٧
الميمر الرابع من كتاب أثولوجيا، في شرف عالم العقل وحسنه (أثولوجيا،
أفلوطين، ص٦٥). ورتبنا هذه العلل الترتيب الإلهي العقلي على توالي شرح النفس
والطبيبة وفعلهما (ص٥٥).
٢٨
«جدير بكل ساعٍ لمعرفة الغاية التي هو عامدها — للحاجة اللازمة إليها
وقدْر المنفعة الواصلة إليه في لزومه مسلك البغية لها — تدميث الأساليب
القاصدة إلى عين اليقين المزيل للشك عن النفوس، عند الإفضاء به إلى ما طلب
منها، وأن يلزم طاعةً تصرفه عما يمنعه من لذاذة الترقي في رياضات العلوم
السامية، إلى غاية الشرف التي ترقى النفوس العقلية بالنزوع الطبيعي إليها»
(أثولوجيا، أفلوطين، ص٣-٤). «قال الحكيم: أول البقية آخر الدرك، وأول الدرك آخر
البقية فالذي انتهينا إليه من أول الفن الذي تضمَّنه كتابنا هذا هو أقصى
غرضنا، وغاية مطلوبنا في عامةِ ما تقدَّم من موضوعاتنا. ولمَّا كانت غاية كل فحص
وطلب إنما هو درك للحق، وغاية كلِّ فعلٍ نفاذ العمل، فإن استقصاء الفحص والنظر
يُفيد المعرفة الثابتة، بأن جميع الفاعلين الكاملين يفعلون بسبب الشوق
الطبيعي السرمدي، وأن ذلك الشوق والطلب لعلةٍ ثانية، وأنه إذا لم يثبت معنى
الغاية التي هي المطلوبة عند الفلسفة، بَطلَ الفحص والنظر وبطلَت المعرفة
أيضًا، وبطل الجود الفعل» (أثولوجيا، أفلوطين، ص٤).
٢٩
هي الميامر الأول والثاني والثالث والسابع والتاسع. والله يغلب على
الميمر الخامس والعاشر، ومن حيث كم الصفحات تأخذ النفس ٧٧ص، والله ١٨ص،
والعقل ٩ص، والكواكب ١٠ص؛ وبالتالي يكون ترتيب الموضوعات من حيث الأهمية
الكمية: النفس، فالنار، فالله، فالكواكب، فالعقل.
٣٠
أفلوطين، ص٥٤.
٣١
«إني ربما خلوتُ إلى نفسي، وخلعتُ بدني جانبًا، وصرتُ كأني جوهرٌ مجرد بلا
بدن، فأكون داخلًا في ذاتي راجعًا إليها، خارجًا من سائر الأشياء، فأكون
العلم والعالم والمعلوم جميعًا، فأرى في ذاتي من الحسن والبهاء والضياء ما
أبقى له متعجبًا بهتًا، فأعلم أني جزء من أجزاء العالم الشريف الفاضل
الإلهي ذو حياةٍ فعالة، فلما أيقنتُ بذلك ترقيتُ بذاتي من ذلك العالم إلى
العالم الإلهي … فأرى كأني واقف في ذلك الموقف الشريف الإلهي … فأبقى
متعجبًا كيف انحدَرتُ من هذا الموقع الشامخ الإلهي … والترقي إلى العالم
العقلي ثم إلى العالم الإلهي» … (أفلوطين، ص٢٢)؛ «وذلك أن الأولين قد اتفقوا
على أن النفس إذا صارت دنسة، وانقادت إلى البدن في شهواتها، حل عليها غضب
من الله (تعالى)، فيحرص المرء عند ذلك أن يرجع عن أفعاله البدنية ويُبغِض
شهوات البدن، ويبدأ يتضرع لله ويسأله أن يُكفِّر عنه سيئاته ويرضى عنه. وقد
اتفق على ذلك أفاضل الناس وأراذلهم، واتفقوا أيضًا أن يترحَّموا على أمواتهم
والماضِين من أسلافهم، ويستغفروا لهم، ولو لم يوقنوا بدوام النفس وأنها لا
تموت لَمَا كانت هذه عادتهم، ولَمَا صارت كأنها سُنةٌ طبيعية لازمة مضطرة»
(أثولوجيا، أفلوطين، ص٢١).
٣٢
في الأشياء السماوية وأنها فواعل ودلائل (أثولوجيا، أفلوطين، الجواهر
الشريفة الإلهية، ص٨٧، السماء العلوي والأفلاك، ص٩، ٢٨، الجن، ص٨٠).
٣٣
من العقيدة إلى الثورة، المجلد الأول، المقدمات النظرية، الفصل الرابع،
نظرية الوجود، ص٤١١–٦٣٦.